هي مكية سوى ثلاث آيات ٢ من آخرها نزلت بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد وذلك لما قتل حمزة بن عبد المطلب ٣ رضي الله تعالى عنه ومثل به المشركون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين منهم " فأنزل الله تعالى :﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم... ﴾ إلى آخر السورة ٤ [ النحل : ١٢٦ - ١٢٨ ]. وما نزل بين مكة والمدينة فهو مدني. وهذه السورة كانت تسمى سورة النعم لما عدد الله تعالى فيها من نعمه على عباده ٥ وفيها مواضع من الأحكام والنسخ ٦.
٢ قال القرطبي وهي مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ٦٥..
٣ حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، عم النبي صلى الله عليه وسلم. أسلم في السنة الثامنة من البيعة وقيل في السنة السادسة، شهد بدرا، وشهد أحدا وقتل بها شهيدا. انظر البداية والنهاية ٢/ ٣٢..
٤ راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢١٤ – ٢١٦. لباب النقول ص ٥٠٩..
٥ نسبه القرطبي إلى قتادة. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ٦٥..
٦ أوصلها ابن الفرس إلى أربعة وعشرين آية..
ﰡ
الأنعام : الإبل والبقر والغنم. والدفء : السخانة بالأكسية التي تعمل منها ونحوها. وقيل الدفء النسل ١ وقال الحسن الدفء ما استدفئ به من أصوافها وأوبارها وأشعارها. واستدل به قوم على جواز الانتفاع بها في حالتي حياة الحيوان وموته. وقال بعضهم ليس هذا الاستدلال بصحيح لأن الله تعالى قرن ٢ ذلك مع الأكل من الأنعام. فقال :﴿ ومنها تأكلون ﴾ فدل ذلك على إباحة هذه الثلاثة الأشياء بشرط الذكاة ٣. والأثقال الأمتعة. وقيل المراد بها ٤ هنا الأجسام كقوله تعالى :﴿ وأخرجت الأرض أثقالها ( ٢ ) ﴾ [ الزلزلة : ٢ ] أي أجساد بني آدم ٥.
وقوله :﴿ إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس... ﴾ الآية. إلى بلد توجبهم إليه بحسب اختلاف أغراض الناس. وقيل المراد مكة، قاله ابن عباس وغيره ٦. وفي الآية على هذا حض على الحج. وقد اختلف في ركوب البقر. وفي الآية دليل على جوازه لقوله تعالى :﴿ وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ﴾ [ النحل : ٧ ] فعم الأنعام كلها. وأما الحمل عليها دون الركوب فلا أعرف في جوازه خلافا.
وقوله :﴿ والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ﴾ [ النحل : ٨ ] لا خلاف في جواز ٧ ركوب هذه ما لم تكن جلالة. واختلف في الجلالة منها هل يجوز ركوبها أم لا ؟ وعموم الآية دليل على جوازه. وكذلك اختلف في ركوب الجلالة من الإبل، وعموم الآية أيضا دليل على جوازه. وتخصيصه تعالى الخيل والبغال والحمير بالركوب دليل على أنه لا يجوز أكلها، وهذا الذي يسميه الأصوليون دليل الخطاب، وبينهم في القول به خلاف وعلى ذلك اختلفوا في أكلها على ثلاثة أقوال : المنع والكراهة – والقولان في المذهب – والجواز، وبالتحريم قال أصحاب أبي حنيفة، واحتج بعضهم بالآية وزعم أن فيها دلالة على ذلك. وبالجواز قال أصحاب الشافعي وأنكروا دلالة الآية، وقالوا إنما لم يذكر الله تعالى الأكل منها كما ذكره في الأنعام لأنها لا تعد لذلك عرفا وإنما تؤكل إذا أصابتها زمانة ٨. واختلف في ركوب ٩ الإبل ١٠، والجمهور على إباحته وحجتهم عموم الآية ١١.
٢ في (ح): "قرب"..
٣ ذكر ذلك الكيا الهراسي في أحكام القرآن ٤/ ٢٤١..
٤ في (ح)، (و)، (ز): "به"..
٥ قال ابن عطية واللفظ يحتمل المعنيين، قال النقاش: ومنه سيئ الإنس والجن الثقلين. راجع المحرر الوجيز ١٠/ ١٦٢..
٦ وعكرمة والربيع بن أنس. قاله ابن عطية. راجع م. س. ، ن. ص..
٧ "جواز" كلمة ساقطة في (أ)، (ز)..
٨ ذكر كل ذلك الكيا الهراسي في أحكام القرآن ٤/ ٢٤٢، وكذلك القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ٧٦، ٧٧..
٩ في (و): "أكل"..
١٠ في (أ)، (ز): "الأبان"..
١١ من قوله: "واختلف... إلى: الآية" ساقط في (د)..
وقد مر الكلام ١ على جميع أحكام هذه الآية إلا قوله تعالى :﴿ وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ﴾. يريد بالحلية الجوهر والمرجان والصدف والصوف ٢ البحري ونحو ذلك مما يخرج من البحر، فأباح لباسها. وقد اتفق أهل العلم على إباحة التحلي بالجوهر للنساء بدليل هذه الآية لأنه تعالى قال :﴿ تلبسونها ﴾ فأباح لباسها، والجوهر من جملة ذلك، ودليل آخر غير الآية. واختلفوا في إباحة ذلك للرجال بالآية يستدل على إباحته. وقد احتج بهذه الآية أبو يوسف ومحمد والشافعي فيمن ٣ حلف لا يلبس حليا فلبس لؤلؤا فإنه يحنث بتسمية الله تعالى إياها حليا. وأبو حنيفة لا يرى ذلك لأن الحلي إذا أطلق لا يفهم منه ٤ في المتعارف ٥ اللؤلؤ. وذلك مكابرة منه.
٢ "والصوف" كلمة ساقطة في (أ)، (ز)..
٣ في (أ)، (ز): "على أن من"..
٤ "منه" ساقط في (ب)..
٥ في (ج): "في العرف"..
في هذه الآية دليل على جواز الاهتداء بالنجوم في الطرق والأوقات حتى عول الناس على ذلك في التسحير احتياطا للصوم، وإن كان الله تعالى لم يكلفنا إلا بالشيء البين الذي يشترك في معرفته ١ العامة والخاصة وهو تبين الفجر لكن الناس احتاطوا لخوفهم أن يؤكل في النهار فرأوا إمساك جزء من الليل أولى من أن يؤكل جزء من النهار وعولوا في الاحتياط لذلك على المنازل. وقد اختلف العلماء هل هذا الإمساك قبل الفجر واجب أم لا ؟ وقوله :﴿ وبالنجم هم يهتدون ﴾ يقع على الكواكب والشمس والقمر، وقد صرح الشرع بوجوب الاهتداء بالهلال في أمر الشهور. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الهلال : " فإن غم عليكم فأقدروا له " ٢ فاختلف العلماء في تخريج قوله : فأقدروا له. فقيل معناه أن يكمل عدد الشمس ثلاثين. واحتج من ذهب إليه بالحديث الذي جاء مفسرا في ذلك ٣ وقيل معناه أن ينظر إذا غم القمر ليلة الشك إلى سقوطه من الليلة الثانية، فإن سقط بمنزلة ٤ واحدة، وهي ستة أسباع ساعة علم أنه من تلك الليلة. وإن غاب لمنزلتين وهما ساعة وخمسة أسباع ساعة علم أنه من الليلة الماضية فيقضي صوم ذلك اليوم. وإلى هذا ذهب الطحاوي. قال ولكن هذا منسوخ لقوله صلى الله عليه وسلم : " فإن غم عليكم فأكملوا المدة ثلاثين " ٥. وقيل معناه أن ننظر إلى ما قبل الشهر الذي غم الهلال عنده آخره من الشهور. فإن كان توالي شهران أو ثلاثة كاملة عمل على أن هذا الشهر ناقص فأصبح الناس صياما. وإن كانت توالت ناقصة عمل على أن هذا الشهر كامل وأصبح الناس مفطرين إذ لا يتمادى أربعة أشهر ناقصة ولا كاملة على ما علم بما أجرى الله به ٦ من العادة، ولا ثلاثة أيضا ناقصة ولا كاملة إلا في النادر. وإن لم يتوال قبل الشهر الذي غم الهلال في آخره شهران فأكثر ناقصة ولا كاملة احتمل أن يكون الشهر ناقصا، وأن يكون كاملا احتمالا واحدا فوجب أن يكون عدده ثلاثين يوما كما جاء في الحديث الآخر. وهذا في الصوم. فأما الفطر فإذا غم هلال شوال فلا يفطر بالتقليد الذي يغلب على الظن فيه أن رمضان ناقص. وقيل معناه أنه إذا مر لشعبان تسعة وعشرون يوما نظر ٧، فإن رؤي الهلال فذلك، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قترة أصبح ناظره مفطرا. وإن حال دون منظره سحاب وقترة أصبح صائما ثم لا يفطر إلا مع الناس، وهو ٨ قول ابن عمر. وقيل – وهو قول مطرف بن الشخير وأحد قولي الشافعي – معناه إذا التبس الهلال حسب له بحساب المنجمين، واحتج من ذهب إلى هذا بهذه الآية :﴿ وبالنجم هم يهتدون ﴾. ورد٩ الجمهور هذا القول وتأولوا الآية على أن المراد بها الاهتداء في الطرق في البر والبحر، وقالوا أيضا لو كان التكليف يتوقف على حساب التنجيم لضاق الأمر فيه إذ لا يعرف ذلك إلا قليل من الناس، والشرع مبني على ما يعلمه الجماهير. وأيضا فإن الأقاليم على مذاهبهم مختلفة، ويصح أن يرى في إقليم دون إقليم فيؤدي ذلك إلى اختلاف الصوم عند أهلها ولا يلزم قوما ما يثبت عند قوم ١٠.
٢ روى الإمام مالك عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأقدروا له". الموطأ، كتاب الصيام، باب: ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان ١/ ١٩١..
٣ وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا المدة ثلاثين" انظر م. س. ، ن. ص..
٤ في (أ)، (ز) زيادة: "ليلة"..
٥ ذكره مالك عن عبد الله بن عمر في الموطأ، كتاب الصيام، باب: ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان ١/ ١٩١..
٦ "به" ساقط في (د)، (هـ)..
٧ في (أ): "فانظر"..
٨ في (ح): "وهي"..
٩ في (أ)، (ز): "ورأى"..
١٠ راجع المنتقى للباجي، كتاب الصيام، باب: ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان ٢/ ٣٥ – ٤٠..
اختلف في السكر، ما هو ؟ فقيل، هو : ما يسكر ١. واختلف الذين ذهبوا إلى هذا، هل الآية محكمة أو منسوخة ؟ فذهب جماعة إلى أنها منسوخة، وإنما اقتضت تحليل الخمر، فنسخت بآية المائدة في تحريم الخمر ٢. وذهب جماعة إلى أنها محكمة، وأن الآية لا تعطي تحليل السكر، وإنما تعطي أنهم يتخذون منها ذلك، على أنه حلال لهم ٣. وقيل : السكر ما يطعم، ورجح الطبري هذا القول. وقيل : السكر ما سد الجوع. وقيل : السكر المائع من هاتين الشجرتين، كالخل والرف والنبيذ، وهو قول مجاهد، والشعبي أيضا. والآية على هذه الأقوال الثلاثة، محكمة بلا خلاف. واختلف في الرزق الحسن، ما هو ؟ فقال : من زعم أن السكر الخمر، هو جميع ما يشرب ويؤكل حلالا من هاتين الشجرتين، وهو قول ابن عباس، وابن جبير، وإبراهيم، والشعبي أيضا. وقال من ذهب إلى أن السكر المائع كما ذكرنا، هو : العنب والتمر. ولا اختلاف في أن الخمر إذا تخللت من ذاتها أنها تؤكل. واختلف هل يجوز تخميرها أم لا على ثلاثة أقوال : المنع، والجواز، والفرق بين أن يقتني الخمر فيخلل أو يتخمر عصير لم يقصد به الخمر فيخلل. فلا يجوز الأول، ويجوز الثاني. والدليل لمن أجاز التخليل، قوله تعالى :﴿ تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ﴾، على قول من فسر السكر، أو الرزق الحسن ؛ لأنه الخل ونحوه. وإذا قلنا بالمنع من تخليلها، فتخللت، ففي جواز أكلها ثلاثة أقوال : المنع، والجواز، والفرق بين ما وضعت للخمر وبين ما لم توضع له، والفرق في هذا، قول سحنون. والقولان الآخران لمالك. والدليل للجواز : ما قدمناه من أن الآية أيضا على التفسير المذكور ؛ لأنه إذا جعلنا السكر : الخل ونحوه من المائع ٤، والرزق الحسن : جميع ما يؤكل ويشرب من الشجرتين المذكورتين. فإطلاق لفظ الاتخاذ على ذلك، يدل على جواز التخليل، والأكل بعد التخليل، من غير تفصيل.
٢ وهي قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (٩٠)﴾ [المائدة: ٩٠]. وقد رجح هذا الرأي ابن العربي. قال القرطبي: قال ابن العربي: والصحيح أن ذلك كان قبل تحريم الخمر فتكون منسوخة فإن هذه الآية مكية باتفاق من العلماء وتحريم الخمر مدني. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ١٢٨..
٣ قال القرطبي: وتكون الآية محكمة وهو حسن. راجع م. س. ، ن. ص..
٤ في (ج)، (ح): "من المائعات"..
اختلف في السكر، ما هو ؟ فقيل، هو : ما يسكر ١. واختلف الذين ذهبوا إلى هذا، هل الآية محكمة أو منسوخة ؟ فذهب جماعة إلى أنها منسوخة، وإنما اقتضت تحليل الخمر، فنسخت بآية المائدة في تحريم الخمر ٢. وذهب جماعة إلى أنها محكمة، وأن الآية لا تعطي تحليل السكر، وإنما تعطي أنهم يتخذون منها ذلك، على أنه حلال لهم ٣. وقيل : السكر ما يطعم، ورجح الطبري هذا القول. وقيل : السكر ما سد الجوع. وقيل : السكر المائع من هاتين الشجرتين، كالخل والرف والنبيذ، وهو قول مجاهد، والشعبي أيضا. والآية على هذه الأقوال الثلاثة، محكمة بلا خلاف. واختلف في الرزق الحسن، ما هو ؟ فقال : من زعم أن السكر الخمر، هو جميع ما يشرب ويؤكل حلالا من هاتين الشجرتين، وهو قول ابن عباس، وابن جبير، وإبراهيم، والشعبي أيضا. وقال من ذهب إلى أن السكر المائع كما ذكرنا، هو : العنب والتمر. ولا اختلاف في أن الخمر إذا تخللت من ذاتها أنها تؤكل. واختلف هل يجوز تخميرها أم لا على ثلاثة أقوال : المنع، والجواز، والفرق بين أن يقتني الخمر فيخلل أو يتخمر عصير لم يقصد به الخمر فيخلل. فلا يجوز الأول، ويجوز الثاني. والدليل لمن أجاز التخليل، قوله تعالى :﴿ تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ﴾، على قول من فسر السكر، أو الرزق الحسن ؛ لأنه الخل ونحوه. وإذا قلنا بالمنع من تخليلها، فتخللت، ففي جواز أكلها ثلاثة أقوال : المنع، والجواز، والفرق بين ما وضعت للخمر وبين ما لم توضع له، والفرق في هذا، قول سحنون. والقولان الآخران لمالك. والدليل للجواز : ما قدمناه من أن الآية أيضا على التفسير المذكور ؛ لأنه إذا جعلنا السكر : الخل ونحوه من المائع ٤، والرزق الحسن : جميع ما يؤكل ويشرب من الشجرتين المذكورتين. فإطلاق لفظ الاتخاذ على ذلك، يدل على جواز التخليل، والأكل بعد التخليل، من غير تفصيل.
٢ وهي قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (٩٠)﴾ [المائدة: ٩٠]. وقد رجح هذا الرأي ابن العربي. قال القرطبي: قال ابن العربي: والصحيح أن ذلك كان قبل تحريم الخمر فتكون منسوخة فإن هذه الآية مكية باتفاق من العلماء وتحريم الخمر مدني. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ١٢٨..
٣ قال القرطبي: وتكون الآية محكمة وهو حسن. راجع م. س. ، ن. ص..
٤ في (ج)، (ح): "من المائعات"..
يدل على جواز اتخاذ النحل وإن أضر بالشجر ؛ لأن الله تعالى قد أباح لها السرح في كل الثمرات، وذلل لها السبل. وقد اختلف في النحل يضر بشجر القوم إذا نورت وبكر، فهل يمنع ١ صاحبها من اتخاذها عليهم أم لا ؟ ففي قول عيسى بن دينار٢ : يمنع، وهو قول مطرف في الواضحة. وقال أصبغ : لا يمنع، وعلى أهل القرية حفظ زروعهم وشجرهم إن قدروا ٣، وهو : قول ابن القاسم. وحجة هذا القول ما قدمناه من دليل الآية، وإن كان ابن حبيب قد اختار قول مطرف. والحمام والدجاج بهذه المنزلة، الخلاف فيها واحد.
٢ عيسى بن دينار: هو أبو محمد عيسى بن دينار. فقيه من أهل الفتيا في قرطبة. ولي قضاء طليطلة. توفي سنة ٢١٢ هـ/ ٨٢٧ م. انظر الديباج لابن فرحون ص ١٧٨..
٣ من قوله: "وهو قول مطرف......... إلى: أن قدروا" ساقط في (أ)، (ز)..
ذكر إسماعيل بن إسحاق ١ أن المراد به عبد بعينه، ويجوز أن يكون عبد الله. والظاهر أنه أي عبد كان ٢. وذكر إسماعيل، أنه روي عن ابن عباس، أن الآية واردة في رجل من قريش وعبده أسلما، وأن سيده كان ينفق عليه من ماله ٣. والأبكم أيضا الذي ٤ ضرب الله به المثل بعينه، لم يكن له مال وكان كلا على مولاه. والمولى في هذا الموضع : المولى ٥ من أخ أو ابن عم. وقال بعضهم : الأبكم : صنم ٦. وقد اختلف في العبد هل يملك شيئا أم لا على قولين في المذهب. واستدل بعضهم على أنه لا يملك شيئا بهذه الآية لقوله تعالى :﴿ لا يقدر على شيء ﴾، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ٧، واستدل آخرون على أنه يملك بقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : " من باع عبدا وله مال، فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع " ٨، قالوا فقوله : وله مال، لام تمليك. وأول الأولون هذا، وقالوا إنما أضافه إليه لما كان هو المتصرف فيه ٩، لأنه متملك له. وهذا كما تقول : فرس السائس، وباب الدار ونحو ذلك. وضعف أهل القول الثاني الاستدلال بالآية على أن العبد لا يملك، وقالوا : إنما ضرب الله تعالى بذلك مثلا، فلا يلزم أن يكون كل العبيد كذلك، وإنما فرض عبدا تكون حاله تلك وضرب به المثل. وأيضا فلو كان كذلك للزم أن يكون البكم لا يملكون شيئا ؛ لأن المعنى في المسألتين واحد. وقالوا إن ظاهر الحديث : أن العبد يملك وما ذكرتموه من الاحتمال فيها غير منكر، إلا أنه غير ظاهر. فيحمل على الظاهر حتى يقوم دليل على غيره. وعلى هذا يترتب الخلاف في طلاق العبد هل هو بيده أو بيد سيده ؟ وعلى١٠ بيع الأمة هل هو طلاق لها ١١ أم لا ؟ قد استدل بعضهم بالآية على أن الطلاق بيد السيد، وأن البيع طلاق، وأنكر آخرون ذلك وضعفوا الاستدلال.
٢ ذكر نحوه الكيا الهراسي في أحكام القرآن ٤/ ٢٤٥..
٣ ذكر الواحدي: أن هذه الآية نزلت في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق ماله سرا وجهرا، ومولاه أبو الحوزاء الذي كان ينهاه، فنزلت: ﴿ وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء﴾. فالأبكم منهما الكل على مولاه. هذا السيد: أسد بن العيص، والذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه. انظر أسباب النزول ص ٢١٠..
٤ "الذي" ساقطة في (أ)..
٥ في (أ)، (ج)، (د)، (هـ): "الولي". "المولى" ساقطة في (ب)، (هـ)..
٦ نسبه ابن عطية إلى قتادة: راجع المحرر الوجيز ١٠/ ٢١٥..
٧ ٧ قال الكيا الهراسي: ويمكن أن يجاب عنه أن المراد به أنه إذا تصرف لا يمكنه أن يتصرف إلا بإذن غيره كما يقال ذلك فيمن لا يملك أصلا. راجع أحكام القرآن ٤/ ٢٤٤..
٨ الحديث رواه أبو داود عن ابن عمر. كتاب البيوع، باب: في العبد يباع وله مال ٣/ ٧١٣..
٩ في (أ)، (ج)، (ز): "لا لأنه"..
١٠ في (أ)، (ز): "وفي الأمة"..
١١ "لها" كلمة ساقطة في (أ)، (ز)..
وروى أبو زيد عن ابن القاسم أنه يصدق أنه لم يعلم، واستدل بالآية. قال : قد سبق جهل الإنسان علمه، وعلمه محدث بعد جهله، فهو محمول على الجهل حتى يثبت عليه العلم.
استدل بعضهم بهذه الآية على جواز الانتفاع بجلود الأنعام مذكاة كانت أو غير مذكاة، وكذلك في استعمال أوبارها وأشعارها وأصوافها. والمسألة قد تقدم الكلام عليها في سورة البقرة، فقف عليها ١. والأصواف للغنم، والأوبار للإبل، والأشعار للمعز والبقر، ولم تكن بلادهم بلاد قطن وكتان، فكذلك اقتصر على هذه. وقد يحتمل أنه لم يذكر القطن والحرير والكتان تعريضا ؛ لأنه سرف، إذ ٢ إنما يلبس الصالحون الصوف. وأيضا فقد أشار إلى القطن والكتان بقوله تعالى :﴿ سرابيل تقيكم الحر ﴾ [ النحل : ٨١ ].
٢ في (أ)، (ز): "إذا"..
هذه الآية فيها موادعة نسخت بآية السيف.
هذه الآية تحتوي على أحكام كثيرة : من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبغي، والأمر بصلة الرحم وحفظ الأيمان. وقد تقدم الكلام على كثير مما تضمنته.
هذه الآية تحتوي على أحكام كثيرة : من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبغي، والأمر بصلة الرحم وحفظ الأيمان. وقد تقدم الكلام على كثير مما تضمنته.
وهذه الآية أيضا قد تقدم الكلام على كثير من أحكامها. ومنها قوله تعالى :﴿ ولا تشتروا ﴾ الآية، نهي عن الرشا وأخذ الأموال، على ترك ما يجب على الأحد فعله، وهل يجب عليه تركه.
وهذه الآية أيضا قد تقدم الكلام على كثير من أحكامها. ومنها قوله تعالى :﴿ ولا تشتروا ﴾ الآية، نهي عن الرشا وأخذ الأموال، على ترك ما يجب على الأحد فعله، وهل يجب عليه تركه.
معنى هذه الآية : فإذا أردت قراءة القرآن، ؛ لأنه لم يرد تعالى التعوذ بعد القراءة، وإنما يبدأ بها ثم بالقراءة. وقد اختلف في التعوذ هل هو واجب قبل القراءة أم لا ؟ فالجمهور : أنه ليس بواجب وإنما هو مندوب إليه، وحملوا الأمر في الآية على الندب. وذهب عطاء إلى أنه واجب قبل القراءة، وحمل الأمر في الآية على الوجوب. واختلف الذين رأوه على الندب، هل يتعوذ في الصلاة قبل فاتحة الكتاب أم لا ؟ فعندنا أنه لا يتعوذ إلا في النفل لمن شاء ١، وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه يتعوذ، وحجتها عموم الآية. وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ في صلاته قبل القراءة، واختلف القائلون بالاستعاذة هل ذلك في كل ركعة أم لا ؟ فقيل : يستعاذ في أول ركعة خاصة. وقيل : يستعاذ في ركعة، وهو قول ابن سيرين، وحجة هذا القول عموم الآية. واختلف في لفظ الاستعاذة، فقيل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإليه ذهب الأكثرون. وروى جبير بن مطعم عن أبيه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة قال : " اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، ومن همزه ونفثه ونفخه " ٢ وقال إسماعيل القاضي التعوذ : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. وما قام هذا المقام ٣ قوله تعالى :﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ( ١٠٦ ) ﴾.
ذكر قوم من المفسرين أن الآية نزلت في أناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم بعض أصحابهم بالمدينة لستم منا حتى تهاجروا إلينا، وكان فيهم عمار بن ياسر وغيره. فخرجوا يريدون المدينة، فأدركتهم قريش في الطريق، ففتنوهم على الكفر، فكفروا مكرهين فنزلت الآية :﴿ إلا من أكره وقلبه مطمئن ﴾ ٤. واتفق العلماء أن من أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، لم يلزمه شيء من أحكام الكفر عند الله تعالى. واختلفوا في إلزامه أحكام الكفر، فالجمهور على أنه لا يلزمه شيء من أحكام الكفر، وأن أحكامه أحكام المؤمن. وذهب محمد بن الحسن إلى أن أحكامه أحكام الكافر، فتبين منه امرأته، ولا يصلى عليه إن مات، ولا يرث أباه إن مات مسلما ٥، ومفهوم الآية حجة القول الأول، وهذا في الإكراه في القول. ولا خلاف في أن الإثم فيه مرفوع كما قدمنا، واختلف في الإكراه والعتق والبيع هل هو كالإكراه على النطق بكلمة الكفر أم لا ؟ فسوى الشافعي بينهما، واستدل أصحابه بالآية على نفي طلاق المكره وعتاقه، وكل قول حمل عليه، وروى أنه باطل نظرا لما فيه من حفظ حقه كما امتنع الحكم بنفوذ. ردته حفظا لدينه فإذا بلغ الخلاف في ذلك معلوم في المذهب ٦، واختلف في الإكراه على الفعل مثل : شرب الخمر، وأكل الخنزير، أو السجود لغير الله تعالى، أو الزنا بالمرأة المختارة لذلك المكرهة له على الزنا بها ولا زوج لها، وما أشبه من ذلك مما لا يتعلق به حق لمخلوق. فقيل : الإكراه فيه إكراه كالإكراه على القول، وهو قول سحنون ٧، وقيل : الإكراه لا يكون في ذلك إكراها ينتفع المكره به، وإلى هذا ذهب ابن حبيب ٨، ومن حجة من لا يره إكراها : أن الآية إنما نزلت في الإكراه على القول خاصة، فتقصر على ما نزلت فيه. ومن حجة أهل القول الثاني : أن الإكراه على الفعل كما ذكرنا كالإكراه على القول ينبغي أن يحكم له بحكمه. وأما ما يتعلق به حق لمخلوق كالقتل والغضب ونحو ذلك، فلا خلاف أن الإكراه فيه غير نافع، كذا قال بعضهم ٩، والخلاف فيه معروف في المذهب وغيره، وكذلك اختلف في يمين المكره هل يلزمه أم لا ؟ واتفقوا أن خوف القتل إكراه. واختلفوا في غير ذلك مما لا يخاف منه على النفس وهو مؤلم، من سجن وقيد ووعيد ونحو ذلك. فالجمهور أن ذلك كله إكراه، والحجة لهذا القول أن الله تعالى قال :﴿ إلا من أكره ﴾، فذكر الإكراه مطلقا، فيحمل على كل ما يكون إكراها، حتى يقوم دليل على أنه ليس بإكراه، وأحكام المكره كثيرة لا يليق ذكرها بهذا المختصر ١٠ قوله تعالى :﴿ إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ( ١٧٣ ) ﴾.
الميتة : ما مات من حيوان البر مما له نفس سائلة، حتف أنفه. وأما ما لم يكن له نفس سائلة كالجراد والذباب والبراغيث ودود التين وحيوان الفول، وما مات من الحوت حتف أنفه أو طفا على الماء – ففي أكله – قولان : أحدهما : الجواز، والثاني : المنع، وما مات من الحوت حتف أنفه من الدواب التي تعيش في الماء وفي البر كالسلاحف والضفادع ونحو ذلك، ففيه قولان. ومن منع : رأى كل ذلك ميتة واحتج بالآية. وقد مر الكلام على جميع أحكام هذه الآية فلا معنى بإعادته، والله تعالى أعلم. قوله تعالى :﴿ وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾، اختلف في الآية هل هي محكمة أو منسوخة ؟ فذهب جماعة إلى أنها منسوخة بآية القتال ؛ لأنها اقتضت مهادنة ما١١، وقالت جماعة هي محكمة، والمجادلة بالتي هي أحسن انتهاء إلى ما أمر الله عز وجل به. وقال بعضهم : من أمكنه أن يجادل الكفار ويرى ذلك دون قتال فعل معه ذلك، والآية على هذا محكمة ١٢ قوله تعالى :﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ( ١٢٦ ) ﴾. ذهب أهل التفسير إلى أن هذه الآية نزلت في شأن التمثيل بحمزة يوم أحد. وذهب النحاس إلى أنها مكية. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قتل حمزة قال : " لئن أظفرني الله تعالى بهم لأمثلن بثلاثين منهم " ١٣ وفي كتاب النحاس وغيره بسبعين منهم. فقال الناس : إن ظفرنا لنفعلن ولنفعلن. فنزلت هذه الآية. وعزم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر في هذه الآية بعدها :﴿ واصبر وما صبرك إلا بالله ﴾ هل هو منسوخ أو محكم ؟ فذهب قوم إلى أنها منسوخة بآية القتال ١٤، والجمهور على أنها محكمة، ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : " أما أنا فأصبر كما أمرت، فما تصنعون ؟ " قالوا : نصبر يا رسول الله كما ندبنا.
قال الكيا للهراسي: وقال مالك: لا يتعوذ في المكتوبة قبل القراءة ويتعوذ في قيام رمضان إذا قرأ. راجع أحكام القرآن ٤/ ٢٤٥..
٢ الحديث: ذكره ابن قدامة في المغني عن أبي سعيد ١/ ٥١٩..
٣ راجع أحكام الاستعاذة في أحكام القرآن للكيا الهراسي وفي المحرر الوجيز ١٠/ ٢٣٠..
٤ راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢١٢..
٥ قال القرطبي: وهذا قول يرده الكتاب والسنة. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ١٨٢..
٦ راجع ذلك في أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٢٧٤، وفي الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٠/ ١٨٣..
٧ قال القرطبي. يروى هذا عن الحسن البصري رضي الله عنه، وهو قول الأوزاعي وسحنون من علمائنا. راجع م – س – ن، ص،.
٨ قال القرطبي: روى ابن القاسم عن مالك أن من أكده على شرب الخمر وترك الصلاة أو الإفطار في رمضان أن الإثم عنه مرفوع. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ١٨٣..
٩ قال ابن العربي: الصحيح أنه يجوز الإقدام على الزنا ولا حد عليه. وإلى هذا القول ذهب خويز منداد. راجع ذلك في الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ١٨٣..
١٠ راجع مختلف هذه الأحكام في المحرر الوجيز ١٠/ ٢٣٧، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٠/ ١٨٢ – ١٨٤..
١١ راجع الإيضاح ص ٣٥٥، والناسخ والمنسوخ لابن سلامة ص ١١٤..
١٢ قاله ابن عطية في المحرر الوجيز ١٠/ ٢٥١..
١٣ ذكر الواحدي في أسباب النزول: لأمثلن بسبعين منهم، ص ٢١٤، وفي المحرر الوجيز: بتسعين، ١٠/ ٢٥٢..
١٤ ذكر ذلك هبة الله بن سلامة في الناسخ والمنسوخ ص ١١٤..