ﰡ
صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مظاهر ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ اى العلويات والسفليات وما ظهر منهما وفيهما وعليهما وبالجملة عموم ما ظهر وبطن وغاب وشهد مقهور تحت قهره إذ هو سبحانه آخذ بقبضة القدرة الغالبة بناصية الكل يجذبه نحوه ويقبضه اليه أَلا تنبهوا ايها الاظلال المستمدون من الله في كل الأحوال إِلَى اللَّهِ اى الى وجهه الكريم القديم لا الى غيره من وجوه الأسباب والوسائل العادية تَصِيرُ الْأُمُورُ اى تصير وترجع الى وجهه سبحانه وجوه عموم الصور المرئية بعد ارتفاع الوجوه المستحدثة الهالكة عن البين واضمحلال الرسوم الباطلة عن العين
خاتمة سورة الشورى
عليك ايها الطالب المتحقق في صراط الحق والراكن نحوه بحزائمك الأقصى وعزائمك الأوفى ان تجعل قبلة مقصدك توحيد ربك وتستقيم على جادة الدين القويم المحمدي والسبيل السوى المصطفوى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وتقتفى اثر من سلف من خلص اتباعه الذين اهتدوا بمتابعته الى مقر التوحيد واليقين ووصلوا الى عالم اللاهوت وتمكنوا في مقر التمكين بلا تذبذب وتلوين بعد ما تجردوا من جلباب ناسوتهم بالمرة بتوفيق من الله وجذب من جانبه وببركة ارشاد حبيبه صلّى الله عليه وسلم
[سورة الزخرف]
فاتحة سورة الزخرف
لا يخفى على المحققين المتحققين بحيطة الحق على عموم المظاهر وشمول أسمائه وأوصافه الذاتية عليها ان من جملة أسمائه الحسنى وصفاته السنى اسم المتكلم وصفة الكلام المنزل من عنده على كل امة من الأمم حسب اللغة الموضوعة فيهم بوضع الهى إذ واضع الألفاظ واللغات كلها هو الله سبحانه ولا شك ان القرآن المنزل على خير الأنام انما هو من أمهات الكتب الإلهية وأصولها لكونه منتخبا من الحضرة العلية العلمية الإلهية منتزعا من لوح محفوظ القضاء على الوجه الأتم الأبلغ ولهذا اقسم سبحانه بكتابه هذا بعد ما خاطب على حبيبه صلّى الله عليه وسلّم بما خاطب ثم من عليه بما من ورمز بما رمز تأييدا وتعضيدا له على حمل أعباء الرسالة وتبليغ الوحى المنزل عليه من عنده باللغة الفصيحة العربية المعجز نظمه ومعناه لكافة البرية وعامة الرعية ليكون رحمة للعالمين وخاتما للنبيين بعد ما تيمن باسمه المبين بِسْمِ اللَّهِ المنزل للرسل والكتب للهداية والإرشاد وتبيين طريق الرشد ومنهج السداد لعموم عباده الرَّحْمنِ عليهم بإرسال رسول كل قوم من جنسهم وإنزال الكتاب عليهم على لغتهم الرَّحِيمِ لهم يوصلهم بتبليغ الرسل وتبيين الكتب الى مبدئهم ومعادهم
[الآيات]
حم يا حارس دين الله وملازم طريق توحيده
وَحق الْكِتابِ الْمُبِينِ العظيم الذي قد انتخبناه من حضرة علمنا المحيط ولوح قضائنا المحفوظ
إِنَّا من
وَإِنَّهُ اى الشأن المندرج فيه والمرموز اليه في مخافيه من جملة ما هو كائن مثبت فِي أُمِّ الْكِتابِ الذي هو حضرة العلم ولوح القضاء ولا يمكنكم الاطلاع عليه والاستفادة منه الا بوسائل الألفاظ لكونه محفوظا لَدَيْنا محروسا عندنا لا يتيسر لكم الوصول إلينا ما دمتم محبوسين في مضيق الإمكان مقيدين بسلاسل الزمان والمكان إذ ساحة عز حضورنا لَعَلِيٌّ منيع متعال عن ان يحوم حول سرادقات عزنا احد من خلقنا ونحن حَكِيمٌ في تلك المنعة والدفاع ولا نطلعكم على سرائرنا الا من وراء الحجب والأستار ثم استفهم سبحانه مهددا مقرعا مشيرا الى ما أودعه سبحانه في استعدادات عباده من قابلية الهداية والرشد بقوله
أَنهملكم ايها المجبولون على فطرة الهداية ولم نرسل إليكم رسولكم يرشدكم الى ما جبلتم لأجله من قابلية الانكشاف بسرائر توحيدنا فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ اى القرآن المبين لكم ما في نشأتكم وفطرتكم من الاطلاع والشعور على شئوننا وتجلياتنا الذاتية وبالجملة انعرض نحن عنكم صَفْحاً اى اعراضا وانصرافا كليا مع انا قد فطرناكم على فطرة الصلاح والفوز بالفلاح أَنْ كُنْتُمْ اى انهملكم ان كنتم وصرتم قَوْماً مُسْرِفِينَ منحطين عن الاعتدال الفطري والقسط الجبلي الذي قد جبلناكم عليه حسب حكمتنا المتقنة البالغة او المعنى انهمل مقتضيات حكمتنا المودعة فيكم ان كنتم في انفسكم قوما مسرفين في التمرد والاعراض
وَكَمْ أَرْسَلْنا اى مع انا كثيرا قد أرسلنا مِنْ نَبِيٍّ هاد مرشد فِي الْأَوَّلِينَ اى في الأمم الماضين المسرفين المفرطين في التمرد والاعراض أمثالكم
وَهم من شدة تعنتهم وإصرارهم ما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أمثال هؤلاء المستهزئين معك يا أكمل الرسل وبعد ما تمادوا في الغفلة والعناد وبالغوا فيها مغرورين
فَأَهْلَكْنا اى قد أخذناهم بذنوبهم واستأصلناهم أجمعين مع كونهم أَشَدَّ مِنْهُمْ اى من هؤلاء المسرفين المستهزئين بك يا أكمل الرسل بَطْشاً حولا وقوة واكثر أموالا واولادا واكبر جاها وشدة وَبعد ما قد مَضى وجرى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ على ما جرى ومضى من قصصهم ووقائعهم الهائلة المهولة وسيمضى ويجرى عن قريب على هؤلاء ايضا مثلهم بالطريق الاولى وكيف لا يجرى عليهم ما جرى على أسلافهم مع انهم أعظم جرما واكبر إنكارا منهم
وَمن أعظم انكارهم انهم لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ اى مشركي مكة يا أكمل الرسل مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ومن أوجدهما واظهرهما من كتم العدم لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الغالب القادر المقتدر على مطلق الخلق والإيجاد الْعَلِيمُ المطلع على سرائر ما أوجد واظهر ومع اعترافهم بأخص أوصاف الفاعل المختار وإقرارهم باستناد الأمور المتقنة الى أوصافه وأسمائه أنكروا وحدة ذاته وأشركوا معه غيره عتوا وعنادا قل لهم يا أكمل الرسل بعد ما بالغوا في الإنكار والإصرار كيف تنكرون وحدة الحق ايها الجاحدون الجاهلون مع انه الله
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً تستقرون فيها وتتوطنون عليها مترفهين متنعمين وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لمعاشكم تطلبون منها حوائجكم وطرقا تصلون منها الى معادكم لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ بها الى وحدة ربكم
وَكيف تنكرون وجود موجدكم الَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ اى من عالم الأسباب ماءً محييا لأموات المسببات بِقَدَرٍ معتدل معتاد فَأَنْشَرْنا بِهِ اى أحيينا وأحضرنا بإجراء الماء المحيي
وَكيف تجحدون وتنكرون وجود الصانع الحكيم ووحدته مع انه الله القادر المقتدر الَّذِي خَلَقَ واظهر الْأَزْواجَ كُلَّها اى جميع اصناف المخلوقات مزدوجات ممتزجات وَقد جَعَلَ لَكُمْ ايضا تتميما لأمور معاشكم وتسهيلا لها مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ اى ما تركبونه لِتَسْتَوُوا وتتمكنوا عَلى ظُهُورِهِ اى ظهور ما خلق لكم من المراكب ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وبالجملة كما أفاض عليكم سبحانه من النعم أصولها وفروعها وجب عليكم ان تواظبوا على شكرها أداء لحق شيء منها وَلكم ان تَقُولُوا عند استوائكم عليه شكرا لنعم الله وأداء لحقوق كرمه سُبْحانَ الَّذِي اى تنزه وتقدس عن سمة النقص والاستكمال تنزها تاما وتقدسا كاملا ذات القادر العليم الحكيم الذي قد سَخَّرَ لَنا هذا المركوب وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ مطيقين لنستسخره لولا اقرانه وتسخيره سبحانه لنا
وَبالجملة إِنَّا في عموم اوصافنا وأحوالنا وذواتنا إِلى رَبِّنا الذي أظهرنا بمد اظلال أسمائه الحسنى وبسط عكوس صفاته العليا علينا وربانا بمقتضى لطفه بالنعم الأوفى لَمُنْقَلِبُونَ راجعون اليه سائرون نحوه بعد انخلاعنا عن لوازم ناسوتنا وارتفاع اغشية تعيناتنا عنا وانما اوصى به تنبيها على ان العبد العارف لا بد ان يكون في عموم انقلاباته وحالاته مسترجعا الى الله عازما بالعزيمة الصادقة الصافية عن مطلق الرياء والرعونات نحو الفناء فيه متذكرا لموطنه الأصلي ومقره الحقيقي عنده سبحانه
وَهم من غاية غفلتهم عن الحق ومن نهاية جهلهم بحقوق ألوهيته وربوبيته قد جَعَلُوا لَهُ سبحانه وأخذوا بعضا مِنْ عِبادِهِ وادعوه جُزْءاً له سبحانه وسموه ولدا ناشئا منه تعالى حيث قالوا الملائكة بنات الله وعزير ابن الله والمسيح كذلك وبالجملة إِنَّ الْإِنْسانَ المجبول على الجهل والنسيان لَكَفُورٌ متناه في الغفلة عن الله والكفران لنعمه وحقوق كرمه مُبِينٌ ظاهر البغي والطغيان على الله والإلحاد عن دينه وطريق توحيده ومن شدة ظهور بغيهم وطغيانهم ونهاية غفلتهم وعداوتهم قد اثبتوا له اولادا
أَمِ اتَّخَذَ اى بل قالوا قد اتخذ وأخذ سبحانه وتعالى شأنه مِمَّا يَخْلُقُ اى من مظاهره ومصنوعاته بل من أخسها وأدونها اعنى بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ اى فضلكم وخصصكم انفسكم بِالْبَنِينَ وكيف يثبتون أولئك المثبتون المفرطون لله الواحد الأحد الفرد الصمد بنات
وَيختارون لأنفسهم بنين مع انه إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا وهو اثبات البنات له سبحانه يعنى لو بشر احد منهم بولادة البنت له قد ظَلَّ وصار وَجْهُهُ مُسْوَدًّا من كمال ضجرته وكآبته وَهُوَ حينئذ كَظِيمٌ مملو من الغيظ والكرب فكيف يثبت أمثال هذه المكاره لله المنزه عن أمثالها مطلقا مع ان أخص أوصافه انه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد
أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا اى أتثبتون للصمد المنزه عن الأهل والولد ولدا ناقصا يربى ويزين فِي الْحِلْيَةِ والزينة لعدم كماله الذاتي وَالحال انه هُوَ فِي الْخِصامِ اى المجادلة والمحاورة غَيْرُ مُبِينٍ معرب مظهر لما يدعيه لنقصان عقله وركاكة رأيه وفهمه ألا وهن البنات الناقصات عقلا ودينا وخلقة وبالجملة اثبتوا لله ما ينزهون أنفسهم عنه ويغتمون منه عند حصوله لهم
وَهم من فرط جهلهم وركاكة رأيهم قد جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ المستغرقون الوالهون بمطالعة وجهه الكريم
وَبعد ما قد سفه المسلمون اهل الشرك والضلال وعيروهم باتخاذ الملائكة والأوثان والأصنام وعموم المعبودات الباطلة آلهة من دون الله شركاء له في ألوهيته مع كونهم منحطين عن رتبة الربوبية والألوهية مطلقا قالُوا مستدلين على أخذهم واتخاذهم لَوْ شاءَ وأراد الرَّحْمنُ عدم اتخاذنا وعبادتنا إياهم ما عَبَدْناهُمْ البتة لكن أراد سبحانه عبادتنا فعبدناهم إذ لا يبدل قوله سبحانه ولا يغير حكمه ومشيته. انما قالوا ما قالوا تهكما واستهزاء على زعم المؤمنين لا عن اعتقاد ويقين بمشية الله وتقديره وعدم تغير مراده سبحانه لذلك جهلهم سبحانه بقوله ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ اى ما صدر عنهم هذا الاستدلال عن علم بمقدماته واعتقاد بنتيجته بل إِنْ هُمْ اى ما هم في قولهم هذا واستدلالهم إِلَّا يَخْرُصُونَ يتمحلون تمحلا باطلا ويتزورون زورا ظاهرا أهم يدعون دليلا عقليا سواه على مدعاهم
أَمْ يدعون دليلا نقليا بانا آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ من قبل القرآن مشتملا على اتخاذهم وادعائهم المذكور فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ متمسكون به في دعواهم هذه
بَلْ ليس لهم لا هذا ولا ذاك سوى انهم قالُوا على سبيل الحسبان والتقليد إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ طريقة معينة معهودة وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ الى ما اهتدوا تقليدا لهم واقتفاء باثرهم
وَكَذلِكَ اى ومثل ما قال هؤلاء التائهون في تيه التقليد والضلال ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ يا أكمل الرسل فِي قَرْيَةٍ من القرى الهالكة مِنْ نَذِيرٍ من النذر الاولى إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها ومتنعموها على سبيل البطر والمفاخرة إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ اى طريقة معهودة معينة وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ لا نترك ديدنة آبائنا بما اخترعتموها أنتم من تلقاء انفسكم ايها المدعون
قالَ لهم يا أكمل الرسل بعد ما سمعت منهم هذا كلاما خاليا عن وصمة المراء والمجادلة عاريا عن امارات التقليد والتخمين أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ يعنى أتقلدون وتتبعون آباءكم ايها المقلدون المسرفون ولو جئتكم بِأَهْدى اى بدين هو اهدى وانفع لكم في اولاكم واخراكم مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ اى من أديان آبائكم وتقليداتهم فتتركون الهداية وتتبعون الضلال ايها الحمقى العمى وبعد ما سمعوا منك هؤلاء المقلدون المسرفون المفرطون ما سمع أسلافهم من النذر الاولى من الهداية والرشد قالُوا مصرين على ما هم عليه إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ اى بعموم ما جئتم به ايها المدعون للرسالة كافِرُونَ منكرون جاحدون وبالجملة لا نقبل منكم أمثال هذا ولا نترك دين آبائنا ومتابعتهم بمجرد ما ابتدعتموه أنتم مراء ونسبتموه الى الله افتراء وبعد ما أصروا على ضلالهم وتقليداتهم الموروثة لهم من آبائهم ولم ينفعهم ارشاد الرسل وهدايتهم
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فأخذناهم مهانين صاغرين فَانْظُرْ ايها المعتبر الناظر كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ المصرين على التكذيب
وَاذكر يا أكمل الرسل لمشركي مكة وقت إِذْ قالَ جدك إِبْراهِيمُ الخليل صلوات الله عليه وسلامه لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ المغمورين في تقليدات آبائهم الموروثة لهم بعد ما انكشفت حقية الحق ووحدته وبطلان الالهة الباطلة التي قد أثبتوها شركاء لله ظلما وزورا إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ اى أنا برئ من معبوداتكم التي أنتم تعبدونها من دون الله الواحد الأحد الصمد المستحق للعبادة والإطاعة
إِلَّا الَّذِي اى ما اعبد معبودا سوى المعبود الذي فَطَرَنِي اى أوجدني وأظهرني من كتم العدم بمقتضى حوله وقوته وعلمه ووفور حكمته فَإِنَّهُ سبحانه بمقتضى سعة رحمته وتوفيقه سَيَهْدِينِ ويثبتني على جادة الهداية بأزيد مما هداني اليه من اجراء كلمة التوحيد على لساني
وَجَعَلَها سبحانه هذه الكلمة كَلِمَةً باقِيَةً مستمرة فِي عَقِبِهِ اى أولاد ابراهيم وذرياته الى يوم القيامة موروثة لهم لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ الى الله بكرامة هذه الكلمة ويوحدونه حق توحيده لذلك ما خلا زمان من الازمنة من موحدى هذه الذرية وممن يدعو منهم الى الحق وطريق توحيده وان كان منهم ايضا من يشرك بالله كمشركي قريش خذلهم الله كما قال سبحانه في شأنهم
بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ المسرفين المعاندين معك يا أكمل الرسل وَكذا متعت آباءَهُمْ كذلك بأنواع النعم واصناف الكرم حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ اى الطريق الموصل الى التوحيد الذاتي وَرَسُولٌ مرشد كامل مُبِينٌ مظهر موضح لهم طريق الهداية والرشد
وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ الحقيق بالاتباع قالُوا من فرط تعنتهم وعنادهم هذا الذي جاء به هذا المدعى يعنى محمدا صلّى الله عليه وسلم سِحْرٌ او شعر قد اختلقه من تلقاء نفسه ونسبه الى ربه افتراء وتغريرا وَبالجملة إِنَّا بِهِ وبدينه كافِرُونَ منكرون جاحدون
وَقالُوا من شدة شكيمتهم وغيظهم معك يا أكمل الرسل ومن غاية انكارهم بكتابك لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ ان كان نزوله من عند الله حقيقة عَلى رَجُلٍ ذي ثروة وجاه لائق بمرتبة النبوة والرسالة كائن مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ اى من احدى القريتين يعنى مكة والطائف عَظِيمٍ عند الناس بكثرة الأموال والأولاد والاتباع ليكون له اليد والاستيلاء على سائر الناس إذ منصب النبوة منصب عظيم يحتاج الى ثروة ووجاهة ومكنة تامة ورئاسة ظاهرة ولم يفهموا ان رتبة النبوة والولاية عبارة عن الغنى الذاتي المسقط لعموم الإضافات المنافية لصرافة الوحدة الذاتية وهو لا يكون الا بالتعري عن ملابس الأكوان ولوازم الإمكان بالمرة وبالتخلق بالأخلاق المرضية الإلهية
أَهُمْ باحلامهم السخيفة وتدبيراتهم الركيكة يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ يا أكمل الرسل ويضعون رتبة النبوة والرسالة الى من يقتضيه اوهامهم وخيالاتهم الباطلة وترتضيه نفوسهم الخبيثة العاطلة بل نَحْنُ بوفور حكمتنا قد قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ التي يحتاجون إليها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ومع تدبيرنا إياهم ومصالح معاشهم لا يحسنون تدبيرها فيما بينهم ليصلح امر ائتلافهم وتمدنهم فيها فكيف يخوضون في مصالح المعاد وتدبيراتها ومن اين يتأتى لهم التفوه في الأوضاع الألوهية والتدبيرات الربوبية الناشئة عن كمال العلم والحكمة والارادة الكاملة والقدرة الشاملة وَمن غاية قصورهم ونقصانهم عن تدبيرات معاشهم قد رَفَعْنا حسب حكمتنا وتربيتنا إياهم بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ بان فضلنا بعضهم على بعض في العقل الجزئى والرزق الصوري وغيره ليكون لهم الكبرياء والاستيلاء على البعض الآخر ولِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا اى يستعمل البعض العقلاء الأغنياء اجراء من البعض
وَلَوْلا مخافة أَنْ يَكُونَ النَّاسُ المجبولون على الكفر والنسيان أُمَّةً واحِدَةً مائلة الى الكفر منحرفة عن الايمان لَجَعَلْنا وصيرنا البتة لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ اى بسطنا على الكافرين من الزخارف الدنيوية ووفرناها عليهم الى حيث يتخذون لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مصنوعة متخذة مِنْ فِضَّةٍ وَكذا يعملون مَعارِجَ ومراقى منها عَلَيْها اى على سطوح بيوتهم يَظْهَرُونَ يصعدون ويعلون بتلك المعارج المعمولة من الفضة
وَكذا يعملون لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً منها بدل الألواح من الأخشاب وَكذا يتخذون منها سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ ترفها وتنعما
وَبالجملة لوسعنا عليهم حطام الدنيا الى حيث جعلنا لهم زُخْرُفاً وزينة وافرة كثيرة متخذة من الفضة والذهب يتزينون بها ويتلذذون بلذاتها الفانية وشهواتها الزائغة الزائلة المبعدة عن اللذات الباقية الاخروية كما نشاهد أمثال هذه من أبناء زماننا هذا احسن الله أحوالهم مع انهم يعدون أنفسهم من المؤمنين الموحدين لكن لو فعلنا كذلك لمال إليها المسلمون وتحسروا بما نالوا فضعف رأيهم في اتباع الدين القويم والتمشى على الصراط المستقيم وَبالجملة إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا الفانية لإقرار ولا مدار لما عليها من اللذات والشهوات الوهمية البهيمية الغير القارة وَبالجملة النشأة الْآخِرَةُ اى حظوظ النشأة الآخرة الباقية الدائمة لذاتها ازلا وابدا مستقرة عِنْدَ رَبِّكَ يا أكمل الرسل حاصلة لِلْمُتَّقِينَ الذين يحفظون نفوسهم عن التلطخ بقاذورات الدنيا الدنية والركون الى مزخرفاتها الفانية سوى سد جوعة ولبس خرقة وكسوة يدفعون بها ضرر الحر والبرد ولا يميلون الى ما سواها طلبا لمرضاة الله وهربا عن مساخطه
وَمَنْ يَعْشُ اى يعرض وينصرف عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ اى القرآن المبين له طريق الايمان والعرفان لفرط انهماكه باللذات والشهوات الفانية الدنيوية نُقَيِّضْ لَهُ ونسلط عليه شَيْطاناً يضله ويغويه ويوسوس عليه ويرديه وبالجملة فَهُوَ اى الشيطان لَهُ قَرِينٌ دائما يزين عليه المعاصي والمقابح ويغريه عليها الى ان يدخله في نار القطيعة والحرمان
وَإِنَّهُمْ اى جنود الشياطين واتباعه لَيَصُدُّونَهُمْ اى يذبونهم ويصرفونهم اى اتباعهم من الناس عَنِ السَّبِيلِ السوى الموضوع بالوضع الإلهي الموصل الى توحيده وَهم يَحْسَبُونَ من فرط عمههم وسكرتهم أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ بهداية قرنائهم من الشياطين مع انهم الغاوون الضالون باغوائهم واضلالهم بلا هداية ورشاد أصلا ولم يعلموا اضلالهم
حَتَّى إِذا جاءَنا اى الأعشى الأعمى وعلم ضلاله عنا وغوايته عن طريقنا قالَ متحسرا متأسفا لقرينه المضل المغوى متمنيا يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ اى بعد ما بين المشرق والمغرب فَبِئْسَ الْقَرِينُ أنت ايها المضل المغوى قد أضللتني عن الطريق القويم وابتليتني بالعذاب الأليم
وَقيل لهم حينئذ من قبل الحق لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ تمنيكم واسفكم إِذْ قد ظَلَمْتُمْ انفسكم في نشأة التدارك والتلافي والآن قد انقرضت أَنَّكُمْ وقرناءكم اليوم فِي الْعَذابِ المؤبد المخلد مُشْتَرِكُونَ كما انكم قد كنتم مشتركين في الأسباب الجالبة له في النشأة
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ اى أأنت تتخيل لنفسك انك تقدر على إسماع من جبل على الصمم في اصل فطرته أَوْ أنت تَهْدِي الْعُمْيَ المجبولين على العمى في مبدأ خلقته وَبالجملة انك لا تهدى مَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وغواية عظيمة جبلية فكيف تسعى أنت لهدايته وتبالغ في طلب المحال في إرشاده وتكميله إذ ليس في وسعك تغيير الخلقة وانما عليك البلاغ فليس في وسعك الا الإنذار والتبليغ فقط فقد أنذرت وبلغت الى متى تتعب نفسك وتسعى. ثم سجل سبحانه على أخذ المشركين والانتقام عنهم بقوله معرضا على حبيبه على وجه التأديب والتنبيه
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ اى ان نتوفينك يا أكمل الرسل ونخرجنك عن الدنيا قبل انتقامنا عنهم وأخذنا إياهم فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ البتة بعد مماتك ووفاتك
أَوْ نُرِيَنَّكَ العذاب الموعود الَّذِي وَعَدْناهُمْ للاعراض عنك وعن دينك وكتابك وبالجملة فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ قادرون على وجوه الانتقام عنهم حال حياتك او بعدها فلك ان لا تسعى في هدايتهم وإرشادهم وبعد ما قد أكد سبحانه انجاز الوعيد الموعود عليهم وبالغ فيه امر حبيبه صلّى الله عليه وسلّم بالتمكن والتثبت على مقتضى الوحى المنزل من عنده سبحانه فقال
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ من القواعد الشرعية الموضوعة بالوضع الإلهي واعتمد عليه ولا تلتفت إليهم ولا تبال باعراضهم إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى توحيد ربك
وَإِنَّهُ اى القرآن لَذِكْرٌ اى عظة وتذكير لَكَ وَلِقَوْمِكَ فعليكم ان تتعظوا به وبما فيه من الحكم والاحكام والعبر والأمثال والرموز والإشارات وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ عن قيامكم به وامتثالكم بما فيه وان عاند المشركون معك واستهزؤا بك وبكتابك ونسبوا دينك الى البدعة والاختلاق فلا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون وينسبونك اليه
وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا اى احبار قومهم وعلمائهم وفتش أحوالهم عن آثارهم واخبارهم وكتبهم الباقية بعدهم أَجَعَلْنا وأثبتنا في الكتب النازلة من لدنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ المنزه في ذاته عن الشركة والتعدد مطلقا آلِهَةً يُعْبَدُونَ اى هل حكمنا لهم وامرناهم باتخاذ آلهة سوى الحق الحقيق بالعبادة يعبدونهم كعبادة الله بل ما اتخذوا الآلهة المتخذة الزائغة الا بمقتضى آرائهم الباطلة واهويتهم الفاسدة وبالجملة ما عبدوا بعموم ما عبدوا الا ظلما وعدوانا وبغيا وطغيانا
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا أخاك مُوسى بِآياتِنا الدالة على توحيدنا إِلى فِرْعَوْنَ الطاغي الباغي المستعلى على من في الأرض وَمَلَائِهِ المعاونين له في طغيانه وعدوانه فَقالَ لهم موسى باذن منا وبمقتضى وحينا إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ قد أرسلني إليكم لأرشدكم الى طريق توحيده وأوضح لكم سبيل المعاد
فَلَمَّا جاءَهُمْ موسى مؤيدا بِآياتِنا اى بالخوارق والمعجزات الدالة على صدقه إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ اى فاجؤا على الضحك والاستهزاء أول رؤيتهم بالآيات بلا تأمل وتدبر فيها
وَالحال انه ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ من الآيات إِلَّا هِيَ اى الآية اللاحقة المرئية في الحال أَكْبَرُ واظهر دلالة على كمال قدرتنا وصدق نبينا مِنْ أُخْتِها اى من الآيات السابقة عليها ومع ذلك أنكروا على الكل واستهزؤا به عدوانا وظلما وَبعد ما بالغوا في العتو والعناد قد أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ العاجل من القحط والطاعون وغيرها لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ رجاء ان يرجعوا من انكارهم وإصرارهم عليه
وَمع ذلك لم يرجعوا
فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ بعد دعاء الأنبياء والرسل وتضرعهم نحونا راجين منا مناجين إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ اى هم قد فاجؤا على نقض ما عاهدوا بغتة مبادرين على الإنكار والعناد بلا تراخ وتأخير
وَمن كمال عتو فرعون الطاغي الباغي ونهاية عناده واستكباره نادى فِرْعَوْنُ بنفسه يوما من الأيام حين كان فِي مجمع قَوْمِهِ مباهيا بما معه من الجاه وسعة المملكة حيث قالَ يا قَوْمِ ناداهم ليسمعوا منه ويصغوا اليه سمع قبول أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ مع كمال وسعته وفسحته وكثرة مملكته وَهذِهِ الْأَنْهارُ الثلاثة المنشعبة من النيل هي نهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس تَجْرِي مِنْ تَحْتِي اى تحت تصرفى وملكي أَفَلا تُبْصِرُونَ ايها المجبولون على البصارة
أَمْ أَنَا اى بل انا خَيْرٌ مِنْ هذَا الساحر المدعى الَّذِي هُوَ مَهِينٌ رذل مهان لا عزة له ولا مقدار وَمع رذالته وسفالته لا يَكادُ يُبِينُ اى لا يقرب ان يظهر ويعرب كلامه للكنة في لسانه
فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ اى فلو كان مؤيدا من عند الله ومكرما لديه كما زعم هلا القى عليه اسورة مِنْ ذَهَبٍ تدل على عزته وكرامته عنده وسيادته عند الناس إذ العادة حينئذ ان اهل الرياسة والسيادة يسورون ويطوقون بأسورة متخذة من ذهب أَوْ هلا جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ من عند ربه مُقْتَرِنِينَ مجتمعين يعينونه فيما يعنيه
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ يعنى قد استخف فرعون قومه حيث لبس عليهم وسفههم وضعف أحلامهم بأمثال هذه الهذيانات فَأَطاعُوهُ وقبلوا منه جميع ما قال عتوا واستكبارا وبالجملة إِنَّهُمْ في أنفسهم قد كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ خارجين عن مقتضى العدالة الإلهية لذلك انحرفوا عن سواء السبيل واتبعوا ذلك الفاسق الطاغي وبالجملة
فَلَمَّا آسَفُونا وحملونا على القهر والغضب وحركوا الغيرة الإلهية بأمثال هذه الجرائم الفاحشة انْتَقَمْنا مِنْهُمْ بمقتضى قهرنا وجلالنا فَأَغْرَقْناهُمْ في اليم أَجْمَعِينَ ومحونا رسومهم عن وجه الأرض
فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً قدوة واسلافا قديمة للهالكين من هؤلاء المسرفين المفرطين وَصيرناهم مَثَلًا لِلْآخِرِينَ من اخلافهم المؤمنين الموحدين يمثلون بهم وبوقائعهم فيتعظون
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا يعنى لما ضرب ابن الزبعرى مثلا بعيسى عليه السلام حين نزلت كريمة انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم قال مجادلا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انك تزعم ان النصارى من اهل الكتاب وانهم يعبدون عيسى ويعتقدونه ابن الله والملائكة اولى بالمعبودية من عيسى فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والقوم لما سمعوا مجادلته ورأوا سكوت الرسول صلّى الله عليه وسلّم من كلامه فهموا منه الزام الرسول وافحامه فأوجسوا في نفوسهم اعراضا كما حكى عنهم سبحانه بقوله إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ اى من كلام ابن الزبعرى يَصِدُّونَ يعرضون وينصرفون عنك فرحا بانك قد صرت ملزما من كلامه
وَبعد ما اعرضوا عنك واعتقدوا إلزامك من ذلك الطاغي قالُوا اى قال بعضهم لبعض آلِهَتُنا التي قد كنا نعبد نحن وأسلافنا ايضا إياهم خَيْرٌ أَمْ هُوَ يعنون اله محمد الذي ادعى الرسالة من عنده وانما قالوا ما قالوا له تهكما
إِنْ هُوَ اى ما عيسى إِلَّا عَبْدٌ من جملة عبادنا قد أَنْعَمْنا عَلَيْهِ بمقتضى فضلنا وجودنا وأظهرنا على يده من المعجزات الباهرة والخوارق الظاهرة الدالة على كمال قدرتنا وَجَعَلْناهُ مَثَلًا عجيبا وشأنا بديعا لِبَنِي إِسْرائِيلَ يسير بينهم امر وجوده بلا أب وظهور الخوارق الغريبة عنه سيما في حال صباه وإرهاصات امه كالمثل السائر كل ذلك من كمال قدرتنا وعلمنا ومتانة حكمتنا
وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ ايضا وانشأنا بدلكم مَلائِكَةً يسكنون فِي الْأَرْضِ مكلفين بالعبادة والعرفان أمثالكم وإذا انقرض طائفة منهم يَخْلُفُونَ أمثالهم أمثالكم الى ما شاء الله يعنى لا تتعجبوا من شأن عيسى وظهوره على الوجه الأبدع الأغرب بل تأملوا وتدبروا في كمال قدرة المبدع ووفور حكمته وجوده إذ هو سبحانه قادر على اظهار امور عجيبة وشئون شتى بديعة لا تعد ولا تحصى ومن جملتها ظهور عيسى وما صدر عنه من الخوارق بل كل من وصل بعالم القلب وحصل دون الكشف والشهود واليقين الحقي مترقيا من المشاهدات العادية والمحسوسات الالفية ظهر له ولاح عليه ان كل ما لمع عليه برق الوجود وتشعشع منه بمقتضى الجود انما هو على وجه غريب وشأن عجيب ثم قال سبحانه
وَإِنَّهُ اى شأن الظهورات المنبه عليها والتطورات المشار بها لَعِلْمٌ اى دليل لائح وبرهان واضح لِلسَّاعَةِ الموعودة المعهودة فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وبقيامها ووقوعها وَبالجملة اتَّبِعُونِ في جميع ما أنزلت لكم في كتبي وعلى ألسنة رسلي وأطيعوا امرى وأمرهم واعلموا ان هذا الذي قد اشرناكم اليه صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ فاسلكوا فيه لعلكم تهتدون الى توحيدي وتفوزون بالفوز العظيم
وَعليكم محافظة الحدود الشرعية والمعالم الدينية حتّى لا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ ولا يصرفنكم عنها ولا يوقعنكم في فتنة عظيمة وبلية شديدة إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة شديد الخصومة يضلكم عن جادة التوحيد ويوقعكم في العذاب الشديد. أعاذنا الله وعموم عباده من فتنته
وَكيف لا يكون عيسى عبدا من عبادنا اذكر لهم يا أكمل الرسل لَمَّا جاءَ عِيسى الى بنى إسرائيل من عندنا مؤيدا بِالْبَيِّناتِ الباهرة الظاهرة التي ما ظهر مثلها من نبي من الأنبياء قالَ مظهرا لهم الدعوة الى طريق الحق وتوحيده قَدْ جِئْتُكُمْ من عند ربي بِالْحِكْمَةِ المتقنة البالغة وَانما جئتكم لِأُبَيِّنَ أوضح واظهر لَكُمْ طريق العبودية والعرفان سيما بَعْضَ الَّذِي اى بعض المعالم الدينية الذي أنتم تَخْتَلِفُونَ فِيهِ وفي نزوله في كتب الله وعدم نزوله فيها فَاتَّقُوا اللَّهَ أولا حق تقاته وَأَطِيعُونِ فيما جئت لكم
إِنَّ اللَّهَ المتوحد المتفرد بالالوهية والربوبية هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ دبر امرى وأمركم وبينه في كتابه فَاعْبُدُوهُ بمقتضى وحيه وانزاله واعلموا ان هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ موصل الى توحيده الذي أنتم لأجله جبلتم ان كنتم مؤمنين موقنين وبعد ما تم امر الدعوة والتبليغ
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ وتفرقوا تفرقا ناشئا مِنْ بَيْنِهِمْ اى من بين قومه المبعوث إليهم بعد ما دعاهم الى طريق الحق وتوحيده وهداهم الى صراط مستقيم فَوَيْلٌ عظيم وعذاب شديد يتوقع لِلَّذِينَ ظَلَمُوا خرجوا عن مقتضى العبودية المأمورة لهم بالوحي الإلهي مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ مؤلم في غاية الإيلام
هَلْ يَنْظُرُونَ اى ما ينظرون وينتظرون أولئك المفسدون المفرطون إِلَّا السَّاعَةَ الموعود
الْأَخِلَّاءُ والأحباء يَوْمَئِذٍ من شدة الهول والفزع بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إذ يتذكرون حينئذ ما جرى بينهم من المعاونة والمشاركة في الاعراض عن الله وكتبه ورسله وعدم الانقياد والإطاعة للدين إِلَّا الْمُتَّقِينَ اى الا الأحباء الذين تحابوا في الله وتشاركوا في طريق توحيده سبحانه مع خلص عباده الذين اتقوا عن محارمه طلبا لمرضاته ثم التفت سبحانه الى الخطاب لخلص عباده فقال مناديا لهم على رؤس الاشهاد
يا عِبادِ ناداهم سبحانه وأضافهم الى نفسه اختصاصا لهم وتكريما لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ لخوفكم عن مقتضى قهرنا وجلالنا في النشأة الاولى وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ اليوم لتصبركم على الشدائد ومقاساة الأحزان في طريق الايمان في دار الابتلاء وهؤلاء البررة المبشرون هم
الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا المنزلة على رسلنا وامتثلوا بمقتضاها وَبالجملة قد كانُوا مُسْلِمِينَ منقادين مطيعين مفوضين أمورهم كلها الى الله راضين بعموم ما قضى عليهم وكتب لهم من المنح والمحن لذلك نودوا حينئذ من قبل الحق على سبيل البشارة والكرامة
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ المعدة لخلص أوليائنا الذين قد اتخذونا وكيلا واخذونا رقيبا وكفيلا أَنْتُمْ اصالة وَأَزْواجُكُمْ اى نساؤكم المؤمنات المتوكلات الراضيات المرضيات بما قسم لهن المجتنبات عن محارم الله تبعا لكم حال كونكم تُحْبَرُونَ تبتهجون وتسرون فيها على وجه يظهر اثر البهجة والمسرة على وجوهكم ويلوح من سيماكم وبعد ما تقرروا في مقام العز والتكريم وتمكنوا في مكان التبجيل والتعظيم
يُطافُ عَلَيْهِمْ اى يطوف حولهم خدمة الجنة بِصِحافٍ جمع صحفة وهي القصعة الكبيرة المتخذة مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ جمع كوب وهو الكوز الذي لا عروة له ايضا متخذة منه وَبالجملة لهم فِيها اى في الجنة ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ من اللذات والشهوات المدركة بآلاتها وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ اى من المحسوسات التي استحسنتها العيون فيها واستلذذن بها وَبالجملة أَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ دائمون لا تتحولون منها ابد الآبدين
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أنتم تفوزون بها قد أُورِثْتُمُوها أنتم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الأعمال المصورة بها الناتجة لها المأمورة لأجلها وبالجملة
لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ من المستلذات الروحانية والجسمانية مِنْها تَأْكُلُونَ ومنها تتفكهون وتتلذذون جزاء بما كنتم تعملون. ثم قال سبحانه على مقتضى سنته السنية المستمرة
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ المنهمكين في بحر الجرائم والمعاصي فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ على عكس خلود اصحاب الجنة في الجنة بحيث
لا يُفَتَّرُ ولا يخفف عَنْهُمْ من عذابها بل وَهُمْ فِيهِ اى في العذاب الدائم المستمر مُبْلِسُونَ آيسون من الخلاص والنجاة
وَبالجملة ما ظَلَمْناهُمْ بانزال العذاب عليهم واستمراره وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ أنفسهم المقصورين على الخروج والعدوان عن مقتضى الحدود الموضوعة فيهم لتحفظهم من العذاب والنكال
وَمن شدة العذاب وقلة التصبر وفرط الفزع والجزع نادَوْا صارخين صائحين يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ اى سل ربك ان يقضى علينا بالمقت والهلاك إذ لا طاقة لنا اليوم بالعذاب وهوله وشدته ثم لما بثوا شكواهم هكذا مرارا وصاحوا صارخين فزعين تكرارا قالَ قائل مجيبا لهم من قبل الحق على سبيل الاستبعاد والتأبيد هيهات هيهات إِنَّكُمْ ماكِثُونَ لا نجاة لكم عنها لا بالموت ولا بالخلاص والتخفيف بل كلما نضجت جلودكم بدلنا لكم جلودا غيرها وعذبناكم باشد العذاب وكيف لا نعذبكم
لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ اى بالسبيل السوى والطريق الحق الثابت الحقيق بالاطاعة والاتباع فانصرفتم عنه وانكرتم عليه ولم تلتفتوا اليه بل وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ بعد ما تفطنوا لِلْحَقِّ وتنبهوا بحقيته كارِهُونَ لقبوله والامتثال لمقتضاه وهم مع كمال كراهتهم للحق وانصرافهم عنه لا يقتصرون عليها
أَمْ أَبْرَمُوا اى بل احكموا وقطعوا أَمْراً حكما مبرما مكرا وخديعة لرد الحق وتكذيب اهله فَإِنَّا ايضا حسب قهرنا وجلالنا مُبْرِمُونَ حاكمون حكما قطعيا بانزال العذاب المخلد عليهم جزاء لمكرهم وخداعهم أيشكون ويترددون انا لا نقدر على أخذهم وانتقامهم
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ ولا نعلم ولا ندرك سِرَّهُمْ الذي يخفونه في ضمائرهم وَنَجْواهُمْ الذي هم يتناجون به في هواجس نفوسهم بَلى انا عالمون بعموم ما جرى ويجرى في سرائرهم وضمائرهم مطلعون بجميع ما صدر من استعداداتهم وقابلياتهم وَمع احاطة علمنا بهم وبأحوالهم رُسُلُنا لَدَيْهِمْ وحفظتنا عندهم يَكْتُبُونَ جميع ما صدر عنهم نقيره وقطميره حتى نحاسبهم عليه ونجازيهم بمقتضاه. ثم لما شاع قول اليهود والنصارى بولدية عزير وعيسى ومال نحوه أولوا الأحلام الضعيفة منهم ومن غيرهم رد الله عليهم على ابلغ وجه وآكده بأن امر حبيبه صلّى الله عليه وسلّم بالقول على سبيل الفرض والتقدير
قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما بالغوا في هذه القرية البعيدة بمراحل عن الحق المستحيلة في نفسها إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ اى ان صح وجاز ان يكون له ولد متصف ببنوته فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ لابنه إذ أنا اعلم الناس بلوازم الألوهية واحفظهم بحقوق الربوبية ان كان له سبحانه ولد أنا أحق بعبوديته وتعظيمه من جميع بريته
سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ اى تنزه وتعالى شأن من هو مربى العلويات والسفليات المتصف بالاحاطة التامة والاستيلاء الكامل الشامل على عروش عموم المظاهر بالاستقلال والانفراد عَمَّا يَصِفُونَ به أولئك الواصفون المكابرون من نسبة الولد والمولود له سبحانه تعالى شأنه عما يقول الظالمون علوا كبيرا وبعد ما انكشفت أنت يا أكمل الرسل بحقية الحق ووحدته وصمديته
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا في أباطيلهم ويستغرقوا في ضلالهم وغفلاتهم وَيَلْعَبُوا بمقتضيات اوهامهم وخيالاتهم حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ بملاقاته وبلحوق ما فيه من انواع العقوبات والنكبات
وَكيف يتخذون له سبحانه ولدا ويثبتون له شريكا مع انه سبحانه هُوَ الواحد الأحد الفرد الصمد الَّذِي فِي السَّماءِ اى عالم الأسماء والصفات إِلهٌ يعبد له ويرجع اليه مع صرافة وحدته الذاتية وَفِي الْأَرْضِ اى عالم الطبيعة والهيولى إِلهٌ كذلك بلا تعدد وتغير في ذاته وَبالجملة هُوَ الْحَكِيمُ على الحكمة المتقنة البالغة لا حاكم سواه الْعَلِيمُ المقصور على العلم الكامل الشامل المحيط بعموم ما لاح عليه بروق تجليات الوجود وشروق شمس الذات
وَتَبارَكَ وتعالى اى تعاظم وتعالى ذات القادر العليم الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى العلويات والسفليات وَما بَيْنَهُما من المركبات والممتزجات ان يكون معروضا للتعدد ومحلا للشركة والمظاهرة بل له ان يتصرف في ملكه وملكوته ويدبر فيهما تدبيرا وتصرفا على وجه الاستقلال بالإرادة والاختيار وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الموعود قيامها من لدنه سبحانه وَبالجملة إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ في النشأة الاخرى رجوع الاظلال الى الأضواء والأمواج الى الماء
وَبعد ما ثبت وحدة الحق واستقلاله في ملكه وملكوته لا يَمْلِكُ ولا يقدر الآلهة الباطلة الَّذِينَ يَدْعُونَ ويعبدون لهم أولئك المشركون
وَالله يا أكمل الرسل لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ اى المشركين مَنْ خَلَقَهُمْ وأوجدهم من كتم العدم ومن اظهر أشباحهم منه لَيَقُولُنَّ اللَّهُ الموجد المظهر للكل إذ لا يمكنهم المكابرة والعناد في أمثال هذه الظواهر فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ والى اين يصرفون بعد ما اعترفوا باستقلاله سبحانه في الخلق والإيجاد وكيف يشركون معه غيره في استحقاق العبادة والرجوع اليه في الخطوب والمهمات
وَقِيلِهِ يعنى لا بد وان يكون من جملة قوله ومقوله صلّى الله عليه وسلّم في مناجاته مع ربه في شأن قومه حين ايس عن ايمانهم بعد ما بالغ في إرشادهم وتكميلهم مناديا متضرعا الى الله متعجبا من كمال قسوتهم وانهماكهم في البغي والضلال يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ البعداء عن جادة الهداية والرشد قَوْمٌ متناه في الغفلة والاعراض عنك لا يُؤْمِنُونَ بك وبتوحيدك ولا يقبلون منى دعوتي ولا يسمعون قولي وبعد ما قد تضرع وناجى صلّى الله عليه وسلّم مع ربه قيل له من قبل الحق على طريق الوحى والإلهام
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ يا أكمل الرسل واعرض عن هدايتهم وانصرف عن إرشادهم وتربيتهم فإنهم مجبولون على الغواية مطبوعون بالكفر والضلال وَبعد ما أيست منهم بأسا كليا قُلْ على سبيل التوديع والمتاركة سَلامٌ وتسليم منا على ما جاءنا من الحق فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أنتم ايها المسرفون وبال ما تعملون وتدخرون لنفوسكم من الزخائر الجالبة لانواع العقوبات. نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
خاتمة سورة الزخرف
عليك ايها الموحد القاصد لتحقيق الحق الحقيق بالاطاعة والاتباع ان تصفى هممك في عموم حالاتك عما سوى الحق وتخلى خلدك عن مطلق الشواغل العائقة عن التوجه الحقيقي نحوه وتستقيم على صراط التوحيد مستويا مائلا عن كلا طرفي الإفراط والتفريط مقتصدا معتدلا إذ مرجع جميع الطرق والسبل السوية الى العدالة الإلهية الفائضة منه سبحانه على أراضي استعدادات عموم القوابل والمجالى حسب قابلياتهم الفطرية التابعة للتجليات الإلهية وشئونه المتفرعة على أسمائه وصفاته الذاتية وتقتفى في تهذيبك وتصفيتك هذا اثر النبي المجبول على العدالة الإلهية وعلى فطرة خلافته ونيابته وعليك ان تعرض عمن اعرض عن الحق واهله وانحرف عن سواء السبيل. جعلنا الله وعموم عباده من زمرة اهل الهداية واليقين وجنبنا من الضلال عن الطريق المستبين بمنه وجوده
[سورة الدخان]
فاتحة سورة الدخان
لا يخفى على ارباب الكشف والشهود من المنجذبين نحو الحق في عموم أوقاتهم وحالاتهم سيما في أوائل ايام الطلب والارادة المنبعثة عن المحبة الغالبة الجالبة للميل والركون الى المبدأ الحقيقي والمنشأ الأصلي ان الحالات الطارية على ارباب الطلب والارادة في تلك الأوقات متفاوتة قبضا وبسطا تلذذا وتحزنا تلونا وتمكنا وبالجملة لا طمأنينة للسالك في تلك الأوقات المتواردة عليه الى ان تصفو له الحالات