تفسير سورة الضحى

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة الضحى من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
سورة الضحى
نزلت هذه السورة على الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ تكذيبا لقريش في قوله لما أبطأ عليه الوحي أياما : قد ودّع محمدا ربه وقلاه.

فقال تعالى :﴿ والضحى ﴾ أقسم بالضحى، وهو وقت ارتفاع الشمس وإشراقها، وهو وقت نشاط الحركة، والإقبال على العمل.
﴿ والليل إذا سجى ﴾ وأقسم بالليل حين يسكن. يقال : سجا الليل وغيره يسجو سجوا وسجوا، سكن ودام ؛ ومنه ليلة ساجية : إذا كانت ساكنة الريح. أو أقسم به حين يمتد بظلامه، وذلك وقت السكون وانقطاع الحركة.
وجواب القسم قوله تعالى :﴿ ما ودعك ربك ﴾ ما تركك منذ اختارك ؛ من التوديع وهو الأصل : الدعاء للمسافر ببلوغ الدعة وخفض العيش. ثم تعورف في تشييع المسافر وتركه، ثم استعير للترك مطلقا. وقرئ " ودعك " بالتخفيف بمعناه. ﴿ وما قلى ﴾ ما أبغضك ربك منذ أحبك ؛ من القلى وهو شدة البغض. يقال : قلاه يقليه قلى وقلاء، أبغضه وكرهه غاية الكراهة. كما تقول : قريت الضيف أقريه قرى وقراء.
﴿ وللآخرة... ﴾ بشارة من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بأنه مع مواصلته إياه بالوحي والكرامة، وتخصيصه بمنازل رفيعة لم يدركها من قبله، سيؤتيه في الآخرة ما هو أجل وأعظم مما أعطاه في الدنيا.
﴿ ولسوف يعطيك ربك ﴾ من خيرى الدنيا والآخرة كل ما فيه رضا لك، من نصر وتمكين وفتوح، وإعلاء لكلمة الله على لسانك، وبدعوتك وجهادك، وتكثير لأتباعك، وتفضيل لأمتك، ومقامات وكرامات لا يحيط بها إلا المنعم المنان. ﴿ فترضى ﴾ بما أعطاك.
ثم عدد الله من فنون النعم العظيمة التي أفاضها على رسوله صلى الله عليه وسلم من أول أمره إلى وقت النزول، ثلاث نعم جزيلة ؛ تقوية لقلبه، وشرحا لصدره، والبدايات دلائل النهايات، والسوابق شواهد على اللواحق – فقال :﴿ ألم يجدك يتيما ﴾ حين مات أبوك، ولم يخلف لك مالا ولا مأوى. ﴿ فآوى ﴾ فآواك وضمك إلى من يقوم بأمرك ؛ حيث كفلك جدك عبد المطلب، ثم من بعده عمك الشقيق أبو طالب فأحسن تربيتك.
﴿ ووجدك ضالا ﴾ غافلا عن معالم النبوة وأحكام الشريعة التي لا تهتدي إليها العقول وحدها ؛ كما قال تعالى : " ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان " ١. ﴿ فهدى ﴾ فهداك إلى مناهجها في تضاعيف ما أوحى إليك من الكتاب المبين، وعلمك ما لم تكن تعلم. أما أصل الإيمان بالله فإنه عليه الصلاة والسلام ما كفر بالله قط ! ولا أشرك به قط ! فلم يعبد وثنا. ولم يؤله صنما، ولم يشهد لذلك رسما. وقد عصمه ربه من ذلك قبل النبوة. واهتدى إلى الإيمان بالله بفطرته، ولم تغب عنه إلا تفاصيل شريعته ؛ حتى جاءه الحق من ربه، فعلّمه منها ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيما.
١ آية ٥٢ الشورى..
﴿ ووجدك عائلا ﴾ فقيرا لا مال لك. ﴿ أغنى ﴾ فرضاك بما أعطاك من الرزق. وذلك حقيقة الغنى ؛ وفي الحديث ( ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس ). من عال الرجل يعيل عيلة، إذا افتقر واحتاج. وإغناؤه صلى الله عليه وسلم : إعطاؤه الكفاف من العيش.
﴿ فأما اليتيم فلا تقهر ﴾ فلا تستذله ولا تحتقره، ولا تظلمه ولا تغلبه على ماله، ولا تؤذه بأي نوع من أنواع الأذى ؛ فقد كنت يتيما. وفي الحديث ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ) وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما ؛ أي إذا أحسن كفالته واتقى الله فيه. والخطاب له ولأمته.
﴿ وأما السائل ﴾ ذا الحاجة إلى مال أو علم﴿ فلا تنهر ﴾ فلا تزجره ولا تغلظ له القول ولا تعبس في وجهه ؛ بل اسعفه بمطلوبه ما استطعت. يقال : نهره وانتهر، إذا استقبله بكلام يزجره.
﴿ وأما بنعمة ربك ﴾ أي بما أنعم عليك من النعم العظيمة﴿ فحدث ﴾ أي فاذكرها وأذعها ؛ وذلك شكرها والخطاب له ولأمته. وإنما يجوز لغيره صلى الله عليه وسلم التحدث بما عمله من الخير إذا أمن على نفسه الفتنة، وقصد اقتداء الناس به.
وندب التكبير عند خاتمة هذه السورة وما بعدها إلى آخر القرآن العظيم، بلفظ : لا إله إلا الله، والله أكبر. أو ذلك مع زيادة : ولله الحمد.
والله أعلم.
Icon