تفسير سورة الشورى

زاد المسير
تفسير سورة سورة الشورى من كتاب زاد المسير في علم التفسير المعروف بـزاد المسير .
لمؤلفه ابن الجوزي . المتوفي سنة 597 هـ
سورة الشورى
وهي مكية، رواه العوفي وغيره عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والجمهور. وحكي عن ابن عباس وقتادة قالا : إلا أربع آيات نزلن بالمدينة، أولها :﴿ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ﴾ [ الشورى : ٢٣ ] وقال مقاتل : فيها من المدني قوله :﴿ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ [ الشورى : ٢٣ ] إلى قوله :﴿ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [ الشورى : ٢٤ ] وقوله :﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْي ﴾ [ الشورى : ٣٩ ] إلى قوله :﴿ مّن سَبِيلٍ ﴾ [ الشورى : ٤١ ].

سورة الشّورى
وتسمى: سورة حم، عسق. وهي مكّيّة، رواه العوفي وغيره عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والجمهور. وحكي عن ابن عباس وقتادة قالا: إلّا أربع آيات نزلن بالمدينة، أوّلها: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً «١» وقال مقاتل: فيها من المدنيّ قوله: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا إلى قوله: بِذاتِ الصُّدُورِ «٢» وقوله: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ إلى قوله: مِنْ سَبِيلٍ «٣».

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) عسق (٢) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤)
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦)
قوله تعالى: حم قد سبق تفسيره. قوله تعالى: عسق فيه ثلاثة أقوال «٤». أحدها: أنه قسم أقسم الله به، وهو من أسمائه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: أنه حروف من أسماء ثم فيه خمسة أقوال: أحدها: أن العين عِلْم الله، والسين سناؤه، والقاف قُدرته، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال الحسن. والثاني: أن العين فيها عذاب، والسين فيها مسخ، والقاف فيها قذف، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس. والثالث: أن الحاء من حرب، والميم من تحويل مُلك، والعين من عدوّ مقهور، والسين استئصال بسِنين كسِنيّ يوسف، والقاف من قُدرة الله في ملوك الأرض، قاله عطاء.
والرابع: أن العين من عالم، والسين من قُدُّوس، والقاف من قاهر، قاله سعيد بن جبير. والخامس: أن العين من العزيز، والسين من السلام، والقاف من القادر، قاله السدي. والثالث: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة.
(١) الشورى: ٢٣.
(٢) الشورى: ٢٣- ٢٤.
(٣) الشورى: ٣٩- ٤١.
(٤) قال الشوكاني رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٦٠٢: قد تقدم الكلام في أمثال هذه الفواتح، واختلفوا في (حم عسق) وقيل فيها، مما هو متكلف متعسف لم يدل عليه دليل ولا جاءت به حجة ولا شبهة حجة، وقد ذكرنا قبل ذلك ما روي من ذلك مما لا أصل له.
قوله تعالى: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ فيه أربعة أقوال «١» : أحدها: أنه كما أوحيتُ «حم عسق» إلى كلِّ نبيّ، كذلك نوحيها إليك، قاله أبو صالح عن ابن عباس «٢». والثاني: كذلك نوحي إليك أخبار الغيب كما أوحينا إلى مَنْ قَبْلَكَ، رواه عطاء عن ابن عباس. والثالث: أن «حم عسق» نزلت في أمر العذاب، فقيل: كذلك نُوحِي إليكَ أن العذاب نازلٌ بمن كذَّبك كما أوحينا ذلك إلى مَنْ كان قَبْلَكَ، قاله مقاتل.
والرابع: أن المعنى: هكذا نوحي إليكَ، قاله ابن جرير.
وقرأ ابن كثير: «يُوحَى» بضم الياء وفتح الحاء كأنه إذا قيل: مَن يوحي؟ قيل: الله. وروى أبان عن عاصم: «نوحي» بالنون وكسر الحاء.
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة: «تكاد» بالتاء «يَتَفَطَّرْنَ» بياء وتاء مفتوحة وفتح الطاء وتشديدها. وقرأ نافع، والكسائي، «يكاد» بالياء «يَتَفَطِّرْنَ» مثل قراءة ابن كثير. وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: «تكاد» بالتاء «يَنْفَطِرْنَ» بالنون وكسر الطاء وتخفيفها، أي: يَتَشَقَّقْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ أي: من فوق الأَرضِين من عَظَمة الرحمن وقيل: من قول المشركين: «اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً».
ونظيرها التي في مريم «٣». وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ قال بعضهم: يصلُّون بأمر ربِّهم وقال بعضهم: ينزِّهونه عمّا لا يجوز في صفته وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ فيه قولان: أحدهما: أنه أراد المؤمنين، قاله قتادة، والسدي. والثاني: أنهم كانوا يستغفرون للمؤمنين، فلمّا ابتُليَ هاروت وماروت استغفروا لِمَن في الأرض. ومعنى استغفارهم: سؤالهم الرِّزق لهم، قاله ابن السائب. وقد زعم قوم منهم مقاتل أن هذه الآية منسوخة بقوله: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا «٤»، وليس بشيءٍ، لأنهم إنَّما يَستغفرون للمؤمنين دون الكفار، فلفظ هذه الآية عامّ، ومعناها خاصّ، ويدل على التخصيص قوله:
وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا لأن الكافر لا يستحق أن يُستغفَر له.
قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ يعني كفار مكة اتَّخَذوا آلهة فعبدوها من دونه اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ أي: حافِظٌ لأعمالهم ليجازيَهم بها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ أي: لم نوكِّلْكَ بهم فتؤخَذَ بهم. وهذه الآية عند جمهور المفسرين منسوخة بآية السيف، ولا يصحّ.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٧ الى ٩]
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩)
(١) قال الزمخشري رحمه الله في «الكشاف» ٤/ ٢١٣: (كذلك يوحى إليك) أي مثل ذلك الوحي. أو مثل ذلك الكتاب يوحي إليك وإلى الرسل (من قبلك) يعني أن ما تضمنته هذه السورة من المعاني قد أوحى الله إليك مثله في غيرها من السور، وأوحاه من قبلك إلى رسله، على معنى: أن الله تعالى كرر هذه المعاني في القرآن في جميع الكتب السماوية، لما فيها من التنبيه البليغ واللطف العظيم لعباده في الأولين والآخرين، ولم يقل:
أوحي إليك، ولكن على لفظ المضارع، ليدل على أن إيحاء مثله عادته.
(٢) أبو صالح غير ثقة وبخاصة في ابن عباس، وروايته الكلبي، وهو وضاع.
(٣) مريم: ٩٠.
(٤) غافر: ٧. [.....]
قوله تعالى: وَكَذلِكَ أي: ومثل ما ذكرنا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا ليفهموا ما فيه لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى يعني مكة، والمراد: أهلها، وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ أي: وتُنذِرهم يوم الجمع، وهو يوم القيامة، يَجمع اللهُ فيه الأوَّلِين والآخرِين وأهل السموات والأرضِين لا رَيْبَ فِيهِ أي: لا شكَّ في هذا الجمع أنه كائن، ثم بعد الجمع يتفرَّقون، وهو قوله: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ. ثم ذكر سبب افتراقهم فقال: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً أي على دين واحد، كقوله: لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى «١» وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ أي في دينه وَالظَّالِمُونَ وهم الكافرون ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ يدفع عنهم العذاب وَلا نَصِيرٍ يمنعهم منه. أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أي بل اتخذ الكافرون من دون الله أَوْلِياءَ يعني آلهة يتولَّونهم فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ أي وليُّ أوليائه، فليتَّخذوه وليّاً دون الآلهة وقال ابن عباس: وليُّك يا محمد ووليُّ من اتّبعك.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٠ الى ١٤]
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤)
قوله تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ أي: من أمر الدِّين وقيل: بل هو عامّ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ فيه قولان: أحدهما: علمه عند الله. والثاني: هو يحكُم فيه. قال مقاتل: وذلك أن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن وآمن بعضهم، فقال الله: أنا الذي أحكُم فيه ذلِكُمُ اللَّهُ الذي يحكُم بين المختلفين هو رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ في مهمّاتي وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أي أرجِع في المَعاد. فاطِرُ السَّماواتِ قد سبق بيانه «٢»، جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أي من مِثل خَلْقكم أَزْواجاً نساءً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً أصنافاً ذكوراً وإناثاً، والمعنى أنه خلق لكم الذَّكر والأنثى من الحيوان كلِّه يَذْرَؤُكُمْ فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: يخلُقكم، قاله السدي. والثاني: يُعيِّشكم، قاله مقاتل. والثالث: يكثّركم، قاله الفرّاء. وفي قوله فِيهِ قولان: أحدهما: أنها على أصلها، قاله الأكثرون. فعلى هذا في هاء الكناية ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها ترجع إلى بطون الإناث وقد تقدم ذكر الأزواج، قاله زيد بن أسلم. فعلى هذا يكون المعنى: يخلُقكم في بطون النساء، وإلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة، فقال: يخلُقكم في الرَّحِم أو في الزَّوج وقال ابن جرير: يخلُقكم فيما جعل لكم من أزواجكم ويعيِّشكم فيما جعل لكم من الأنعام.
(١) الأنعام: ٣٥.
(٢) الأنعام: ١٤.
والثاني: أنها ترجع إلى الأرض، قاله ابن زيد فعلى هذا يكون المعنى: يذرؤكم فيما خلق من السموات والأرض. والثالث: أنها ترجع إلى الجَعْل المذكور، ثم في معنى الكلام قولان: أحدهما:
يعيِّشكم فيما جعل من الأنعام، قاله مقاتل، والثاني: يخلُقكم في هذا الوجه الذي ذكر مِنْ جَعْلِ الأزواج، قاله الواحدي. والقول الثاني: أن «فيه» بمعنى «به» والمعنى: يكثرِّكم بما جعل لكم، قاله الفراء والزجاج. قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ قال ابن قتيبة: أي: ليس كَهُوَ شيء، والعرب تُقيم المِثْلَ مُقام النَّفْس، فتقول: مِثْلي لا يُقال له هذا، أي: أنا لا يُقال لي هذا. وقال الزجاج: الكاف مؤكِّدة والمعنى: ليس مِثْلَه شيءٌ، وما بعد هذا قد سبق بيانه «١» إلى قوله: شَرَعَ لَكُمْ أي: بيَّن وأوضح مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه تحليل الحلال وتحريم الحرام، قاله قتادة. والثاني: تحريم الأخوات والأُمَّهات، قاله الحكم. والثالث: التوحيد وترك الشِّرك. قوله تعالى:
وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي: من القرآن وشرائع الإِسلام. قال الزجاج: المعنى: وشرع الذي أوحينا إليك وشرع لكم ما وصَّى به إبراهيم وموسى وعيسى. وقوله: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ تفسير قوله: وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى وجائز أن يكون تفسيراً ل ما وَصَّى بِهِ نُوحاً ولقوله: وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ولقوله: وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى، فيكون المعنى: شرع لكم ولِمَن قبلكم إقامة الدِّين وترك الفُرقة، وشرع الاجتماع على اتِّباع الرُّسل. وقال مقاتل: أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ يعني التوحيد وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ أي لا تختلفوا كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أي عَظُمَ على مشركي مكة ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ يا محمد من التوحيد.
قوله تعالى: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ أي: يَصطفي من عباده لِدِينه مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلى دِينه، مَنْ يُنِيبُ أي: يَرجع إِلى طاعته. ثم ذكر افتراقهم بعد أن أوصاهم بترك الفُرقة، فقال: وَما تَفَرَّقُوا يعني أهل الكتاب إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: من بعد كثرة عِلْمهم للبغي.
والثاني: من بعد أن علموا أن الفُرقة ضلال. والثالث: من بعد ما جاءهم القرآن، بغياً منهم على محمّد صلّى الله عليه وسلّم. وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ في تأخير المكذِّبين من هذه الأُمَّة إلى يوم القيامة، لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بإنزال العذاب على المكذِّبين وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ يعني اليهود والنصارى مِنْ بَعْدِهِمْ أي: من بعد أنبيائهم لَفِي شَكٍّ مِنْهُ أي: من محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٥ الى ١٦]
فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦)
قوله تعالى: فَلِذلِكَ فَادْعُ قال الفراء: المعنى، فالى ذلك، تقول: دعوتُ إلى فلان، ودعوت
(١) الرعد: ٢٦، الزمر: ٦٣.
لفلان، و «ذلك» بمعنى «هذا»، وللمفسّرين فيه قولان «١» : أحدهما: أنه القرآن، قاله ابن السائب.
والثاني: أنه التوحيد، قاله مقاتل. قوله تعالى: وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ يعني أهل الكتاب، لأنهم دعَوه إلى دينهم. قوله تعالى: وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ قال بعض النحويِّين: المعنى: أًمِرْتُ كي أَعْدِلَ. وقال غيره: المعنى: أُمِرْتُ بالعَدْل. وتقع «أُمِرْتُ» على «أن»، وعلى «كي»، وعلى «اللام» يقال: أُمِرْتُ أن أعدل، وكي أعدل، ولأعدل. ثم في ما أُمِرَ أن يَعْدِلَ فيه قولان: أحدهما: في الأحكام إذا ترافعوا إليه.
والثاني: في تبليغ الرسالة. قوله تعالى: اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ أي: هو آلهنا وإن اختلفنا، فهو يجازينا بأعمالنا، فذلك قوله: لَنا أَعْمالُنا أي: جزاؤها. لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ قال مجاهد: لا خصومة بينَنا وبينَكم.
فصل: وفي هذه الآية قولان: أحدهما: أنها اقتضت الاقتصار على الإنذار، وذلك قبل القتال، ثم نزلت آية السيف فنسختْها، قاله الأكثرون. والثاني: أن معناها: إن الكلام- بعد ظُهور الحُجج والبراهين- قد سقط بيننا، فعلى هذا هي مُحْكَمة، حكاه شيخنا عليّ بن عبيد الله عن طائفة من المفسرين.
قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ أي: يُخاصِمون في دِينه. قال قتادة: هم اليهود، قالوا:
كتابُنا قَبْلَ كتابكم، ونبيُّنا قبل نبيِّكم، فنحن خيرٌ منكم. وعلى قول مجاهد: هم المشركون، طمعوا أن تعود الجاهلية. قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ أي: من بعد إجابة الناس إلى الإسلام حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ أي: خصومتهم باطلة.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ١٧ الى ٢٠]
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠)
قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ يعني القرآن بِالْحَقِّ أي: لم ينزله لغير شيء وَالْمِيزانَ فيه قولان: أحدهما: أنه العدل، قاله ابن عباس، وقتادة، والجمهور. والثاني: أنه الذي يوزَن به، حكي عن مجاهد. ومعنى إِنزاله إلهامُ الخَلْق أن يَعملوا به، وأمرُ الله عزّ وجلّ إيّاهم بالإِنصاف.
وسمِّي العَدْلُ ميزاناً لأن الميزان آلة الإِنصاف والتسوية بين الخَلْق. وتمام الآية مشروح في الأحزاب «٢».
(١) قال الزمخشري رحمه الله في «الكشاف» ٤/ ٢٢٠: فلأجل ذلك التفرق ولما حدث سببه من تشعب الكفر شعبا (فَادْعُ) إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفة القديمة (وَاسْتَقِمْ) عليها وعلى الدعوة إليها كما أمرك الله (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) المختلفة الباطلة بما أنزل الله من كتاب، أي كتاب صح أن أنزله، يعني الإيمان بجميع الكتب المنزلة، لأن المتفرقين آمنوا ببعض وكفروا ببعض. وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ١٢٩: اشتملت هذه الآية على عشر كلمات مستقلة، كل منها منفصلة عن التي قبلها، حكم برأسه، قالوا: ولا نظير لها سوى آية الكرسي، فإنها أيضا عشرة فصول كهذه.
(٢) الأحزاب: ٦٣.
قوله تعالى: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها لأنهم لا يخافون ما فيها، إذْ لم يؤمنوا بكونها، فهم يطلبُون قيامها استبعاداً واستهزاءً وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ أي: خائفون مِنْها لأنهم يعلمون أنهم مُحاسَبون ومَجزيُّون، ولا يدرون ما يكون منهم وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أي: أنها كائنة لا مَحالة أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ أي: يخاصِمون في كونها لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ حين لم يتفكَّروا، فيَعلموا قدرة الله على إقامتها. اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ قد شرحنا معنى اسمه «اللطيف» في الأنعام «١»، وفي عباده ها هنا قولان: أحدهما: أنهم المؤمنون. والثاني: أنه عامّ في الكُلّ. ولطفُه بالفاجر: أنه لا يُهلِكه. يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ أي: يوسِّع له الرِّزق. قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ قال ابن قتيبة: أي عَمَلَ الآخرة، يقال: فلان يحرث للدّنيا، أي: يعمل لها ويجمع المال فالمعنى من أراد بعمله الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ أي: نُضاعِف له الحسنات. قال المفسرون: من أراد العمل لله بما يُرضيه، أعانه الله على عبادته، ومن أراد الدُّنيا مُؤْثِرا لها على الآخرة لأنه غير مؤمن بالآخرة، يؤته منها، وهو الذي قسم له، وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ لأنه كافر بها لم يعمل لها.

فصل:


اتفق العلماء على أن أول هذه الآية إلى «حرثه» مُحْكَم، واختلفوا في باقيها على قولين:
أحدهما: أنه منسوخ بقوله: عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ «٢»، وهذا قول جماعة منهم مقاتل.
والثاني: أن الآيتين مُحكَمتان متَّفقتان في المعنى، لأنه لم يقل في هذه الآية: نؤته مُراده، فعُلِم أنه إنما يؤتيه الله ما أراد، وهذا موافق لقوله: «لِمَنْ نُريد»، ويحقِّق هذا أن لفظ الآيتين لفظ الخبر ومعناهما معنى الخبر، وذلك لا يدخُله النسخ، وهذا مذهب جماعة منهم قتادة.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢١ الى ٢٤]
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤)
قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ يعني كفار مكة والمعنى: ألَهُمْ آلهةٌ شَرَعُوا أي ابتدعوا لَهُمْ دِيناً لم يأذن به الله؟! وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ وهي: القضاء السابق بأن الجزاء يكون في القيامة لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ في الدنيا بنزول العذاب على المكذِّبين. والظالمون في هذه الآية والتي تليها:
يراد بهم المشركون. والإشفاق: الخوف. والذي كَسَبوا: هو الكفر والتكذيب، وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ يعني جزاءه. وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: ذلِكَ يعني: ما تقدم ذِكْره من الجنّات الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ قال أبو سليمان الدمشقي: «ذلك» بمعنى: هذا الذي أخبرتُكم به بشرى يبشّر الله بها عباده. وقرأ
(١) الأنعام: ١٠٣.
(٢) الإسراء: ١٨.
63
ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: «يَبْشَرُ» بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين.
قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً في سبب نزول هذه الآية ثلاثة أقوال:
(١٢٤٦) أحدها: أن المشركين كانوا يؤذون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمكة، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس.
(١٢٤٧) والثاني: أنه لما قَدِم المدينةَ كانت تَنُوبه نوائبُ وليس في يده سَعَةٌ، فقال الأنصار: إن هذا الرجُل قد هداكم اللهٌ به، وليس في يده سَعَةٌ، فاجْمَعوا له من أموالكم ما لا يضرُّكم، ففعلوا ثم أتَوْه به، فنزلت هذه الآية، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا.
(١٢٤٨) والثالث: أن المشركين اجتمعوا في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أتُرَون محمداً يسأل على ما يتعاطاه أجراً، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة.
والهاء في «عليه» كناية عمّا جاء به من الهُدى. وفي الاستثناء هاهنا قولان: أحدهما: أنه من الجنس، فعلى هذا يكون سائلاً أجراً. وقد أشار ابن عباس في رواية الضحاك إلى هذا المعنى، ثم قال:
نُسخت هذه بقوله: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ الآية «١»، وإلى هذا المعنى ذهب مقاتل. والثاني:
أنه استثناء من غير الأول، لأن الأنبياء لا يَسألون على تبليغهم أجراً، وإنما المعنى: لكنِّي أُذكّرُكم المَوَدَّةَ في القُرْبى، وقد روى هذا المعنى جماعة عن ابن عباس، منهم العوفي، وهذا اختيار المحقِّقين، وهو الصحيح، فلا يتوجَّه النسخ أصلاً.
وفي المراد بالقُربى خمسة أقوال: أحدها: أن معنى الكلام: إلاّ أن تَوَدُّوني لقرابتي منكم، قاله ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد في الأكثرين. قال ابن عباس: ولم يكن بطنٌ من بطون قريش إلاّ ولرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيهم قرابة. والثاني: إلاّ أن تَوَدُّوا قرابتي، قاله عليّ بن الحسين، وسعيد بن جبير، والسدي. ثم في المراد بقرابته قولان:
(١٢٤٩) أحدهما: عليّ وفاطمة وولدها، وقد رووه مرفوعاً إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. والثاني: أنهم الذين تَحْرُم عليهم الصدقة ويُقْسَم فيهم الخُمُس وهم بنو هاشم وبنو المطَّلِب.
أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه كما في «الدر» ٥/ ٧٠٠ عن الضحاك عن ابن عباس، والضحاك لم يلق ابن عباس.
ضعيف جدا. ذكره الواحدي في «الأسباب» ٧٣٥ عن ابن عباس بدون إسناد، وقال الحافظ في «تخريجه» ٤/ ٢٢١ ذكره الثعلبي والواحدي في «الأسباب» عن ابن عباس بغير سند، ويشبه أن يكون عن الكلبي وعن أبي صالح اه. وهذا هو الراجح فإن الواحدي إذا وجد الكلبي في إسناد ما. فإنه يحذف الإسناد فيذكره تعليقا ليبين أنه حديث واه.
واه، ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٧٣٦ عن قتادة مرسلا، ولم أره عن غيره، فهو واه.
تقدم في سورة آل عمران.
__________
(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١١/ ١٤٥: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، وأشبههما بظاهر التنزيل قول من قال: معناه: قل لا أسألكم عليه أجرا يا معشر قريش إلّا أن تودوني في قرابتي منكم، وتصلوا الرحم التي بينكم وبيني.
64
والثالث: أن المعنى: إلاّ أن تَوَدَّدوا إلى الله تعالى فيما يقرِّبكم إليه من العمل الصالح، قاله الحسن، وقتادة. والرابع: إلاّ أن تَوَدُّوني، كما تَوَدُّون قرابتَكم، قاله ابن زيد. والخامس: إلاّ أن تَوَدُّوا قرابتَكم وتصِلوا أرحامَكم، حكاه الماوردي. والأول: أصح.
قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتَرِفْ أي: مَنْ يَكْتَسِبْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً أي: نُضاعفْها بالواحدة عشراً فصاعداً. وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري: «يَزِدْ له» بالياء إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ للذُّنوب شَكُورٌ للقليل حتى يضاعفَه. أَمْ يَقُولُونَ أي: بل يقول كفار مكة افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً حين زعم أن القرآن من عند الله! فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ فيه قولان: أحدهما: يَخْتِم على قلبك فيُنسيك القرآن، قاله قتادة. والثاني: يَرْبِط على قلبك بالصبر على أذاهم فلا يَشُقّ عليك قولهم: إنك مفترٍ، قاله مقاتل، والزجاج. قوله تعالى: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ قال الفراء: ليس بمردود على «يَخْتِمْ» فيكونَ جزماً، وإنما هو مستأنَف، ومثله ممّا حُذفتْ منه الواو وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ «١». وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير.
تقديره: والله يمحو الباطل. وقال الزجاج: الوقف عليها «ويمحوا» بواو وألف والمعنى: واللهُ يمحو الباطل على كل حالٍ، غير أنها كُتبتْ في المصاحف بغير واو، لأن الواو تسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين، فكُتبتْ على الوصل، ولفظ الواو ثابت والمعنى: ويمحو اللهُ الشِّرك ويُحِقُّ الحق بما أنزله من كتابه على لسان نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٥ الى ٢٧]
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧)
قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ قد ذكرناه في براءة «٢».
قوله تعالى: وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ أي: من خير وشرّ. قرأ حمزة والكسائي، وحفص عن عاصم بالتاء، وقرأ الباقون بالياء، على الإِخبار عن المشركين والتهديد لهم. و «يَسْتَجِيبُ» بمعنى يُجيب، وفيه قولان: أحدهما: أن الفعل فيه لله، والمعنى: يُجيبهم إذا سألوه وقد روى قتادة عن أبي إبراهيم اللخمي وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا قال: يُشَفَّعون في إِخوانهم وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قال: يُشَفَّعون في إِخوان إِخوانهم. والثاني: أنه للمؤمنين فالمعنى: يجيبونه. والأول أصح. قوله تعالى: وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ.
(١٢٥٠) قال خبّاب بن الأرتّ: فينا نزلت هذه الآية، وذلك أنّا نَظَرْنا إلى أموال بني قريظة والنَّضير فتمنَّيناها، فنزلت هذه الآية.
ذكره الواحدي في «الأسباب» ٧٣٧ عن خباب بدون إسناد فلا يحتج به، ولا يصح فالسورة مكية، والخبر مدني. وانظر «تفسير القرطبي» ٥٤٠٠ بتخريجنا.
__________
(١) الإسراء: ١١.
(٢) التوبة: ١٠٤.
ومعنى الآية: لو أوسَع اللهُ الرِّزق لعباده لبَطِروا وعَصَوْا وبغى بعضُهم على بعض، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ أي: ينزل أمره بتقدير ما يشاء مما يُصلح أمورَهم ولا يُطغيهم إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ فمنهم من لا يُصلحه إلا الغنى، ومنهم من لا يصلحه إلّا الفقر.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٢٨ الى ٣١]
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١)
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ يعني المطر وقت الحاجة مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا أي: يئسوا، وذلك أدعى لهم إلى شكر مُنزله وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ في الرحمة هاهنا قولان: أحدهما: المطر، قاله مقاتل. والثاني:
الشمس بعد المطر، حكاه أبو سليمان الدمشقي. وقد ذكرنا «الوليَ» في سورة النساء «١» و «الحميد» في البقرة «٢». قوله تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ وهو ما يلحق المؤمن من مكروهٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ من المعاصي. وقرأ نافع، وابن عامر: «بما كسَبَتْ أيديكم» بغير فاء، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ من السَّيّئات فلا يُعاقِبُ بها. وقيل لأبي سليمان الداراني: ما بال العقلاء أزالوا اللَّوم عمَّن أساء إليهم؟ قال: إنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم، وقرأ هذه الآية. وقوله تعالى: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ إن أراد الله عقوبتكم، وهذا يدخل فيه الكفار والعصاة كلّهم.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٢ الى ٣٦]
وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥) فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦)
قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ والمراد بالجوارِ: السفن. قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو:
«الجواري» بياء في الوصل، إِلاّ أن ابن كثير يقف أيضاً بياءٍ، وأبو عمرو بغير ياء، ويعقوب يوافق ابن كثير، والباقون بغير ياءٍ في الوصل والوقف قال أبو علي: والقياس ما ذهب إليه ابن كثير، ومن حذف فقد كَثُر حذف مثل هذا في كلامهم. كَالْأَعْلامِ قال ابن قتيبة: كالجبال، واحدها: عَلَم. وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال: كل شيء مرتفع عند العرب فهو عَلَم.
قوله تعالى: إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ التي تُجريها فَيَظْلَلْنَ يعني الجواري رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ أي: سواكن على ظهر البحر لا يَجْرِينْ. أَوْ يُوبِقْهُنَّ أي: يُهْلِكْهُنَّ ويُغْرِقْهُنَّ، والمراد أهل السّفن،
(١) النساء: ٤٥.
(٢) البقرة: ٢٦٧.
ولذلك قال: بِما كَسَبُوا أي: من الذُّنوب وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ من ذنوبهم، فيُنجيهم من الهلاك.
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ قرأ نافع، وابن عامر: «وَيَعْلَمَ» بالرفع على الاستئناف وقطعه من الأول: وقرأ الباقون بالنصب، قال الفراء: هو مردود على الجزم إِلاّ أنه صُرف، والجزم إِذا صُرف عنه معطوفه نُصب. وللمفسرين في معنى الآية قولان: أحدهما: ويعلم الذين يخاصِمون في آيات الله حين يؤخَذون بالغرق أنه لا ملجأَ لهم. والثاني: أنهم يعلمون بعد البعث أنه لا مهرب لهم من العذاب. قوله تعالى:
فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ أي: ما أُعطيتم من الدنيا فهو متاع تتمتَّعون به، ثم يزول سريعاً، وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا لا للكافرين، لأنه إنما أعدّ لهم في الآخرة العذاب.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٧ الى ٤٣]
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١)
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)
قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وقرأ حمزة، والكسائي: «كبيرَ الإِثم» على التوحيد من غير ألف، والباقون بألف. وقد شرحنا الكبائر في سورة النساء «١». وفي المراد بالفواحش هاهنا قولان:
أحدهما: الزنا. والثاني: موجبات الحدود.
قوله تعالى: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ أي: يَعْفُون عمَّن ظَلَمهم طلباً لثواب الله تعالى. وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ أي: أجابوه فيما دعاهم إليه. وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ قال ابن قتيبة: أي يتشاورون فيه بينهم، وقال الزجاج: المعنى أنهم لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه.
قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ اختلفوا في هذا البَغْي على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه بَغْيُ الكفار على المسلمين، قال عطاء: هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبَغَوْا عليهم، ثم مَكنَّهم الله منهم فانتصروا. وقال زيد بن أسلم: كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرقتين بمكة، فرقة كانت تُؤذَى فتَعفو عن المشركين، وفرقة كانت تُؤذَى فتنتصر، فأثنى اللهُ عزّ وجلّ عليهم جميعاً، فقال في الذين لم ينتصروا: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وقال في المنتصرين: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ أي: من المشركين. وقال ابن زيد: ذكر المهاجرين، وكانوا صنفين، صنفاً عفا، وصنفاً انتصر، فقال:
وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، فبدأ بهم، وقال في المنتصرين: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ أي: من المشركين وقال: وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ إلى قوله: «يُنْفِقُونَ» وهم الأنصار: ثم ذكر الصِّنف الثالث فقال: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ من المشركين. والثاني: أنه بَغْيُ المسلمين على المسلمين خاصة. والثالث: أنه عامّ في جميع البُغاة، سواء كانوا مسلمين أو كافرين.

فصل:


واختلف في هذه الآية علماء الناسخ والمنسوخ، فذهب بعض القائلين بأنها في المشركين
(١) النساء: ٣١.
إلى أنها منسوخة بآية السيف، فكأنهم يشيرون إلى أنها أثبتت الانتصار بعد بَغْي المشركين، فلمّا جاز لنا أن نبدأَهم بالقتال، دَلَّ على أنها منسوخة. وللقائلين بأنها في المسلمين قولان: أحدهما: أنها منسوخة بقوله: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ «١» فكأنها نبَّهتْ على مدح المنتصِر، ثم أعلمنا أن الصبر والغفران أمدح، فبان وجه النسخ. والثاني: أنها محكَمة، لأن الصبر والغفران فضيلة، والانتصار مباح، فعلى هذا تكون محكمة، وهو الأصح.
فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية- وظاهرُها مدح المنتصِر- وبين آيات الحَثِّ على العفو؟
فعنه ثلاثة أجوبة: أحدها: أنه انتصار المسلمين من الكافرين، وتلك رتبة الجهاد كما ذكرنا عن عطاء.
والثاني: أن المنتصِر لم يَخرج عن فعل أُبيح له، وإن كان العفو أفضل، ومَنْ لم يَخرج من الشرع بفعله، حَسُنَ مدحُه. قال ابن زيد: جعل الله المؤمنين صنفين! صنفٌ يعفو، فبدأ بذكره، وصنفٌ ينتصر.
والثالث: أنه إذا بغي على المؤمن فاسقٌ، فلأنَّ له اجتراءَ الفُسَّاق عليه، وليس للمؤمن أن يُذِلَّ نَفْسه، فينبغي له أن يَكْسِر شوكة العُصاة لتكون العِزَّة لأهل الدِّين. قال إبراهيم النخعي: كانوا يَكرهون للمؤمنين أن يُذِلًّوا أنفُسَهم فيجترئَ عليهم الفُسّاق، فإذا قَدَروا عَفَوْا، وقال القاضي أبو يعلى: هذه الآية محمولة على من تعدَّى وأصرَّ على ذلك، وآيات العفو محمولة على أن يكون الجاني نادماً.
قوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها قال مجاهد والسدي: هو جواب القبيح، إذا قال له كلمة إجابة بمثْلها من غير أن يعتديَ. وقال مقاتل: هذا في القصاص في الجراحات والدماء. فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فلم يقتصّ وَأَصْلَحَ العمل فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ يعني من بدأَ بالظُّلم. وإنما سمَّى المجازاةَ سيِّئةً، لما بيَّنَّا عند قوله: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ «٢» قال الحسن: إذا كان يوم القيامة نادى مُنادٍ: لِيَقُم مَنْ كان أجْرُه على الله، فلا يقوم إلاّ من عفا. وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ أي: بعد ظُلم الظّالم إيَّاه والمصدر هاهنا مضاف إلى المفعول، ونظيره: مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ «٣» وبِسُؤالِ نَعْجَتِكَ «٤»، فَأُولئِكَ يعني المنتصرين ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ أي: من طريق إلى لَوْم ولا حَدِّ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ أي: يبتدئون بالظُّلم وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أي: يعملون فيها بالمعاصي. قوله تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ فلم ينتصرِ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ الصبر والتجاوز لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وقد شرحناه في آل عمران «٥».
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦)
قوله تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ أي: من أحدٍ يلي هدايته بعد إضلال الله إيّاه. وَتَرَى الظَّالِمِينَ يعني المشركين لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ في الآخرة يسألون الرّجعة إلى الدنيا
(١) الشورى: ٤٣. [.....]
(٢) البقرة: ١٩٤.
(٣) فصلت: ٤٩.
(٤) ص: ٢٤.
(٥) آل عمران: ١٨٦.
يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ؟ وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها أي: على النار خاشِعِينَ أي: خاضعين متواضعين مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وفيه أربعة أقوال: أحدها: من طَرْفٍ ذليل، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقال الأخفش: ينظُرون من عين ضعيفة. وقال غيره: «مِنْ» بمعنى «الباء». والثاني:
يسارِقون النظر، قاله قتادة، والسدي. والثالث: ينظُرون ببعض العَيْن، قاله أبو عبيدة. والرابع: أنهم ينظُرون إلى النار بقلوبهم، لأنهم قد حُشروا عُمْياً، فلم يَرَوها بأعيُنهم، حكاه الفراء، والزجاج، وما بعد هذا قد سبق بيانه «١» إلى قوله: يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي: يمنعونهم من عذاب الله.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٤٧ الى ٥٠]
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠)
قوله تعالى: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ أي: أجيبوه، فقد دعاكم برسوله مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ وهو يوم القيامة لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ أي: لا يَقدر أحد على رَدِّه ودفعه ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ تلجؤون إليه، وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ قال مجاهد: من ناصر ينصُركم، وقال غيره: من قُدرة على تغيير ما نزل بكم. فَإِنْ أَعْرَضُوا عن الإِجابة فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً لحفظ أعمالهم إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ أي: ما عليك إلاّ أن تبلِّغهم. وهذا عند المفسرين منسوخ بآية السيف. قوله تعالى: وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها قال المفسرون: المراد به: الكافر والرحمة: الغنى والصحة والمطر ونحو ذلك، والسَّيِّئة:
المرض والفقر والقحط ونحو ذلك، والإنسان هاهنا: اسم جنس، فلذلك قال: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أي: بما سلف من مخالفتهم فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ بما سلف من النّعم. لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: له التصرُّف فيها بما يريد، يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً يعني البنات ليس فيهنّ ذكر، كما وهب للوط صلّى الله عليه وسلّم، فلم يولَد له إلاَ البنات وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ يعني البنين ليس معهم أُنثى، كما وهب لإبراهيم عليه الصّلاة والسلام، فلم يولد له إِلا الذًّكور. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ يعني الإناث والذُّكور، قال الزجاج: ومعنى «يُزَوِّجُهُمْ» : يَقْرُنُهم، وكل شيئين يقترن أحدهما بالآخر، فهما زوجان، ويقال لكل واحد منهما: زوج، تقول: عندي زوجان من الخِفاف، يعني اثنين. وفي معنى الكلام للمفسرين قولان: أحدهما: أنه وضْعُ المرأة غلاماً ثم جارية ثم غلاماً ثم جارية، قاله مجاهد، والجمهور. والثاني: أنه وضْعُ المرأة جاريةً وغلاماً توأمين، قاله ابن الحنفية. قالوا: وذلك كما جمع لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم فإنه وهب له بنين وبنات، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً لا يولد له، كيحيى بن زكريا عليهما السلام. وهذه الأقسام موجودة في سائر الناس، وإنما ذكروا الأنبياء تمثيلا.
(١) الأنعام: ١٢، هود: ٣٩.

[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٥١ الى ٥٣]

وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)
قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً. قال المفسرون:
(١٢٥١) سبب نزولها أنّ اليهود قالوا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ألا تكلِّم الله وتنظرُ إليه إن كنتَ نبيّاً صادقاً كما كلَّمه موسى ونظر إليه؟ فقال لهم: «لم ينظرُ موسى إِلى الله»، ونزلت هذه الآية.
والمراد بالوحي هاهنا: الوحي في المنام. أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ كما كلَّم موسى. أَوْ يُرْسِلَ قرأ نافع، وابن عامر: «يُرْسِلُ» بالرفع فَيُوحِيَ بسكون الياء. وقرأ الباقون: «يُرْسِلْ» بنصب اللام «فيوحيَ» بتحريك الياء، والمعنى: «أو يرسِل رسولاً» كجبرائيل «فيوحي» ذلك الرسول إلى المرسَل إليه بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ. قال مكي بن أبي طالب: من قرأ «أو يرسِلَ» بالنصب، عطفه على معنى قوله: «إِلَّا وَحْياً» لأنه بمعنى: إلاّ أن يوحيَ. ومن قرأ بالرفع، فعلى الابتداء، كأنه قال: أو هو يرسِل. قال القاضي أبو يعلى: وهذه الآية محمولة على أنه لا يكلِّم بشراً إلاّ من وراء حجاب في دار الدنيا. قوله تعالى:
وَكَذلِكَ أي: وكما أوحينا إلى الرُّسل أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، وقيل: الواو عطف على أول السورة، فالمعنى: كذلك نوحي إِليك وإلى الذين مِنْ قبلك. وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا قال ابن عباس:
هو القرآن، وقال مقاتل: وَحْياً بأمرنا.
قوله تعالى: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وذلك أنه لم يكن يَعرف القرآن قبل الوحي وَلَا الْإِيمانُ فيه ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أنه بمعنى الدعوة إلى الإِيمان، قاله أبو العالية. والثاني: أن المراد به:
شرائع الإيمان ومعالمه، وهي كلُّها إيمان، وقد سمَّى الصلاة إيماناً بقوله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ «٢» هذا اختيار ابن قتيبة، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة. والثالث: أنه ما كان يَعرف الإِيمان حين كان في المهد وإذْ كان طفلاً قبل البلوغ، حكاه الواحدي. والقول ما اختاره ابن قتيبة، وابن خزيمة، وقد اشتُهر في الحديث عنه عليه السلام أنه كان قبل النبوَّة يوحِّد الله، ويُبْغِض اللاّتَ والعُزَّى، وَيحُجُّ ويعتمر، ويتَّبع شريعةَ إِبراهيم عليه السلام «٣». قال الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله: من زعم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان على دين قومه، فهو قول سوءٍ، أليس كان لا يأكل ما ذُبح على النّصب؟ وقال ابن قتيبة:
ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٧٣٩ بدون إسناد، ومن غير عزو لأحد، فهو ساقط. وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» ٤/ ٢٣٤: لم أجده. وانظر «تفسير القرطبي» ٥٤٢٠ بتخريجنا.
__________
(١) قال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ١٦/ ٥٣: اختلف العلماء في تأويل قوله تعالى: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ قلت: الصحيح أنه صلّى الله عليه وسلّم كان مؤمنا بالله عز وجل من حين نشأ إلى حين بلوغه وقيل: - في معنى الآية- أي كنت في قوم أميين لا يعرفون الكتاب ولا الإيمان، حتى تكون قد أخذت ما جئتهم به عمن كان يعلم ذلك منهم، وهو كقوله تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ.
(٢) البقرة: ١٤٣.
(٣) انظر «السيرة النبوية» للذهبي ص ٤١- ٤٣.
70
قد جاء في الحديث أنه كان على دين قومه أربعينَ سنةً «١». ومعناه: أن العرب لم يزالوا على بقايا مِنْ دين إسماعيل، من ذلك حِجُّ البيت، والختانُ، وِإيقاعُ الطلاق إذا كان ثلاثاً، وأن للزوج الرَّجعة في الواحدة والاثنتين، ودِيَة النَّفْس مائة من الإبل، والغُسل من الجنابة، وتحريمُ ذوات المحارم بالقرابة والصّهر، وكان عليه الصلاة والسلام على ما كانوا عليه من الإِيمان بالله والعمل بشرائعهم في الختان والغُسل والحج، وكان لا يقرب الأوثان، ويَعيبُها. وكان لا يَعرف شرائعَ الله التي شَرَعها لعباده على لسانه، فذلك قوله: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ يعني القرآن وَلَا الْإِيمانُ يعني شرائع الإِيمان ولم يُرِدِ الإِيمانَ الذي هو الإقرار بالله، لأن آباءه الذين ماتوا على الشِّرك كانوا يؤمِنون بالله ويحجُّون له البيت مع شِركهم. قوله تعالى: وَلكِنْ جَعَلْناهُ في هاء الكناية قولان: أحدهما: أنها ترجع إلى القرآن. والثاني:
إلى الإِيمان. نُوراً أي: ضياءً ودليلاً على التوحيد نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا إلى دِين الحق.
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي أي: لَتَدعو إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو الإسلام.
(١) ليس بحديث، وإنما هو رأي لبعض أهل العلم، وهو مرجوح، بل الصواب أنه على دين إبراهيم عليه السلام، لأن قومه كانوا على الشرك كما نطق القرآن بذلك في آيات كثيرة فمن ذلك لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ... والمراد بالمشركين هنا قريش وما والاها، فتنبه، والله أعلم.
71
Icon