ﰡ
مكية، وآياتها ٢٥ [نزلت بعد الانفطار] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤)وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥)
حذف جواب إذا ليذهب المقدّر كل مذهب. أو اكتفاء بما علم في مثلها من سورتي التكوير والانفطار. وقيل: جوابها ما دلّ عليه فَمُلاقِيهِ أى إذا السماء انشقت لاقى الإنسان كدحه. ومعناه:
إذا انشقت بالغمام، كقوله تعالى وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وعن على رضى الله عنه: تنشق من المجرّة. أذن له: استمع له «١». ومنه قوله عليه السلام: «ما أذن الله لشيء كاذنه لنبي يتغنى بالقرآن «٢». وقول جحاف بن حكيم:
أذنت لكم لمّا سمعت هريركم «٣»
والمعنى: أنها فعلت في انقيادها لله حين أراد انشقاقها فعل المطواع الذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المطاع أنصت له وأذعن ولم يأب ولم يمتنع، كقوله أَتَيْنا طائِعِينَ. وَحُقَّتْ من قولك هو محقوق بكذا وحقيق به، يعنى: وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع. ومعناه الإيذان بأنّ القادر الذات «٤» يجب أن يتأتى له كل مقدور ويحق ذلك مُدَّتْ من مدّ الشيء فامتدّ:
(٢). متفق عليه، وقد تقدم في سورة إبراهيم.
(٣).
أذنت لكم لما سمعت هريركم | فأسمعتمونى بالخنا والفواحش |
أعلتمونى، فعداه بالباء. ويجوز أنها زائدة. والخنا: الزنا وتوابعه مما يتعلق بالنساء، والفواحش: أعم من ذلك
(٤). قوله «الإيذان بأن القادر بالذات» هذا التعبير مبنى على مذهب المعتزلة من أنه تعالى قادر بذاته لا بقدرة زائدة على ذاته، عالم بذاته لا بعلم زائد على ذاته. ومذهب أهل السنة: أنه قادر بقدوة زائدة: هل ذاته، عالم بعلم زائد على ذاته وهكذا، كما في الحوادث
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ٦ الى ١٥]
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠)
فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥)
الكدح: جهد النفس في العمل والكدّ فيه حتى يؤثر فيها، من كدح جلده: إذا خدشه.
ومعنى كادِحٌ إِلى رَبِّكَ جاهد إلى لقاء ربك، وهو الموت وما بعده من الحال الممثلة باللقاء فَمُلاقِيهِ فملاق له لا مجالة لا مفرّ لك منه، وقيل: الضمير في ملاقيه للكدح يَسِيراً سهلا هينا لا يناقش فيه ولا يعترض بما يسوءه ويشق عليه، كما يناقش أصحاب الشمال. وعن عائشة رضى الله عنها: هو أن يعرّف ذنوبه، ثم يتجاوز عنه. وعن النبي ﷺ أنه قال:
«من يحاسب يعذب» فقيل يا رسول الله: فسوف يحاسب حسابا يسيرا. قال «ذلكم العرض، من نوقش في الحساب عذب» «١» إِلى أَهْلِهِ إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين. أو إلى فريق المؤمنين.
أو إلى أهله في الجنة من الحور العين وَراءَ ظَهْرِهِ قيل: تغل يمناه إلى عنقه، وتجعل شماله وراء ظهره، فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره. وقيل تخلع يده اليسرى من وراء ظهره.
يَدْعُوا ثُبُوراً يقول: يا ثبوراه. والثبور: الهلاك. وقرئ: ويصلى سعيرا، كقوله وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ويصلى: بضم الياء والتخفيف، كقوله وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ. فِي أَهْلِهِ فيما بين ظهرانيهم:
أو معهم، على أنهم كانوا جميعا مسرورين، يعنى أنه كان في الدنيا مترفا بطرا مستبشرا كعادة
قال لبيد:
يحور رمادا بعد إذ هو ساطع «١»
وعن ابن عباس: ما كنت أدرى ما معنى يحور حتى سمعت أعرابية تقول لبنية لها: حورى، أى: ارجعي بَلى إيجاب لما بعد النفي في لَنْ يَحُورَ أى: بلى ليحورنّ إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً وبأعماله لا ينساها ولا تخفى عليه، فلا بدّ أن يرجعه ويجازيه عليها. وقيل: نزلت الآيتان في أبى سلمة بن عبد الأشدّ وأخيه الأسود بن عبد الأشد.
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ١٦ الى ١٩]
فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩)
الشفق: الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس، وبسقوطه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العتمة عند عامة العلماء، إلا ما يروى عن أبى حنيفة رضى الله عنه في إحدى الروايتين:
أنه البياض. وروى أسد بن عمرو: أنه رجع عنه، سمى لرقته. ومنه الشفقة على الإنسان:
رقة القلب عليه وَما وَسَقَ وما جمع وضم، يقال: وسقه فاتسق واستوسق. قال:
مستوسقات لو يجدن سائقا «٢»
ونظيره في وقوع افتعل واستفعل مطاوعين: اتسع واستوسع. ومعناه: وما جمعه وستره وآوى إليه من الدواب وغيرها إِذَا اتَّسَقَ إذا اجتمع واستوى ليلة أربع عشرة. قرئ:
لتركبن، على خطاب الإنسان في يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ولتركبن، بالضم على خطاب الجنس، لان النداء للجنس، ولتركبن بالكسر على خطاب النفس، وليركبن بالياء على: ليركبن
(٢).
إن لنا قلائصا حقائقا | مستوسقات لو يجدن سائقا |
محملات أو مجتمعات، وأو بمعنى إلى، أى: واقفات إلى أن يجدن من يسوقهن فيسرن. ويروى: لو يجدن.
وفيه معنى التمني. ويجوز أن جوابه مقدر، أى: لأسرعن:
ويجوز أن يكون جمع طبقة وهي المرتبة، من قولهم: هو على طبقات. ومنه: طبق الظهر لفقاره الواحدة: طبقة، على معنى: لتركبن أحوالا بعد أحوال هي طبقات في الشدّة بعضها أرفع من بعض. وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها. فإن قلت: ما محل عن طبق؟ قلت:
النصب على أنه صفة لطبقا، أى: طبقا مجاوزا لطبق. أو حال من الضمير في لتركبن، أى:
لتركبن طبقا مجاوزين لطبق. أو مجاوزا. أو مجاوزة، على حسب القراءة: وعن مكحول: كل عشرين عاما تجدون أمرا لم تكونوا عليه.
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ٢٠ الى ٢٥]
فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤)
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)
لا يَسْجُدُونَ لا يستكينون ولا يخضعون. وقيل. قرأ رسول الله ﷺ ذات يوم وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ فسجد هو ومن معه من المؤمنين وقريش تصفق فوق رؤسهم وتصفر «١»، فنزلت. وبه احتج ابو حنيفة رضى الله عنه على وجوب السجدة. وعن ابن عباس ليس في المفصل سجدة. وعن أبى هريرة رضى الله عنه: أنه سجد فيها وقال: والله ما سجدت فيها إلا بعد أن رأيت رسول الله ﷺ يسجد «٢» فيها. وعن أنس: صليت خلف أبى بكر وعمر وعثمان فسجدوا. وعن الحسن: هي غير واجبة الَّذِينَ كَفَرُوا إشارة إلى المذكورين بِما يُوعُونَ بما يجمعون في صدورهم ويضمرون من الكفر والحسد والبغي والبغضاء. أو بما يجمعون في صحفهم من أعمال السوء ويدخرون لأنفسهم من أنواع العذاب إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا استثناء منقطع.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة انشقت أعاذه الله أن يعطيه كتابه وراء ظهره» «٣».
(٢). متفق عليه بمعناه.
(٣). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بإسنادهم إلى أبى بن كعب.