تفسير سورة الأنفال

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
مدنية وهي خمس أو ست أو سبع وسبعون آية

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)
﴿يسألونك عَنِ الأنفال قُلِ الأنفال لِلَّهِ والرسول﴾ النفل الغنيمة لانها من فضل الله وعطائه والانفاق الغنائم ولقد وقع اختلاف بين المسلين في غنائم بدر وفي قسمتها فسألوا رسول الله كيف تقسم ولمن الحم في قسمتها للمهاجرين أم للأنصار أم لهم جميعاً فقيل له قل لهم هي لرسول الله وهو الحاكم فيها خاصة يحكم فيها ماشياء ليس لأحد غيره فيها حكم ومعنى الجمع بين ذكر الله والرسول أن حكمها مختص بالله ورسوله يأمر الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ومتثل الرسول أمر الله فيها وليس الأمر في قسمتها مفوضاً إلى رأي أحد ﴿فاتقوا الله﴾ فى الاختلاف والتخاصم وكونوا متى خين في الله ﴿وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾ أحوال بينكم يعنى ما بينكم من الأحوال حتى تكون احوا لألفة ومحبة واتفاق وقال الزجاج معنى ذَاتَ بِيْنِكُمْ حقيقة وصلكم والبين الوصل أى فتقوا الله وكونوا مجتمعين على ما أمر الله ورسوله به قال عبادة بن الصامت رضى الله عنه نزلت فينا يا معشر أصحاب بدر حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فحلعه لرسول الله ﷺ فقسمه بين المسلمين على غلسواء ﴿وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ﴾ فيما أمرتم به في الغنلائم وغيرها ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ كاملي الإيمان
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢)
﴿إنما المؤمنون﴾ إنما الكاملون الإيمان ﴿الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ فزعت لذكره استعظاماً له وتهيباً من جلاله وعزه وسلطانه ﴿وإذا تليت عليهم آياته﴾ أى القرآن ر ﴿زَادَتْهُمْ إيمانا﴾ ازدادوا بها يقيناً وطمأنينة لأن تظاهر الأدلة أقوى المدلول عليه وأثبت لقدمه أو زادتهم غيمانا بتلك الآيات لأنهم لم يؤمنوا بأحكامها قبل ﴿وعلى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ يعتمدون ولا يفوضون أمورهم إلى غير ربهم لا يخشون ولا يرجون
الأنفال ٣ ٥ إلا اياه
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)
﴿الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ﴾ جمع بين أعمال القلوب من الوجل والإخلاص والتوكل وبين أعمال الجوارح من الصلاة والصدقة
أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)
﴿أُوْلئِكَ هُمُ المؤمنون حَقّاً﴾ هو صفة لمصدر محذوف أي أولئك هم المؤمنون إيماناً حقاً أو مصدر مؤكد للجلة التي هي أُوْلئِكَ هُمُ المؤمنون كقولك هو عبد الله حقاً أي حق ذلك حقاً وعن الحسن رحمه الله أن رجلاً سأله أمؤمن أنت قال إن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث والحساب فانا مؤمن وإن كانت تسألني عن قوله إِنَّمَا المؤمنون الآية فلا أدرى انا منها أم لاوعن الثورى من زعم أنه مؤمن باله حقا ثم لم يشهد أنه أهل الجنة فقد آمن بنصف الآية أي كما لا يقطع بأنه من أهل ثواب المؤمنين حقاً فلا يقطع بأنه مؤمن حقاً وبهذا يتشبث من يقول أنا مؤمن إن شاء الله وكان أبو حنيفة رحمه الله لا يقول ذلك وقال لقتادة لم تستثني فى إيمانك قال اتباعها لإبراهيم في قوله ﴿والذى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لي خطيئتي يوم الدين﴾ فقال له هلا اقتديت به في قوله أو لم تؤمن قال بتى وعن إبراهيم التيمي قل أنا مؤمن حقاً فإن صدقت أثبت عليه وإن كذبت فكفرك اشد من كذبك وعن ابن عباس
630
رضى الله عنهما من لم يكن منافقاً فهو مؤمن حقاً وقد احتج عبد الله فقال أنا أحمد حقاً فقال حيث سماك والداك لا تستثني وقد سماك الله في القرآن مؤمناً تستثني ﴿لَّهُمْ درجات﴾ مراتب بعضها فوق بعض على قدر الأعمال ﴿عِندَ ربهم ومغفرة﴾ وتجاوز لسيآتهم ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ صافٍ عن كد الاكتساب وخوف الحساب
631
كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (٥)
الكاف في ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾ في محل النصب على أنه صفة لمصدر الفعل المقدر والتقدير قل الأنفال استقرت لله والرسول وثبتت مع كراهتم ثبات مثل ثبات إخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون ﴿مِن بَيْتِكَ﴾ يريد بيته بالمدينة أو المدينة نفسها لأنها مهاجرة ومسكنة فهي فى اختصاصها به كاختصاص البيت لساكنه ﴿بالحق﴾ اخرادها ملتبسا بالحكمة والصواب ﴿وإن فريقا من المؤمنين لكارهون﴾ في موضع الحال أي أخرجك في حال كراهتك وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام فيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكباً منهم أبو سفيان فأخبر جبريل النبي عليه السلام فأخبر أصحباه فأعجبهم تلقي العير لكثرة الخير وقلة القوم فلما خرجوا علمت قريش بذلك فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة وهو النفير في المثل السائر لا في العير ولا في النفي فقيل له إن
الأنفال ٦ ٧ العير أخذت طريق الساحل ونجت فأبى وسار بمن معه إلى بدر وهو ماء كانت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوماً في السنة ونزل جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن الله وعدكم احدى الظائفيتن غما العير وإما قريشا فاستشار النبى ﷺ أصحباه وقال العير أحب غليكم أم النفير قالوا بل العير أحب إلينا من لقاء العدو فتغير وجه رسول الله ﷺ ثم ردد عليهم فقا لأن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل فقالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فقام عند غضب النبى ﷺ أبو بكر وعمر رضى الله عنهما فأحسنا ثم قام سعد بن عبادة
631
فقال انظر أمرك فامض فوالله لو سرت إلى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الانصار ثم قال المقداد ابن عمرو وامض لما أمرك الله فإنا ههنا قاعدون ولكن اذهب ولكن اذهب أنت وربكم فقاتلا إنا معكما مقاتلون مادامت عين منا تطرف فضحك رسول الله ﷺ وقال سعد بن معاذ امض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته فخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد فسر بنا على بركة الله ففرح رسول الله ﷺ ونشطه قول سعد ثم قال سيروا على بركة الله ابشروا فإن الله وعدنى غحدى الطائفتبين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم وكانت الكراهة من بعضهم لقوله وَإِنَّ فَرِيقاً من المؤمنين لكارهون قال الشيخ أبو منصور رحمه الله يحتمل أنهم منافقون كرهوا ذلك اعتقاداً ويحتمل أن يكونوا مخلصين وأن يكون ذلك كراه طبع لأنهم غير متأهبين له
632
يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦)
﴿يجادلونك فِي الحق﴾ الحق الذي جادلوا فيه رسول الله ﷺ تلقى النفير لإيثارهم عليه تلقى العير ﴿بعد ما تبين﴾ بعد اعلام رسول الله ﷺ بانهم ينصرون وجدالهم قولهم ماكان خروجناا إلا للعيبر وهلا قلتلنا لنستعد وذلك لكراهتهم القتالر ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الموت وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ شبه حالهم في فرط فزعهم وهم يسار بهم إلى الظفر والغنيمة بحال من يعتل إلى القتل ويساق على الصفار إلى الموت وهو مشاهد لأسبابه ناظر إليها لا يشك فيها وقيل كان خوفهم لقلة العدد وأنهم كانوا رجالة وما كان فيهم إلا فارسان
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (٧)
﴿وإذ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين﴾ إذ منصوب باذكر وإحدى
632
مفعول ثانٍ ﴿أَنَّهَا لَكُمْ﴾ بدل من إِحْدَى الظائفتين وهما العير والنفير والتقدير وإذ يعدكم الله أن إحدة الطائفتين لكم ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ﴾ أي العير وذات الشوكة ذات السلاح كانت في النفير لعددهم وعدتهم أي تتمنون أن تكون لكم العير لأنها الطائفة التي لا سلاح لها ولا تريدون الطائة ف الأخرى ﴿وَيُرِيدُ الله أَن يُحِقَّ الحَقَّ﴾
أي يثبته ويعليه ﴿بكلماته﴾ بآياته المنزلة في محاربة ذات الشوكة وبما أمر الملائكة من نزولهم للنصرة وبما قضى من قتلهم وطرحهم في قليب بدر ﴿وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين﴾ آخرهم والدابر الآخر فاعل من دابر إذا أدبر وقطع الدابر عبارة عن الاتسئصال ينعى أنكم تريدون الفائدة العاجلة وسفساف الأمور والله تعالى يريد معالى الامور ونصرة الحق وعلوا الكلو وشتان ما بين المرادين ولذلك اختار لكم الطائفة ذات الشوكة وكسر قوتهم بضعفكم وأعزكم وأذلهم
633
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)
﴿ليحق الحق﴾ متعلق بيقطع أو بحذوف بقديره ليحق الحق ﴿وَيُبْطِلَ الباطل﴾ فعل ذلك والمقدر متأخر ليفغيد الاختصاص أى ما فعله إلا لهما هوه إثبات الاصلام وإظهراه وإبطال الكفر ومحقه وليس هذا بتكرارا لأن الأول تمييز بين الإرتديتن وهذا بيان لمراده فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها لهم ونصرتهم علهيا ﴿وَلَوْ كَرِهَ المجرمون﴾ المشركون ذلك
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩)
﴿إذ تستغيثون ربكم﴾ بدل من إذا يَعِدُكُمُ أو متعلق بقوله لِيُحِقَّ الحق وَيُبْطِلَ الباطل واستغاثتهم أغثنا وهى طلب الغوث وهو التخلص من المكروه ﴿فاستجاب لكم﴾ فأجاب وأصله ﴿أني ممدكم﴾ بانى ممدكم فحذف الجار وسط عليه استجاب
633
فنصب محله ﴿بألف من الملائكة مردفين﴾ مدنى غيره بكسر الدال وفتحها فكسر على أنهم أردفوا غيرهم والفتح على أنه أردف كل ملك ملكاً آخر يقال ردفه إذا تبعه واردفته إياه إذا اتبعته
634
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠)
﴿وَمَا جَعَلَهُ الله﴾ أي الإمداد الذي دل عليه ممدكم ﴿إلا بشرى﴾ إلا بشارة لم بالنصر ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ يعني أنكم استغثتم وتضرعتم لقلتكم فكان الإمداد بالملائكة بشارة لكم بالنصر وتسكيناً منكم وربطاً على قلوبكم ﴿وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله﴾ أي ولا تحسبوا النصر من الملائكة وغيرهم من الأساب إلى من عند الله والمصور من نصره الله واختلف في قتال الملائكة يوم بدر فقيل نزل جبريل عليه السلام فى خسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر رضى الله عنه وميكائيل فى خسمائة على الميسرة وفيها على ضلى الله عنه في صورة الرجال عليهم ثياب بيض وعمائم بيض قد أرخوا أذنابها بين أكتافهم فقاتلت حتى قال أبو جهل لا بن سمعود من اين كان ياتينا الضرب ولا ترى الشخص قال من قال فهم غلبونا لا أنتم وقيل لم يقاتلوا وإنما كانوا يكثرون السواد ويثتبون المؤمنين وإلا فملك واحد كافٍ في إهلاك أهل الدنيا ﴿أَنَّ الله عَزِيزٌ﴾ بنصر أوليائه ﴿حكيم﴾
الأنفال ١١ ١٣ بقهر أعدائه
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (١١)
﴿إِذْ يُغَشّيكُمُ﴾ بدل ثانٍ من إِذْ يَعِدُكُمُ أو مصوب بالنص راو باضمار اذكر بغشيكم مدني ﴿النعاس﴾ النوم والفاعل هو الله على القاءتين يغشاكم النعاس مكى وأبو عمرو ﴿أمنة﴾ مفعول له أي إذ تنعسون أمنة بمعنى أمناً أي لأمنكم أو مصدر أي فأمنتم أمنة فالنوم يزيح الرعب ويريح النفس ﴿مِنْهُ﴾ صفة لها أى امته حاصلة لكم من الله ﴿وَيُنَزّلُ﴾ بالتخفيف مكي وبصرى وبالتشديد غيرهم {عليكم من
634
السماء ماء} مطار ﴿لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ﴾ بالماء من الحدث والجنابة ﴿وَيُذْهِبَ عنكم رجز الشيطان﴾ وسوسته الهم وتخويفه إياهم من العطش أو الجنمابة من الاحتلام لأنه من الشيطان وقد وسوس إليهم أن لا نصرة مع الجنابة ﴿وَلِيَرْبِطَ على قلوبكم﴾ بالصب ﴿وَيُثَبّتَ بِهِ الأقدام﴾ أي بالماء إذ الأقدام كانت تسوح في الرمل أو بالربط لأن القلب إذا تمكن فيه الصبر يثبت القدم في مواطن القتال
635
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (١٢)
﴿إِذْ يُوحِى﴾ بدل ثالث من إِذْ يَعِدُكُمُ أو منصوب بيثبت ﴿ربك إلى الملائكة أني معكم﴾ بالنصر ﴿فثبتوا الذين آمنوا﴾ بالبشرى كان الملك يسير أمام الصف في صورة رجل فيقول أبشروا فإن الله ناصرم ﴿سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب﴾ هو امتلاء القلب من الخوف والرعب شامى وعلى ﴿فاضربوا﴾ أمر للمؤمنين أو للملائكة وفيه دليل على أنهم قاتلوا ﴿فَوْقَ الأعناق﴾ أى أعالى الاعناق التى هى المذابح تطييرر للرءوس أو أراد الرءوس لانها فوق الأعناق حتى ضرب الهام ﴿واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ هي الأصابع يريد الأطراف والمعنى فاضربوا المقاتل والشوي لأن الضرب إما أن يقع على معقل اوغير مقتل فامرهم اغن يجمعوا عليهم النوعين
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٣)
﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العاجل وهو مبتدأ خبره ﴿بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ الله وَرَسُولَهُ﴾ أي ذلك العقاب وقع عليهم بسبب مشاقتهم أي مخالفتهم وهي مشتقة من الشق لأن كلا المتاديين في شق خلاف شق صاحبه وكذا المعاداة والمخاصمة لأن هذا في
635
عدوة وخُصم أي جانب وذا في عدوة وخصم ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب﴾ والكاف في ذلك لخطاب الرسول أو لكم أحد وفى ذلم للكفرة على طريقة الالتفات ومحله الرفع على ذلكم العقاب أو العقاب
636
ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (١٤)
﴿ذلكم فذوقوه﴾ والواو ﴿وَأَنَّ للكافرين عَذَابَ النار﴾
بمعنى مع أي ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة فوضع الظاهر موضع الضمير
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥)
﴿يا أيها الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ زَحْفاً﴾ حال من الذين كَفَرُواْ والزحف الجيش الذي يرى لكثرته كأنه يزحف أى يدب دبيبا من الزحف الصبي إذا دب على استه قليلاً قليلاً سمي بالمصدر ﴿فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأدبار﴾ فلا تنصرفوا عنهم منهزمين أى إذا لقيتموهم للتقال وهم كثير ووأنتم قليل فلا تفرواا فضلا أن تدانوهم فى الهدد أو تساووهم أو حال من المؤمنين أو من الفريقين أي إذا لقيتموهم متزاحفين هم وانتم
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)
﴿وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرّفاً﴾ مائلاً ﴿لقتال﴾ وهو الكسر بعد الفريخيل عدوه أنه منهزم ثم يعطف عليه وهو من خدع الرحب ﴿أو متحيزا﴾ منظما ﴿إلى فئة﴾ إلى جماع اخرى من المسليمن سوى الفئة التى هو تفيها وهما حالان من ضمير الفاعل في يُوَلّهِمْ ﴿فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مّنَ الله وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير﴾ ووزن متحيز متفيعل لا متفعل لأنه من حاز يجوز فبناء متفعل منه متحوزا
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧)
ولما كسروا أهل مكة وقتلوا وأسروا وكان القاتل منهم يقول تاخفار قتلت وأسرت قيل لهم ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكن الله قَتَلَهُمْ﴾ والفاء جواب لشرط محذوف تقديره أن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم ولكن
636
الله قتلهم ولما قال جبريل للنبى ﷺ خذ قبضة من تراب فارمهم بها فرماى بها فى وجوهم وقال شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا شغل بعينه فانهزموا قيل ﴿وَمَا رَمَيْتَ﴾ يا محمد ﴿إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى﴾ يعني أن الرمية التي رميتها أنت لم ترمها أنت على الحقيقة لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها إلا ما يبلغه أثر رمي البشر ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثصر العظيم وفي الآية بيان أن فعل العبد مضاف إليه كسباً وإلى الله تعالى خلقاً لا كما تقول الجبرية والمعتزلة لأنه أثبت الفعل من العبد بقوله إِذْ رَمَيْتَ ثم نفاه عنه وأثبته لله تعالى بقوله ولكن الله رمى ولكنم الله قتلهم ولكمن الله رمى بتخفيف لَكِنِ شامي وحمزة وعلي ﴿وليبلي المؤمنين﴾ ولعيطيهم ﴿منه بلاء حسنا﴾ عطاء تجميلا والمعنى وللإحسان إلى المؤمنين فعل ما فعل وما فعل إلا لذلك ﴿إِنَّ الله سَمِيعٌ﴾ لدعائهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بأحوالهم
637
ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (١٨)
﴿ذلكم﴾ إشارة إلى البلاء الحسن ومحله الرفع أى المراد ذلكم ﴿وَأَنَّ الله مُوهِنُ كَيْدِ الكافرين﴾ معطوف على ذلكم أي المراد إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين
الأنفال ١٨ ٢٢ مُوهِنُ كَيْدِ شامي وكوفي غير حفص مُوهِنُ كَيْدِ حفص مُوهِنُ غيرهم
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩)
﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح﴾ إن تستنصروا فقد جاءكم النصر عليكم وهو خطاب لأهل مكة لأنهم أرادوا أن ينفروا تعلقوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم إن كان محمد على حق فانصره وان كنا على ى الحق فانصرنا وقيل إِن تَسْتَفْتِحُواْ خطاب للمؤمنين وان تنتهوا للكافرين أي ﴿وإن تنتهوا﴾ عن عداوة رسول الله ﷺ ﴿فهو﴾ أى الانتهاء ﴿خير لكم﴾
637
وأسلم ﴿وإن تعودوا﴾ لمحاربة هـ ﴿نَعُدْ﴾ لنصرته عليكم ﴿وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ﴾ جمعكم ﴿شيئا﴾ ولو كثرت عدد ﴿وَأَنَّ الله مَعَ المؤمنين﴾ بالفتح مدني وشامي وحفص أي ولأن الله مع المؤمنين بالنصر كان ذلك وبالسكر غيرهم ويؤيده قراءة عبد الله والله مَعَ المؤمنين
638
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠)
﴿يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ﴾ عن رسول الله ﷺ لأن المعنى وأطيعوا رسول الله كقوله والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يرضوه ولأن طاعة الرسول وطاعة الله شيء واحد من يطع الرسول فقد أطاع الله فكان رجوزع الضمير إلى أحدهما كرجوعه اليهما كقولك الاحسان والاجمال لا ينفع فى فغلان أو يرجع الضمير إلى الأمر بالطاعة أي ولا تولوا عن هذه الأمر وامتثاله والإجمال لا ينفع في فلان أو يرجع الضمير إلى الأمر بالطاعة أي ولا تولوا عن هذا الأمر وامتثاله وأصله ولا تتولوا فحذف إحدى التاءين تخفيفاً ﴿وأنتم تسمعون﴾ أى وانتم تسمونه أو ولا تتولوا عن رسول الله ﷺ ولا تخالوفا وأنتم تسمعون أي تصدقون لأنكم مؤمنون لستم كالصم المكذبين من الكفرة
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٢١)
﴿وَلاَ تَكُونُواْ كالذين قَالُواْ سَمِعْنَا﴾ أي ادعوا السماع وهم المنافقونه وأهل الكتاب ﴿وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾ لأنهم ليسوا بمصقدين فكانهم غير سامعين والمعنى انكم تعصدقون بالقرآن والنبوة فإذا توليتم عن طاعة الرسول في بعض الأمور من قسمة الغنائم وغيرها أشبه سماعكم سماع من لا يؤمن ثم قال
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (٢٢)
﴿إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الصم البكم الذين لاَ يَعْقِلُونَ﴾ أي إن شر من يدب على وجه اغلارض البهائم وإن شر البهائم الذين هم صم عن الحثق لا يعقلونه جعلهم من جنس البهائم ثم جعلهم شرها لأنهم عاندوا بعد الفهم وكابروا بعد العقل
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)
﴿وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ﴾ في هؤلاء الصم البكم ﴿خيرا﴾ صدقا ورغبة ﴿لأسمعهم﴾ لجعلهم سامعيه تحتى يسمعوا سماع المصدقين ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ﴾ عنه أى ولو أسمعهم وصدقوا لارتدوا
الأنفال ٢٢ ٢٦ بعد ذلك ولم يستقيموا ﴿وَهُم مُّعْرِضُونَ﴾ عن الإيمان
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤)
﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ﴾ وحد الضمير أيضاً كما وحده فيما قبله لأن استجابة رسول الله ﷺ وسلم كاستجابته والمراد بالاستجابة الطاعة والامتثال وبالدعوة البعث والتحريض ﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ من علوم الديانات والشرائع لأن العلم حياة كما أن الجهل موت كما قال الشاعر... لا تعجبنّ الجهول حلته... فذاك ميت وثوبه كفن...
أو لمجاهدة الكافر لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم أو للشهادة لقوله تعالى بل أحياء عند ربهم ﴿واعلموا أَنَّ الله يحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ﴾ أى يميته فتفوته الفرصة التى هو واحدها وهى التمكن من اخلاص القلب فاغتموا هذه الفرصة وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله أو بينه وبين ما تمناه بقلبه من طول الحياة فيفسخ عزائمه ﴿وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ واعلموا أنكم إليه تحشرون فيثيبكم على حسب سلامة القلوب وإخلاص الطاعة
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢٥)
﴿واتقوا فِتْنَةً﴾ عذاباً ﴿لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً﴾ هو جواب للأمر أي إن أصابتكم لا تصب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم وجاز أن تدخل النون والمؤكدة في جواب الأمر لأن فيه معنى النهي كما إذا قلت انزل عن الدابة لا تطرحك وجاز لا تطرحتك ون فى منك للتبعيض ور ﴿واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب﴾ إذا عاقب
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦)
﴿واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ﴾ إذ مفعول به لا ظرف أي واذكروا وقت كونكم أقلة أذلة ﴿مُّسْتَضْعَفُونَ فِى الأرض﴾ أرض مكة قبل الهجرة تستضعفكم قريش ﴿تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ الناس﴾ لأن الناس كانوا لهم أعداء مضادين ﴿فأواكم﴾ إلى المدينة ﴿وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ﴾ بمظاهرة الأنصار وبإمداد الملائكة يوم بدر ﴿وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات﴾ من الغنائم ولم تحل لأحد قبلكم ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ هذه النعم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧)
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله﴾ بأن تعطولا فرائضه ﴿والرسول﴾ بأن لا تستنوا به ﴿وَتَخُونُواْ﴾ جزم عطف على ألا تخونوا إلى ولا تخونوا ﴿أماناتكم﴾ فيما بينكم بألا
الأنفال ٢٣ ٢٩ تحفظوها ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ تبعه ذلك ووباله أو وانتم تعملون انكم تخونون بعنى أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو أو وانتع علماء تعلمون حسن وقبح القبيح ومعنى الخون النقص كما أن معنى الإيفاء التمام ومنه تخوّنه إذا انتقصه ثم استعمل فى ضد الأمانة والوافاء لانك إذا خنت الرحل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨)
﴿واعلموا أَنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ﴾ أي سبب الوقوع فى الفتنة وهى الاثم والعاذب أو محنة من الله ليبولكم كيف تحافظون فيهم على حدوده لا ﴿وَأَنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ فعليكم أن تحضروا على طلب ذلك وتزهدوا فى الدينا ولا تحرصوا على تجمع المال وحب الولد
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)
﴿يا أيها الذين آمنوا إَن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا﴾ نصراً لأنه يفرق بين الحق والباطل وبين الكفر بإذلال حزبه والإسلام بإعزاز أهله أو بياناً وظهورا يشهر امركم ويثبت صيتكم وآثاركم في أقطار الأرض من قولهم سطع الفرقان
640
أي طلع الفجر أو مخرجاً من الشبهات وشحار لصدور أو تفرقة بينكم بوين يغركم من أهل الأديان وفضلا ومزية فى الدينا والآخرة ﴿وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ﴾ أي الصغائر ﴿وَيَغْفِرْ لكم﴾ ذنبكم أي الكبائر ﴿والله ذُو الفضل العظيم﴾ على عباده
641
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٣٠)
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ﴾ لما فتح الله عليه ذكّره مكر قريش به حين كان بمكة ليشرك نعمة الله فى نجاته من مرهم واستيلائه عليهم والمعنى واذكر إذ يمكرون بك وذلك أن قريشاً لما أسلمت الأنصار فرقوا أن يتفاقم أمره فاجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ وقال أنا شءخ من نجد دخلت مكة فسمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا من رأيا ونصحا فقال أبو التخترى رأيي أن تحبسوه في بيت وتشدوا وثاقه وتسدوا بابه غير كوة تلقون إليه كعامه وشرابه منها وتتربصوا به ريب المنون فقال إبليس بئس الرأى يأتيكم من يقاتلم من قومه ويخ ٩ لصه ن أيديكم فقال هشام بن عمرو رأى أن تحملوه على جمل وتخرجوه من بين أظهركم فلا يضرم ما صنع وسارحتم فقال البيس بئس الرأى يفسد قوما غيركم ويقالتكم بهم فقا ل أبو جهل لعنة اللله أنا أرى أن تاخذوامن كل بطن غلاماً وتعطوه سيفاً فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل فلا يقى بنوا هاشم على حرب قريش كلهم فإذا طلبوا العقل عقلناه واستحرنا فقال اللعين صدق هذا الفتى هو ٨ أجودكم رأيا فتفرقوا
الأنفال ٢٩ ٣٢ على رأى أبى تجهل مجتمعين على قتله فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله ﷺ وأمره أن لا يبيت في مضجعه وأذن له الله فى الهجرة فأمر علينا فنام في مضجعه وقال له اتشح ببردتي فإنه لن يخلص إليك أمر تكرهه وباتوا مترصدين فلما أصبحوا ثاروا إلى مضجعه
641
فابصروا علينا فبهتوا وخيب الله سعيهم وافتقوا أثره فأبطل الله مكرهم ﴿ليثبتوك﴾ ليجبسوك ويوثفوك ﴿أو يقتلوك﴾ بسيوفهم ﴿أو يخرجوك﴾ من كة ﴿وَيَمْكُرُونَ﴾ ويخفون المكايد له ﴿وَيَمْكُرُ الله﴾ ويخفي الله ما أعد لهم حتى يأتيهم بغتة ﴿والله خير الماكرين﴾ أى مركه انفذ مكر غيره وأبلغ تأثيراً
642
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١)
كان عليه السلام يقرأ القرآن ويذكر أخبار القرون الماضية فى قرءاته فقال النضر بن الحرث لو شئت لقلت مثل هذا وهو الذي جاء بمن بلاد فارس بنسخة حديث رستم وأحاديث العجم فنزل ﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا﴾ أي القرآن ﴿قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الأولين﴾ وهذا صلف منه مووقاحة لأنهم دعوا إلى أن يأتوا بسورة واحدة من مثل هذا القثران فلم يأتوا به
وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٢)
﴿وَإِذْ قَالُواْ اللهم إِن كَانَ هذا﴾ أي القرآن ﴿هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ﴾ هذا اسم كان هو فصل والحق خي كلان رُوي أن النضر لما قال إِنْ هذا إلا أساطير الاولين قال له النبى عليه السلام ويلك هذا كلام الله فرفع النضر رأسه إلى السماء وقال إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء﴾ أى أن كان القرانهو الحق فعاقبنا على إنكاره بالسجيل كما فعلت بأصحاب الفيل ﴿أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ﴾ أَلِيمٍ بنوع آخر ن جنس العذاب الأليم فقتل يوم بدر صبراً وعن معاية أنه قال لرجل من سبأ ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة قال أجهل من قومي قومك قالوا لرسول الله عليه السلام حين دعاهم إلى الحق إِن كَانَ هذه هُوَ
642
الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء ولم يقولوا إن كان هذا هو الحق فاهدنا له ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ اللام لتأكيد النفي والدلالة على أن تعذيبهم وأنت بين أظهرهم غير مستقيم لأنك بعثت رحمة للعالمين وسنته أن لا يعذب قوماً عذاب استئصال ما دام نبيهم بين أظهرهم وفيه إشعار بأنهم مرصدون بالعذاب إذا هاجر عنهم
643
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)
﴿وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ هو فى موضع الحال
الأنفال ٣٢ ٣٥ ومعناه نفي الاستغفار عنهم أي ولو كانوا ممت يؤمن ويستغعفر من الكفر لما عذبهم أو معناه وماكان الله معذبهم وفيهم من يستغفر وهم المسلمون بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول الله ﷺ ن المستضعفين
وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٤)
﴿وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ الله﴾ أي وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وهو معذبهم إذا فارقتهم وما لهم ألا يعذبهم الله ﴿وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام﴾ وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدون عن المسجد الحرام كما صدوا رسول الله ﷺ عام الحديبة واخراجهم رسول الله والمؤنين من الصد وكانوا يقولون نحن ولاة البيت والحم فنصد من نشاء وندخل من نشاء فقيل ﴿وما كانوا أولياءه﴾ وما استحقوا مع اشركاهم وعداوتهم للدين أن يكونوا ولاة أمر الحرم ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المتقون﴾ من المسلمين وقيل الضميران راجعان إلى الله ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذلك كأنه استثنى من كان يعلم وهو يعاند اغو أراد بالأكثر الجيمع كما يراد بالقلة العدم
وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥)
﴿وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت إِلاَّ مُكَاءً﴾ صفيراً كصوت المكاء وهو طائر مليح الصوت وهو فعال من مكا يمكوا إذا صفر ﴿وَتَصْدِيَةً﴾ وتصفيقاً تفعلة من الصدى وذلك أنهم كانوا يطوفن بالبيت عراة وهم
643
مشبكون بين أصباعهم يصفرون فيها ويفقون وكانوا يفعلون نحو ذلك إذا قرأ رسول الله ﷺ فى صلابته يخطلون عليه ﴿فذوقوا العذاب﴾ عذاب القعل والأسر يوم بدر ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ بسبب كفركم ونزل فى المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلاً وكلهم من قريش وكان يطعم كل واحد منهم كل يوم عشر جزر
644
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦)
﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أموالهم لِيَصُدُّواْ عَن سبيل الله﴾ أى كاك غغرضهم فى الانفاق الصد عن اتباع محمد ﷺ وهو سبيل الله ﴿فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ ثم تكون عاقبة إنفاقها ندماً وحسرة فكأن ذاتها تصير ندماً وتنقلب حسرة ﴿ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾ آخر الأمر وهو من دلائل النبوة لأنه أخبر عنه قبل وقوعه فكان كما أخبر ﴿والذين كَفَرُواْ﴾ والكافرون منهم ﴿إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ لأن منهم من أسلم وحسن إسلامه
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٣٧)
واللام في ﴿لِيَمِيزَ الله الخبيث﴾ الفريق الخبيث من الكفار ﴿مِنَ الطيب﴾ أي من الفريق الطيب من المؤمنين متعلقة بيحشرون ليمييز حمزة وعلى ﴿ويجعل الخبيث﴾ الفريق الخبيث
الأنفال ٣٥ ٣٩ ﴿بعضه على بعض فيركمه جميعا﴾ فيحمعه ﴿فَيَجْعَلَهُ فِى جَهَنَّمَ﴾ أي الفريق الخبيث ﴿أولئك﴾ إشارة إلى الفريق الخبيث ﴿هم الخاسرون﴾ أنفسعهم واموالهم
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨)
﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أي أبي سفيان وأصحابه ﴿إن ينتهوا﴾ عماهم عليه من عداوة رسول الله ﷺ وقتلاه بالدخول في الإسلام ﴿يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سلف﴾ لهم من الاعداوة ﴿وإن يعودوا﴾ قلتاله ﴿فقد مضت سنة الأولين﴾ بالإهلاك فى الدنيا والعذاب فى العقبى
644
أو معناه أن الكفار إذا انتهوع عن الكفر وأسلموا غفرلهم ماقد سلف من الكفر والمعاصي وبه احتج أبو حنيفة رحمه الله في أن المرتد إذا أسلم لم يلزمه قضاء العبادات المتروكة
645
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩)
﴿وقاتلوهم حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ إلى أن لا يوجد فيهم شرط قط ﴿وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ﴾ ويضمحل عنهم كل دين باطل ويبقى فيهم دين الإسلام ﴿فَإِنِ انْتَهَوْاْ﴾ عن الكفر وأسلموا ﴿فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ يثيبهم على إسلامهم
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠)
﴿وَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أعرضوا عن الإيمان ولم ينتهوا ﴿فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ﴾ ناصركم ومعينكم فثقوا بولايته ونصرته ﴿نِعْمَ المولى﴾ لا يضيع من تولاه ﴿وَنِعْمَ النصير﴾ لا يغلب من نصره والمخصوص بالمحد محذوف
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١)
﴿واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم﴾ ما بمعنى الذي ولا يجوز أن يكتب إلا مفصولاً إذ لو كتب موصولاً لوجب أن تكون ما كافة وغنمتم صلته والعائد محذوف والتقدير الذي غنمتموه ﴿مِّن شَىْء﴾ بيانه قيل حتى الخيط والمخيط ﴿فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ﴾ والفاء إنما دخلت لما في الذى من معنى المجازاة وان وما عملت فيه في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ تقديره فالحكم أن لله خمسة ﴿وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل﴾ فالخمس كان فى عهد رسول الله ﷺ يقسم على خسمة أسهم سهم لرسول الله وسهم لذوى قرابته من بني هاشم وبني المطلب دون بنى عبد شمس وبنى نوفل استخقوه حينئذ بالنصرة لقصة عثمان وجبير بن مكعم وثلاثة أسهم لليتمامى والمساكين وابن السبيل وأما بعد رسول الله ﷺ فسهمه ساقط بموته وكذلك سهم ذوي القربى وإنما يعطون لفقراءهم ولا يعطى أغناؤهم فيقسم على اليتامى والمساكين وبان السبيل وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه كان
645
على ستة لله والرسول سهمان وسهم لأقاربه حتى قبض فأجرى أبو بكر رضى الله عنه الخمس على
الأنفال ٣٩ ٤٠ ثلاثة وكذا عمر ومن بعده من الخلفىء رضى اللهعنهم ومعنى لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ لرسول الله كقوله والله ورسوله أحق أن يرضوه ﴿إن كنتم آمنتم بالله﴾ فاعملوا به وارضوا بهذه القسمة فالإيمان يوجب الرضا بالحكم والعمل بالعلم ﴿وَمَا أَنزَلْنَا﴾ معطوف على بالله أي إن كنتم آمنتم بالله وبالمنزل ﴿على عَبْدِنَا يَوْمَ الفرقان﴾ يوم بدر ﴿يوم التقى الجمعان﴾ الفيقيقان من السملين والكافرين والمراد ما أنزل عليه من الآيات والملائكة والفتح يومئذ وهو بدل من يَوْمَ الفرقان ﴿والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ﴾ يقدر على أن ينصر القليل على الكثيرة كما فعل بكم يوم بدر
646
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢)
﴿إذا أنتم﴾ إذ أنتم بدل من يوم الفرقان أو التقدير اذكروا إذ أنتم ﴿بِالْعُدْوَةِ﴾ شط الوادي وبالكسر فيهما مكى وبو عرمو ﴿الدنيا﴾ القربى إلى جهة الميدنة تأنيث الأذنى ﴿وهم بالعدوة القصوى﴾ البعد عن المدينة تأنيث الأقصى وكلتاهما فعلى من بنات الواو والقياس قلب الواو ياء كالعليا تأنيث الأعلى وأما القصوى فكالقود في مجيئه على الأصل ﴿والركب﴾ أي العير وهو جمع راكب فى المعنى أسلف مِنكُمْ نصب على الظرف أي مكاناً أسفل من مكانكم يعني في أسفل الوادي بثلاثة أميال وهو مرفوع المحل لأنه خبر المبتدأ ﴿وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ﴾ أنتم وأهل مكة وتواضعتم بينكم على موعد تلقتون فيه لبقتال ﴿لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الميعاد﴾ لخالف بعضكم بعضاً فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد وثبتطهم ما في قلوبهم من تهيب رسول الله ﷺ والمسلمين فلم ينفق لكم من التلاقى ماوفقه
646
الله وسبب له ولكن جمع بينكم بلا يمعاد ﴿لّيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾ من إعزاز دينه واعلاء كلمته واللام تتعلق بمحذوف أي ليقضي الله أمراً كان ينبغى أن يفعل وهو نصر تاوليائه وقهر أعدائه دبر ذلك قال الشيخ أبو منصور رحمه الله القضاء يحتمل الحكم أي ليحكم ما قد علم أنه يكون كائناً أو ليتم أمراً كان قد أراده وما أراد كونه فهو مفعول لا محالة وهو عز الإسلام وأهله وذل الكفر وحزبه ويتعلق بيقضى ﴿لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ ويحيى مَنْ حَىَّ عَن بَيّنَةٍ﴾ حيي نافع وأبو عمرو فالإدغام لالتقاء المثلين والإظهار لأن حركة الثاني غير لازمة لانك تقول فى الستقبل يحيا والادغام اكثير استيعر الهلاك والحياة للكفر والإسلام أي ليصدر كفر من كفر عن وضوح بينة لا عن مخالجة شبهة حتى لا يبقى له على الله حجة ويصدر إسلام من أسلم أيضاً عن يقين وعلم بأنه دين الحق الذي يجب الدخول فيه والتسمك به وذلك أن وقعة بدر من الآيات الواضحة التي من كفر بعدها كان مكابراً لنفسه مغالطا لها ولهذا ذكر فيها
الأنفال ٤٠ ٤٣ مراكز الفريقين وأن العير كانت أسفل منهم مع أنهم قد علموا ذلك كله مشاهدة ليعلم الخلق أن النصر والغلبة لا تكون بالكثرة والأسباب بل بالله تعالى وذلك أن العدوة القصوة التى اناخ بها المشركون كان فيا المساء وكانت أرضاً لا بأس بها ولا ماء بالعدوة الدنيا وهى خيار تسوخ فيها الأرجل ولا يمشى فهيا إلا بتعب وشمقة وكان العير وراء ظهور العدو مع كثرة عددهم وعدتعهم وقلة المسليمن وضعفهم ثم كان ما كان ﴿وإن الله لسميع﴾ لأقيواهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بكفر من كفر وعقابه وبإيمان من آمن وثوابه
647
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٤٣)
﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ الله﴾ نصب بإضمار اذكر أو هو متعلق بقوله
647
لسميع عليم اغى يعلم المصالح إذ يقللهم في عينك ﴿فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً﴾ أي في رؤياك وذلك أن الله تعالى أراه إياهم في رؤياه قليلاً فأخبر بذلك أصحباه فكان ذلك تشجيعاً لهم على عدوهم ﴿وَلَوْ أراكهم كثيرا لفشلتم﴾ لجبتنتم وهبتم الإقدام ﴿ولتنازعتم فِي الأمر﴾ أمر القتال وترددتم بين الثبات والفغاررا ﴿ولكن الله سَلَّمَ﴾ عصم وأنعم بالسلامة من الفشل والتنازع والاختلاف ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع
648
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤)
﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ﴾ الضميران مفعولان أي وإذ يبصركم إياهم ﴿إِذِ التقيتم﴾ وقت اللقاء ﴿فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً﴾ هو نصب على الحال وإنما قللهم فى أعيهم تصديقا لرؤسا رسول الله ﷺ وليعاينوا ما أخبرهم به فيزداد يقينهم ينجدوا ويثبتوا قال اببن مسعود رضى الله عنه لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي أتراهم سبعين قال أراهم مائة وكاوا ألفا ﴿ويقللكم في أعينهم﴾ حتى قا لقائل منه إنما تهم أكلة جزور قيل قد قللهم في أعينهم قبل اللققاء ثم كثرهم فيها بعده ليجترئوا عليهم قلة مبالاة بهم ثم تفجأهم الكثرة فيبهتوا وبها بواو يجوز أن يبصروا الكثير قليلاً بأن يستر الله بعضهم بساتر أو يحدث في عيونهم ما يستقولن به الكثير كما أحدث في أعين الحول ما يرون به الواحد اثنين قبل لبعضهم أن الاحل يرى الواحد اثنين وكان بين يديه ديك واحد فقال مالى لا أرى هذهين الديكين أربعة ﴿لّيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مفعولاً وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور﴾ فيحكم فيها بما يريد ترجع شامى وحمزة وعلى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥)
﴿يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة﴾ إذا
الأنفال ٤٣ ٤٦ حاربتم جماعة من الكفار
648
وترك وصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار واللقاء اسم غالب للقتال ﴿فاثبتوا﴾ لقتالهم ولا تفروا ﴿واذكروا الله كَثِيراً﴾ في مواطن الحرب مستظهرين بذكره مستنصرين به داعين له على عدوكم اللهم اخذلهم اللهم اقطع دابرهمم ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ تظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة وفيه اشعار بان على العبد ألا يفتر عن ذكر ربه أشغل ما يكون قلباً وأكثر ما يكون هماً وأن تكون نفسه مجتمعة لذلك وإن كانت متوزعة عن غيره
649
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦)
﴿وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ﴾ في الأمر بالجهاد والثبات مع العدو وغيرهما ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا﴾ فنجبنوا وهو منصوب بإضمار أن ويدل عليه ﴿وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ أي دولتكم يقال هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة ونفذ أمره شبهت فى نفوذ أمرها وتمشيته بالربح وهبوبها وقيل لم يكن نصر قط إلا بربح يبعثها الله ﴿مع الصابرين﴾ أى معينهمو حافظهم
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧)
﴿وَلاَ تَكُونُواْ كالذين خَرَجُواْ مِن ديارهم بَطَراً وَرِئَاءَ الناس﴾ هم أهل مكة حين نفروا لحمية العير فأتاهم رسول أبي سفيان أن ارجعوا فقد سلمت عيركمم فأبى أبو جهل وقال حتى نقدم بدراً وشنرب بها لاخمور وننحر الجزور ونعزف علنا القيان ونكطعم بها العرب فذلك بطرهم ورياؤهم الناس بإطعامهم فوافوها فسقوا كئوس المنايا مكان الخمر وناحت علهيم النوائح مكان القيان فناهم أن يكونوا مثلهم بطرين طربين مرائين بأعمالهم وأن يكونوا من أهل التقوى والكآبة والحزن من خشية الله
649
مخلصين أعمالهم لله والبطر أن تشغله كثرة النعمة عن شكرها ﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾ دين الله ﴿والله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ عالم وهو وعيد
650
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٤٨)
﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس﴾ واذكر إذ زين لهم الشياطن اعمالهم التى عمللوها فى معاداة رسول الله ﷺ ووسوس اليهم أنهم تلا يغلبون وغالب مبنى نحو لا رجل روكم فى موشع رفع خبر لا تقديره لا غالب كائن لكم ﴿وَإِنّي جَارٌ لَّكُمْ﴾ أي مجير لكم أوهمهم أن الشيطان مما يجيرهم ﴿فَلَمَّا تَرَاءتِ الفئتان﴾ فلما تلاقى الفريقان ﴿نَكَصَ﴾ الشيطان هارباً ﴿على عَقِبَيْهِ﴾ أي رجع القهقرى ﴿وَقَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِّنْكُمْ﴾ أي رجعت عما ضمنت لكم من الأمان روى أن ابليس تمثل لهم
الأنفال ٤٦ ٥٠ فى صورة سراقة بن مالكم بن جعشم فى جند من الشياكني معه راية فلما رأى الملائكة تنزل نكص فقا لله الحرث بن هشام اتخذ لنا في هذه الحالة فقال ﴿إِنّي أرى مَا لا ترون﴾ أى الملائكة وانهمزا فلما بلغوا مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغ ذلك سراقة فقال والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتنى هزيممتكم فلما أسلموا علموا أنه الشيطان ﴿إِنّي أَخَافُ الله﴾ أي عقوبته ﴿والله شَدِيدُ العقاب﴾
إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩)
اذكروا ﴿إِذْ يَقُولُ المنافقون﴾ بالمدينة ﴿والذين فِي قلوبهم مرض﴾ هو من صفة المنافقين أريد والذين هم على حرف ليسوا بثابتي الأقدام في الإسلام ﴿غَرَّ هؤلاء دِينُهُمْ﴾ يعنون أن المسلمين اغتروا بدينهم فخرجوا وهم ثلثمائة وبضعة عشر إلى زهار ألف ثم قال جواباً لهم ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ على الله﴾ بكب إليه أمره ﴿فَإِنَّ الله عَزِيزٌ﴾ غالب يسلط القيل الضعيف على الكثير القوي ﴿حَكِيمٌ﴾ لا يسوي بين وليه وعدوه
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٥٠)
﴿وَلَوْ تَرَى﴾ ولو عاينت وشاهدت لأن لو ترد المضارع إلى معنى الماضي كما ترد الماضي إلى معنى الاستقبال ﴿إِذْ﴾ نصب على الظرف ﴿يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ﴾ بقبض أرواحهم ﴿الملائكة﴾ فاعل ﴿يَضْرِبُونَ﴾ حال منهم ﴿وُجُوهُهُمْ﴾ إذا أقبلوا ﴿وأدبارهم﴾ ظهورهم وأستاههم إذا أدبروا أو وجوههم عندالاقدام وأدبارهم عند النهزام وقيل فى يتوفى ضمير الله تعالى والملائكة مرفوعة بالابتداء ويضربون خبر والأول الوجه لأن الكفار لا يستحقون أن يكون الله متوفيهم بلا واسطة دليله قرءاة ابن عامر تتوفى بالتاء ﴿وَذُوقُواْ﴾ ويقولون لهم ذوقوا معطوف على يَضْرِبُونَ ﴿عَذَابَ الحريق﴾ أي مقدمة عذاب النار أو ذوقوا عذاب الآخرة بشارة لهم به أو يقال لهم يوم القيامة ذوقوا وجواب لو محذوف أي لرأيت امرا فظيعا
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٥١)
﴿ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ أي كسبت وهو رد على الجبرية وهو من كلام الله تعالى أو من كلام الملائكة وذلك رفع بالابتداء وبما قَدَّمَتْ خبره ﴿وَأَنَّ الله﴾ عطف عليه أي ذلك العذاب بسببين بسبب كفركم ومعاصيكم وبأن الله ﴿لَيْسَ بظلام لّلْعَبِيدِ﴾ لأن تعذيب الكفار من العدل وقيل ظلام للتكثير لجل العبيد أو لفى انواع الظلم
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٥٢)
الكاف فى ﴿كدأب آل فِرْعَوْنَ﴾ في محل الرفع أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون ودأبهم عادتهم وعملهم الذي دأبوا فيه أي داوموا عليه ﴿والذين من قبلهم﴾
الأنفال (٥٢ _ ٥٧)
من قبل قريش أو قبل آل فرعون ﴿كَفَرُواْ﴾ تفسير لدأب آل فرعون ﴿بآيات الله فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ الله قَوِيٌّ شَدِيدُ العقاب﴾ والمعنى جروا على عادتهم في التكذيب فأجرى عليهم مثل ما فعل بهم في التعذيب
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣)
﴿ذلك﴾ العذاب أو الانتقام ﴿بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا على قَوْمٍ حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ بسبب أن الله لم يصح في حكمته أن يغير نعمته عند قوم حتى يغيروا ما بهم من الحال نعم لم يكن لآل فرعون ومشركي مكة حال مرضية فيغيروها إلى حال مسخوطة لكن لما تغيرت الحال المرضية إلى المسحوطة تغيرت الحال المسحوطة إلى أسخط منها وأولئك كانوا قبل بعثة الرسول إليهم كفرة عبدة أصنام فلما بعث إليهم بالآيات فكذبوه وسعوا في إراقة دمه غيروا حالهم إلى أسوأ مما كانت فغير الله ما أنعم به عليهم من الإمهال وعاجلهم بالعذاب ﴿وأن الله سميع﴾ لما يقول مكذبوا الرسل ﴿عليم﴾ بما يفعلون
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (٥٤)
﴿كدأب آل فِرْعَوْنَ﴾ تكرير للتأكيد أو لأن في الأولى الأخذ بالذنوب بلا بيان ذلك وهنا بين أن ذلك هو الاهلاك والاسئصال ﴿والذين من قبلهم كذبوا بآيات رَبِّهِمْ﴾ وفي قوله بآيات رَبِّهِمْ زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق ﴿فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ وأغرقنا آل فرعون﴾ بماء البحر ﴿وكل﴾ وكلهم من غرق القبط وقتلى قريش ﴿كَانُواْ ظالمين﴾ أنفسهم بالكفر والمعاصى
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٥٥)
﴿إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الذين كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي أصروا على الكفر فلا يتوقع منهم الإيمان
الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (٥٦)
﴿الذين عاهدت مِنْهُمْ﴾ بدل من الذين كَفَرُواْ أي الذين عاهدتهم من الذين كفروا وجعلهم شر الدواب لأن شر الناس الكفار وشر الكفار المصرون وشر المصرين الناكثون للعهود ﴿ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ﴾ في
652
كل معاهدة ﴿وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ﴾ لا يخافون عاقبة الغدر ولا يبالون بما فيه من العار والنار
653
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧)
﴿فإما تثقفنهم في الحرب﴾ فاما تصادفهم وتظفرن بهم ﴿فَشَرّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ﴾ ففرق عن محاربتك ومناصبتك بقتلهم شر قتلة والنكاية فيهم من وراءهم من الكفرة حتى لا يجسر عليك بعدهم أحدا اعتبارا بهم واتعاظا
الأنفال (٥٧ _ ٦١)
بحالهم وقال الزجاج افعل بهم ما تفرق به جمعهم وتطرد به من عداهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ لعل المشردين من ورائهم يتعظون
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (٥٨)
﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ﴾ معاهدين ﴿خِيَانَةً﴾ نكثاً بأمارات تلوح لك ﴿فانبذ إِلَيْهِمْ﴾ فاطرح إليهم العهد ﴿على سَوَاءٍ﴾ على استواء منك ومنهم في العلم ينقض العهد وهو حال من النابذ والمنبوذ إليهم أي حاصلين على استواء في العلم ﴿إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الخائنين﴾ الناقضين للعهود
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (٥٩)
﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ﴾ بالياء وفتح السين شامي وحمزة ويزيد وحفص وبالتاء وفتح السين أبو بكر وبالتاء وكسر السين غيرهم ﴿الذين كَفَرُواْ سَبَقُواْ﴾ فاتوا وأفلتوا من أن يظفر بهم ﴿إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ﴾ إنهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزاً عن إدراكهم أَنَّهُمْ شامي أي لأنهم كل واحدة من المكسورة والمفتوحة تعليل غير أن المكسورة على طريقة الاستئناف والمفتوحة تعليل صريح فمن قرأ بالتاء فالذين كَفَرُواْ مفعول أول والثاني سَبَقُواْ ومن قرأ بالياء الذين كفروا فاعل وسبقوا مفعول تقديره أن سبقوا فحذف أن وأن مخففة من الثقيلة أي أنهم سبقوا فسد مسد المفعولين أو يكون الفاعل مضمراً أي ولا يحسبن محمد الكافرين سابقين ومن ادعى تفرد حمزة بالقراءة ففيه نظر لما بيننا من عدم تفرده بها وعن الزهري أنها نزلت فيمن أفلت من فل المشركين
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (٦٠)
﴿وأعدوا﴾ أيها المؤمنون ﴿لهم﴾ لنا قضى العهد أو لجميع الكفار
653
﴿مَّا استطعتم مّن قُوَّةٍ﴾ من كل ما يتقوى به في الحرب من عددها وفي الحديث ألا إن القوة الرمي قالها ثلاثاً على المنبر وقيل هي الحصون ﴿وَمِن رِّبَاطِ الخيل﴾ هو اسم للخيل التي تربط في سبيل الله أو هو جمع ربيط كفصيل وفصال وخص الخيل من بين ما يتقوى به كقوله وَجِبْرِيلَ وميكال ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ﴾ بما استطعتم ﴿عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ﴾ أى أهل مكة ﴿وآخرين مِن دُونِهِمْ﴾ غيرهم وهم اليهود أو المنافقون أو أهل فارس أو كفرة الجن وفى الحديث إن الشيطان لا يقرب صاحب فرس ولا دارا فيها فرس عتيق وروي أن صهيل الخيل يرهب الجن ﴿لاَ تَعْلَمُونَهُمُ﴾ لا تعرفونهم بأعيانهم ﴿الله يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شيء في سبيل الله يوف إليكم﴾ يؤفي إليكم جزاؤه ﴿وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ في الجزاء بل تعطون على التمام
654
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١)
﴿وإن جنحوا﴾ مالوا جنح له وإليه مال ﴿لِلسَّلْمِ﴾ للصلح وبكسر السين أبو بكر وهو مؤنث تأنيث
الأنفال (٦١ _ ٦٦)
ضدها وهو الحرب ﴿فاجنح لَهَا﴾ فمل إليها ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الله﴾ ولا تخف من إبطانهم المكر في جنوحهم إلى السلم فإن الله كافيك وعاصمك من مكرهم ﴿إِنَّهُ هُوَ السميع العليم﴾ لأقوالك ﴿العليم﴾ بأحوالك
وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢)
﴿وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ﴾ يمكروا ويغدروا ﴿فَإِنَّ حَسْبَكَ الله﴾ كافيك الله ﴿هُوَ الذي أَيَّدَكَ﴾ قواك ﴿بِنَصْرِهِ وبالمؤمنين﴾ جميعاً أو بالأنصار
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣)
﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ قلوب الأوس والخزرج بعد تعايدهم مائة وعشرين سنة ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ أي بلغت عداوتهم مبلغاً لو أنفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال لم يقدر عليه ﴿ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ بفضله ورحمته وجمع بين كلمتهم بقدرته فاحدث بينهم التوادد والتحابب واماط عنهم التباعض والتماقت ﴿إنه عزيز﴾ يقهر من يخدعونك ﴿حَكِيمٌ﴾ ينصر من يتبعونك
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤)
﴿يا أيها النبي حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين﴾ الواو بمعنى مع وما بعده منصوب والمعنى كفاك وكفى اتبعاك من المؤمنين الله ناصراً ويجوز أن يكون في محل الرفع أى كفاك الله وكافك أتباعك من المؤمنين قيل أسلم مع النبي ﷺ ثلاثة وثلاثون رجلاً وست نسوة ثم أسلم عمر فنزلت
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (٦٥)
﴿يا أيها النبي حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال﴾ التحريض المبالغة في الحث على الأمر من الحرض وهو أن ينهكه المرض حتى يشفي على الموت ﴿إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صابرون يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الذين كَفَرُواْ﴾ هذه عدة من الله وبشارة بأن الجماعة من المؤمنين إن صبروا غلبوا عشرة أمثالهم من الكفار بعون الله وتأييده ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ﴾ بسبب أن الكفار قوم جهلة يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب كالبهائم فيقل ثباتهم ويعدمون لجهلهم بالله نصرته بخلاف من يقاتل على بصيرة وهو يرجو النصر من الله قيل كان عليهم أن لا يفروا ويثبت الواحد للعشرة ثم ثقل عليهم ذلك فنسخ وخفف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين بقوله
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦)
﴿الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً﴾ ضعفا عاصم وحمزة والمراد الضعف فى البدن {فَإِن
655
يَكُن مِّنكُمْ مّاْئَةٌ صَابِرَةٌ} بالياء فيهما
الأنفال (٦٦ _ ٦٨)
كوفي وافقه البصري في الأولى والمراد الضعف في البدن ﴿يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ الله والله مَعَ الصابرين﴾ وتكرير مقاومة الجماعة لأكثر منها مرتين قبل التخفيف وبعده للدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة لا تتفاوت إذ الحال قد تتفاوت بين مقاومة العشرين المائتين والمائة الألف وكذلك بين مقاومة المائة المائتين والألف الألفين
656
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧)
﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ﴾ ما صح له ولا استقام ﴿أَن يَكُونَ لَهُ أسرى﴾ أَن تَكُونَ بصري ﴿حتى يُثْخِنَ فِي الأرض﴾ الإثخان كثرة القتل والمبالغة فيه من الثخانة وهى الغلط والكثافة يعنى حتى يذل الكفر بإشاعة القتل في أهله ويعز الإسلام بالاستيلاء والقهر ثم الأسر بعد ذلك روى أن رسول الله ﷺ أتى بسبعين أسيراً فيهم العباس عمه وعقيل فاستشار النبي عليه السلام أبا بكر فيهم فقال قومك وأهلك استبقهم لعل الله يتوب عليهم وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك وقال عمرو رضى الله عنه كذبوك وأخرجوك فقدمهم واضرب أعناقهم فإن هؤلاء أئمة الكفر وإن الله أغناك عن الفداء مكن علياً من عقيل وحمزة من العباس ومكني من فلان لنسيب له فلنضرب أعناقهم فقال عليه السلام مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم حيث قال وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غفور رحيم ومثلك يا عمر كمثل نوح حيث قال رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين ديارا ثم قال رسول الله ﷺ لهم إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدّتهم فقالوا بل نأخذ الفداء فاستشهدوا بأحد فلما أخذوا الفداء نزلت الآية ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا﴾ متاعها يعني الفداء سماه عرضا لقلة بقائه وسرعة فناءه
656
﴿والله يُرِيدُ الآخرة﴾ أي ما هو سبب الجنة من إعزاز الإسلام بالإثخان في القتل ﴿والله عَزِيزٌ﴾ يقهر الأعداء ﴿حَكِيمٌ﴾ في عتاب الاولياء
657
لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨)
﴿لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله﴾ لولا حكم من الله ﴿سَبَقَ﴾ أن لا يعذب أحداً على العلم بالاجتهاد وكان هذا اجتهاد منهم لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سبباً في إسلامهم وأن فداءهم يتقوى به على الجهاد وخفي عليهم إن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم أو ما كتب الله في اللوح أن لا يعذب أهل بدر أو كان لا يؤاخذ قبل البيان والإعذار وفيما ذكر من الاستشارة دلالة على جواز الاجتهاد فيكون حجة على منكرى القياس كتاب مبتدأ ومن الله صفته أي لولا كتاب ثابت من الله وسبق صفة أخرى له وخبر المبتدأ محذوف أي لولا كتاب بهذه الصفة فى الوجود وسبق لا يجوز أن يكون خبراً لأن لولا لا يظهر خبرها أبداً ﴿لَمَسَّكُمْ﴾ لنالكم وأصابكم ﴿فِيمَا أَخَذْتُمْ﴾ من فداء الأسرى ﴿عَذَابٌ عظِيمٌ﴾ روي أن عمر رضى الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه
الأنفال (٦٩ _ ٧٢)
وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال يا رسول الله أخبرني فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت فقال أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه وروي أنه عليه السلام قال لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ لقوله كان الإثخان في القتل أحب إليّ
فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)
﴿فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ﴾ رُوي أنهم أمسكوا عن الغنائم ولم يمدوا أيديهم إليها فنزلت وقيل هو إباحة للفداء لأنه من جملة الغنائم والفاء للتسبيب والسبب محذوف ومعناه قد أحللت لكم الغنائم فكلوا ﴿حلالا﴾ مطلقاً
657
عن العتاب والعقاب من حل العقال وهو نصب على الحال من المغنوم أو صفة للمصدر أي أكلاً حلالاً ﴿طَيِّباً﴾ لذيذاً هنيئاً أو حلالاً بالشرع طيباً بالطبع ﴿واتقوا الله﴾ فلا تقدموا على شيء لم يعهد إليكم فيه ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ﴾ لما فعلتم من قبل ﴿رَّحِيمٌ﴾ بإحلال ما غنمتم
658
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠)
﴿يا أيها النبي قُل لّمَن فِي أَيْدِيكُم﴾ في ملكتكم كأن أيديكم قابضة عليهم ﴿مِّنَ الاسرى﴾ جمع أسير من الأسارى أبو عمرو جمع أسرى ﴿إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً﴾ خلوص إيمان وصحة نية ﴿يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ﴾ من الفداء إما أن يخلفكم في الدنيا أضعفاه أو يثيبكم في الآخرة ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ رُوي أنه قدم على رسول الله ﷺ مال البحرين ثمانون ألفاً فتوضأ لصلاة الظهر وما صلى حتى فرقه وأمر العباس أن يأخذ منه فأخذ منه ما قدر على حمله وكان يقول هذا خير مما أخذ منى وأرجوا المغفرة وكان له عشرون عبداً وإن أدناهم ليتجر في عشرين ألفاً وكان يقول أنجز الله أحد الوعدين وأنا على ثقة من الآخر
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١)
﴿وَإِن يُرِيدُواْ﴾ أي الأسرى ﴿خِيَانَتَكَ﴾ نكث ما بايعوك عليه من الإسلام بالردة أو منع ما ضمنوه من الفداء ﴿فَقَدْ خَانُواْ الله مِن قَبْلُ﴾ في كفرهم به ونقض ما أخذ على كل عاقل من ميثاقه ﴿فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾ فأمكنك منهم أي أظفرك بهم كما رأيتم يوم بدر فسيمكن منهم إن عادوا إلى الله الخيانة ﴿والله عَلِيمٌ﴾ بالمال ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما أمر في الحال
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢)
﴿إن الذين آمنوا وَهَاجَرُواْ﴾ من مكة حباً لله ورسوله {وجاهدوا بأموالهم
658
وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله} هم المهاجرون ﴿والذين آووا وَّنَصَرُواْ﴾ أي آووهم إلى ديارهم ونصروهم على أعدائهم وهم الأنصار ﴿أولئك بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ أى يتولى بعضهم بعضا
الأنفال (٧٢ _ ٧٤)
في الميراث وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة بالنصرة دون ذوي القرابات حتى نسخ ذلك بقوله وَأُوْلُو الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ وقيل أراد به النصرة والمعاونة ﴿والذين آمنوا وَلَمْ يُهَاجِرُواْ﴾ من مكة ﴿مَا لَكُم مّن ولايتهم﴾ من توليهم فى الميراث ولا يتهم حمزة وقيل هما واحد ﴿مّن شَيْءٍ حتى يُهَاجِرُواْ﴾ فكان لا يرث المؤمن الذي لم يهاجر ممن آمن وهاجر ولما أبقى للذين لم يهاجروا اسم الإيمان وكانت الهجرة فريضة فصاروا بتركها مرتكبين كبيرة دل أن صاحب الكبيرة لا يخرج من الإيمان ﴿وَإِنِ استنصروكم﴾ أي من أسلم ولم يهاجر ﴿فِي الدين فَعَلَيْكُمُ النصر﴾ أي إن وقع بينهم وبين الكفار قتال وطلبوا معونة فواجب عليكم أن تنصروهم على الكافرين ﴿إِلاَّ على قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مّيثَاقٌ﴾ فإنه لا يجوز لكم نصرهم عليهم لأنهم لا يبتدئون بالقتال إذ الميثاق مانع من ذلك ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ تحذير عن تعدي حد الشرع
659
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (٧٣)
﴿والذين كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ ظاهره إثبات الموالاة بينهم ومعناه نهي المسلمين عن موالاة الكفار وموارثتهم وإيجاب مباعدتهم ومصارمتهم وإن كانوا أقارب وأن يتركوا يتوارثون بعضهم بعضاً ثم قال ﴿إِلاَّ تَفْعَلُوهُ﴾ أي إلا تفعلوا ما أمرتكم به من تواصل المسلمين وتولى بعضهم بعضاً حتى في التوارث تفضيلاً لنسبة الإسلام على نسبة القرابة ولم تجعلوا قرابة الكفار كلا قرابة ﴿تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرض وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ تحصل فتنة في الأرض
659
ومفسدة عظيمة لأن المسلمين ما لم يصيروا يداً واحدة على الشرك كان الشرك ظاهراً والفساد زائداً
660
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤)
﴿والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا وَّنَصَرُواْ أولئك هُمُ المؤمنون حَقّاً﴾ لأنهم صدقوا إيمانهم وحققوه بتحصيل مقتضياته من هجرة الوطن ومفارقة الأهل والسكن والانسلاخ من المال والدنيا لأجل الدين والعقبى ﴿لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ لامنة فيه ولا تنغيص ولا تكرار لأن هذه الآية واردة للثناء عليهم مع الوعد الكريم والأولى للأمر بالتواصل
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)
﴿والذين آمنوا مِن بَعْدُ﴾ يريد اللاحقين بعد السابقين إلى الهجرة ﴿وهاجروا وجاهدوا﴾
الأنفال (٧٤ _ ٧٥)
﴿معكم فأولئك منكم﴾ جعلهم منهم تفضيلا وترغيبا ﴿وأولو الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ﴾ وأولوا القرابات أولى بالتوارث وهو نسخ للتوارث بالهجرة والنصرة ﴿فِي كتاب الله﴾ فى حكمه وقسمته أو فى اللوح أو في القرآن وهو آية المواريث وهو دليل لنا على توريث ذوي الأرحام ﴿أَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فيقضي بين عباده بما شاء من أحكامه قسم الناس أربعة أقسام قسم آمنوا وهاجروا وقسم آمنوا ونصروا وقسم آمنوا ولم يهارجروا وقسم كفروا ولم يؤمنوا
660
سورة التوبة مدنية وهي مائة وتسع وعشرون آية كوفي ومائة وثلاثون غيره
التوبة (١)

مقدمة

لها أسماء التوبة المقشقشة المبعثرة المشردة المخزية الفاضحة المثيرة الحافرة المنكلة المدمدمة لأن فيها التوبة على المؤمنين وهى تقشقش من النفاق أى تبرئ منه وتبعثر عن أسرار المنافقين وتبحث عنها وتثيرها وتحفر عنها وتفضحهم وتنكلهم وتشردهم وتخزيهم وتدمدم عليهم وفي ترك التسمية في ابتدائها أقوال فعن على وابن عباس رضى الله عنهم أن بسم الله أمان وبراءة نزلت لرفع الامان وعن عثمان رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ كان إذا نزلت عليه سورة أو آية قال اجعلوها في الموضع الذي يذكر فيه كذا وكذا وتوفى رسول الله ﷺ ولم يبين لنا أين نضعها وكانت قصتها تشبه قصة الأنفال لأن فيها ذكر العهود وفي براءة نبذ العهود فلذلك قرنت بينهما وكانتا تدعيان القرينتين وتعدان السابعة من الطوال وهي سبع وقيل اختلف أصحاب رسول الله ﷺ فقال بعضهم الأنفال وبراءة سورة واحدة نزلت في القتال وقال بعضهم هما سورتان فتركت بينهما فرجة لقول من قال هما سورتان وتركت بسم الله لقول من قال هما سورة واحدة
661
Icon