تفسير سورة الفتح

حومد
تفسير سورة سورة الفتح من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد .
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

(١) - نَزَلَتْ هذِهِ السُّورَةُ وَرَسُولُ الله ﷺ في طَريقِهِ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ إِلى المَدِينَةِ، بَعْدَ أَنْ أَبْرَمَ مَعَ قُرَيشٍ وَثِيقَةَ الصُّلْحِ المَعْرُوفِ بِصُلْحِ الحُدَيْبِيةِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: (إنَّكُم تَعُدُّون الفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَنَحْنُ نَعُدُّ الفَتْحَ صُلْحَ الحُدَيْبِيَةِ).
وَفِي هذهِ السُّورَةِ يَقُولُ اللهُ تَعَالى لِرَسُولِهِ ﷺ، إِنَّهُ فَتَحَ لَهُ فَتْحاً ظَاهِراً مُبِيناً بِعَقْدِ الصُّلحِ في الحُدَيْبِيَةِ مَعَ قُرَيشٍ، إِذْ أمِنَ النَّاسُ، وَاجْتَمَعَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضِ، وَتَكَلَّمَ المُؤْمِنُ مَعَ الكَافِرِ، وَتَسَابَقَ العَرَبُ إلى الدُّخُولِ في دِينِ اللهِ أَفْواجاً، حَتَّى إِذا كَانَ بَعْدَ عَامَينِ سَارَ رَسُولُ اللهِ لِفَتْحِ مَكَّةَ في عَشَرَةِ آلافِ مُقَاتِلٍ، أكْثَرُهُمْ دَخَلَ الإِسْلاَمَ بَعْدَ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ.
﴿صِرَاطاً﴾
(٢) - لِيَغْفِرَ اللهُ لَكَ جَمِيعَ مَا صَدَرَ عَنْكَ مِنَ الذُّنوبِ وَالهَفَوَاتِ، قَبْلَ الرِّسَالةِ وَبَعْدَها، وَيُتِمَّ رَبُّكَ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بِإِعْلاءِ شَأْنِكَ وَشَأْنِ الإِسْلامِ، وانتِشَارِهِ في البُلْدَانِ، وَرَفْعِ ذِكْرِكَ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ، وَيُرْشِدَكَ رَبُّكَ طَرِيقاً مِنَ الدِّينِ لا اعْوِجَاجَ فِيهِ، بِما يَشْرَعُهُ لَكَ مِنَ الشَّرْعِ، وَالدِّينِ القَوِيمِ.
(٣) - وَيْنَصُرُكَ اللهُ عَلَى مَنْ عَادَاكَ نَصْراً ذَا عِزَّةٍ.
﴿إِيمَاناً﴾ ﴿إِيمَانِهِمْ﴾ ﴿السماوات﴾
(٤) - كَانَ مِنْ شُرُوطِ صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ شَرْطَانِ تَرَكَا أَثَراً فِي نُفُوسِ المُؤْمِنِينَ:
١- أَنْ لاَ يَدْخُلَ المُسْلِمُونَ مَكَّةَ عَامَهُمْ ذَاكَ، وَأَنْ يَأتُوا مُعْتَِرينَ فِي العَامِ، الذِي يَلِيهِ.
٢- أنْ يَرُدَّ المُسْلِمُونَ مَنْ جَاءَهُمْ مِنْ قُرَيشٍ مُسْلِماً إِلى قَوْمهِم، وَأَنْ لاَ تَرُدَّ قُرَيشٌ مَنْ جَاءَها مِنَ المُسْلِمِينَ مُرْتَداً عَنِ الإِسْلامِ.
وَظَنَّ بَعْضُ المُسْلِمِين أَنَّ في هذينِ الشَّرْطِينِ غبْناً لِلمُسْلِمِينَ، حَتّى إِن رَسُولَ اللهِ لَمَّا أَمرَ المُسْلِمِينَ بِنَحْرِ الهَدْيِ، وَبِحَلقِ شُعُورِهِمْ، لَمْ يَمْتَثِلوا لأَمْرِهِ في بَادئِ الأَمرِ، فَقَدْ ثَارَتْ في نُفُوسِهِمِ الحَمِيَّةُ للإِسْلامِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهم، وَلِيَزْدَادُوا يَقِينا في دِينِهمْ بِطَاعَةِ اللهِ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَاللهُ تَعَالى هُوَ الذِي يُدَبِّرُ أمرَ الكَوْنِ، فَيَجْعَلُ جَمَاعةً مِنْ جُنْدِهِ يُقَاتِلُون لإِعْلاَءِ كَلِمَةِ الحَقِّ، وَيَجْعَلُ غَيْرَهم يُقَاتِلُونَ في سَبيلِ الشَّيْطَانِ، وَلَوْ شَاءَ اللهُ لأَرْسَلَ عَلَيْهِم جُنْداً مِنَ السَّماء يَقْضُونَ عَلَيهم، لكِنَّهُ سُبْحَانَه وَتَعَالى شَرَعَ الجِهَادَ والقِتَالَ لما في ذلِكَ مِنَ المَصْلَحَةِ التِي لاَ يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ، وَاللهُ عَلِيمٌ بِالأُمُورِ، حَكِيمٌ في شَرْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ.
السَّكِينَةَ - السُّكُونَ وَالطُّمَأْنِينَةَ.
﴿المؤمنات﴾ ﴿جَنَّاتٍ﴾ ﴿الأنهار﴾ ﴿خَالِدِينَ﴾
(٥) - وَإِنما قَدَّرَ اللهُ تَعَالى ذَلِكَ لِيَعْرِفَ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ نِعْمَةَ اللهِ، وَيَشْكُرُوهَا فَيَدْخُلُوا الجَنَّةَ لِيَبْقَوْا فِيها خَالِدِينَ أَبداً، وَلِيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ بِأَعْمَالِهم الصَّالِحةِ، وفي ذلِكَ ظَفَرٌ لَهُم بِما يَرْجُونَ، وَمَا يَسْعَوْنَ إِليهِ، وَهذا الظَّفَرُ بِالبْغِيةِ، وَدُخُولُ الجَنَّةِ، هُوَ الفَوزُ العَظيمُ.
﴿المنافقين﴾ ﴿المنافقات﴾ ﴿المشركات﴾ ﴿دَآئِرَةُ﴾
(٦) - وَلِيُعَذِّبَ اللهُ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ، وَالمُشْرِكِينَ بِرَبِّهمِ وَالمُشْرِكَاتِ، في الدُّنيا بالقَهْرِ والغَلَبةِ، وَبِتَسْلِيطِ النَّبِيِّ وَالمُسْلِمِينَ عَلَيهِمْ، وفي الآخِرَةِ بِالعَذَابِ الأَليمِ في نَارِ جَهَنَّمَ، وَقَدْ كَانَ هؤلاءِ المُنَافِقُونَ وَالمُشْرِكُونَ يَظُنُّونَ أَنَّ اللهَ لَنْ يَنْصُرَ الرَّسُولَ وَالمُؤْمِنينَ عَلَى الكَافِرينَ، وَكَانُوا يَتَرَبَّصُونَ بِهِمِ الدَّوائِر وَقَدْ دَعَا اللهُ سُبْحَانَهُ عَلَى هؤُلاءِ بِأَنْ تَدُورَ عَلَيهِمْ أَحْدَاثُ الزَّمَنِ بِالسَّوْءِ، وأَنْ تَنْزِلَ بِهِمِ النَّكَبَاتُ وَالمَصَائِبُ، ثُمَّ لَعَنَهم اللهُ وَغَضِبَ عَلَيهِمْ، وَأَنْذَرَهُم بِأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أليماً في نَارِ جَهَنَّمَ، وَسَاءَتْ جَهَنَّمُ مَصِيراً يَصِيرُ إِليهِ المُنَافِقُونَ وَالمُشْرِكُونَ.
ظَنَّ السَّوْءِ - ظَنَّ الأَمْرِ الفَاسِدِ المَذْمُومِ.
عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ - دُعَاءٌ عَلَيهِمْ بِالهَلاَكِ وَالدِّمَارِ.
﴿السماوات﴾
(٧) - يٌؤكِّدُ اللهُ تَعَالى قُدْرَتَهُ عَلَى الانْتِقَامِ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَأَعْدَاءِ رَسُولِهُ، المُنَافِقِينَ وَالمُشْرِكِين، فَقَالَ تَعَالى: إِنَّهُ يَمْلِكُ جُنُودَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ مِنَ المَلاَئِكَةِ والإِنْسِ، والجَنِّ، والصَّيْحَةِ، وَالرَّجْفَةِ، والزَّلاَزِلِ والفَيَضَانَاتِ، والرِّيحِ العَقِيمِ.. فإِذا شَاءَ أَنْ يُهلِكَ أَعْدَاءَهُ سَلَّطَ بَعْضَ هؤْلاءِ الجُنُودِ عَلَيهِم فَأهْلَكَهُمْ وَاللهُ غَالِبٌ لا يُرَدُّ بَأسُهُ، حَكِيمٌ في شَرْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ.
﴿أَرْسَلْنَاكَ﴾ ﴿شَاهِداً﴾
(٨) - إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحمَّدُ شَاهِداً عَلَى الخَلْقِ فِيما أَجَابُوكَ بِه عَلَى دَعْوَتِكَ إِيَّاهُمْ للإِيمَانِ باللهِ، فَتُبَشِّر المُؤْمِنينَ الذِينَ استَجَابُوا للهِ وَلِرَسُولِهِ بِأنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ في الآخِرَةِ، والثَّوابَ الحَسَنَ، وَتُنْذِرَالمُكَذِّبينَ المُعْرِضِينَ عَمَّا دَعَوْتَهُمْ إِليهِ، بِعَذابٍ أليمٍ في نَارِ جَهَنَّمَ.
(٩) - فآمِنُوا يَا أَيُّها النَّاسُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وانْصُرُوا دِينَه وَعَظَّمُوهُ، وَنَزِهُوهُ عَمَّا لا يَليِقُ بِجَلاَلِهِ في الغُدَوِّ والعَشِيِّ.
عَزِّرُوهُ - انْصُرُوهُ بِتَفَانٍ.
وَقِّرُوهُ - عَظَّمُوهُ وَبَجِّلُوهُ.
بُكْرَةً وَأَصِيلاً - فِي الغَدُوِّ والأَصَائِلِ أَيْ فِي جَميعِ أَوْقَاتِ اليَومِ.
﴿عَاهَدَ﴾
(١٠) - حِينَما وَصَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلى الحُدَيْبِيَةِ مُعْتَمِراً (وَالحُدَيْبِيَةُ قَرْيَةٌ عَلَى مَسِيرَةٍ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَكَّةَ)، مَعَ ألفٍ وَأَرْبَعِمِئَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، دَعَا خُراشَ بْنَ أُميَّةَ الخزَاعِي فَبَعَثَهُ إِلى قُرَيشٍ، بِمَكَّةَ لِيُبَلِّغَ أَشْرَافَهُمْ عَنْهُ مَا جَاءَ لأَجْلِهِ، فَعَقَرَتْ قُرَيشٌ الجَمَلَ، وَأَرَادُوا قَتْلَ خُراشٍ فَمَنَعَتْهُ الأَحَابِيشُ، فَخَلُّوا سَبِيلَه، فَعَادَ إِلى رَسُولِ اللهِ، وَأَخْبَرَه بِمَا جَرَى. وَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ يُرْسِلَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، فاعْتَذَرَ بَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَقَارِبُ في مَكَّةَ يَمْنَعُونَهُ، وَدَلَّه عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَاسْتَدْعَاهُ إِليهِ وَأَرْسَلَهُ إِلى أَبي سُفْيَانَ وأَشْرافِ قُرَيشٍ، يُخْبِرْهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَأْتِ لِحَربٍ، وَإِنما جَاءَ زَائِراً لِلْبَيتِ، مُعْتَمِراً، فَلَقِيَهُ أَبَانُ بَنُ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ، حِينَ دَخَلَ عُثْمانُ مَكَّةَ، فَجَعَلَهُ في جِوَارِه حَتَّى فَرَغَ مِنْ إِبلاغِ رِسَالَتِهِ، ثُمَّ إِنَّ قُرَيشاً احْتَبَسَتْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عِنْدَهُمْ فشَاعَ بَينَ المٌسْلِمينَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ، فَقَالَ الرَّسُولُ: لاَ نَبْرَحُ حَتَّى نُنَاجِزَ القَوْمَ.
وَدَعَا النَّاسَ إِلى البَيْعَةِ فَكَانت بَيْعَةُ الرِّضْوانِ تَحْتَ شَجرةٍ كَانَتْ هُنَاكَ، وَبَايَعَهُ النَّاسُ عَلَى أَلاَّ يَفِرُّوا أَبداً. وَلَم يَتَخَلَّفْ عَنِ البَيْعَةِ إِلا الجَدُّ بْنُ قَيْسٍ، وَهُوَ مُنَافِقٌ مِنَ الأنْصَارِ. وَعَلِمَتْ قُرَيشٌ بِالبَيْعَةِ فَخَافَتْ وَأَرْسَلَتِ الرُّسُلَ إِلى النَّبِيِّ يَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ وَالمُوادَعَةَ، فَتَمَّ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ الرَّسُولُ وَالمُسْلِمُونَ هذا العَامَ، وَلاَ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، وَأَنْ يَحُجَّ في العَامِ القَادمِ، وَعَلى أَنْ يَقُومَ صُلْحٌ بَينَ الرَّسُولِ وَقُريشٍ مُدَّتُهُ عَشْرُ سَنَواتٍ.
وَفِي هذهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ يَتَحَدَّثُ اللهُ تَعَالى عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ التي تَمَّتْ تَحْتَ الشَّجَرةِ، فَيقُولُ لِرَسُولِهِ ﷺ: إِنَّ الذِينَ يُبَايِعُونَكَ في الحُديبيَةِ مِنْ أَصْحابكَ عَلَى أَلاَّ يَفرُّوا مِنَ المَعْرَكَةِ، وَلا يُوَلُّوا الأَدْبَارَ، إِنَّما يُبَايُعونَ اللهَ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّاكَ، واللهُ حَاضِرٌ مَعَهُم، وَهُمْ يَضَعُونَ أَيديَهم في يَدِكَ مُبَايِعِينَ، يَسْمَعُ أَقْوالَهُم، وَيَرَى مَكانَهُمْ، وَيَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَجَهْرَهُمْ، فَهُوَ تَعَالى المُبَايُع بِوَاسِطَةِ رَسُولِهِ، وَيَدُهُ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ.
وفي الحديث: " مَنْ سَلَّ سَيْفَهُ في سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ بَايعَ ".
فَمَنْ نَقَضَ البَيْعَةَ التِي عَقَدَهَا مَعَ النَّبِيِّ فإِنَّ ذَلِكَ إِنَّما يَعُودُ عَلَيهِ، وَلاَ يَضرُّ بالنَّكْثِ وَالإِخْلاَفِ إِلا نَفْسَهُ.
أَمَّا مَنْ أوفى بَعَهدِ البَيْعَةِ فإِنَّ لَهُ عِنْدَ اللهِ الأَجْرَ والمَثُوبَة في الآخِرَةِ وَيُدْخِلُه الجَنَّةَ لِيبْقَى فِيها خَالِداً.
نَكَثَ - نَقَضَ العَهْدَ أَوِ البَيْعَةَ.
﴿أَمْوَالُنَا﴾
(١١) - لمَا اتَّجَهَ رَسُولَ اللهِ ﷺ إِلى مَكَّةَ مَعْتَمِراً عَامَ الحُدَيْبِيَةِ اسْتَنْفَرَ القَبَائِلَ المُسْلِمَةَ التِي تَقِيمُ حَوْلَ المَدِينةِ، فَنَفَر أًُنَاسٌ وَتَبَاطَأ أُنَاسٌ وَكَانَ مِمَّنْ تَبَاطَأَ واعْتَذَرَ عَنِ الخُرُوجِ مَعَهُ: قَبَائِلُ جُهَينَةَ وَمُزَيْنَةَ وَغِفَارٍ وَأَشْجَعَ وَأسْلَمَ، وَقَالُوا للرَّسُولِ مُعتَذرينَ:
إِنَّ أَمْوَالهم وَأَهْلِيهمْ قَدْ شَغَلَتْهُمْ عَنِ الخُرُوجِ مَعَهُ، وَلكِنَّهُمْ في الحَقِيقَةِ كَانُوا ضِعَافَ الإِيمَانِ، خَائِفِينَ مِنْ مُواجَهَةِ قُريشٍ وَثَقيفٍ وَكِنَانَةَ وَالقَبائِلِ المُحَالِفَةِ لقريشٍ حوْلَ مَكَّةَ. وَقَالَ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ:
كَيفَ نَذْهَبُ إِلى قَوْمٍ غَزَوْهُ في عُقْرِ دَارهِ بِالمَدِينةِ فَنُقَاتِلُهُم؟ وَقَالُوا: لَنْ يَرْجِعَ مُحمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ مِنْ هذِه السَّفْرَةِ، فَأَنزَلَ اللهُ تَعَالى هذِهِ الآيةَ يَفْضَحُهُم فِيها.
وَمَعْنَى الآيةِ: سَيَقُولُ لَكَ الذِينَ تَخَلَّفُوا مِنَ الأَعْرَابِ عَنْ صُحْبَتِك إِلى مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ: لَقَدْ شَغَلَتْنا عَنِ الخُرُوجِ مَعَكَ رِعَايةُ أَمْوالنا وَأَهْلِينا، فَاسْتَغْفِرْ لَنَا اللهَ رَبَّكَ، إِذْ لَمْ يَكُنْ تَخَلُّفُنا عَنْ مُخَالَفَةٍ لأَمْرِكَ.
وَيَرَدُّ اللهُ تَعَالى عَلَيهم مُكَذِّباً فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُم لَيْسُوا بِصَادِقينَ في قَوْلِهِمْ إِنَّ سَبَبَ امْتِنَاعِهِمْ عَنِ الخُرُوجِ هُوَ رِعَايَةُ مُصَالِحِ أَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَإِنَّهُم إِنَّما تَخَلَّفُوا لاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ وَالمُؤْمِنِينَ سَيُغْلَبُونَ، وَأَنَّهُمْ لَنْ يَرْجِعُوا مِنْ سَفَرِهِمْ هذا أَبَداً.
ثُمّ أَمَرَ اللهُ تَعَالى الرَّسُولَ الكَرِيمَ بأَنْ يَقُولَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ قَعدَتُمْ ظَنّاً مِنْكُمْ أَنّ في القُعُودِ السَّلامَةَ، وَلكِنْ إِذا أَرَادَ اللهُ بِكُمْ شَرّاً وَسُوءاً فَلَنْ يَنْفَعَكُمُ القُعُودُ شَيئاً، وَإِذا أَرَادَ بِكُمْ خَيْراً فَلاَ رَادَّ لِقَضَائِهِ. وَاللهُ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّهُ العِبَادُ، وَمَا يَعْلِنُونَهُ، وَلاَ يَخْفَى عَلَيهِ مِنْ أُمُورِهِمْ شَيءٌ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُم إِنَّما تَخَلَّفُوا شكاً وَنِفَاقاً وَضَعْفَ إِيمانٍ.
المُخَلَّفُون - المُتَخَلِّفُونَ عَنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ إِلى الحُدَيْبِيَةِ.
(١٢) - فَقَدْ كَانَ سَبَببَ قُعُودِكُمْ هُوَ اعْتِقَادُكُم أَنَّ الرَّسُولَ والمُؤْمِنينَ سَيُقْتَلُونَ، وَسَتُستَأْصَلُ شَأْفَتُهُمْ، وَلَنْ يَعُودَ مِنْهُمْ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الغَزْوَةِ إِلى أَهْلِيهمِ، وَزَيَّنَ لَكُمُ الشَّيْطَانُ ذلِكَ الظَّنَّ السَّيِّئَ. فَقَعدْتُمْ عَنْ صُحْبَتهِ، وَظَنَنْتُم أَنَّ اللهَ لَنْ يَنْصُرَ رَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ فَصِرْتمُ بِهذهِ المَقَالَةِ قَوْماً هَالِكينَ، مُسْتَوجِبينَ سُخْطَ اللهِ وَعَذَابَهُ.
لَنْ يَنْقَلِبَ - لَنْ يَرْجِعَ إِلى المَدِينةِ.
بُوراً - هَالِكِينَ.
﴿لِلْكَافِرِينَ﴾
(١٣) - وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَيُخْلِصِ العَمَلَ للهِ في الظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ، فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لَهُ نَاراً مُلْتِهِبَةً يُعَذَّبُ فِيها يَوْمَ القِيَامةِ، جَزَاءً لَهُ عَلَى كُفْرِهِ.
السَّعِيرُ - النَّارُ ذَاتُ الْلَهَبِ.
﴿السماوت﴾
(١٤) - وَاللهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ، وَلاَ رَادَّ لِحُكْمِهِ وَهُوَ صَاحِبُ السُّلْطَانِ المُطْلَقِ في السَّماواتِ وَالأَرْضِ فَيَغْفِرُ لمنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادهِ ذُنُوبَهُ، وَيُدْخِلهُ الجَنَّةَ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيُدْخِلُهُ النَّارَ، وَاللهُ كَثِيرُ المَغْفِرَةِ والرَّحْمةِ.
﴿كَلاَمَ﴾
(١٥) - بَعْدَ أَنْ أمِنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَرَّ قُرَيشٍ بَعَهْدِ الحُدَيْبِيَةِ، اتَّجَهَ إِلى اليَهُودِ في خَيْبَرَ لِيَسْتَأْصِلَ شَأفَتَهُمْ، وَيَقضِي عَلَى شَرِّهِمْ؛ إِذْ لاَقَى الرَّسُولُ وَالمُسْلِمُونَ مِنَ اليَهُودِ، وَكَيْدِهِم الشَّيءَ الكَثيرَ. وَلما أَرَادَ الرَّسُولُ ﷺ الخُرُوجَ إِلى خَيْبَر تَقَدَّمَ الأَعْرَابُ، الذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ السَّيرِ مَعَ الرَّسُولِ إِلى الحُدَيْبِيَةِ، يَطْلُبُونَ الإِذْنَ لَهُمْ بِالخُرُوجِ مَعَهُ إِلى خَيْبَرَ، فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَه ﷺ بِألاَّ يَأْذَنَ لَهُمْ بِالخُرُوجِ مَعَهُ، لأَنَّهُمْ قَعَدُوا حِينَما كَانَتْ هُنَاكَ مَخَاطِرُ حَرْبٍ شَدِيدةٍ، وَهُمْ يُرِيدُونَ الخُروُجَ الآنَ لِيَحُوزُوا المَغَانِمَ السَّهْلَةَ، فَقَالَ هؤلاءِ المَخْلَّفُونَ إِنَّ سَبَبَ مَنْعِهِمْ مِنَ الخُرُوجِ إِلى خَيْبَر هُوَ حَسَدُ المُؤْمِنينَ لَهُمْ أَنْ يُشَارِكُوهُمْ في المَغْنَمِ.
وَمَعْنَى الآيةِ: يَقُولُ الذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ صُحْبَتِكَ في عُمْرَةِ الحُدَيْبِيَةِ، مُعْتَذِرينَ بِرِعَايَةِ مَصَالِحِهمْ وَأَمْوَالِهِمْ، دَعُونا نَسِرْ مَعَكُمْ إِلى خَيْبَرَ، وَهُمْ بِذلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا مَا وَعَدَ اللهُ بِهِ الرَّسُولَ وأَصْحَابَهُ، الذِينَ سَارُوا مَعَهُ إِلى الحُدَيِبْيَةِ، بِأَنَّ يَكُونَ لَهُمْ مَغْنَمُ خَيْبَرَ خَالِصاً لاَ يُشَارِكُهُمْ فِيهِ أَحَدٌ. فإِذا سَمَحَ الرَّسُولَ لَهُمْ بِالخُرُوجِ مَعَهُ إِلى خَيْبَرَ كَانَ لَهُمْ حَقٌّ بِالمُشَارَكَةِ فِي الْمَغْنَمِ. وَفِي ذَلِكَ تَبْدِيلٌ لِكَلِماتِ اللهِ وَوَعْدِهِ. وَأَمَرَ اللهُ تَعَالى رَسُولَهُ بِأَنْ يَقُولَ لِهؤلاءِ الأَعرابِ: لَنْ تَتْبَعُونا كَذلك قَالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ، إِذْ إِنَّ اللهَ جَعَلَ مَغْنَمَ خَيْبَرَ خَالِصاً لِمَنْ كَانُوا مَعَ الرَّسُولِ في الحُدَيْبِيَةِ، فادَّعَى هؤُلاءِ الأعْرَابُ أَنَّ اللهَ مَا قَالَ ذلكَ مِنْ قَبْلُ، بَل إِنَّ المُسْلِمينَ يَحْسَدُونَهُمْ وَلا يُريدُونَ أَنْ يُشَارِكَهُمْ أَحَدٌ في المَغْنَمِ. وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالى قَائِلاً لهؤلاءِ: إِنَّ الأَمْرَ لَيْسَ كَما قَالَ هؤُلاءِ المُنَافِقُونَ مِنْ أَنَّكُمْ تَمْنَعُونَهُمْ عَنِ اتِّبَاعِكُمْ حَسَداً مِنْكُمْ لَهُمْ، وَإِنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ القَوْلَ لأَنَّهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ أَمْرَ الدِّينِ إِلاَّ قَلِيلاً وَلَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ لما اتَّهَمُوا الرَّسُولَ وَالمؤْمِنِينَ بالحَسَدِ، وَلما نَفَوا أنْ يَكُونَ اللهُ قَدْ وَعَدَ أَصْحَابَ الحُدَيْبِيَةِ بِحَوْزِ مَغْنَمِ خَيْبَرَ وَحْدَهُمْ.
ذُرُونَا نَتَّبِعْكُمْ - دَعُونا نخْرُجْ مَعَكُمْ إِلى خَيْبَرَ.
كَلاَمَ اللهِ - حُكْمَهُ بِاخْتِصَاصِ أَهْلِ الحُدَيْبِيَةِ بِالمَغْنَمِ.
﴿تُقَاتِلُونَهُمْ﴾
(١٦) - قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهؤُلاءِ الأَعْرابِ، الذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ صُحْبَتِكَ إِلى الحُدَيْبِيَةِ: إِنَّكُمْ سَتُدعَوْنَ إِلى قِتَالِ قَوْمٍ أُولي قُوَّةٍ وَنَجْدَةٍ وَبَأْسٍ، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُخَيِّروهُمْ بَيْنَ أَمْرَين: إِمَّا السَّيفُ وَإِمَّا الإِسْلاَمُ - وهذا حَكْمٌ عَامٌّ في مُشْرِكي العَرَبِ وَالمُرْتَدِّين - فَإِذا أَطَعْتُمْ أَمَرَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَخَرَجْتُمْ إِلى مُجَاهَدَةِ هؤُلاءِ، فإِنَّ اللهَ سَيُثِيبُكُمْ عَلَى ذلكَ ثَواباً جَزِيلاً فَتَنَالُونَ المَغْنَمَ في الدُّنيا، وَالجَنَّةَ في الآخِرَةِ. أَمَّا إذا رَفَضْتُمُ الخُرُوجَ إِليهِم، وَالمُبَادَرَةَ إِلى مُجَاهَدَتِهِمْ، وَعَصْيتُمْ أَمْرَ اللهِ وَرَسُولِهِ، كَمَا فَعَلْتُمْ مِنْ قَبْلُ، حِينَ قَعَدْتُمْ عَنِ الخُرُوجِ إِلى الحُدَيْبِيَةِ، فَإِنَّ اللهَ سَيُعَذِّبُكُمْ عَذَاباً أليماً في الدُّنيا وَالآخِرَةِ.
أُولِي بَأسٍ - أَصْحَابُ شِدَّةٍ وَقُوْةٍ في الحَرْبِ.
﴿جَنَّاتٍ﴾ ﴿الأنهار﴾
(١٧) - يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالى في هذِهِ الآيَةِ الأَعْذَارَ المُبِيحَةَ للقُعُودِ عَنِ الجِهَادِ، فَيَقُولُ: إِنَّهُ لا إِثمَ وَلاَ مَلاَمةَ عَلَى الذِينَ يَتَخَلَّفُونَ عنِ الخُرُوجِ إِلى الجِهَادِ مَعَ المُؤْمِنِينَ بِسَبَبِ مَا بِهِمْْ مِنْ عِلَلٍ تَمْنَعُهُمْ مِنَ الخُرُوجِ، وَمِنَ القِتَالِ: كَالعَمَى وَالعَرَجِ وَالمَرضِ. ثُمَّ حَثَّ اللهُ تَعَالى المُؤْمِنينَ عَلى الجِهَادِ، وَرَغَّبَهُم فِيهِ، وَبَيَّنَ لَهُم مَا أَعَدَّهُ لِلْمَجَاهِدِينَ مِنْ أجرٍ وَثَوابٍ في الآخِرَةِ، فَقَالَ تَعَالى: وَمَنْ يُطِع اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُجِبِ الدَّعْوةَ إِلى مُجَاهَدَةِ الكُفَّارِ والمُشْرِكِينَ دِفَاعاً عَنْ دِينهِ، وَإعلاءً لِكَلِمَةِ رَبِّهِ، فَإِنَّ اللهَ سَيُدْخِلُهُ يَومَ القِيَامَةِ جِنَّاتٍ تَجري الأَنْهارُ مِنْ تَحْتِها، وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيَرْفُضِ الخُرُوجَ إِلى الجِهَادِ فإِنَّ اللهَ سَيُعَذِّبُه عَذَاباً أَلِيماً.
﴿أَثَابَهُمْ﴾
(١٨) - يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى رَسُولَهُ الكَرِيمَ ﷺ عَنْ رِضَاهُ عَلَى المُؤْمِنينَ الذِينَ بَايَعُوا الرَّسُولَ تَحتَ الشَّجَرَةِ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ، وَكَانُوا ألفاً وأَرْبَعَمئةِ رَجُلٍ، وَقَدْ عَلِمَ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الصِّدقِ، وَالسَّمْعِ، والطَّاعَةِ، فَأَنْزَلَ عَلَيهِم الطُّمَأْنِينةَ، وَهُدُوءَ النَّفْسِ، وَأَعْطَاهُمْ جَزَاءَ مَا وَهِبُوهُ مِنَ الطَّاعَةِ فَتْحَ خَيْبَرَ عِقِيبَ انْصِرافِهِمْ مِنَ الحُدَيْبَةِ، ثُمَّ تَلا ذَلِكَ فَتْحُ مَكَّة.
يُبَايِعُونَكَ - بَيْعَةَ الرِّضْوانِ بِالحُدَيْبِيَةِ.
فَتْحاً قَرِيباً - هُوَ فَتْحُ خَيْبَرَ.
(١٩) - وَعَوَّضَهُمْ عَنِ المَغَانِمِ، التِي فَاتَتْهُمْ بِسَبَبِ صُلِحِ الحُدَيبِيَةِ، بِمَغَانِمَ كَثِيرَةٍ يأْخُذُونَها مِنْ خَيِبَرَ، وَخَصَّهُمْ بِها دُونَ غَيرِهِمْ، وَاللهُ عَزِيزٌ لاَ يُغَالَبُ، حَكِيمٌ في شَرْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ.
﴿آيَةً﴾ ﴿صِرَاطاً﴾
(٢٠) - وَعَدَ اللهُ المُؤْمِنِين بِأَنَّهُمْ سَيَحْصَلُونَ عَلَى مَغَانِمَ كَثِيرةٍ في الأيَّامِ القَادِمَةِ، مَا دَامَ فِي الدُّنيا مُسْلِمُونَ يُجَاهِدُونَ في سَبيلِ اللهِ، وَعَجَّلَ لَهُم بِمَغْنَمِ خَيْبَرَ، وَكَفَّ أَيْدِيَ الكُفّارِ وَالمشْرِكينَ عَنِ المدِينةِ، وَعَنْ حرَمِ المُؤْمِنينَ وَعِيالِهم، وَأَصْحَابِ الأَعْذَارِ الذِينَ بَقُوا فِيها، في غِيَابِ الجَيْشِ الإِسلامِيّ في الحُدَيبيِة وَخَيبرَ، لِيَكُونَ ذَلِكَ دليلاً لِلْمُؤْمِنينَ عَلَى أَنَّ اللهَ حَافِظُهُمْ وَنَاصِرُهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَلِيَهْدِيَهُمْ رَبُّهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً بِاتِّباعِ طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَالانْقِيَادِ لَهُمَا.
(٢١) - وَوَعَدَكُمُ اللهُ فَتْحَ بِلادٍ أُخْرى لَمْ تَكُونُوا تَقْدِرُونَ عَلَيها من قَبْلُ، وَلكِنَّ اللهَ أَقْدَرَكُم عَلَيها بِعِزِّ الإِسْلامِ، وَيَسَّرَ لَكُم فَتْحَهَا، واحْتِيَازَ مَغَانِمِها، وَكَانَ اللهُ قَدِيراً عَلى كُلِّ شَيءٍ، لاَ يَسْتَعْصِي عَلَيهِ أَمْرٌ.
أَحَاطَ اللهُ بِهَا - أَعَدَّها اللهُ لَكُمْ أَوْ حَفَظَها لَكُمْ.
﴿قَاتَلَكُمُ﴾ ﴿الأدبار﴾
(٢٢) - يُبَشِّرُ اللهُ تَعَالى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِأنَّهُم إِذا قَاتَلَهُمُ المُشْرِكُونَ لاَنْتَصَرَ المُسْلِمُونَ عَلَيهِمْ، وَلاَنَهَزَمَ جَيْشُ الكُفْرِ فَارّاً مُوَلِّياًَ الأَدْبَارَ، وَلاَ يَجِدُ وَليّاً يَتَوَلَّى رِعَايَتَهُ وَيَحْرُسُهُ، وَلا نَاصراً يَنْصُرُهُ وَيُسَاعِدُهُ، لأَنَّهُ يُحَارِبُ اللهَ وَرَسُولَهُ.
(٢٣) - وَهذِهِ هِيَ سُنَّةُ اللهِ فِي خَلْقِه: مَا تَقَابَلَ الكُفْرُ وَالإِيمَانُ في مَيْدَانٍ إِلاَّ نَصَرَ اللهُ الإِيمَانَ، وَهَزَمَ الكُفْرَ، وَسُنَّةُ اللهِ لاَ تبديلَ لَها. فَقَدْ نَصَرَ اللهُ النَّبِيَّ وَالمُسْلِمِينَ في بَدْرٍ وَهُمْ قِلَّةٌ قَلِيلةٌ، وَنَصَرَهُمْ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ أُخْرى.
(٢٤) - يَمُنُّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنينَ بِأَنَّهُ كَفَّ أَيْدِيَ المُشْرِكِينَ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ (يومَ الحُدَيبِيَةِ) فَلَمْ يَصِلْ لِلمُؤْمِنِينَ ضَرَرٌ مِنَ المُشْرِكِينَ، وَكَفَّ أَيدِيَ المُؤْمِنينَ عَنِ المُشْرِكِينَ فَلَم يُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَأَوْجَدَ بَيْنَهُمَا صُلْحاً فِيهِ خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَنَصْرٌ. وَقَدْ أَشَارَتْ هذِه الآيَةُ إِلى ثُلَّةٍ مِنَ الجُنْدِ أَرْسَلَتْهُم قُرَيشٌ لِيَطُوفُوا بِالمُعَسْكَرِ الإِسْلاميِّ يَلْتَمِسُونَ غَرَّةً لِيُصِيبُوا مِنْهُم، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ سَرِيَّةً فَأَسَرَتْهُمْ جَمِيعاً، وَجَاءَتْ بِهِمْ إِلى النَّبِي، فَعَفَا رَسُولُ اللهِ عَنْهُم، فَكَانَ أَسْرُهُمْ ظَفَراً لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ اللهُ بِصِيراً بِأَعْمالِكُم وَأعْمالِهِمْ، لاَ يَخْفَى عَلَيهِ مِنْها شَيءٌ.
بِبَطْنِ مَكَّةَ - بِالحُدَيْبِيَةِ قُرْبَ مَكَّةَ.
أَظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ - نَصَرَكُمْ عَلَيهِمْ وَأَظْهَرَكُمْ.
﴿مُّؤْمِنَاتٌ﴾
(٢٥) - وَهؤُلاءِ الذِينَ كَفَّ اللهُ أَيْدِيَ المُسْلِمِينَ عَنْهُمْ، وَكَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنِ المُسْلِمِينَ عِنْدَ المَسْجِدِ الحَرَامِ بِبَطْنِ مَكَّةَ، هُمُ المُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيشٍ وَمَنْ وَالاَهُمْ، واجْتَمَعَ لِنُصْرَتِهِمْ مِنَ الأَحَابِيشِ وَثَقِيفٍ وَغَيرِهِمْ، وَهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ، وَصَدُّوا المُسلِمِينَ عَنْ دُخُولِ المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَنَعُوا الهَديَ الذِي سَاقَه النَّبِيُّ ﷺ وَالمُسْلِمُونَ أَنْ يَصِلَ إِلى المَسْجِدِ الحَرَامِ لِيُذْبحَ عِنْدَهُ، بَعْدَ أَدَاءِ مَنَاسِكِ الحَجِّ والعَمْرَةِ " وَكَانَ النَّبِيُّ سَاقَ مَعَهُ سَبعِين بَدَنَةً لِيَنْحَرَها عِنْدَ الحَرَمِ ".
لَقَدْ كَانَ فِي مَكَّةَ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنُونَ، وَهُمْ يَكْتُمونَ إِيمانَهُمْ خِيفَةً مِنْ إِيذَاءِ قُرَيشٍ، وَكَانَ دُخُولُ المُسْلِيمنَ مَكَّةَ حَرْباً سَيُؤدِّي إِلى أَنْ يَقتُلَ المُسْلِمُونَ الدَّاخِلُونَ مِكَّةَ عَنْوَةً بَعْضَ هؤُلاءِ المُسْلِمِينَ دُونَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلامِهِمْ، وَلَولا ذَلِكَ لَسَلَّطَ اللهُ النَّبِيَّ والمُسْلِمينَ عَلَى الكُّفَارِ وَلَقَتلوهُمْ وَأَبَادُوهُمْ، وَلَدَخَلُوا مَكَّةَ عَنْوةً، ولكنَّه تَعَالى لم يَشَأْ أَنْ يَقتلَ المُسْلِمُونَ إِخْوانَهُمُ المُسْلِمِينَ المُوْجُودِينَ في مَكَّةَ، وَهُمْ لاَ يَعْرِفُونَهُم، فَيَلْحَقَهُمْ مِنْ قَتْلِهِمْ إِثمٌ وَغَرَامَةٌ (أَيْ كَفَّارَةُ القَتْلِ الخَطَأ). وَقَدْ حَالَ اللهُ تَعَالى دُونَ وَقوعِ القِتَالِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَالكُفَّارِ لِدُخُولِ مَكَّةَ لِيُتِيحَ لِلْمُسْلِمِينَ المَوْجُودِينَ فِي مَكَّةَ الخُرُوجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ الكُفَّارِ، وَالنجَاةَ والسَّلامَةَ مِنَ الأَذى، وَلِيُتِيحَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِين الدُّخُولَ في الإِسْلامِ، قَبْلَ أَنْ يَدخُلَ المُسْلِمُونَ في مَكَّةَ. وَلَوْ كَانَ الكُفَّارُ مُتَمَيِّزِينَ عَنِ المُسْلِمِينَ، المَوْجُودِينَ فِي مَكَّةَ في شيءٍ، فَيَعْرِفُ المُسْلِمُونَ، الدَّاخِلُونَ مَكَّةَ، هؤُلاءِ وَهؤُلاءِ، لِسَلَّطَ اللهُ المُسْلِمِينَ عَلَى الكَافِرينَ فَقَتَلُوهُمْ قَتْلاً ذَرِيعاً.
الوَطْءُ - الدَّوْسُ.
المَعَرَّةُ - الإِثْمُ أَوِ الغَرَامَةُ أَوِ الكَفَّارَةُ.
تَزَيَّلُوا - تَمَيِّزُوا.
عَكَفَهُ - حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ مِنَ الوُصُولِ إِلى غَايَتِهِ.
الهَدْيُ - البُدْنُ التِي تُسَاقُ لِتُنْحَرَ عِنْدَ الحَرَمِ.
مَحِلَّهُ - المَكَانَ الذِي يَحِلُّ فِيهِ نَحْرُهُ.
﴿الجاهلية﴾
(٢٦) - وَلَولا وُجُودُ الرِّجَالِ المُسْلِمِين، وَالنّساءِ المُسْلِماتِ، فِي مَكَّةَ لَعَذَّبَ اللهُ الكُفَّارَ، وَلَسَلَّطَ عَلَيهِم المُؤْمِنِينَ يَقْتُلُونَهُمْ حِينَما جَعَلُوا في قُلُوبِهِم حَمِيَّةَ الجَاهِلِيةِ، وَعُنْجُهِيَّتَهَا، إِذ أبى مُمَثِّلُهُمْ في مُفَاوَضَاتِ الصُّلْحِ (سُهَيْلُ بَنُ عَمْرو) أَنْ يَكْتُبَ فِي وَثِيقَةِ الصُّلْحِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) كَما أَبَى أَنْ يَكْتُبَ فيها (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ)، وَحِينَما أَخْذَتْهُمُ العِزَّةُ بالإِثْمِ فَأَصَرُّوا عَلَى مَنْعِ الرَّسُولِ وَالمُسْلِمِينَ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ في عَامِهِمْ ذَاكَ. فَأَنْزَلَ اللهُ الهُدُوءِ والطُّمَأنْينَةَ عَلَى رَسُولِهِ، وَعَلى المُؤْمِنينَ، فَهَدَأَتْ نُفُوسُهُمْ، وَقَبلُوا بِشُرُوطِ الصُّلْحِ، وَحَماهُمُ اللهُ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ، وَألزَمَهُمْ كَلمةَ التَّقْوى والتَّوحيدِ (لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ) وَكَانُوا هُمْ أَهْلَها، وَأَحَقَّ بِها مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَانَ اللهُ عَالِماً بِكُلِّ شَيءٍ مِنْ أَحْوَالِ المُؤْمِنِينَ وَالكَافِرِينَ، وَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الخَلْقِ بِعَمَلِهِ.
الحَمِيَّةَ - الأَنَفَةَ وَالغَضَبَ وَالعَنْجُهِيَّةَ.
السَّكِينَةُ - الهُدُوءُ وَالوَقَارُ.
كَلِمَةَ التَّقْوى - لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ.
﴿الرءيا﴾ ﴿آمِنِينَ﴾ ﴿رُءُوسَكُمْ﴾
(٢٧) - قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ المَدِينةِ إِلى الحُدَيْبِيَةِ رَأَى في مَنَامِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ المَسْجِدَ الحَرَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ آمِنين، مِنْهُم مَنْ يَحْلِقُ شَعْرَ رَأسِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَصِّرُ شَعْرَهُ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَصْحَابَه فَفَرِحُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم يَدْخُلُونَ مَكَّةَ عَامَهُم ذَاك، فَلَمَّا انْصَرَفُوا عَائِدِينَ مِن الحَدَيبيَةِ، عَقِبَ تَوقِيعِ الصُّلْحِ مَعَ قُريشٍ بِدُونِ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ المُسْلِمِينَ، حَتَّى إِنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ جَاءَ أَبا بَكْرٍ وَعَدَداً مِنَ الصَّحَابَةِ يَسْأَلُ عَنْ أَسْبَابِ الرِّضَا بهذا الصُّلْحِ الذي ظَنَّهُ يَحْوي شُرُوطاً لَيْسَتْ في صَالِحِ الإِسْلامِ وَالمُسْلِمين، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ إِنَّكَ سَتَدْخُلُ مَكَّةَ هذا العَامَ؟ قَالَ لاَ، قَالَ: فإِنَّكَ سَتَأتِيهِ وَسَتَطُوفُ بِهِ.
وَيَذْكُرُ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَنَّهُ أَرَى رَسُولَهُ في مَنَامِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ المَسْجِدَ الحَرَامَ مَعَ المُؤْمِنينَ، وَهُم آمِنُون مُطْمَئِنُّون، لاَ يَخافُونَ المُشْرِكين، وَقَدْ أَدَّوا مَنَاسِكَهُمْ، فَحَلَقَ بَعْضُهُم شَعْرَ رأْسِه، وَسَيَجْعَلُ مَا أَراهُ رَسُولَهُ حَقّاً. لَكِنَّهُ تَعَالى عَلِمَ أَنْ في مَكَّةَ رِجَالاً وَنِسَاءً مِنَ المُسْلِمِين لاَ يَعْرِفُهُمْ النَّبِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَلَوْ دَخَلُوا مَكَّةَ عَنْوَةً لَقَتَلُوا بَعْضَهُمْ، وَلأَصَابُوا بَعْضَهُمْ، فَرَدَّ اللهُ المُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ العَامِ لِيَمْنَعَ إِيذَاءَ المُسْلِمِينَ المُقِيمِينَ فِيها، وَجَعَلَ قَبْلَ دُخُولِ الرَّسُولِ وَالمسلِمِينَ مَكَّةَ فَتْحاً قَرِيباً، يُحَقِّهُهُ اللهُ لِرَسُولِهِ وَلِلمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ صُلْحُ الحُدَيْبِيَةِ وَفَتْحُ خَيْبَرَ، ثُمَّ حَقَّقَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بَعَامَينَ فَتْحَ مَكَّةَ وَانْهِيَارَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ.
فَتْحاً قَرِيباً - صُلْحَ الحُدَيْبِيَةِ أَوْ فَتْحَ خَيْبَرَ.
(٢٨) - وَاللهُ تَعَالى هُوَ الذَي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى ودَين الإِسْلامِ، لِيَجْعَلَ الإِسْلامَ - وَهُوَ دِينُ الحَقِّ - ظَاهِراً عَلَى جَمِيعِ الأَدْيَانِ في الأَرْضِ، وَقَدْ وَعَدَ رَسُولَهُ بِدُخُولِ المَسْجِدِ الحَرَامِ مَعَ أَصْحَابِهِ، وَهُمْ آمِنُونَ، فحَققَ اللهُ ذَلِكَ الوَعْدَ، وَسَيُحَققُ وَعْدَهُ لِرَسُولِهِ بأنَّهُ تَعَالى سَيُظْهِرُ الإِسْلاَمَ عَلَى سَائِرِ الأَدْيَانِ، وَهُوَ تَعَالى شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ أبداً.
لِيُظْهِرَهُ - لِيُعْلِيَهُ وَيُقَوِّيَهُ.
﴿تَرَاهُمْ﴾ ﴿رِضْوَاناً﴾ ﴿التوراة﴾ ﴿شَطْأَهُ﴾ ﴿فَآزَرَهُ﴾ ﴿آمَنُواْ﴾ ﴿الصالحات﴾
(٢٩) - إِن مُحمداً ﷺ رَسُولُ اللهِ حَقّاً وَصِدْقاً، بِلاَ شَكٍّ وَلاَ رَيبٍ، وَإِنَّ أصْحَابَهُ يَتَّصِفُونَ بالصِّفَاتِ الجَمِيلةِ الحَسَنةِ، فَهُمْ أشِدَّاءٌ غِلاَظُ القُلُوبِ عَلَى الكُفارِ، وَهُمْ رُحَماءُ مُتَوَادُّونَ فيما بَيْنَهم يَرَاهُم النَّاظِرُ إليهِمْ دَائِبينَ عَلَى أدَاءِ الصَّلاةِ، مُخْلِصِينَ فيها للهِ، مُحْتَسِبينَ أجْرَهَا عِنْدَ اللهِ، يَبْتَغُونَ بِصَلاتِهِمْ رِضَا اللهِ وَرِضْوَانَهُ، تَتْرُكُ نُفُوسُهُمُ المُطْمَئِنَّةُ أَثَراً عَلَى وُجُوهِهِمْ، فَهِي هَادِئَةٌ مُطْمَئِنَّةٌ مَسْتَبْشِرَةٌ، وَهَذِهِ هِيَ صِفَاتُ المُؤمِنينَ المُخْلِصِينَ في التورَاةِ. وَجَاءَ وَصْفُهُمْ في الإِنجيلِ أَنَّ أتْبَاعَ مُحَمَّدٍ سَيَكُونُونَ قَليلينَ ثُمَّ يَزْدَادُونَ وَيكْثُرُونَ وَيَسْتَغْلظُونَ كَزَرْعٍ أخْرَجَ مُحَمَّدٍ سَيَكُونُونَ قَلِيلينَ ثُمَّ يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ وَيَسْتَغْلظُونَ كَزَرْعٍ أخْرَجَ فُروعَهُ (شَطْأهُ) التي تَتَفَرَّعُ مِنْهُ عَلَى جَوَانِبِهِ، فَيَقْوى وَيَتَحَوَّلُ من الدِّقَّةِ إِلى الغِلْظَةِ، وَيَسْتَقيمُ عَلَى أصُولِهِ فَيُعْجَبُ بِهِ الزَّراعِ لِخِصْبِهِ، وَقُوَّتِهِ، وَحُسْنِ مَظْهَرِهِ، وَقَدْ نَمَّاهُمُ اللهُ وأكْثَرَ عَدَدَهُم لِيَغِيظَ بهم الكُفَّارَ، وَقَدْ وَعَدَ اللهُ المُؤْمِنينَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، العَامِلِينَ للصَّالِحَاتِ، بأن يَغْفِرَ لَهُمْ ذُنُوبَهمْ، وَأنْ يُجْزِلَ لَهُمُ الأجْرَ والعَطَاءَ، وبِأنْ يُدْخِلَهُمْ جَنَّاتِهِ، وَاللهُ لاَ يُخْلِفَ وَعْدَهُ أبَداً.
مَثَلُهُمْ - صِفَتُهُمْ.
أزَرَهُ - قَوَّاهُ وَأعَانَهُ.
الشَّطْءُ - فُرُوخُ الزَّرْعِ وَهُوَ مَا خَرَجَ مِنْ حَوَالَيْهِ وَتَفَرَّعَ.
استَوَى عَلَى سُوقِهِ - اسْتَقَامَ عَلَى أصُولِهِ.
سِيَماهُمْ - عَلاَمَتُهُمْ.
Icon