تفسير سورة الرعد

تفسير ابن عرفة - النسخة الكاملة
تفسير سورة سورة الرعد من كتاب تفسير ابن عرفة المعروف بـتفسير ابن عرفة - النسخة الكاملة .
لمؤلفه ابن عرفة . المتوفي سنة 803 هـ

سُورَةُ الرَّعْدِ
قوله تعالى: ﴿المر... (١).. نقل الفخر عن ابن عباس: [أَنَا اللَّه أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ أَنَا اللَّه الْمَلِكُ الرَّحْمَنُ*] (١)﴾ يقول ابن عطية: إنها عبارة عن [أنا الله أعلم وأرى*] فالهمزة في (أنا) واللام في (الله) والميم في (أعلم) والراء في (أرى) فعلى هذه (المر) اسم لتلك الجملة والإعراب هنا على قول غيره بكون (المر) مبتدأ وخبره تلك آيات والرابط الإشارة لأن (المر) اسم هذه السورة كلها.
قوله تعالى: (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ).
ابن عرفة: إن قلت: إلى لأنها الغاية ومن لابتدائها فالأصل تقديم المجرور بمن لأن الابتداء متقدم على الانتهاء، فأجابه الطلبة: بأن التقديم للاهتمام به وإن النزول إنما هو بسببه ومن أجله وإليه، ورده ابن عرفة: بأن هذا صير هنا لأن البداية باسم الله تعالى أولى وأهم، قال وإنَّمَا الجواب: أن المتقدم على ستة أنواع أحدها للتقدم بالشرف وعندنا قاعدة أخرى وهي أن الوجود أشرف من العدم، ولا شك [أن الشيء المنزل*] هو أبعد الإنزال معدوم من محل [**الابتداء الإنزال وموجوده، وفي عمل انتهائه] فلهذا قدم لأنه أشرف لوجود المنزلة، وقد قال له إن القرآن لم ينزل في اللوح المحفوظ، وأما الكلام القديم [الأزلي*] [فيستحيل*] فيه النزول لأنه ليس بصوت ولا حرف وتلك الأحرف والأصوات المنزلة انعدمت بلا شك من اللوح المحفوظ ووجدت عند النبي ﷺ وإنَّمَا بقي في اللوح المحفوظ الكلام بما [**يلقى] ولو بقيت هي بنفسها لما صدق فيها أنها نزلت، وسئل ابن عرفة: عن جمع الصحابة لآية النور هل كان باجتهاد منهم، فقال: لَا إنما هو توقيف حفظوه من النبي ﷺ اجتمعوا وجمعوه ووضعوا كل آية في محلها كيف سمعوا من رسول الله ﷺ ولولا أنه توقيف لما كان قوله [(الم) آية بغير قوله (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) *] (٢)، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) كلها آية.
قوله تعالى: ﴿رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ... (٢)﴾
استدل به ابن عبد السلام على أن السماء بسيطة؛ إذ لو كانت [كورية*] لما [**احتج المد بها]، قوله: (بِغَيْرِ عَمَدٍ) لأن الكورة مرفوعة بغير عمد إذ يعتمد بعضها على بعض، ابن عرفة: وهذا لَا حجة فيه لأن الثاني: هنا لَا يعرفون ولا يقطعون بكونها [كورية*] أو بسيطة، إنما يصح هذا لو كانوا يقطعون بأحد الأمرين، فيقال لهم: (بِغَيْرِ عَمَدٍ) ليفهم كمال القدرة، واختلفوا هل للسماء أعمدة أم لَا؟ فقيل: لها وهو جبل قاف وهذا القائل
(١) في الأصل هكذا [أنها عبارة عن أنا الله القوي الرحمن الرحيم أرى] والتصويب من (مفاتيح الغيب. ١٨/ ٥٢٤).
(٢) في الأصل هكذا [مده آيتان أبغير قوله (أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)]، وهي عبارة لا معنى لها، ولعل الصواب ما أثبتناه. اهـ (مصحح نسخة الشاملة).
413
يجعل الضمير بها عائد على العمد فيكون المعنى أنها مرفوعة بعمد غير مرئية وهذا لا يصح والصواب مذهب الجمهور الظاهر كقوله: (بِغَيْرِ عَمَدٍ) والضمير عائد على السماوات.
قوله تعالى: (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي).
انظر سورة (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) أو قال الفخر هنا مجاري القمر ثمانية وعشرون لأنه يقطع الفلك في شهر ومجاري الشمس بمائة وثمانون لأنه يقطع الفلك في سنة. ابن عرفة وجهه أن السنة ثلاثمائة وستون يوما ونصفها مائة وثمانون فهو في نصف السنة سيقطع ستة بروج صاعدا أو طابق يغشى في ظل تلك البروج فما يجاريها في الحقيقة إلا ستة بروج، قلت: وتمشي كل يوم درجا وكذا هو في حجرة [الاستطرلاب*] مطابقة ومقاربة مائة وثمانون درجة، قلت: ومن [**العجل به ذكر العشرون] وغيرهم أن بعض الأقاليم الستة عندهم ستة أشهر منها فضاء خالص، ومنها ستة أشهر ليل خالص وهذا مذكور في علم الهيئة، قال الشيخ عبد الخالق المنجم: وجهه أن الشمس إذا طلعت على أفقهم تدور به أول يوم ثم ترتفع في محل طلوعها درجة وتدور به وفي اليوم الثالث ترتفع درجة أخرى وتدور بهم ولا تزال ترتفع ثلاثة أشهر فإذا انتهت إلى حدها رجعت هابطة كل يوم درجة وتدور بالفلك حتى تنتهي إلى أفقهم عند [انقضاء*] ستة أشهر ثم تحط درجة أخرى عن الفهم فيظهر الظلام ولا تزال تحط حتى ينتهي إلى حدها دون ثلاثة أشهر أخر ثم تأخذ في الصعود حتى تصل إلى أفقهم عند انقضاء ستة أشهر، قال: وهذا في موضع يقال له الجزر الخالدات يكون أشد القطبين إما الشمالي أو الجنوبي على حسب رؤوسهم أعني في وسط السماء عندهم والقطب الآخر وبه الأرض فيكون نهارهم ستة أشهر وليلهم كذلك وثم [... ] والزوال عندهم ذا عقب الآخر وبعد ارتفاع الشمس عن أفقهم درجة واحدة وآخرون رأوا لهم عندها محاذاتها للأفق وذلك بحسب اختلاف [... ] لأنا إذا أخذنا [... ] عرضه ستة وستون درجة وأسقطنا عرضه من ارتفاع وإلى الحمل بقي سبعة أربعة وعشرون وهي مثل الميل سواء فهذا الباب الزوال فيه عند محاذات الشمس الأفق فإن كان عرض البلد خمسة وستون فأسقطه يبقى خمسة وعشرون أسقط منها الميل بقي درج واحد وهو ارتفاع زوال ذلك البلد [... ] الليل عندهم ثلث ساعة، وهذه البلاد كلها قرية من [... ] الظلمات في الجنوب شديدة البرد جدا أو لَا يعمرها أحد، قال عبد الخالق: وكنت أسمع من الشيوخ إن في الأرض خمسة أقوال قيل: [كورية*] وقيل: بسيطة وقيل: إنها تشبه مكعب وقيل: منزلة حملة السيف الذي تقلد به وإنها تشبه حلقة محيطة
414
سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيهِ السَّلَامُ -
قال الزمخشري: وهي إحدى وخمسون آية، وقال الغزنوي: هي اثنان وخمسون آية.
قال تعالى: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ... (١).. الإنزال انتقال من فوق إلى أسفل، فإِن راعيت [المبدأ*] عدى بعلى لاقتضائها العلم [**ولذوات منها وعدى على بإلى].
وقوله: (لِتُخْرِجَ النَّاسَ) فقيل لابن عرفة: هذا يدل على أن أفعال الله [... ] عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" والجواب: إنه عام مخصوص بهذا الحديث فيتناول من في زمانه ومن بلغ كافرا ممن أتى بعده لو يقال إن النَّاس كلهم كانوا في الظلمات بالفعلِ والكفار كانوا في النور باعتبار القائلين والإمكان ولذلك قال: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوَّليَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) قوله تعالى: (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) الزمخشري: أي تسهيله، ابن عرفة: هذا على قاعدة لأنه يقول أفعال العباد ليست مقدرة لله تعالى وإنما الله تعالى ييسرها ويسهلها عليه وتفسيرها أن يأمر ملك رجلين متفرقين أن يبلغا كتابين له إلى بلد كذا ويخبر أحدهما بالطريق القريبة ويأذن له في سلوكها ويترك الآخر فإنه سهل الأول الطريق فقط، ولم يمش الرسول فيها إلا بقدرة نفسه وقوته ولا بقدرة الملك فكذلك تقول المعتزلة، وقال ابن عطية قوله: (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بعلمه واقتضائه وتوفيقه، قال ابن عرفة: هذه نزعة اعتزالية ولولا قولَه واقتضائه لكان صريحا في مذهب المعتزلة؛ لأنهم يقولون إن العبد [يستقل*] بأفعاله ويخلقها، وأن الله تعالى لم يخلق الشر ولا أراده، فهذه العبارة إن كان أتبع فيها [... ] فيحمل على أنه أراد بالاقتضاء الإرادة للحسن، لَا مطلق الإرادة، وإن كانت هذه العبارة من عند نفسه، فيحمل على الإطلاق لكن يقال له المواضع التي خالفونا فيها لا ينبغي لك أن تأتي فيها بالمحتملات، فالصواب أن معنى قوله (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بقدرته وخلقه واختراعه وإنه خلق الهداية والضلال، وأراد بها تعالى أن [تكون*] في [**ملكه لَا يرثه].
438
قوله تعالى: (إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).
وصف العزة مناسب لإخراج النَّاس من الظلمات إلى النور، والعزيز هو الذي لا يمانع، والحميد هو الذي يحمد على أفعاله ومن جملته بعثه الرسل ففيه دليل على أن بعثه الرسل غير واجبة خلافا للمعتزلة فالآية تدل على أنها محض تفضل من الله لنا فلذلك يحمد.
قوله تعالى: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ... (٢)﴾
فقد رد على المعتزلة لأن من [جملة*] ما فيها أفعال العباد واختلفوا هل المعتزلة كفار لأجل مقالتهم لأنهم نفوا الصفات وإنما هم فساق وعصاة، واختار عز الدين في قواعده عدم بكفرهم، قال: لأنهم إنما قصدوا التبرئة وكيف يكفرون بلازم مذهبهم، وهم قد نصوا على نفي ذلك اللازم، وقالوا: لَا نقول له وكذلك اختار عدم تكفيرهم من قال بالجهة والتجسيم ونظيره لو أمر الملك رجلا ونهى آخر فامتثلا، قوله، وقال أحدهما ملكا أزرق العينين، وقال آخر: بل هو أكحل، وما مقصد كل أحد منهما إلا أن يصفه بالوصف الأكمل إلا بلغ لكن أحدهما يعتقد أن الزرقة أحسن وأبلغ والآخر يقول بل الكحولة أبلغ وأحسن فإن كلاهما معا مصيب وكذلك هو لَا يقطع لكفرهم، قال الشيخ عز الدين: وكان بعضهم يورد مثل هذا على أهل السنة فإنهم اختلفوا هل هو باق ببقاء وقديم بقدم أو بغير بقاء ولا عدم في قديم لذاته وباق لذاته قال فيلزم هؤلاء ما ألزموا المعتزلة، وأجاب بعضهم: بأن المعتزلة نفوا مطلق الصفة من أصل وأهل السنة إنما نفوا بعض الصفة وأثبتوا بعضها.
قوله تعالى: (وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ).
الزمخشري الويل [نقيض الوأل*] إلا أنه لَا يشتق منه فعل، إنما يقال ويلا له، ابن عرفة: يعني بقوله لَا يشتق منه أي من الويل وأما الوال فيشتق منه، قال أبو العباس المبرد في الكامل إن [عيَّاشا*] الكندي من كبار الشجعان [بئيسا فأبلى يومئذ ثم مات على فراشه بعد ذلك، فقال المهلب: لا وألت نفسي الجبان بعد عياش*] (١).
قوله تعالى: ﴿فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ... (٤)﴾
دليل على أن واضع اللغة ليس هو الله تعالى بل العرف حصول العلم عقيب النظر عادي وليس بعقلي إذ لو كان عقل للزم البيان والهداية، قال: ويحتمل أن يقال لَا يلزم ذلك لأن المخاطب قد لَا ينظر النظر الموصل للعلم.
(١) في الأصل المطبوع سقطان واضطراب، والتصويب من (الكامل للمبرد. ٢/ ٢٩٤).
بهذا العالم كإحاطة الجملة من يقلد بالسيف، وقيل: إنها سنة ممكنة ومن أجل ذلك وضعوا الاسطرلاب الحوتي الجنوبي، قال: والصحيح عندهم إنها كورية وإن السماء كورية.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ... (٣)﴾
أي بسطها، ابن عرفة: استدل بعضهم بهذا على أن الأرض بسيطة ولا دليل له في ذلك لأن إقليدس الهندي قال: إن الكرة الحقيقية لَا يكون إقامة الزوايا والخطوط عليها بوجه ونحن نجد الأرض يقام عليها الخطوط وغير ذلك وتراها مستوية وذلك من أول دليل على إنها وإن كانت كورية فإِنها ليست كالكورية الحقيقية بل أعلاها مستو كبعض الكور التي تكون مسطحها مستويا.
قوله تعالى: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ)، (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ) قلت لابن عرفة: ما الحكمة في الرواسي مع أن جعل الأرض وحدها من غير رواسي أبلغ في كمال قدرة الله تعالى لأنه ربما يتوهم المتوهم أن ثباتها لأجل الرواسي ولو كانت دونها لمالت بأهلها ولو ثبتت؟ فقال: أو [... ] وهو أن [... ] في غاية الثقل والأرض معها وهما في الفضاء يحملها نور على ظهر حوت تحملها معا أبلغ في كمال القدرة.
قوله تعالى: (وَأَنْهَارًا).
قيل لابن عرفة: لم جمع الأنهار جمع قلة، والرواسي جمع كثرة، مع أن الأنهار فيما نشاهد أكثر من الرواسي؟ فأجيب: إما بأنها لم يسمع فيها إلا جمع القلة وإما إشارة إلى أن أنهار الدنيا على كثرتها بالنسبة إلى قدرة الله تعالى قليلة تافهة لأنه قادر على خلق أضعاف أضعافها.
قوله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ).
قيل: إنه معطوف على قوله: (رَوَاسِيَ) فيكون متعلقها يجعل الأول، وقيل: إنه متعلق بجعل الثاني، ورده ابن عرفة: بأن فيه الفصل بين المعطوف وحرف العطف، قال ابن عصفور في شرحه الكبير: ما نصه ولا يجوز الفصل بين حرف العطف والمعطوف إلا بالقسم أو بالظرفية أو الجار والمجرور بشرط أن يكون حرف العطف على أزيد من حرف واحد، و (جعل) هنا معطوف على (جعل) الأول يفصل بين الواو و [(فيها) *] بالمجرور، قلت لابن عرفة: هذا [جائز أن*] يجاب بأنه من عطف الجمل فيكون تأسيسا.
قوله تعالى: (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ).
قيل: ذكر وأنثى، واستبعده ابن عرفة وقال: لَا تجده في الأشجار إلا في النخل والزيتون والتين، وأما العنب وغيره فليس فيه ذكر والصحيح أن المراد بالزوجين نوعين.
قال الزمخشري: كالأبيض والأسود، والحلو والحامض، والصغير والكبير فإنها في أصلها كانت زوجين ثم تفرعت فصارت أزواجا.
قوله تعالى: (يُغشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ).
أي يليه مكانه فيصير أسود مظلما كما كان أبيض مشرقا ابن عرفة: والأول فاعل في المعنى وهو على إضمار فعل أي ويغشى النهار الليل، قلت لابن عرفة: ويحتمل أن يراد في الآية الزمان الذي بين الفجر وطلوع الشمس على القول بأنه من النهار، فهو إشارة إلى أن الليل يخالط النهار في ذلك الزمان باعتبار النزع، وفي الآية باعتبار النعمة.
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ... (٥)﴾
انظر هل هذا أمر تقديري [أو لا؟ فإن*] (إذا) لَا تدخل إلا على المحقق الوقوع، و (إنْ) تدخل على المشكوك فيه، والتعجب من هؤلاء محقق وقوعه؛ لأنهم أنكروا البعث وخالفوا مع علمهم أن الله خلقهم وأوجدهم، ومن أوجد المخلوقات من عدم فهو قادر على إعادتها، قال: وعادتهم يجيبون بأن التعجب إنما يكون مما خفي سببه كلا فلا يتعجب إلا [(مَن*] خفي عليه السبب، والنبي ﷺ عالم بأن ذلك الواقع منهم إرادة الله وقدرته عليهم، فهو فى خاصيته لَا يعجب منهم، فضلا عن أن يكون تعجبه منهم [محققا*] بدليل قوله تعالى: (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)، وقوله تعالى: (فَعَجَبٌ) قال أبو حيان: إنه [... ] وخبره كونهم (أَئِذَا) الثاني أن محل الفائدة في (عَجَبٌ) لأنه المجهول و (قَوْلُهُم أَئِذَا كُنَا تُرَابًا) هو المعلوم.
قوله تعالى: (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ).
يحتمل أن يريد بالجديد ما يلحقه عدم، ويحتمل أن يريد ما لم يسبق بوجود وهذا هو الأظهر لأجل لغتهم فهم يجعلون الإعادة كأنها خلق آخر لم يسبق بوجود السنة فلذلك فهو هنا ومذهب أهل السنة أن الإعادة ممكنة عقلا واقعة سمعا وهلا تعاد الأجسام متحيزا أو قائما بالمتحيز فالأولى إن كانت متحيزة فهي أجسام وإن لم تكن متحيزة فلا تشغل نفسها ولا بد لها من أجسام تحل منها فلا [... ] إعادة الأجسام خلافا [... ] وغيرهم.
416
وقوله: (وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ) قال ابن عطية: (وَزَرْعٌ) معطوفة على أعناب، قال أبو حيان والنخيل (صنوان وغير صنوان) يتبع من عطفه على (أَعْنَابٍ)، قال ابن عرفة: وهذا لَا يصح لأنه لَا يجوز أن يقول مررت بزيد وعمرو والعاقل، قال أبو حيان: وإنما يكون [حملا على الجوار*]، ورده ابن عرفة ثلاثة أوجه الأول: أن التبعية على [الجوار*] إنما وردت في الخفض ولم نره في الرفع إلا قليلا، حكى المبرد منها [... ] في شرحه بها، قال في [**ميت منها] أنه رفع [على الجوار]. الثاني: أن الخفض على [الجوار*] لَا يجوز إلا قليلا وهو مع الواو كل [... ] قلت: [... ] ابن رشد في المقدمات قوله (وَأَرْجُلَكُم إِلَى الْكَعْبَيْنِ) وقوله: (شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ) [عطفا على الجوار*].
قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ).
أي كفروا [بالبعث*] الخاصة والعامة، وهذا دليل على أن منكر البعث كافر، ابن عرفة: واشتملت الآية على اللفظ العام والإيهام ثم التفسير لأن قوله: (أُولَئِكَ) لَا يدل في أعناقهم تفسير للعذاب النازل بهم وهذا من باب ذكر السبب عقب سببه لأن الكفر سبب في غل الأعناق فهلا عطف الفاء المقتضية للسبب والتزامه، قال والجواب: أن السبب على ثلاثة أنواع ظاهر وخفي ومتوسط وإنَّمَا يحتاج إلى الفاء في المتوسط والخفي وأما هذا فظاهر كونه سببا فيما بعده فلا يحتاج في عقد إلى ما بين كونه سببا، ابن عرفة: والآية عندي من باب القلب، والأصل فيها أولئك أعناقهم في الأغلال؛ لأن الأغلال محيطة بأعناقهم كإحاطة الظرف بالمظروف، فأعناقهم هي المظروف وقد قالوا إن القلب لا يجوز إلا في العموم، فإِن قيل: في الكلام، قلت له: قد جعلوا منه [مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ*]، قال: وانظر هل هذا إلا على التوزيع أي كل واحد في عنقه أغلال، قلت: إن في سورة الحاقة (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) فدل أنه على التوزيع لكل واحد على آخر فأجابه بأن ذلك في رؤسائهم وقد تقوم مقام سلاسل مقدرة في عنق كل واحد من رؤسائهم حتى لا يظهر منه شيء.
قوله تعالى: (وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
قال ابن مالك: إن الجملتين إن كانتا متقاربتين عطفتا وإن كانت الثانية مفسرة للأولى لِم يحتج إلى حرف العطف، فقولهم: (هُم فِيهَا خَالِدُونَ) تفسير لقوله: (أصْحَابُ النَّارِ) وتأكيد هو في موضع الحال، وقال ابن رشد: في المقدمات في قوله تعالى: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ)
417
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ... (٥)﴾
ابن عرفة: ذكروا في أن وجهين هل هي ناصبة أم مفسرة، وقال بعض الطلبة أكثر النحويين يمنعون وصل أن بالجملة الغير الخبرية، وذكر ابن العطا في شرح الجزولية: جواز ذلك وأنشد عليه بتاء قال: فالظاهر أنها هنا تفسيرية.
قوله تعالى: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ).
ابن عرفة: التذكير بذلك سبب في إخراجهم من الظلمات إلى النور فلم أخره عنه، وأجاب: بأن التذكير هو الموعظة، قال والدعاء على الإسلام متقدم عليها والموعظة إنما تكون بعد ذلك لأنه يريهم المعجزات ابتداءً فإذا آمنوا وعظهم ليدوموا على إيمانهم ابن عرفة: وهنا سؤال وهو هلا قال أخرج قومك من الظلمات إلى النور بإذن الله كما قال أولا (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) وعادتهم يجيبون: بأن الأول خطاب للنبي ﷺ وشريعته من أسهل الشرائع فناسب فيها ذكر الإذن ليفيد معنى السهولة واللين المأذون فيهما وهذه الآية الثانية خطاب لموسى وقد كانت شريعته صعبة ألا ترى إلى قوله (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُم) قلت له: أو يجاب بأن اخرج فعل أمر فهو بنفسه دليل على الآن فلم يحتج إلى ذكره معه بخلاف قوله ليخرج النَّاس فإِنه جملة خبرية لَا تدل على الإذن فلذلك قيدت به.
قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ).
المراد بهما الآيات النافعة بدليل قوله: (لِكُلِّ صَبَّارِ شَكُورٍ) مع أنه آية للصابر الشاكر لكن إنما هو آية نافعة للصبار والشكور لَا لمن اتصف بمطلق صبر ومطلق شكر، ابن عرفة: وليس المراد من جميع الوصفين بل من اتصف بأحدهما وإنما لم يعطفهما بالواو إشارة إلى التهييج والإلهاب على الإنصاف بهما معا.
قوله تعالى: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ... (٦)﴾
قال: لم أفرد النعمة؟ فأجيب بوجهين: الأول: قلت إما لأنه فسرها بشيء واحد وهو الإنجاء من آل فرعون فهي نعمة واحدة، الثاني قال ابن عرفة: عادتهم يجيبون بأنه إنما أفردا لأن الإنسان لَا يستطيع الشكر على كل النعم بل على البعض فقط فأفردها تحقيقا على المكلف في الشكر على النعم وإن كثرت إذ لَا يقدر على القيام بواجب الشكر على جميعها وإن [أفرغ وسعه*]، قال والعامل في (إذ) (نِعْمَةَ) لأنه [مصدر مجرد بالياء] [ظرف للنعمة بمعنى الإنعام*] (١)
(١) في الأصل المطبوع هكذا [مصدر مجرد بالياء]. والتصويب من الزمخشري. (٢/ ٥٤٠).
440
ولا يصح أن يعمل فيها إذا ذكروا لأنه مستقبل [وإذ*] ظرف زماني لما مضى وقت الذكر ليس هو وقت الإنجاء.
قوله تعالى: (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ).
ابن عرفة: إن قلت عطف (يُذَبِّحُونَ) على (يَسُومُونَكُمْ) مشكل لأن العطف يقتضي المغايرة فإن كان السوم هو الذبح لزم عطف الشيء على نفسه والعطف يقتضي المغايرة كما سبق وإن كان غيره لزم تفسير [الشيء*] بغيره، والجواب: أنه غيره لكنه أعم منه فالسوم هو أوائل العذاب ومقدماته والذبح أخص منه، فإن قلت: هلا قال (وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ) كما قال (وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ) فالجواب: أن البنات في حال صغرهن لَا مؤنة لهن ولا مشقة وإنَّمَا يلحق أباءهن المؤنة والمشقة إذا كبرن وصرن نساء، فإن قلت: لم عطف الفعل هنا ولم يعطفه في البقرة؟ قال عادتهم يجيبون: بأن [النعمة*] في آية البقرة وقعت من الله تعالى لأنه قال (إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [فأسند*] الفعل إلى [نفسه*] [ولأن*] كل الأشياء عنده حقيرة؛ فلهذا أتى بالجملة الثانية غير معطوفة لتكون مفسرة للأول [كأنهما] شيء واحد؛ [لأن من يستعظم الأشياء الحقيرة*] لا قدرة له، فالمائة دينار لَا قدر لها عند الغني، وهي عند الفقير مال معتبر، والآية في هذه السورة [والمذكور*] فيها من موسى عليه السلام لأن [أولها*] [وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا*] فهذه صدرت من موسى لقومه فناسب فيها المبالغة في العطف بالواو، والتي تقتضي المغايرة والبيان لكثير أسباب المن، وأجاب صاحب درة التنزيل بأن آية إبراهيم وقعت في خبر عطف خبر آخر قبله وهو قوله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا) و (إذ قال موسى) فتضمن الأول إخبار عن إرسال موسى بالآيات، والثاني: تنبيهه لقوله على [نعمة*] الله فتقوى معنى العطف في (يُذَبِّحُونَ) لأنه وما عطف عليه [**وأخلى] جملة معطوفة علي غيرها فالمقام مقام الفضل بخلاف آية البقرة فإنه أخبر بخبر واحد، وهو إخباره عن نفسه بإنجائه بني إسرائيل فلذلك عطف (١)، قلت: يريد والجمل المتقدمة في سورة البقرة إنما هي طلبه وهي قوله: (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْمًا) والمشاكلة تقتضي أن الإخبار يجري مجرى واحد في الوصل والعقل بخلاف أخبرو الطلب فإنه لَا يعامل أحدهما معاملة الآخر ألا ترى المشهور عند النحويين أنه لَا يجوز عطف الجملة الخبرية على الطلبية ولا العكس حسبما نبه عليه أبو الربيع في شرح الإيضاح هذا الذي تلخص لي من كلام درة التنزيل على طوله.
قوله تعالى: (وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ).
441
فإنما عطفها وإن كانت الثانية مفسرة للأولى لم يحتج إلى حرف العطف، وقولهم (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) قال ابن مالك: إن الجملتين إن كانت متقاربتين عطفا وإن كانت الثانية مفسرة للأولى لم يحتج إلى حرف العطف فقوله (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) تفسير لقوله (أَصْحَابُ النَّارِ) أو تأكيدا على سبيل التشنيع عليهم وإن هذه المقالة لغرابتها صارت كأنها مقالة أخرى مغايرة لإذايتهم النبي فكذلك عطفه، قيل لابن عرفة: ابن عصفور قال في شرح مقربه من أول باب الفاعل لما ذكر أن قوله (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) قال وقد تعطف الجملة المفسرة نحو قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) قال قوله (كُنْ) تفسيرها لما قبله.
قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ... (٦)﴾
ابن عرفة: انظر هل المراد أنهم طلبوا السيئة فقط، قلت: تقدم السيئة على مثل هذا في قوله تعالى: (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُن مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) وهي إنك إذا قلت جاء زيد قبل عمرو فإنما دل على تقدم مجيء زيد ويحتمل أن عمرو جاء بعده أو معه ولم يجيء بدليل قوله تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي) لأن تمام الكلمات محال، ووقوع السبب بعد الطلاق منفي بالإجماع وكان بعضهم [... ] على البراذعي في قوله في التهذيب ويؤمر الجنب بالوضوء قبل الغسل فإن أخره بعده بجزاء لأن الأصل في المدونة فإن الغسل قبل وضوئه أجزأه فكان يقول يقتضي لفظ المدونة؛ لأن ذلك الغسل أجزأه، قال ثم يتوضأ لأن الغسل يقوم مقام الوضوء بالإجماع لحديث "وأي وضوء أعم من الغسل" قلت له: الظاهر أنهم طلبوا السيئة فقط لأن الحسنة بعدها ما تأتيهم إلا وقد هلكوا، فقال يحتمل أن يهلكوا من غير استئصال.
قوله تعالى: (خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ).
أي مضت من قبلهم قرون وقع لها من العذاب ما صيرها يضرب بها المثل لغيرها.
قوله تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ).
قيل: إن المغفرة تأخير ذلهم وعدم معاجلتهم بالعقوبة، ابن عرفة: ويحتمل أن يزاد من علم الله أنه يؤمن بأن يغفر له حالة ظلمه، وقال الغزنوي: إن هذه منسوخ، ورده ابن عرفة: بأنه خبر والأخبار لَا ينسخ، ونقل عن القاضي ابن عبد السلام أنه كان
فلم يقل: بناتكم وهو كان يكون أولا كقوله: (وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ) ولم يقل: رجالكم قال وعادتهم يجيبون بأن ذلك إشارة إلى الوصف الذي لأجله أحيوا البنات وهو بقاؤهن حتى يكبرن فيحتقروهن ويذلوهن [... ].
قوله تعالى: ﴿تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ... (٧)﴾
ونظيره [توعد وأوعد*] وتفضل وأفضل. ولابد في تفعَّل*] من زيادة معنى ليس في [أفعل*] كأنه قيل (وإذ آذن ربكم*) إيذانا بليغا [تنتفي عنده*] لشكوك، ابن عرفة: أراد الزمخشري أن تفعل ما يقتضي تكلف الفعل بمشقة، ويصير النظر غير متعد كقولك في أكرم وتكرم [وأوعد وتوعد*]. ابن عطية: إنها مثلها في عدم تكلف الفعل والمشقة. حمله الزمخشري: والله أعلم على أن التضعيف للتأكيد والمبالغة في الإذن. قوله (رَبُّكُمْ) لأي شيء أضاف الرب للمخاطب، والأصل إضافته إلى المتكلم، فيقال: ربنا [فأجاب*] بأنه لما طلب منهم الشكر [**أنابهم فأوجد موجباته وهو اللفظ الدال على التراخي والتخافي] وأضافه إليهم ليكون آكد في الشكر وإمَّا هو فشكره حاصل ومعرفته بذلك مستقرة ثابتة.
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ... (٩)﴾
ابن عرفة: كيف جزموا أولا بالكفر ثم قالوا: (إِنَّا لَفِي شَكٍّ) أو يجاب: باحتمال أن يريدوا بالأول قسم التوحيد، وبالثاني قسم الشرائع والأحكام أو باحتمال العكس أو يراد إنما كفروا بما أرسلتم به من حيث الجملة وإننا لفي شك من الرسل بدليل قوله [أَفِي اللَّهِ شَكٌّ*] فهم شكوا في الله وكفروا بما جاءت به الرسل من هذه ونقل بعض الطلبة عن الأصبهاني شارح المحصول أنه قال الفرق بين الترديد في الحكم بالترديد وبين الحكم، فقال له ابن عرفة: إنما ذلك في أو فقط، فإن قلت: لم قال في سورة هود: (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) وقال هنا (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)، قلنا: أما أفراد ضمير تدعونا هناك فلأنه خطاب لصالحٍ وحده وأمَّا جمع ضمير تدعوننا هنا فلأنه خطاب من جماعة من النَّاس بجماعة الرسل وأما حذف الضمير المنصوب بأن هنا وإثباته في هود، فقال صاحب درة التنزِيل: إنما أثبت ضمير النصب في هود لتقدم مثله قبله من النقل مثبتا في قوله (أَتَنْهَانَا أنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) وحذفه في إبراهيم وحذفه آخرا فقال: (إِنَّا لَفِي شَكٍّ) لتقدير نظيره قبله معبر لآخر الفعل وهو قوله (إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ) وقال أبو جعفر: حذف نون الضمير المنصوب من أن في هود لتكرار
يقول إن هذه الآية تدل على ترجيح جانب الخوف على جانب الرجاء لقوله: (ذُو مَغْفِرَةٍ) وهو للتقليل، ابن عرفة: إنما أخذه من كون المغفرة مصدر محذوف [بالتاء الدالة على الوحدة*] والعقاب مصدر منهم يقع على القليل والكثرة، قال وإن ربك لغفار للناس لأفاد المبالغة، قلت: وهو لابن عطية لأنه قال ما نصه: والظاهر [من*] معنى المغفرة هنا إنما ستره [في الدنيا وإمهاله للكفرة*] [ألا ترى التيسير في لفظ مَغْفِرَةٍ*] وأنها منكرة مقللة، وليس فيها مبالغة كما في قوله تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ). قلت وذكر الزمخشري: في سورة [غافر*] في قوله: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) إذا قال: (ذُو) أدل على عظم فضله وكثرته، ونحوه لابن الخطيب في سورة الإسراء في قوله: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) ونحوه للقاضي عياض في الإكمال في قصة سعد بن أبي وقاص في الوصية حيث قال: قد [بَلَغَنِي*] مَا تَرَى مِنَ الْوَجَعِ، [وَأَنَا ذُو مَالٍ*]، [وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ].
قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى... (٨)﴾
انظر هل المراد به الآدميات أو عموم [الإناث*]، فإن قلت: قوله: (وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ) قرينة في الخصوص، قلنا: قد ذكر الفخر والآمدي أن العام إذا عقب بعضه بصفة من أصنافه فمذهب مالك والشافعي فإن على عموم، وقال الثوري: هو مقصود على ذلك الصنف فقوله: (وَمَا تَغِيضُ) وإن كان لَا يصدق إلا على الأرحام ولا يخصه، وذكر المؤرخون أنه كان في بلد سلا عشرة ملوك ولدوا من بطن واحدة، ابن عطية: وقع لمالك كما يدل على أن [الحامل*] عنده لَا تحيض، ومذهب ابن القاسم أنها تحيض، قيل لابن عرفة: يلزم من قولكم أنها تحيض أن يكون الحيض دليلا على براءة الرحم فكيف جعلتموه علامة على براءة الرحم في العدة والاستبراء، فقال: إنما حكمنا بالمظنة، فقلنا: هو مظنة براءة الرحم فخلفه بعض الأحيان لَا يمدح كما أن ظهور الغم في زمن الشتاء مظنة لنزول المطر وقد يتخلف، فإن قلت: لم قدم النقص على الزيادة؟ قلنا: لأن الأصل عدم الزيادة.
قوله تعالى: (وَكُلُّ شَيءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ).
ابن عرفة: انظر هل المراد به القدرة وهي الإبراز من العدم إلى الوجود أو الإرادة وهي التخصص أو العلم وهو الكشف وإلا [فالظاهر*] أن المراد به الإرادة وإن (وَكُلُّ شَيءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) مراد لأنه أتى به عقيب قوله: (وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ) وما تزداد هم حمل ناقص وحمل زائد وحمل معتدل، فقال: (كُلُّ شَيْءٍ) ذلك مراد له كان
تخصيص الناقص بالنقص والزائد بالزيادة وإنما هو راجع بالإرادة والظاهر أنه من العمومات الغير المخصوصة، كقوله تعالى: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ).
قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ... (٩)﴾
إن قلت: لم قال (يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى) [فأخبر*] بالفعل وقال: (عَالِمُ الْغَيبِ) بخبر الاسم، فالجواب: إن العلم الأول متعلقاته متعددة شيئا بعد شيء بدليل زيادة الحمل ونقصانه فلذلك عبر فيه بالفعل، والعلم الثاني متعلقه الغيب والشهادة وهما لَا يختلفان ولا يتحدان إلا باعتبار متعلقاتهما، ولم يذكر في الآية غير مجرد الغيب والشهادة وهما على الإطلاق ثابتان لَا يجدان فيهما باعتباره ذاتهما، ابن عرفة: هذا عندي مثل: (لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) لأنه إذا علم الغائب قادرا على الشاهد، والجَواب: كالجواب وهو أنه قصد الإشعار بالتسوية وإن علمه بالغائب كعلمه بالشاهد [ليس بينهما تفاوت*]، ابن عرفة: وقوله الغيب والشهادة ليس هو في موضع نصب لأن ابن عصفور نص في شرح مقربه على اسم الفاعل إنما يعمل إذا دل على الزمان فإن جرد عن الزمان لم يعمل، كقوله: ألقيت كأسهم في قعر مظلمة، و: (عَالِمُ) هنا صفة لله تعالى فيستحيل فيه الزمان فهو هنا مجرد عن الأزمنة.
قوله تعالى: (الْكَبِيرُ).
كان بعضهم يقول: إنه وصف مشترك والتعال خاص لَا يقال إلا لله.
قوله تعالى: ﴿مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ... (١٠)﴾
قال ابن بشير: القراءة في الصلاة على ثلاثة أقسام قراءة باللسان جهرا، وقراءة به سرا، وقراءة بالقلب، وأنها تجري في الصلاة والظاهر أن المراد في الآية بالأسر أن يسمع نفسه أو يقرأ بقلبه لكي تدخل الأقسام الثلاثة فهو أبلغ و: (أسَرَّ) مصدر في الأصل وهو خبر عن قوله: (مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ) [والمصادر لَا تكون إخبارا*] عن الحث فهو كقولك زيد عدل، قال الكوفيون: أي ذو عدل وجعله البصريون نفس الضالة مبالغة ومجازا، فالجواب: أنه ليس مثله وإنما جاز الإخبار هنا لأنه ليس خبرا عن الذات بل عن المجموع، قيل لابن عرفة: هلا قال سواء عنده ولم يقل منكم ليعم الكلام الإنس والجن بل ذكر كان يكون أولى لأنهم أجهل وأشد مكرا واختفاء والشيطان فيهم فقال الجن أجسام لطيفة والإناء اللطيف الشفاف يرى ما في باطنه من ظاهره بخلاف الإنس فإِن أجسامهم كثيفة فكان العلم بما في قلوبهم أبلغ فلذلك ذكرهم ليدل ذلك على العلم فأسرار الجن من باب آخر.
ما في تدعوننا ولم يحذفها في هود لعدم تكرارها في تدعونا لأنه خطاب لصالح وحده فهو ضمير.
قوله تعالى: ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ... (١٠)﴾
ابن عرفة: أضاف الرسل إليهم ولم يقل رسلنا على إن الرسل منهم بحيث يعلمون حالهم وأنهم لم يعبدوا منهم كذبا ولا علم أنهم خالطوا نحوه فدل ذلك على أن حاجاتهم به حق.
قال الفخر: في [المحصول*] مذهب أهل السنة لأن الرسل ليس في خلقهم وبينهم زيادة علينا ولا خاصية ذاتية خلقوا بها عنا وما وجد منهم من القوة على الوحي أو غير ذلك فأمور عرضية كالشجاعة للبطل ومذهب الفلاسفة أن بنيتهم مخالفة لنا ولا بد لهم من خاصية ذاتية اختصوا بها هنا.
قوله تعالى: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ).
أي في ألوهية الله شك، وقال الفارسي: أفي وحدانية الله شك، ابن عطية: هذا علة مذهب المعتزلة في إنكار الصفات لأن إنكار الألوهية يستلزم إنكار الصفة فرد عليه بأنه لم يخالف أحد من المسلمين في أن إثبات الآلوهية لله تعالى بخلاف العلم ونحن فإنهم يقولون عالم لَا يعلم، قالوا: وإنما قدره الفارسي هكذا لأن أول ما يجعل الرسل علمهم على اعتقاد وحدانية الله بخلاف الألوهية إذ لم يخالف فيها أحد، قلت: قد خالف فيها المجوس الذين عبدوا الشمس: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ) انتهى، قال ابن عرفة: وكان بعضهم يقول في هذه الآية انظر كلامهم جعلوا أنفسهم مظروفين في الشك والشك ظرفا لهم وكلام الرسل جعلوا الشك مظروفا في أمر الله أو في شأن الله، وجعلوا شأن الله ظرفا له قالوا وهذا [لوجهين*] عقلي ونقلي، أما النقلي فلأن الظرف أوسع من المظروف قال محيط بالكفار في جميع الجهات وهم مفتقرون إِليه إذا المتحيز مفتقرا إلى الخير والحال مفتقر إلى المحل لابد له منه وقول الرسل (أفِي اللَّهِ شَكٌّ) جعلوا الشك متحيرا حالا في أمر الله وأمر الله أعلى منه وأكبر وهو خير له فهو إشارة إلى تعليل الشك، أي لَا يتصور أن يقع في شك في الله بوجه، وإن قل فإِذا أنكروا أن يكون أمر الله خيرا للشك مع قلته فأحرى أن ينكروا كون الشك خيرا له مع كثرته.
قوله تعالى: (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ).
إن استدلال أهل أصول الدين على وجود الإله بوجهين، أحدهما: إمكان العالم وأنه جائز الوقوع وكل جائز لابد له من مرجّح يقتضي وقوعه على أحد الجائزين، الثاني: حدوث العالم إذ لابد له من موجدا وجده، قيل له: فالحكماء القائلون بقدم العالم هل على مذهبهم يتم الدليل على وجود الإله بأن العالم ممكن، فقال: نعم
قوله تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ... (١١)﴾
الزمخشري: إن جماعات يتعقب في حفظه وكلامه القونوي أي أذكار وتسبيحات ودعوات، ورده ابن عرفة: بأن المجموع بالألف والتاء إذا كان مكبرا يشترط فيه الفعل إلا إذ لم تكره العرب [... ] وهذا حكى أن الزمخشري فيه هنا معاقيب، ابن عرفة: إن قلت الوارد في الحديث إن الحفظة ملك عن اليمين وملك عن الشمال فكيف قال من بين يديه ومن خلفه؟ فالجواب بوجهين: الأول: أن (مِن) لابتداء الغاية فينزلون من أمامه ومن خلفه لعمارة يمينه وشماله فالحفظة الأول ثم يصعد الحفظة وهم عن يمينه وعن شماله، والثاني: أن الضرر اللاحق الإنسان من أمامه وخلفه أصعب عليه وأشق كما هو من أمامه فإِليه مصادر وإليه يهرب ألا ترى قوله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوتَ الًذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) وما هو من خلفه فإِنه من حيث لَا يشعر فحفظ هنا بين الجهتين أكد من غيره.
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).
إن قلت: هذا محالة لقوله (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا) ومترفوها هم أهل النعيم، والمترفة وفي الحديث "أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث" [وهذه الآية دليل*] أن الهلاك إنما يقع [عند مخالفة*] الشرع، فالجواب: بوجهين الأول أن المراد [بِقَوْمٍ*] الكل لَا الكلية [فالهلاك*] لَا يقع بقوم حتى يقع منهم التغير إما من كلهم أو أكثر، الثاني أن المراد بتغيرهم ما بأنفسهم التغيير الذي لَا [... ] عنه ثواب في الآخرة [... ] بالهلاك والألم ممن لم يغير في الدنيا بسبب مخالطتهم لمن غير رحم به وابتلاء من الله تعالى لأنه إن رضي بذلك وقابله بالحمد والشكر يثاب عليه في الآخرة، والتغيير الواقع به ليس بعقوبة وكما في الحديث "إن النَّاس [يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ*] أو على أعمالهم".
قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ).
هذا احتراس إشارة إلى المعقبات إنما [ليحفظوا*] منه مما أراد الله عدم وقوعه به وأهل السنة يعمون لفظ القول في الطائع والعاصي والمعتزلة يخصصونه بالعاصي بناء على قاعدة التحسين والتقبيح عندهم.
قوله تعالى: (وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ).
421
ويقولون هو ممكن لذاته واجب لغيره.
قوله تعالى: (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ).
قال الزمخشري: أي (يَدْعُوكُمْ) إلى الإيمان (لِيَغْفِرَ لَكُم) أو يدعوكم لأجل المغفرة؛ كقولك دعوته لينصرني ودعوته ليأكل معي، ابن عرفة: وجه الفرق [... ] والله أعلم أن قوله ليأكل معي دخلت اللام على العلة، وقوله لينصرني جعلت اللام على المدعو له بدليل إنك تعلل الأول فغفر دعوتك لتأكل إكراما لك، قيل له: وكذلك تقول دعوتك لتنصرني ثقة بك أو بشجاعتك، فقال: إنما هذا تعليل للعلة وليس تعليل الفعل المتقدم.
قوله تعالى: (مِنْ ذُنُوبِكُمْ).
قيل: (مِنْ) للتبعيض أي بعض ذنوبكم، ونقل العز بن أبي الربيع: أنه أشار إلى أن الإسلام يحيط ما قبله كقوله (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) ورده ابن عرفة: بأنه لَا يلزم صدق الذنوب على الماضي والمستقبل لأن الخطاب للكفار، فيلزم المجاز لأن الآن لم يعلموه فكيف يصدق عليه أنه ذنوب قبل الفعل، ونقل عن ابن عصفور أنه قال: (يَغْفِرَ لَكُمْ) جملة من ذنوبكم، ورده ابن عرفة: بأن الجملة بعض الذنوب فلا حاجة إلى تقديرها ولفظة من الثانية مناب بعض يغني عنها، قلت لابن عرفة: وما المانع من كون (مِنْ) للبداية أعني للابتداء والانتهاء كقولك أخذت المال من الصندوق، فقال لَا يصح، هنا لأن الصندوق غير مأخوذ منه فيلزم هنا أن تكون الذنوب غير مغفوره.
قوله تعالى: ﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ... (١١)﴾
وقال: قبله (قالت رسلهم)، فأجيب: بوجوه الأول، قال ابن عرفة: لما كان وجود الله تعالى أمرا نظريا ليس بضروري وكون الرسل مبعثهم أمرا ضروريا لَا يحتاج إلى نظر لظهوره فكأنه يقول ما قالوا هذا لأنهم لَا يغريهم لقلتهم وغباوتهم وجهلهم كما أن القائل السماء فوقنا والأرض تحتنا ما يخاطب به إلا من هو في غاية الجهل والغباوة، الجواب الثاني: قلت إما أن قوله (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ) [خطاب لمن عاند فيه*] وهو كالمعاند في الأمر الضروري فلذلك أسقط المجرور لأن المجيب عن ذلك يجيب به من حيث الجملة، ولا يقبل بالجواب على المخاطب لغباوته عنده ومعاندته فيجيب وهو معرض عنه بخلاف قولهم (إن نحن إلا بشر مثلكم)؛ لأنه يقرر لمقالتهم ويثبت لها القول لمقالة خصمه يقبل عليه بالجواب لأنه لم يبطل كلامه بالإطلاق بل يقرره ويزيد فيه زيادات تبطل [قول خصمه*]، قلت وأجاب ابن عرفة: عن هذا مرة أخرى بأن قوله [قالت لهم] [مقالة*] خاصة أو هي جواب عن قوله صدر منهم والمقالة الأولى لهم ولغيرهم.
قوله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ).
قال هذا راجع لقوله (تريدون أن تصدونا) فمعناه (يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) بالإيمان
444
أي من شفيع في رفع العذاب عنهم فهو تأسيس وقوله (فَلا مَرَدَّ لَهُ) هي فلا دافع له عنهم ابتدأ قبل وقوعه بهم ولا ناصر لهم يرفعه عنهم بعد وقوعه.
قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا... (١٢)﴾
نسب الرؤية للبرق والإنشاء للسحاب؛ لأن الإنشاء المرتبة أسهلها على البصر [... ] البياض الساطع فنحن نعجز عن مداومة النظر للشمس والنعمة في البرق في أقدارنا على النظر إليه وانظر قوله: (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ) وأما السحاب فجرم ثقيل جدا والنعمة التي فيه هي إبرازه من العدم إلى الوجود.
قوله تعالى: (خَوْفًا وَطَمَعًا).
أعربهما الزمخشري: حالا ومنع أن يكونا مفعولا من أجله إذ ليس عنده فعلين والفاعل الفعل المعلل على مذهبه في أن الله تعالى لم يخلق الشر ولا أراده ونحن نجيز ذلك ونقول أراده وخلق في قلوب بعضنا الخوف منه، وفي قلوب [الآخَرين*] الطمع فيه والفرق بين إرادة الخوف وبين خلق الخوف إنك تريده من زيد أن يخاف منك ولا تقدر على إيقاع ذلك به، الزمخشري يخاف المطر [من له فيه ضرر*]، كالمسافر، ومن في [جرينه التمر*] [والزبيب*] ومن له بيت يقطر عليه ومن [البلاد*] من يتضرر أهلها بالمطر كأهل مصر فإِنه يفسد عليهم أبنيتهم، ونزول المطر فيها قليل جدا، ابن عرفة رأيت في خزانة التواريخ لابن سليم لما ذكر دخول مصر وما جرى له مع أهلها قال طلبت من بعضهم أن يهجوها فامتنع فلما أكثرت عليه قال:
كم ذا تقيم بمصر... معذباً بذويها
وكيف ترجو نداهم... والسحب تبخل فيها
قوله تعالى: (وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ) حكى ابن رشد في بيانه في كتاب السواد والأنهار: خلافا فقيل: إن الماء كلها من السماء، وقيل: من البحار وإنه يتصعد منها بخار تكسبه [... ] وتذوبه فيكون في السحاب ثم ينزل مطرا، وقيل: بالوقف وهو اختياره، وذكر بعضهم أنه إذا نحن ما البحر وجعلت على القدر ثباته فإنه يعذب، وقيل: بل تكثر حدته [... ] المضطر إليه.
قوله تعالى: ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ... (١٣)﴾
قيل: إن الرعد اسم ملك، ورده ابن عرفة بقوله: (فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) فقد نكره فإن كان لفظ الرعد هو العلم على الملك لم
422
والخروج [عن عصياته*].
قوله تعالى: ﴿وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا... (١٢)﴾
قال بعضهم: لم جمعه وتقرر غيرها مرة أن طريق الهدى واحده حسبما أشار إليه الزمخشري في قوله: (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) قال ابن عرفة: ما جواب أنه على التوزيع قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) فلكل رسول طريق باعتبار شريعته وأحكامه.
قوله تعالى: (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا).
ابن عطية: (مَا) إما موصولة بمعنى الذي أو مصدرية والعائد محذوف تقديره آذيتموناه أو (آذَيْتُمُونَا) به، قال: ويجوز ذلك عند سيبويه خلافا للأخفش، ابن عرفة: آذى هذه ليست من الأفعال المتعددة إلى مقبول تارة ينفع وتارة بحرف الجر إلى أحدهما، وقال بعض الطلبة إنما مراده أنه لَا يجوز حذف الضمير العائد إلا إذا دخل على الموصول حرف مثل حرف الجر الداخل على الضمير وهنا اختلف الجار.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا... (١٣)﴾
ليس المراد حقيقة العود لأن الرسل لم يكونوا من ملة قومهم قبل الرسالة، قاله الزمخشري: قيل لابن عرفة: وما المانع من أن الكفار ادعوا على الرسل أنهم كانوا قبل البعثة على ملتهم وافتروا عليهم ذلك؟ فقال: يمنع سنة أن هذا أمر مشاهد حسي وليس بعقلي، وقالوا: في أصول الفقه أن عدو التواتر يقع في الأمر الحسي بخلاف العقلي فلو أخبر عشرون ألفا [بقدم العالم*] لما قبل قولهم بخلاف قالوا خبر جماعة بقدوم زيد فإما تقبل قولهم لأنه لَا يمكن اجتماعهم كلهم على الكذب فيه وأما الأول فالعقل يكذبهم قيل له: لعل المراد به على التوزيع بمعنى أن تلك المقالة قالها لكل واحد اثنان من أشراف قومه، فقال هذا بعيد، قال ابن عرفة: أو يكون العود على حقيقته لاحتمال كون الرسل لم يظهروا لهم قبل البعثة أنهم مخالفون لدينهم فلما بعثوا إليهم أظهروا المخالفة، قلت لابن عرفة: أخرجهم آباؤهم من أرضهم عقوبة لَا نسبة عن عدم العود فهلا قالوا ليعودن في ملتنِا أو لنخرجنكم من أرضنا، فقال المقام مقام التخويف فلذلك بدءوا بالإخراج قوله (أوْ لَتَعُودُنَّ) قال ابن عطية: أو بمعنى إلا أن ونقل عن ابن هشام شارح الإيضاح إن أو لا تكون بمعنى إلا إذا لم تدخل على الفعل.
قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ... (١٨)﴾
ابن عطية: المثل بمعنى الصفة، ابن عرفة: ليس مطلقا بل التي فيها غرابة ولذلك جعلوا الأمر المودع قصرا منه مثلا قوله (كَفَرُوا بِرَبِّهِم) ذكر الرب تستنتج لهم، أي كفروا بمن أنعم عليهِم ورحمهم.
قوله تعالى: (أعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ).
445
يجز حذف الألف واللام منه كما لَا يحذف في القائم والعباس وإن كان العلم عليه رعد لزم إدخال الألف واللام فيهما كما لَا يحذف في القاسم على الاسم العلم وهو غير جائز، قلت: الألف واللام للمح الصفة فإن لمحتها أدخلتها وإلا فلا، قيل: الرعد صوت ملك، وقال الحكماء [... ] الأجرام، قيل لابن عرفة: لما أسند الحمد للرعد والخوف للملائكة، فقال: إن كان الرعد اسم ملك فأسند الحمد إليه إما لأنه جرم عظيم من سائر أجرام الملائكة فهو في مقام الحمد لَا في مقام الخوف، وإما ليدلك اللفظ بدلالتين مطابقة والتزاما، فأسند التحميد إليه أولا وحده، ثم أسند الخوف له مع الملائكة لدخوله فيهم، أو يكون حذف من الأول لدلالة الثاني، ومن الثاني لدلالة الأول، أي ويسبح الرعد من خيفته بحمده والملائكة بحمده من خيفته، وإن أريد بالرعد السحاب، فالمعنى أنه يسبح الله وبحمده على إبرازه إياه من العدم إلى الوجود وعلينا أن الحال لَا بلسان القول إذ لَا عمل له فلذلك لم يسند الخوف إليه بخلاف التسبيح بقوله: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) والخوف إنما يقع على العاقل.
قوله تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ... (١٤)﴾
أي لله دعوة الحق، ورد بعدم الفائدة مع القارئ أن الذاهبة جاءته صاحبها، وأجاب السفاقسي: بأنه أفاد بالصفة أي لله دعوة الله الحق، ابن عرفة: هذا لو كانت الصفة في الخبر وهي هنا في المبتدأ فقال فصارت في المبتدأ مشتملا على ما في الخبر وزيادة [فزاد المسألة بها إشكالا*].
قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ).
ابن عرفة: لم يدعوهم من دون الله لكن بالخبر الذي شركوهم فيه مع الله هو العبادة دعوهم فيه من دونه.
قوله تعالى: (لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ).
ابن عطية: أي لَا يجيبون لهم بشيء وليس هو من استفعل بمعنى ذلك الفعل وإنَّمَا هو كقول الشاعر:
وداعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجيبُ إِلَى النَّدَى... فلَمْ يستَجِبْهُ عندَ ذاكَ مُجِيبُ
ابن عرفة: هذا من تأكيد الذم بما يشبه المدح، فعلى هذا لَا سؤال وإن لم يكن بمعنى، أجاب: يرد فيه أن استجابة خاصة بمن أجاب بما يوافق غرض السائل، وأجاب: عامة في المجيب بالموافق والمخالف فيقال لم تفاخرا لهم بالموافق مع أنهم
لا يجيبون بشيء على الإطلاق، فيجاب: بأن مطلوبهم في الآلهة إنما هو حصول غرضهم فنفاه وإما غيره فليس مطلوبا لهم فلم يحتج إلى نفيه.
قوله تعالى: (إِلَّا كَبَاسِطِ كَفيْهِ إِلَى الْمَاءِ).
ابن عرفة: هذا من تأكيد الذم بما يشبه المدح بقوله:
هو الكلبُ إلاَّ أنَّ فيه ملالةً... وسوءَ مراعاةٍ وما ذاكَ في الكلبِ
والمراد بالذين يدعون من دونه الكافرون فشبه داعي الآلهة بداعي الماء باسطا كفه إليه ولو أريد به نفس آلهة لكان يكون يشبه مدعوا الكافرين بالداعي الباسط كفيه فيحتاج حينئذ إلى تكلف حذف المقابلة كما في قوله: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ) وهو هنا بعيد لأنه يصير التقدير والذين [يدعون*] من دونه ودعائهم لَا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء والماء فيه تكلف كثير، الزمخشري: وقوله (كَبَاسِطِ كَفَّيهِ) يحتمل أن يريد به الاستجابة كاستجابة باسط كفيه أي كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه يطلب أن يبلغ فاه والماء جماد لَا يشعر بعطشه ولا يدعى به له، ابن عرفة: وشبه به باسط كفيه لما دون فاتح فيه للماء لأنه داعٍ وشأن الداعي أن يبسط يديه.
قوله تعالى: (وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ).
ابن عرفة: الفعل يقتضي التجدد والاسم يقتضي الثبوت فإذا أريد المبالغة خبر في الثبوت فإذا أريد المبالغة في غير الثبوت للاسم إلى النفي بالفعل؛ لأنه يلزم من النفي ثبوت الصفة وهي ما نفي ثبوتها [... ] ولا يلزم من نفي ثبوتها [... ] نفي ثبوتها [**ونفاها] وكذلك يؤتى بالأعم في النفي والأخص في الثبوت لأن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص، وثبوت الأخص يستلزم ثبوت الأعم ونحوه، للزمخشري في قوله: (فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) وجاءت هذه الآية على العكس في قوله البليغ أفاد وما هو ببالغه فعبر في الثبوت بالفعل في النفي بالاسم ونفي منه البلوغ الثابت داعيا ولا يلزم من نفي على البلوغ المجرد والثابت وقال: ما قال. والجواب: إن القرية هنا تفي هذا المفهوم المتوهم ويتعين إلى المراد نفي البلوغ على الإطلاق كيف ما كان.
قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ... (١٦)﴾
قال الزمخشري: هذا إما حكاية [لاعترافهم*] وثبت بقولهم؛ كما يقول [المناظر*] لصاحبه أهذا قولك؟ باحتماله خشية أنه أراد رد عليه مقالته بجحدها لأنه إذا قال لهم من رب
424
السماوات والأرض؟ فلا بد أن يقول: هو الله كما قال (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَهُم لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) وقال مكي: هو خطاب للجاهل [... ] [**فيجده مخبر عالم فخبر] (١).
قوله تعالى: [(أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) *].
المعطوف عليه مقدر أي كفرتم أي أفاتخذتم قوله: [(مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) *] صفة فيه ثلاثة أسئلة، الأول: لم قال (من دونه) وهم اتخذوهم شركاء مع الله؟ وجوابه: [إن*] نظرنا إلى نفس اتخاذهم وليا وناصرا بالنوع، فلا شك أنهم شركوا في وصف النصرة والولاية [بين الله وعبده*]، وإن نظرنا إلى اتخاذهم وليا وناصرا بالنوع، فلا شك أنهم بالشخص، فلا شك أن هذا لَا يصح فيه الشركة، وقد ذكر ابن التلمساني في مسألة الصلاة في الدار المغصوبة: أن الواحد بالشخص لَا يصح انقسامه إلى مأمور [... ] والواحد بالجنس أو النوع يصح فيه ذلك ومثله [السجود لله*] والسجود للصنم، السؤال الثاني: لم قدم المجرور على أولياء والأصل تقديم المرفوع ثم المنصوب ثم المجرور؟ وجوابه أنه قدم أشرفه بإضافته إلى الضمير لله، يقال السؤال الثالث: لم غير اللفظ وهلا قال فاتخذتم من دونه أربابا؟ وجوابه أن الأولياء أعم من الأرباب لأن الولي والناصر قد يكون ربا وقد لَا يكون ونحوا على الوصف الأعم وهو طلبهم النصرة من غير الله فيلزم منه الذم على الوصف الأخص وهو اتخاذهم أربابا من دون الله من باب آخر ولو قيل: اتخذتم من دونه أربابا لأفاد التوبيخ على هذا الوصف الأخص لَا على ما دونه وهو دفع المضرة.
قوله تعالى: (نَفْعًا وَلَا ضَرًّا).
إن قلت: لم قدم نفي النفع على نفي الضر مع أن دفع المؤلم أكد وأولى من جلب المؤلم فهل قصد الترقي أم غير ذلك؟ فالجواب: إن ذلك إنما هو من باب الثبوت بعدم الضر لأن دفعه إما من جلب النفع، وإما في النفي بعكس الأمر لأنه لَا يلزم من عدم القدرة على دفع الضر الذي هو آكد وأنهم على [... ] عدم القدرة على جلب النفع، ولا ينعكس، والعطف يقتضي المغايرة فقدم النفع ليكون الثاني تأسيسا وزيادة في بيان عجزهم وترقبا ولو قدم الضرر لكان الأول مستلزم للثاني فيكون عطف عليه وأدخل في ضمنه فيصير بسببه عطف الخاص على العام.
قوله تعالى: (وَلَا ضَرًّا).
قال ابن عرفة: الأكثرون يقولون إن تكرار لفظ: (لا) تأكيد وقال [السهيلي*]: إذا قلت: ما قام زيد وعمرو احتمل أن يريد نفى القيام عنهما مجتمعين، فإذا قلت: ما قام
(١) النص عند مكي هكذا
"من رب السماوات والأرض، ومدبرها؟ (قل الله) أتى الجواب والسؤال فيه من جهة واحدة. وذلك على تقدير أنهم لما قيل لهم: من رب السماوات والأرض، (ومدبرها). جهلوا الجواب فقالوا: ومن هو؟ فقيل لهم الله: ومثله: ﴿مَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ الله﴾.
وهو كثير في القرآن: يأتي السؤال والجواب من جهة واحدة، من جهة السائل. وإنما حق الجواب أن يكون من جهة السؤال، لكن أتى الجواب من جهة السائل، والجوابِ: على معنى أنهم جهلوا الجواب، وطلبوه من جهة السائل: فأعلمهم به السائل، فصار السؤال والجواب من جهة واحدة". اهـ (الهداية إلى بلوغ النهاية. ٥/ ٣٧١٣).
425
زيد ولا عمرو أفاد نفي القيام عنهما وعن كل واحد منهما فيجيء نسبة الكلي والكلية تكررت لَا ليفيد نفي القدرة على كل واحد من الضرر والنفع، فإن قلت: هذا مردود يقول النحويين في لَا تأكل السمك وتشرب اللبن بالجزم أنه يقتضي نصبه عنهما بالإطلاق مجتمعين ومفترقين، وأجاب ابن القصار: بأن ما قام زيد وعمرو من عطف المفردات فيقتضي الجمعية، وقولك تشرب اللبن من عطف الجمل فلا يقتضي الجمع وإنما هو استئناف بدليل أنهم قالوا في وتشرب اللبن بالنصب أنه نهاه عنهما مجتمعين وما ذلك إلا لأنه يؤدي إلى عطف مفرد، قلت له: بل هو في عطف فعل على فعل أعني وتشرب بالخفض، فقال: عطف الفعل على الفعل لم يذكره أحد سوى ابن عصفور فإنه قال: العطف حمل اسم على اسم أو فعل على فعل ومثله قام وقعد زيد وهو في الحقيقة جملة على جملة.
قوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ).
ابن عرفة: مقام الإكرام والتبشير فينا فيه مساواة الفاضل للفضول ومقام الإنذار والتخويف على العكس فلذلك بدأ بالأعمى وجمع الظلمات وأفرد النور لتعدد طرق الشك واتحاد طرق الإيمان، قاله الزمخشري في أول سورة الأنعام، فإن قلت: الأعمى في الآية مقابل للظلمات فلم أفرده وجمعها؟ قلنا: نفي مساواة الأعمى للبصير يدركها كل أحد والظلمة جنس مفرد في سياق الثبوت يقع على القليل والكثير كالنور، وقيل مساواة النور لمطلق الظلمة مما يخفي على الأنبياء وكثير من النَّاس فإنه قد لا يظهر منها فرق بخلاف الظلمات المجتمعة المتراكب بعضها على بعض فإنه لَا يخفى على أحد إنها لَا تساوي النور فلذلك جمعها.
قوله تعالى: (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ).
هذه [تقضي*] بكفر المعتزلة القائلين بأن العبد يخلق أفعاله، وقوله: (فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) دليل على صحة العمل بالقياس لاقتضائها أن معبوداتهم لو كانت خالقة لكان عبادتهم لها وجه من النظر وهو أنهم يقولون هذا خالق فانتفى أن تصح عبادته قياسا على عبادة الله ولهذا يستدل المتكلمون على وجود الله (١) بحدوث العالم، وقوله (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ... (١٧).. قال الزمخشري: [كالفلز*]، ابن عرفة: هو كل ما يلين من المعادن فإِذا برد اشتدّ وليس كالذهب والفضة والحديد والنحاس والمتاع كل ما يتمتع به أواني الحديد والنحاس والرصاص والحلية كل ما يحلى به من الذهب والفضة وغيرها.
قوله تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً).
(١) في الأصل المطبوع هكذا [ووعد النية] وهي عبارة لا معنى لها، ومن ثَمَّ حذفناها. اهـ (مصحح نسخة الشاملة).
426
ابن عرفة: قال الخطيب في تاريخ بغداد ولما عرف بابن سعيد أحمد بن الحسين [الْبَرْذَعِيّ*] أحد فقهاء مذهب أبي حنيفة قال: قدم بغداد حاجا فدخل الجامع ووقف على [دَاوُد بْن عَلِيّ*] الظاهري وهو يكلم رجلا من أصحاب أبي حنيفة وقد ضعف الحنفي في يده فجلس فسأله عن بيع أمهات الأولاد، فقال له: يجوز لأنا [أجمعنا*] على جواز بيعهن [قَبْلَ*] العلوق [ووضع الحمل*] فليكن كذلك بعده عملا [باستصحاب*] الحال، ولا يزول إلا بإجماع، فقال لنا [الْبَرْذَعِيُّ*]: أجمعنا بعد العلوق [قبل وضع*] الحمل أنه لَا يجوز بيعها [فيجب أن نتمسك*] بهذا الإجماع [ولا نزول عَنْهُ إلا بإجماع مثله فأنقطع دَاوُد] *، وقال: ننظر في هذا، وقام أبو سعيد [فعزم*] على التدريس ببغداد، ولما رأى من [غلبة*] أصحاب الظاهر فلما كان بعد [مديدة*] رأى في المنام كأن قائلا يقول له (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) [فانتبه*] فسمع دق الباب فخرج [فإذ*] بقائل يقول له: قد مات داود الظاهري فإن أردت أن تصلي عليه فأت إلى الجامع وقت كذا، فأقام بعد ذلك سنين [كثيرة يدرس*] في محلته، ثم خرج إلى الحج فقتل في وقعة القرامطة مع الحاج، وذكر هذه القضية ابن سيد النَّاس في تأليف له خاص في أم الولد، وذكرها [... ] في فرق الفقهاء وأنكر هذا الإجماع. قال ابن عربي في قانون التأويل: ضرب الله الحق الباطل، فإنه خلق الماء لحياة الأبدان؛ كما أنزل القرآن لحياة القلوب، وضرب مثلا [الأودية*] بالماء مثلا [لامتلاء*] القلوب بالعلم، وضرب [الأودية*] الجامعة للماء مثلا للقلوب الجامعة للعلم، وضرب قدر [الأودية*] في احتمال الماء سعتها وضيقها وصغرها وكبرها مثلا لقدر القلوب في انشراحها وضيقها بالحرج، وضرب السيل للتمهيد والهشيم وما يجري به ويدفعه مثلا لما يدفعه القرآن من الجهالة والزيغ والشكوك ووساوس الشيطان، وضرب استقرار الماء ومكثه لانتفاع النَّاس به في السقي والزارعة مثلا لمكث العلم واستقراره في القلوب للانتفاع به، قال هذا المثل الأول وأما الثاني: فضرب المثل فيما يوقد عليه النار مثلا على ما في القرآن من فائدة العلم والعمل به فحلية الذهب والفضة مثل للعلم الواجب اعتقاده والمتاع مثل لما فيه من العمل المنتفع به كالانتفاع بالمتاع وكما أن النار تميز الخبيث من الطيب كذلك القرآن إذا عرضه عليه العلوم غير النافع فيها من الضار.
قوله تعالى: (فَيَذْهَبُ جُفَاءً).
الزمخشري: قرأ رؤبة جفالا وعن أبي حاتم لَا تقرأ بقراءة رؤبة لأنه كان يأكل الفأر ونقل ابن رشد في البيان في سماع عيسى في رسم أوصى من كتاب الصلاة عن عائشة أنها أجازت أكله وفي المدونة لَا بأس بأكل اليربوع والخلد عياض هو فأر الصحارى أعمى.
427
قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى... (١٨)﴾
وهل تارك الصلاة مستجيب لنطقه بالشهادتين والظاهر أنه مستجيب بالشهادتين فقط لا مطلقا.
قوله تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ).
هذا تهكم به لأن ذلك [عليهم لَا لهم*] وكذلك قوله (وَبِئْسَ الْمِهَادُ) تهكم لأن المهاد ما يفرش ويوطأ.
قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى... (١٩)﴾
في الآية حذف التقابل، أي أفمن ينصر فيعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى جاهل، قلت: وهذا من التنبيه بالأدنى عن الأعلى لأنه نفى مشابهه من اتصف بمطلق العلم بالحق عمن اتصف بكمال الجهل الثابت قادرا أن لَا يشبه من اتصف بكمال العلم الثابت فلذلك عبر في الأول بالفعل والثاني بالاسم.
قوله تعالى: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).
ابن عرفة: العلوم النظرية مستفادة من العلوم الضرورية؛ ولذلك قال أبو المعالي في الإرشاد: العقل علوم ضرورية، ومذهب أهل السنة أن العلوم كلها إنشائية، ومذهب المغاربة أنها تذكر به وأن النفس كانت عالمة بكل شيء حتى دخلت في الجسم [... ] بكافة فعلها [... ] وكان ابن عبد السلام يقول هذه الآية حجة للفلاسفة، ابن عرفة: وجوابه نظر.
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ... (٢٠)﴾
إن قلت: هلا قيل: ولا ينقضون ميثاق الله كما قيل (بِعَهْدِ اللَّهِ) فالجواب: أن الوفاء بالعهد راجع لفعل المأمورات، ونقض الميثاق راجع لاجتناب المنهيات وتقرر أن النزول لَا يفتقر إلا إلى الموفى به أنه وفاء بعهد الله، قلت أو يقال: أن الألف واللام نائبة مناب الإضافة على ضميره أي ولا ينقضون ميثاقه.
قوله تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا... (٢٣)﴾
إما بالشخص أو بالجنس وهي من عدن بالمكان إذا أقام به، وسميت بذلك لميل النفوس إلى الإقامة فيها دون غيرها لأنها أفضل وأشرف.
قوله تعالى: (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ).
تشبيها بالرماد لوجهين، أحدها: خفيه وسرعة حرقه بالريح، والثانية: أنه لَا يثبت شيئا بخلاف التراب وجمع الرياح لتفيد شدة التفريق من جميع الجهات قوله (في يوم عاصف) من إضافة الصفة إلى الموصوف وأجازه الكوفيون وابن عرفة هل هو من إضافة الملابسة لأن العاصف الريح الهاب في اليوم لَا من صفة اليوم فأصله في يوم ريح عاصف فحذف الموصوف وأقيمت صفة مقامه فأعربت بإعرابه وهذا جائز عند الجميع، قوله: ذلك هو الضلال البعيد الإشارة إما لعملهم أو إلى الخيبة التي تنالهم.
قوله تعالى: (لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ).
يسمى التدليل لأن الجملة الثانية كمعنى الأولى.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ... (١٩)﴾
قرأ حمزة (خالق). ابن عرفة: وهذه أبلغ لاسيما على مذهبنا في أن العرض لَا يبقى زمانين فهو في كل زمان خالق لهما بأعراض آخر قوله تعالى: (بِالْحقِّ) الزمخشري بالحكمة والفرض الصحيح ولا يخلقهما عبثا ولا شهوة، ابن عرفة: هذا على مذهبه في أن أفعال الله معللة ومذهبنا نحن إنها غير معللة. قال: ويحتمل قوله بالحق على مذهبنا وجهين أحدهما أن خلقه واختراعه لها حق ولا شك فيه، والثاني: أن المراد بذلك كونها مستعملة على الحق وهو الشرائع التي جاءت بها الرسل لأنها كائنة فيها.
قوله تعالى: (إِنَّ يَشَأْ يُذْهِبْكُم).
فيه الحذف من الأول لدلالة الثاني أي إن شاء إذهابكم والإتيان بغيركم يذهبكم ويأت بخلق جديد وفيه دليل على أن [العدم*] الإضافي مقدور لله تعالى لأنه مراد وكل مراد مقدور وهو مذهب أكثر أهل السنة، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: إنه غير مقدور أما العدم المطلق فلا خلاف أنه غير مقدوم.
قوله تعالى: ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)﴾
الزمخشري: أي بمتعذر، ابن عرفة: إنما معناه ينحصر أعني ليس بصعب لأن ما قال الزمخشري: [يحتمل*] فيه التكرار؛ لأن قوله (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبكُمْ) أفاد أنه ممكن فإِذا كان ممكنا [فهو غير متعذر*].
قوله تعالى: ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا... (٢١)﴾
(فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا) هكِذا في سورة غافر وقال في سورة سبأ (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) فعبر عن الضعف بالاسم وفي سبأ بالفعل، قال وأجيب: بأن الاسم يقتضي الثبوت وكلما ثبت للأخص ثبت للأعم فإذا كان مطلق الاستنكار يمنع من إيمان من اتصف بأخص الضعف فأحرى إن يمنع من الإيمان من اتصف بأعمه، وأما في السورة سبأ المراد فيها تبعية من اتصف بمطلق الضعف لمن اتصف بمطلق الضعف فأحرى أن لَا ينفع لمن اتصف بأخص ولا ينعكس.
قوله تعالى: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا).
ابن عرفة: هل استفهام حقيقة، وقيل: على سبيل الإنكار قوله [مِنْ شَيْءٍ*] أعربه أبو حيان بدلا من قوله (من عذاب الله) ورده المختص بأنه بدل الأعم من الأخص، ابن عرفة: عادتهم يجيبون بأنه في باب النفي لأن الاستفهام بمعنى الإنكار ونفي الأعم أخص من نفي الأخص وبصحة ورود ذلك قال امرؤ القيس:
كأنِّي غَداةَ البَينِ يَومَ تَحَمَّلُوا... لدَى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ
قوله تعالى: (لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ) ابن عرفة: هذه حيده من الجواب والجواب الحقيقي أن يقولوا لهم كما يقدر على ذا ولا يغني عنكم شيئا.
قوله تعالى: ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ... تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (٢٣)﴾
هذا إما على التوزيع فلكل واحد جنة أو لكل واحد جنات، وقوله (مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) التمدح بالباء بكونه أصل كل شيء، قال [أبو العباس في الكامل: أن بعض ملوك الروم كان يعمد لمعاوية ويهادية معاوية فطلب مرة من معاوية أن يبعث له بأصل كل شيء فاستشار معاوية خواصه فأشار إليه عبد الله بن عباس بأن يبعث له قارورة بالماء فلما بعثها إليه قال الرومي ما أشار عليه بهذا الأمن] فيه عضو من أعضاء النبوة قوله (خَالِدِينَ فِيهَا) حال من الذين آمنوا مقدرة لأن الدخول غير مقارن لزمن الخلود، قلت: أو حال من جنات لأنها موصوفة، فقال: صفة جرت على غير من بني له فكان يقال خالدين هم فيها، قلت: ضمير فيها يغني عنه، فقال: إنما يجب إبراز ضمير من شيء له فقلت: هو مثل مررت برجل حائض السبت فقال الألف واللام هناك نائب مناب الضمير.
قوله تعالى: (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ).
ابن عطية: بقضائه، ابن عرفة بل يفضل ربهم لَا جزائهم على عملهم إنما هو مجرد دخول الجنة وإما الخلود فهو محض تفضل من الله.
قوله تعالى: (تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ).
ابن عطية: يحتمل أن يريد التحية بمعنى أن الملائكة يحيونهم فيها بالسلام ويحتمل أن يريد أن بعضهم يحيي بعضا بالسلام، ورده ابن عرفة: بأن التلمساني لما استدل على أن أقل الجمع اثنين كقوله تعالى: (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ) بمعنى داود وسليمان، قال فإن قلت: لعل المراد داود وسليمان والمحكوم لهم، فإن قلت: يلزم عليه أن يكون الضمير في موضع رفع وموضع نصب وذلك غير جائز، ابن عرفة: فكذلك يلزم ابن عطية: هنا لأنه مقتضى كلامه أن المراد المحي والمحيا.
قوله: (سَلامٌ) ابن عطية: هو مبتدأ وخبره عليكم، ابن عرفة: انظر هل يصح أن تكون تحيتهم مبتدأ وسلام الخبر، قال إن قلنا: إن المراد اللفظ فيكون خبرا، وإن
قلنا: المراد المعنى فلا يصح كونه خبرا، قوله: (أَلَمْ تَرَ... كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤).. قالا التقيد يقتضي وقوع ذلك وضرب المثل لم يقع، فأجاب: بأنه المعنى من حيث الجملة، قوله تعالى: (كَلِمَةً طَيِّبَةً) إما أن المراد نفس كلمة التوحيد.
قوله تعالى: (أَصلُهَا ثَابِتٌ).
الزمخشري: وترى ثابت أصلها والقراءة المشهورة أبلغ ابن عرفة: ثابت أصلها صفة رفعت الفاعل فهي في معنى الفعل وأصلها ثابت مبتدأ وخبر فليس في معنى الفعل والإخبار بالاسم عندهم أبلغ من الإخبار بالفعل فلذلك كان زيد أبي قائم أبلغ من زيد قام وأبوه، وقال بعض الطلبة: يحتمل أن يريد أن ثابتا في قوله (أصلُهَا ثَابتٌ) خبر فهو عمده لأنه من باب الحكم الإسنادي أبلغ من الحكم التقييدي، ورده ابن عرفة: على الزمخشري بأن ابن عصفور ذكر في باب الصفة المشبهة باسم الفاعل أن مررت برجل حسن وجهه أبلغ من مررت برجل وجهه حسن قال لأن الأول جعلت أحسن فيه صفة للرجل وكله بخلاف الثاني، قلت: لأن لَا يصح هنا لأنك تجوز هناك أن تقول مررت برجِل حسن وتسكت ولا يصح هنا أن تقول: (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) ثابت حتى يقول: (أصلُهَا) ولأن: (ثَابت) مذكر فلا يصح وصف الشجرة به إلا أن يقال إنه يصح جرها عليه من حيث أن تأنيثها غير حقيقي والمذكر يوصف به والمؤنث الغير الحقيقي، قال تعالى: (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بهِ) فيقول علامة الثأنيث في الشجرة هنا يمنع من ذلك وقال بعض الطلبة ولأن الثبوت إنما هو من صفة أهملت لَا من صفتها بخلاف الحسن هناك.
قوله تعالى: ﴿كُلَّ حِينٍ... (٢٥)﴾
قيل: (حِينٍ) ستة أشهر، وقيل: شهران لأن مدة إطعام الثمار شهران، وإما السنة فما بين الإثمار والإثمار.
قوله تعالى: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ... كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (٢٦)﴾
عبر هنا بالاسم فرفع، وقالَ في المؤمن: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا) فعبر بالفعل ونصب المثل، قلت: لأن المؤمن له حالتان لأنه انتقل من الكفر إلى الإيمان والكافر له حالة واحدة ثبت عليها ولم ينتقل عنها فلذلك عبر عن مثله بالاسم.
قوله تعالى: (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ).
قيل: إنها الثوم، وقيل: إنها الحنظل وشجرة كشجرة الدلاف والقتّ لأنه ليس له ساق، قيل لابن عرفة: الثوم فيه منافع جمة فكيف يسميه به الكافر والكافر لَا مصلحة فيه بوجه، فقال: الغالب إنه إنما يشبه به من حيث أنه لَا يثبت أو ليست له ساق فالنسبة في أن العمل الخبيث يضمحل ويذهب يوم القيامة ولا يبقى إلا العمل الصالح.
قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً... (٣٢)﴾
قيل المراد السماء المشاهدة [القريبة*]، وقيل المراد معناها وهو العلو سماء
ترتيب المعطوفات على حسبها في الوجود الخارجي فوجود الأب سابق على وجود زوجتك سابق على وجود ولدك ودخول الأبناء الجنة إما لصلاحهم أو لصلاح آبائهم كما قال: (وَكَانَ أبُوهُمَا صَالِحًا)، وقوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) أو العكس.
وهو أن دخول الآباء سبب للأبناء كما في الحديث "من قرأ القرآن وعمل ما فيه ألبس والديه يوم القيامة تاجا ضوؤه أحسن من ضوء الشمس" لذلك قال الشاطبي:
[هَنِيئاً مَرِيئاً وَالِدَاكَ عَلَيْهِما... مَلاَبِسُ أَنْوَارٍ مِنَ التَّاجِ وَالحُلاْ*]
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ... (٢٥)﴾.. ابن عرفة: هذا دليل على أن العهد يطلق على الوعد وعلى الأمر المشتق الملتزم ولو كان العهد هنا الميثاق لما كان لقوله (مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ) فائدة، قال: وكان بعضهم يقول إنها مباينة لما قبلها، ووقعت المبالغة فيما قبلها بتسعة أوصاف وفي هذه بثلاثة أوصاف، لأن الأولى في معرض الجزاء على الطاعة وعدم المبالغة في هذه تنفير أو هذه في معرض العقوبة على المعصية فناسب المبالغة في الأولى تأكيدا على انحساره على الطاعة وعدم المبالغة في هذه تنفيرا عن المعاصي وإن العقاب يقع على أدنى شيء من المعصية، قال بوجه ثان: وهو أن نقض العهد إشارة إلى العهد المأخوذ على الخلائق يوم السبت بربكم فهو راجع للتوحيد وقطع ما أمر الده بوصله، راجع إلى الإيمان بالرسول لأن تكذيبه قطع له عم مرسله والإيمان به إقرار بصلته مع رسله والفساد في الأرض راجع إلى المعاصي، ابن عرفة: وفي الآية عندي حجة لمن يقول إن المندوب غير مأمور به لأنها في معرض الذم الفاعل ذلك، فلو كان مأمورا به لما تناوله الذم، قال: وليس المراد منه جمع هذه الأوصاف بل من اتصف بواحد منها فقط.
قوله تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ).
إدخال اللام تهكم بهم إشارة إلى أن اللعنة أمر ملائم لهم ومناسب لفعلهم واللعنة للكفار وبسوء الدار للعصاة فهو لف ونشر.
قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ... (٢٦)﴾
ابن عرفة: هذا كالدليل على ما قبله لأنه تقدم ذكر فريق المؤمنين وفريق الكافرين أتى بهذا نفيا لما قد يتوهم من أن إيمان المؤمن وكفر الكافر من قبل نفسه أي كما تعلمون أن البسط في الرزق والإقتار من فعل الله ليس للعبد فيه قدرة فكذلك اعلموا أنه
لا قدرة له على الإيمان والكفر إلا بالله ويحتمل أن يكون وجه المناسبة بينهما أنه لما ذكر فعل المؤمنين وعقابهم وفعل الكافرين وعقابهم أخبر أن بسط الرزق على أكثر الكفار في الدنيا وقبضه على أكثر المؤمنين إنما هو بمشيئة الله تعالى وإرادته حسبما ورد في الحديث "لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضه ما سقى الكافر منها شربة ماء"، ابن عبد السلام وهذا [**تتجارى فيه النَّاس] وأوسعهم حالا أشد كفرا أو منعا، وفي حديث الابتلاء "أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الدنيا".
قوله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ).
أي وما اعتبار الحياة الدنيا في الآخرة، وإلا فالآخرة ليست ظرفا للدنيا بوجه وهذا إشارة إلى محل من يعمل للدنيا وعمل من يعمل للآخرة فمن قطع نهاره في لذة وشهوة وقطع يوما آخر في طاعة إذا تذكرهما نجده يندم على يوم الشهوة لأنه انقضى ولم يبق إلا الحساب عليه [... ] يوم الطاعة لأنه مضت مشقته وبقي ثوابه مدخرا له، وقوله: (مَتَاعٌ) أي شيء يتمتع به منفصل زائد.
قوله تعالى: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ... (٢٧)﴾
[للتحضيض*] وفي مقدمة [ابن بابشاذ*]: إنها مع الماضي للتوبيخ، ولا يطرد له إلا في الطلب الجازم، وإن كانت [للمضارع*] [فللتحضيض*] كقول الفقير للغني لولا أحسنت إلي لأنه على سبيل الندب.
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ).
إن قلت: لم جاء فعل المشبه مضارعا والإنابة ماضيا والمناسب العكس لأن مشيئة الله قديمة وإنابة العبد حادثة، وفي غافر: (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) ومَن سوى الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب؟ فأجيب: بوجهين
الأول: أن فعل المشبه أتى مضارعا باعتبار متعلقها وهو من فعل العبد وغير مطلوب لأن أصلها من الله فلم يحتج إلى طلب متعلقها والإناب من فعل العبد فجاء فعلها ماضيا إشارة إلى تأكيد طلبها حتى كأنها واقعة، الثاني: أن مشيئة الله دائما مستمرة وإنابة العبد متقطعة فهو إشارة إلى أن من أناب ليس على من آمن، بقاء إنابته واستمرارها في المستقبل إلا بهداية الله وتوفيقه، ابن عرفة: والآية عندي صريحة في مذهب أهل السنة لقوله (وَيَهْدِي إِلَيهِ) أي يخلق في قلبه الهداية ويرشده إليها. وأناب إشارة إلى ما له في ذلك من الكسب.
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ... (٢٨)﴾
قال ابن عرفة: عادتهم يوردون عليه قوله تعالى: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) لأن تلك الآية اقتضت أن ذكر الله موجب لخوفهم ووجلهم وهذه اقتضت إنه موجب لطمأنينة قلوبهم وزوال الخوف منها، قال: وكانوا يجيبون لوجهين: الأول: أنهم تذكرهم الله تعالى فحدث لهم خوف ووجل ثم تعقبه طمأنينة وسكون قلب كقوله:
وإني لتعروني لذكراك هِزّة... كما انتفض العصفور بلَّلَه القطر
والجواب الثاني: قال كان شيخنا القاضي ابن عبد السلام يحكى عن بعض نحاة الأندلس، أنه قال: قوله: (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ) بذكر الله مصدر مضاف للفاعل أنهم إذا أخبروا أن الله تعالى ذكرهم اطمئنان قلوبهم وسكت لأنهم يعملون أن ذلك رحمة منه بهم واعتناء بذكرهم وجاء قوله: (إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُم) على الأصل من حالهم لَا حالهم الخوف فإذا ذكر الله زاد وجلهم وخوفهم من عقابه وهذا جواب حسن.
قوله: (كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ... (٣٠).. ولم يقل: إلى أمة؛ إما لأنه أرسل إلى قوم نشأ فيهم، فإن قلت: رسالته عامة للعرب والعجم والقريب والبعيد؟ قلنا ابتداؤها كان من قريش وإما لكون إلى مختلف في دخول ما بعدها فيما قبلها وفي الظرفية والإحاطة فهي أدل على عموم رسالته.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ... (٣١)﴾
جوابها مقدر [أي: لما آمنوا*]، وقيل: أي لكان هذا القرآن، ابن عرفة [والقضية*] الشرطية تارة تقتضي نفي لانتفاء الثاني نحو لو كان هذا إنسانا لكان حيوانا لكنه ليس بحيوان فليس بإنسان، وتارة يقتضي ثبوته لثبوته نحو لو لم يكن هذا هو قضاؤنا لما كان إنسانا لكنه إنسان فهو حيوان، وتارة يقتضي مجرد [... ] والارتباط نحو لو حضر زيد لحضر ثوبه، والآية من هذا القسم، قال: والعطف [... ] لَا تسير الجبال أغرب وأعجب لعظم [جرمها*] وكونها جماد ألا يقبل الاتصاف بصفة الحيوان والتفسير من صفة الحيوان ولم يقع ذلك فيها بوجه ثم يليه تقطيع الأرض لكثرة وقوعه لاسيما على ما قال ابن عطية: من أن تفجير أنهارها ويليه تكلم الموتى، وإنه قد وقع لعيسى وغيره.
قوله تعالى: (يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ).
ابن عرفة: فيه ترجيح لمذهب المعتزلة القائلين بوجوب إنفاذ الوعيد وذلك أن إنفاذ الوعيد متفق عليه وإنفاذ الوعد مختلف فيه لكن جوابنا نحن أن الجواب القديم الأزلي هو صفة ذاتية لله تعالى استحيل فيها الخلف وأما كلام النبي ﷺ الذي هو [ترجمة*] عن ذلك الكلام فليس كذلك ومثاله إذا قلت: من يقتل زيدا أفأنا أقتله فتارة يقصد الحقيقة، وتارة يكون غير زيد قتله لكنك تقصد المبالغة في العبارة على جهة التخويف عن فعل ذلك فعبارتك يمكن فيها عدم الوقوع وإما في نيتك وقصدك فلا بد من وقوعه لأنك عزمت على ما أجمعت عليه وهو قصد حقيقي فلأن الكلام الذي ترجمته عما في القلب فأنه قد يكون مجازا وهذا هو جواب أهل السنة عن قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا).
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ... (٣٢)﴾
ابن عرفة: فيه عندي دليل على صحة العمل بالقياس لأن الآية [سيقت*] مساق التخويف للكفار والقبلية للنبي ﷺ وما وجه التخويف للكفار والتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وما وجه التخويف إلا من جهة أن المشاركة في الوصف توجب التسوية في الحكم الناشئ له والكفار المعاصرون له ﷺ مشاركون لمن سبقهم في الاستهزاء؟ واقتضت الآية أن من سبقهم عوقب فكذلك هؤلاء ولا معنى للقياس إلا إثبات حكم الأصل للفرع بعلة جاءت معه، وتنكير لفظ الرسول للتنويع ولا يناسب التعظيم إنه لَا يحصل به التخويف لأنهم يقولون إنهم عوقبوا هؤلائك على استهزائهم بعظماء الرسل ما يلزم منه عقابنا نحن، قيل لابن
عرفة: كيف ينفي هذا القسم باللام وقد، مع أن الماضي بعيد عن زمن الحال؟ فقال: تنزيلا له منزلة القريب ليحصل كمال التخويف.
قوله تعالى: (فَأَمْلَيْتُ).
قال الإمهال مجرد تأخير العذاب والإملاء تأخر العذاب وتيسير أسباب الوقوع في موجبات عذاب آخر ولهذا كان بعضهم يقول الإملاء أشد من الإمهال يعني لأنه يتضاعف به العذاب قال تعالى: (إنَّما نُملي لهم ليَزْدادُوا إثْمًا) المعنى ثابتا في بعض الأمر فهو تقرير وإن لم يكن ثابتا فهو إنكار وهو هنا تقرير لقول ابن عطية: المراد أفمن هو قائم هي كل نفس بما كسبت حق بالعبادة أم الجمادات التي لا تنفع ولا تضر وهو معطوف على مقدر فمنهم من كان مقدره أَهُمْ جاهلون فمن هو قائم زمنهم من قدره منهم غافلون فمن هو قائم، والصواب: قال وهل هذا من العمومات المخصوصة أم لَا؟ قال: إن قلنا أن ذات البارئ تعالى لَا يطلق عليها نفس فيكون باقيا على عمومه، وإن جوزنا الإطلاق لقوله: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) فيكون هذا مخصوصا بالبارئ تعالى إذ لَا يقال إنه حفيظهم على نفسه، قيل له: قول (بِمَا كَسَبَتْ... (٣٣).. يدل على التخصيص بل هو متعلق بقائم وليس بصفة للنفس والكَسب، الصواب تفسيره بما قاله أهل السنة لأن الأمثل عدم النقل ومعنى قائم حفيظ ورقيب وعالم.
قوله تعالى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ).
ابن عرفة: تارة تبطل الدعوى ببيان بطلان دليلها في نفسه، وتارة يبطل، بيان بطلان مدلول دليلها وأبطل عليها هنا دليلهم السمعي والعقلي، أما العقلي فبطل لبطلان مدلوله وهو قوله (قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ) فهو غير معلوم لله وكل ما ليس بمعلوم لله فليس موجود ولا معدوم الممكن معدوم، إن قلنا: إن المعدوم الممكن معلوم فدل على أنه محال وأما السمعي فهو قوله (أمْ بظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) وهو قولهم (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) وقولهم (هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) فقيل لهم: هل بلغكم ذلك من الله على ألسنة الرسل أم لَا؟ وقوله (شُرَكَاءَ) خالفها الزمخشري هنا بكلامه على عادته في خلط لفظة المعتزلي بخلافه، وقوله (قُلْ سَمُّوهُم) قيل لابن عرفة: كيف هذا وهم سموهم فقالوا (اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى)، فقال: ليس المراد مجرد التسمية بل يعنيهم والمعنى أنه إنما يستحق اسم إله من اتصف بالاستغناء والكمال ونكره عن العجز والاحتياج فعينوا لنا شركاء متصفين بذلك
433
والسحاب سماء العلو وهذا جار على الخلاف في المياه هل هي كلها من السماء، وأنها تنزل منها وتكون سحابا تهبط به الماء وهي من البحار وأنه بخار لطيف يصعد عنه السحاب أو السحاب خلقه الله من غير ماء ولا بخار في ذلك ثلاثة أقوال نقلها ابن رشد في البيان والتحصيل: في كتاب السداد والأنهار واختار القول بالوقف.
قوله تعالى: (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ).
ابن عرفة: ما الحكمة في إخراج النبات بهذا الماء مع أن القدرة صالحة لإخراجها بغير شيء، قال: وتقدم لنا الجواب بأنه تكثير لمتعلقات القدرة.
قوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ).
هذا مثل (وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بجَنَاحَيهِ) لَا جريها ليس إِلَّا في البحر وجريها في البحر لَا يقعَ إلا بإذن الله تعالى، إن قلت: ما أفاد قوله: (بِأمْرِهِ) فالجواب: إن جريها لما كان له أسباب في محاولة البحرين والخدمة فقد يتوهم أن جريها بسبب ذلك فاحترس منه بقوله (بأمْرِهِ) وبهذا تعمّ الحكمة في إدخال اللام في قوله في الواقعة (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) دون إدخالها في قوله (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا) لأن الأول فيه لبني آدم تسبب ومحاولة فقد يتوهم أن ذلك من فعلهم بخلاف الماء فإنهم لَا تسبب لهم في كونه حلوا.
قوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ... (٣٣)﴾
دليل على أنها شمس واحدة وقمر واحد.
قوله تعالى: ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ... (٣٤)﴾
(مِنْ) للتبعيض و (كُلّ) للعموم ومتعلقهما مختلف فالعموم في الأنواع والتبعيض في الأشخاص تلك الأنواع أي وآتاكم بعض كل نوع سألتموه.
قوله تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا).
أقروا النعمة من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى بمعني أن الإنسان أيضا جزئيتان النعمة الواحدة فأحرى ما هو أكثر، قال: و (نعمة) مصدر محدد بالتاء فليس المراد به الجنس بل هو مفرد حقيقة بدليل أن المصدر المحدود بالتاء [مفرد*] يجوز تثنيته وجمعه بخلاف المبهم، قيل له: قد قال القرافي في أول شرح المحصول إنما لفظة مصدر محدود بالتاء وأنها ليست إلا مفردة فرد عليه الأصبهاني بأنه قد يراد بها الجنس، فقال ابن عرفة: الصحيح ما قال القرافي: ابن عرفة. وفي الآية سؤال وهو إن الشرط لَا يكون مناقضا للجزاء فلا يقول قام زيد لم يقدر على القيام والعد هو غير الإحصاء، وأجيب: بأن المعنى وإن أردتم أن تعدوا نعمة الله لَا تحصوها مثل (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).
449
فإنهم لَا يجدونهم، قلت: وتقدم لابنِ عرفة: في هذه الآية ما نصه قوله (وَمَا فِي الأَرْضِ) وقال في سورة يونس (أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ) وفي سورة إبراهيم (وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) فأجاب ابن عرفة: بأنه إنما خص الأرض لأنها المشاهدة القوية، وإلا فقد عبدوا الشِّعْرَى [... ] عبدوا الشمس لَا غير ذلك، ونفى علم الشيء على الله يستلزم عدم ذلك الشيء وفيه دليل على أن العدم غير معلوم، وفي المسألة ثلاثة مذاهب، مذهب الجمهور إلى أنه معلوم، وقيل: إنه غير معلوم، وقيل: المستحيل غير معلوم والممكن معلوم.
قوله تعالى: (أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ).
أي أم بدليل سمعي فمعناه أنكم لا تجدون دليلا عقليا على ذلك ولا سمعيا فلا مستند لكم بوجه فالدليل العقلي تقدم نفيه لقوله (أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ) وفي قوله: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ).
قوله تعالى: (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ).
ابن عرفة: ومن زين له مكره وقد يصور دليلا يصوره به ويزوده وهو [... ] صدوا عن السبيل فليس لهم شبهة ولم يجدوا وأجاز [... ] ولا ما يستدلون به على صحة دعواهم.
قوله تعالى: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ).
إن أريد ومن يضلل الله دائما فما له من هاد بالإطلاق وإن أريد ومن يضلل الله وقتانا أي وقت كان فما له من هاد غير الله.
قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ... (٣٥)﴾
ابن عرفة: الظاهر أن الخبر مقدر، وفي الآية حذف مضافين والتقدير (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) فرد عليه بأنه إن أراد بالثانية جنة الآخرة فقد شبه [الشيء*] بنفسه، [ولا يصح*] أنها ضد الدنيا؛ لأن [التشبيه*] بالشيء [لَا يقوى*] قوته وهنا تشبه الأقوى بالأضعف فقال: قد يكون الفرع أقوى [**نفي المعنوي مقدم على العبادة] [... ] لا [**من قول ولا يعبد]، فأجيب: بوجود الأول أن المراد [بالشرك الرياء والكبر فالمعنى أمرت أن أعبد الله عبادة صالحة من الرياء*] ولكن هذا لَا يناسب السياق، قيل له: وعلى هذا
434
ابن عرفة تارة يراد [بالإنسان*] الجنس العام الباقي على عمومة فيحتاج إلى الاستثناء منه كقوله تعالى: (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)، وتارة يراد به الخصوص كهذه الآية وقوله (لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) المراد ظلم المعصية وكفار أي جاحد نعم ربه، قيل لابن عرفة: لو أراد بالمفرد المحلى بالألف واللام العموم لجاز أكرمت الرجل، الفضلاء وأجمعوا على منعه، فقال: إنما منعوه رعيا للمشاركة اللفظية.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا... (٣٥)﴾
وقال في البقرة: (اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا) أن آية البقرة مدنية وهذه مكية والقاعدة عنده أن اسم [... ]. قلنا إن المنزل أولا هو المدعو به أولا مع أنه لَا يلزم هذا فقد يكون المنزل أولا هو المدعو به ثانيا لأن الاسم إذا تقدم نكرة ثم أعيد فإنه يعاد معرفا مثل (كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) ابن عرفة: وعادتهم يوردون هنا سؤالا وهو أن القاعدة أن يكون المبتدأ معلوما وخبره مجهولا، والبلد في قوله: (اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا) أصله قبل دخول الفعل عليه مبتدأ لأنه نعت لهذا ونعت المبتدأ مبتدأ وأما خبره وفي قوله: (اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا) هو مبتدأ و (بَلَدًا) خبره و (آمِنًا) نعته أو خبرا بعد خبر والقضية واحدة، قال: وأجيب بأن الشيء في نعته ليس كهو مع غيره، فهو معلوم من حيث كونه بلدا مجهولا من حيث كونه بلدا آمنا فالأول: كما نقول اجعل هذا رجلا صالحا دعوت له بالصلاح فقط، والثاني: كقولك اجعل هذا رجلا صالحا مع أنه رجل لكنك دعوت له بالصلاح تحصيل المجموع ورد بأنه يلزم عليه أن يجوز زيد العاقل مخير بزيد العاقل عن زيد مع غيره إما إذا ثبت مجرد لفظه الأول فلا يجوز.
قوله تعالى: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ).
ابن عرفة: هذا دعاء على سبيل إظهار [التذلل*] والخضوع لأنه عبادة الأصنام مستحيلة في حق النبي ﷺ إذ هو معصوم وقد قالوا: إن المستحيل عقلا لَا يجوز طلبه [كالطيران في الهواء*] وكذلك لَا يجوز للإنسان أن يقول رب اجعلني من غير خبر لأنه محال وكذلك المستحيل شرعا.
قوله تعالى: ﴿بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ... (٣٧)﴾
الزمخشري: نفى القليل والكثير والمراد به ليس فيه بحر ولا نجم ولا ماء، ورده ابن عرفة: بأنه تقدم في الرعد أن قولك زيد ذو مال يفيد الكثرة والمبالغة، قاله عياض فى الإكمال: فيجيء الجواب فيه هنا كالجواب في قوله تعالى: (وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
450
قوله تعالى: (رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ).
أي دعوتك (لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) أي قوله تعالى: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) أو اجعل ذي أفئدة من النَّاس، ابن عطية: والمجعول لهم ذلك مجهولون لأن الأفئدة نكرة، ابن عرفة: بل لأن من التبعيض والبعض غير معين.
قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ... (٣٨)﴾
ابن عرفة: هذا احتراس لأنها لما تقدمها (رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) فقد يتوهم أنه أتى بها على جهة الإعلام ولم يقصده في ذلك والإعلام يقتضي الجهالة بالشيء واحترس من ذلك، وقال إني ما أعلمتك إلا بما تعلم لأنك تعلم ما تخفي وما تعلن، ثم قال (وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) فهذا أيضا احتراس لأنه يظن أن علمه قاصر على إبراهيم وأهله وأخذوا منها أن المعدوم شيء لأنه إن كان شيئا فهو معلوم وأن لم يكن شيئا فخرج عن الآية مع أنها أثبت على سبيل العموم في إحاطة علم الله تعالى لكل معلوم، ابن عرفة: وفيها رد على من يقول إن الله تعالى يعلم الأشياء على الجملة ولا يعلمها على [التفصيل*] لئلا يلزم عليه التفسير وبيانه أن زيدا إذا قام وعلمت بقيامه فقد تغير عليك عن ما كان عليه.
قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ... (٣٩)﴾
قال ابن أبي الربيع في شرح الإيضاح: (الْحَمْدُ) هو الثناء، والثناء مشتق من التثنية فهو إنما يصدق على حمد مرة بعد أخرى وكذلك هذا [... ]. النفي داخل على الفعل المؤكد فنفاه فهو تأكيد للنفي لَا لنفي الفعل المؤكد فهو نفي الأعم لَا نفي الأخص.
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (٤٢)﴾
(إِنَّمَا) هنا ليسَت للحصر مطلقا بل في شيء خاص لأنه لم يؤخرهم ليعمل لهم قال تعالىَ: (إنَّمَا نُمْلِى لَهُم لِيَزْدَادُوا إِثْمًا).
قوله تعالىَ: ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (٤٣)﴾
هو المراد هنا به الريح من أفئدتهم كالهواء إشارة إلى ذلك بخلاف عندهم وكذلك زيد مثل الأسد.
قوله تعالى: ﴿وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ... (٤٥)﴾
إن أخذوا منها أن التواتر يفيد العلم لأنه لم يتبين ذلك إلا بالإخبار عن الأمم السالفة.
قوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ... (٥٢)﴾
يؤخذ منها أن الوحدانية ثبتت بالسمع وهو أحد القولين عند الأصوليين.
* * *
يكون قوله (وَلَا أُشْرِكُ بِهِ) حالا لكن خص الأكثرون على أنه لَا يحصل الفعل [للاستقبال]، فقال: يكون هذا حالا مقدرا؛ كقولهم مررت برجل معه [... ] يديه هكذا، الجواب الثاني: أن المراد أمرت أن أعبد الله وأدوم على عبادته إني أعبده عبادة لا يتخللها أو لَا يعقبها إشراك، الثالث: إنما قدمت العبادة لتدل على نفي الإشراك باللزوم ثم بالمطابقة فيدل اللفظ دلالتين وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.
قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ... (٤٠)﴾
اختلفوا هل هذا وعد النبي ﷺ بتعذيبهم أو وعيد لهم فأطلق الوعد على الوعيد، ابن عرفة: وقال في الزخرف (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) لكن أبلغ لأنها اقتضت رؤية بعض عذابهم وهو ما ينزل بهم في الدنيا، قبل وفاة النبي ﷺ ومعنى الآية إما نرينك بعض ما ينزل بهم أو نتوفاك قبل [رؤيتك*] ذلك، قال ابن عرفة: وفي هذا كمال التسلية للنبي ﷺ وكان بعضهم يقول إن الوعد بالإحسان أو بالنصرة على الأعداء من السلطان والرجل ذو الهيئة ليس في الوعد كمن دونه لأن الأول يحصل منه كمال الطمأنينة والركون، وفي الآية سؤال وهو ما الحكمة في تأكيد الفعلين بالنون من أن أحدهم محقق الوقوع لَا شك فيه، وإنما المهم تعيين الواقع منها علم [... ] نزل تأكيدهما؟ قال والجواب: إن التأكيد راجع للخبر لَا للشرط، قلت له: إنما هو في الشرط يقطع، فقال: الشرط والخبر أمر ببطلان ألا ترى أن القائل إذا قال قام زيد فإنما أكرمه يحسن أن يقال له صدقت أو كذبت، والتصديق والتكذيب إنما هو الخبر لا للشرط.
قوله تعالى: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ).
ابن عرفة: وفي هذا عندي اللف والنشر كقوله: (عَلَيْكَ الْبَلَاغُ) يرجع لقوله: (نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) لأنه أنزل العذاب بهم في حياتهم قد يظن هو أن عليه في ذلك [... ] ما لعدم إيمانهم فقبل له أن رأيتهم نزل بهم عذاب فلا يتوهم إن عليك في ذلك شيئا لأنك إنما عليك البلاغ وقد بلغت وقوله: (وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) يرجع لقوله: (أَوْ نَتَوَفَّيَنكَ) لأنهم إذا عذبوا بعد وفاته أنفى التوهم المتقدم، وقيل له: علينا حسابهم.
قوله تعالى: ﴿مِنْ أَطْرَافِهَا... (٤١)﴾
ابن عطية: أي من خيارها وهو عكس ما قال الزمخشري في (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) قال أي خيارا.
قوله تعالى: (وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
سرعة حسابه إما باعتبار قرب أوانه، أو قصر زمانه وقلة [مكثه*]. قال ابن عطية: في سورة آل عمران عن مجاهد يحتمل أن يراد بسرعة الحساب أن الله تعالى [بإحاطته*] بكل شيء [علمًا*] لا يحتاج إلى [إلى عد ولا فكرة*].
قوله تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ... (٤٢)﴾
قلت: (مِنْ) لابتداء الغاية فيقتضى أول أزمنة القبلية وقد يضرب الماضي من زمن الحال فكيف صح الجمع منهما؟ فقال: المراد أول أزمنة هذا المكر المقرب وهو الزمن القريب من وقتك.
قوله تعالى: (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ).
ابن عرفة: وذلك إن الفاعل له صفتان القدرة على الفعل والعلم بموجبات أسبابه فقوله: (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ) راجع لوصف القدرة وقوله: (يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) راجع للعلم.
قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا... (٤٣)﴾
هذا تصريح بقبح مقالتهم لمخالفة فيها الأمر الضروري لأنهم كذبوا به بعد ظهور المعجزات والخوارق المعلوم صدق من ظهرت على يديه بالضرورة وتقدم في أصول الدين أول الواجبات النظر فمذهب أهل السنة أنه واجب بالشرع، وقالت المعتزلة: النظر واجب بالعقل قالوا ولو كان واجبا بالشرع للزم عليه إقحام الرسول لأنه يقول له ما نظر في معجزتك حتى يجب ذلك على ولا يجب على إلا بقولك وأنا لَا أصدقك، وأجاب أهل السنة عن ذلك بجوابين، الأول: أن المعجزات والخوارق من الأمر الغريب والنفس مجبولة على النظر في خوارق الأمور، الجواب الثاني: أن النظر إن قلنا بتكليف ما لَا يطاق فنقول إنه واجب ولا يلزم ما ذكروه، وإذا لم يقل بذلك، فنقول: إنه متوقف على تمكن العلم بنبوة الرسل لَا على حصول العلم بنبوته ويقول له أنت تمكن من العلم بنبوته فانظر النظر الذي يوصلك إلى ذلك الفعل العلم، ابن عرفة: فإن قلت: مقالتهم ماضية علم قال ويقوِل (الَّذِينَ كَفَرُوا) فالجواب من ثلاثة أوجه، الأول: أتى به مستقبلا للتعجب كقوله (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) ولم يقل فأصبحت، الثاني: للتصوير كأنها لم نزل واقعة مشاهدة، الثالث: ليتناول اللفظ من قالها ومن سيقول مثلها في المستقبل قوله لست مرسلا قط الأخص حسبما ذكره الزمخشري وغيره،
436
فالجواب: أن نفي الأخص هنا يستلزم نفي الأعم لأنه قال لهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) فكذبوه في هذه المقالة فإذا كذبوه فيها فهم لم يصدقوه في نبوته لأن النبي لَا يكذب.
قوله تعالى: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).
هذا من كمال الاتصاف مثل (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُم لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فمعنى الآية الله شهيد علي وعليكم فيعلم المحق من المبطل فيجازي كلا بفعله، وقوله (شَهِيدًا) من باب المبالغة، والمبالغة فيه إما [... ] متعلقة شهادته؛ لأنها عامة في كل أحد.
قال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)
والمبالغة في نفس الشهادة باعتبار استيفاء وجوهها وجميع شرائطها حتى لَا يشذ عنه من حال المشهود عليه في نفس الشهادة هي، قوله تعالى: (شَهِيدًا) يعم الدنيا والآخرة فالدنيا باعتبار ظهور المعجزات على يدي رسول الله ﷺ وهي تنزل منزلة قوله صدق عبدي فصار كالشهادة لأحد الخصمين بالصدق في دعواه باعتبار آي القرآن.
قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) وأما الآخرة فباعتبار مجازاته إياهم وعقابهم على تكذيبهم قوله: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) المصدر مضاف للمفعول أي ومن يعلم الكتاب والمراد بمن عنده إما الصحابة والكتاب القرآن أو الله تعالى واللوح المحفوظ، وقيل: المراد بها من أسلم من اليهود والنصارى كعبد الله بن سلام، والكتاب التوراة والإنجيل، قال ابن الخطيب: هذه السورة مكية وعبد الله بن سلام إنما أسلم بعد ذلك فكيف يقال إنه هو المراد بقوله: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) لأنه لَا يشهد حينئذ أو هو كافر، أجاب: باحتمال أن تكون هذه الآية خاصة منها مدنية وبالله تعالى التوفيق.
* * *
437
Icon