ﰡ
مكية، وآيها خمس وعشرون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١) أي: بالغمام وتنزل فيه ملائكة العذاب كقوله: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا). وعن علي - رضي الله عنه -: " تنشق من المجرة".(وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا... (٢) واستمعت له، من الإذن وهو الاستماع. والمعنى: أطاعت لما أريد منها من الانشقاق إطاعة المأمور إذا ورد عليه أمر من الآمر المطاع. (وَحُقَّتْ) وكانت محقوقة جديرة بالإطاعة؛ لورود أمر القاهر المقتدر الذي لا يتأبى عليه مراد. والجواب محذوف؛ ليذهب المقدر كل مذهب، أو اكتفاء بما علم في سورتي التكوير والانفطار. وقيل: الجواب: ما دل عليه (فَمُلَاقِيهِ) أي: إذا وقع ذلك لاقى الإنسان كدحه، أو (فَمُلَاقِيهِ) على أنَّ (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا) اعتراض.
(وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا... (٤) من الأموات والكنوز (وَتَخَلَّتْ) غاية الخلو؛ لدلالة التفعّل على التكلف. كأنها كلفت أن تبلغ في ذلك غاية الجهد.
(وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٥) أي: في إلقاء ما في بطنها وتخليها، ولا تكرار؛ لأن الأول في السماء وهذا في الأرض.
(يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (٦) الكدح: الجد والجهد في العمل. والضمير في (فَملَاقيهِ) للرب أَي. لا مفرّ لك منه، أو للكدح أي: ملاقٍ جزاءه كما في الحديث. " إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالكُمْ تردّ إليكم " ثم فصل ذلك بقوله:
(وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ... (٩) أي: عشيرته، أو إلى فريق المؤمنين، أو إلى أهله في الجنة من الحور والولدان. (مَسْرُورًا) فرحاً.
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (١٠) تغلّ يمناه إلى عنقه، وتثنى شماله إلى وراء ظهره. (فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (١١) أي: يدعو بالويل والهلاك.
(إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (١٣) سرور بطر بالمال والجاه، لا يخطر بباله أمر الآخرة.
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) تعليل لذلك السرور. (بَلَى... (١٥) إيجاب بعد النفي بـ " لن ". أي: ليحورنَّ لا محالة. والحور: هو الرجوع. وفي الحديث: " نعوذ باللَّه من ْالحَوْر بعد الكَوْر " أي: الرجوع عن الدين بعد الدخول فيه. (إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا) فيجازيه على أعماله.
(فَلَا أُقْسِمُ بِالشَفَقِ (١٦) وهي الحمرة بعد مغيب الشمس، وعن أبي حنيفة: هي البياض، وروى أسد بن عمرو: أنه رجع عن ذلك، مأخوذ من الشفقة؛ لرقته.
(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (١٩) أي: حالاً متجاوزاً عن الآخر في الشدة، وهي الموت وما بعده من الأهوال. والطبق: ما طابق غيره أي: وافقه، ومنه أطباق الثرى، والطبق: الغطاء. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بفتح الباء على أنه خطاب لرسول اللَّه - ﷺ -. وعد له بالإسراء أي: لتسلكن أطباق السماوات في المعراج، أو لكل أحد من أفراد الإنسان نظراً إلى لفظه أي: لفظ الإنسان فإنه مفرد.
(فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠) بالبعث بعد ظهور دلائله.
(وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (٢١) لا يخضعون إكراماً له؛ لدلالة إعجازه على أنه كلام اللَّه. واستدل به أبو حنيفة رحمه اللَّه على وجوب السجود؛ لأنَّ الذم لا يكون إلا على ترك الواجب. روى مسلم والبخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: " أنه سجد فيها وقال سجدت خلف أبي القاسم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه ". قيل:
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (٢٣) بما يضمرونه من الكفر والرذائل، أو بما يجمعونه في صحائف أعمالهم. (فَبَشِرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٤) تهكم بهم.
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ... (٢٥) استتناء منقطع، أو متصل بتقدير الضمير أي: منهم. (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) مقطوع، أو مشوب بالمنة.
* * *
تمّت سورة الانشقاق، والحمد للواحد الخلَّاق، والصلاة على الكامل بالاتفاق، وآله وصحبه إلى يوم التلاق.
* * *