تفسير سورة طه

الموسوعة القرآنية
تفسير سورة سورة طه من كتاب الموسوعة القرآنية المعروف بـالموسوعة القرآنية .
لمؤلفه إبراهيم الإبياري . المتوفي سنة 1414 هـ

(٢٠) سورة طه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة طه (٢٠) : الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤)
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦)
١- طه:
طه أمر بالوطء، أي بأن يطأ الأرض بقدميه معا، فلقد كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يقوم فى تهجده على إحدى رجليه. والأصل: طأ، فقلبت همزته هاء، أو قلبت ألفا، ثم بنى عليه الأمر، والهاء للسكت.
وقيل: طاها، فى لغة عك بمعنى: يا رجل.
٢- ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى:
لِتَشْقى لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم.
٣- إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى:
تَذْكِرَةً علة للفعل.
يَخْشى يخاف ربه.
٤- تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى:
تَنْزِيلًا أي نزلناه تنزيلا.
الْعُلى أي العالية الرفيعة، جمع العليا.
٥- الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى:
الرَّحْمنُ بالرفع، على المدح، والتقدير: هو الرحمن، أو على الابتداء.
وقرىء بالجر صفة لقوله مِمَّنْ خَلَقَ.
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى كناية عن الملك. ويفسره ما بعده.
٦- لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى:
وَما تَحْتَ الثَّرى أي وما ينطوى عليه جوف الأرض.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٧ الى ٩]

وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨) وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩)
٧- وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى:
السِّرَّ ما تسره فى نفسك.
وَأَخْفى أي وما هو أخفى من ذلك من خطرات البال.
٨- اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى:
الْحُسْنى تأنيث الأحسن، وصفت بها الأسماء لأن حكمها حكم المؤنث. أي هو المتصف بصفات الكمال.
٩- وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى:
ليتأسى به صلّى الله عليه وآله وسلم فى تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٠ الى ١٢]
إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢)
١٠- إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً:
إِذْ ظرف للحديث، أو لمضمر، أي حين رأى نارا.
امْكُثُوا أقيموا فى مكانكم.
إِنِّي آنَسْتُ أبصرت إبصارا بينا لا شبهة فيه.
لَعَلِّي لم يقطع ويقول: إنى، لئلا يعد ما ليس بمستيقن الوفاء به.
بِقَبَسٍ ما يقتبس من النار فى رأس عود أو نحوه.
هُدىً أي قوما يهدوننى الطريق وكان موسى قد استأذن شعيبا عليه السلام فى الخروج الى أمه، وخرج بأهله، فضل الطريق.
١١- فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى:
فَلَمَّا أَتاها أي فلما جاء النار.
نُودِيَ يا مُوسى أي نودى فقيل يا موسى.
١٢- إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً:
إِنِّي وقرىء بالفتح، أي نودى بأنى.
أَنَا رَبُّكَ لتوكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة.
فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ تواضعا لله.
الْمُقَدَّسِ المطهر.
طُوىً بالضم وبالكسر، منصرف وغير منصرف، بمعنى المكان والبقعة. وقيل: مرتين، أي نودى نداءين.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٣ الى ١٩]
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧)
قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩)
١٣- وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى:
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ اصطفيتك للنبوة.
لِما يُوحى للذى يوحى، أو للوحى.
١٤- إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي:
لِذِكْرِي لتذكرنى، فتعبدنى وتصلى لى.
١٥- إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى:
أَكادُ أُخْفِيها أكاد أظهرها وآتى بها.
بِما تَسْعى بسعيها.
١٦- فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى:
فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها أي عن تصديقها، والضمير للقيامة.
فَتَرْدى فتهلك.
١٧- وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى:
سأله ليريه عظم ما سيفعله عز وعلا فى الخشبة اليابسة.
١٨- قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى:
أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها أعتمد عليها.
وَأَهُشُّ بِها أخبط بها ورق الأشجار ليقع فتأكله غنمى.
وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى منافع أخرى.
١٩- قالَ أَلْقِها يا مُوسى:
أَلْقِها أي ارم بها الى الأرض، والضمير للعصا.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٢٠ الى ٢٦]

فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤)
قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦)
٢٠- فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى:
فَإِذا هِيَ أي العصا.
حَيَّةٌ الحية: اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير.
تَسْعى تجرى فى خفة وسرعة وحركة.
٢١- قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى:
سَنُعِيدُها أي سنعيدها كما أنشأناها أولا.
سِيرَتَهَا الْأُولى نصب بفعل مضمر، أي تسير سيرتها الأولى، أي سنعيدها سائرة سيرتها الأولى حيث كنت تتوكأ عليها ولك فيها المآرب التي عرفتها.
٢٢- وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى:
إِلى جَناحِكَ أي الى جنبك تحت العضد.
بَيْضاءَ حال.
مِنْ غَيْرِ سُوءٍ لا قبح فيها، أي لا برص فيها، والجار والمجرور من صلة بَيْضاءَ.
آيَةً حال ثانية.
٢٣- لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى:
مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى بعض معجزاتنا الكبرى لتكون دليلا على صدقك فى الرسالة.
٢٤- اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى:
طَغى بغى وأفسد فى الأرض.
٢٥- قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي:
استوهب ربه أن يشرح له صدره ليستقبل ما عسى يرد عليه من الشدائد التي يذهب معها صبر الصابر.
٢٦- وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي:
أي واجعل أمرى ميسرا سهلا، وهذا الأمر هو خلافة الله فى أرضه وما يصحبها من تحمل العظائم والجلائل.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٢٧ الى ٣٣]
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١)
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣)
٢٧- وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي:
كان فى لسانه رتة من أثر الجمرة التي وضعها فى فيه على لسانه وهو صغير فى بيت فرعون.
٢٨- يَفْقَهُوا قَوْلِي:
يستبينوا عنى ما أقول.
٢٩- وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي:
وَزِيراً أي معينا يحمل عنى ثقل ما كلفت به، وهو مفعول ثان للفعل اجْعَلْ.
٣٠- هارُونَ أَخِي:
هارُونَ مفعول أول للفعل اجْعَلْ وقدم ثانى المفعولين على أولهما عناية بأمر الوزارة.
أَخِي بدل من هارُونَ.
٣١- اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي:
اشْدُدْ على الدعاء.
أَزْرِي الأزر: القوة، أي قونى به. وقيل: الأزر: الظهر، أي تقوى به نفسى.
٣٢- وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي:
وَأَشْرِكْهُ على الدعاء، أي أجعله شريكا لى فى أمرى الذي سأضطلع به.
٣٣- كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً:
أي نصلى لك. أو تلهج ألسنتنا بتمجيدك وتنزيهك عما لا يليق بجلالك.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٣٤ الى ٣٩]
وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨)
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩)
٣٤- وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً:
أي نكثر من ذكرك داعين مبتهلين.
٣٥- إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً أي عالما بأحوالنا وبأن التعاضد مما يصلحنا، وأن هارون نعم المعين والعضد.
٣٦- قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى:
سُؤْلَكَ أي طلبتك، فعل بمعنى مفعول.
٣٧- وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى:
وهى حفظه سبحانه له من الأعداء فى الابتداء.
٣٨- إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى:
أَوْحَيْنا ألهمنا.
ما يُوحى ما ألهمته.
٣٩- أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي:
أَنِ هى المفسرة، لأن الوحى بمعنى القول.
اقْذِفِيهِ ضعيه.
فِي التَّابُوتِ فى صندوق يهيأ لهذا.
فِي الْيَمِّ فى البحر، يعنى نهر النيل.
فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ فليقذفه البحر الى الساحل.
مِنِّي متعلق بقوله أَلْقَيْتُ أي إنى أحببتك ومن أحبه الله
أحبته القلوب، أو هو متعلق بمحذوف صفة لمحبة، أي محبة حاصلة أو واقعة منى، قد ركزتها أنا فى القلوب وزرعتها فيها.
وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي أي ولتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك وراقبك، كما يراعى الرجل الشيء بعينيه إذا اعتنى به.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٤٠ الى ٤٣]
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣)
٤٠- إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى:
إِذْ العامل فيه أَلْقَيْتُ أو لِتُصْنَعَ. وقد يكون بدلا من إِذْ أَوْحَيْنا.
فُتُوناً أي فتناك ضروبا من الفتن، جمع فتنة، على ترك الاعتداد بتاء التأنيث.
مَدْيَنَ على ثمانى مراحل من مصر. وفيها كان شعيب عليه السلام، وعليه نزل موسى وعنده أقام.
ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ أي فى وقت بعينه قد وقته لذلك، فما جئت الا على ذلك القدر غير مستقدم ولا مستأخر.
وقيل: على مقدار من الزمان يوحى فيه إلى الأنبياء، وهو رأس أربعين سنة.
٤١- وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي:
أي استخلصتك، وخصصتك بالكرامة والأثرة.
٤٢- اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي:
وَلا تَنِيا الونى: الفتور والتقصير، أي لا تنسيانى ولا أزال منكما على ذكر حيثما تقلبتما.
٤٣- اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى:
طَغى بغى وأفسد.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٤٤ الى ٤٨]
فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨)
٤٤- فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى:
لَيِّناً فى رفق.
يَتَذَكَّرُ يفكر، ويرتد عن طغيانه.
أَوْ يَخْشى أو يخاف العاقبة.
٤٥- قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى:
أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أن يجعل ولا يتدبر ما نقوله له.
أَوْ أَنْ يَطْغى أو أن يعتدى علينا.
٤٦- قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى:
مَعَكُما أي حافظكما وناصركما.
أَسْمَعُ وَأَرى ما يجرى بينكما وبينه من قول وفعل، فأفعل ما به حفظى ونصرتى لكما.
٤٧- فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى:
قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ فى مجرى البيان والتفسير لقوله إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ.
وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى أي من اتبع ما جئنا به من هدى سلم من عذاب الله وسخطه.
٤٨- إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى:
أَنَّ الْعَذابَ أي الهلاك والدمار فى الدنيا والخلود فى جهنم فى الآخرة.
عَلى مَنْ كَذَّبَ أنبياء الله.
وَتَوَلَّى أعرض عن الايمان.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٤٩ الى ٥٣]
قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣)
٤٩- قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى:
خاطب الاثنين ووجه النداء الى أحدهما وهو موسى، لأنه الأصل فى النبوة، وهارون وزيره ونائبه.
٥٠- قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى:
خَلْقَهُ مفعول أول للفعل أَعْطى أي أعطى خليقته كل شىء يحتاجون اليه ويرتفقون به.
أو هو المفعول الثاني، والتقدير: أعطى كل شىء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به.
ثُمَّ هَدى أي عرفه كيف يرتفق بما أعطى وكيف يتوصل إليه.
٥١- قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى:
القائل فرعون يسأله عن حال من تقدم وخلا من القرون الأولى، وشقاء من شقى وسعادة من سعد.
٥٢- قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى:
أي ان هذا سؤال عن الغيب وقد استأثر الله به لا يعلمه إلا هو.
٥٣- الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى:
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ فى محل رفع صفة لقوله رَبِّي، أو خبر مبتدأ محذوف، أو فى محل نصب على المدح.
مَهْداً أي مهدها مهدا.
وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا أي جعل لكم فيها سبلا وطرقا.
أَزْواجاً أصنافا.
شَتَّى مختلفة النفع.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٥٤ الى ٥٨]
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥) وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨)
٥٤- كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى:
كُلُوا وَارْعَوْا حال من الضمير فى فَأَخْرَجْنا أي أخرجنا أصناف النبات آذنين فى الانتفاع بها، مبيحين أن تأكلوا بعضها وتعلفوا بعضها.
٥٥- مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى:
مِنْها خَلَقْناكُمْ يعنى آدم عليه السلام لأنه خلق من الأرض.
وَفِيها نُعِيدُكُمْ بعد الموت.
وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ أي للبعث والحساب.
تارَةً أُخْرى يرجع الى قوله مِنْها خَلَقْناكُمْ أي من الأرض أخرجناكم ونخرجكم بعد الموت من الأرض تارة أخرى.
٥٦- وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى:
أَرَيْناهُ بصرناه، أو عرفناه صحتها ويقناه بها.
فَكَذَّبَ ظالما.
وَأَبى ولم يؤمن.
٥٧- قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى:
أي جئت توهم الناس أنك جئت بآية توجب اتباعك والإيمان بك حتى تغلب على أرضنا.
٥٨- فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً:
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ أي لنعارضنك بمثل ما جئت به ليتبين للناس أن ما أتيت به ليس من عند الله.
مَوْعِداً أي وعدا، أو هو اسم مكان.
لا نُخْلِفُهُ أي لا نخلف ذلك الموعد. والإخلاف: أن يعد شيئا ولا ينجزه.
مَكاناً سُوىً أي سوى هذا المكان. وقيل: مكانا مستويا يتبين للناس ما بيناه فيه.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٥٩ الى ٦٣]
قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣)
٥٩- قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى:
يَوْمُ الزِّينَةِ يوم عيد لهم كانوا يتزينون ويجتمعون فيه.
وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى أي وأن يجمع الناس بعد طلوع الشمس.
وقرىء: وأن تحشر، أي وأن تحشر أنت يا فرعون الناس.
٦٠- فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى:
فَجَمَعَ كَيْدَهُ أي حيله وسحره، والمراد: جمع السحرة.
ثُمَّ أَتى الميعاد.
٦١- قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى:
لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي لا تدعوا آياته ومعجزاته سحرا.
فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ أي فيستأصلكم.
٦٢- فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى:
فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ أي تشاوروا، يريد السحرة.
وَأَسَرُّوا النَّجْوى فمن قائل إن كان ما جاء به سحرا فسنغلبه، ومن قائل: إن كان من عند الله فسيكون له الأمر. والنجوى: المناجاة.
٦٣- قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى:
إِنْ هذانِ لَساحِرانِ أي ما هذان إلا ساحران.
بِطَرِيقَتِكُمُ بسنتكم وسمتكم.
الْمُثْلى تأنيث الأمثل، بمعنى: الأفضل.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٦٤ الى ٦٩]
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨)
وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩)
٦٤- فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى:
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ أي أزمعوه واجعلوه مجمعا عليه.
ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا أي لا تختلفوا ولا يشذ واحد منكم.
مَنِ اسْتَعْلى من غلب.
٦٥- قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى:
إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ أي اختر أحد الأمرين، أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا.
٦٦- قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى:
فَإِذا للمفاجأة والتحقيق، وناصبها فعل المفاجأة والجملة ابتدائية، والتقدير: مفاجأة موسى وقت تخييل سعى حبالهم وعصيهم، وهذا تمثيل. والمعنى: على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعى.
٦٧- فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى:
أي أضمر فى نفسه شيئا من الخوف.
٦٨- قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى:
فيه تقرير لغلبته وقهره.
٦٩- وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى:
وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ أي عصاك.
تَلْقَفْ تلقم.
ما صَنَعُوا أي الذي صنعوا.
إِنَّما صَنَعُوا أي إن الذي صنعوا.
وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أي لا يفوز.
حَيْثُ أَتى من الأرض، أو حيث احتال.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٧٠ الى ٧٢]
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢)
٧٠- فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى:
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً أي وقعوا على الأرض ساجدين.
٧١- قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى:
لَكَبِيرُكُمُ لعظيمكم.
مِنْ خِلافٍ أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، لأن كل واحد من العضوين خالف الآخر، بأن هذا يد وذاك رجل، وهذا يمين وذاك شمال.
والحرف مِنْ لابتداء الغاية، لأن القطع مبتدأ وناشىء من مخالفة العضو للعضو لا من وفاقه إياه.
ومحل الجار والمجرور النصب على الحال، أي لأقطعنها مختلفات.
فِي جُذُوعِ النَّخْلِ أي على جذوع النخل.
أَيُّنا يريد نفسه وموسى عليه السلام.
٧٢- قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا:
لَنْ نُؤْثِرَكَ لن نختارك.
عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ من اليقين والعلم.
وَالَّذِي فَطَرَنا عطف على ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ أي لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات، ولا على الذي فطرنا، أي خلقنا.
وقيل: هو قسم، أي والله لن نؤثرك.
ما أَنْتَ قاضٍ أي قاضيه، أي فاصنع ما أنت صانعه.
إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا أي انما ينفذ أمرك فيها. وهى منصوبة على الظرف.
والمعنى: انما تقضى فى متاع هذه الحياة الدنيا، أو وقت هذه الحياة الدنيا.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٧٣ الى ٧٥]
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥)
٧٣- إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى:
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا أي صدقنا بالله وحده لا شريك له وما جاء به موسى.
لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا يريدون الشرك الذي كانوا عليه.
وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ما، فى موضع نصب معطوفة على (الخطايا).
وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى أي ثوابه خير وأبقى. وقيل: والله خير لنا منك وأبقى عذابا لنا من عذابك لنا.
٧٤- إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى:
إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً هذا من قول السحرة لما آمنوا.
ومجرما، أي كافرا.
٧٥- وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى:
وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً أي من يمت على الإيمان ويوافيه مصدقا به.
قَدْ عَمِلَ أي وقد عمل.
الصَّالِحاتِ أي الطاعات وما أمر به ونهى عنه.
الْعُلى أي الرفيعة التي قصرت دونها الصفات.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٧٦ الى ٨١]

جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦) وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠)
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١)
٧٦- جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى:
جَنَّاتُ عَدْنٍ بيان للدرجات وبدل منها. والعدن: الإقامة.
مَنْ تَزَكَّى من تطهر من الكفر والمعاصي.
٧٧- وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى:
فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فاجعل لهم طريقا.
يَبَساً مصدر وصف به.
لا تَخافُ حال من الضمير فى قوله فَاضْرِبْ.
دَرَكاً إدراكا.
٧٨- فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ:
ما غَشِيَهُمْ أي ما أغرقهم.
٧٩- وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى:
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ حيث قادهم إلى ما فيه حتفهم.
وَما هَدى أي وما هداهم الى خير.
٨٠- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى:
يا بَنِي إِسْرائِيلَ خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك آل فرعون.
وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى فى التيه.
٨١- كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى:
وَلا تَطْغَوْا فِيهِ أي ولا تحملنكم العاقبة أن تعصوا. والطغيان:
التجاوز الى ما لا يجوز.
فَقَدْ هَوى فقد هلك.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٨٢ الى ٨٦]
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢) وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦)
٨٢- وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى:
ثُمَّ اهْتَدى أي استقام وثبت على الهدى، وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح.
٨٣- وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى:
أي: أي شىء عجل بك عنهم، وكان قد مضى مع النقباء إلى الطور على الموعد المضروب، ثم تقدمهم شوقا الى كلام ربه، وتنجز ما وعد به.
٨٤- قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى:
عَلى أَثَرِي أي بالقرب منى ينتظرون عودتى إليهم.
لِتَرْضى لأكون أقرب إلى رضاك.
٨٥- قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ:
قالَ الضمير لله تعالى.
فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ أخبر تعالى عن الفتنة المترقبة بلفظ الموجودة الكامنة، أو أن السامري انتهز غيبته فعزم على إضلالهم وأخذ فى تدبير ذلك. فكان بدء الفتنة موجودا.
والفتنة: الاختبار بخلق العجل وحملهم السامري على عبادته.
وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ السامري نسبة الى قبيلة من بنى إسرائيل يقال لها: السامرة.
وقرىء: وأضلّهم، أي أشدهم ضلالا. وكان السامري منافقا.
٨٦- فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي:
أَسِفاً شديد الغضب.
الْعَهْدُ الأمان. يريد مدة مفارقته لهم.
فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي بعبادتكم العجل.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٨٧ الى ٨٩]
قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩)
٨٧- قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ:
ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا أي ما أخلفنا موعدك بأن ملكنا أمرنا، ولو ملكنا أمرنا وخلينا وشأننا لما أخلفناه.
وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ أي حملنا أحمالا من حلى القبط التي استعرناها منهم.
فَقَذَفْناها فى نار السامري التي أوقدها فى الحفرة وأمرنا أن نطرح الحلي فيها.
فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ أي أراهم أنه يلقى حليا فى يده مثل ما ألقوا، وانما ألقى التربة التي أخذها من موطىء فرس جبريل.
٨٨- فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ:
فَأَخْرَجَ لَهُمْ السامري من الحفرة.
عِجْلًا جَسَداً من الحلي التي سبكتها النار.
لَهُ خُوارٌ يخور كما يخور العجل.
فَنَسِيَ أي فنسى موسى أن يطلبه هاهنا وذهب يطلبه عند الطور.
أو فنسى السامري وترك ما كان عليه من الإيمان الظاهر.
٨٩- أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً:
أَفَلا يَرَوْنَ أي يعتبرون ويتفكرون.
أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا أي لا يكلمهم.
وقرىء بالرفع، على (أن) مخففة من الثقيلة، كما قرىء بالنصب على أنها الناصبة للأفعال.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩٠ الى ٩٥]
وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤)
قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥)
٩٠- وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي:
مِنْ قَبْلُ أي من قبل أن يقول لهم السامري ما قال.
إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ أي بالعجل حين استحسنتموه فأضللتم.
٩١- قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى:
لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ أي لن نزال مقيمين على عبادته.
٩٢- قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا:
ضَلُّوا أي أخطئوا الطريق وكفروا.
٩٣- أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي:
أَلَّا تَتَّبِعَنِ لا، مزيدة، أي: ما منعك أن تتبعنى فى الغضب لله وشدة الزجر عن الكفر والمعاصي، أو ما لك لم تلحقنى.
أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي يعنى أمره إليه وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ:
٩٤-الَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
ولم تعمل بوصيتي فى حفظهم، أو لم تنتظر عهدى وقدومى.
٩٥- قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ:
فَما خَطْبُكَ فما أمرك وشأنك.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩٦ الى ٩٧]

قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧)
٩٦- قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي:
بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ أي علمت ما لم يعلموه، وفطنت الى ما لم يفطنوه.
قَبْضَةً المرة من القبض.
مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ أي من أثر فرس الرسول، يعنى جبريل عليه السلام.
فَنَبَذْتُها فطرحتها فى العجل.
سَوَّلَتْ زينت.
٩٧- قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً:
قالَ القائل موسى.
فَاذْهَبْ أي من بيننا. والمخاطب السامري.
لا مِساسَ علم للمس، أي لا أمس شيئا ولا يمسنى شىء طول الحياة، يعنى أن موسى نفاه عن قومه وأمر بنى إسرائيل ألا يخالطوه ولا يقربوه عقوبة له، وهكذا جعل موسى عقوبة السامري ألا يماس الناس ولا يماسوه.
وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ يعنى يوم القيامة. أي ان لك وعدا لعذابك لن يخلف الله موعده.
الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ أي دمت عليه وأقمت.
عاكِفاً ملازما.
لَنُحَرِّقَنَّهُ لنبردنّه ونحك بعضه ببعض.
ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ ثم لنطيرنه. والنسف: نقض الشيء لتذهب به الريح، وهو التذرية.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩٨ الى ٩٩]

إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩)
٩٨- إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً:
وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أي وسع علمه كل شىء.
٩٩- كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً:
كَذلِكَ الكاف فى موضع نصب نعت لمصدر محذوف، أي كما قصصنا عليك خبر موسى كذلك نقص عليك.
ذِكْراً يعنى القرآن الكريم.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٠٠ الى ١٠٣]
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣)
١٠٠- مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً:
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ أي عن ذكرى. وتوحيد الضمير حملا على اللفظ.
وِزْراً أي عقوبة ثقيلة باهظة، سماها وزرا تشبيها فى ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها بالحمل الذي يفدح الحامل وينقض ظهره.
١٠١- خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا:
فِيهِ أي فى ذلك الوزر.
ساءَ أي بئس.
١٠٢- يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً:
زُرْقاً حال من المجرمين. والزرقة أبغض شىء من الألوان الى العرب.
١٠٣- يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً:
يَتَخافَتُونَ يتسارون.
إِنْ لَبِثْتُمْ أي ما لبثتم، يعنى فى الدنيا، أي يقول بعضهم لبعض فى الموقف سرا ما لبثتم فى الدنيا الا عشرا.
إِلَّا عَشْراً أي عشر ليال.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٩]

نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (١٠٨)
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩)
١٠٤- نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً:
أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً أقربهم الى تصور شعورهم.
١٠٥- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً:
يَنْسِفُها يجعلها كالرمال.
١٠٦- فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً:
فَيَذَرُها أي فيذر مقارها ومراكزها. أو الضمير للأرض وان لم يجر لها ذكر قاعاً صَفْصَفاً القاع: الأرض الملساء. والصفصف: المستوي.
١٠٧- لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً:
وَلا أَمْتاً أي نتوءا يسيرا.
١٠٨- يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً:
لا عِوَجَ لَهُ أي لا يعوجّ له مدعو، بل يستوون اليه من غير انحراف متبعين لصوته.
وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ أي خفضت الأصوات من شدة الفزع وخفتت.
فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً وهو الركز الخفي.
١٠٩- يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا:
إِلَّا مَنْ من، فى موضع نصب على الاستثناء، أي لا تنفع الشفاعة أحدا إلا شفاعة من أذن له الرحمن.
وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا أي رضى قوله فى الشفاعة.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ١١٠ الى ١١٤]

يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤)
١١٠- يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً:
أي يعلم ما تقدمهم من الأحوال وما يستقبلونه، ولا يحيطون بمعلوماته علما.
١١١- وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً:
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ ذلت وخشعت.
وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً أي كل من ظلم فهو خائب خاسر.
١١٢- وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً:
ظُلْماً الظلم: أن يأخذ من صاحبه فوق حقه.
وَلا هَضْماً: الهضم: أن يكسر من حق أخيه فلا يوفيه له.
١١٣- وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً:
وَكَذلِكَ أي ومثل ذلك الإنزال، وكما أنزلنا عليك هؤلاء الآيات المضمنة للوعيد.
أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا أنزلنا القرآن كله على هذه الوتيرة.
وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ أي بينا ما فيه من التخويف والتهديد والعقاب.
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي يخافون الله فيجتنبون معاصيه.
أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً أي موعظة.
١١٤- فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً:
فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ استعظام له تعالى.
وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ يعلّم الله نبيه كيف يتلقى القرآن، فكان عليه السلام يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل من الوحى حرصا على الحفظ.
وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً أي فهما.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ١١٥ الى ١٢١]

وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩)
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١)
١١٥- وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً:
وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ وهو ألا يأكل من الشجرة.
وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً صبرا.
١١٦- وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى:
وَإِذْ منصوب بمضمر، أي واذكر وقت.
١١٧- فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى:
فَلا يُخْرِجَنَّكُما فلا يكونن سببا لإخراجكما.
فَتَشْقى أسند الى آدم وحده فعل الشقاء دون حواء بعد إشراكهما فى الخروج، لأن فى ضمن شقاء الرجل شقاء أهله، إذ هو قيمهم.
١١٨- إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى:
فِيها أي فى الجنة.
١١٩- وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى:
تَضْحى أي تبرز للشمس فتجد حرها.
١٢٠- فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى:
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ أي أنهى اليه الوسوسة.
١٢١- فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى:
مِنْها أي من شجرة الخلد.
وَطَفِقا أخذا وجعلا.
يَخْصِفانِ عَلَيْهِما أي يلزقان الورق بسوآتهما للتستر.
فَغَوى فضل سواء السبيل.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٢٢ الى ١٢٦]

ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦)
١٢٢- ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى:
ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ ثم قبله بعد التوبة وقربه اليه.
وَهَدى أي وفقه لحفظ التوبة.
١٢٣- قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى:
فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ على لفظ الجماعة لأنهما أصل البشر، فخوطبا مخاطبتهم.
هُدىً كتاب وشريعة.
١٢٤- وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى:
ضَنْكاً وصف بالمصدر، ويستوى فى الوصف به المذكر والمؤنث.
ومعيشة ضنكا، أي عيشا ضيقا.
أَعْمى يتخبط فى أمره لا يهتدى لمخرج.
١٢٥- قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً:
قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى لا أهتدى لشىء.
وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً فى الدنيا أملك أن أهتدى، وفيه تحسر على ما فات وكأنه يتمنى أن لو رزق البصر بعد أن رأى العذاب واقع.
١٢٦- قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى:
كَذلِكَ أي مثل ذلك فعلت أنت.
أَتَتْكَ آياتُنا واضحة.
فَنَسِيتَها قبل أن تنظر إليها بعين المعتبر.
وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى نتركك على عماك وإغماضك عينيك عن الهدى.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٢٧ الى ١٣٠]

وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠)
١٢٧- وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى:
مَنْ أَسْرَفَ من جاوز الحد فى إغماضه عينيه عن الهدى واسترساله فى المعاصي.
وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ على إسرافه.
أَشَدُّ يفوق شدة إسرافه، فكما غالى فى الإسراف سوف يغالى له فى العذاب.
وَأَبْقى أي إن إسرافه إلى زوال وعذابه إلى بقاء.
١٢٨- أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى:
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ أفلم يتبين لهم، يعنى قريشا.
يَمْشُونَ الضمير لقريش.
فِي مَساكِنِهِمْ أي فى مساكن من أهلكنا ويعاينون آثار هلاكهم.
لِأُولِي النُّهى من لهم عقول يتدبرون بها.
١٢٩- وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى:
كَلِمَةٌ سَبَقَتْ العدة بتأخير جزائهم الى الآخرة.
لَكانَ لِزاماً لكان مثل إهلاكنا من قبلهم لازما لهؤلاء الكفرة، واللزام، إما مصدر للفعل (لازم) وصف به. واما فعال بمعنى مفعل، أي ملزم.
وَأَجَلٌ مُسَمًّى عطف على قوله كَلِمَةٌ أو على الضمير فى كان أي لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد وثمود، ولم ينفرد الأجل المسمى دون الأخذ العاجل.
١٣٠- فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى:
بِحَمْدِ رَبِّكَ فى موضع الحال، أي وأنت حامد لربك على أن وفقك للتسبيح وأعانك عليه.
والتسبيح، على ظاهره، أو المراد به الصلاة.
لَعَلَّكَ تَرْضى أي تطمئن نفسا بأن قد فعلت ما تنال به الرضا من ربك.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٣١ الى ١٣٢]
وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢)
١٣١- وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى:
وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ولا تطيلن النظر.
أَزْواجاً مِنْهُمْ أصنافا من الكفرة.
زَهْرَةَ النصب على الاختصاص، أو على تضمين مَتَّعْنا معنى: أعطينا وخولنا.
لِنَفْتِنَهُمْ لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب.
وَرِزْقُ رَبِّكَ ما ادخر له من ثواب الآخرة، أو ما رزقه من نعمة الإسلام والنبوة.
خَيْرٌ منه فى نفسه.
وَأَبْقى وأدوم.
١٣٢- وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى:
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ أي وأقبل أنت مع أهلك على عبادة الله والصلاة.
وَاصْطَبِرْ عَلَيْها واستعينوا بها على خصاصتكم.
لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً ولا تهتم بأمر الرزق والمعيشة ولا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك.
نَحْنُ نَرْزُقُكَ فإن رزقك مكفى عندنا ونحن رازقوك.
وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى ففرغ بالك لأمر الآخرة فالجنة لأهل التقوى.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٣٣ الى ١٣٥]

وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى (١٣٤) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (١٣٥)
١٣٣- وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى:
وَقالُوا يريد كفار مكة.
لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ أي محمد صلّى الله عليه وآله وسلم بآية ظاهرة.
ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى يريد التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة.
١٣٤- وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى:
مِنْ قَبْلِهِ أي من قبل بعثة محمد صلّى الله عليه وآله وسلم ونزول القرآن.
لَقالُوا أي يوم القيامة.
لَوْلا أي هلا.
١٣٥- قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى:
كُلٌّ أي كل واحد منا ومنكم.
مُتَرَبِّصٌ للعاقبة ولما يؤول اليه أمرنا وأمركم.
السَّوِيِّ المستقيم.
Icon