تفسير سورة سورة الحجر من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم
.
لمؤلفه
المنتخب
.
المتوفي سنة 2008 هـ
سورة الحجر سورة مكية وهي تشتمل علي تسع وتسعين آية، ابتدأت بالحروف الصوتية تنبيها إلي أن القرآن مكون من الحروف التي تتكون منها كلماتكم، ومع ذلك كان معجزا لكم، لأن منزله هو الله سبحانه وتعالى وتتكون تلك الحروف بأصواتها الممدودة تنبيها للمعرضين عن القرآن الذي يدعوهم إلي الاستماع، فعساهم ينتفعون ويهديهم الله تعالى.
والسورة الكريمة تبين العبر بما نزل بالأمم السابقة، والإشارة إلي أخبار الأنبياء السابقين، وما لقيتهم به أممهم، وتشير إلي آيات الله في الكون من سماء مرفوعة ذات بروج محفوظة، وأرض ممهدة مبسوطة، وجبال راسيات، ورياح حاملة للماء، وما يلقح الأشجار، وتشير إلي المعركة الأولي في الخليقة بين إبليس اللعين وآدم وزوجه، واستمرار هذه المعركة بين الخير والشر إلي أن تنتهي هذه الدنيا، ثم عاقبة الشر يوم القيامة، وعاقبة الخير، وبعد ذلك قص الله سبحانه قصص النبيين إبراهيم ولوط، وأصحاب الحجر، وتشير إلي منزلة القرآن وحال المشركين في تلقيه، وما يجب علي النبي إزاء جحودهم وهو أن يعلن رسالته ويجهر بها، ويعبد الله حتى يأتيه الأمر اليقين.
ﰡ
١- تلك آيات الكتاب المنزل المقروء المبين الواضح.
٢- يود ويتمنى الذين جحدوا بآيات اللَّه - سبحانه وتعالى - كثيرا عندما يرون عذاب يوم القيامة، أن لو كانوا قد أسلموا في الدنيا وأخلصوا دينهم لله.
٣- ولكنهم الآن غافلون عما يستقبلهم في الآخرة من عذاب، فدعهم بعد تبليغهم وإنذارهم، ليس لهم همٌّ إلا أن يأكلوا ويستمتعوا بملاذ الدنيا، ويصرفهم أملهم الكاذب، فمن المؤكد أنهم سيعلمون ما يستقبلهم عندما يرونه رأي العين يوم القيامة.
٤- وإذا كانوا يطلبون إنزال العذاب الدنيوي كما أهلك اللَّه الذين من قبلهم، فليعلموا أن اللَّه لا يهلك مدينة أو أمة إلا لأجل معلوم عنده.
٥- لا يتقدمون عليه ولا يتأخرون عنه.
٦- وإن من قُبح حالهم وشدة غفلتهم أن ينادوا النبي متهكمين قائلين :- أيها الذي نُزِّل عليه الكتاب للذِّكر - إن بك جنونا مستمرا، فليس النداء بنزول الذكر عليه إلا للتهكم.
٧- ولفرط جحودهم يقولون بعد ذلك الشتم والتهكم : هلا أتيتنا بدل الكتاب المنزل بملائكة تكون لك حجة إن كنت صادقاً معدوداً في الصادقين.
٨- وقد أجابهم اللَّه تعالت كلماته : ما نُنزل الملائكة إلا ومعهم الحق المؤكد الثابت الذي لا مجال لإنكاره، فإن كفروا به فإنهم لا يمهلون، بل ينزل بهم العذاب الدنيوي فوراً.
٩- وإنه لأجل أن تكون دعوة النبي بالحق قائمة إلي يوم القيامة، لم ننزل الملائكة، بل أنزلنا القرآن المستمر تذكيره للناس، وإنا لحافظون له من كل تغيير وتبديل أو زيادة أو نقصان حتى تقوم القيامة.
١٠- ولا تحزن - أيها الرسول الأمين - فقد أرسلنا قبلك رسلاً في طوائف تتعصب للباطل مثل تعصبهم، ولقد مضوا مع الأولين الذين هلكوا لجحودهم.
١١- وما كان شأن الذين سبقوهم في تعصبهم للباطل إلا أن يستهزئوا برسلهم رسولا رسولا، كما يستهزئون بك، فتلك سنة المبطلين.
١٢- كما أدخلنا القرآن في قلوب المؤمنين فأضاءها، أدخلنا الباطل في قلوب الذين اتسموا بالإجرام، فانقلبت الأوضاع في قلوبهم، إذ تأصل الباطل في نفوسهم.
١٣- لا يؤمن المجرمون به وقد مضت طريقة اللَّه تعالى في إمهالهم حتى يروا عذاب يوم القيامة المؤلم.
١٤- إن هؤلاء يطلبون أن تنزل عليهم الملائكة، ولا تظن - أيها النبي - أنهم يؤمنون لو نزلت، بل لو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يصعدون، يرون العجائب ويرون الملائكة.
١٥- ما آمنوا، ولقالوا : إنما حبست أبصارنا عن النظر، وغطيت، بل إن ما كان هو السحر، وقد سحرنا، فلا جدوى في أي آية مع الجحود في قلوبهم.
١٦- وإننا قد جعلنا في السماء نجوماً لتكون مجموعات متعددة مختلفة الأشكال والهيئات، وزيناها بذلك للذين ينظرون متأملين معتبرين مستدلين بها علي قدرة مبدعها.
١٧- ولكن حفظناها من كل شيطان جدير بالرجم والطرد من رحمة اللَّه تعالى.
١٨- من يحاول من هؤلاء الشياطين أن يسترق الاستماع إلي الكلام الذي يجري بين سكان هذه النجوم، فإنا نلحقه بجرم سماوي واضح بيِّن.
١٩- وخلقنا لكم الأرض ومهدناها حتى صارت كالبساط الممدود، ووضعنا فيها جبالاً ثابتة، وأنبتنا لكم فيها من كل أنواع النبات ما يحفظ حياتكم، وجعلناه مُقدرا بأزمان معينة في نموه وغذائه، ومُقدَّراً بمقدار حاجتكم ومقدار كميته، وفي أشكاله في الخلق والطبيعة.
٢٠- وجعلنا في الأرض أسباب المعيشة الطيبة لكم، ففيها الحجارة التي تبنون منها المساكن، والحيوان الذي تنتفعون بلحمه أو جلده أو ريشه، والمعادن التي تخرج من بطنها، وغير ذلك، وكما أن فيها أسباب المعيشة الطيبة، ففيها المعيشة أيضا لمن يكونون في ولايتكم من عيال وأتباع، فالله - وحده - هو يرزقهم وإياكم.
٢١- وما من شيء من الخير إلا عندنا كالخزائن المملوءة، من حيث تهيئته وتقديمه في وقته، وما ننزله إلي العباد إلا بقدر معلوم حددته حكمتنا في الكون.
٢٢- وقد أرسلنا الرياح حاملة بالأمطار وحاملة بذور الإنبات، وأنزلنا منها الماء وجعلناه سقيا لكم، وأن ذلك خاضع لإرادتنا، ولا يتمكن أحد من التحكم فيه حتى يصير عنده كالخزائن.
٢٣- وإنا - وحدنا - نُمد الأشياء بالحياة، ثم ننقلها إلي الموت إذ الوجود كله لنا.
٢٤- وكل منكم له أجل محدود، نعلمه نحن، فنعلم الذين يتقدمون في الموت والحياة، والذين يتأخرون.
٢٥- وأن المتقدمين والمتأخرين سيجمعون في وقت واحد، وسيحاسبهم ويجازيهم اللَّه، وإن ذلك مقتضى حكمته وعلمه، وهو الذي يسمى الحكيم العليم.
٢٦- وإننا في خلقنا للعاملين في هذه الأرض خلقنا طبيعتين : خلقنا الإنسان من طين يابس يصوت إذا نقر عليه.
٢٧- وعالم الجن خلقناه من قبل حين خلق أصله إبليس من النار ذات الحرارة الشديدة النافذة في مسام الجسم الإنساني.
٢٨- واذكر - أيها النبي - أصل الخلق، إذ قال خالقك رب العالمين للملائكة : أني مبدع بشراً خلقته من طين يابس، له صوت إذا نقر عليه، هو متغير اللون له صورة.
٢٩- فإذا أكملته خلقاً ونفخت فيه الروح التي هي ملكي، فانزلوا بوجوهكم ساجدين له تحية وإكراما.
٣٠- فسجدوا جميعاً خاضعين لأمر الله.
٣١- لكن إبليس أبى واستكبر أن يكون مع الملائكة الذين خضعوا لأمر الله.
٣٢- عند إذ قال اللَّه تعالى : يا إبليس، ما الذي سوَّغ لك أن تعصى ولا تكون مع الخاضعين الساجدين.
٣٣- قال إبليس : ما كان من شأني أن أسجد لإنسان خلقته من طين يابس له صوت إذا نقر عليه، وهو متغير اللون مصور.
٣٤- قال الله تعالى : إذا كنت متمردا خارجا علي طاعتي، فاخرج من الجنة فإنك مطرود من رحمتي ومن مكان الكرامة.
٣٥- وأني قد كتبت عليك الطرد من الرحمة والكرامة إلي يوم القيامة، يوم الحساب والجزاء، وفيه يكون لك ولمن اتبعك العقاب.
٣٦- قال إبليس - وهو المتمرد علي طاعة الله : يا خالقي، أمهلني ولا تقبضني إلي يوم القيامة، يوم يبعث الناس أحياء بعد موتهم.
٣٧- قال الله تعالى : إنك من المؤجلين الممهلين.
٣٨- إلي وقت قدرته وهو معلوم لي، ومهما يطل فهو محدود.
٣٩- قال إبليس المتمرد العاصي : يا خالقي الذي يبقيني، لقد أردت لي الضلال فوقعت فيه، وبسبب ذلك لأزينن لبني آدم السوء، ولأعملن علي ضلالهم أجمعين.
٤٠- ولن ينجو من إضلالي إلا الذين أخلصوا لك من العباد، ولم أتمكن من الاستيلاء علي نفوسهم لعمرانها بذكرك.
٤١- إن خلوص العباد الذين أخلصوا دينهم هو طريق مستقيم بحق علي لا أتعداه، لأني لا أستطيع إضلالهم.
٤٢- قال اللَّه تعالى : إن عبادي الذين أخلصوا لي دينهم ليس لك قدرة علي إضلالهم، لكن من اتبعك من الضالين الموغلين في الضلال لك سلطان علي نفوسهم.
٤٣- وإن النار الشديدة العميقة هي ما يوعدون به أجمعين من عذاب أليم.
٤٤- وليس للنار الشديدة باب واحد، بل لها أبواب سبعة لكثرة المستحقين لها، لكل باب طائفة مختصة به، ولكل طائفة مرتبة معلومة تتكافأ مع شرهم.
٤٥- هذا جزاء الذين يتبعون الشيطان، أما الذين عجز الشيطان عن إغوائهم لأنهم يجعلون بينه وبين نفوسهم حجابا، فلهم حدائق عظيمة وعيون جارية.
٤٦- يقول لهم ربهم : ادخلوا هذه الجنات باطمئنان آمنين فلا خوف عليكم، ولا تحزنون علي أوقاتكم.
٤٧- وإن أهل الإيمان يعيشون في هذا النعيم طيبة نفوسهم، فقد أخرجنا ما فيها من حقد، فهم جميعاً يكونون إخوانا يجلسون علي أسِرَّةٍ تتقابل وجوههم بالبشر والمحبة، ولا يتدابرون كل ينقب عما وراء الآخر.
٤٨- لا يمسهم فيها تعب، وهي نعيم دائم لا يخرجون منها أبدا.
٤٩- أخبر - أيها النبي الأمين - عبادي جميعاً : أني كثير الغفران والعفو لمن تاب وآمن وعمل صالحاً، وأني كثير الرحمة بهم.
٥٠- وأخبرهم أن العذاب الذي أنزله بالعصاة الجاحدين هو العذاب المؤلم حقا، وكل عذاب غيره لا يعد إلي جواره.
٥١- ونبئهم - أيها النبي - في بيان رحمتي الخاصة في الدنيا، وعذابي للعصاة فيها، عن الضيف من الملائكة الذين نزلوا علي إبراهيم.
٥٢- اذكر - أيها الأمين - إذ دخلوا عليه فخاف منهم، فقالوا له : أمنا واطمئنانا. فقال لهم : إنا خائفون منكم إذ فاجأتمونا وجئتم في غير وقت للضيف عادة، ولا نعلم ما وراءكم.
٥٣- قالوا : لا تخف واطمئن، فإنا نبشرك بمولود لك يؤتيه الله - تعالى - في مستقبل حياته علما عظيما.
٥٤- قال : كيف تبشروني بمولود يولد لي مع أنه قد أصابتني الشيخوخة بضعفها، فعلي أي وجه تبشرونني بهذا الأمر الغريب ؟ !.
٥٥- قالوا : بشرناك بالأمر الثابت الذي لا شك فيه، فلا تكن ممن ييأسون من رحمة الله.
٥٦- قال إبراهيم : أني لا أيأس من رحمة الله، فإنه لا ييأس من رحمة الله إلا الضالون الذين لا يدركون عظمته وقدرته.
٥٧- قال، وقد استأنس بهم : إذا كنتم قد بشرتموني بهذه البشرى، فماذا يكون من شأنكم بعدها، أيها الذين أرسلكم الله.
٥٨- قالوا : إنا أرْسَلَنَا الله - تعالى - إلي قوم أجرموا في حق الله وحق نبيهم وحق أنفسهم، من شأنهم الإجرام - هم قوم لوط - فسنهلكهم.
٥٩- ولم يسلم من الإجرام وعذابه إلا أهل لوط، فإن الله - تعالى - قد أمرنا بأن ننجيهم أجمعين.
٦٠- ولا يستثنى من أهله إلا امرأته، فإنها لم تتبع زوجها، بل كانت مع المجرمين الذين استحقوا العذاب.
٦١- ولما نزل أولئك الملائكة الذين أرسلهم الله - تعالى - لإنزال ما توعد به، بأرض لوط وآله.
٦٢- قال لهم لوط : إنكم قوم تنكركم نفسي وتنفر منكم، مخافة أن تمسونا بشر.
٦٣- قالوا : لا تخف منا، فما جئناك بما تخاف، بل جئناك بما يسرك، وهو إنزال العذاب بقومك الذين كذبوك، وكانوا يشكون في صدقه أو ينكرونه.
٦٤- وجئناك بالأمر الثابت الذي لا شك فيه وهو إنزال العذاب، وإن صدق الوعد من صفاتنا بأمر الله.
٦٥- وما دام العذاب نازلاً بهم، فسر ليلاً مع أهلك الذين كتبت نجاتهم، بعد مرور قطع من الليل.
٦٦- وقد أوحى الله - سبحانه وتعالى - إلي لوط : أنا حكمنا وقدرنا أن هؤلاء المجرمين هالكون، يستأصلون عند دخول الصباح، ولا يبقى منهم أحد.
٦٧- ولما أصبح رأوا الملائكة في صورة جميلة من صور البشر، ففرحوا بهم رجاء أن يفعلوا معهم جريمتهم الشنيعة، وهي إتيان الرجال.
٦٨- خشي لوط أن يفعلوا فعلتهم الشنيعة فقال : إن هؤلاء ضيوفي فلا تفضحوني بفعلتكم القبيحة.
٦٩- وخافوا الله تعالى، فلا ترتكبوا فاحشتكم، ولا توقعوني في الخزي والذل أمامهم.
٧٠- قال أولئك المجرمون : أو لم ننهك أن تستضيف أحدا من الناس ثم تمنعنا من أن نفعل معهم ما نشتهي ؟ !.
٧١- قال نبي الله لوط - ينبههم إلي الطريق الطبيعي الشرعي : هؤلاء بنات القرية وهم بناتي، تزوجوهن إن كنتم راغبين في قضاء الشهوة.
٧٢- بحق حياتك - أيها النبي - الأمين، إنهم لفي غفلة عما سينزل بهم، جعلتهم كالسكارى، إنهم لضالون متحيرون لا يعرفون ما يسلكون.
٧٣- وبينما هم في هذه السكرة الغافلة، استولي علي ألبابهم صوت شديد الإزعاج وقد أشرقت الشمس.
٧٤- ولقد نفذ اللَّه - سبحانه - حكمه فقال : جعلنا عالي مدائنهم سافلها بانقضاضها، وأنزلنا عليه طينا متحجرا كان ينزل كالمطر، فدورهم تهدمت، وإن خرجوا إلي العراء استقبلتهم تلك الأمطار من الحجارة، وبذلك أحيط بهم.
٧٥- إن في هذا الذي نزل بقوم لوط لعلامة بينة تدل علي تنفيذ اللَّه وعيده، يعرفها الذين يتعرفون الأمور ويدركون نتائجها من سماتها. فكل عمل موصوف بالإجرام متسم به، له مثل هذه النتيجة في الدنيا وفي الآخرة.
٧٦- وأن هذه المدينة آثارها قائمة ثابتة، وهي واقعة علي طريق ثابت يسلكه الناس ويعرفونه ويعتبر بها من أراد الاعتبار.
٧٧- وأن في بقائها قائمة علي طريق واضح لدليلا علي تنفيذ اللَّه - تعالى - وعيده، يدركه المؤمنون المذعنون للحق.
٧٨- ومثل تكذيب قوم لوط، كذَّب أصحاب الغيضة العظيمة ذات الثمرات رسولهم، وكانوا ظالمين شديدي الظلم في عقائدهم ومعاملاتهم.
٧٩- فأنزلنا نقمتنا عليهم، وإن أثارهم بطريق واضح بَين يعتبر بهم من يمر بديارهم، إن كان من أهل الإيمان.
٨٠- ولقد كذَّب - مثل السابقين - أصحاب الحجر رسولهم الذي أرسل إليهم، وكانوا لهذا مكذبين كل المرسلين، لأن رسالة الله واحدة.
٨١- بينا لهم الحجج الدالة علي قدرتنا ورسالة رسولنا، فكانوا معرضين عنها لا يفكرون فيها.
٨٢- وكانوا قوما ذوي منعة وعمران، فكانوا يصنعون بيوتهم في الجبال ومن الجبال، كانوا بها مطمئنين علي أنفسهم وأموالهم.
٨٣- فلما كفروا وجحدوا أتتهم أصوات مزعجة منذرة بالهلاك، فأهلكوا في وقت الصباح.
٨٤- وما دفع عنهم الهلاك الذي نزل بهم ما كانوا يكسبون من أموال، ويتحصنون به من حصون.
٨٥- ما أنشأنا السماوات والأرض وما بينهما - من فضاء، وما فيهما من أناس وحيوان ونبات وجماد، وغيرها مما لا يعلمه البشر - إلا بالعدل والحكمة والصلاح والذي لا يتفق معه استمرار الفساد وعدم نهايته، ولذا كان اليوم الذي يكون فيه انتهاء الشر آتيا لا محالة، واصفح - أيها النبي - الكريم عن المشركين بالنسبة للعقاب الدنيوي، وعاملهم بالصبر علي أذاهم، والدعوة بالحكمة معاملة الصفوح الحليم.
٨٦- إن اللَّه الذي خلقك - أيها النبي - ورباك هو الكثير الخلق، العليم بحالك وحالهم، فهو حقيق بأن تكل إليه أمرك وأمرهم، وهو الذي يعلم الأصلح لك ولهم.
٨٧- ولقد آتيناك - أيها النبي الأمين - سبع آيات من القرآن، هي الفاتحة التي تكررها في كل صلاة، وفيها الضراعة لنا، وكمال طلب الهداية، وأعطيناك القرآن العظيم كله، وفيه الحجة والإعجاز، فأنت بهذا القوى الذي يجدر منه الصفح.
٨٨- لا تنظر - أيها الرسول - نظرة تمن ورغبة إلي ما أعطيناه من مُتَع الدنيا أصنافاً من الكفار المشركين واليهود والنصارى والمجوس، فإنه مستصغر بالنسبة لما أوتيته من كمال الاتصال بنا ومن القرآن العظيم، ولا تحزن عليهم بسبب استمرارهم علي غيهم، وَأَلِنْ جانبك وتواضع وارفق بالذين معك من المؤمنين، فإنهم قوة الحق وأهل اللَّه.
٨٩- وقل - أيها النبي - للجاحدين جميعاً : أني أنا المنذر لكم بعذابي الشديد، والمبين إنذاري بالأدلة القاطعة المعجزة.
٩٠- وإن هذا مثل إنذار أولئك الذين قسموا القرآن إلي شعر وكهانة وأساطير وغيرها، ولم يؤمنوا به مع قيام الحجة عليهم.
٩١- الذين جعلوا القرآن بهذا التقسيم قطعاً متفرقة، وهو كل لا يقبل التجزئة في إعجازه وصدقه.
٩٢- وإذا كانت تلك حالهم، فوالذي خلقك وحفظك ورباك لنحاسبنهم أجمعين يوم القيامة.
٩٣- علي أعمالهم من إيذاء وجحود واستهزاء.
٩٤- فاجهر بدعوة الحق ولا تلتفت إلي ما يفعله المشركون ويقولونه.
٩٥- وإن أولئك المشركين - الذين يسخرون من دعوتك - لن يتمكنوا منك ولن يستطيعوا أن يحولوا بينك وبين دعوتك.
٩٦- أولئك المشركون قد ضعفت مداركهم فجعلوا مع اللَّه آلهة أخرى من الأوثان، وسوف يعلمون نتائج شركهم حين ينزل بهم العذاب الأليم.
٩٧- وإنا لنعلم ما يصيبك من ضيق وألم نفسي بما يقولونه من ألفاظ الشرك والاستهزاء والاستهانة.
٩٨- فإذا أصابك ذلك الضيق فافزع إلي الله - تعالى - واتجه إليه، وكن من الخاضعين الضارعين إليه، واستعن بالصلاة فإن فيها الشفاء.
٩٩- والتزم عبادة الله الذي خلقك وهو حافظك حتى ينتهي أجلك وتلحق بالرفيق الأعلى.