في السورة مواضيع متنوعة، غير أن طابعها المميز تعداد نعم الله ومشاهد عظمته والتذكير بما يسر الله للناس من وسائل الرزق وسخر لهم من نواميس الكون لإثبات استحقاقه وحده للعبادة والتنديد بالكافرين والمشركين وإنذارهم والتنويه بالمؤمنين الشاكرين وتطمينهم. وفيها مبادئ أخلاقية شخصية واجتماعية رائعة.
وخطة جليلة للنبي والمسلمين عامة في صدد الدعوة إلى سبيل الله. وفيها إشارات إلى عقائد العرب باتخاذ الله بنات وكراهيتهم للبنات. وإلى هجرة المسلمين الأولى، وإلى حوادث ارتداد وعودة بعض المرتدين إلى الإسلام، وإلى قول الكفار بأن شخصا يعلم النبي، وإلى حادث تبديل آية مكان آية في القرآن، وإلى ما حرم الله من لحوم وذبائح، وإلى ملة إبراهيم.
ولا يمكن أن يقال إن فصولها منقطعة عن بعضها بل أن التساوق بينها أو بين أكثرها أكثر ظهورا، وهذا يبرر القول إن فصولها نزلت متتابعة فدونت متتابعة كما نزلت إلى أن تمت.
وقد روي أن الآيات [ ١٢٦-١٢٨ ] مدنية، وأسلوبها ومضمونها وسياقها يسوغ التوقف في ذلك ويجعل الرجحان لمكيتها.
ﰡ
٢ أمر الله : من المؤولين من أول أمر الله بالساعة والقيامة وقال إن الآية مثل ﴿ اقتربت الساعة ﴾ [ القمر : ١ ] ومنهم من أولها بعذاب الله، وكلا التأويلين محتمل.
بسم الله الرحمن الرحيم
في الآيات :
١- توكيد بأن أمر الله آت لا ريب فيه فليتأكد السامعون من ذلك ولا يستعجلوه.
٢- وتنزيه لله عن الشركاء الذين يشركهم معه المشركون.
٣- وتقرير بما جرت عليه عادة الله تعالى من إنزال الملائكة بوحيه وما شاء من رسالاته وكتبه وأحكامه وتبليغاته على من يصطفيهم من عباده لإنذار الناس ودعوتهم إلى الإيمان به وحده واتقائه بصالح الأعمال.
٤ وتنبيه على أنه هو الذي خلق السماوات والأرض وأن الذي يقدر على ذلك يكون غنيا ومنزها عن الشركاء.
٥ وتبكيت للإنسان الذي خلقه الله من نطفة تافهة فلم يتورع عن الوقوف منه موقف الخصم العنيد والمجادل المكابر.
وطابع المطلع في الآيات واضح. والخطاب فيها وإن كان عاما فروحها ومضمونها يلهمان أنه موجه إلى الكفار المشركين ومتضمن لمعنى التنديد بهم وإنذارهم فهم الذين يستعجلون وعد الله وهم الذين يجادلون في آياته ويقفون منه موقف الخصم العنيد. والمتبادر أن الآية الأولى بسبيل الرد على ما كان يصدر من الكفار من تحد باستعجال أمر الله وعذابه الموعود عندما تأتي الساعة وتقوم القيامة والاستهزاء بالوعد، فأمر الله آت لا ريب فيه.
والآية الثانية وهي تقرر ما جرت عادة الله عليه تتضمن توكيد صحة وحي الله للنبي صلى الله عليه وسلم ورسالته وتقرير كون هذا ليس بدعا يبعث الاستغراب ويسوغ المكابرة، ولا سيما أن دعوته واضحة بسيطة وهي دعوة إلى الله وحده واتقائه بصالح العمل.
ولما كانت السورة السابقة انتهت بالتنديد بالمشركين والنهي عن الإشراك بالله فقد يكون بدء مقصد السورة بتنزيه الله عن الشرك وإنذار المشركين بعذاب الله قرينة على صحة ترتيب نزول السورتين واحدة عقب الأخرى.
ولقد روى الطبري عن ابن جرير قال : لما نزلت الآية الأولى قال رجل من المنافقين : إن هذا يزعم أن أمر الله أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا ما نراه أنزل شيء فنزلت :
﴿ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ﴾ [ الأنبياء : ١ ] فقالوا : إن هذا يزعم مثله، فنزلت :﴿ ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ﴾ [ هود : ٨ ]. وروي عن أبي بكر بن حفص قال : لما نزلت ﴿ أتى أمر الله ﴾ رفعوا رؤوسهم فنزلت ﴿ فلا تستعجلوه ﴾ وروى البغوي أن المشركين لما رأوا أن ما أنذر النبي لم ينزل ونزلت ﴿ أتى أمر الله ﴾ وثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم وظنوا أنه قد أتى حقيقة فنزلت ﴿ فلا تستعجلوه ﴾ فاطمأنوا. والروايات عجيبة. وآية سورة الأنبياء نزلت بعد هذه السورة بمدة ما، وآية سورة هود نزلت قبلها بمدة ما حيث يظهر هذا أيضا تفكك الروايات ويسوغ ترجيح كون الآيات وحدة تامة احتوت المقاصد التي شرحناها والله تعالى أعلم.
ولقد روى البغوي في سياق الآية الأولى حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه :( بعثت أنا والساعة كهاتين – وأشار بإصبعيه – وإن كادت لتسبقني ) ١. وروى ابن كثير في سياقها حديثا كذلك أخرجه ابن أبي حاتم عن عقبة بن عامر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تطلع عليكم عند الساعة سحابة سوداء من المغرب مثل الترس، فما تزال ترتفع في السماء ثم ينادي مناد فيها : يا أيها الناس فيقبل الناس بعضهم على بعض هل سمعتم ؟ فمنهم من يقول : نعم، ومنهم من يشك. ثم ينادي الثانية يا أيها الناس فيقول الناس بعضهم لبعض : هل سمعتم ؟ فيقولون : نعم ثم ينادي الثالثة : يا أيها الناس أتى أمر الله فلا تستعجلوه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فو الذي نفسي بيده إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه أبدا، وإن الرجل ليمدن حوضه فما يسقي فيه شيئا أبدا، وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبدا، قال ويشتغل الناس ).
والحديث الأول وارد كما أشرنا في الذيل في كتب الأحاديث الصحيحة، واحتمال صحة الحديث الثاني وارد. واقتراب الساعة مع بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مما ذكر صراحة في بعض الآيات القرآنية منها آية سورة القمر :﴿ اقتربت الساعة وانشق القمر ﴾ ومن الحكمة الملموحة في الأحاديث إنذار الناس، وهذه الحكمة ملموحة في الآيات كما هو المتبادر.
في الآيات :
١- توكيد بأن أمر الله آت لا ريب فيه فليتأكد السامعون من ذلك ولا يستعجلوه.
٢- وتنزيه لله عن الشركاء الذين يشركهم معه المشركون.
٣- وتقرير بما جرت عليه عادة الله تعالى من إنزال الملائكة بوحيه وما شاء من رسالاته وكتبه وأحكامه وتبليغاته على من يصطفيهم من عباده لإنذار الناس ودعوتهم إلى الإيمان به وحده واتقائه بصالح الأعمال.
٤ وتنبيه على أنه هو الذي خلق السماوات والأرض وأن الذي يقدر على ذلك يكون غنيا ومنزها عن الشركاء.
٥ وتبكيت للإنسان الذي خلقه الله من نطفة تافهة فلم يتورع عن الوقوف منه موقف الخصم العنيد والمجادل المكابر.
وطابع المطلع في الآيات واضح. والخطاب فيها وإن كان عاما فروحها ومضمونها يلهمان أنه موجه إلى الكفار المشركين ومتضمن لمعنى التنديد بهم وإنذارهم فهم الذين يستعجلون وعد الله وهم الذين يجادلون في آياته ويقفون منه موقف الخصم العنيد. والمتبادر أن الآية الأولى بسبيل الرد على ما كان يصدر من الكفار من تحد باستعجال أمر الله وعذابه الموعود عندما تأتي الساعة وتقوم القيامة والاستهزاء بالوعد، فأمر الله آت لا ريب فيه.
والآية الثانية وهي تقرر ما جرت عادة الله عليه تتضمن توكيد صحة وحي الله للنبي صلى الله عليه وسلم ورسالته وتقرير كون هذا ليس بدعا يبعث الاستغراب ويسوغ المكابرة، ولا سيما أن دعوته واضحة بسيطة وهي دعوة إلى الله وحده واتقائه بصالح العمل.
ولما كانت السورة السابقة انتهت بالتنديد بالمشركين والنهي عن الإشراك بالله فقد يكون بدء مقصد السورة بتنزيه الله عن الشرك وإنذار المشركين بعذاب الله قرينة على صحة ترتيب نزول السورتين واحدة عقب الأخرى.
ولقد روى الطبري عن ابن جرير قال : لما نزلت الآية الأولى قال رجل من المنافقين : إن هذا يزعم أن أمر الله أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا ما نراه أنزل شيء فنزلت :
﴿ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ﴾ [ الأنبياء : ١ ] فقالوا : إن هذا يزعم مثله، فنزلت :﴿ ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ﴾ [ هود : ٨ ]. وروي عن أبي بكر بن حفص قال : لما نزلت ﴿ أتى أمر الله ﴾ رفعوا رؤوسهم فنزلت ﴿ فلا تستعجلوه ﴾ وروى البغوي أن المشركين لما رأوا أن ما أنذر النبي لم ينزل ونزلت ﴿ أتى أمر الله ﴾ وثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم وظنوا أنه قد أتى حقيقة فنزلت ﴿ فلا تستعجلوه ﴾ فاطمأنوا. والروايات عجيبة. وآية سورة الأنبياء نزلت بعد هذه السورة بمدة ما، وآية سورة هود نزلت قبلها بمدة ما حيث يظهر هذا أيضا تفكك الروايات ويسوغ ترجيح كون الآيات وحدة تامة احتوت المقاصد التي شرحناها والله تعالى أعلم.
ولقد روى البغوي في سياق الآية الأولى حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه :( بعثت أنا والساعة كهاتين – وأشار بإصبعيه – وإن كادت لتسبقني ) ١. وروى ابن كثير في سياقها حديثا كذلك أخرجه ابن أبي حاتم عن عقبة بن عامر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تطلع عليكم عند الساعة سحابة سوداء من المغرب مثل الترس، فما تزال ترتفع في السماء ثم ينادي مناد فيها : يا أيها الناس فيقبل الناس بعضهم على بعض هل سمعتم ؟ فمنهم من يقول : نعم، ومنهم من يشك. ثم ينادي الثانية يا أيها الناس فيقول الناس بعضهم لبعض : هل سمعتم ؟ فيقولون : نعم ثم ينادي الثالثة : يا أيها الناس أتى أمر الله فلا تستعجلوه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فو الذي نفسي بيده إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه أبدا، وإن الرجل ليمدن حوضه فما يسقي فيه شيئا أبدا، وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبدا، قال ويشتغل الناس ).
والحديث الأول وارد كما أشرنا في الذيل في كتب الأحاديث الصحيحة، واحتمال صحة الحديث الثاني وارد. واقتراب الساعة مع بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مما ذكر صراحة في بعض الآيات القرآنية منها آية سورة القمر :﴿ اقتربت الساعة وانشق القمر ﴾ ومن الحكمة الملموحة في الأحاديث إنذار الناس، وهذه الحكمة ملموحة في الآيات كما هو المتبادر.
في الآيات :
١- توكيد بأن أمر الله آت لا ريب فيه فليتأكد السامعون من ذلك ولا يستعجلوه.
٢- وتنزيه لله عن الشركاء الذين يشركهم معه المشركون.
٣- وتقرير بما جرت عليه عادة الله تعالى من إنزال الملائكة بوحيه وما شاء من رسالاته وكتبه وأحكامه وتبليغاته على من يصطفيهم من عباده لإنذار الناس ودعوتهم إلى الإيمان به وحده واتقائه بصالح الأعمال.
٤ وتنبيه على أنه هو الذي خلق السماوات والأرض وأن الذي يقدر على ذلك يكون غنيا ومنزها عن الشركاء.
٥ وتبكيت للإنسان الذي خلقه الله من نطفة تافهة فلم يتورع عن الوقوف منه موقف الخصم العنيد والمجادل المكابر.
وطابع المطلع في الآيات واضح. والخطاب فيها وإن كان عاما فروحها ومضمونها يلهمان أنه موجه إلى الكفار المشركين ومتضمن لمعنى التنديد بهم وإنذارهم فهم الذين يستعجلون وعد الله وهم الذين يجادلون في آياته ويقفون منه موقف الخصم العنيد. والمتبادر أن الآية الأولى بسبيل الرد على ما كان يصدر من الكفار من تحد باستعجال أمر الله وعذابه الموعود عندما تأتي الساعة وتقوم القيامة والاستهزاء بالوعد، فأمر الله آت لا ريب فيه.
والآية الثانية وهي تقرر ما جرت عادة الله عليه تتضمن توكيد صحة وحي الله للنبي صلى الله عليه وسلم ورسالته وتقرير كون هذا ليس بدعا يبعث الاستغراب ويسوغ المكابرة، ولا سيما أن دعوته واضحة بسيطة وهي دعوة إلى الله وحده واتقائه بصالح العمل.
ولما كانت السورة السابقة انتهت بالتنديد بالمشركين والنهي عن الإشراك بالله فقد يكون بدء مقصد السورة بتنزيه الله عن الشرك وإنذار المشركين بعذاب الله قرينة على صحة ترتيب نزول السورتين واحدة عقب الأخرى.
ولقد روى الطبري عن ابن جرير قال : لما نزلت الآية الأولى قال رجل من المنافقين : إن هذا يزعم أن أمر الله أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا ما نراه أنزل شيء فنزلت :
﴿ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ﴾ [ الأنبياء : ١ ] فقالوا : إن هذا يزعم مثله، فنزلت :﴿ ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ﴾ [ هود : ٨ ]. وروي عن أبي بكر بن حفص قال : لما نزلت ﴿ أتى أمر الله ﴾ رفعوا رؤوسهم فنزلت ﴿ فلا تستعجلوه ﴾ وروى البغوي أن المشركين لما رأوا أن ما أنذر النبي لم ينزل ونزلت ﴿ أتى أمر الله ﴾ وثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم وظنوا أنه قد أتى حقيقة فنزلت ﴿ فلا تستعجلوه ﴾ فاطمأنوا. والروايات عجيبة. وآية سورة الأنبياء نزلت بعد هذه السورة بمدة ما، وآية سورة هود نزلت قبلها بمدة ما حيث يظهر هذا أيضا تفكك الروايات ويسوغ ترجيح كون الآيات وحدة تامة احتوت المقاصد التي شرحناها والله تعالى أعلم.
ولقد روى البغوي في سياق الآية الأولى حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه :( بعثت أنا والساعة كهاتين – وأشار بإصبعيه – وإن كادت لتسبقني ) ١. وروى ابن كثير في سياقها حديثا كذلك أخرجه ابن أبي حاتم عن عقبة بن عامر قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تطلع عليكم عند الساعة سحابة سوداء من المغرب مثل الترس، فما تزال ترتفع في السماء ثم ينادي مناد فيها : يا أيها الناس فيقبل الناس بعضهم على بعض هل سمعتم ؟ فمنهم من يقول : نعم، ومنهم من يشك. ثم ينادي الثانية يا أيها الناس فيقول الناس بعضهم لبعض : هل سمعتم ؟ فيقولون : نعم ثم ينادي الثالثة : يا أيها الناس أتى أمر الله فلا تستعجلوه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فو الذي نفسي بيده إن الرجلين لينشران الثوب فما يطويانه أبدا، وإن الرجل ليمدن حوضه فما يسقي فيه شيئا أبدا، وإن الرجل ليحلب ناقته فما يشربه أبدا، قال ويشتغل الناس ).
والحديث الأول وارد كما أشرنا في الذيل في كتب الأحاديث الصحيحة، واحتمال صحة الحديث الثاني وارد. واقتراب الساعة مع بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مما ذكر صراحة في بعض الآيات القرآنية منها آية سورة القمر :﴿ اقتربت الساعة وانشق القمر ﴾ ومن الحكمة الملموحة في الأحاديث إنذار الناس، وهذه الحكمة ملموحة في الآيات كما هو المتبادر.
في الآيات تعداد لنعم الله على الناس وتذكير بما هيأه وسخره لهم من وسائل الحياة والمعاش ونواميس الكون. وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كاستطراد بياني لما احتوته الآيات السابقة وبخاصة الآيتان الأخيرتان منها كما هو المتبادر بحيث يصح القول أنهما سياق واحد. وكل ما فيها قد مر في سور سابقة وشرحناه وعلقنا عليه. والمتبادر أن حكمة التنزيل اقتضت تكراره لتكرر المواقف وتنوعها، وهي موجهة إلى القلوب والعقول معا، ويزيد في استحكامها وإلزامها أن السامعين يعتقدون أن الله عز وجل هو الذي خلق كل ذلك وأغدق عليهم بكل هذه الأفضال ويسر لهم كل هذه الوسائل على ما حكته عنهم آيات عديدة مر منها بعض الأمثلة، وأسلوب الآيات ينطوي على تقرير هذا أيضا.
والآيات وإن كانت مطلقة الخطاب فإن الآية ( ١٧ ) تنطوي على تنديد، وهذا التنديد موجه على الأرجح إلى الكفار المشركين الذين ندد بهم في الآيات السابقة وهذا مما يؤيد ما قلناه آنفا من صلة الآيات بسابقاتها وكونها سياقا واحدا.
ومع أن التذكير بنعم الله وأفضاله على الناس ولفت أنظارهم إلى مشاهد الكون ونواميسه منبث في كثير من السور القرآنية وإن معظم ما جاء في هذه الآيات قد جاء في سور أخرى فإن هذه السلسلة أطول السلاسل القرآنية من حيث الشمول والروعة.
وننبه مرة أخرى إلى ما نبهنا إليه قبل من أن أسلوب هذه الآيات وما سبق من أمثالها لا يقتضي أن يكون الله قد خلق هذه الأكوان لأجل البشر وكل ما يعنيه أن ناموس الله في خلقه جعل البشر أكثر انتفاعا منها وعبر عن ذلك بالأسلوب الذي جاء به والله تعالى أعلم.
والآيات وإن كانت موجهة إلى سامعي القرآن لأول مرة فإن الخطاب فيها عام موجه لجميع الناس في كل ظرف أيضا، من حيث إن ما احتوته متصل بما يقع تحت مشاهدة الناس ومتناولهم وانتفاعهم في كل ظرف، ومن حيث إنها بسبيل التذكير بنعم الله على الناس والتنويه بالإنسان الذي اختصه الله دون غيره من الحيوان بقوى قابلة للانتفاع بنواميس كون الله في مختلف الوجوه والتكيف معها والحث على التفكير في آلاء الله ونواميسه للتوصل في ذلك أولا إلى القناعة بأن وراء هذه المشاهد والنواميس العظيمة البديعة المتقنة الدقيقة قوة عاقلة مدبرة حكيمة وبوجوب وجودها والخضوع لها وحدها والإيمان برسلها وكتبها والتزام حدود شرائعها التي أوحت بها لرسلها، وثانيا إلى استعمال ما أودعه الله في الناس من قوى للانتفاع منها.
وفي هذا الفصل صور من ارتفاقات العرب الذين يخاطبون به قبل غيرهم ومعايشهم ونعم الله عليهم بها في الأنعام والدواب والأسفار البحرية والاهتداء بالنجوم والطرق والأنهار وصيد السمك واستخراج اللؤلؤ والمرجان واستعمالهما في التحلي والتزين مما تكرر ذكره في آيات سابقة لأنها متصلة بحياة الناس ومعايشهم.
وفي جملة ﴿ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ﴾ تكرار لمعنى في آيات عديدة مرت في سور سابقة بأسلوب جديد بقصد بيان أن هناك طريقة واحدة مستقيمة وأخرى معوجة وأن على الله أن يبين للناس معالم الطريق المستقيمة ليسيروا فيها دون المعوجة، ولو شاء لهداهم جميعا إلى الأولى ولكن حكمته شاءت أن يدعهم لاختيارهم واجتهادهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كلا منهم بما يستحق. وفي جملة ﴿ ويخلق مالا تعلمون ﴾ إيذان رباني بعدم انحصار خلق الله فيما يعلم السامعون أو فيما هو موجود في زمنهم أو بيئتهم من مختلف أنواع الخلق، وبأن إرادة الله وخلقه متجددان غير متوقفين مباشرة أو بواسطة خلق موجود من خلقه مما ظهر مصداقه وما يزال يظهر في كل مكان ومختلف الصور والأشكال والأسباب.
ولقد أورد المفسر الطبرسي في سياق جملة ﴿ وعلامات وبالنجم هم يهتدون ﴾ قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة الاثني عشر جاء فيه :( نحن العلامات والنجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله جعل النجوم أمانا لأهل السماء وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض ) ولم يرد هذا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومع الاحترام العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فالهوى الشعيي بارز على هذا القول، وليس له مناسبة في هذا المقام كما هو ظاهر.
تعليق على اختصاص آيات الأنعام
بالأكل والدواب للركوب
وبعض الفقهاء يستنبطون من اختصاص الأكل بالأنعام والركوب بالخيل والبغال والحمير تحريم أكل لحوم الخيل والبغال والحمير. وبعضهم لا يرى في ذلك دليلا، وهذا هو الأوجه لأن المتبادر أن الآيات بسبيل ذكر ما كان معروفا ممارسا وحسب. أما التحريم فلا يصح أن يكون إلا بنص صريح في القرآن أو نص صريح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكل ما سكت عن بيانه القرآن وورد بشأنه سنة صحيحة فتكون شريعة. وما لم يرد فيه سنة فيكون على الإباحة إذا لم يكن من الخبائث التي لا شك فيها. وقد روى المفسرون أحاديث بإباحة لحوم الخيل وتحريم لحوم البغال والحمير.
من ذلك حديث رواه البغوي بطرقه عن جابر قال :( نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل ) وروى عن جابر :( أنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه نهى عن لحوم البغال والحمير ). ولقد روى المفسر عن خالد بن الوليد :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ) ولكنه عقب على هذا الحديث قائلا إن إسناده ضعيف. وقد أورد ابن كثير هذه الأحاديث وأحاديث أخرى من بابها، وشيء من ما ورد في هذه الأحاديث ورد في كتب الأحاديث الصحيحة من ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس قال :( لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبرا أصبنا من القرية حُمُراً فطبخنا منها فنادى النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان، فأكفئت القدور وإنها لتفور بما فيها ) ١ وحديث رواه أبو داود والترمذي عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها. ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قِراه )٢. وحديث رواه أبو داود ومسلم عن جابر قال :( نهانا النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن البغال والحمير ولم ينهانا عن الخيل ) ٣.
وحديث أورده المفسر القاسمي وذكر أنه ورد في الصحيحين عن أسماء قالت :( نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ) فيوقف عند ذلك.
تريحون : ترجعون الأنعام إلى مراحها أي حظائرها وزرائبها بعد الرعي.
تسرحون : تذهبون بها إلى الرعي في الصبح المبكر.
في الآيات تعداد لنعم الله على الناس وتذكير بما هيأه وسخره لهم من وسائل الحياة والمعاش ونواميس الكون. وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كاستطراد بياني لما احتوته الآيات السابقة وبخاصة الآيتان الأخيرتان منها كما هو المتبادر بحيث يصح القول أنهما سياق واحد. وكل ما فيها قد مر في سور سابقة وشرحناه وعلقنا عليه. والمتبادر أن حكمة التنزيل اقتضت تكراره لتكرر المواقف وتنوعها، وهي موجهة إلى القلوب والعقول معا، ويزيد في استحكامها وإلزامها أن السامعين يعتقدون أن الله عز وجل هو الذي خلق كل ذلك وأغدق عليهم بكل هذه الأفضال ويسر لهم كل هذه الوسائل على ما حكته عنهم آيات عديدة مر منها بعض الأمثلة، وأسلوب الآيات ينطوي على تقرير هذا أيضا.
والآيات وإن كانت مطلقة الخطاب فإن الآية ( ١٧ ) تنطوي على تنديد، وهذا التنديد موجه على الأرجح إلى الكفار المشركين الذين ندد بهم في الآيات السابقة وهذا مما يؤيد ما قلناه آنفا من صلة الآيات بسابقاتها وكونها سياقا واحدا.
ومع أن التذكير بنعم الله وأفضاله على الناس ولفت أنظارهم إلى مشاهد الكون ونواميسه منبث في كثير من السور القرآنية وإن معظم ما جاء في هذه الآيات قد جاء في سور أخرى فإن هذه السلسلة أطول السلاسل القرآنية من حيث الشمول والروعة.
وننبه مرة أخرى إلى ما نبهنا إليه قبل من أن أسلوب هذه الآيات وما سبق من أمثالها لا يقتضي أن يكون الله قد خلق هذه الأكوان لأجل البشر وكل ما يعنيه أن ناموس الله في خلقه جعل البشر أكثر انتفاعا منها وعبر عن ذلك بالأسلوب الذي جاء به والله تعالى أعلم.
والآيات وإن كانت موجهة إلى سامعي القرآن لأول مرة فإن الخطاب فيها عام موجه لجميع الناس في كل ظرف أيضا، من حيث إن ما احتوته متصل بما يقع تحت مشاهدة الناس ومتناولهم وانتفاعهم في كل ظرف، ومن حيث إنها بسبيل التذكير بنعم الله على الناس والتنويه بالإنسان الذي اختصه الله دون غيره من الحيوان بقوى قابلة للانتفاع بنواميس كون الله في مختلف الوجوه والتكيف معها والحث على التفكير في آلاء الله ونواميسه للتوصل في ذلك أولا إلى القناعة بأن وراء هذه المشاهد والنواميس العظيمة البديعة المتقنة الدقيقة قوة عاقلة مدبرة حكيمة وبوجوب وجودها والخضوع لها وحدها والإيمان برسلها وكتبها والتزام حدود شرائعها التي أوحت بها لرسلها، وثانيا إلى استعمال ما أودعه الله في الناس من قوى للانتفاع منها.
وفي هذا الفصل صور من ارتفاقات العرب الذين يخاطبون به قبل غيرهم ومعايشهم ونعم الله عليهم بها في الأنعام والدواب والأسفار البحرية والاهتداء بالنجوم والطرق والأنهار وصيد السمك واستخراج اللؤلؤ والمرجان واستعمالهما في التحلي والتزين مما تكرر ذكره في آيات سابقة لأنها متصلة بحياة الناس ومعايشهم.
وفي جملة ﴿ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ﴾ تكرار لمعنى في آيات عديدة مرت في سور سابقة بأسلوب جديد بقصد بيان أن هناك طريقة واحدة مستقيمة وأخرى معوجة وأن على الله أن يبين للناس معالم الطريق المستقيمة ليسيروا فيها دون المعوجة، ولو شاء لهداهم جميعا إلى الأولى ولكن حكمته شاءت أن يدعهم لاختيارهم واجتهادهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كلا منهم بما يستحق. وفي جملة ﴿ ويخلق مالا تعلمون ﴾ إيذان رباني بعدم انحصار خلق الله فيما يعلم السامعون أو فيما هو موجود في زمنهم أو بيئتهم من مختلف أنواع الخلق، وبأن إرادة الله وخلقه متجددان غير متوقفين مباشرة أو بواسطة خلق موجود من خلقه مما ظهر مصداقه وما يزال يظهر في كل مكان ومختلف الصور والأشكال والأسباب.
ولقد أورد المفسر الطبرسي في سياق جملة ﴿ وعلامات وبالنجم هم يهتدون ﴾ قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة الاثني عشر جاء فيه :( نحن العلامات والنجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله جعل النجوم أمانا لأهل السماء وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض ) ولم يرد هذا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومع الاحترام العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فالهوى الشعيي بارز على هذا القول، وليس له مناسبة في هذا المقام كما هو ظاهر.
تعليق على اختصاص آيات الأنعام
بالأكل والدواب للركوب
وبعض الفقهاء يستنبطون من اختصاص الأكل بالأنعام والركوب بالخيل والبغال والحمير تحريم أكل لحوم الخيل والبغال والحمير. وبعضهم لا يرى في ذلك دليلا، وهذا هو الأوجه لأن المتبادر أن الآيات بسبيل ذكر ما كان معروفا ممارسا وحسب. أما التحريم فلا يصح أن يكون إلا بنص صريح في القرآن أو نص صريح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكل ما سكت عن بيانه القرآن وورد بشأنه سنة صحيحة فتكون شريعة. وما لم يرد فيه سنة فيكون على الإباحة إذا لم يكن من الخبائث التي لا شك فيها. وقد روى المفسرون أحاديث بإباحة لحوم الخيل وتحريم لحوم البغال والحمير.
من ذلك حديث رواه البغوي بطرقه عن جابر قال :( نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل ) وروى عن جابر :( أنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه نهى عن لحوم البغال والحمير ). ولقد روى المفسر عن خالد بن الوليد :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ) ولكنه عقب على هذا الحديث قائلا إن إسناده ضعيف. وقد أورد ابن كثير هذه الأحاديث وأحاديث أخرى من بابها، وشيء من ما ورد في هذه الأحاديث ورد في كتب الأحاديث الصحيحة من ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس قال :( لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبرا أصبنا من القرية حُمُراً فطبخنا منها فنادى النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان، فأكفئت القدور وإنها لتفور بما فيها ) ١ وحديث رواه أبو داود والترمذي عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها. ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قِراه )٢. وحديث رواه أبو داود ومسلم عن جابر قال :( نهانا النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن البغال والحمير ولم ينهانا عن الخيل ) ٣.
وحديث أورده المفسر القاسمي وذكر أنه ورد في الصحيحين عن أسماء قالت :( نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ) فيوقف عند ذلك.
في الآيات تعداد لنعم الله على الناس وتذكير بما هيأه وسخره لهم من وسائل الحياة والمعاش ونواميس الكون. وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كاستطراد بياني لما احتوته الآيات السابقة وبخاصة الآيتان الأخيرتان منها كما هو المتبادر بحيث يصح القول أنهما سياق واحد. وكل ما فيها قد مر في سور سابقة وشرحناه وعلقنا عليه. والمتبادر أن حكمة التنزيل اقتضت تكراره لتكرر المواقف وتنوعها، وهي موجهة إلى القلوب والعقول معا، ويزيد في استحكامها وإلزامها أن السامعين يعتقدون أن الله عز وجل هو الذي خلق كل ذلك وأغدق عليهم بكل هذه الأفضال ويسر لهم كل هذه الوسائل على ما حكته عنهم آيات عديدة مر منها بعض الأمثلة، وأسلوب الآيات ينطوي على تقرير هذا أيضا.
والآيات وإن كانت مطلقة الخطاب فإن الآية ( ١٧ ) تنطوي على تنديد، وهذا التنديد موجه على الأرجح إلى الكفار المشركين الذين ندد بهم في الآيات السابقة وهذا مما يؤيد ما قلناه آنفا من صلة الآيات بسابقاتها وكونها سياقا واحدا.
ومع أن التذكير بنعم الله وأفضاله على الناس ولفت أنظارهم إلى مشاهد الكون ونواميسه منبث في كثير من السور القرآنية وإن معظم ما جاء في هذه الآيات قد جاء في سور أخرى فإن هذه السلسلة أطول السلاسل القرآنية من حيث الشمول والروعة.
وننبه مرة أخرى إلى ما نبهنا إليه قبل من أن أسلوب هذه الآيات وما سبق من أمثالها لا يقتضي أن يكون الله قد خلق هذه الأكوان لأجل البشر وكل ما يعنيه أن ناموس الله في خلقه جعل البشر أكثر انتفاعا منها وعبر عن ذلك بالأسلوب الذي جاء به والله تعالى أعلم.
والآيات وإن كانت موجهة إلى سامعي القرآن لأول مرة فإن الخطاب فيها عام موجه لجميع الناس في كل ظرف أيضا، من حيث إن ما احتوته متصل بما يقع تحت مشاهدة الناس ومتناولهم وانتفاعهم في كل ظرف، ومن حيث إنها بسبيل التذكير بنعم الله على الناس والتنويه بالإنسان الذي اختصه الله دون غيره من الحيوان بقوى قابلة للانتفاع بنواميس كون الله في مختلف الوجوه والتكيف معها والحث على التفكير في آلاء الله ونواميسه للتوصل في ذلك أولا إلى القناعة بأن وراء هذه المشاهد والنواميس العظيمة البديعة المتقنة الدقيقة قوة عاقلة مدبرة حكيمة وبوجوب وجودها والخضوع لها وحدها والإيمان برسلها وكتبها والتزام حدود شرائعها التي أوحت بها لرسلها، وثانيا إلى استعمال ما أودعه الله في الناس من قوى للانتفاع منها.
وفي هذا الفصل صور من ارتفاقات العرب الذين يخاطبون به قبل غيرهم ومعايشهم ونعم الله عليهم بها في الأنعام والدواب والأسفار البحرية والاهتداء بالنجوم والطرق والأنهار وصيد السمك واستخراج اللؤلؤ والمرجان واستعمالهما في التحلي والتزين مما تكرر ذكره في آيات سابقة لأنها متصلة بحياة الناس ومعايشهم.
وفي جملة ﴿ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ﴾ تكرار لمعنى في آيات عديدة مرت في سور سابقة بأسلوب جديد بقصد بيان أن هناك طريقة واحدة مستقيمة وأخرى معوجة وأن على الله أن يبين للناس معالم الطريق المستقيمة ليسيروا فيها دون المعوجة، ولو شاء لهداهم جميعا إلى الأولى ولكن حكمته شاءت أن يدعهم لاختيارهم واجتهادهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كلا منهم بما يستحق. وفي جملة ﴿ ويخلق مالا تعلمون ﴾ إيذان رباني بعدم انحصار خلق الله فيما يعلم السامعون أو فيما هو موجود في زمنهم أو بيئتهم من مختلف أنواع الخلق، وبأن إرادة الله وخلقه متجددان غير متوقفين مباشرة أو بواسطة خلق موجود من خلقه مما ظهر مصداقه وما يزال يظهر في كل مكان ومختلف الصور والأشكال والأسباب.
ولقد أورد المفسر الطبرسي في سياق جملة ﴿ وعلامات وبالنجم هم يهتدون ﴾ قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة الاثني عشر جاء فيه :( نحن العلامات والنجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله جعل النجوم أمانا لأهل السماء وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض ) ولم يرد هذا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومع الاحترام العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فالهوى الشعيي بارز على هذا القول، وليس له مناسبة في هذا المقام كما هو ظاهر.
تعليق على اختصاص آيات الأنعام
بالأكل والدواب للركوب
وبعض الفقهاء يستنبطون من اختصاص الأكل بالأنعام والركوب بالخيل والبغال والحمير تحريم أكل لحوم الخيل والبغال والحمير. وبعضهم لا يرى في ذلك دليلا، وهذا هو الأوجه لأن المتبادر أن الآيات بسبيل ذكر ما كان معروفا ممارسا وحسب. أما التحريم فلا يصح أن يكون إلا بنص صريح في القرآن أو نص صريح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكل ما سكت عن بيانه القرآن وورد بشأنه سنة صحيحة فتكون شريعة. وما لم يرد فيه سنة فيكون على الإباحة إذا لم يكن من الخبائث التي لا شك فيها. وقد روى المفسرون أحاديث بإباحة لحوم الخيل وتحريم لحوم البغال والحمير.
من ذلك حديث رواه البغوي بطرقه عن جابر قال :( نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل ) وروى عن جابر :( أنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه نهى عن لحوم البغال والحمير ). ولقد روى المفسر عن خالد بن الوليد :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ) ولكنه عقب على هذا الحديث قائلا إن إسناده ضعيف. وقد أورد ابن كثير هذه الأحاديث وأحاديث أخرى من بابها، وشيء من ما ورد في هذه الأحاديث ورد في كتب الأحاديث الصحيحة من ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس قال :( لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبرا أصبنا من القرية حُمُراً فطبخنا منها فنادى النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان، فأكفئت القدور وإنها لتفور بما فيها ) ١ وحديث رواه أبو داود والترمذي عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها. ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قِراه )٢. وحديث رواه أبو داود ومسلم عن جابر قال :( نهانا النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن البغال والحمير ولم ينهانا عن الخيل ) ٣.
وحديث أورده المفسر القاسمي وذكر أنه ورد في الصحيحين عن أسماء قالت :( نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ) فيوقف عند ذلك.
في الآيات تعداد لنعم الله على الناس وتذكير بما هيأه وسخره لهم من وسائل الحياة والمعاش ونواميس الكون. وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كاستطراد بياني لما احتوته الآيات السابقة وبخاصة الآيتان الأخيرتان منها كما هو المتبادر بحيث يصح القول أنهما سياق واحد. وكل ما فيها قد مر في سور سابقة وشرحناه وعلقنا عليه. والمتبادر أن حكمة التنزيل اقتضت تكراره لتكرر المواقف وتنوعها، وهي موجهة إلى القلوب والعقول معا، ويزيد في استحكامها وإلزامها أن السامعين يعتقدون أن الله عز وجل هو الذي خلق كل ذلك وأغدق عليهم بكل هذه الأفضال ويسر لهم كل هذه الوسائل على ما حكته عنهم آيات عديدة مر منها بعض الأمثلة، وأسلوب الآيات ينطوي على تقرير هذا أيضا.
والآيات وإن كانت مطلقة الخطاب فإن الآية ( ١٧ ) تنطوي على تنديد، وهذا التنديد موجه على الأرجح إلى الكفار المشركين الذين ندد بهم في الآيات السابقة وهذا مما يؤيد ما قلناه آنفا من صلة الآيات بسابقاتها وكونها سياقا واحدا.
ومع أن التذكير بنعم الله وأفضاله على الناس ولفت أنظارهم إلى مشاهد الكون ونواميسه منبث في كثير من السور القرآنية وإن معظم ما جاء في هذه الآيات قد جاء في سور أخرى فإن هذه السلسلة أطول السلاسل القرآنية من حيث الشمول والروعة.
وننبه مرة أخرى إلى ما نبهنا إليه قبل من أن أسلوب هذه الآيات وما سبق من أمثالها لا يقتضي أن يكون الله قد خلق هذه الأكوان لأجل البشر وكل ما يعنيه أن ناموس الله في خلقه جعل البشر أكثر انتفاعا منها وعبر عن ذلك بالأسلوب الذي جاء به والله تعالى أعلم.
والآيات وإن كانت موجهة إلى سامعي القرآن لأول مرة فإن الخطاب فيها عام موجه لجميع الناس في كل ظرف أيضا، من حيث إن ما احتوته متصل بما يقع تحت مشاهدة الناس ومتناولهم وانتفاعهم في كل ظرف، ومن حيث إنها بسبيل التذكير بنعم الله على الناس والتنويه بالإنسان الذي اختصه الله دون غيره من الحيوان بقوى قابلة للانتفاع بنواميس كون الله في مختلف الوجوه والتكيف معها والحث على التفكير في آلاء الله ونواميسه للتوصل في ذلك أولا إلى القناعة بأن وراء هذه المشاهد والنواميس العظيمة البديعة المتقنة الدقيقة قوة عاقلة مدبرة حكيمة وبوجوب وجودها والخضوع لها وحدها والإيمان برسلها وكتبها والتزام حدود شرائعها التي أوحت بها لرسلها، وثانيا إلى استعمال ما أودعه الله في الناس من قوى للانتفاع منها.
وفي هذا الفصل صور من ارتفاقات العرب الذين يخاطبون به قبل غيرهم ومعايشهم ونعم الله عليهم بها في الأنعام والدواب والأسفار البحرية والاهتداء بالنجوم والطرق والأنهار وصيد السمك واستخراج اللؤلؤ والمرجان واستعمالهما في التحلي والتزين مما تكرر ذكره في آيات سابقة لأنها متصلة بحياة الناس ومعايشهم.
وفي جملة ﴿ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ﴾ تكرار لمعنى في آيات عديدة مرت في سور سابقة بأسلوب جديد بقصد بيان أن هناك طريقة واحدة مستقيمة وأخرى معوجة وأن على الله أن يبين للناس معالم الطريق المستقيمة ليسيروا فيها دون المعوجة، ولو شاء لهداهم جميعا إلى الأولى ولكن حكمته شاءت أن يدعهم لاختيارهم واجتهادهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كلا منهم بما يستحق. وفي جملة ﴿ ويخلق مالا تعلمون ﴾ إيذان رباني بعدم انحصار خلق الله فيما يعلم السامعون أو فيما هو موجود في زمنهم أو بيئتهم من مختلف أنواع الخلق، وبأن إرادة الله وخلقه متجددان غير متوقفين مباشرة أو بواسطة خلق موجود من خلقه مما ظهر مصداقه وما يزال يظهر في كل مكان ومختلف الصور والأشكال والأسباب.
ولقد أورد المفسر الطبرسي في سياق جملة ﴿ وعلامات وبالنجم هم يهتدون ﴾ قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة الاثني عشر جاء فيه :( نحن العلامات والنجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله جعل النجوم أمانا لأهل السماء وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض ) ولم يرد هذا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومع الاحترام العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فالهوى الشعيي بارز على هذا القول، وليس له مناسبة في هذا المقام كما هو ظاهر.
تعليق على اختصاص آيات الأنعام
بالأكل والدواب للركوب
وبعض الفقهاء يستنبطون من اختصاص الأكل بالأنعام والركوب بالخيل والبغال والحمير تحريم أكل لحوم الخيل والبغال والحمير. وبعضهم لا يرى في ذلك دليلا، وهذا هو الأوجه لأن المتبادر أن الآيات بسبيل ذكر ما كان معروفا ممارسا وحسب. أما التحريم فلا يصح أن يكون إلا بنص صريح في القرآن أو نص صريح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكل ما سكت عن بيانه القرآن وورد بشأنه سنة صحيحة فتكون شريعة. وما لم يرد فيه سنة فيكون على الإباحة إذا لم يكن من الخبائث التي لا شك فيها. وقد روى المفسرون أحاديث بإباحة لحوم الخيل وتحريم لحوم البغال والحمير.
من ذلك حديث رواه البغوي بطرقه عن جابر قال :( نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل ) وروى عن جابر :( أنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه نهى عن لحوم البغال والحمير ). ولقد روى المفسر عن خالد بن الوليد :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ) ولكنه عقب على هذا الحديث قائلا إن إسناده ضعيف. وقد أورد ابن كثير هذه الأحاديث وأحاديث أخرى من بابها، وشيء من ما ورد في هذه الأحاديث ورد في كتب الأحاديث الصحيحة من ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس قال :( لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبرا أصبنا من القرية حُمُراً فطبخنا منها فنادى النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان، فأكفئت القدور وإنها لتفور بما فيها ) ١ وحديث رواه أبو داود والترمذي عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها. ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قِراه )٢. وحديث رواه أبو داود ومسلم عن جابر قال :( نهانا النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن البغال والحمير ولم ينهانا عن الخيل ) ٣.
وحديث أورده المفسر القاسمي وذكر أنه ورد في الصحيحين عن أسماء قالت :( نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ) فيوقف عند ذلك.
في الآيات تعداد لنعم الله على الناس وتذكير بما هيأه وسخره لهم من وسائل الحياة والمعاش ونواميس الكون. وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كاستطراد بياني لما احتوته الآيات السابقة وبخاصة الآيتان الأخيرتان منها كما هو المتبادر بحيث يصح القول أنهما سياق واحد. وكل ما فيها قد مر في سور سابقة وشرحناه وعلقنا عليه. والمتبادر أن حكمة التنزيل اقتضت تكراره لتكرر المواقف وتنوعها، وهي موجهة إلى القلوب والعقول معا، ويزيد في استحكامها وإلزامها أن السامعين يعتقدون أن الله عز وجل هو الذي خلق كل ذلك وأغدق عليهم بكل هذه الأفضال ويسر لهم كل هذه الوسائل على ما حكته عنهم آيات عديدة مر منها بعض الأمثلة، وأسلوب الآيات ينطوي على تقرير هذا أيضا.
والآيات وإن كانت مطلقة الخطاب فإن الآية ( ١٧ ) تنطوي على تنديد، وهذا التنديد موجه على الأرجح إلى الكفار المشركين الذين ندد بهم في الآيات السابقة وهذا مما يؤيد ما قلناه آنفا من صلة الآيات بسابقاتها وكونها سياقا واحدا.
ومع أن التذكير بنعم الله وأفضاله على الناس ولفت أنظارهم إلى مشاهد الكون ونواميسه منبث في كثير من السور القرآنية وإن معظم ما جاء في هذه الآيات قد جاء في سور أخرى فإن هذه السلسلة أطول السلاسل القرآنية من حيث الشمول والروعة.
وننبه مرة أخرى إلى ما نبهنا إليه قبل من أن أسلوب هذه الآيات وما سبق من أمثالها لا يقتضي أن يكون الله قد خلق هذه الأكوان لأجل البشر وكل ما يعنيه أن ناموس الله في خلقه جعل البشر أكثر انتفاعا منها وعبر عن ذلك بالأسلوب الذي جاء به والله تعالى أعلم.
والآيات وإن كانت موجهة إلى سامعي القرآن لأول مرة فإن الخطاب فيها عام موجه لجميع الناس في كل ظرف أيضا، من حيث إن ما احتوته متصل بما يقع تحت مشاهدة الناس ومتناولهم وانتفاعهم في كل ظرف، ومن حيث إنها بسبيل التذكير بنعم الله على الناس والتنويه بالإنسان الذي اختصه الله دون غيره من الحيوان بقوى قابلة للانتفاع بنواميس كون الله في مختلف الوجوه والتكيف معها والحث على التفكير في آلاء الله ونواميسه للتوصل في ذلك أولا إلى القناعة بأن وراء هذه المشاهد والنواميس العظيمة البديعة المتقنة الدقيقة قوة عاقلة مدبرة حكيمة وبوجوب وجودها والخضوع لها وحدها والإيمان برسلها وكتبها والتزام حدود شرائعها التي أوحت بها لرسلها، وثانيا إلى استعمال ما أودعه الله في الناس من قوى للانتفاع منها.
وفي هذا الفصل صور من ارتفاقات العرب الذين يخاطبون به قبل غيرهم ومعايشهم ونعم الله عليهم بها في الأنعام والدواب والأسفار البحرية والاهتداء بالنجوم والطرق والأنهار وصيد السمك واستخراج اللؤلؤ والمرجان واستعمالهما في التحلي والتزين مما تكرر ذكره في آيات سابقة لأنها متصلة بحياة الناس ومعايشهم.
وفي جملة ﴿ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ﴾ تكرار لمعنى في آيات عديدة مرت في سور سابقة بأسلوب جديد بقصد بيان أن هناك طريقة واحدة مستقيمة وأخرى معوجة وأن على الله أن يبين للناس معالم الطريق المستقيمة ليسيروا فيها دون المعوجة، ولو شاء لهداهم جميعا إلى الأولى ولكن حكمته شاءت أن يدعهم لاختيارهم واجتهادهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كلا منهم بما يستحق. وفي جملة ﴿ ويخلق مالا تعلمون ﴾ إيذان رباني بعدم انحصار خلق الله فيما يعلم السامعون أو فيما هو موجود في زمنهم أو بيئتهم من مختلف أنواع الخلق، وبأن إرادة الله وخلقه متجددان غير متوقفين مباشرة أو بواسطة خلق موجود من خلقه مما ظهر مصداقه وما يزال يظهر في كل مكان ومختلف الصور والأشكال والأسباب.
ولقد أورد المفسر الطبرسي في سياق جملة ﴿ وعلامات وبالنجم هم يهتدون ﴾ قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة الاثني عشر جاء فيه :( نحن العلامات والنجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله جعل النجوم أمانا لأهل السماء وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض ) ولم يرد هذا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومع الاحترام العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فالهوى الشعيي بارز على هذا القول، وليس له مناسبة في هذا المقام كما هو ظاهر.
تعليق على اختصاص آيات الأنعام
بالأكل والدواب للركوب
وبعض الفقهاء يستنبطون من اختصاص الأكل بالأنعام والركوب بالخيل والبغال والحمير تحريم أكل لحوم الخيل والبغال والحمير. وبعضهم لا يرى في ذلك دليلا، وهذا هو الأوجه لأن المتبادر أن الآيات بسبيل ذكر ما كان معروفا ممارسا وحسب. أما التحريم فلا يصح أن يكون إلا بنص صريح في القرآن أو نص صريح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكل ما سكت عن بيانه القرآن وورد بشأنه سنة صحيحة فتكون شريعة. وما لم يرد فيه سنة فيكون على الإباحة إذا لم يكن من الخبائث التي لا شك فيها. وقد روى المفسرون أحاديث بإباحة لحوم الخيل وتحريم لحوم البغال والحمير.
من ذلك حديث رواه البغوي بطرقه عن جابر قال :( نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل ) وروى عن جابر :( أنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه نهى عن لحوم البغال والحمير ). ولقد روى المفسر عن خالد بن الوليد :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ) ولكنه عقب على هذا الحديث قائلا إن إسناده ضعيف. وقد أورد ابن كثير هذه الأحاديث وأحاديث أخرى من بابها، وشيء من ما ورد في هذه الأحاديث ورد في كتب الأحاديث الصحيحة من ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس قال :( لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبرا أصبنا من القرية حُمُراً فطبخنا منها فنادى النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان، فأكفئت القدور وإنها لتفور بما فيها ) ١ وحديث رواه أبو داود والترمذي عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها. ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قِراه )٢. وحديث رواه أبو داود ومسلم عن جابر قال :( نهانا النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن البغال والحمير ولم ينهانا عن الخيل ) ٣.
وحديث أورده المفسر القاسمي وذكر أنه ورد في الصحيحين عن أسماء قالت :( نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ) فيوقف عند ذلك.
في الآيات تعداد لنعم الله على الناس وتذكير بما هيأه وسخره لهم من وسائل الحياة والمعاش ونواميس الكون. وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كاستطراد بياني لما احتوته الآيات السابقة وبخاصة الآيتان الأخيرتان منها كما هو المتبادر بحيث يصح القول أنهما سياق واحد. وكل ما فيها قد مر في سور سابقة وشرحناه وعلقنا عليه. والمتبادر أن حكمة التنزيل اقتضت تكراره لتكرر المواقف وتنوعها، وهي موجهة إلى القلوب والعقول معا، ويزيد في استحكامها وإلزامها أن السامعين يعتقدون أن الله عز وجل هو الذي خلق كل ذلك وأغدق عليهم بكل هذه الأفضال ويسر لهم كل هذه الوسائل على ما حكته عنهم آيات عديدة مر منها بعض الأمثلة، وأسلوب الآيات ينطوي على تقرير هذا أيضا.
والآيات وإن كانت مطلقة الخطاب فإن الآية ( ١٧ ) تنطوي على تنديد، وهذا التنديد موجه على الأرجح إلى الكفار المشركين الذين ندد بهم في الآيات السابقة وهذا مما يؤيد ما قلناه آنفا من صلة الآيات بسابقاتها وكونها سياقا واحدا.
ومع أن التذكير بنعم الله وأفضاله على الناس ولفت أنظارهم إلى مشاهد الكون ونواميسه منبث في كثير من السور القرآنية وإن معظم ما جاء في هذه الآيات قد جاء في سور أخرى فإن هذه السلسلة أطول السلاسل القرآنية من حيث الشمول والروعة.
وننبه مرة أخرى إلى ما نبهنا إليه قبل من أن أسلوب هذه الآيات وما سبق من أمثالها لا يقتضي أن يكون الله قد خلق هذه الأكوان لأجل البشر وكل ما يعنيه أن ناموس الله في خلقه جعل البشر أكثر انتفاعا منها وعبر عن ذلك بالأسلوب الذي جاء به والله تعالى أعلم.
والآيات وإن كانت موجهة إلى سامعي القرآن لأول مرة فإن الخطاب فيها عام موجه لجميع الناس في كل ظرف أيضا، من حيث إن ما احتوته متصل بما يقع تحت مشاهدة الناس ومتناولهم وانتفاعهم في كل ظرف، ومن حيث إنها بسبيل التذكير بنعم الله على الناس والتنويه بالإنسان الذي اختصه الله دون غيره من الحيوان بقوى قابلة للانتفاع بنواميس كون الله في مختلف الوجوه والتكيف معها والحث على التفكير في آلاء الله ونواميسه للتوصل في ذلك أولا إلى القناعة بأن وراء هذه المشاهد والنواميس العظيمة البديعة المتقنة الدقيقة قوة عاقلة مدبرة حكيمة وبوجوب وجودها والخضوع لها وحدها والإيمان برسلها وكتبها والتزام حدود شرائعها التي أوحت بها لرسلها، وثانيا إلى استعمال ما أودعه الله في الناس من قوى للانتفاع منها.
وفي هذا الفصل صور من ارتفاقات العرب الذين يخاطبون به قبل غيرهم ومعايشهم ونعم الله عليهم بها في الأنعام والدواب والأسفار البحرية والاهتداء بالنجوم والطرق والأنهار وصيد السمك واستخراج اللؤلؤ والمرجان واستعمالهما في التحلي والتزين مما تكرر ذكره في آيات سابقة لأنها متصلة بحياة الناس ومعايشهم.
وفي جملة ﴿ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ﴾ تكرار لمعنى في آيات عديدة مرت في سور سابقة بأسلوب جديد بقصد بيان أن هناك طريقة واحدة مستقيمة وأخرى معوجة وأن على الله أن يبين للناس معالم الطريق المستقيمة ليسيروا فيها دون المعوجة، ولو شاء لهداهم جميعا إلى الأولى ولكن حكمته شاءت أن يدعهم لاختيارهم واجتهادهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كلا منهم بما يستحق. وفي جملة ﴿ ويخلق مالا تعلمون ﴾ إيذان رباني بعدم انحصار خلق الله فيما يعلم السامعون أو فيما هو موجود في زمنهم أو بيئتهم من مختلف أنواع الخلق، وبأن إرادة الله وخلقه متجددان غير متوقفين مباشرة أو بواسطة خلق موجود من خلقه مما ظهر مصداقه وما يزال يظهر في كل مكان ومختلف الصور والأشكال والأسباب.
ولقد أورد المفسر الطبرسي في سياق جملة ﴿ وعلامات وبالنجم هم يهتدون ﴾ قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة الاثني عشر جاء فيه :( نحن العلامات والنجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله جعل النجوم أمانا لأهل السماء وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض ) ولم يرد هذا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومع الاحترام العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فالهوى الشعيي بارز على هذا القول، وليس له مناسبة في هذا المقام كما هو ظاهر.
تعليق على اختصاص آيات الأنعام
بالأكل والدواب للركوب
وبعض الفقهاء يستنبطون من اختصاص الأكل بالأنعام والركوب بالخيل والبغال والحمير تحريم أكل لحوم الخيل والبغال والحمير. وبعضهم لا يرى في ذلك دليلا، وهذا هو الأوجه لأن المتبادر أن الآيات بسبيل ذكر ما كان معروفا ممارسا وحسب. أما التحريم فلا يصح أن يكون إلا بنص صريح في القرآن أو نص صريح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكل ما سكت عن بيانه القرآن وورد بشأنه سنة صحيحة فتكون شريعة. وما لم يرد فيه سنة فيكون على الإباحة إذا لم يكن من الخبائث التي لا شك فيها. وقد روى المفسرون أحاديث بإباحة لحوم الخيل وتحريم لحوم البغال والحمير.
من ذلك حديث رواه البغوي بطرقه عن جابر قال :( نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل ) وروى عن جابر :( أنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه نهى عن لحوم البغال والحمير ). ولقد روى المفسر عن خالد بن الوليد :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ) ولكنه عقب على هذا الحديث قائلا إن إسناده ضعيف. وقد أورد ابن كثير هذه الأحاديث وأحاديث أخرى من بابها، وشيء من ما ورد في هذه الأحاديث ورد في كتب الأحاديث الصحيحة من ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس قال :( لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبرا أصبنا من القرية حُمُراً فطبخنا منها فنادى النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان، فأكفئت القدور وإنها لتفور بما فيها ) ١ وحديث رواه أبو داود والترمذي عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها. ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قِراه )٢. وحديث رواه أبو داود ومسلم عن جابر قال :( نهانا النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن البغال والحمير ولم ينهانا عن الخيل ) ٣.
وحديث أورده المفسر القاسمي وذكر أنه ورد في الصحيحين عن أسماء قالت :( نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ) فيوقف عند ذلك.
في الآيات تعداد لنعم الله على الناس وتذكير بما هيأه وسخره لهم من وسائل الحياة والمعاش ونواميس الكون. وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كاستطراد بياني لما احتوته الآيات السابقة وبخاصة الآيتان الأخيرتان منها كما هو المتبادر بحيث يصح القول أنهما سياق واحد. وكل ما فيها قد مر في سور سابقة وشرحناه وعلقنا عليه. والمتبادر أن حكمة التنزيل اقتضت تكراره لتكرر المواقف وتنوعها، وهي موجهة إلى القلوب والعقول معا، ويزيد في استحكامها وإلزامها أن السامعين يعتقدون أن الله عز وجل هو الذي خلق كل ذلك وأغدق عليهم بكل هذه الأفضال ويسر لهم كل هذه الوسائل على ما حكته عنهم آيات عديدة مر منها بعض الأمثلة، وأسلوب الآيات ينطوي على تقرير هذا أيضا.
والآيات وإن كانت مطلقة الخطاب فإن الآية ( ١٧ ) تنطوي على تنديد، وهذا التنديد موجه على الأرجح إلى الكفار المشركين الذين ندد بهم في الآيات السابقة وهذا مما يؤيد ما قلناه آنفا من صلة الآيات بسابقاتها وكونها سياقا واحدا.
ومع أن التذكير بنعم الله وأفضاله على الناس ولفت أنظارهم إلى مشاهد الكون ونواميسه منبث في كثير من السور القرآنية وإن معظم ما جاء في هذه الآيات قد جاء في سور أخرى فإن هذه السلسلة أطول السلاسل القرآنية من حيث الشمول والروعة.
وننبه مرة أخرى إلى ما نبهنا إليه قبل من أن أسلوب هذه الآيات وما سبق من أمثالها لا يقتضي أن يكون الله قد خلق هذه الأكوان لأجل البشر وكل ما يعنيه أن ناموس الله في خلقه جعل البشر أكثر انتفاعا منها وعبر عن ذلك بالأسلوب الذي جاء به والله تعالى أعلم.
والآيات وإن كانت موجهة إلى سامعي القرآن لأول مرة فإن الخطاب فيها عام موجه لجميع الناس في كل ظرف أيضا، من حيث إن ما احتوته متصل بما يقع تحت مشاهدة الناس ومتناولهم وانتفاعهم في كل ظرف، ومن حيث إنها بسبيل التذكير بنعم الله على الناس والتنويه بالإنسان الذي اختصه الله دون غيره من الحيوان بقوى قابلة للانتفاع بنواميس كون الله في مختلف الوجوه والتكيف معها والحث على التفكير في آلاء الله ونواميسه للتوصل في ذلك أولا إلى القناعة بأن وراء هذه المشاهد والنواميس العظيمة البديعة المتقنة الدقيقة قوة عاقلة مدبرة حكيمة وبوجوب وجودها والخضوع لها وحدها والإيمان برسلها وكتبها والتزام حدود شرائعها التي أوحت بها لرسلها، وثانيا إلى استعمال ما أودعه الله في الناس من قوى للانتفاع منها.
وفي هذا الفصل صور من ارتفاقات العرب الذين يخاطبون به قبل غيرهم ومعايشهم ونعم الله عليهم بها في الأنعام والدواب والأسفار البحرية والاهتداء بالنجوم والطرق والأنهار وصيد السمك واستخراج اللؤلؤ والمرجان واستعمالهما في التحلي والتزين مما تكرر ذكره في آيات سابقة لأنها متصلة بحياة الناس ومعايشهم.
وفي جملة ﴿ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ﴾ تكرار لمعنى في آيات عديدة مرت في سور سابقة بأسلوب جديد بقصد بيان أن هناك طريقة واحدة مستقيمة وأخرى معوجة وأن على الله أن يبين للناس معالم الطريق المستقيمة ليسيروا فيها دون المعوجة، ولو شاء لهداهم جميعا إلى الأولى ولكن حكمته شاءت أن يدعهم لاختيارهم واجتهادهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كلا منهم بما يستحق. وفي جملة ﴿ ويخلق مالا تعلمون ﴾ إيذان رباني بعدم انحصار خلق الله فيما يعلم السامعون أو فيما هو موجود في زمنهم أو بيئتهم من مختلف أنواع الخلق، وبأن إرادة الله وخلقه متجددان غير متوقفين مباشرة أو بواسطة خلق موجود من خلقه مما ظهر مصداقه وما يزال يظهر في كل مكان ومختلف الصور والأشكال والأسباب.
ولقد أورد المفسر الطبرسي في سياق جملة ﴿ وعلامات وبالنجم هم يهتدون ﴾ قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة الاثني عشر جاء فيه :( نحن العلامات والنجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله جعل النجوم أمانا لأهل السماء وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض ) ولم يرد هذا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومع الاحترام العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فالهوى الشعيي بارز على هذا القول، وليس له مناسبة في هذا المقام كما هو ظاهر.
تعليق على اختصاص آيات الأنعام
بالأكل والدواب للركوب
وبعض الفقهاء يستنبطون من اختصاص الأكل بالأنعام والركوب بالخيل والبغال والحمير تحريم أكل لحوم الخيل والبغال والحمير. وبعضهم لا يرى في ذلك دليلا، وهذا هو الأوجه لأن المتبادر أن الآيات بسبيل ذكر ما كان معروفا ممارسا وحسب. أما التحريم فلا يصح أن يكون إلا بنص صريح في القرآن أو نص صريح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكل ما سكت عن بيانه القرآن وورد بشأنه سنة صحيحة فتكون شريعة. وما لم يرد فيه سنة فيكون على الإباحة إذا لم يكن من الخبائث التي لا شك فيها. وقد روى المفسرون أحاديث بإباحة لحوم الخيل وتحريم لحوم البغال والحمير.
من ذلك حديث رواه البغوي بطرقه عن جابر قال :( نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل ) وروى عن جابر :( أنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه نهى عن لحوم البغال والحمير ). ولقد روى المفسر عن خالد بن الوليد :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ) ولكنه عقب على هذا الحديث قائلا إن إسناده ضعيف. وقد أورد ابن كثير هذه الأحاديث وأحاديث أخرى من بابها، وشيء من ما ورد في هذه الأحاديث ورد في كتب الأحاديث الصحيحة من ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس قال :( لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبرا أصبنا من القرية حُمُراً فطبخنا منها فنادى النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان، فأكفئت القدور وإنها لتفور بما فيها ) ١ وحديث رواه أبو داود والترمذي عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها. ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قِراه )٢. وحديث رواه أبو داود ومسلم عن جابر قال :( نهانا النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن البغال والحمير ولم ينهانا عن الخيل ) ٣.
وحديث أورده المفسر القاسمي وذكر أنه ورد في الصحيحين عن أسماء قالت :( نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ) فيوقف عند ذلك.
في الآيات تعداد لنعم الله على الناس وتذكير بما هيأه وسخره لهم من وسائل الحياة والمعاش ونواميس الكون. وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كاستطراد بياني لما احتوته الآيات السابقة وبخاصة الآيتان الأخيرتان منها كما هو المتبادر بحيث يصح القول أنهما سياق واحد. وكل ما فيها قد مر في سور سابقة وشرحناه وعلقنا عليه. والمتبادر أن حكمة التنزيل اقتضت تكراره لتكرر المواقف وتنوعها، وهي موجهة إلى القلوب والعقول معا، ويزيد في استحكامها وإلزامها أن السامعين يعتقدون أن الله عز وجل هو الذي خلق كل ذلك وأغدق عليهم بكل هذه الأفضال ويسر لهم كل هذه الوسائل على ما حكته عنهم آيات عديدة مر منها بعض الأمثلة، وأسلوب الآيات ينطوي على تقرير هذا أيضا.
والآيات وإن كانت مطلقة الخطاب فإن الآية ( ١٧ ) تنطوي على تنديد، وهذا التنديد موجه على الأرجح إلى الكفار المشركين الذين ندد بهم في الآيات السابقة وهذا مما يؤيد ما قلناه آنفا من صلة الآيات بسابقاتها وكونها سياقا واحدا.
ومع أن التذكير بنعم الله وأفضاله على الناس ولفت أنظارهم إلى مشاهد الكون ونواميسه منبث في كثير من السور القرآنية وإن معظم ما جاء في هذه الآيات قد جاء في سور أخرى فإن هذه السلسلة أطول السلاسل القرآنية من حيث الشمول والروعة.
وننبه مرة أخرى إلى ما نبهنا إليه قبل من أن أسلوب هذه الآيات وما سبق من أمثالها لا يقتضي أن يكون الله قد خلق هذه الأكوان لأجل البشر وكل ما يعنيه أن ناموس الله في خلقه جعل البشر أكثر انتفاعا منها وعبر عن ذلك بالأسلوب الذي جاء به والله تعالى أعلم.
والآيات وإن كانت موجهة إلى سامعي القرآن لأول مرة فإن الخطاب فيها عام موجه لجميع الناس في كل ظرف أيضا، من حيث إن ما احتوته متصل بما يقع تحت مشاهدة الناس ومتناولهم وانتفاعهم في كل ظرف، ومن حيث إنها بسبيل التذكير بنعم الله على الناس والتنويه بالإنسان الذي اختصه الله دون غيره من الحيوان بقوى قابلة للانتفاع بنواميس كون الله في مختلف الوجوه والتكيف معها والحث على التفكير في آلاء الله ونواميسه للتوصل في ذلك أولا إلى القناعة بأن وراء هذه المشاهد والنواميس العظيمة البديعة المتقنة الدقيقة قوة عاقلة مدبرة حكيمة وبوجوب وجودها والخضوع لها وحدها والإيمان برسلها وكتبها والتزام حدود شرائعها التي أوحت بها لرسلها، وثانيا إلى استعمال ما أودعه الله في الناس من قوى للانتفاع منها.
وفي هذا الفصل صور من ارتفاقات العرب الذين يخاطبون به قبل غيرهم ومعايشهم ونعم الله عليهم بها في الأنعام والدواب والأسفار البحرية والاهتداء بالنجوم والطرق والأنهار وصيد السمك واستخراج اللؤلؤ والمرجان واستعمالهما في التحلي والتزين مما تكرر ذكره في آيات سابقة لأنها متصلة بحياة الناس ومعايشهم.
وفي جملة ﴿ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ﴾ تكرار لمعنى في آيات عديدة مرت في سور سابقة بأسلوب جديد بقصد بيان أن هناك طريقة واحدة مستقيمة وأخرى معوجة وأن على الله أن يبين للناس معالم الطريق المستقيمة ليسيروا فيها دون المعوجة، ولو شاء لهداهم جميعا إلى الأولى ولكن حكمته شاءت أن يدعهم لاختيارهم واجتهادهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كلا منهم بما يستحق. وفي جملة ﴿ ويخلق مالا تعلمون ﴾ إيذان رباني بعدم انحصار خلق الله فيما يعلم السامعون أو فيما هو موجود في زمنهم أو بيئتهم من مختلف أنواع الخلق، وبأن إرادة الله وخلقه متجددان غير متوقفين مباشرة أو بواسطة خلق موجود من خلقه مما ظهر مصداقه وما يزال يظهر في كل مكان ومختلف الصور والأشكال والأسباب.
ولقد أورد المفسر الطبرسي في سياق جملة ﴿ وعلامات وبالنجم هم يهتدون ﴾ قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة الاثني عشر جاء فيه :( نحن العلامات والنجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله جعل النجوم أمانا لأهل السماء وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض ) ولم يرد هذا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومع الاحترام العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فالهوى الشعيي بارز على هذا القول، وليس له مناسبة في هذا المقام كما هو ظاهر.
تعليق على اختصاص آيات الأنعام
بالأكل والدواب للركوب
وبعض الفقهاء يستنبطون من اختصاص الأكل بالأنعام والركوب بالخيل والبغال والحمير تحريم أكل لحوم الخيل والبغال والحمير. وبعضهم لا يرى في ذلك دليلا، وهذا هو الأوجه لأن المتبادر أن الآيات بسبيل ذكر ما كان معروفا ممارسا وحسب. أما التحريم فلا يصح أن يكون إلا بنص صريح في القرآن أو نص صريح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكل ما سكت عن بيانه القرآن وورد بشأنه سنة صحيحة فتكون شريعة. وما لم يرد فيه سنة فيكون على الإباحة إذا لم يكن من الخبائث التي لا شك فيها. وقد روى المفسرون أحاديث بإباحة لحوم الخيل وتحريم لحوم البغال والحمير.
من ذلك حديث رواه البغوي بطرقه عن جابر قال :( نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل ) وروى عن جابر :( أنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه نهى عن لحوم البغال والحمير ). ولقد روى المفسر عن خالد بن الوليد :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ) ولكنه عقب على هذا الحديث قائلا إن إسناده ضعيف. وقد أورد ابن كثير هذه الأحاديث وأحاديث أخرى من بابها، وشيء من ما ورد في هذه الأحاديث ورد في كتب الأحاديث الصحيحة من ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس قال :( لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبرا أصبنا من القرية حُمُراً فطبخنا منها فنادى النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان، فأكفئت القدور وإنها لتفور بما فيها ) ١ وحديث رواه أبو داود والترمذي عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها. ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قِراه )٢. وحديث رواه أبو داود ومسلم عن جابر قال :( نهانا النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن البغال والحمير ولم ينهانا عن الخيل ) ٣.
وحديث أورده المفسر القاسمي وذكر أنه ورد في الصحيحين عن أسماء قالت :( نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ) فيوقف عند ذلك.
في الآيات تعداد لنعم الله على الناس وتذكير بما هيأه وسخره لهم من وسائل الحياة والمعاش ونواميس الكون. وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كاستطراد بياني لما احتوته الآيات السابقة وبخاصة الآيتان الأخيرتان منها كما هو المتبادر بحيث يصح القول أنهما سياق واحد. وكل ما فيها قد مر في سور سابقة وشرحناه وعلقنا عليه. والمتبادر أن حكمة التنزيل اقتضت تكراره لتكرر المواقف وتنوعها، وهي موجهة إلى القلوب والعقول معا، ويزيد في استحكامها وإلزامها أن السامعين يعتقدون أن الله عز وجل هو الذي خلق كل ذلك وأغدق عليهم بكل هذه الأفضال ويسر لهم كل هذه الوسائل على ما حكته عنهم آيات عديدة مر منها بعض الأمثلة، وأسلوب الآيات ينطوي على تقرير هذا أيضا.
والآيات وإن كانت مطلقة الخطاب فإن الآية ( ١٧ ) تنطوي على تنديد، وهذا التنديد موجه على الأرجح إلى الكفار المشركين الذين ندد بهم في الآيات السابقة وهذا مما يؤيد ما قلناه آنفا من صلة الآيات بسابقاتها وكونها سياقا واحدا.
ومع أن التذكير بنعم الله وأفضاله على الناس ولفت أنظارهم إلى مشاهد الكون ونواميسه منبث في كثير من السور القرآنية وإن معظم ما جاء في هذه الآيات قد جاء في سور أخرى فإن هذه السلسلة أطول السلاسل القرآنية من حيث الشمول والروعة.
وننبه مرة أخرى إلى ما نبهنا إليه قبل من أن أسلوب هذه الآيات وما سبق من أمثالها لا يقتضي أن يكون الله قد خلق هذه الأكوان لأجل البشر وكل ما يعنيه أن ناموس الله في خلقه جعل البشر أكثر انتفاعا منها وعبر عن ذلك بالأسلوب الذي جاء به والله تعالى أعلم.
والآيات وإن كانت موجهة إلى سامعي القرآن لأول مرة فإن الخطاب فيها عام موجه لجميع الناس في كل ظرف أيضا، من حيث إن ما احتوته متصل بما يقع تحت مشاهدة الناس ومتناولهم وانتفاعهم في كل ظرف، ومن حيث إنها بسبيل التذكير بنعم الله على الناس والتنويه بالإنسان الذي اختصه الله دون غيره من الحيوان بقوى قابلة للانتفاع بنواميس كون الله في مختلف الوجوه والتكيف معها والحث على التفكير في آلاء الله ونواميسه للتوصل في ذلك أولا إلى القناعة بأن وراء هذه المشاهد والنواميس العظيمة البديعة المتقنة الدقيقة قوة عاقلة مدبرة حكيمة وبوجوب وجودها والخضوع لها وحدها والإيمان برسلها وكتبها والتزام حدود شرائعها التي أوحت بها لرسلها، وثانيا إلى استعمال ما أودعه الله في الناس من قوى للانتفاع منها.
وفي هذا الفصل صور من ارتفاقات العرب الذين يخاطبون به قبل غيرهم ومعايشهم ونعم الله عليهم بها في الأنعام والدواب والأسفار البحرية والاهتداء بالنجوم والطرق والأنهار وصيد السمك واستخراج اللؤلؤ والمرجان واستعمالهما في التحلي والتزين مما تكرر ذكره في آيات سابقة لأنها متصلة بحياة الناس ومعايشهم.
وفي جملة ﴿ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ﴾ تكرار لمعنى في آيات عديدة مرت في سور سابقة بأسلوب جديد بقصد بيان أن هناك طريقة واحدة مستقيمة وأخرى معوجة وأن على الله أن يبين للناس معالم الطريق المستقيمة ليسيروا فيها دون المعوجة، ولو شاء لهداهم جميعا إلى الأولى ولكن حكمته شاءت أن يدعهم لاختيارهم واجتهادهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كلا منهم بما يستحق. وفي جملة ﴿ ويخلق مالا تعلمون ﴾ إيذان رباني بعدم انحصار خلق الله فيما يعلم السامعون أو فيما هو موجود في زمنهم أو بيئتهم من مختلف أنواع الخلق، وبأن إرادة الله وخلقه متجددان غير متوقفين مباشرة أو بواسطة خلق موجود من خلقه مما ظهر مصداقه وما يزال يظهر في كل مكان ومختلف الصور والأشكال والأسباب.
ولقد أورد المفسر الطبرسي في سياق جملة ﴿ وعلامات وبالنجم هم يهتدون ﴾ قولا لأبي عبد الله أحد الأئمة الاثني عشر جاء فيه :( نحن العلامات والنجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله جعل النجوم أمانا لأهل السماء وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض ) ولم يرد هذا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومع الاحترام العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فالهوى الشعيي بارز على هذا القول، وليس له مناسبة في هذا المقام كما هو ظاهر.
تعليق على اختصاص آيات الأنعام
بالأكل والدواب للركوب
وبعض الفقهاء يستنبطون من اختصاص الأكل بالأنعام والركوب بالخيل والبغال والحمير تحريم أكل لحوم الخيل والبغال والحمير. وبعضهم لا يرى في ذلك دليلا، وهذا هو الأوجه لأن المتبادر أن الآيات بسبيل ذكر ما كان معروفا ممارسا وحسب. أما التحريم فلا يصح أن يكون إلا بنص صريح في القرآن أو نص صريح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكل ما سكت عن بيانه القرآن وورد بشأنه سنة صحيحة فتكون شريعة. وما لم يرد فيه سنة فيكون على الإباحة إذا لم يكن من الخبائث التي لا شك فيها. وقد روى المفسرون أحاديث بإباحة لحوم الخيل وتحريم لحوم البغال والحمير.
من ذلك حديث رواه البغوي بطرقه عن جابر قال :( نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل ) وروى عن جابر :( أنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه نهى عن لحوم البغال والحمير ). ولقد روى المفسر عن خالد بن الوليد :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ) ولكنه عقب على هذا الحديث قائلا إن إسناده ضعيف. وقد أورد ابن كثير هذه الأحاديث وأحاديث أخرى من بابها، وشيء من ما ورد في هذه الأحاديث ورد في كتب الأحاديث الصحيحة من ذلك حديث رواه الخمسة عن أنس قال :( لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبرا أصبنا من القرية حُمُراً فطبخنا منها فنادى النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان، فأكفئت القدور وإنها لتفور بما فيها ) ١ وحديث رواه أبو داود والترمذي عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها. ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قِراه )٢. وحديث رواه أبو داود ومسلم عن جابر قال :( نهانا النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن البغال والحمير ولم ينهانا عن الخيل ) ٣.
وحديث أورده المفسر القاسمي وذكر أنه ورد في الصحيحين عن أسماء قالت :( نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه ) فيوقف عند ذلك.
والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا أيضا، وفيها تقرير لوحدة الله وشمول علمه وإحاطته بما يسرّه الناس ويعلنونه على السواء وتنديد بالمشركين الذين يشركون مع الله من هم من مخلوقاته ولا يستطيعون خلق شيء وليس عندهم علم بشيء وهم أموات لاحس فيهم ولا حياة. وفيها تقرير بكون السبب الذي يجعل المشركين يقفون موقف الإنكار والاستكبار هو عدم يقينهم وإيمانهم بالبعث والجزاء الأخرويين. والله يعلم هذا فيهم لأنه يعلم ما يسرّون وما يعلنون وأنهم استحقوا غضب الله لأنه لا يحب المستكبرين.
والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا أيضا، وفيها تقرير لوحدة الله وشمول علمه وإحاطته بما يسرّه الناس ويعلنونه على السواء وتنديد بالمشركين الذين يشركون مع الله من هم من مخلوقاته ولا يستطيعون خلق شيء وليس عندهم علم بشيء وهم أموات لاحس فيهم ولا حياة. وفيها تقرير بكون السبب الذي يجعل المشركين يقفون موقف الإنكار والاستكبار هو عدم يقينهم وإيمانهم بالبعث والجزاء الأخرويين. والله يعلم هذا فيهم لأنه يعلم ما يسرّون وما يعلنون وأنهم استحقوا غضب الله لأنه لا يحب المستكبرين.
والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا أيضا، وفيها تقرير لوحدة الله وشمول علمه وإحاطته بما يسرّه الناس ويعلنونه على السواء وتنديد بالمشركين الذين يشركون مع الله من هم من مخلوقاته ولا يستطيعون خلق شيء وليس عندهم علم بشيء وهم أموات لاحس فيهم ولا حياة. وفيها تقرير بكون السبب الذي يجعل المشركين يقفون موقف الإنكار والاستكبار هو عدم يقينهم وإيمانهم بالبعث والجزاء الأخرويين. والله يعلم هذا فيهم لأنه يعلم ما يسرّون وما يعلنون وأنهم استحقوا غضب الله لأنه لا يحب المستكبرين.
والمتبادر أن الوصف الذي وصفته الآية [ ٢١ ] لمن يدعوهم المشركون من دون الله مقصود به الأوثان. ولقد كان الشركاء الذين يتخذهم العرب من دون الله هم الملائكة على الأعم الأغلب على ما دلت عليه آيات كثيرة مرت أمثلة عديدة منها. غير أنهم كانوا إلى هذا يتخذون أوثانا متنوعة أيضا يقيمون عندها طقوسهم ويقربون قرابينهم على ما مرت إليه إشارات عديدة في سور سابقة. فالوصف قد عنى هنا هذه الأوثان التي كانت على الأرجح رموزا للملائكة على ما شرحناه في سياق سورة النجم.
والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا أيضا، وفيها تقرير لوحدة الله وشمول علمه وإحاطته بما يسرّه الناس ويعلنونه على السواء وتنديد بالمشركين الذين يشركون مع الله من هم من مخلوقاته ولا يستطيعون خلق شيء وليس عندهم علم بشيء وهم أموات لاحس فيهم ولا حياة. وفيها تقرير بكون السبب الذي يجعل المشركين يقفون موقف الإنكار والاستكبار هو عدم يقينهم وإيمانهم بالبعث والجزاء الأخرويين. والله يعلم هذا فيهم لأنه يعلم ما يسرّون وما يعلنون وأنهم استحقوا غضب الله لأنه لا يحب المستكبرين.
ولقد علقنا على موضوع عدم إيمان الكفار بالآخرة وعدم خوفهم منها في سياق سورة المدثر فلا نرى ضرورة للإعادة بمناسبة ما جاء في الآية [ ٢٢ ] من ذلك إلا التنبيه إلى ما تضمنته العبارة القرآنية هنا من تعليل لتناقض الكفار المشركين الذين كانوا يؤمنون بوجود الله وكونه الخالق الرازق النافع الضار وحده حيث كان عدم إيمانهم بالآخرة هو الذي يحملهم على الجحود برسالة النبي والقرآن واستكبارهم عنهما.
هذا، ولقد أورد البغوي في سياق هذه الآية حديثا رواه بطرقه عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه :( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان. فقال رجل : يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال : إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس ) وهذا الحديث مما رواه مسلم والترمذي عن عبد الله بن مسعود أيضا ١.
والاستكبار المذكور في الآية على ما تلهمه روحها وسياقها هو الاستكبار عن الدعوة النبوية، غير أن التفسير الذي جاء في الحديث يجعله مما يتناول هذا أيضا. ويلمح في الحديث حكم نبوية عديدة من وعد وبشرى للمؤمن ووعيد رهيب للمتكبرين ومن توضيح لمعنى الكبر المحرم ومن رفع الحرج عن رغبة المرء في أن يبدو ذا هيئة حسنة في حياته ومظهره إذا لم يكن في ذلك بطر للحق وغمط للناس.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:﴿ والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ١٩ والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ٢٠ أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ٢١ إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ٢٢ لا جرم ١ أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين ٢٣ ﴾ [ ١٩-٢٣ ].
والآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا أيضا، وفيها تقرير لوحدة الله وشمول علمه وإحاطته بما يسرّه الناس ويعلنونه على السواء وتنديد بالمشركين الذين يشركون مع الله من هم من مخلوقاته ولا يستطيعون خلق شيء وليس عندهم علم بشيء وهم أموات لاحس فيهم ولا حياة. وفيها تقرير بكون السبب الذي يجعل المشركين يقفون موقف الإنكار والاستكبار هو عدم يقينهم وإيمانهم بالبعث والجزاء الأخرويين. والله يعلم هذا فيهم لأنه يعلم ما يسرّون وما يعلنون وأنهم استحقوا غضب الله لأنه لا يحب المستكبرين.
في الآيات :
١- إشارة إلى ما كان يقوله الكفار حينما كانوا يسألون عن الآيات القرآنية التي ينزلها الله على رسوله حيث كانوا يقولون إنها أساطير الأمم السابقة وقصصهم.
٢- وإنذار رباني بأنهم بمثل هذه الأقوال التي تصدر منهم بغير علم ولا برهان إنما هم في الحقيقة يحملون أنفسهم أفدح الأوزار التي سوف يحاسبون عليها يوم القيامة. ولسوف يحملون بالإضافة إلى أوزارهم الكاملة بسبب كفرهم مسؤولية وأوزار الذين يضلونهم أيضا وتكون من أسباب تشديد العذاب عليهم، ولبئس ما يحملون من أوزار، ولبئس العاقبة عاقبتهم.
٣- وتذكير بأمثالهم من قبل : فقد وقفوا موقفهم من الكيد والمكر والكفر والتعجيز فدمر الله عليهم مساكنهم فوق رؤوسهم وسلط عليهم العذاب في الدنيا دون أن يشعروا بمقدماته، وينطوي في التذكير وعد رباني بمثل ذلك. وبالإضافة إلى ذلك فلسوف يخزيهم الله يوم القيامة ويسألهم سؤال التبكيت والإفحام عن الشركاء الذين كانوا يجادلون ويشاقون فيهم فلا يجدون ما يجيبون به ؛ لأن الحق يكون قد دمغهم. وحينئذ يقول المؤمنون الذين عرفوا الحق وأتوا العلم إن الخزي والسوء واقعان اليوم على الكافرين.
٤- ووصف لما يكون من حالة هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم وجنوا عليها وورطوها بالشرك : فلسوف تتوفاهم الملائكة بما يستحقونه من القسوة والتجهم. ولسوف يعلنون استسلامهم ويتنصلون من آثامهم ولكن ذلك لن يجديهم شيئا فإن الملائكة سوف يدمغونهم بالحق ويقولون لهم إن الله عليم بما كانوا يفعلون. وأنهم قد استحقوا النار ثم يأمرونهم بدخول أبواب جهنم ليكونوا خالدين فيها، وهي المثوى الذي يستحقه المستكبرون ولبئس هي من مثوى.
والآيات معطوفة على ما سبقها وهي استمرار لحملة التأنيب والإنذار.
وأسلوبها ومضمونها قويان مرعبان، والمتبادر أنها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والرعب والندم في قلوب الكفار المشركين وحملهم على الارعواء.
وعبارة ﴿ ومن أوزار الذين يضلونهم ﴾ تلهم أن الجملة موجهة بصورة خاصة لزعماء الكفار وشارحة لمواقفهم وأقوالهم ومقررة أنهم السبب في بقاء دائرة الدعوة المحمدية ضيقة النطاق في العهد المكي مما تكرر تقريره في مواضع كثيرة في القرآن ومرت منه أمثلة عديدة.
وفي الآيات تأييد لتعليقنا على الآيات السابقة في صدد كون الدعوة المحمدية قد توسلت بالعذاب والوعيد الدنيوي والأخروي معا.
ولقد روى الطبري بطرقه في سياق الآية [ ٢٥ ] حديثا عن الربيع قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فإن عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء ). وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والترمذي بصيغة قريبة جدا جاء فيها :( من دعا على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا )١ وفي الحديث تلقين متساوق مع التلقين الذي انطوى في الآية كما هو المتبادر.
ألا ساء ما يزرون : ألا ساء ما يحملون.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٤:﴿ وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ٢٤ ليحملوا أوزارهم ١ كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون٢ ٢٥قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد ٣ فخر عليهم السقف من فوقهم وآتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ٢٦ ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم ٤ قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ٢٧ الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء ٥ بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ٢٨ فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ٢٩ ﴾ [ ٢٤-٢٩ ].
في الآيات :
١- إشارة إلى ما كان يقوله الكفار حينما كانوا يسألون عن الآيات القرآنية التي ينزلها الله على رسوله حيث كانوا يقولون إنها أساطير الأمم السابقة وقصصهم.
٢- وإنذار رباني بأنهم بمثل هذه الأقوال التي تصدر منهم بغير علم ولا برهان إنما هم في الحقيقة يحملون أنفسهم أفدح الأوزار التي سوف يحاسبون عليها يوم القيامة. ولسوف يحملون بالإضافة إلى أوزارهم الكاملة بسبب كفرهم مسؤولية وأوزار الذين يضلونهم أيضا وتكون من أسباب تشديد العذاب عليهم، ولبئس ما يحملون من أوزار، ولبئس العاقبة عاقبتهم.
٣- وتذكير بأمثالهم من قبل : فقد وقفوا موقفهم من الكيد والمكر والكفر والتعجيز فدمر الله عليهم مساكنهم فوق رؤوسهم وسلط عليهم العذاب في الدنيا دون أن يشعروا بمقدماته، وينطوي في التذكير وعد رباني بمثل ذلك. وبالإضافة إلى ذلك فلسوف يخزيهم الله يوم القيامة ويسألهم سؤال التبكيت والإفحام عن الشركاء الذين كانوا يجادلون ويشاقون فيهم فلا يجدون ما يجيبون به ؛ لأن الحق يكون قد دمغهم. وحينئذ يقول المؤمنون الذين عرفوا الحق وأتوا العلم إن الخزي والسوء واقعان اليوم على الكافرين.
٤- ووصف لما يكون من حالة هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم وجنوا عليها وورطوها بالشرك : فلسوف تتوفاهم الملائكة بما يستحقونه من القسوة والتجهم. ولسوف يعلنون استسلامهم ويتنصلون من آثامهم ولكن ذلك لن يجديهم شيئا فإن الملائكة سوف يدمغونهم بالحق ويقولون لهم إن الله عليم بما كانوا يفعلون. وأنهم قد استحقوا النار ثم يأمرونهم بدخول أبواب جهنم ليكونوا خالدين فيها، وهي المثوى الذي يستحقه المستكبرون ولبئس هي من مثوى.
والآيات معطوفة على ما سبقها وهي استمرار لحملة التأنيب والإنذار.
وأسلوبها ومضمونها قويان مرعبان، والمتبادر أنها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والرعب والندم في قلوب الكفار المشركين وحملهم على الارعواء.
وعبارة ﴿ ومن أوزار الذين يضلونهم ﴾ تلهم أن الجملة موجهة بصورة خاصة لزعماء الكفار وشارحة لمواقفهم وأقوالهم ومقررة أنهم السبب في بقاء دائرة الدعوة المحمدية ضيقة النطاق في العهد المكي مما تكرر تقريره في مواضع كثيرة في القرآن ومرت منه أمثلة عديدة.
وفي الآيات تأييد لتعليقنا على الآيات السابقة في صدد كون الدعوة المحمدية قد توسلت بالعذاب والوعيد الدنيوي والأخروي معا.
ولقد روى الطبري بطرقه في سياق الآية [ ٢٥ ] حديثا عن الربيع قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فإن عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء ). وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والترمذي بصيغة قريبة جدا جاء فيها :( من دعا على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا )١ وفي الحديث تلقين متساوق مع التلقين الذي انطوى في الآية كما هو المتبادر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٤:﴿ وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ٢٤ ليحملوا أوزارهم ١ كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون٢ ٢٥قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد ٣ فخر عليهم السقف من فوقهم وآتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ٢٦ ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم ٤ قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ٢٧ الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء ٥ بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ٢٨ فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ٢٩ ﴾ [ ٢٤-٢٩ ].
في الآيات :
١- إشارة إلى ما كان يقوله الكفار حينما كانوا يسألون عن الآيات القرآنية التي ينزلها الله على رسوله حيث كانوا يقولون إنها أساطير الأمم السابقة وقصصهم.
٢- وإنذار رباني بأنهم بمثل هذه الأقوال التي تصدر منهم بغير علم ولا برهان إنما هم في الحقيقة يحملون أنفسهم أفدح الأوزار التي سوف يحاسبون عليها يوم القيامة. ولسوف يحملون بالإضافة إلى أوزارهم الكاملة بسبب كفرهم مسؤولية وأوزار الذين يضلونهم أيضا وتكون من أسباب تشديد العذاب عليهم، ولبئس ما يحملون من أوزار، ولبئس العاقبة عاقبتهم.
٣- وتذكير بأمثالهم من قبل : فقد وقفوا موقفهم من الكيد والمكر والكفر والتعجيز فدمر الله عليهم مساكنهم فوق رؤوسهم وسلط عليهم العذاب في الدنيا دون أن يشعروا بمقدماته، وينطوي في التذكير وعد رباني بمثل ذلك. وبالإضافة إلى ذلك فلسوف يخزيهم الله يوم القيامة ويسألهم سؤال التبكيت والإفحام عن الشركاء الذين كانوا يجادلون ويشاقون فيهم فلا يجدون ما يجيبون به ؛ لأن الحق يكون قد دمغهم. وحينئذ يقول المؤمنون الذين عرفوا الحق وأتوا العلم إن الخزي والسوء واقعان اليوم على الكافرين.
٤- ووصف لما يكون من حالة هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم وجنوا عليها وورطوها بالشرك : فلسوف تتوفاهم الملائكة بما يستحقونه من القسوة والتجهم. ولسوف يعلنون استسلامهم ويتنصلون من آثامهم ولكن ذلك لن يجديهم شيئا فإن الملائكة سوف يدمغونهم بالحق ويقولون لهم إن الله عليم بما كانوا يفعلون. وأنهم قد استحقوا النار ثم يأمرونهم بدخول أبواب جهنم ليكونوا خالدين فيها، وهي المثوى الذي يستحقه المستكبرون ولبئس هي من مثوى.
والآيات معطوفة على ما سبقها وهي استمرار لحملة التأنيب والإنذار.
وأسلوبها ومضمونها قويان مرعبان، والمتبادر أنها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والرعب والندم في قلوب الكفار المشركين وحملهم على الارعواء.
وعبارة ﴿ ومن أوزار الذين يضلونهم ﴾ تلهم أن الجملة موجهة بصورة خاصة لزعماء الكفار وشارحة لمواقفهم وأقوالهم ومقررة أنهم السبب في بقاء دائرة الدعوة المحمدية ضيقة النطاق في العهد المكي مما تكرر تقريره في مواضع كثيرة في القرآن ومرت منه أمثلة عديدة.
وفي الآيات تأييد لتعليقنا على الآيات السابقة في صدد كون الدعوة المحمدية قد توسلت بالعذاب والوعيد الدنيوي والأخروي معا.
ولقد روى الطبري بطرقه في سياق الآية [ ٢٥ ] حديثا عن الربيع قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فإن عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء ). وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والترمذي بصيغة قريبة جدا جاء فيها :( من دعا على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا )١ وفي الحديث تلقين متساوق مع التلقين الذي انطوى في الآية كما هو المتبادر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٤:﴿ وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ٢٤ ليحملوا أوزارهم ١ كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون٢ ٢٥قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد ٣ فخر عليهم السقف من فوقهم وآتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ٢٦ ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم ٤ قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ٢٧ الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء ٥ بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ٢٨ فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ٢٩ ﴾ [ ٢٤-٢٩ ].
في الآيات :
١- إشارة إلى ما كان يقوله الكفار حينما كانوا يسألون عن الآيات القرآنية التي ينزلها الله على رسوله حيث كانوا يقولون إنها أساطير الأمم السابقة وقصصهم.
٢- وإنذار رباني بأنهم بمثل هذه الأقوال التي تصدر منهم بغير علم ولا برهان إنما هم في الحقيقة يحملون أنفسهم أفدح الأوزار التي سوف يحاسبون عليها يوم القيامة. ولسوف يحملون بالإضافة إلى أوزارهم الكاملة بسبب كفرهم مسؤولية وأوزار الذين يضلونهم أيضا وتكون من أسباب تشديد العذاب عليهم، ولبئس ما يحملون من أوزار، ولبئس العاقبة عاقبتهم.
٣- وتذكير بأمثالهم من قبل : فقد وقفوا موقفهم من الكيد والمكر والكفر والتعجيز فدمر الله عليهم مساكنهم فوق رؤوسهم وسلط عليهم العذاب في الدنيا دون أن يشعروا بمقدماته، وينطوي في التذكير وعد رباني بمثل ذلك. وبالإضافة إلى ذلك فلسوف يخزيهم الله يوم القيامة ويسألهم سؤال التبكيت والإفحام عن الشركاء الذين كانوا يجادلون ويشاقون فيهم فلا يجدون ما يجيبون به ؛ لأن الحق يكون قد دمغهم. وحينئذ يقول المؤمنون الذين عرفوا الحق وأتوا العلم إن الخزي والسوء واقعان اليوم على الكافرين.
٤- ووصف لما يكون من حالة هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم وجنوا عليها وورطوها بالشرك : فلسوف تتوفاهم الملائكة بما يستحقونه من القسوة والتجهم. ولسوف يعلنون استسلامهم ويتنصلون من آثامهم ولكن ذلك لن يجديهم شيئا فإن الملائكة سوف يدمغونهم بالحق ويقولون لهم إن الله عليم بما كانوا يفعلون. وأنهم قد استحقوا النار ثم يأمرونهم بدخول أبواب جهنم ليكونوا خالدين فيها، وهي المثوى الذي يستحقه المستكبرون ولبئس هي من مثوى.
والآيات معطوفة على ما سبقها وهي استمرار لحملة التأنيب والإنذار.
وأسلوبها ومضمونها قويان مرعبان، والمتبادر أنها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والرعب والندم في قلوب الكفار المشركين وحملهم على الارعواء.
وعبارة ﴿ ومن أوزار الذين يضلونهم ﴾ تلهم أن الجملة موجهة بصورة خاصة لزعماء الكفار وشارحة لمواقفهم وأقوالهم ومقررة أنهم السبب في بقاء دائرة الدعوة المحمدية ضيقة النطاق في العهد المكي مما تكرر تقريره في مواضع كثيرة في القرآن ومرت منه أمثلة عديدة.
وفي الآيات تأييد لتعليقنا على الآيات السابقة في صدد كون الدعوة المحمدية قد توسلت بالعذاب والوعيد الدنيوي والأخروي معا.
ولقد روى الطبري بطرقه في سياق الآية [ ٢٥ ] حديثا عن الربيع قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فإن عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء ). وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والترمذي بصيغة قريبة جدا جاء فيها :( من دعا على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا )١ وفي الحديث تلقين متساوق مع التلقين الذي انطوى في الآية كما هو المتبادر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٤:﴿ وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ٢٤ ليحملوا أوزارهم ١ كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون٢ ٢٥قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد ٣ فخر عليهم السقف من فوقهم وآتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ٢٦ ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم ٤ قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ٢٧ الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء ٥ بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ٢٨ فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ٢٩ ﴾ [ ٢٤-٢٩ ].
في الآيات :
١- إشارة إلى ما كان يقوله الكفار حينما كانوا يسألون عن الآيات القرآنية التي ينزلها الله على رسوله حيث كانوا يقولون إنها أساطير الأمم السابقة وقصصهم.
٢- وإنذار رباني بأنهم بمثل هذه الأقوال التي تصدر منهم بغير علم ولا برهان إنما هم في الحقيقة يحملون أنفسهم أفدح الأوزار التي سوف يحاسبون عليها يوم القيامة. ولسوف يحملون بالإضافة إلى أوزارهم الكاملة بسبب كفرهم مسؤولية وأوزار الذين يضلونهم أيضا وتكون من أسباب تشديد العذاب عليهم، ولبئس ما يحملون من أوزار، ولبئس العاقبة عاقبتهم.
٣- وتذكير بأمثالهم من قبل : فقد وقفوا موقفهم من الكيد والمكر والكفر والتعجيز فدمر الله عليهم مساكنهم فوق رؤوسهم وسلط عليهم العذاب في الدنيا دون أن يشعروا بمقدماته، وينطوي في التذكير وعد رباني بمثل ذلك. وبالإضافة إلى ذلك فلسوف يخزيهم الله يوم القيامة ويسألهم سؤال التبكيت والإفحام عن الشركاء الذين كانوا يجادلون ويشاقون فيهم فلا يجدون ما يجيبون به ؛ لأن الحق يكون قد دمغهم. وحينئذ يقول المؤمنون الذين عرفوا الحق وأتوا العلم إن الخزي والسوء واقعان اليوم على الكافرين.
٤- ووصف لما يكون من حالة هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم وجنوا عليها وورطوها بالشرك : فلسوف تتوفاهم الملائكة بما يستحقونه من القسوة والتجهم. ولسوف يعلنون استسلامهم ويتنصلون من آثامهم ولكن ذلك لن يجديهم شيئا فإن الملائكة سوف يدمغونهم بالحق ويقولون لهم إن الله عليم بما كانوا يفعلون. وأنهم قد استحقوا النار ثم يأمرونهم بدخول أبواب جهنم ليكونوا خالدين فيها، وهي المثوى الذي يستحقه المستكبرون ولبئس هي من مثوى.
والآيات معطوفة على ما سبقها وهي استمرار لحملة التأنيب والإنذار.
وأسلوبها ومضمونها قويان مرعبان، والمتبادر أنها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والرعب والندم في قلوب الكفار المشركين وحملهم على الارعواء.
وعبارة ﴿ ومن أوزار الذين يضلونهم ﴾ تلهم أن الجملة موجهة بصورة خاصة لزعماء الكفار وشارحة لمواقفهم وأقوالهم ومقررة أنهم السبب في بقاء دائرة الدعوة المحمدية ضيقة النطاق في العهد المكي مما تكرر تقريره في مواضع كثيرة في القرآن ومرت منه أمثلة عديدة.
وفي الآيات تأييد لتعليقنا على الآيات السابقة في صدد كون الدعوة المحمدية قد توسلت بالعذاب والوعيد الدنيوي والأخروي معا.
ولقد روى الطبري بطرقه في سياق الآية [ ٢٥ ] حديثا عن الربيع قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فإن عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء ). وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والترمذي بصيغة قريبة جدا جاء فيها :( من دعا على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا )١ وفي الحديث تلقين متساوق مع التلقين الذي انطوى في الآية كما هو المتبادر.
في الآيات :
١- إشارة إلى ما كان يقوله الكفار حينما كانوا يسألون عن الآيات القرآنية التي ينزلها الله على رسوله حيث كانوا يقولون إنها أساطير الأمم السابقة وقصصهم.
٢- وإنذار رباني بأنهم بمثل هذه الأقوال التي تصدر منهم بغير علم ولا برهان إنما هم في الحقيقة يحملون أنفسهم أفدح الأوزار التي سوف يحاسبون عليها يوم القيامة. ولسوف يحملون بالإضافة إلى أوزارهم الكاملة بسبب كفرهم مسؤولية وأوزار الذين يضلونهم أيضا وتكون من أسباب تشديد العذاب عليهم، ولبئس ما يحملون من أوزار، ولبئس العاقبة عاقبتهم.
٣- وتذكير بأمثالهم من قبل : فقد وقفوا موقفهم من الكيد والمكر والكفر والتعجيز فدمر الله عليهم مساكنهم فوق رؤوسهم وسلط عليهم العذاب في الدنيا دون أن يشعروا بمقدماته، وينطوي في التذكير وعد رباني بمثل ذلك. وبالإضافة إلى ذلك فلسوف يخزيهم الله يوم القيامة ويسألهم سؤال التبكيت والإفحام عن الشركاء الذين كانوا يجادلون ويشاقون فيهم فلا يجدون ما يجيبون به ؛ لأن الحق يكون قد دمغهم. وحينئذ يقول المؤمنون الذين عرفوا الحق وأتوا العلم إن الخزي والسوء واقعان اليوم على الكافرين.
٤- ووصف لما يكون من حالة هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم وجنوا عليها وورطوها بالشرك : فلسوف تتوفاهم الملائكة بما يستحقونه من القسوة والتجهم. ولسوف يعلنون استسلامهم ويتنصلون من آثامهم ولكن ذلك لن يجديهم شيئا فإن الملائكة سوف يدمغونهم بالحق ويقولون لهم إن الله عليم بما كانوا يفعلون. وأنهم قد استحقوا النار ثم يأمرونهم بدخول أبواب جهنم ليكونوا خالدين فيها، وهي المثوى الذي يستحقه المستكبرون ولبئس هي من مثوى.
والآيات معطوفة على ما سبقها وهي استمرار لحملة التأنيب والإنذار.
وأسلوبها ومضمونها قويان مرعبان، والمتبادر أنها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والرعب والندم في قلوب الكفار المشركين وحملهم على الارعواء.
وعبارة ﴿ ومن أوزار الذين يضلونهم ﴾ تلهم أن الجملة موجهة بصورة خاصة لزعماء الكفار وشارحة لمواقفهم وأقوالهم ومقررة أنهم السبب في بقاء دائرة الدعوة المحمدية ضيقة النطاق في العهد المكي مما تكرر تقريره في مواضع كثيرة في القرآن ومرت منه أمثلة عديدة.
وفي الآيات تأييد لتعليقنا على الآيات السابقة في صدد كون الدعوة المحمدية قد توسلت بالعذاب والوعيد الدنيوي والأخروي معا.
ولقد روى الطبري بطرقه في سياق الآية [ ٢٥ ] حديثا عن الربيع قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فإن عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء ). وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والترمذي بصيغة قريبة جدا جاء فيها :( من دعا على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا )١ وفي الحديث تلقين متساوق مع التلقين الذي انطوى في الآية كما هو المتبادر.
عبارة الآيات واضحة، وقد احتوت بيانا عن موقف المؤمنين المتقين مما أنزل الله ومن المصير الحسن في الدنيا والآخرة لمن يؤمن ويحسن مقابل البيان عن موقف الكفار جريا على الأسلوب القرآني.
وقد انطوت على ثناء على المؤمنين وتنويه بهم كما انطوت على تشويق بالمصير السعيد الذي يكون لهم ولأمثالهم في الدنيا والآخرة معا.
وتعبيرات ﴿ للذين اتقوا ﴾ و﴿ للذين أحسنوا ﴾ جديرة بالتنويه في مقامها. فهي وإن لم تكن مصروفة إلى المؤمنين فإنها تعني وجوب تلازم الإيمان مع تقوى الله والإحسان، وأن الدرجة الرفيعة والسعادة الموعودة في الدنيا والآخرة رهن بهذا الالتزام، والتقوى هي اتقاء الله في اجتناب الآثام والمنكرات والشهوات والجحود والإحسان هو القيام بالواجب نحو الله وعباده وتنفذ أوامره على أوفى وجه وأتمه وأفضله. وكل هذا جدير بتحقيق تلك الدرجة والسعادة الموعودة في الدارين من دون ريب، وفي هذا ما فيه من تلقين جليل مستمر المدى.
ولقد روى الطبري في سياق الآية [ ٢٦ ] عن السدي أنها تعني : بختنصر أو نمرود وما كان من مكرهم، وما كان تدمير الله لهم، وأنه كان من مكر نمرود أن أخذ أربعة أفراخ من فراخ النسور فرباهن باللحم والخبز حتى كبرن وغلظن واستعلجن فربطهن في تابوت وقعد فيه، ثم رفع لهن لحما فطرن، حتى إذا ذهبن في السماء أشرف ينظر إلى الأرض، فرأى الجبال تدب كدبيب النمل، ثم رفع لهن اللحم ثم نظر فرأى الأرض ومحيطاتها بحركاتها فلكة في ماء، ثم رفع طويلا فوقع في ظلمة فلم ير ما فوقه وما تحته، وكان يقصد أن يطلع على الله الذي حدثه عنه إبراهيم ففزع فألقى اللحم فاتبعته النسور منقضات، فلما نظرت الجبال إليهن وقد أقبلن منقضات وسمعت حفيفهن فزعت الجبال وكادت أن تزول من أمكنتها ولم يفعلن فكان هذا المكر.
وروي عن ابن مسعود أن المكر هو صرح شيده نحو السماء، ثم ارتقى فوقه لينظر إلى إله إبراهيم فأخذ الله بنيانه من القواعد فخر عليه السقف فسقط فتبلبلت ألسن الناس يومئذ من الفزع فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا، وسميت بابل باسمها لذلك.
وواضح ما في هذا من خيال يقارب في مداه سفينة الفضاء اليوم، ولعل هذه القصة مما كان يرويه اليهود للعرب فيتداولونه عنهم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبيئته، ولسنا نرى أي تناسب بين هذه الرواية والعبارة القرآنية في مقامها التي يتبادر أنها بسبيل وصف ما كان من مناوأة الكفار السابقين لأنبيائهم وما كان من تدمير الله لهم ليكون في ذلك إنذار لكفار العرب وهو ما تضمنته آيات عديدة مرت في سور سابقة. وكل ما في الأمر أن حكمة التنزيل اقتضت أن يكون التعبير عن ذلك بالصيغة التي جاءت عليها الآية.
عبارة الآيات واضحة، وقد احتوت بيانا عن موقف المؤمنين المتقين مما أنزل الله ومن المصير الحسن في الدنيا والآخرة لمن يؤمن ويحسن مقابل البيان عن موقف الكفار جريا على الأسلوب القرآني.
وقد انطوت على ثناء على المؤمنين وتنويه بهم كما انطوت على تشويق بالمصير السعيد الذي يكون لهم ولأمثالهم في الدنيا والآخرة معا.
وتعبيرات ﴿ للذين اتقوا ﴾ و﴿ للذين أحسنوا ﴾ جديرة بالتنويه في مقامها. فهي وإن لم تكن مصروفة إلى المؤمنين فإنها تعني وجوب تلازم الإيمان مع تقوى الله والإحسان، وأن الدرجة الرفيعة والسعادة الموعودة في الدنيا والآخرة رهن بهذا الالتزام، والتقوى هي اتقاء الله في اجتناب الآثام والمنكرات والشهوات والجحود والإحسان هو القيام بالواجب نحو الله وعباده وتنفذ أوامره على أوفى وجه وأتمه وأفضله. وكل هذا جدير بتحقيق تلك الدرجة والسعادة الموعودة في الدارين من دون ريب، وفي هذا ما فيه من تلقين جليل مستمر المدى.
ولقد روى الطبري في سياق الآية [ ٢٦ ] عن السدي أنها تعني : بختنصر أو نمرود وما كان من مكرهم، وما كان تدمير الله لهم، وأنه كان من مكر نمرود أن أخذ أربعة أفراخ من فراخ النسور فرباهن باللحم والخبز حتى كبرن وغلظن واستعلجن فربطهن في تابوت وقعد فيه، ثم رفع لهن لحما فطرن، حتى إذا ذهبن في السماء أشرف ينظر إلى الأرض، فرأى الجبال تدب كدبيب النمل، ثم رفع لهن اللحم ثم نظر فرأى الأرض ومحيطاتها بحركاتها فلكة في ماء، ثم رفع طويلا فوقع في ظلمة فلم ير ما فوقه وما تحته، وكان يقصد أن يطلع على الله الذي حدثه عنه إبراهيم ففزع فألقى اللحم فاتبعته النسور منقضات، فلما نظرت الجبال إليهن وقد أقبلن منقضات وسمعت حفيفهن فزعت الجبال وكادت أن تزول من أمكنتها ولم يفعلن فكان هذا المكر.
وروي عن ابن مسعود أن المكر هو صرح شيده نحو السماء، ثم ارتقى فوقه لينظر إلى إله إبراهيم فأخذ الله بنيانه من القواعد فخر عليه السقف فسقط فتبلبلت ألسن الناس يومئذ من الفزع فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا، وسميت بابل باسمها لذلك.
وواضح ما في هذا من خيال يقارب في مداه سفينة الفضاء اليوم، ولعل هذه القصة مما كان يرويه اليهود للعرب فيتداولونه عنهم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبيئته، ولسنا نرى أي تناسب بين هذه الرواية والعبارة القرآنية في مقامها التي يتبادر أنها بسبيل وصف ما كان من مناوأة الكفار السابقين لأنبيائهم وما كان من تدمير الله لهم ليكون في ذلك إنذار لكفار العرب وهو ما تضمنته آيات عديدة مرت في سور سابقة. وكل ما في الأمر أن حكمة التنزيل اقتضت أن يكون التعبير عن ذلك بالصيغة التي جاءت عليها الآية.
عبارة الآيات واضحة، وقد احتوت بيانا عن موقف المؤمنين المتقين مما أنزل الله ومن المصير الحسن في الدنيا والآخرة لمن يؤمن ويحسن مقابل البيان عن موقف الكفار جريا على الأسلوب القرآني.
وقد انطوت على ثناء على المؤمنين وتنويه بهم كما انطوت على تشويق بالمصير السعيد الذي يكون لهم ولأمثالهم في الدنيا والآخرة معا.
وتعبيرات ﴿ للذين اتقوا ﴾ و﴿ للذين أحسنوا ﴾ جديرة بالتنويه في مقامها. فهي وإن لم تكن مصروفة إلى المؤمنين فإنها تعني وجوب تلازم الإيمان مع تقوى الله والإحسان، وأن الدرجة الرفيعة والسعادة الموعودة في الدنيا والآخرة رهن بهذا الالتزام، والتقوى هي اتقاء الله في اجتناب الآثام والمنكرات والشهوات والجحود والإحسان هو القيام بالواجب نحو الله وعباده وتنفذ أوامره على أوفى وجه وأتمه وأفضله. وكل هذا جدير بتحقيق تلك الدرجة والسعادة الموعودة في الدارين من دون ريب، وفي هذا ما فيه من تلقين جليل مستمر المدى.
ولقد روى الطبري في سياق الآية [ ٢٦ ] عن السدي أنها تعني : بختنصر أو نمرود وما كان من مكرهم، وما كان تدمير الله لهم، وأنه كان من مكر نمرود أن أخذ أربعة أفراخ من فراخ النسور فرباهن باللحم والخبز حتى كبرن وغلظن واستعلجن فربطهن في تابوت وقعد فيه، ثم رفع لهن لحما فطرن، حتى إذا ذهبن في السماء أشرف ينظر إلى الأرض، فرأى الجبال تدب كدبيب النمل، ثم رفع لهن اللحم ثم نظر فرأى الأرض ومحيطاتها بحركاتها فلكة في ماء، ثم رفع طويلا فوقع في ظلمة فلم ير ما فوقه وما تحته، وكان يقصد أن يطلع على الله الذي حدثه عنه إبراهيم ففزع فألقى اللحم فاتبعته النسور منقضات، فلما نظرت الجبال إليهن وقد أقبلن منقضات وسمعت حفيفهن فزعت الجبال وكادت أن تزول من أمكنتها ولم يفعلن فكان هذا المكر.
وروي عن ابن مسعود أن المكر هو صرح شيده نحو السماء، ثم ارتقى فوقه لينظر إلى إله إبراهيم فأخذ الله بنيانه من القواعد فخر عليه السقف فسقط فتبلبلت ألسن الناس يومئذ من الفزع فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا، وسميت بابل باسمها لذلك.
وواضح ما في هذا من خيال يقارب في مداه سفينة الفضاء اليوم، ولعل هذه القصة مما كان يرويه اليهود للعرب فيتداولونه عنهم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبيئته، ولسنا نرى أي تناسب بين هذه الرواية والعبارة القرآنية في مقامها التي يتبادر أنها بسبيل وصف ما كان من مناوأة الكفار السابقين لأنبيائهم وما كان من تدمير الله لهم ليكون في ذلك إنذار لكفار العرب وهو ما تضمنته آيات عديدة مرت في سور سابقة. وكل ما في الأمر أن حكمة التنزيل اقتضت أن يكون التعبير عن ذلك بالصيغة التي جاءت عليها الآية.
في الآيتين :
١ - تساؤل استنكاري عما إذا كان الكفار لا يستجيبون للدعوة ولا يؤمنون انتظارا لنزول الملائكة عليهم أو حلول قضاء الله وأمره فيهم.
٢- تذكير بأن أمثالهم من قبلهم قد فعلوا ذلك فنزل عليهم عذاب الله جزاء أعمالهم السيئة وأصابهم سوء عاقبة الاستهزاء الذي كانوا يقابلون به أنبياءهم. وهم في ذلك إنما كانوا الجناة على أنفسهم الظالمين لها ولم يظلمهم الله وإنما عاقبهم عقابا عادلا استحقوه بأفعالهم.
والآيتان استمرار في السياق كما هو المتبادر، وفيها عود إلى إنذار الكفار موضوع الكلام قبل الآيات السابقة مباشرة التي جاءت كما قلنا للمقابلة بين أقوال الكفار ومواقفهم وأقوال المؤمنين ومواقفهم وما يترتب على ذلك. وقد تضمنتا دعوة لهم إلى الاعتبار بمن قبلهم ممن وقفوا موقفهم كما تضمنتا صورة من هذا الموقف ؛ حيث كانوا يقابلون دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بالاستهزاء ويتحدونه بتعجيل العذاب والإتيان بالملائكة تحدي الساخر الجاحد، وقد تكررت حكاية ذلك عنهم مما مرت منه أمثلة عديدة في السور السابقة.
في الآيتين :
١ - تساؤل استنكاري عما إذا كان الكفار لا يستجيبون للدعوة ولا يؤمنون انتظارا لنزول الملائكة عليهم أو حلول قضاء الله وأمره فيهم.
٢- تذكير بأن أمثالهم من قبلهم قد فعلوا ذلك فنزل عليهم عذاب الله جزاء أعمالهم السيئة وأصابهم سوء عاقبة الاستهزاء الذي كانوا يقابلون به أنبياءهم. وهم في ذلك إنما كانوا الجناة على أنفسهم الظالمين لها ولم يظلمهم الله وإنما عاقبهم عقابا عادلا استحقوه بأفعالهم.
والآيتان استمرار في السياق كما هو المتبادر، وفيها عود إلى إنذار الكفار موضوع الكلام قبل الآيات السابقة مباشرة التي جاءت كما قلنا للمقابلة بين أقوال الكفار ومواقفهم وأقوال المؤمنين ومواقفهم وما يترتب على ذلك. وقد تضمنتا دعوة لهم إلى الاعتبار بمن قبلهم ممن وقفوا موقفهم كما تضمنتا صورة من هذا الموقف ؛ حيث كانوا يقابلون دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بالاستهزاء ويتحدونه بتعجيل العذاب والإتيان بالملائكة تحدي الساخر الجاحد، وقد تكررت حكاية ذلك عنهم مما مرت منه أمثلة عديدة في السور السابقة.
الآيات متصلة بالسياق نظما وموضوعا كما هو المتبادر، وعبارتها واضحة. وما حكته الآية الأولى من أقوال الكفار قد حكته عنهم بعض آيات سورتي الأنعام والزخرف، مما يدل على أنهم كانوا يكررون ذلك في معرض الجدل والاحتجاج، وتبرير ما هم عليه من شرك وتقاليد باطلة، ومما علقنا عليه تعليقا يغني عن التكرار. والرد الوارد عليهم في الآيات موجه إلى العقل والقلب معا، وفيه إنذار للكفار وتطمين وتسلية للنبي عليه السلام. فهذا القول ليس جديدا فقد كان يقوله الكفار المشركون من الأمم السابقة. ولقد أرسل الله إلى كل أمة رسولا لبيان الحق والباطل والحلال والحرام، وعبادة الله وحده واجتناب الشرك والأوثان ؛ لأن الناس قد لا يدركون هذا من أنفسهم فكان منهم المهتدي ومنهم الضال. وليس على الرسل إلا البلاغ فمن هداه الله اهتدى ومن حقت عليه الضلالة ضل. وفي الآية الأخيرة التفات للنبي على سبيل التطمين فالله يعلم أنه حريص على هداية الجميع ولكن الله لا يمكن أن يهدي من حقت عليه الضلالة وضل فلا محل للاغتمام والحزن، ولن يجد هؤلاء لهم ناصرا ولا منقذا.
وقد آمن معظم الذين ضلوا وكفروا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة فيما بعد وحسن إسلامهم مما يؤيد ما ذهبنا إليه من أن الآيات على سبيل تطمين النبي صلى الله عليه وسلم، ومما ينطوي فيه ما ذكرناه في مناسبة سابقة مماثلة من قصد تقرير واقع الكفار الضالين حين نزول الآيات، وليس قصد التأبيد في الإضلال الذي قد يعني عدم التوفيق والسداد والذي ليس إلا بالنسبة للذين كفروا وضلوا وما توا على ذلك.
وبالنسبة لما احتوته الآيات من كون الذين يهديهم الله يهتدون ومن يضلهم الله يضلون، وإن من الناس من هدى الله ومنهم من حقت عليهم الضلالة. نقول : إنه إذا لحظ التخصيص الذي احتوته آية البقرة [ ٢٦ ] :﴿ يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين ﴾ وآية إبراهيم [ ٢٧ ] :﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ وآية الرعد [ ٢٧ ] :﴿ قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ﴾ زال ما يمكن أن توجده عبارة الآيات من وهم ولم يبق محل لتشاد الكلاميين حولها على ما نبهنا عليه في المناسبات المماثلة السابقة.
وفي سورة الأعراف آية مماثلة للآية [ ٣٦ ] مع تعليق وتوضيح مزيلين للوهم أيضا، وهي :﴿ فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون( ٣٠ ) ﴾.
هذا، ولقد علقنا على موضوع إرسال الله رسله إلى كل أمة في سياق تفسير سورة فاطر فنكتفي بهذه الإشارة بالنسبة لما جاء في الآية [ ٣٦ ].
الآيات متصلة بالسياق نظما وموضوعا كما هو المتبادر، وعبارتها واضحة. وما حكته الآية الأولى من أقوال الكفار قد حكته عنهم بعض آيات سورتي الأنعام والزخرف، مما يدل على أنهم كانوا يكررون ذلك في معرض الجدل والاحتجاج، وتبرير ما هم عليه من شرك وتقاليد باطلة، ومما علقنا عليه تعليقا يغني عن التكرار. والرد الوارد عليهم في الآيات موجه إلى العقل والقلب معا، وفيه إنذار للكفار وتطمين وتسلية للنبي عليه السلام. فهذا القول ليس جديدا فقد كان يقوله الكفار المشركون من الأمم السابقة. ولقد أرسل الله إلى كل أمة رسولا لبيان الحق والباطل والحلال والحرام، وعبادة الله وحده واجتناب الشرك والأوثان ؛ لأن الناس قد لا يدركون هذا من أنفسهم فكان منهم المهتدي ومنهم الضال. وليس على الرسل إلا البلاغ فمن هداه الله اهتدى ومن حقت عليه الضلالة ضل. وفي الآية الأخيرة التفات للنبي على سبيل التطمين فالله يعلم أنه حريص على هداية الجميع ولكن الله لا يمكن أن يهدي من حقت عليه الضلالة وضل فلا محل للاغتمام والحزن، ولن يجد هؤلاء لهم ناصرا ولا منقذا.
وقد آمن معظم الذين ضلوا وكفروا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة فيما بعد وحسن إسلامهم مما يؤيد ما ذهبنا إليه من أن الآيات على سبيل تطمين النبي صلى الله عليه وسلم، ومما ينطوي فيه ما ذكرناه في مناسبة سابقة مماثلة من قصد تقرير واقع الكفار الضالين حين نزول الآيات، وليس قصد التأبيد في الإضلال الذي قد يعني عدم التوفيق والسداد والذي ليس إلا بالنسبة للذين كفروا وضلوا وما توا على ذلك.
وبالنسبة لما احتوته الآيات من كون الذين يهديهم الله يهتدون ومن يضلهم الله يضلون، وإن من الناس من هدى الله ومنهم من حقت عليهم الضلالة. نقول : إنه إذا لحظ التخصيص الذي احتوته آية البقرة [ ٢٦ ] :﴿ يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين ﴾ وآية إبراهيم [ ٢٧ ] :﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ وآية الرعد [ ٢٧ ] :﴿ قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ﴾ زال ما يمكن أن توجده عبارة الآيات من وهم ولم يبق محل لتشاد الكلاميين حولها على ما نبهنا عليه في المناسبات المماثلة السابقة.
وفي سورة الأعراف آية مماثلة للآية [ ٣٦ ] مع تعليق وتوضيح مزيلين للوهم أيضا، وهي :﴿ فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون( ٣٠ ) ﴾.
هذا، ولقد علقنا على موضوع إرسال الله رسله إلى كل أمة في سياق تفسير سورة فاطر فنكتفي بهذه الإشارة بالنسبة لما جاء في الآية [ ٣٦ ].
الآيات متصلة بالسياق نظما وموضوعا كما هو المتبادر، وعبارتها واضحة. وما حكته الآية الأولى من أقوال الكفار قد حكته عنهم بعض آيات سورتي الأنعام والزخرف، مما يدل على أنهم كانوا يكررون ذلك في معرض الجدل والاحتجاج، وتبرير ما هم عليه من شرك وتقاليد باطلة، ومما علقنا عليه تعليقا يغني عن التكرار. والرد الوارد عليهم في الآيات موجه إلى العقل والقلب معا، وفيه إنذار للكفار وتطمين وتسلية للنبي عليه السلام. فهذا القول ليس جديدا فقد كان يقوله الكفار المشركون من الأمم السابقة. ولقد أرسل الله إلى كل أمة رسولا لبيان الحق والباطل والحلال والحرام، وعبادة الله وحده واجتناب الشرك والأوثان ؛ لأن الناس قد لا يدركون هذا من أنفسهم فكان منهم المهتدي ومنهم الضال. وليس على الرسل إلا البلاغ فمن هداه الله اهتدى ومن حقت عليه الضلالة ضل. وفي الآية الأخيرة التفات للنبي على سبيل التطمين فالله يعلم أنه حريص على هداية الجميع ولكن الله لا يمكن أن يهدي من حقت عليه الضلالة وضل فلا محل للاغتمام والحزن، ولن يجد هؤلاء لهم ناصرا ولا منقذا.
وقد آمن معظم الذين ضلوا وكفروا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة فيما بعد وحسن إسلامهم مما يؤيد ما ذهبنا إليه من أن الآيات على سبيل تطمين النبي صلى الله عليه وسلم، ومما ينطوي فيه ما ذكرناه في مناسبة سابقة مماثلة من قصد تقرير واقع الكفار الضالين حين نزول الآيات، وليس قصد التأبيد في الإضلال الذي قد يعني عدم التوفيق والسداد والذي ليس إلا بالنسبة للذين كفروا وضلوا وما توا على ذلك.
وبالنسبة لما احتوته الآيات من كون الذين يهديهم الله يهتدون ومن يضلهم الله يضلون، وإن من الناس من هدى الله ومنهم من حقت عليهم الضلالة. نقول : إنه إذا لحظ التخصيص الذي احتوته آية البقرة [ ٢٦ ] :﴿ يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين ﴾ وآية إبراهيم [ ٢٧ ] :﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ وآية الرعد [ ٢٧ ] :﴿ قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ﴾ زال ما يمكن أن توجده عبارة الآيات من وهم ولم يبق محل لتشاد الكلاميين حولها على ما نبهنا عليه في المناسبات المماثلة السابقة.
وفي سورة الأعراف آية مماثلة للآية [ ٣٦ ] مع تعليق وتوضيح مزيلين للوهم أيضا، وهي :﴿ فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون( ٣٠ ) ﴾.
هذا، ولقد علقنا على موضوع إرسال الله رسله إلى كل أمة في سياق تفسير سورة فاطر فنكتفي بهذه الإشارة بالنسبة لما جاء في الآية [ ٣٦ ].
والآيات متصلة بما سبقها كذلك سياقا وموضوعا، وعباراتها واضحة. وقد خوطب العقل والقلب معا بما احتوته من تقرير وحكمة ومنطق ردا على أيمان الكفار الشديدة بأن الله لن يبعث من يموت تعبيرا عن عقيدتهم التي كانوا يكررون تقريرها باستحالة ذلك والتي كانت من أهم ما دار الجدل والحجاج حوله بين النبي وبينهم على ما ذكرناه في المناسبة السابقة. فليس من المعقول أن يكون الله قد خلق الكون عبثا وأن يضيع أجر المحسنين وجريمة المجرمين، وليست الدنيا إلا دار اختبار ولا يمكن إلا أن يكون لها تتمة للقضاء والجزاء. والذين يعتقدون بالله وقدرته الشاملة يجب أن يدركوا هذه الحكمة ويعترفوا بأن الله قادر على تحقيق وعده فلا يحتاج أي شيء يريده الله إلا أن تتعلق به إرادته فيكون ولسوف يتحقق ذلك ويرى الكافرون به أنهم كانوا كاذبين.
ولقد روى الطبري في سياق الآية الأولى : أنه كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه وأقسم قائلا :" الذي أرجوه بعد الموت إن الأمر لكذا " فقال المشرك : إنك تزعم أك تبعث بعد الموت ؟ فأقسم بالله جهد يمينه لا يبعث الله من يموت فأنزل الله الآية. وروى الرواية الطبرسي معزوة إلى أبي العالية، وهذه الرواية لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة ويلحظ أن الآية معطوفة على ما قبلها ومنسجمة مع ما بعدها بحيث يسوغ التوقف في الرواية كسبب لنزول الآية لحدتها والترجيح بأنها بسبيل التعبير عن رأي جمهور المشركين الكفار.
هذا، ومفسرو الشيعة وعلماؤهم يتخذون الآية الأولى دليلا على صحة عقيدتهم بالرجعة التي شرحناها في سياق تفسير الآية [ ٨٢ ] من سورة النمل، والتعسف في ذلك واضح سواء أمن ناحية فحوى الآية أم من ناحية سياقها شأنهم في التعسف في تأويل غيرها. ولقد روى الطبري عن قتادة عن ابن عباس أنه قال :( إن رجالا في العراق يتأولون الآية الأولى ويقولون : إن فيها دليلا على بعث علي بن أبي طالب للحياة قبل يوم القيامة. وقد كذب هؤلاء ؛ لأن الآية للناس عامة وبالنسبة للبعث يوم القيامة ولو علمنا أن عليا مبعوث قبل القيامة ما تزوجنا نساءه ولا قسمناه ميراثه.
والآيات متصلة بما سبقها كذلك سياقا وموضوعا، وعباراتها واضحة. وقد خوطب العقل والقلب معا بما احتوته من تقرير وحكمة ومنطق ردا على أيمان الكفار الشديدة بأن الله لن يبعث من يموت تعبيرا عن عقيدتهم التي كانوا يكررون تقريرها باستحالة ذلك والتي كانت من أهم ما دار الجدل والحجاج حوله بين النبي وبينهم على ما ذكرناه في المناسبة السابقة. فليس من المعقول أن يكون الله قد خلق الكون عبثا وأن يضيع أجر المحسنين وجريمة المجرمين، وليست الدنيا إلا دار اختبار ولا يمكن إلا أن يكون لها تتمة للقضاء والجزاء. والذين يعتقدون بالله وقدرته الشاملة يجب أن يدركوا هذه الحكمة ويعترفوا بأن الله قادر على تحقيق وعده فلا يحتاج أي شيء يريده الله إلا أن تتعلق به إرادته فيكون ولسوف يتحقق ذلك ويرى الكافرون به أنهم كانوا كاذبين.
ولقد روى الطبري في سياق الآية الأولى : أنه كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه وأقسم قائلا :" الذي أرجوه بعد الموت إن الأمر لكذا " فقال المشرك : إنك تزعم أك تبعث بعد الموت ؟ فأقسم بالله جهد يمينه لا يبعث الله من يموت فأنزل الله الآية. وروى الرواية الطبرسي معزوة إلى أبي العالية، وهذه الرواية لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة ويلحظ أن الآية معطوفة على ما قبلها ومنسجمة مع ما بعدها بحيث يسوغ التوقف في الرواية كسبب لنزول الآية لحدتها والترجيح بأنها بسبيل التعبير عن رأي جمهور المشركين الكفار.
والآيات متصلة بما سبقها كذلك سياقا وموضوعا، وعباراتها واضحة. وقد خوطب العقل والقلب معا بما احتوته من تقرير وحكمة ومنطق ردا على أيمان الكفار الشديدة بأن الله لن يبعث من يموت تعبيرا عن عقيدتهم التي كانوا يكررون تقريرها باستحالة ذلك والتي كانت من أهم ما دار الجدل والحجاج حوله بين النبي وبينهم على ما ذكرناه في المناسبة السابقة. فليس من المعقول أن يكون الله قد خلق الكون عبثا وأن يضيع أجر المحسنين وجريمة المجرمين، وليست الدنيا إلا دار اختبار ولا يمكن إلا أن يكون لها تتمة للقضاء والجزاء. والذين يعتقدون بالله وقدرته الشاملة يجب أن يدركوا هذه الحكمة ويعترفوا بأن الله قادر على تحقيق وعده فلا يحتاج أي شيء يريده الله إلا أن تتعلق به إرادته فيكون ولسوف يتحقق ذلك ويرى الكافرون به أنهم كانوا كاذبين.
ولقد روى الطبري في سياق الآية الأولى : أنه كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه وأقسم قائلا :" الذي أرجوه بعد الموت إن الأمر لكذا " فقال المشرك : إنك تزعم أك تبعث بعد الموت ؟ فأقسم بالله جهد يمينه لا يبعث الله من يموت فأنزل الله الآية. وروى الرواية الطبرسي معزوة إلى أبي العالية، وهذه الرواية لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة ويلحظ أن الآية معطوفة على ما قبلها ومنسجمة مع ما بعدها بحيث يسوغ التوقف في الرواية كسبب لنزول الآية لحدتها والترجيح بأنها بسبيل التعبير عن رأي جمهور المشركين الكفار.
في الآيتين تنويه وبشرى للذين هاجروا بسبب ما وقع عليهم من أذى وظلم، وتمسكا بدين الله الحق، فلسوف ييسر الله لهم الخير والنجاح والمقام الحسن الأمين في الدنيا ثم يكون أجرهم في الآخرة أعظم وأكبر ؛ لأنهم صبروا على ما وقع عليهم وهجروا وطنهم في سبيل الله ودينه وجعلوا اعتمادهم وتوكلهم على الله تعالى.
تعليق على آية
﴿ والذين هاجروا في الله ﴾ وما بعدها
ويبدو لأول وهلة أن الآيتين غير متصلتين بالسياق السابق ولا باللاحق وأنهما فصل مستقل، غير أن عودة السياق بعدهما إلى التنديد بالكفار وإنذارهم تسوغ القول أنهما جاءتا استطراديتين لبيان ما كان من أثر مواقف الكفار وكيدهم والتنويه بالذين ثبتوا على دين الله الحق وتحملوا الشدائد ثم هاجروا تمسكا به، وهما والحالة هذه غير بعيدتين ولا غريبتين عن جو السياق.
وقد روى المفسرون : أن الآيتين نزلتا في بعض المسلمين الذين منعهم قومهم عن الهجرة إلى المدينة وسجنوهم وأرادوا فتنتهم فصبروا وثبتوا ثم تمكنوا من الهجرة فهاجروا ١ كما رووا أنهما نزلتا في الذين هاجروا إلى الحبشة حينما اشتد أذى المشركين على الذين آمنوا من قومهم٢. وهذه الرواية هي الأصح ؛ لأن الرواية الأولى تقتضي أن تكون الآيتان مدنيتين، مع أنه لا خلاف في مكيتهما. ولقد احتوت الآية العاشرة من سورة الزمر التي نزلت قبل هذه السورة بأمد غير بعيد حضا للمسلمين على تقوى الله، ووعدا بالخير والعاقبة الحسنة في الدنيا للذين أحسنوا، وتنبيها إلى أن أرض الله واسعة وأن الله موف للصابرين أجرهم بغير حساب، وإعلانا بأن الله قد أمر نبيه بعبادة الله وحده وبالإخلاص له مما انطوى فيه إلهاما أو إذنا للمضطهدين من المسلمين بالهجرة وتلقينا بوجوب التمسك بدينهم فجاءت الآيتان تخبران أن فريقا من هؤلاء قد اتبعوا إلهام الله أو إذنه فخرجوا مهاجرين في سبيل دينه وتعدانهم بالخير والفلاح والأجر الكبير في الدنيا والآخرة.
وروايات السيرة النبوية تذكر٣ أنه لما ظهر الإسلام وكثر الذين آمنوا من قريش – وخاصة من شبابهم – ثار كبار ذويهم من المشركين عليهم وأخذوا يؤذونهم ويضطهدونهم ويحاولون ردهم عن الإسلام فأشار عليهم النبي بالهجرة إلى بلاد الحبشة وقال لهم :( إن فيها ملكا لا تظلمون عنده ). وقد هاجر في دفعة أحد عشر رجلا وأربع نساء معظمهم من شباب قريش ومن أبناء زعماء المشركين المناوئين للدعوة أو أقاربهم. وقد بلغهم أن المشركين آمنوا فعادوا وظهر لهم عدم صحة ما بلغهم وعاد قومهم إلى اضطهادهم فهاجروا مرة أخرى، وانضم إليهم غيرهم حتى بلغ عددهم ثلاثة وثمانين رجلا وثماني عشرة امرأة معظمهم من قريش ومن أبناء المشركين المناوئين للدعوى أو أقاربهم حتى لم يكد بطن من بطون قريش وأسرها الكبيرة إلا وكان منها بعضهم نساء أو رجالا ٤، وظلوا هناك إلى السنة الهجرية السادسة، حيث صار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في منعة وقوة في المدينة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم من أحضرهم إليها. وقد أوّل المؤولون ومنهم الشعبي جملة ﴿ لنبوئنهم في الدنيا حسنة ﴾ بما كان من عودتهم إلى المدينة ونزولهم فيها المنزل الحسن وهذا صواب. وبه تحققت معجزة قرآنية بما كان من صدق وعد الله تعالى لهم والله لا يخلف الميعاد.
وفي الآية مع ذلك تلقين مستمر المدى لكل من ظلم فهاجر من ظلمه حيث تمده بمدد روحاني في اليقين بأن الله عز وجل ناصره ومبوّئه المبوّأ الحسن في الدنيا بالإضافة إلى الأجر الأخروي الأكبر جزاء صبره وتوكله على الله تعالى.
ولقد كان من المؤمنين كثير من الفقراء والمساكين والأرقاء وأهل الكتاب من قاطني مكة، فرواية كون معظم المهاجرين إلى الحبشة من الأسر القرشية، ومنهم من أبناء كبار الزعماء وأقاربهم تدل على أن نقمة هؤلاء الزعماء واضطهادهم كانت أشد على أبنائهم وأقاربهم وأبناء الأسر القرشية في الدرجة الأولى خشية أن تسري عدواهم إلى غيرهم من أبناء هذه الأسر في الدرجة الأولى، وفي هذا ما فيه من صور السيرة النبوية في العهد المكي.
ولقد حاول بعض المستشرقين أن يغمزوا المهاجرين في صبرهم وجلدهم ويعزوا هجرتهم إلى الرغبة في النجاة بأنفسهم ولو كان في ذلك تخل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا تجن آت من سوء النية والجهل بظروف البيئة النبوية فالذين هاجروا كانوا بين أمرين إما أن يتعرضوا لأذى شديد قد تخونهم فيه أعصابهم فيرتدوا وإما أن يصبروا حتى يودي الصبر بحياتهم. وقد وقعت الصورتان في بعض الذين آمنوا على ما روته الروايات وأشير إليه في سورة البروج ثم في بعض آيات سورة النحل هذه على ما سوف يأتي شرحه بعد. وليس في الصبر حتى الموت مصلحة للمسلمين، والخوف من انهيار الأعصاب واقع فليس في التفادي من الصورتين محل للغمز بل فيه دليل على تعلق المهاجرين بدينهم وتضحيتهم في سبيله بوطنهم وأموالهم لأن منهم من كان غنيا وهذا مستوجب للثناء والإعجاب. وكانت الهجرة بإذن النبي وإلهام القرآن وأسلوب الآيتين دليل على أن عملهم كان مستحقا للثناء حقا، وهو حاسم ؛ لأنه وحي الله الذي بلغه رسوله.
والغريب أن الغامزين يتجاهلون صورة واقعة متكررة في كل ظرف ومكان منذ الأجيال البشرية الأولى إلى الآن وإلى ما شاء الله بسبيل شفاء غل النفس بالتعليق والغمز.
٢ انظر الكتابين المذكورين وتفسير ابن كثير والخازن والطبرسي..
٣ انظر الجزء الأول من كل من كتاب الطبقات لابن سعد وسيرة ابن هشام..
٤ المصدر السابق نفسه..
في الآيتين تنويه وبشرى للذين هاجروا بسبب ما وقع عليهم من أذى وظلم، وتمسكا بدين الله الحق، فلسوف ييسر الله لهم الخير والنجاح والمقام الحسن الأمين في الدنيا ثم يكون أجرهم في الآخرة أعظم وأكبر ؛ لأنهم صبروا على ما وقع عليهم وهجروا وطنهم في سبيل الله ودينه وجعلوا اعتمادهم وتوكلهم على الله تعالى.
تعليق على آية
﴿ والذين هاجروا في الله ﴾ وما بعدها
ويبدو لأول وهلة أن الآيتين غير متصلتين بالسياق السابق ولا باللاحق وأنهما فصل مستقل، غير أن عودة السياق بعدهما إلى التنديد بالكفار وإنذارهم تسوغ القول أنهما جاءتا استطراديتين لبيان ما كان من أثر مواقف الكفار وكيدهم والتنويه بالذين ثبتوا على دين الله الحق وتحملوا الشدائد ثم هاجروا تمسكا به، وهما والحالة هذه غير بعيدتين ولا غريبتين عن جو السياق.
وقد روى المفسرون : أن الآيتين نزلتا في بعض المسلمين الذين منعهم قومهم عن الهجرة إلى المدينة وسجنوهم وأرادوا فتنتهم فصبروا وثبتوا ثم تمكنوا من الهجرة فهاجروا ١ كما رووا أنهما نزلتا في الذين هاجروا إلى الحبشة حينما اشتد أذى المشركين على الذين آمنوا من قومهم٢. وهذه الرواية هي الأصح ؛ لأن الرواية الأولى تقتضي أن تكون الآيتان مدنيتين، مع أنه لا خلاف في مكيتهما. ولقد احتوت الآية العاشرة من سورة الزمر التي نزلت قبل هذه السورة بأمد غير بعيد حضا للمسلمين على تقوى الله، ووعدا بالخير والعاقبة الحسنة في الدنيا للذين أحسنوا، وتنبيها إلى أن أرض الله واسعة وأن الله موف للصابرين أجرهم بغير حساب، وإعلانا بأن الله قد أمر نبيه بعبادة الله وحده وبالإخلاص له مما انطوى فيه إلهاما أو إذنا للمضطهدين من المسلمين بالهجرة وتلقينا بوجوب التمسك بدينهم فجاءت الآيتان تخبران أن فريقا من هؤلاء قد اتبعوا إلهام الله أو إذنه فخرجوا مهاجرين في سبيل دينه وتعدانهم بالخير والفلاح والأجر الكبير في الدنيا والآخرة.
وروايات السيرة النبوية تذكر٣ أنه لما ظهر الإسلام وكثر الذين آمنوا من قريش – وخاصة من شبابهم – ثار كبار ذويهم من المشركين عليهم وأخذوا يؤذونهم ويضطهدونهم ويحاولون ردهم عن الإسلام فأشار عليهم النبي بالهجرة إلى بلاد الحبشة وقال لهم :( إن فيها ملكا لا تظلمون عنده ). وقد هاجر في دفعة أحد عشر رجلا وأربع نساء معظمهم من شباب قريش ومن أبناء زعماء المشركين المناوئين للدعوة أو أقاربهم. وقد بلغهم أن المشركين آمنوا فعادوا وظهر لهم عدم صحة ما بلغهم وعاد قومهم إلى اضطهادهم فهاجروا مرة أخرى، وانضم إليهم غيرهم حتى بلغ عددهم ثلاثة وثمانين رجلا وثماني عشرة امرأة معظمهم من قريش ومن أبناء المشركين المناوئين للدعوى أو أقاربهم حتى لم يكد بطن من بطون قريش وأسرها الكبيرة إلا وكان منها بعضهم نساء أو رجالا ٤، وظلوا هناك إلى السنة الهجرية السادسة، حيث صار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في منعة وقوة في المدينة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم من أحضرهم إليها. وقد أوّل المؤولون ومنهم الشعبي جملة ﴿ لنبوئنهم في الدنيا حسنة ﴾ بما كان من عودتهم إلى المدينة ونزولهم فيها المنزل الحسن وهذا صواب. وبه تحققت معجزة قرآنية بما كان من صدق وعد الله تعالى لهم والله لا يخلف الميعاد.
وفي الآية مع ذلك تلقين مستمر المدى لكل من ظلم فهاجر من ظلمه حيث تمده بمدد روحاني في اليقين بأن الله عز وجل ناصره ومبوّئه المبوّأ الحسن في الدنيا بالإضافة إلى الأجر الأخروي الأكبر جزاء صبره وتوكله على الله تعالى.
ولقد كان من المؤمنين كثير من الفقراء والمساكين والأرقاء وأهل الكتاب من قاطني مكة، فرواية كون معظم المهاجرين إلى الحبشة من الأسر القرشية، ومنهم من أبناء كبار الزعماء وأقاربهم تدل على أن نقمة هؤلاء الزعماء واضطهادهم كانت أشد على أبنائهم وأقاربهم وأبناء الأسر القرشية في الدرجة الأولى خشية أن تسري عدواهم إلى غيرهم من أبناء هذه الأسر في الدرجة الأولى، وفي هذا ما فيه من صور السيرة النبوية في العهد المكي.
ولقد حاول بعض المستشرقين أن يغمزوا المهاجرين في صبرهم وجلدهم ويعزوا هجرتهم إلى الرغبة في النجاة بأنفسهم ولو كان في ذلك تخل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا تجن آت من سوء النية والجهل بظروف البيئة النبوية فالذين هاجروا كانوا بين أمرين إما أن يتعرضوا لأذى شديد قد تخونهم فيه أعصابهم فيرتدوا وإما أن يصبروا حتى يودي الصبر بحياتهم. وقد وقعت الصورتان في بعض الذين آمنوا على ما روته الروايات وأشير إليه في سورة البروج ثم في بعض آيات سورة النحل هذه على ما سوف يأتي شرحه بعد. وليس في الصبر حتى الموت مصلحة للمسلمين، والخوف من انهيار الأعصاب واقع فليس في التفادي من الصورتين محل للغمز بل فيه دليل على تعلق المهاجرين بدينهم وتضحيتهم في سبيله بوطنهم وأموالهم لأن منهم من كان غنيا وهذا مستوجب للثناء والإعجاب. وكانت الهجرة بإذن النبي وإلهام القرآن وأسلوب الآيتين دليل على أن عملهم كان مستحقا للثناء حقا، وهو حاسم ؛ لأنه وحي الله الذي بلغه رسوله.
والغريب أن الغامزين يتجاهلون صورة واقعة متكررة في كل ظرف ومكان منذ الأجيال البشرية الأولى إلى الآن وإلى ما شاء الله بسبيل شفاء غل النفس بالتعليق والغمز.
٢ انظر الكتابين المذكورين وتفسير ابن كثير والخازن والطبرسي..
٣ انظر الجزء الأول من كل من كتاب الطبقات لابن سعد وسيرة ابن هشام..
٤ المصدر السابق نفسه..
في الآيتين تقرير :
١- بأن الله تعالى لم يرسل من قبل النبي صلى الله عليه وسلم رسلا إلى البشر إلاّ رجالا مثله فينزل عليهم الكتب والآيات الواضحة والمعجزات، ويبين بواسطتهم للناس سبيل الحق، وأنه قد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بشرا كالأنبياء السابقين، ونزل عليه مثلهم الكتاب ليبين للناس سبيل الحق ويدعوهم إليها لعلهم يهتدون ويتفكرون.
٢- وخطاب للسامعين على سبيل التوكيد والتحدي بأن يسألوا أهل العلم والكتاب إذا كانوا لا يفهمون ولا يعلمون هذه الحقيقة.
والآيتان بسبيل توكيد كون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن حقا وجريا على سنة الله، وهما في نطاق المواضع التي سبقت آيتي الهجرة من حيث صلتهما بموقف الكفار من الرسالة المحمدية وإنذارهم كما هو المتبادر. وقد جاءتا بأسلوب قوي يتضمن معنى التحدي والإفحام ومعنى كون السامعين يعرفون سنة الله التي جرت من قبل في إرسال الرسل بشرا وإنزال الكتب عليهم. ومن هنا جاء الإفحام والإلزام، وقد ذكرت آيات عديدة أن الكفار كانوا يعرفون ذلك مثل آيات سورة القصص هذه :﴿ ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين٤٧ فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ﴾ [ ٤٨ ] وآية سورة الأنبياء هذه :﴿ بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ٥ ﴾ وآية سورة الأنعام هذه :﴿ أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين ١٥٦ ﴾.
وأسلوب الآية الأولى وما فيها من تحد يتضمن معنى التوكيد بأن شهادة أهل الذكر ستأتي مؤيدة، كما أنه قد يدل على ما كان لأهل الكتاب من اعتبار في نفوس العرب. وهذا ما تكرر الإلماع إليه في آيات عديدة في سور مر تفسيرها مثل الإسراء والأنعام والفرقان.
٣ الزبر : جمع زبور بمعنى الكتاب والكتب.
٤الذكر : كناية عن القرآن وقد وصف القرآن بالذكر في آيات عديدة مر بعضها.
تعليق على جملة
﴿ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ﴾
واستطراد إلى السنة النبوية القولية والفعلية
وهدفها وواجب المسلمين نحوها
والمتبادر أن هذه الجملة لا تعني تبليغ الناس ما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم من قرآن فقط، بل تعني أيضا توضيح وتفسير وشرح ما قد يكون في حاجة إلى ذلك من القرآن. وفي هذا إيذان رباني بأن الله سبحانه يعلم استعداد رسوله لذلك، وأن ذلك من أسباب اصطفائه لرسالته، وأن ما يثبت عنه من ذلك واجب الاتباع كما هو شأن القرآن. وقد أيدت هذا المعنى بصراحة هذه الجملة :﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ في آية سورة الحشر السابعة. وهناك آيات عديدة أخرى فيها تأييد لذلك فيما هو المتبادر مثل آيات سورة النساء هذه :﴿ تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ١٣ ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ١٤ ﴾، وآية سورة النساء هذه :﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ٥٩ ﴾، وآية سورة النساء هذه :﴿ من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ٨٠ ﴾، وجملة :﴿ فردوه إلى الله والرسول ﴾في آية النساء [ ٥٩ ] مهمة في هذا الباب. فواجب المسلمين إذا اختلفوا في أمر أن يرجعوا فيه القرآن الذي يمثل الله عز وجل فإن لم يجدوا فيه نصا حاسما محكما وجب عليهم الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وسنته القولية والفعلية الثابتة بعد موته. ومخالفة ذلك خروج من ربقة الإسلام، وينطوي في هذا تقرير كون بيان الرسول وسنته حاسمين فيما ليس فيه حكم قرآني حاسم ومحكم.
ويحسن أن ننبه في هذه المسألة على نقطة هامة في الأمر متفق عليها من جمهور الفقهاء والمحدثين وهي أن السنة النبوية الصحيحة القولية والفعلية لا تتناقض مع أحكام القرآن الحاسمة المحكمة ولا تخرج عن نطاق خطوطه ومبادئه وتلقيناته وتوجيهاته العامة. وأنها بسبيل توضيح وتفسير وشرح وتخصيص وإتمام ما يحتاج إلى توضيح وتفسير وشرح وتخصيص وإتمام من آيات القرآن وأحكامه أو تشريع لما سكت عنه القرآن كليا أو جزئيا، وهذا هو المقصود كما هو المتبادر من جملة ﴿ ليبين لكم ﴾ [ النساء : ٤ ] والله أعلم.
ولقد روى أبو داود والترمذي عن المقدام بن معد يكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه )١ مما فيه توضيح وتدعيم لما نحن في صدده.
ولقد روى الإمام أحمد عن أبي حميد وأبي أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه بعيد فأنا أبعدكم عنه )٢ مما قد يكون فيه ضابط آخر لصحة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويحسن كذلك أن ننبه على مسألة هامة أخرى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كتابة شيء غير القرآن عنه ٣حتى لا يختلط بالقرآن وهو وحي الله. ولذلك لم يدون في حياته من سننه القولية والفعلية إلا القليل، حيث روي أن عبد الله بن عمرو بن العاص من شباب الصحابة دوّن بعض الأحاديث في سجل أو أوراق عرفت بالصادقة أو المصدقة ولما تفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمصار بعد الفتوحات، وانضوى إلى الإسلام أجيال جديدة من العرب وغير العرب صار الأمر في حاجة إلى معرفة السنن النبوية فبدئ بتدوينها في نطاق ضيّق أولا في القرآن الهجري الأول ثم اتسع النطاق في القرنين الثاني والثالث حتى صارت الأحاديث تعد بمئات الألوف بعد أن كانت تعد بالمئات ثم بالألوف القليلة ٤. ولقد نشب بين المسلمين في القرون الثلاثة الأولى نزاع وخلاف فكان ذلك مما أدى إلى هذه الكثرة العجيبة، وقد اختلط الغث فيها بالسمين بسبب بقاء كثير منها في الصدور تتداولها الألسنة، وعرف على التحقيق في الوقت نفسه أن بعض الزنادقة وذوي الأهواء تجرؤوا على رسول الله وأصحابه فوضعوا عليهم أحاديث كثيرة أيضا. غير أن الله قيض لدينه وسنة نبيه رجال صدق وإخلاص في القرون الثلاثة فتجردوا لتحرير السنة والأحاديث وتصنيفها واستطاعوا أن يستخلصوا عددا كبيرا منها يتسم بالصحة والصدق رواية ومتنا ويشع فيها نور القرآن والنبوة ويتسق مع خطوط القرآن ومبادئه وأحكامه ولا يتناقض معه. منها ما احتوته كتب البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ومالك وهو الطبقة الأولى. ومنها ما يأتي بعد هذه الطبقة من كتب أئمة الحديث الآخرين الذين يأتي في مقدمتهم الشافعي وابن حنبل وأبو عبيد وأبو يوسف والبيهقي وابن ماجة والدارقطني والتي فيها أيضا أحاديث كثيرة يصح أن تكون صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذه الأحاديث، وتلك من روائع التعليم والبيان والتلقين والهدى والحكمة والسداد في مختلف الشؤون ما يتساوق مع مبادئ القرآن وتلقيناته وخطوطه وتقريراته العامة، مما أوردنا كثيرا منه، وسوف نورد كثيرا منه في مناسباته، يحدوهم إلى ذلك إيمانهم بالله ورسوله وقصد الخدمة الخالصة لدين الله وشرائعه. ويتهيبون في كل ما بذلوه من جهد ما ورد في حديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن أنس قال :( إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار )٥. وما ورد في حديث ثان رواه البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار )٦. وحديث ثالث رواه الشيخان والنسائي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )٧. وحديث رابع رواه الإمام مالك عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة رسول الله ) ٨.
وبفضل هذه الجهود المبرورة لم يبق والحمد لله محل للقول بأن السنة النبوية القولية والفعلية قد اضطربت ولم يعد إمكان للأخذ بها، وكل من يقول هذا بعد أن ثبتت صحة عدد كبير من الأحاديث والسنن القولية والفعلية مارق أو عدو مغرض يهدف إلى تعطيل مصدر رئيسي من مصادر الشريعة الإسلامية عرف منه كثير مما سكت عنه أو عن تفصيله القرآن سواء في الأمور التعبدية أم في الأمور المدنية.
وكل ما يمكن أن يقال : هو وجوب التروي والأناة في تلقي السنة النبوية وحسن تفهمها ودراستها، من حيث الرواة والمتون والمطابقة إجمالا مع القرآن وعدم التعارض والتناقض. وقد يكون فيما ورد في كتب الأحاديث المعتبرة منها ولا يتناقض مع صريح القرآن أشياء لا يدركها عقل الإنسان العادي من شؤون الدنيا والآخرة وأحداث الأمم والأنبياء السابقين وما يكون في آخر الزمان ومن الشؤون الغيبية مما سبق التنبيه إليه في مناسبات عديدة. ومثل هذا موجود في القرآن المجيد فلا يجوز للمسلم أن يسارع إلى إنكارها ويجب أن يفوض الأمر في ذلك إلى الله وحكمة الرسول كما هو واجبه بالنسبة لما من مثل ذلك في القرآن مع الاعتقاد بأنه لابد من أن يكون في ذلك من حكمة ولو لم يستطع لمحها، هذا مع التنبيه على أن علماء الحديث رحمهم الله قد عرفوا كذب كثير من الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونبهوا عليها كما نبهوا على ما هو ضعيف أو منقطع من الأحاديث أيضا فصار من الممكن للنبهاء وذوي الدراية التعرف عليها والتوقف فيها وعدم الأخذ بها. أما العامة فعليهم أن يسألوا أهل العلم الموثوقين في درايتهم وورعهم ويقفوا عند كلامهم ٩.
ومن الجدير بالتنبيه في هذا المقام : أن ما هناك من اختلاف بين علماء الحديث والفقه في سنن رسول الله القولية والفعلية الواردة في كتب الأحاديث المعتبرة ليس هو على صحتها، وإنما هو على احتمال النسخ فيها وبسبيل ترجيح الأقوى سندا منها والاجتهاد فيما إذا كانت وجوبية أو استحبابية أو عامة أو خاصة الخ مما لا يتسع المقام لتفصيله.
هذا، وهناك مسألة هامة يحسن التنبيه عليها أيضا، وهي أن معظم الأحاديث النبوية مدنية الصدور والرواة، وحتى التي فيها تفسير الآيات المكية وأسباب نزولها وتطبيقاتها وأحداث السيرة النبوية في العهد المكي. وعلى سبيل المثال نذكر أبا هريرة وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وابن عباس وجابر بن عبد الله وعائشة أم المؤمنين وأبا سعيد الخدري رضي الله عنهم الذين روي عنهم آلاف الأحاديث١٠. فأكثرهم من أهل المدينة أو ممن انضم إلى الإسلام في العهد المدني والقرشيون منهم كانوا أحداثا أو أطفالا حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولا يصح أن يكونوا قد رووا عنه شيئا في مكة مثل عائشة وابن عباس وابن عمر. وهناك عشرات من أصحاب رسول الله ممن رووا المئات والعشرات من الأحاديث من هذا النوع ١١.
والحكمة التي نلمحها في ذلك : أن العهد المكي كان عهد دعوة وحجاج ولجاج بين النبي والكفار، وكان قسم كبير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إلى الحبشة ولم يبق إلى جانب النبي إلا القليل. ومعظم الأحاديث هي من ناحية أخرى في صدد التشريع والتعليم والتأديب للمسلمين وهذا إنما كان مسرحه في الدرجة الأولى العهد المدني.
ولقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة يعرفون ما كانت تذكره الآيات المكية من أحداث والأسباب والمناسبات التي كانت تنزل فيها. فالأسئلة في صددها كانت توجه من أهل العهد المدني للنبي صلى الله عليه وسلم فيصدر منه الجواب فيروونه عنهم. والله تعالى أعلم.
٢ أورد هذا الحديث ابن كثير في سياق تفسير الآية [٨٨] من سورة هود وقال المفسر: إن إسناده صحيح ورد في مجمع الزوائد ج ١ ص ١٤٩ برواية الإمام أحمد والبزار ووصف بأن رجاله رجال الصحيح..
٣ روى مسلم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب شيئا فليمحه ) كتاب السنة للسباعي صفحة ٧٢..
٤ المصدر نفسه..
٥ التاج ج١ ص ٦٣..
٦ المصدر نفسه ص٥٨ وفي مجمع الزوائدج١ ص ١٤٢-١٤٤ أحاديث عديدة من باب هذين الحديثين رواها أئمة آخرون بطرق مختلفة وعن أشخاص آخرين..
٧ المصدر نفسه ص ٣٧ والمتبادر أن المحدثات المذمومة هي الأمور الجديدة التي تتناقض مع أحكام ومبادئ وتلقينات كتاب الله وسنة رسوله ومصلحة الإسلام والمسلمين، وليست الأمور الجديدة مطلقا، وهناك حديثان نبويان يدعمان ذلك منهما حديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا ). وحديث رواه مسلم والترمذي عن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء: ص ٦٥-٦٧..
٨ المصدر نفسه ص ٤٠..
٩ اقرأ لأجل هذا البحث كتاب قواعد التحديث للقاسمي والسنة للسباعي..
١٠ عدد الأحاديث المروية عن أبي هريرة ٥٣٧٤ وعبد الله بن عمر ٢٦٣٠ وأنس بن مالك ٢٢٨٦ وعائشة ٢٢١٠ وابن عباس ١٦٦٠ وجابر بن عبد الله ١٥٤٠ وأبي سعيد الخدري ١١٧٠(انظر كتاب قواعد التحديث لجمال القاسمي، ص ٤٧ وما بعدها)..
١١ نذكر على سبيل المثال أسماء أبيّ بن كعب وزيد بن ثابت وعمران بن الحصين وأبي موسى الأشعري وأبي الدرداء وعقبة بن عامر رضي الله عنهم وغيرهم وغيرهم وجميعهم من أهل العهد المدني..
في الآيات :
تساؤل يتضمن معنى التنديد والإنذار عما إذا كان الذين يمكرون السيئات ويقفون من النبي موقف الجحود والمكر والكيد قد أمنوا نقمة الله وغضبه في حين أنه قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يسلط عليهم بلاء مفاجأة من حيث لا يدرون، أو يسلط عليهم أسباب الخوف والهلاك والعذاب والخسران في رحلاتهم وينقصهم في أموالهم وأنفسهم.
وتقرير ينطوي على أن الله إذا لم يفعل بهم شيئا من ذلك عاجلا ؛ فلأنه ترك لهم المجال للتدبر والتفكر وفق ما اقتضته حكمته وصفات الرحمة والرأفة التي يتصف بها.
والآيات متصلة بسابقاتها وعاطفة عليها، ومتسقة مع موضوع السياق بوجه عام كما هو المتبادر. وقد استهدفت إثارة الخوف في قلوب الكفار ومنحهم فرصة الرجوع إلى الله.
وما انطوى في الفقرة الأخيرة من الآية الثالثة انطوى بصراحة أكثر في آية سورة الكهف السابقة لهذه السورة :﴿ وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ٥٨ ﴾، وآية سورة فاطر هذه :﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ٤٥ ﴾، وجاء في آية من سورة النحل نفسها تأتي بعد قليل.
ولقد آمن معظم الذين كفروا وكانوا موضوع إنذار الله ظهرت حكمة الله ومعجزة القرآن في إمهالهم وفي كون الله عز وجل إنما توخى من إنذارهم وتقريعهم صلاحهم و هدايتهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ٤٥ أو يأخذهم في تقلبهم ١ فما هم بمعجزين ٤٦ أو يأخذهم على تخوف ٢ فإن ربكم لرءوف رحيم ٤٧ ﴾ [ ٤٥-٤٧ ].
في الآيات :
تساؤل يتضمن معنى التنديد والإنذار عما إذا كان الذين يمكرون السيئات ويقفون من النبي موقف الجحود والمكر والكيد قد أمنوا نقمة الله وغضبه في حين أنه قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يسلط عليهم بلاء مفاجأة من حيث لا يدرون، أو يسلط عليهم أسباب الخوف والهلاك والعذاب والخسران في رحلاتهم وينقصهم في أموالهم وأنفسهم.
وتقرير ينطوي على أن الله إذا لم يفعل بهم شيئا من ذلك عاجلا ؛ فلأنه ترك لهم المجال للتدبر والتفكر وفق ما اقتضته حكمته وصفات الرحمة والرأفة التي يتصف بها.
والآيات متصلة بسابقاتها وعاطفة عليها، ومتسقة مع موضوع السياق بوجه عام كما هو المتبادر. وقد استهدفت إثارة الخوف في قلوب الكفار ومنحهم فرصة الرجوع إلى الله.
وما انطوى في الفقرة الأخيرة من الآية الثالثة انطوى بصراحة أكثر في آية سورة الكهف السابقة لهذه السورة :﴿ وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ٥٨ ﴾، وآية سورة فاطر هذه :﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ٤٥ ﴾، وجاء في آية من سورة النحل نفسها تأتي بعد قليل.
ولقد آمن معظم الذين كفروا وكانوا موضوع إنذار الله ظهرت حكمة الله ومعجزة القرآن في إمهالهم وفي كون الله عز وجل إنما توخى من إنذارهم وتقريعهم صلاحهم و هدايتهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:﴿ أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ٤٥ أو يأخذهم في تقلبهم ١ فما هم بمعجزين ٤٦ أو يأخذهم على تخوف ٢ فإن ربكم لرءوف رحيم ٤٧ ﴾ [ ٤٥-٤٧ ].
في الآيات :
تساؤل يتضمن معنى التنديد والإنذار عما إذا كان الذين يمكرون السيئات ويقفون من النبي موقف الجحود والمكر والكيد قد أمنوا نقمة الله وغضبه في حين أنه قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يسلط عليهم بلاء مفاجأة من حيث لا يدرون، أو يسلط عليهم أسباب الخوف والهلاك والعذاب والخسران في رحلاتهم وينقصهم في أموالهم وأنفسهم.
وتقرير ينطوي على أن الله إذا لم يفعل بهم شيئا من ذلك عاجلا ؛ فلأنه ترك لهم المجال للتدبر والتفكر وفق ما اقتضته حكمته وصفات الرحمة والرأفة التي يتصف بها.
والآيات متصلة بسابقاتها وعاطفة عليها، ومتسقة مع موضوع السياق بوجه عام كما هو المتبادر. وقد استهدفت إثارة الخوف في قلوب الكفار ومنحهم فرصة الرجوع إلى الله.
وما انطوى في الفقرة الأخيرة من الآية الثالثة انطوى بصراحة أكثر في آية سورة الكهف السابقة لهذه السورة :﴿ وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ٥٨ ﴾، وآية سورة فاطر هذه :﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ٤٥ ﴾، وجاء في آية من سورة النحل نفسها تأتي بعد قليل.
ولقد آمن معظم الذين كفروا وكانوا موضوع إنذار الله ظهرت حكمة الله ومعجزة القرآن في إمهالهم وفي كون الله عز وجل إنما توخى من إنذارهم وتقريعهم صلاحهم و هدايتهم.
داخرون : صاغرون.
في الآيات تساؤل ينطوي على التنديد ثم على لفت النظر إلى مشاهد كون وخضوع خلقه له، فكل ما خلق الله مما يتقلب ظلاله من اليمين إلى الشمال ومن الشمال إلى اليمين خاضع منقاد لله لا يخرج عن أمره وتسييره، وكل ما في السماوات والأرض من حي ومن ملك خاضع منقاد له كذلك، يخافونه ويرهبونه ويسارعون إلى تنفيذ أوامره دون استكبار أو تردد.
والآيات استمرار في السياق نظما وموضوعا، والخطاب فيها موجه إلى الكفار الذين هم موضوع الكلام في السياق. وقد تضمنت التنديد بهم لشذوذهم عن جميع خلق الله في كونه. ولعل ذكر الملائكة تضمن تقرير كون الملائكة الذين يتخذوهم الكفار أولياء وشركاء لا يخرجون عن سائر خلق الله في الخضوع والسجود له وتنفيذ أوامره. وبهذا يكون الإنذار والتنديد أشد استحكاما.
في الآيات تساؤل ينطوي على التنديد ثم على لفت النظر إلى مشاهد كون وخضوع خلقه له، فكل ما خلق الله مما يتقلب ظلاله من اليمين إلى الشمال ومن الشمال إلى اليمين خاضع منقاد لله لا يخرج عن أمره وتسييره، وكل ما في السماوات والأرض من حي ومن ملك خاضع منقاد له كذلك، يخافونه ويرهبونه ويسارعون إلى تنفيذ أوامره دون استكبار أو تردد.
والآيات استمرار في السياق نظما وموضوعا، والخطاب فيها موجه إلى الكفار الذين هم موضوع الكلام في السياق. وقد تضمنت التنديد بهم لشذوذهم عن جميع خلق الله في كونه. ولعل ذكر الملائكة تضمن تقرير كون الملائكة الذين يتخذوهم الكفار أولياء وشركاء لا يخرجون عن سائر خلق الله في الخضوع والسجود له وتنفيذ أوامره. وبهذا يكون الإنذار والتنديد أشد استحكاما.
في الآيات تساؤل ينطوي على التنديد ثم على لفت النظر إلى مشاهد كون وخضوع خلقه له، فكل ما خلق الله مما يتقلب ظلاله من اليمين إلى الشمال ومن الشمال إلى اليمين خاضع منقاد لله لا يخرج عن أمره وتسييره، وكل ما في السماوات والأرض من حي ومن ملك خاضع منقاد له كذلك، يخافونه ويرهبونه ويسارعون إلى تنفيذ أوامره دون استكبار أو تردد.
والآيات استمرار في السياق نظما وموضوعا، والخطاب فيها موجه إلى الكفار الذين هم موضوع الكلام في السياق. وقد تضمنت التنديد بهم لشذوذهم عن جميع خلق الله في كونه. ولعل ذكر الملائكة تضمن تقرير كون الملائكة الذين يتخذوهم الكفار أولياء وشركاء لا يخرجون عن سائر خلق الله في الخضوع والسجود له وتنفيذ أوامره. وبهذا يكون الإنذار والتنديد أشد استحكاما.
الخطاب في الآيات موجع للسامعين كمخاطبين. واحتوت الآيات الثلاث الأولى إيذانا لهم بأن الله قد نهى عن اتخاذ إلهين اثنين أي : هو مع غيره، وقرر إنما الإله واحد، وهو ذاته وأمر بالخشية منه وحده. فهو الذي له ملك السماوات والأرض والذي وجب أن يكون التعبد والخضوع له وحده فكيف يصح أن يتقي أحد غيره، وهو الذي أنعم على الناس بكل ما يتمتعون به من نعم، وهو الذي يوجه الناس أصوات الدعاء والاستغاثة إليه وحده إذا مسهم الضر. وقد حكت الآية الرابعة حال بعض المخاطبين، حيث لا يتورعون عن الشرك بالله الذي يوجهون إليه وحده أصوات الاستغاثة إذا مسهم الضر إذا ما استجاب لهم وكشف عنهم الضر. وقد احتوت الآية الخامسة إنذارا وتحديا لهؤلاء. فالذي يفعله هؤلاء هو كفر صريح بنعمة الله وأفضاله عليهم، فليتمتعوا قليلا بذلك، فلسوف يرون عاقبة هذا الكفر والجحود.
والآيات متصلة بسابقتها موضوعا وسياقا، وفيها استطراد تنديدي بعقيدة المشركين وتناقضهم، حيث كانوا يعتقدون بأن الله هو المعاذ الأعظم والمؤثر الأكبر، ويلجأون إليه ويجأرون بالاستغاثة به حينما تحدق بهم الأخطار، ويمسهم الضر، ثم لا يتورعون عن العودة إلى شركهم بعد أن يكشف عنهم الضر ويبعد عنهم الخطر. وهذا المعنى قد تكرر في آيات عديدة مر بعضها. وقوة الإفحام والتنديد آتية من هذه الناحية في الدرجة الأولى. وينطوي في الآيات تقرير كون المشركين إذ يشركون مع الله غيره في الاتجاه والدعاء، إنما يشركونهم على أنهم وسائل وشفعاء لديه، وهو ما تكرر تقريره في آيات عديدة مر بعضها أيضا.
وهناك من قال : إن النهي عن اتخاذ إلهين اثنين، عنى ما كان معروفا من عبادة الفرس الإلهين هما : إله النور وإله الظلمات أو إله الخير وإله الشر ؛ لأنه ليس هناك ملة غيرها كانت تعبد إلهين فقط في ظروف نزول الآيات. فالمشركون كانوا لهم آلهة كثيرون يشركون مع الله، والنصارى كانوا يقولون بالأقانيم الثلاثة، واليهود كانوا موحدين، وكل ما هناك أنهم أو أن منهم من كان يقول ببنوة العزير، على ما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ وقالت اليهود عزير ابن الله ﴾ [ ٣٠ ]، فنسجل ذلك دون القطع بصحته أو نفيه ؛ لأنه ليس هناك أثر وثيق متصل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه في ذلك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:﴿ *وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون ٥١ وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا ١ أفغير الله تتقون ٥٢ وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ٢ ٥٣ ثم إذا كشف الضر عنكم إذ فريق منكم بربهم يشركون ٥٤ ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ٥٥ ﴾ [ ٥١-٥٥ ].
الخطاب في الآيات موجع للسامعين كمخاطبين. واحتوت الآيات الثلاث الأولى إيذانا لهم بأن الله قد نهى عن اتخاذ إلهين اثنين أي : هو مع غيره، وقرر إنما الإله واحد، وهو ذاته وأمر بالخشية منه وحده. فهو الذي له ملك السماوات والأرض والذي وجب أن يكون التعبد والخضوع له وحده فكيف يصح أن يتقي أحد غيره، وهو الذي أنعم على الناس بكل ما يتمتعون به من نعم، وهو الذي يوجه الناس أصوات الدعاء والاستغاثة إليه وحده إذا مسهم الضر. وقد حكت الآية الرابعة حال بعض المخاطبين، حيث لا يتورعون عن الشرك بالله الذي يوجهون إليه وحده أصوات الاستغاثة إذا مسهم الضر إذا ما استجاب لهم وكشف عنهم الضر. وقد احتوت الآية الخامسة إنذارا وتحديا لهؤلاء. فالذي يفعله هؤلاء هو كفر صريح بنعمة الله وأفضاله عليهم، فليتمتعوا قليلا بذلك، فلسوف يرون عاقبة هذا الكفر والجحود.
والآيات متصلة بسابقتها موضوعا وسياقا، وفيها استطراد تنديدي بعقيدة المشركين وتناقضهم، حيث كانوا يعتقدون بأن الله هو المعاذ الأعظم والمؤثر الأكبر، ويلجأون إليه ويجأرون بالاستغاثة به حينما تحدق بهم الأخطار، ويمسهم الضر، ثم لا يتورعون عن العودة إلى شركهم بعد أن يكشف عنهم الضر ويبعد عنهم الخطر. وهذا المعنى قد تكرر في آيات عديدة مر بعضها. وقوة الإفحام والتنديد آتية من هذه الناحية في الدرجة الأولى. وينطوي في الآيات تقرير كون المشركين إذ يشركون مع الله غيره في الاتجاه والدعاء، إنما يشركونهم على أنهم وسائل وشفعاء لديه، وهو ما تكرر تقريره في آيات عديدة مر بعضها أيضا.
وهناك من قال : إن النهي عن اتخاذ إلهين اثنين، عنى ما كان معروفا من عبادة الفرس الإلهين هما : إله النور وإله الظلمات أو إله الخير وإله الشر ؛ لأنه ليس هناك ملة غيرها كانت تعبد إلهين فقط في ظروف نزول الآيات. فالمشركون كانوا لهم آلهة كثيرون يشركون مع الله، والنصارى كانوا يقولون بالأقانيم الثلاثة، واليهود كانوا موحدين، وكل ما هناك أنهم أو أن منهم من كان يقول ببنوة العزير، على ما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ وقالت اليهود عزير ابن الله ﴾ [ ٣٠ ]، فنسجل ذلك دون القطع بصحته أو نفيه ؛ لأنه ليس هناك أثر وثيق متصل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه في ذلك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:﴿ *وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون ٥١ وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا ١ أفغير الله تتقون ٥٢ وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ٢ ٥٣ ثم إذا كشف الضر عنكم إذ فريق منكم بربهم يشركون ٥٤ ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ٥٥ ﴾ [ ٥١-٥٥ ].
الخطاب في الآيات موجع للسامعين كمخاطبين. واحتوت الآيات الثلاث الأولى إيذانا لهم بأن الله قد نهى عن اتخاذ إلهين اثنين أي : هو مع غيره، وقرر إنما الإله واحد، وهو ذاته وأمر بالخشية منه وحده. فهو الذي له ملك السماوات والأرض والذي وجب أن يكون التعبد والخضوع له وحده فكيف يصح أن يتقي أحد غيره، وهو الذي أنعم على الناس بكل ما يتمتعون به من نعم، وهو الذي يوجه الناس أصوات الدعاء والاستغاثة إليه وحده إذا مسهم الضر. وقد حكت الآية الرابعة حال بعض المخاطبين، حيث لا يتورعون عن الشرك بالله الذي يوجهون إليه وحده أصوات الاستغاثة إذا مسهم الضر إذا ما استجاب لهم وكشف عنهم الضر. وقد احتوت الآية الخامسة إنذارا وتحديا لهؤلاء. فالذي يفعله هؤلاء هو كفر صريح بنعمة الله وأفضاله عليهم، فليتمتعوا قليلا بذلك، فلسوف يرون عاقبة هذا الكفر والجحود.
والآيات متصلة بسابقتها موضوعا وسياقا، وفيها استطراد تنديدي بعقيدة المشركين وتناقضهم، حيث كانوا يعتقدون بأن الله هو المعاذ الأعظم والمؤثر الأكبر، ويلجأون إليه ويجأرون بالاستغاثة به حينما تحدق بهم الأخطار، ويمسهم الضر، ثم لا يتورعون عن العودة إلى شركهم بعد أن يكشف عنهم الضر ويبعد عنهم الخطر. وهذا المعنى قد تكرر في آيات عديدة مر بعضها. وقوة الإفحام والتنديد آتية من هذه الناحية في الدرجة الأولى. وينطوي في الآيات تقرير كون المشركين إذ يشركون مع الله غيره في الاتجاه والدعاء، إنما يشركونهم على أنهم وسائل وشفعاء لديه، وهو ما تكرر تقريره في آيات عديدة مر بعضها أيضا.
وهناك من قال : إن النهي عن اتخاذ إلهين اثنين، عنى ما كان معروفا من عبادة الفرس الإلهين هما : إله النور وإله الظلمات أو إله الخير وإله الشر ؛ لأنه ليس هناك ملة غيرها كانت تعبد إلهين فقط في ظروف نزول الآيات. فالمشركون كانوا لهم آلهة كثيرون يشركون مع الله، والنصارى كانوا يقولون بالأقانيم الثلاثة، واليهود كانوا موحدين، وكل ما هناك أنهم أو أن منهم من كان يقول ببنوة العزير، على ما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ وقالت اليهود عزير ابن الله ﴾ [ ٣٠ ]، فنسجل ذلك دون القطع بصحته أو نفيه ؛ لأنه ليس هناك أثر وثيق متصل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه في ذلك.
الخطاب في الآيات موجع للسامعين كمخاطبين. واحتوت الآيات الثلاث الأولى إيذانا لهم بأن الله قد نهى عن اتخاذ إلهين اثنين أي : هو مع غيره، وقرر إنما الإله واحد، وهو ذاته وأمر بالخشية منه وحده. فهو الذي له ملك السماوات والأرض والذي وجب أن يكون التعبد والخضوع له وحده فكيف يصح أن يتقي أحد غيره، وهو الذي أنعم على الناس بكل ما يتمتعون به من نعم، وهو الذي يوجه الناس أصوات الدعاء والاستغاثة إليه وحده إذا مسهم الضر. وقد حكت الآية الرابعة حال بعض المخاطبين، حيث لا يتورعون عن الشرك بالله الذي يوجهون إليه وحده أصوات الاستغاثة إذا مسهم الضر إذا ما استجاب لهم وكشف عنهم الضر. وقد احتوت الآية الخامسة إنذارا وتحديا لهؤلاء. فالذي يفعله هؤلاء هو كفر صريح بنعمة الله وأفضاله عليهم، فليتمتعوا قليلا بذلك، فلسوف يرون عاقبة هذا الكفر والجحود.
والآيات متصلة بسابقتها موضوعا وسياقا، وفيها استطراد تنديدي بعقيدة المشركين وتناقضهم، حيث كانوا يعتقدون بأن الله هو المعاذ الأعظم والمؤثر الأكبر، ويلجأون إليه ويجأرون بالاستغاثة به حينما تحدق بهم الأخطار، ويمسهم الضر، ثم لا يتورعون عن العودة إلى شركهم بعد أن يكشف عنهم الضر ويبعد عنهم الخطر. وهذا المعنى قد تكرر في آيات عديدة مر بعضها. وقوة الإفحام والتنديد آتية من هذه الناحية في الدرجة الأولى. وينطوي في الآيات تقرير كون المشركين إذ يشركون مع الله غيره في الاتجاه والدعاء، إنما يشركونهم على أنهم وسائل وشفعاء لديه، وهو ما تكرر تقريره في آيات عديدة مر بعضها أيضا.
وهناك من قال : إن النهي عن اتخاذ إلهين اثنين، عنى ما كان معروفا من عبادة الفرس الإلهين هما : إله النور وإله الظلمات أو إله الخير وإله الشر ؛ لأنه ليس هناك ملة غيرها كانت تعبد إلهين فقط في ظروف نزول الآيات. فالمشركون كانوا لهم آلهة كثيرون يشركون مع الله، والنصارى كانوا يقولون بالأقانيم الثلاثة، واليهود كانوا موحدين، وكل ما هناك أنهم أو أن منهم من كان يقول ببنوة العزير، على ما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ وقالت اليهود عزير ابن الله ﴾ [ ٣٠ ]، فنسجل ذلك دون القطع بصحته أو نفيه ؛ لأنه ليس هناك أثر وثيق متصل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه في ذلك.
الخطاب في الآيات موجع للسامعين كمخاطبين. واحتوت الآيات الثلاث الأولى إيذانا لهم بأن الله قد نهى عن اتخاذ إلهين اثنين أي : هو مع غيره، وقرر إنما الإله واحد، وهو ذاته وأمر بالخشية منه وحده. فهو الذي له ملك السماوات والأرض والذي وجب أن يكون التعبد والخضوع له وحده فكيف يصح أن يتقي أحد غيره، وهو الذي أنعم على الناس بكل ما يتمتعون به من نعم، وهو الذي يوجه الناس أصوات الدعاء والاستغاثة إليه وحده إذا مسهم الضر. وقد حكت الآية الرابعة حال بعض المخاطبين، حيث لا يتورعون عن الشرك بالله الذي يوجهون إليه وحده أصوات الاستغاثة إذا مسهم الضر إذا ما استجاب لهم وكشف عنهم الضر. وقد احتوت الآية الخامسة إنذارا وتحديا لهؤلاء. فالذي يفعله هؤلاء هو كفر صريح بنعمة الله وأفضاله عليهم، فليتمتعوا قليلا بذلك، فلسوف يرون عاقبة هذا الكفر والجحود.
والآيات متصلة بسابقتها موضوعا وسياقا، وفيها استطراد تنديدي بعقيدة المشركين وتناقضهم، حيث كانوا يعتقدون بأن الله هو المعاذ الأعظم والمؤثر الأكبر، ويلجأون إليه ويجأرون بالاستغاثة به حينما تحدق بهم الأخطار، ويمسهم الضر، ثم لا يتورعون عن العودة إلى شركهم بعد أن يكشف عنهم الضر ويبعد عنهم الخطر. وهذا المعنى قد تكرر في آيات عديدة مر بعضها. وقوة الإفحام والتنديد آتية من هذه الناحية في الدرجة الأولى. وينطوي في الآيات تقرير كون المشركين إذ يشركون مع الله غيره في الاتجاه والدعاء، إنما يشركونهم على أنهم وسائل وشفعاء لديه، وهو ما تكرر تقريره في آيات عديدة مر بعضها أيضا.
وهناك من قال : إن النهي عن اتخاذ إلهين اثنين، عنى ما كان معروفا من عبادة الفرس الإلهين هما : إله النور وإله الظلمات أو إله الخير وإله الشر ؛ لأنه ليس هناك ملة غيرها كانت تعبد إلهين فقط في ظروف نزول الآيات. فالمشركون كانوا لهم آلهة كثيرون يشركون مع الله، والنصارى كانوا يقولون بالأقانيم الثلاثة، واليهود كانوا موحدين، وكل ما هناك أنهم أو أن منهم من كان يقول ببنوة العزير، على ما جاء في آية سورة التوبة هذه :﴿ وقالت اليهود عزير ابن الله ﴾ [ ٣٠ ]، فنسجل ذلك دون القطع بصحته أو نفيه ؛ لأنه ليس هناك أثر وثيق متصل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه في ذلك.
في الآيات حكاية لبعض عقائد وطقوس المشركين، في معرض التنديد والتسخيف والإنذار، بأسلوب قوي لاذع.
١- فهم يخصصون قسما مما رزقهم الله لشركائهم، الذين لا يستندون في إشراكهم مع الله إلى علم وبينة.
٢- وينسبون إلى الله سبحانه اتخاذ البنات، في حين أنهم يرغبون عنهن ويشتهون لنفسهم الأفضل، أي : البنين، وفي حين أنهم حينما يبشر أحدهم بولادة بنت يسود وجهه، ويضيق صدره غيظا، ويتوارى من الناس خجلا، ويحار فيما يفعله بالمولودة، هل يدسها في التراب فيتخلص منها، أم يحتفظ بها، مع الشعور بالهوان والغضاضة.
٣- ولسوف يسألهم الله عما كانوا يفترونه عليه ويحاسبهم، ولبئس ما يعتقدون من عقائد ويسيرون عليه من تقاليد.
٤- وهم يضربون في ذلك الأمثال السيئة لله عز وجل، وإن الأمثال السيئة للذين لا يؤمنون بالآخرة. أما الله القوي الحكيم، فإن له المثل الأعلى في كل أمر.
٥- ولولا أن حكمة الله اقتضت أن يؤخر عقاب المجرمين الظالمين إلى أجل معين في علمه، ولو أراد أن يؤاخذ الناس ويعاقبهم، فورا بما يبدو منهم، من انحراف وإجرام، لأبادهم حتى لا يبقى على ظهر الأرض دابة تدب عليها، ولسوف يرجع الناس إليه حينما يحين الأجل، ولن يستطيع أحد أن يتأخر عنه ولا أن يتقدم.
والآيات متصلة اتصالا استطراديا بالسياق والموضوع، والآية الأولى تشير إلى ما كان من تقاليد المشركين، من تخصيص بعض أنعامهم وزروعهم لشركائهم، مما احتوت تفصيله سورة الأنعام، التي مر تفسيرها وشرحناه شرحا يغني عن التكرار. وما ذكرته الآيتان الثانية والثالثة من نظرة العرب إلى ولادة البنات، قد ورد في سورة أخرى، مر تفسير بعضها مثل سورتي الزخرف والصافات، وعلقنا على الموضوع تعليقا يغني عن التكرار كذلك.
ولقد روى الطبري في سياق الشطر الأول من الآية [ ٦١ ]، أن أبا هريرة سمع رجلا يقول عن الظالم : لا يضر إلا نفسه فالتفت إليه فقال : بلى والله، إن الحبارى لتموت في وكرها هزالا بظلم الظالم. وروى عن ابن مسعود قوله :( إن الجعل يكاد أن يهلك في جحره بخطيئة ابن آدم ).
وما ورد في هذا الشطر، قد ورد في سور أخرى مر تفسيرها منها الآية [ ٤٥ ] من سورة فاطر والآية [ ٥٨ ] من سورة الكهف. ومعناها والهدف الذي هدفت إليه، صريحان على ما شرحناه في الفقرة الخامسة. ولسنا نرى المقام يتحمل الروايات المروية في سياق الجملة، وإن كان المعنى الذي أريد بالروايات، قد يتسق مع آية سورة الأنفال هذه :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ [ ٢٥ ]، إلا أن تطبيق هذا المعنى، أو استخراجه من الجملة التي نحن في صددها، في غير محله في ما يتبادر لنا. وكل ما نرى أن الجملة قصدته من هذا المعنى ؛ هو بيان شدة إثم الظالم والظلم، أكثر منه قصد إهلاك كل دابة على الأرض من غير بني آدم، الذين وحدهم يظلمون وينحرفون عن قصد وعقل.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الشطر الثاني حديثا، رواه ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال :( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله لا يؤخر شيئا إذا جاء أجله، وإنما زيادة العمر، بالذرية الصالحة، يرزقها الله العبد فيدعون له من بعده، فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة في العمر. ) والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولكن صحته محتملة، وقد ورد في هذه الكتب شيء من بابه ؛ حيث روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي حديثا عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. )١. وفي الحديث النبوي توضيح متساوق مع مدى الجملة القرآنية من جهة، وبيان لما يمكن أن ينفع الإنسان بعد موته، من أعمال صالحة، وحث عليها من جهة أخرى.
في الآيات حكاية لبعض عقائد وطقوس المشركين، في معرض التنديد والتسخيف والإنذار، بأسلوب قوي لاذع.
١- فهم يخصصون قسما مما رزقهم الله لشركائهم، الذين لا يستندون في إشراكهم مع الله إلى علم وبينة.
٢- وينسبون إلى الله سبحانه اتخاذ البنات، في حين أنهم يرغبون عنهن ويشتهون لنفسهم الأفضل، أي : البنين، وفي حين أنهم حينما يبشر أحدهم بولادة بنت يسود وجهه، ويضيق صدره غيظا، ويتوارى من الناس خجلا، ويحار فيما يفعله بالمولودة، هل يدسها في التراب فيتخلص منها، أم يحتفظ بها، مع الشعور بالهوان والغضاضة.
٣- ولسوف يسألهم الله عما كانوا يفترونه عليه ويحاسبهم، ولبئس ما يعتقدون من عقائد ويسيرون عليه من تقاليد.
٤- وهم يضربون في ذلك الأمثال السيئة لله عز وجل، وإن الأمثال السيئة للذين لا يؤمنون بالآخرة. أما الله القوي الحكيم، فإن له المثل الأعلى في كل أمر.
٥- ولولا أن حكمة الله اقتضت أن يؤخر عقاب المجرمين الظالمين إلى أجل معين في علمه، ولو أراد أن يؤاخذ الناس ويعاقبهم، فورا بما يبدو منهم، من انحراف وإجرام، لأبادهم حتى لا يبقى على ظهر الأرض دابة تدب عليها، ولسوف يرجع الناس إليه حينما يحين الأجل، ولن يستطيع أحد أن يتأخر عنه ولا أن يتقدم.
والآيات متصلة اتصالا استطراديا بالسياق والموضوع، والآية الأولى تشير إلى ما كان من تقاليد المشركين، من تخصيص بعض أنعامهم وزروعهم لشركائهم، مما احتوت تفصيله سورة الأنعام، التي مر تفسيرها وشرحناه شرحا يغني عن التكرار. وما ذكرته الآيتان الثانية والثالثة من نظرة العرب إلى ولادة البنات، قد ورد في سورة أخرى، مر تفسير بعضها مثل سورتي الزخرف والصافات، وعلقنا على الموضوع تعليقا يغني عن التكرار كذلك.
ولقد روى الطبري في سياق الشطر الأول من الآية [ ٦١ ]، أن أبا هريرة سمع رجلا يقول عن الظالم : لا يضر إلا نفسه فالتفت إليه فقال : بلى والله، إن الحبارى لتموت في وكرها هزالا بظلم الظالم. وروى عن ابن مسعود قوله :( إن الجعل يكاد أن يهلك في جحره بخطيئة ابن آدم ).
وما ورد في هذا الشطر، قد ورد في سور أخرى مر تفسيرها منها الآية [ ٤٥ ] من سورة فاطر والآية [ ٥٨ ] من سورة الكهف. ومعناها والهدف الذي هدفت إليه، صريحان على ما شرحناه في الفقرة الخامسة. ولسنا نرى المقام يتحمل الروايات المروية في سياق الجملة، وإن كان المعنى الذي أريد بالروايات، قد يتسق مع آية سورة الأنفال هذه :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ [ ٢٥ ]، إلا أن تطبيق هذا المعنى، أو استخراجه من الجملة التي نحن في صددها، في غير محله في ما يتبادر لنا. وكل ما نرى أن الجملة قصدته من هذا المعنى ؛ هو بيان شدة إثم الظالم والظلم، أكثر منه قصد إهلاك كل دابة على الأرض من غير بني آدم، الذين وحدهم يظلمون وينحرفون عن قصد وعقل.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الشطر الثاني حديثا، رواه ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال :( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله لا يؤخر شيئا إذا جاء أجله، وإنما زيادة العمر، بالذرية الصالحة، يرزقها الله العبد فيدعون له من بعده، فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة في العمر. ) والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولكن صحته محتملة، وقد ورد في هذه الكتب شيء من بابه ؛ حيث روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي حديثا عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. )١. وفي الحديث النبوي توضيح متساوق مع مدى الجملة القرآنية من جهة، وبيان لما يمكن أن ينفع الإنسان بعد موته، من أعمال صالحة، وحث عليها من جهة أخرى.
في الآيات حكاية لبعض عقائد وطقوس المشركين، في معرض التنديد والتسخيف والإنذار، بأسلوب قوي لاذع.
١- فهم يخصصون قسما مما رزقهم الله لشركائهم، الذين لا يستندون في إشراكهم مع الله إلى علم وبينة.
٢- وينسبون إلى الله سبحانه اتخاذ البنات، في حين أنهم يرغبون عنهن ويشتهون لنفسهم الأفضل، أي : البنين، وفي حين أنهم حينما يبشر أحدهم بولادة بنت يسود وجهه، ويضيق صدره غيظا، ويتوارى من الناس خجلا، ويحار فيما يفعله بالمولودة، هل يدسها في التراب فيتخلص منها، أم يحتفظ بها، مع الشعور بالهوان والغضاضة.
٣- ولسوف يسألهم الله عما كانوا يفترونه عليه ويحاسبهم، ولبئس ما يعتقدون من عقائد ويسيرون عليه من تقاليد.
٤- وهم يضربون في ذلك الأمثال السيئة لله عز وجل، وإن الأمثال السيئة للذين لا يؤمنون بالآخرة. أما الله القوي الحكيم، فإن له المثل الأعلى في كل أمر.
٥- ولولا أن حكمة الله اقتضت أن يؤخر عقاب المجرمين الظالمين إلى أجل معين في علمه، ولو أراد أن يؤاخذ الناس ويعاقبهم، فورا بما يبدو منهم، من انحراف وإجرام، لأبادهم حتى لا يبقى على ظهر الأرض دابة تدب عليها، ولسوف يرجع الناس إليه حينما يحين الأجل، ولن يستطيع أحد أن يتأخر عنه ولا أن يتقدم.
والآيات متصلة اتصالا استطراديا بالسياق والموضوع، والآية الأولى تشير إلى ما كان من تقاليد المشركين، من تخصيص بعض أنعامهم وزروعهم لشركائهم، مما احتوت تفصيله سورة الأنعام، التي مر تفسيرها وشرحناه شرحا يغني عن التكرار. وما ذكرته الآيتان الثانية والثالثة من نظرة العرب إلى ولادة البنات، قد ورد في سورة أخرى، مر تفسير بعضها مثل سورتي الزخرف والصافات، وعلقنا على الموضوع تعليقا يغني عن التكرار كذلك.
ولقد روى الطبري في سياق الشطر الأول من الآية [ ٦١ ]، أن أبا هريرة سمع رجلا يقول عن الظالم : لا يضر إلا نفسه فالتفت إليه فقال : بلى والله، إن الحبارى لتموت في وكرها هزالا بظلم الظالم. وروى عن ابن مسعود قوله :( إن الجعل يكاد أن يهلك في جحره بخطيئة ابن آدم ).
وما ورد في هذا الشطر، قد ورد في سور أخرى مر تفسيرها منها الآية [ ٤٥ ] من سورة فاطر والآية [ ٥٨ ] من سورة الكهف. ومعناها والهدف الذي هدفت إليه، صريحان على ما شرحناه في الفقرة الخامسة. ولسنا نرى المقام يتحمل الروايات المروية في سياق الجملة، وإن كان المعنى الذي أريد بالروايات، قد يتسق مع آية سورة الأنفال هذه :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ [ ٢٥ ]، إلا أن تطبيق هذا المعنى، أو استخراجه من الجملة التي نحن في صددها، في غير محله في ما يتبادر لنا. وكل ما نرى أن الجملة قصدته من هذا المعنى ؛ هو بيان شدة إثم الظالم والظلم، أكثر منه قصد إهلاك كل دابة على الأرض من غير بني آدم، الذين وحدهم يظلمون وينحرفون عن قصد وعقل.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الشطر الثاني حديثا، رواه ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال :( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله لا يؤخر شيئا إذا جاء أجله، وإنما زيادة العمر، بالذرية الصالحة، يرزقها الله العبد فيدعون له من بعده، فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة في العمر. ) والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولكن صحته محتملة، وقد ورد في هذه الكتب شيء من بابه ؛ حيث روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي حديثا عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. )١. وفي الحديث النبوي توضيح متساوق مع مدى الجملة القرآنية من جهة، وبيان لما يمكن أن ينفع الإنسان بعد موته، من أعمال صالحة، وحث عليها من جهة أخرى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٦:﴿ ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسئلن عما كنتم تفترون ٥٦ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون ٥٧ وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ٥٨ يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه ١ على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ٥٩ للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ٦٠ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ٦١ ﴾ [ ٥٦-٦١ ].
في الآيات حكاية لبعض عقائد وطقوس المشركين، في معرض التنديد والتسخيف والإنذار، بأسلوب قوي لاذع.
١- فهم يخصصون قسما مما رزقهم الله لشركائهم، الذين لا يستندون في إشراكهم مع الله إلى علم وبينة.
٢- وينسبون إلى الله سبحانه اتخاذ البنات، في حين أنهم يرغبون عنهن ويشتهون لنفسهم الأفضل، أي : البنين، وفي حين أنهم حينما يبشر أحدهم بولادة بنت يسود وجهه، ويضيق صدره غيظا، ويتوارى من الناس خجلا، ويحار فيما يفعله بالمولودة، هل يدسها في التراب فيتخلص منها، أم يحتفظ بها، مع الشعور بالهوان والغضاضة.
٣- ولسوف يسألهم الله عما كانوا يفترونه عليه ويحاسبهم، ولبئس ما يعتقدون من عقائد ويسيرون عليه من تقاليد.
٤- وهم يضربون في ذلك الأمثال السيئة لله عز وجل، وإن الأمثال السيئة للذين لا يؤمنون بالآخرة. أما الله القوي الحكيم، فإن له المثل الأعلى في كل أمر.
٥- ولولا أن حكمة الله اقتضت أن يؤخر عقاب المجرمين الظالمين إلى أجل معين في علمه، ولو أراد أن يؤاخذ الناس ويعاقبهم، فورا بما يبدو منهم، من انحراف وإجرام، لأبادهم حتى لا يبقى على ظهر الأرض دابة تدب عليها، ولسوف يرجع الناس إليه حينما يحين الأجل، ولن يستطيع أحد أن يتأخر عنه ولا أن يتقدم.
والآيات متصلة اتصالا استطراديا بالسياق والموضوع، والآية الأولى تشير إلى ما كان من تقاليد المشركين، من تخصيص بعض أنعامهم وزروعهم لشركائهم، مما احتوت تفصيله سورة الأنعام، التي مر تفسيرها وشرحناه شرحا يغني عن التكرار. وما ذكرته الآيتان الثانية والثالثة من نظرة العرب إلى ولادة البنات، قد ورد في سورة أخرى، مر تفسير بعضها مثل سورتي الزخرف والصافات، وعلقنا على الموضوع تعليقا يغني عن التكرار كذلك.
ولقد روى الطبري في سياق الشطر الأول من الآية [ ٦١ ]، أن أبا هريرة سمع رجلا يقول عن الظالم : لا يضر إلا نفسه فالتفت إليه فقال : بلى والله، إن الحبارى لتموت في وكرها هزالا بظلم الظالم. وروى عن ابن مسعود قوله :( إن الجعل يكاد أن يهلك في جحره بخطيئة ابن آدم ).
وما ورد في هذا الشطر، قد ورد في سور أخرى مر تفسيرها منها الآية [ ٤٥ ] من سورة فاطر والآية [ ٥٨ ] من سورة الكهف. ومعناها والهدف الذي هدفت إليه، صريحان على ما شرحناه في الفقرة الخامسة. ولسنا نرى المقام يتحمل الروايات المروية في سياق الجملة، وإن كان المعنى الذي أريد بالروايات، قد يتسق مع آية سورة الأنفال هذه :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ [ ٢٥ ]، إلا أن تطبيق هذا المعنى، أو استخراجه من الجملة التي نحن في صددها، في غير محله في ما يتبادر لنا. وكل ما نرى أن الجملة قصدته من هذا المعنى ؛ هو بيان شدة إثم الظالم والظلم، أكثر منه قصد إهلاك كل دابة على الأرض من غير بني آدم، الذين وحدهم يظلمون وينحرفون عن قصد وعقل.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الشطر الثاني حديثا، رواه ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال :( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله لا يؤخر شيئا إذا جاء أجله، وإنما زيادة العمر، بالذرية الصالحة، يرزقها الله العبد فيدعون له من بعده، فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة في العمر. ) والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولكن صحته محتملة، وقد ورد في هذه الكتب شيء من بابه ؛ حيث روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي حديثا عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. )١. وفي الحديث النبوي توضيح متساوق مع مدى الجملة القرآنية من جهة، وبيان لما يمكن أن ينفع الإنسان بعد موته، من أعمال صالحة، وحث عليها من جهة أخرى.
في الآيات حكاية لبعض عقائد وطقوس المشركين، في معرض التنديد والتسخيف والإنذار، بأسلوب قوي لاذع.
١- فهم يخصصون قسما مما رزقهم الله لشركائهم، الذين لا يستندون في إشراكهم مع الله إلى علم وبينة.
٢- وينسبون إلى الله سبحانه اتخاذ البنات، في حين أنهم يرغبون عنهن ويشتهون لنفسهم الأفضل، أي : البنين، وفي حين أنهم حينما يبشر أحدهم بولادة بنت يسود وجهه، ويضيق صدره غيظا، ويتوارى من الناس خجلا، ويحار فيما يفعله بالمولودة، هل يدسها في التراب فيتخلص منها، أم يحتفظ بها، مع الشعور بالهوان والغضاضة.
٣- ولسوف يسألهم الله عما كانوا يفترونه عليه ويحاسبهم، ولبئس ما يعتقدون من عقائد ويسيرون عليه من تقاليد.
٤- وهم يضربون في ذلك الأمثال السيئة لله عز وجل، وإن الأمثال السيئة للذين لا يؤمنون بالآخرة. أما الله القوي الحكيم، فإن له المثل الأعلى في كل أمر.
٥- ولولا أن حكمة الله اقتضت أن يؤخر عقاب المجرمين الظالمين إلى أجل معين في علمه، ولو أراد أن يؤاخذ الناس ويعاقبهم، فورا بما يبدو منهم، من انحراف وإجرام، لأبادهم حتى لا يبقى على ظهر الأرض دابة تدب عليها، ولسوف يرجع الناس إليه حينما يحين الأجل، ولن يستطيع أحد أن يتأخر عنه ولا أن يتقدم.
والآيات متصلة اتصالا استطراديا بالسياق والموضوع، والآية الأولى تشير إلى ما كان من تقاليد المشركين، من تخصيص بعض أنعامهم وزروعهم لشركائهم، مما احتوت تفصيله سورة الأنعام، التي مر تفسيرها وشرحناه شرحا يغني عن التكرار. وما ذكرته الآيتان الثانية والثالثة من نظرة العرب إلى ولادة البنات، قد ورد في سورة أخرى، مر تفسير بعضها مثل سورتي الزخرف والصافات، وعلقنا على الموضوع تعليقا يغني عن التكرار كذلك.
ولقد روى الطبري في سياق الشطر الأول من الآية [ ٦١ ]، أن أبا هريرة سمع رجلا يقول عن الظالم : لا يضر إلا نفسه فالتفت إليه فقال : بلى والله، إن الحبارى لتموت في وكرها هزالا بظلم الظالم. وروى عن ابن مسعود قوله :( إن الجعل يكاد أن يهلك في جحره بخطيئة ابن آدم ).
وما ورد في هذا الشطر، قد ورد في سور أخرى مر تفسيرها منها الآية [ ٤٥ ] من سورة فاطر والآية [ ٥٨ ] من سورة الكهف. ومعناها والهدف الذي هدفت إليه، صريحان على ما شرحناه في الفقرة الخامسة. ولسنا نرى المقام يتحمل الروايات المروية في سياق الجملة، وإن كان المعنى الذي أريد بالروايات، قد يتسق مع آية سورة الأنفال هذه :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ [ ٢٥ ]، إلا أن تطبيق هذا المعنى، أو استخراجه من الجملة التي نحن في صددها، في غير محله في ما يتبادر لنا. وكل ما نرى أن الجملة قصدته من هذا المعنى ؛ هو بيان شدة إثم الظالم والظلم، أكثر منه قصد إهلاك كل دابة على الأرض من غير بني آدم، الذين وحدهم يظلمون وينحرفون عن قصد وعقل.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الشطر الثاني حديثا، رواه ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال :( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله لا يؤخر شيئا إذا جاء أجله، وإنما زيادة العمر، بالذرية الصالحة، يرزقها الله العبد فيدعون له من بعده، فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة في العمر. ) والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولكن صحته محتملة، وقد ورد في هذه الكتب شيء من بابه ؛ حيث روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي حديثا عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. )١. وفي الحديث النبوي توضيح متساوق مع مدى الجملة القرآنية من جهة، وبيان لما يمكن أن ينفع الإنسان بعد موته، من أعمال صالحة، وحث عليها من جهة أخرى.
في الآيات حكاية لبعض عقائد وطقوس المشركين، في معرض التنديد والتسخيف والإنذار، بأسلوب قوي لاذع.
١- فهم يخصصون قسما مما رزقهم الله لشركائهم، الذين لا يستندون في إشراكهم مع الله إلى علم وبينة.
٢- وينسبون إلى الله سبحانه اتخاذ البنات، في حين أنهم يرغبون عنهن ويشتهون لنفسهم الأفضل، أي : البنين، وفي حين أنهم حينما يبشر أحدهم بولادة بنت يسود وجهه، ويضيق صدره غيظا، ويتوارى من الناس خجلا، ويحار فيما يفعله بالمولودة، هل يدسها في التراب فيتخلص منها، أم يحتفظ بها، مع الشعور بالهوان والغضاضة.
٣- ولسوف يسألهم الله عما كانوا يفترونه عليه ويحاسبهم، ولبئس ما يعتقدون من عقائد ويسيرون عليه من تقاليد.
٤- وهم يضربون في ذلك الأمثال السيئة لله عز وجل، وإن الأمثال السيئة للذين لا يؤمنون بالآخرة. أما الله القوي الحكيم، فإن له المثل الأعلى في كل أمر.
٥- ولولا أن حكمة الله اقتضت أن يؤخر عقاب المجرمين الظالمين إلى أجل معين في علمه، ولو أراد أن يؤاخذ الناس ويعاقبهم، فورا بما يبدو منهم، من انحراف وإجرام، لأبادهم حتى لا يبقى على ظهر الأرض دابة تدب عليها، ولسوف يرجع الناس إليه حينما يحين الأجل، ولن يستطيع أحد أن يتأخر عنه ولا أن يتقدم.
والآيات متصلة اتصالا استطراديا بالسياق والموضوع، والآية الأولى تشير إلى ما كان من تقاليد المشركين، من تخصيص بعض أنعامهم وزروعهم لشركائهم، مما احتوت تفصيله سورة الأنعام، التي مر تفسيرها وشرحناه شرحا يغني عن التكرار. وما ذكرته الآيتان الثانية والثالثة من نظرة العرب إلى ولادة البنات، قد ورد في سورة أخرى، مر تفسير بعضها مثل سورتي الزخرف والصافات، وعلقنا على الموضوع تعليقا يغني عن التكرار كذلك.
ولقد روى الطبري في سياق الشطر الأول من الآية [ ٦١ ]، أن أبا هريرة سمع رجلا يقول عن الظالم : لا يضر إلا نفسه فالتفت إليه فقال : بلى والله، إن الحبارى لتموت في وكرها هزالا بظلم الظالم. وروى عن ابن مسعود قوله :( إن الجعل يكاد أن يهلك في جحره بخطيئة ابن آدم ).
وما ورد في هذا الشطر، قد ورد في سور أخرى مر تفسيرها منها الآية [ ٤٥ ] من سورة فاطر والآية [ ٥٨ ] من سورة الكهف. ومعناها والهدف الذي هدفت إليه، صريحان على ما شرحناه في الفقرة الخامسة. ولسنا نرى المقام يتحمل الروايات المروية في سياق الجملة، وإن كان المعنى الذي أريد بالروايات، قد يتسق مع آية سورة الأنفال هذه :﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾ [ ٢٥ ]، إلا أن تطبيق هذا المعنى، أو استخراجه من الجملة التي نحن في صددها، في غير محله في ما يتبادر لنا. وكل ما نرى أن الجملة قصدته من هذا المعنى ؛ هو بيان شدة إثم الظالم والظلم، أكثر منه قصد إهلاك كل دابة على الأرض من غير بني آدم، الذين وحدهم يظلمون وينحرفون عن قصد وعقل.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الشطر الثاني حديثا، رواه ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال :( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله لا يؤخر شيئا إذا جاء أجله، وإنما زيادة العمر، بالذرية الصالحة، يرزقها الله العبد فيدعون له من بعده، فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة في العمر. ) والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولكن صحته محتملة، وقد ورد في هذه الكتب شيء من بابه ؛ حيث روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي حديثا عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. )١. وفي الحديث النبوي توضيح متساوق مع مدى الجملة القرآنية من جهة، وبيان لما يمكن أن ينفع الإنسان بعد موته، من أعمال صالحة، وحث عليها من جهة أخرى.
١ مفرطون : قرئت الراء بالفتح والتخفيف، وبالكسر والتشديد، والقراءة الأولى بمعنى : أنهم مهملون، ومتروكون في النار، أو مقدمون إليها بسرعة، والقراءة الثانية بمعنى : أنهم مهملون، ومقصرون في حق الله.
في الآيات :
١- في الفقرة الأولى من الآية الأولى حكاية تنديدية مرة أخرى لعقيدة المشركين، باتخاذ الله أولادا من صنف يكرهونه.
٢- وفي الفقرة الثانية حكاية تنديدية أخرى لما كانوا يزعمونه من أن لهم الحسنى، وهم كاذبون في زعمهم.
٣- وفي بقية الآية تقرير بأسلوب الجزم والإنذار، بأن لهم النار، التي سوف يطرحون فيها ويهملون.
٤- واحتوت الآية الثانية استطرادا تقريريا مع القسم، وجه الخطاب فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله قد أرسل الرسل من قبله إلى الأمم السابقة، فكان من شأن هذه الأمم أن زين الشيطان لهم ما كانوا عليه من باطل. وكان وليهم، وهو اليوم كذلك ولي المشركين الكفار، الذين حق عليهم عذاب الله الشديد، كما حق على من سبقهم من أمثالهم.
٥- واحتوت الآية الثالثة تطمينا للنبي صلى الله عليه وسلم، وتنويها بالذين آمنوا به، فالله لم ينزل عليه الكتاب ؛ إلا ليبين للناس ما هم مختلفون فيه من الحق والباطل، وليكون هدى ورحمة لمن حسنت نيته، وصدقت رغبته في الحق والإيمان.
والآيات كسابقاتها استمرار في الموضوع والسياق السابقين، كما هو المتبادر.
وقد ورد بعض ما في هذه الآيات في مواضع وسور سابقة، وعلقنا عليها بما يغني عن الإعادة والزيادة.
تعليق على قول المشركين :﴿ أن لهم الحسنى ﴾
والحسنى التي حكت الفقرة الثانية من الآية الأولى، أن المشركين كانوا يزعمونها لأنفسهم، هي على ما يتبادر، في مقام التبجح بما هم فيه من حالة حسنة، أفضل من حالة النبي وأتباعه، وكون ذلك في نظرهم اختصاصا من الله لهم. وطبيعي أن هذا الزعم، إنما هو صادر من زعمائهم الذين كان الجدال والحجاج يدوران بينهم وبين النبي في الأعم الأغلب. و قد تكررت حكاية زعمهم هذا في سور أخرى مر بعضها. ولقد قال المفسرون١ بالإضافة إلى هذا الوجه الذي قالوه أيضا : إنها بسبيل حكاية زعمهم على سبيل التبجح والتحدي، كذلك إنه إذا كان بعث أخروي فلسوف يكون لهم عند الله الحسنى، كما جعل لهم ذلك في الدنيا، ولا يخلو أيضا هذا من وجاهة. وقد تكررت حكايته عنهم في آيات أخرى مر تفسير سورها. حيث يبدو من خلال ذلك شدة عناد زعماء المشركين الكفار، ومقابلتهم للنذر القرآنية كلما كانوا يسمعونها، بالتبجح والتحدي، وإصرارهم على مواقفهم، باعتبار أن ما هم عليه هو الأفضل الذي شاءه الله لهم، وأن هذا سوف يستمر لهم أيضا.
ومع خصوصية المواقف الزمنية، فإن في التنديد القرآني، تلقينا مستمر المدى في تقبيح اغترار الناس بما يكونون فيه من حالة حسنة، وظنهم ذلك اختصاصا ربانيا بهم، ولا سيما إذا رافق ذلك نسيانهم لواجبهم نحو الله والناس.
١ مفرطون : قرئت الراء بالفتح والتخفيف، وبالكسر والتشديد، والقراءة الأولى بمعنى : أنهم مهملون، ومتروكون في النار، أو مقدمون إليها بسرعة، والقراءة الثانية بمعنى : أنهم مهملون، ومقصرون في حق الله.
في الآيات :
١- في الفقرة الأولى من الآية الأولى حكاية تنديدية مرة أخرى لعقيدة المشركين، باتخاذ الله أولادا من صنف يكرهونه.
٢- وفي الفقرة الثانية حكاية تنديدية أخرى لما كانوا يزعمونه من أن لهم الحسنى، وهم كاذبون في زعمهم.
٣- وفي بقية الآية تقرير بأسلوب الجزم والإنذار، بأن لهم النار، التي سوف يطرحون فيها ويهملون.
٤- واحتوت الآية الثانية استطرادا تقريريا مع القسم، وجه الخطاب فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله قد أرسل الرسل من قبله إلى الأمم السابقة، فكان من شأن هذه الأمم أن زين الشيطان لهم ما كانوا عليه من باطل. وكان وليهم، وهو اليوم كذلك ولي المشركين الكفار، الذين حق عليهم عذاب الله الشديد، كما حق على من سبقهم من أمثالهم.
٥- واحتوت الآية الثالثة تطمينا للنبي صلى الله عليه وسلم، وتنويها بالذين آمنوا به، فالله لم ينزل عليه الكتاب ؛ إلا ليبين للناس ما هم مختلفون فيه من الحق والباطل، وليكون هدى ورحمة لمن حسنت نيته، وصدقت رغبته في الحق والإيمان.
والآيات كسابقاتها استمرار في الموضوع والسياق السابقين، كما هو المتبادر.
وقد ورد بعض ما في هذه الآيات في مواضع وسور سابقة، وعلقنا عليها بما يغني عن الإعادة والزيادة.
تعليق على قول المشركين :﴿ أن لهم الحسنى ﴾
والحسنى التي حكت الفقرة الثانية من الآية الأولى، أن المشركين كانوا يزعمونها لأنفسهم، هي على ما يتبادر، في مقام التبجح بما هم فيه من حالة حسنة، أفضل من حالة النبي وأتباعه، وكون ذلك في نظرهم اختصاصا من الله لهم. وطبيعي أن هذا الزعم، إنما هو صادر من زعمائهم الذين كان الجدال والحجاج يدوران بينهم وبين النبي في الأعم الأغلب. و قد تكررت حكاية زعمهم هذا في سور أخرى مر بعضها. ولقد قال المفسرون١ بالإضافة إلى هذا الوجه الذي قالوه أيضا : إنها بسبيل حكاية زعمهم على سبيل التبجح والتحدي، كذلك إنه إذا كان بعث أخروي فلسوف يكون لهم عند الله الحسنى، كما جعل لهم ذلك في الدنيا، ولا يخلو أيضا هذا من وجاهة. وقد تكررت حكايته عنهم في آيات أخرى مر تفسير سورها. حيث يبدو من خلال ذلك شدة عناد زعماء المشركين الكفار، ومقابلتهم للنذر القرآنية كلما كانوا يسمعونها، بالتبجح والتحدي، وإصرارهم على مواقفهم، باعتبار أن ما هم عليه هو الأفضل الذي شاءه الله لهم، وأن هذا سوف يستمر لهم أيضا.
ومع خصوصية المواقف الزمنية، فإن في التنديد القرآني، تلقينا مستمر المدى في تقبيح اغترار الناس بما يكونون فيه من حالة حسنة، وظنهم ذلك اختصاصا ربانيا بهم، ولا سيما إذا رافق ذلك نسيانهم لواجبهم نحو الله والناس.
١ مفرطون : قرئت الراء بالفتح والتخفيف، وبالكسر والتشديد، والقراءة الأولى بمعنى : أنهم مهملون، ومتروكون في النار، أو مقدمون إليها بسرعة، والقراءة الثانية بمعنى : أنهم مهملون، ومقصرون في حق الله.
في الآيات :
١- في الفقرة الأولى من الآية الأولى حكاية تنديدية مرة أخرى لعقيدة المشركين، باتخاذ الله أولادا من صنف يكرهونه.
٢- وفي الفقرة الثانية حكاية تنديدية أخرى لما كانوا يزعمونه من أن لهم الحسنى، وهم كاذبون في زعمهم.
٣- وفي بقية الآية تقرير بأسلوب الجزم والإنذار، بأن لهم النار، التي سوف يطرحون فيها ويهملون.
٤- واحتوت الآية الثانية استطرادا تقريريا مع القسم، وجه الخطاب فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله قد أرسل الرسل من قبله إلى الأمم السابقة، فكان من شأن هذه الأمم أن زين الشيطان لهم ما كانوا عليه من باطل. وكان وليهم، وهو اليوم كذلك ولي المشركين الكفار، الذين حق عليهم عذاب الله الشديد، كما حق على من سبقهم من أمثالهم.
٥- واحتوت الآية الثالثة تطمينا للنبي صلى الله عليه وسلم، وتنويها بالذين آمنوا به، فالله لم ينزل عليه الكتاب ؛ إلا ليبين للناس ما هم مختلفون فيه من الحق والباطل، وليكون هدى ورحمة لمن حسنت نيته، وصدقت رغبته في الحق والإيمان.
والآيات كسابقاتها استمرار في الموضوع والسياق السابقين، كما هو المتبادر.
وقد ورد بعض ما في هذه الآيات في مواضع وسور سابقة، وعلقنا عليها بما يغني عن الإعادة والزيادة.
تعليق على قول المشركين :﴿ أن لهم الحسنى ﴾
والحسنى التي حكت الفقرة الثانية من الآية الأولى، أن المشركين كانوا يزعمونها لأنفسهم، هي على ما يتبادر، في مقام التبجح بما هم فيه من حالة حسنة، أفضل من حالة النبي وأتباعه، وكون ذلك في نظرهم اختصاصا من الله لهم. وطبيعي أن هذا الزعم، إنما هو صادر من زعمائهم الذين كان الجدال والحجاج يدوران بينهم وبين النبي في الأعم الأغلب. و قد تكررت حكاية زعمهم هذا في سور أخرى مر بعضها. ولقد قال المفسرون١ بالإضافة إلى هذا الوجه الذي قالوه أيضا : إنها بسبيل حكاية زعمهم على سبيل التبجح والتحدي، كذلك إنه إذا كان بعث أخروي فلسوف يكون لهم عند الله الحسنى، كما جعل لهم ذلك في الدنيا، ولا يخلو أيضا هذا من وجاهة. وقد تكررت حكايته عنهم في آيات أخرى مر تفسير سورها. حيث يبدو من خلال ذلك شدة عناد زعماء المشركين الكفار، ومقابلتهم للنذر القرآنية كلما كانوا يسمعونها، بالتبجح والتحدي، وإصرارهم على مواقفهم، باعتبار أن ما هم عليه هو الأفضل الذي شاءه الله لهم، وأن هذا سوف يستمر لهم أيضا.
ومع خصوصية المواقف الزمنية، فإن في التنديد القرآني، تلقينا مستمر المدى في تقبيح اغترار الناس بما يكونون فيه من حالة حسنة، وظنهم ذلك اختصاصا ربانيا بهم، ولا سيما إذا رافق ذلك نسيانهم لواجبهم نحو الله والناس.
في الآيات تذكير ولفت نظر إلى بعض مشاهد آيات الله ونعمه :
١- فالله ينزل الماء من السماء إلى الأرض فتعج بعد الموت والجفاف بالحياة.
٢- ويخرج للناس من بطون الأنعام من بين الثفل والدم لبنا لذيذ الطعم شرابا لهم.
٣- ويكون لهم مما تحمله شجر النخيل والأعناب من التمر غذاء وشراب نافعان حسنان.
٤- وقد خلق الله النحل على ناموس عجيب. فهي تتخذ بإلهامه خلاياها في الجبال والأشجار والعرائش والسقوف، ثم تنتشر منها كل إلى سبيل ؛ لتتناول غذاءها من كل الثمرات، وتعود إليها لتخرج من بطونها شرابا مختلف الألوان، فيه الشفاء والنفع للناس.
ففي كل هذه آيات بينات على قدرة الله وعظمته وإتقان نواميس كونه، لمن تفتح ذهنه، وحسن سمعه، وأرهف قلبه، فتفكر وتعقل.
والآيات متصلة كما هو المتبادر بالآيات السابقة. ففي الأولى نعي على الكفار ؛ لإشراكهم بالله وانصرافهم عن سماع الآيات البينة التي أنزلها على رسوله، وفي هذه لفت للأنظار إلى آيات الله البينة في نواميس كونه البديعة، وما في ذلك من نفع للناس ونعم من الله عليهم، مما فيه الحجج الدامغة على استحقاقه وحده للعبادة والخضوع، يدركها من حسنت نيته وصدقت رغبته في الحق والهدى، ولا يكابر فيها إلا من فقد ذلك. وقد تضمنت الآيات حثا للناس على استعمال عقولهم، والتفكر في آيات الله وآلائه، كما تضمنت تنويها بالذين آمنوا بالله ورسوله نتيجة لذلك، وهذا ما تضمنته الفقرة الأخيرة من الآيات السابقة أيضا.
٢سائغا : لذيذ الطعم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون ٦٥ وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ١ ودم لبنا خالصا سائغا ٢للشاربين ٦٦ ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ٣ ورزقا حسنا ٤ إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ٦٧ وأوحى ربك إلى النحل ٥ أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ٦ ٦٨ ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا ٧ يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ٦٩ ﴾ [ ٦٥-٦٩ ].
في الآيات تذكير ولفت نظر إلى بعض مشاهد آيات الله ونعمه :
١- فالله ينزل الماء من السماء إلى الأرض فتعج بعد الموت والجفاف بالحياة.
٢- ويخرج للناس من بطون الأنعام من بين الثفل والدم لبنا لذيذ الطعم شرابا لهم.
٣- ويكون لهم مما تحمله شجر النخيل والأعناب من التمر غذاء وشراب نافعان حسنان.
٤- وقد خلق الله النحل على ناموس عجيب. فهي تتخذ بإلهامه خلاياها في الجبال والأشجار والعرائش والسقوف، ثم تنتشر منها كل إلى سبيل ؛ لتتناول غذاءها من كل الثمرات، وتعود إليها لتخرج من بطونها شرابا مختلف الألوان، فيه الشفاء والنفع للناس.
ففي كل هذه آيات بينات على قدرة الله وعظمته وإتقان نواميس كونه، لمن تفتح ذهنه، وحسن سمعه، وأرهف قلبه، فتفكر وتعقل.
والآيات متصلة كما هو المتبادر بالآيات السابقة. ففي الأولى نعي على الكفار ؛ لإشراكهم بالله وانصرافهم عن سماع الآيات البينة التي أنزلها على رسوله، وفي هذه لفت للأنظار إلى آيات الله البينة في نواميس كونه البديعة، وما في ذلك من نفع للناس ونعم من الله عليهم، مما فيه الحجج الدامغة على استحقاقه وحده للعبادة والخضوع، يدركها من حسنت نيته وصدقت رغبته في الحق والهدى، ولا يكابر فيها إلا من فقد ذلك. وقد تضمنت الآيات حثا للناس على استعمال عقولهم، والتفكر في آيات الله وآلائه، كما تضمنت تنويها بالذين آمنوا بالله ورسوله نتيجة لذلك، وهذا ما تضمنته الفقرة الأخيرة من الآيات السابقة أيضا.
رزقا حسنا : طعاما جيدا، وهو العنب والبلح والزبيب والتمر.
تعليق على جملة :﴿ تتخذون منه سكرا ﴾.
ولقد كانت هذه الجملة موضوع بحث طويل في تفسير الطبري وغيره، وروي في صددها أقوال متنوعة عن ابن عباس وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم.
وخلاصتها أن هناك من قال : إن الامتنان الرباني يدل على أن الشراب المستخرج من ثمرات النخيل والأعناب حلال مطلقا. وأن هناك من قال : إن كلمة السكر تعني : المسكر، ويدخل في شمول معنى الخمر الذي هو المسكر، وأن المقصود من الجملة القرآنية هو النبيذ المستخرج من تلك الثمرات الذي كان مسكرا، وأن تحريم الخمر الذي يدخل في مشموله النبيذ المسكر، إنما كان تشريعا مدنيا. وكان قبل ذلك مباحا يمارسه المسلمون وغيرهم. فلم يكن في ذكره تناقض مع الواقع. والمتبادر أن القول الثاني هو الأوجه، ولا سيما أن القرآن قرر قبل تحريم الخمر أنها كانت ذات منافع اقتصادية في بيئة النبي عليه السلام، كما ترى في آية سورة البقرة هذه :﴿ يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ﴾ [ ٢١٩ ]، وهذه الآية نزلت قبل الآية التي نهت عن الصلاة في حالة السكر في آية سورة النساء هذه :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ﴾ [ ٤٣ ]، ثم قبل الآيات التي تضمنت تحريم الخمر وهي :﴿ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ٩٠ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ﴾ سورة المائدة [ ٩٠-٩١ ]، حيث تدل هذه الآيات على أن الخمر كان مما يمارسه المسلمون شربا وتجارة. ويكون بناء على ذلك، لا وجه لإباحة النبيذ المسكر استنادا على آية النحل التي نحن في صددها.
ومن تحصيل الحاصل أن يقال : إن ما يستخرج من ثمرات النخيل والأعناب من شراب غير مسكر مباح ولو سمي نبيذا ؛ لأن النبذ لغة هو نقع ثمرات النخيل والأعناب في الماء. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب هذا النقيع، على ما يستفاد من حديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس جاء فيه أنه كان ينقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الزبيب مساء، فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة، ثم يأمره به فيسقى أو يهراق ١. ومن حديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن عائشة جاء فيه :( كنا ننبذ للنبي صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكي أعلاه، وله عزلاء، ننبذه غدوة فيشربه عشاء، وننبذه عشاء فيشربه غدوة ) ٢.
وهناك أحاديث صحيحة أخرى يمكن أن تكون ضوابط في هذا الباب. منها حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن، نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ؛ فإن في زيارتها تذكرة، ونهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم، فاشربوا في كل وعاء، غير ألا تشربوا مسكرا. ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فكلوا واستمتعوا بها في أسفاركم )٣. وحديث رواه مسلم والترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( نهيتكم عن الظروف، وإن ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرمه، وكل مسكر حرام )٤. وحديث رواه البخاري ومسلم عن عائشة :( سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن البتع، وهو نبيذ العسل، فقال : كل شراب أسكر فهو حرام )٥. وحديث رواه أصحاب السنن عن جابر قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أسكر كثيره فقليله حرام ) ٦.
٢ انظر التاج ج ٣ ص ١٣٢..
٣ التاج ج ٣ ص ١٢٨ والظرف هو الوعاء. وقد روى مسلم والترمذي عن ابن عمر قال: ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحنتم وهي الجرة وعن الدبّاء وهي القرعة وعن المزفت وهو المطلي بالقار وعن النقير وهي النخلة تنسخ نسخا وتنقر نقرا وأمر أن ينتبذ في الأسقية ) التاج ج ٣ ص ١٢٧. فالمتبادر أن الحديث الأول قد نسخ هذا الحديث الذي أباح النبذ في أوعية الجلد وهي الأسقية دون الأوعية الأخرى..
٤ انظر المصدر نفسه..
٥ انظر المصدر نفسه..
٦ انظر المصدر نفسه..
مما يعرشون : مما يسقفون ويرفعون، ويجعلونه عرائش. وقد وردت بمعنى التعمير والبناء في آية سورة الأعراف [ ١٣٧ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٥:﴿ والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون ٦٥ وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ١ ودم لبنا خالصا سائغا ٢للشاربين ٦٦ ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ٣ ورزقا حسنا ٤ إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ٦٧ وأوحى ربك إلى النحل ٥ أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ٦ ٦٨ ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا ٧ يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ٦٩ ﴾ [ ٦٥-٦٩ ].
في الآيات تذكير ولفت نظر إلى بعض مشاهد آيات الله ونعمه :
١- فالله ينزل الماء من السماء إلى الأرض فتعج بعد الموت والجفاف بالحياة.
٢- ويخرج للناس من بطون الأنعام من بين الثفل والدم لبنا لذيذ الطعم شرابا لهم.
٣- ويكون لهم مما تحمله شجر النخيل والأعناب من التمر غذاء وشراب نافعان حسنان.
٤- وقد خلق الله النحل على ناموس عجيب. فهي تتخذ بإلهامه خلاياها في الجبال والأشجار والعرائش والسقوف، ثم تنتشر منها كل إلى سبيل ؛ لتتناول غذاءها من كل الثمرات، وتعود إليها لتخرج من بطونها شرابا مختلف الألوان، فيه الشفاء والنفع للناس.
ففي كل هذه آيات بينات على قدرة الله وعظمته وإتقان نواميس كونه، لمن تفتح ذهنه، وحسن سمعه، وأرهف قلبه، فتفكر وتعقل.
والآيات متصلة كما هو المتبادر بالآيات السابقة. ففي الأولى نعي على الكفار ؛ لإشراكهم بالله وانصرافهم عن سماع الآيات البينة التي أنزلها على رسوله، وفي هذه لفت للأنظار إلى آيات الله البينة في نواميس كونه البديعة، وما في ذلك من نفع للناس ونعم من الله عليهم، مما فيه الحجج الدامغة على استحقاقه وحده للعبادة والخضوع، يدركها من حسنت نيته وصدقت رغبته في الحق والهدى، ولا يكابر فيها إلا من فقد ذلك. وقد تضمنت الآيات حثا للناس على استعمال عقولهم، والتفكر في آيات الله وآلائه، كما تضمنت تنويها بالذين آمنوا بالله ورسوله نتيجة لذلك، وهذا ما تضمنته الفقرة الأخيرة من الآيات السابقة أيضا.
تعليق على جملة :﴿ يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ﴾.
ولقد روى الطبري عن مجاهد أن جملة :﴿ فيه شفاء للناس ﴾، تعني : القرآن، غير أن الجمهور على أنها تعني : العسل. وقد علق ابن كثير على قول مجاهد قائلا : إن هذا القول صحيح في نفسه ؛ لأن في سورة الإسراء آية جاء فيها :﴿ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ﴾ [ ٨٢[، غير أن الظاهر من سياق الآية أن المقصود هو : العسل، وهو ما عليه الجمهور.
ولقد رويت عدة أحاديث نبوية صحيحة عن فائدة العسل دواء، حيث روى البخاري، ومسلم، عن أبي سعيد الخدري :( أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : إن أخي استطلق بطنه فقال : " اسقه عسلا، فذهب فسقاه عسلا فقال : يا رسول الله سقيته عسلا فما زاد إلا استطلاقا، قال : " اذهب فاسقه عسلا "، فذهب فسقاه عسلا ثم جاء فقال : ما زاده إلا استطلاقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق الله، وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلا "، فسقاه عسلا فبرئ. ) ١، وروي عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر، لم يصبه عظيم من البلاء ). ٢، وروي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي : شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار توافق الداء، وما أحب أن أكتوي )٣.
ولقد ثبت في الطب الحديث فوائد عظيمة للعسل في أمراض عديدة مستعصية، فجاء هذا مصداقا للقرآن والأحاديث النبوية.
٢ انظر ابن كثير..
٣ انظر التاج ج ٣ ص ١٨٠..
في هذه الآيات تذكير بأفضال الله، وتنديد بجحود الكفار بأسلوب آخر.
ففي الآية الأولى تذكير بأن الله هو الذي يخلق الناس ويتوفاهم ويقدر أعمارهم. ومنهم من يموت باكرا، ومنهم من يشيخ ويهرم، ويفقد ما كان له من قوة، وينسى ما كان لديه من علم، مما تنزه عنه الله تعالى، فهو القادر على كل شيء، العليم بكل شيء، المستحق وحده للعبادة والخضوع.
وفي الآية الثانية تذكير بفضل الله على الناس، وتنديد بالمشركين خاصة. فالله قد فضل بعضهم على بعض في الرزق، وهم لا يقبلون أن يشاركهم في أرزاقهم عبيدهم، ويكونوا وإياهم سواء فيها، فكيف يجيزون أن يكون له شركاء من عبيده، وفي ذلك ما فيه من جحود نعمة الله.
وفي الآية الثالثة تذكير للسامعين بأن الله هو الذي أنعم عليهم فجعل لهم أزواجا من أنفسهم، وجعل لهم من أزواجهم بنين وحفدة ورزقهم من الطيبات. فكيف ينسون ذلك ويؤمنون بالباطل ويكفرون بنعمة الله.
والآيات متصلة بما سبقها سياقا وموضوعا كما هو واضح. وقوة الحجة فيها واضحة في تذكير السامعين ما هم فيه ومعترفون به، والتنديد بالكفار المشركين بما يقعون فيه من تناقض، من حيث إنهم يعتقدون أن الله هو المحيي المميت، وهو الرازق القابض الباسط المدبر، ثم يتجاهلون ذلك، فيشركون معه غيره، ويؤمنون بالباطل، ويكفرون بنعم الله المتنوعة عليهم.
وقال بعض المفسرين ١ في جملة :﴿ فما الذين فضلوا برآدي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء ﴾ [ ٧١ ]، إن تأويلها : أن الله هو الذي قسم للناس أرزاقهم، فلم ينس أحدا، وإذا كان قد فضل بعضهم على بعض في الرزق، فالكل يعيش من رزقه، وحتى ما يعطيه الأسياد لعبيدهم منه، ليسوا هم رازقيه في الحقيقة ونفس الأمر. والتقرير وجيه وصحيح في أصله، غير أن أكثر المفسرين ٢ قد أولوها بما يتسق مع ما أولناها به، وهو الأوجه بقرينة التنديد بجحود نعمة الله في الآية التي وردت فيها الجملة.
٢ الطبري وابن كثير والبغوي والخازن والزمخشري. والطبرسي أورد التأويلين معا..
﴿ والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ﴾
والمتبادر أن هذه الجملة ليست في معنى تأبيد هذا الفرق، ولا في معنى أن هذا التفضيل اختصاص رباني لفريق دون فريق، وإنما هي تقرير لواقع الأمر بدليل أن سعة الرزق وضيقه في تبدل وتنقل دائمين، وأن كثيرا ما يكون من هو موسع الرزق في يوم مضيقا عليه أو على ذريته في يوم، ومن هو ضيق الرزق في يوم موسعا عليه وعلى ذريته في يوم مما هو مقتضى سنة الله في الناس وظروف الحياة والعمل، وتفاوت الناس المتبدل المتحول دائما في المواهب والنشاط والسعي.
أرذل العمر
ولقد روى الطبري عن علي بن أبي طالب في جملة ﴿ ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ﴾، أن أرذل العمر خمس وسبعون سنة. وإذا صح هذا القول، فإنه يكون من قبيل الاجتهاد المتصل بظروف المعيشة في ذلك الوقت. والوصف الذي جاء بعد هذه الجملة، ﴿ لكي لا يعلم بعد علم شيئا ﴾، هو المحكم الذي يعني أن أرذل العمر هو الذي يكون الشيخ فيه قد ضعفت قواه العقلية بنوع خاص ضعفا شديدا. ولقد روى البخاري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو :( أعوذ بك من البخل والكسل، وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات )١. وإننا لنعوذ بالله بدورنا مما استعاذ به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٠:﴿ والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير ٧٠ والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون ٧١ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ١ ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ٧٢ ﴾ [ ٧٠ -٧٢ ].
في هذه الآيات تذكير بأفضال الله، وتنديد بجحود الكفار بأسلوب آخر.
ففي الآية الأولى تذكير بأن الله هو الذي يخلق الناس ويتوفاهم ويقدر أعمارهم. ومنهم من يموت باكرا، ومنهم من يشيخ ويهرم، ويفقد ما كان له من قوة، وينسى ما كان لديه من علم، مما تنزه عنه الله تعالى، فهو القادر على كل شيء، العليم بكل شيء، المستحق وحده للعبادة والخضوع.
وفي الآية الثانية تذكير بفضل الله على الناس، وتنديد بالمشركين خاصة. فالله قد فضل بعضهم على بعض في الرزق، وهم لا يقبلون أن يشاركهم في أرزاقهم عبيدهم، ويكونوا وإياهم سواء فيها، فكيف يجيزون أن يكون له شركاء من عبيده، وفي ذلك ما فيه من جحود نعمة الله.
وفي الآية الثالثة تذكير للسامعين بأن الله هو الذي أنعم عليهم فجعل لهم أزواجا من أنفسهم، وجعل لهم من أزواجهم بنين وحفدة ورزقهم من الطيبات. فكيف ينسون ذلك ويؤمنون بالباطل ويكفرون بنعمة الله.
والآيات متصلة بما سبقها سياقا وموضوعا كما هو واضح. وقوة الحجة فيها واضحة في تذكير السامعين ما هم فيه ومعترفون به، والتنديد بالكفار المشركين بما يقعون فيه من تناقض، من حيث إنهم يعتقدون أن الله هو المحيي المميت، وهو الرازق القابض الباسط المدبر، ثم يتجاهلون ذلك، فيشركون معه غيره، ويؤمنون بالباطل، ويكفرون بنعم الله المتنوعة عليهم.
وقال بعض المفسرين ١ في جملة :﴿ فما الذين فضلوا برآدي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء ﴾ [ ٧١ ]، إن تأويلها : أن الله هو الذي قسم للناس أرزاقهم، فلم ينس أحدا، وإذا كان قد فضل بعضهم على بعض في الرزق، فالكل يعيش من رزقه، وحتى ما يعطيه الأسياد لعبيدهم منه، ليسوا هم رازقيه في الحقيقة ونفس الأمر. والتقرير وجيه وصحيح في أصله، غير أن أكثر المفسرين ٢ قد أولوها بما يتسق مع ما أولناها به، وهو الأوجه بقرينة التنديد بجحود نعمة الله في الآية التي وردت فيها الجملة.
٢ الطبري وابن كثير والبغوي والخازن والزمخشري. والطبرسي أورد التأويلين معا..
وفي هذه الآيات :
١- إشارة تنديدية إلى الكفار المشركين أنهم يعبدون من دون الله مالا يملك لهم سببا من أسباب الرزق في السماوات والأرض، ولا يستطيع نفعهم في شيء من ذلك.
٢- ونهي تقريعي موجه للسامعين، أو للكفار المشركين، عن جعل الأنداد والأمثال لله. فلا يصح أن يكون لله ند ولا مثل ؛ لأن الله يعلم كل شيء، وغيره من الناس والأنداد لا يعلمون شيئا. وإن مثل هذا العمل كمثل التسوية بين العبد المملوك الذي لا يملك شيئا ولا يقدر على شيء، وبين الشخص الحر الذي يتصرف في ماله تصرفا حرا، فينفق منه سرا وجهرا حسبما يتراءى له دون مانع. وكمثل التسوية بين العبد الأبكم الذي ليس هو إلا عبئا على مالكه، لا يستطيع أن ينتفع به بأي شيء، ولا يأتي له من ناحية بأية فائدة وخير، وبين الطلق اللسان الذكي الجنان، الذي يسير على هدى ويأمر بالعدل ويفعل الخير. فالتسوية بين هذا وذاك، وبالتالي فالتسوية بين الله وبين الأنداد والشركاء الذين يشركهم المشركون مع الله إنما تصدر عن جهل وضلال.
٣- وتقرير بأن الله وحده هو المستحق للحمد على أفضاله ونعمه.
والصلة بين الآيات وسابقاتها مستمرة موضوعا وسياقا حينما يمعن النظر فيها، وفيها من القوة والتنديد اللاذع ما في الآيات السابقة.
وقد روى بعض المفسرين ١ أن المثلين مضروبان في صدد المفاضلة بين المؤمن الصالح والكافر الآثم. وروى بعضهم أشخاصا بأعيانهم من المؤمنين والكفار وقالوا : إنهم المعنيون بالمثلين، مثل أبي بكر وأبي جهل، أو أمية بن خلف وعثمان، وحمزة وعثمان بن مظعون. ومثل عثمان بن عفان ومملوك له، حيث كان عثمان ينفق على الإسلام، والمولى يكره الإسلام. والمتبادر لنا أن الآيات في صدد المشركين الكفار، والتنديد بهم عامة على ما تدل عليه الآية [ ٧٣ ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٣:﴿ ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون ٧٣ فلا تضربوا لله الأمثال ١ إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ٧٤*ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ٧٥ وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم ٢ لا يقدر على شيء وهو كلّ ٣ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ٧٦ ﴾ [ ٧٣- ٧٦ ].
وفي هذه الآيات :
١- إشارة تنديدية إلى الكفار المشركين أنهم يعبدون من دون الله مالا يملك لهم سببا من أسباب الرزق في السماوات والأرض، ولا يستطيع نفعهم في شيء من ذلك.
٢- ونهي تقريعي موجه للسامعين، أو للكفار المشركين، عن جعل الأنداد والأمثال لله. فلا يصح أن يكون لله ند ولا مثل ؛ لأن الله يعلم كل شيء، وغيره من الناس والأنداد لا يعلمون شيئا. وإن مثل هذا العمل كمثل التسوية بين العبد المملوك الذي لا يملك شيئا ولا يقدر على شيء، وبين الشخص الحر الذي يتصرف في ماله تصرفا حرا، فينفق منه سرا وجهرا حسبما يتراءى له دون مانع. وكمثل التسوية بين العبد الأبكم الذي ليس هو إلا عبئا على مالكه، لا يستطيع أن ينتفع به بأي شيء، ولا يأتي له من ناحية بأية فائدة وخير، وبين الطلق اللسان الذكي الجنان، الذي يسير على هدى ويأمر بالعدل ويفعل الخير. فالتسوية بين هذا وذاك، وبالتالي فالتسوية بين الله وبين الأنداد والشركاء الذين يشركهم المشركون مع الله إنما تصدر عن جهل وضلال.
٣- وتقرير بأن الله وحده هو المستحق للحمد على أفضاله ونعمه.
والصلة بين الآيات وسابقاتها مستمرة موضوعا وسياقا حينما يمعن النظر فيها، وفيها من القوة والتنديد اللاذع ما في الآيات السابقة.
وقد روى بعض المفسرين ١ أن المثلين مضروبان في صدد المفاضلة بين المؤمن الصالح والكافر الآثم. وروى بعضهم أشخاصا بأعيانهم من المؤمنين والكفار وقالوا : إنهم المعنيون بالمثلين، مثل أبي بكر وأبي جهل، أو أمية بن خلف وعثمان، وحمزة وعثمان بن مظعون. ومثل عثمان بن عفان ومملوك له، حيث كان عثمان ينفق على الإسلام، والمولى يكره الإسلام. والمتبادر لنا أن الآيات في صدد المشركين الكفار، والتنديد بهم عامة على ما تدل عليه الآية [ ٧٣ ].
وفي هذه الآيات :
١- إشارة تنديدية إلى الكفار المشركين أنهم يعبدون من دون الله مالا يملك لهم سببا من أسباب الرزق في السماوات والأرض، ولا يستطيع نفعهم في شيء من ذلك.
٢- ونهي تقريعي موجه للسامعين، أو للكفار المشركين، عن جعل الأنداد والأمثال لله. فلا يصح أن يكون لله ند ولا مثل ؛ لأن الله يعلم كل شيء، وغيره من الناس والأنداد لا يعلمون شيئا. وإن مثل هذا العمل كمثل التسوية بين العبد المملوك الذي لا يملك شيئا ولا يقدر على شيء، وبين الشخص الحر الذي يتصرف في ماله تصرفا حرا، فينفق منه سرا وجهرا حسبما يتراءى له دون مانع. وكمثل التسوية بين العبد الأبكم الذي ليس هو إلا عبئا على مالكه، لا يستطيع أن ينتفع به بأي شيء، ولا يأتي له من ناحية بأية فائدة وخير، وبين الطلق اللسان الذكي الجنان، الذي يسير على هدى ويأمر بالعدل ويفعل الخير. فالتسوية بين هذا وذاك، وبالتالي فالتسوية بين الله وبين الأنداد والشركاء الذين يشركهم المشركون مع الله إنما تصدر عن جهل وضلال.
٣- وتقرير بأن الله وحده هو المستحق للحمد على أفضاله ونعمه.
والصلة بين الآيات وسابقاتها مستمرة موضوعا وسياقا حينما يمعن النظر فيها، وفيها من القوة والتنديد اللاذع ما في الآيات السابقة.
وقد روى بعض المفسرين ١ أن المثلين مضروبان في صدد المفاضلة بين المؤمن الصالح والكافر الآثم. وروى بعضهم أشخاصا بأعيانهم من المؤمنين والكفار وقالوا : إنهم المعنيون بالمثلين، مثل أبي بكر وأبي جهل، أو أمية بن خلف وعثمان، وحمزة وعثمان بن مظعون. ومثل عثمان بن عفان ومملوك له، حيث كان عثمان ينفق على الإسلام، والمولى يكره الإسلام. والمتبادر لنا أن الآيات في صدد المشركين الكفار، والتنديد بهم عامة على ما تدل عليه الآية [ ٧٣ ].
كلّ : عبء على غيره لا نفع فيه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٣:﴿ ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون ٧٣ فلا تضربوا لله الأمثال ١ إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ٧٤*ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ٧٥ وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم ٢ لا يقدر على شيء وهو كلّ ٣ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ٧٦ ﴾ [ ٧٣- ٧٦ ].
وفي هذه الآيات :
١- إشارة تنديدية إلى الكفار المشركين أنهم يعبدون من دون الله مالا يملك لهم سببا من أسباب الرزق في السماوات والأرض، ولا يستطيع نفعهم في شيء من ذلك.
٢- ونهي تقريعي موجه للسامعين، أو للكفار المشركين، عن جعل الأنداد والأمثال لله. فلا يصح أن يكون لله ند ولا مثل ؛ لأن الله يعلم كل شيء، وغيره من الناس والأنداد لا يعلمون شيئا. وإن مثل هذا العمل كمثل التسوية بين العبد المملوك الذي لا يملك شيئا ولا يقدر على شيء، وبين الشخص الحر الذي يتصرف في ماله تصرفا حرا، فينفق منه سرا وجهرا حسبما يتراءى له دون مانع. وكمثل التسوية بين العبد الأبكم الذي ليس هو إلا عبئا على مالكه، لا يستطيع أن ينتفع به بأي شيء، ولا يأتي له من ناحية بأية فائدة وخير، وبين الطلق اللسان الذكي الجنان، الذي يسير على هدى ويأمر بالعدل ويفعل الخير. فالتسوية بين هذا وذاك، وبالتالي فالتسوية بين الله وبين الأنداد والشركاء الذين يشركهم المشركون مع الله إنما تصدر عن جهل وضلال.
٣- وتقرير بأن الله وحده هو المستحق للحمد على أفضاله ونعمه.
والصلة بين الآيات وسابقاتها مستمرة موضوعا وسياقا حينما يمعن النظر فيها، وفيها من القوة والتنديد اللاذع ما في الآيات السابقة.
وقد روى بعض المفسرين ١ أن المثلين مضروبان في صدد المفاضلة بين المؤمن الصالح والكافر الآثم. وروى بعضهم أشخاصا بأعيانهم من المؤمنين والكفار وقالوا : إنهم المعنيون بالمثلين، مثل أبي بكر وأبي جهل، أو أمية بن خلف وعثمان، وحمزة وعثمان بن مظعون. ومثل عثمان بن عفان ومملوك له، حيث كان عثمان ينفق على الإسلام، والمولى يكره الإسلام. والمتبادر لنا أن الآيات في صدد المشركين الكفار، والتنديد بهم عامة على ما تدل عليه الآية [ ٧٣ ].
في الآيات عود على بدء في صدد التنويه بقدرة الله وتعداد آياته وفضائله لعل الناس يعقلون ويسلمون ويشكرون. والخطاب فيها معه للسامعين إطلاقا :
١ - فعند الله علم كل ما خفي عن الناس من شؤون السماوات والأرض.
٢- والساعة قريبة آتية وليس ذلك عند الله إلا كلمح البصر، أو أقرب فهو القادر على كل شيء.
والصلة قائمة واضحة بين الآيات والسياق والسابق. والخطاب فيها موجه إلى العقول والقلوب معا بأسلوب نافذ. وإذا كان ما عددته مستمدا مما كان يمارسه العرب من حياة ووسائل ؛ فلأنهم أول من خوطبوا به. غير أن ما تعنيه من التذكير بنعم الله وأفضاله على الناس ونواميسه في الكون، مما يستقيم توجيهه إلى كل الناس في كل وقت ومكان أيضا. وقصد استرعاء الأذهان والأسماع والتدليل على قدرة الله، وإحاطته بكل شيء وإتقان نواميس الكون وأسباب الحياة، ودعوة الناس إلى التفكير بما يتمتعون به، من أفضال الله وشكره واستحقاقه وحده للاتجاه إليه، وإسلام النفس له قوي ظاهر.
في الآيات عود على بدء في صدد التنويه بقدرة الله وتعداد آياته وفضائله لعل الناس يعقلون ويسلمون ويشكرون. والخطاب فيها معه للسامعين إطلاقا :
١ - فعند الله علم كل ما خفي عن الناس من شؤون السماوات والأرض.
٢- والساعة قريبة آتية وليس ذلك عند الله إلا كلمح البصر، أو أقرب فهو القادر على كل شيء.
والصلة قائمة واضحة بين الآيات والسياق والسابق. والخطاب فيها موجه إلى العقول والقلوب معا بأسلوب نافذ. وإذا كان ما عددته مستمدا مما كان يمارسه العرب من حياة ووسائل ؛ فلأنهم أول من خوطبوا به. غير أن ما تعنيه من التذكير بنعم الله وأفضاله على الناس ونواميسه في الكون، مما يستقيم توجيهه إلى كل الناس في كل وقت ومكان أيضا. وقصد استرعاء الأذهان والأسماع والتدليل على قدرة الله، وإحاطته بكل شيء وإتقان نواميس الكون وأسباب الحياة، ودعوة الناس إلى التفكير بما يتمتعون به، من أفضال الله وشكره واستحقاقه وحده للاتجاه إليه، وإسلام النفس له قوي ظاهر.
٣- وهو الذي أخرج الناس من بطون أمهاتهم لا يعرفون شيئا، وجهزهم بالسمع والأبصار والعقول ؛ ليتعلموا ويتفكروا ويسمعوا ويبصروا مما يوجب له عليهم الشكر والعرفان.
في الآيات عود على بدء في صدد التنويه بقدرة الله وتعداد آياته وفضائله لعل الناس يعقلون ويسلمون ويشكرون. والخطاب فيها معه للسامعين إطلاقا :
١ - فعند الله علم كل ما خفي عن الناس من شؤون السماوات والأرض.
٢- والساعة قريبة آتية وليس ذلك عند الله إلا كلمح البصر، أو أقرب فهو القادر على كل شيء.
والصلة قائمة واضحة بين الآيات والسياق والسابق. والخطاب فيها موجه إلى العقول والقلوب معا بأسلوب نافذ. وإذا كان ما عددته مستمدا مما كان يمارسه العرب من حياة ووسائل ؛ فلأنهم أول من خوطبوا به. غير أن ما تعنيه من التذكير بنعم الله وأفضاله على الناس ونواميسه في الكون، مما يستقيم توجيهه إلى كل الناس في كل وقت ومكان أيضا. وقصد استرعاء الأذهان والأسماع والتدليل على قدرة الله، وإحاطته بكل شيء وإتقان نواميس الكون وأسباب الحياة، ودعوة الناس إلى التفكير بما يتمتعون به، من أفضال الله وشكره واستحقاقه وحده للاتجاه إليه، وإسلام النفس له قوي ظاهر.
٤- وإن لمن دلائل قدرته، وبديع نواميس كونه، أن يجعل الطير قادرة على التقلب في جو السماء دون أن تسقط، مما فيه آيات لمن صدقت رغبته في الإيمان.
يوم ظعنكم : يوم ارتحالكم.
أصوافها وأوبارها وأشعارها : الصوف للضأن، والأوبار للإبل، والشعر للماعز.
أثاثا : هناك من قال : إنه المال عامة. وهناك من قال : إنه أثاث البيت ومتاعه. والعبارة هنا تعني لوازم اللباس والبيت معا.
سرابيل : الأولى : تعني الثياب التي يكتسي ويتسربل بها الإنسان، والظاهر أن الكلمة تطلق على عامة أنواع اللباس. والثانية : كناية عن الدروع ومعدات الدفاع.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٧:﴿ ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير ٧٧ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ٧٨ ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ٧٩ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام ١ بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ٢ ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها٣ أثاثا ٤ ومتاعا إلى حين ٨٠ والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا ٥ وجعل لكم سرابيل ٦ تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ٨١ ﴾[ ٧٧-٨١ ].
في الآيات عود على بدء في صدد التنويه بقدرة الله وتعداد آياته وفضائله لعل الناس يعقلون ويسلمون ويشكرون. والخطاب فيها معه للسامعين إطلاقا :
١ - فعند الله علم كل ما خفي عن الناس من شؤون السماوات والأرض.
٢- والساعة قريبة آتية وليس ذلك عند الله إلا كلمح البصر، أو أقرب فهو القادر على كل شيء.
والصلة قائمة واضحة بين الآيات والسياق والسابق. والخطاب فيها موجه إلى العقول والقلوب معا بأسلوب نافذ. وإذا كان ما عددته مستمدا مما كان يمارسه العرب من حياة ووسائل ؛ فلأنهم أول من خوطبوا به. غير أن ما تعنيه من التذكير بنعم الله وأفضاله على الناس ونواميسه في الكون، مما يستقيم توجيهه إلى كل الناس في كل وقت ومكان أيضا. وقصد استرعاء الأذهان والأسماع والتدليل على قدرة الله، وإحاطته بكل شيء وإتقان نواميس الكون وأسباب الحياة، ودعوة الناس إلى التفكير بما يتمتعون به، من أفضال الله وشكره واستحقاقه وحده للاتجاه إليه، وإسلام النفس له قوي ظاهر.
٥ -وهو الذي يسّر للسامعين أسباب اتخاذ البيوت لتكون لهم سكنا، ويسر لهم أسباب اتخاذ بيوت من جلود الأنعام، خفيفة النقل عليهم في حلهم وترحالهم، ويسر لهم أسباب صنع ما يحتاجون إليه من أثاث ولباس ومتاع من صوفها ووبرها وشعرها.
٦ -وجعل لهم مما خلق من شجر وجبال ما يستظلون به ؛ لاتقاء حرارة الشمس، وجعل لهم من الجبال أكنانا يستكنون بها لذلك أيضا، ويسر لهم أسباب صنع الثياب ؛ لاتقاء الحر والبرد، وأسباب صنع الدروع وغيرها ؛ لوقاية أنفسهم في ظروف الحروب والقتال.
٧ – وبذلك كله يتم نعمته عليهم، لعلهم يعترفون بفضله، ويشكرونه ويسلمون وجوههم إليه وحده.
الآية الأولى موجهة للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التطمين والتسلية، فإذا كان من السامعين من يكابر في قدرة الله ويعرض عن دعوته فليس عليه إلا التبليغ والبيان.
والآية الثانية احتوت تقريرا لواقع السامعين وتنديدا بهم، فهم يعرفون أن ما يتمتعون به من نعم وأسباب ووسائل هي من فضل الله وتيسيره، ومع ذلك فإن أكثرهم ينكرون بأفواههم وأفعالهم، ويكفرون بالله ونعمه.
ولقد روى ابن كثير عن مجاهد أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقرأ عليه :﴿ والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ﴾، فقال الأعرابي : نعم، قال :﴿ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ﴾الآية... قال الأعرابي : نعم، ثم قرأ عليه كل ذلك، يقول الأعرابي : نعم حتى بلغ :﴿ كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ﴾، فولّى الأعرابي، فأنزل الله :﴿ يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ﴾.
والرواية لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. والمتبادر أن الآيتين جاءتا تعقيبا على الفصل السابق ؛ للتنديد بالكفار وإلزامهم بالحجة. والآية الثانية قوية الحجة والإلزام والتنديد معا ؛ لأن الكفار كانوا يعترفون بأن الله تعالى هو الخالق الرزاق المدبر، المحيي المميت، المنعم المتفضل الذي هو الملاذ والملجأ، وكاشف الضر على ما مرت حكايته عنهم في آيات كثيرة.
ويقف مفسرو الشيعة عند الآية الثانية ليرووا أنها نزلت للتنديد في كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كانوا يعرفون نعمة الله في اختصاص علي وأولاده من بعده بإمامة المسلمين فأنكروها، وصار أكثرهم كافرين١. والهوى والحقد الحزبيان مع المفارقة العجيبة طابع هذه الرواية كما هو الشأن، كما هو شأن ما يرويه مفسرو الشيعة من أمثالها. وتبدو المفارقة شديدة حينما يلاحظ أن الآية مكية، ويعظم إثم روايتهم ومفارقتهم إذا ما لوحظ أنهما يهدفان إلى تكفير جمهور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مقدمتهم معظم كبارهم الذين سجل الله رضاءه عنهم في أواخر ما نزل من القرآن في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، أي : في آية سورة التوبة هذه :﴿ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ١٠٠ ﴾.
٢ لا يستعتبون : لا يطلب منهم إبداء الأعذار، أو لا يقبل منهم طلب العتبى والاستقالة من الذنب.
في الآيات حكاية لما سوف يكون من أمر الكفار يوم القيامة :
ففي ذلك اليوم تقف كل أمة موقف القضاء والمحاسبة، ويؤتى بنبيها شهيدا على ذلك، ولن يؤذن لها بالجدل ولن يقبل منها أعذار. ولسوف يصيرون إلى عذاب شديد ليس إلى تخفيفه عنهم أو تأجيله سبيل. وحينما يرون شركاءهم يهتفون قائلين : ربنا هؤلاء هم الشركاء الذين ضللنا بسببهم، فيكذبهم الشركاء ويجحدونهم، فيقعون حينئذ في الخيبة ويفقدون كل أمل أملوه، ولا يجدون مناصا من الاستسلام والاعتراف بذنوبهم. ولسوف يكون عذاب الذين لا يكتفون بالكفر، بل يحملون غيرهم عليه مضاعفا وزائدا على عذاب عامة الناس ؛ بسبب ما كان منهم من فساد وصدّ عن سبيل الله، وحينما يأتي بشهداء كل أمة يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم شهيدا على أمته أيضا.
وقد انتهت الآيات بالفقرة الأخيرة لبيان مهمة النبي : فالله قد أنزل عليه الكتاب ليكون فيه البيان الشافي لكل أمر، والتوضيح الكافي لكل حد حتى لا يبقى حجة لأحد ولا معذرة ؛ وليكون فيه الهدى والرحمة والبشرى للمسلمين.
والآيات معقبة على سابقاتها والاتصال بالسياق قائم. وقد استهدفت فيما استهدفته إنذار الكفار وتخويفهم وحملهم على الارعواء. وكثير مما جاء فيها قد ورد في آيات أخر في سور سبق تفسيرها. ومع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي الموصوف فيها صورة القضاء والمحاسبة والشهود هي من مألوفات الدنيا. وقد يكون من حكمة ذلك قصد التقريب والتمثيل على ما نبهنا عليه في المناسبات العديدة المماثلة.
ولقد روى الطبري عن مجاهد في سياق جملة :﴿ زدناهم عذابا فوق العذاب ﴾، أن الله تعالى يسلط عليهم حيات أمثال البخت، وعقارب أمثال البغال الدهم، ولم يرد هذا في أحاديث صحيحة. والأولى الوقوف عند مدى العبارة القرآنية، وهو أن الصادين عن سبيل الله سيكون عذابهم زائدا على غيرهم.
تعليق على جملة :﴿ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ﴾
وقد يرد أن ما نزل من القرآن بعد هذه السورة شيء كثير، وفيه كثير من التشريعات والتلقينات والمبادئ والأحداث، فكيف يصح أن تذكر الفقرة الأخيرة أن في الكتاب الذي قد يعني ما نزل منه إلى هذه السورة تبيانا لكل شيء. وليس في هذا الوارد شيء، ففي ما أنزل الله قبل هذه الآية من الأسس والمبادئ والتلقينات والمواعظ والبراهين على وجوب وجوده ووحدانيته واستحقاقه وحده للخضوع ما يصح أن يقال : إنه تبيان لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين. والكتاب كما يطلق على ما نزل من القرآن إلى هذه الآية يطلق على مجموعه. والله عليم بما سوف ينزل بعدها، وليس في علم الله سابق ولاحق حتى يصح ذلك الوارد.
هذا، ونقول في نفس الجملة : إن الذي يقرأ القرآن بتدبر وإمعان، وتكون عنده رغبة صادقة في الحق، ولا يكون مبيتا للمكابرة والعناد، ومتمحلا بتمحلات سطحية وشكلية وثانوية إزاء بعض التعبيرات والصور القرآنية المتشابهة مما قد لا يدرك حكمتها العقول العادية، يظهر على صدق التقرير الذي احتوته، حيث يجد فيه حقا كل هدى ورحمة وبشرى وتبيان. ويرى في ذلك أعظم نعمة أنعمها الله على بني آدم، ويرى من تمام هذه النعمة أن حفظه الله كما بلغه رسوله، ﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴾ [ فصلت : ٤٢ ] ؛ ليظل دائما المورد الصافي الذي يجد فيه كل الناس في كل زمان الشفاء والهدى والرحمة والبشرى والبيان الواضح، وكل ما فيه صلاح ونجاة وسعادة البشر في الدنيا والآخرة من أسس ومبادئ وتشريعات وتلقينات وأحكام، وكل ما فيه حل لكل مشاكل الإنسان الروحية والاجتماعية والاقتصادية في كل مكان وكل زمان وظرف. ولقد انطوى في الجملة في الوقت نفسه دعوة لكل الناس في كل زمان ومكان للنظر فيه ؛ ليجدوا ذلك. ولقد أوّل جمهور المفسرين ١ جملة :﴿ تبيانا لكل شيء ﴾، بمعنى : بيان ما الناس في حاجة إليه من طرق الهدى والضلال والخير والشر والحلال والحرام والحق والباطل والحدود والأحكام. وفي هذا من الوجاهة ما يتسق مع أهداف القرآن، وما لا يتعارض مع ما ذكرناه آنفا. وعلى كل حال فمن الواجب أن تبقى الجملة في هذا النطاق، مع عدم فصلها عما سبقها ولحق بها، وعدم الخروج بها إلى قصد تبيان نظريات الكون ونواميسه وموجوداته وأحداثه مما يحاوله بعض المسلمين استنباطا من إشارات القرآن الوعظية والتمثيلية والتذكيرية ؛ لأن في هذا كثيرا من التمحل، كما فيه إخراج للقرآن عن قدسيته وأهدافه السامية.
في الآيات حكاية لما سوف يكون من أمر الكفار يوم القيامة :
ففي ذلك اليوم تقف كل أمة موقف القضاء والمحاسبة، ويؤتى بنبيها شهيدا على ذلك، ولن يؤذن لها بالجدل ولن يقبل منها أعذار. ولسوف يصيرون إلى عذاب شديد ليس إلى تخفيفه عنهم أو تأجيله سبيل. وحينما يرون شركاءهم يهتفون قائلين : ربنا هؤلاء هم الشركاء الذين ضللنا بسببهم، فيكذبهم الشركاء ويجحدونهم، فيقعون حينئذ في الخيبة ويفقدون كل أمل أملوه، ولا يجدون مناصا من الاستسلام والاعتراف بذنوبهم. ولسوف يكون عذاب الذين لا يكتفون بالكفر، بل يحملون غيرهم عليه مضاعفا وزائدا على عذاب عامة الناس ؛ بسبب ما كان منهم من فساد وصدّ عن سبيل الله، وحينما يأتي بشهداء كل أمة يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم شهيدا على أمته أيضا.
وقد انتهت الآيات بالفقرة الأخيرة لبيان مهمة النبي : فالله قد أنزل عليه الكتاب ليكون فيه البيان الشافي لكل أمر، والتوضيح الكافي لكل حد حتى لا يبقى حجة لأحد ولا معذرة ؛ وليكون فيه الهدى والرحمة والبشرى للمسلمين.
والآيات معقبة على سابقاتها والاتصال بالسياق قائم. وقد استهدفت فيما استهدفته إنذار الكفار وتخويفهم وحملهم على الارعواء. وكثير مما جاء فيها قد ورد في آيات أخر في سور سبق تفسيرها. ومع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي الموصوف فيها صورة القضاء والمحاسبة والشهود هي من مألوفات الدنيا. وقد يكون من حكمة ذلك قصد التقريب والتمثيل على ما نبهنا عليه في المناسبات العديدة المماثلة.
ولقد روى الطبري عن مجاهد في سياق جملة :﴿ زدناهم عذابا فوق العذاب ﴾، أن الله تعالى يسلط عليهم حيات أمثال البخت، وعقارب أمثال البغال الدهم، ولم يرد هذا في أحاديث صحيحة. والأولى الوقوف عند مدى العبارة القرآنية، وهو أن الصادين عن سبيل الله سيكون عذابهم زائدا على غيرهم.
تعليق على جملة :﴿ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ﴾
وقد يرد أن ما نزل من القرآن بعد هذه السورة شيء كثير، وفيه كثير من التشريعات والتلقينات والمبادئ والأحداث، فكيف يصح أن تذكر الفقرة الأخيرة أن في الكتاب الذي قد يعني ما نزل منه إلى هذه السورة تبيانا لكل شيء. وليس في هذا الوارد شيء، ففي ما أنزل الله قبل هذه الآية من الأسس والمبادئ والتلقينات والمواعظ والبراهين على وجوب وجوده ووحدانيته واستحقاقه وحده للخضوع ما يصح أن يقال : إنه تبيان لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين. والكتاب كما يطلق على ما نزل من القرآن إلى هذه الآية يطلق على مجموعه. والله عليم بما سوف ينزل بعدها، وليس في علم الله سابق ولاحق حتى يصح ذلك الوارد.
هذا، ونقول في نفس الجملة : إن الذي يقرأ القرآن بتدبر وإمعان، وتكون عنده رغبة صادقة في الحق، ولا يكون مبيتا للمكابرة والعناد، ومتمحلا بتمحلات سطحية وشكلية وثانوية إزاء بعض التعبيرات والصور القرآنية المتشابهة مما قد لا يدرك حكمتها العقول العادية، يظهر على صدق التقرير الذي احتوته، حيث يجد فيه حقا كل هدى ورحمة وبشرى وتبيان. ويرى في ذلك أعظم نعمة أنعمها الله على بني آدم، ويرى من تمام هذه النعمة أن حفظه الله كما بلغه رسوله، ﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴾ [ فصلت : ٤٢ ] ؛ ليظل دائما المورد الصافي الذي يجد فيه كل الناس في كل زمان الشفاء والهدى والرحمة والبشرى والبيان الواضح، وكل ما فيه صلاح ونجاة وسعادة البشر في الدنيا والآخرة من أسس ومبادئ وتشريعات وتلقينات وأحكام، وكل ما فيه حل لكل مشاكل الإنسان الروحية والاجتماعية والاقتصادية في كل مكان وكل زمان وظرف. ولقد انطوى في الجملة في الوقت نفسه دعوة لكل الناس في كل زمان ومكان للنظر فيه ؛ ليجدوا ذلك. ولقد أوّل جمهور المفسرين ١ جملة :﴿ تبيانا لكل شيء ﴾، بمعنى : بيان ما الناس في حاجة إليه من طرق الهدى والضلال والخير والشر والحلال والحرام والحق والباطل والحدود والأحكام. وفي هذا من الوجاهة ما يتسق مع أهداف القرآن، وما لا يتعارض مع ما ذكرناه آنفا. وعلى كل حال فمن الواجب أن تبقى الجملة في هذا النطاق، مع عدم فصلها عما سبقها ولحق بها، وعدم الخروج بها إلى قصد تبيان نظريات الكون ونواميسه وموجوداته وأحداثه مما يحاوله بعض المسلمين استنباطا من إشارات القرآن الوعظية والتمثيلية والتذكيرية ؛ لأن في هذا كثيرا من التمحل، كما فيه إخراج للقرآن عن قدسيته وأهدافه السامية.
في الآيات حكاية لما سوف يكون من أمر الكفار يوم القيامة :
ففي ذلك اليوم تقف كل أمة موقف القضاء والمحاسبة، ويؤتى بنبيها شهيدا على ذلك، ولن يؤذن لها بالجدل ولن يقبل منها أعذار. ولسوف يصيرون إلى عذاب شديد ليس إلى تخفيفه عنهم أو تأجيله سبيل. وحينما يرون شركاءهم يهتفون قائلين : ربنا هؤلاء هم الشركاء الذين ضللنا بسببهم، فيكذبهم الشركاء ويجحدونهم، فيقعون حينئذ في الخيبة ويفقدون كل أمل أملوه، ولا يجدون مناصا من الاستسلام والاعتراف بذنوبهم. ولسوف يكون عذاب الذين لا يكتفون بالكفر، بل يحملون غيرهم عليه مضاعفا وزائدا على عذاب عامة الناس ؛ بسبب ما كان منهم من فساد وصدّ عن سبيل الله، وحينما يأتي بشهداء كل أمة يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم شهيدا على أمته أيضا.
وقد انتهت الآيات بالفقرة الأخيرة لبيان مهمة النبي : فالله قد أنزل عليه الكتاب ليكون فيه البيان الشافي لكل أمر، والتوضيح الكافي لكل حد حتى لا يبقى حجة لأحد ولا معذرة ؛ وليكون فيه الهدى والرحمة والبشرى للمسلمين.
والآيات معقبة على سابقاتها والاتصال بالسياق قائم. وقد استهدفت فيما استهدفته إنذار الكفار وتخويفهم وحملهم على الارعواء. وكثير مما جاء فيها قد ورد في آيات أخر في سور سبق تفسيرها. ومع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي الموصوف فيها صورة القضاء والمحاسبة والشهود هي من مألوفات الدنيا. وقد يكون من حكمة ذلك قصد التقريب والتمثيل على ما نبهنا عليه في المناسبات العديدة المماثلة.
ولقد روى الطبري عن مجاهد في سياق جملة :﴿ زدناهم عذابا فوق العذاب ﴾، أن الله تعالى يسلط عليهم حيات أمثال البخت، وعقارب أمثال البغال الدهم، ولم يرد هذا في أحاديث صحيحة. والأولى الوقوف عند مدى العبارة القرآنية، وهو أن الصادين عن سبيل الله سيكون عذابهم زائدا على غيرهم.
تعليق على جملة :﴿ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ﴾
وقد يرد أن ما نزل من القرآن بعد هذه السورة شيء كثير، وفيه كثير من التشريعات والتلقينات والمبادئ والأحداث، فكيف يصح أن تذكر الفقرة الأخيرة أن في الكتاب الذي قد يعني ما نزل منه إلى هذه السورة تبيانا لكل شيء. وليس في هذا الوارد شيء، ففي ما أنزل الله قبل هذه الآية من الأسس والمبادئ والتلقينات والمواعظ والبراهين على وجوب وجوده ووحدانيته واستحقاقه وحده للخضوع ما يصح أن يقال : إنه تبيان لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين. والكتاب كما يطلق على ما نزل من القرآن إلى هذه الآية يطلق على مجموعه. والله عليم بما سوف ينزل بعدها، وليس في علم الله سابق ولاحق حتى يصح ذلك الوارد.
هذا، ونقول في نفس الجملة : إن الذي يقرأ القرآن بتدبر وإمعان، وتكون عنده رغبة صادقة في الحق، ولا يكون مبيتا للمكابرة والعناد، ومتمحلا بتمحلات سطحية وشكلية وثانوية إزاء بعض التعبيرات والصور القرآنية المتشابهة مما قد لا يدرك حكمتها العقول العادية، يظهر على صدق التقرير الذي احتوته، حيث يجد فيه حقا كل هدى ورحمة وبشرى وتبيان. ويرى في ذلك أعظم نعمة أنعمها الله على بني آدم، ويرى من تمام هذه النعمة أن حفظه الله كما بلغه رسوله، ﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴾ [ فصلت : ٤٢ ] ؛ ليظل دائما المورد الصافي الذي يجد فيه كل الناس في كل زمان الشفاء والهدى والرحمة والبشرى والبيان الواضح، وكل ما فيه صلاح ونجاة وسعادة البشر في الدنيا والآخرة من أسس ومبادئ وتشريعات وتلقينات وأحكام، وكل ما فيه حل لكل مشاكل الإنسان الروحية والاجتماعية والاقتصادية في كل مكان وكل زمان وظرف. ولقد انطوى في الجملة في الوقت نفسه دعوة لكل الناس في كل زمان ومكان للنظر فيه ؛ ليجدوا ذلك. ولقد أوّل جمهور المفسرين ١ جملة :﴿ تبيانا لكل شيء ﴾، بمعنى : بيان ما الناس في حاجة إليه من طرق الهدى والضلال والخير والشر والحلال والحرام والحق والباطل والحدود والأحكام. وفي هذا من الوجاهة ما يتسق مع أهداف القرآن، وما لا يتعارض مع ما ذكرناه آنفا. وعلى كل حال فمن الواجب أن تبقى الجملة في هذا النطاق، مع عدم فصلها عما سبقها ولحق بها، وعدم الخروج بها إلى قصد تبيان نظريات الكون ونواميسه وموجوداته وأحداثه مما يحاوله بعض المسلمين استنباطا من إشارات القرآن الوعظية والتمثيلية والتذكيرية ؛ لأن في هذا كثيرا من التمحل، كما فيه إخراج للقرآن عن قدسيته وأهدافه السامية.
في الآيات حكاية لما سوف يكون من أمر الكفار يوم القيامة :
ففي ذلك اليوم تقف كل أمة موقف القضاء والمحاسبة، ويؤتى بنبيها شهيدا على ذلك، ولن يؤذن لها بالجدل ولن يقبل منها أعذار. ولسوف يصيرون إلى عذاب شديد ليس إلى تخفيفه عنهم أو تأجيله سبيل. وحينما يرون شركاءهم يهتفون قائلين : ربنا هؤلاء هم الشركاء الذين ضللنا بسببهم، فيكذبهم الشركاء ويجحدونهم، فيقعون حينئذ في الخيبة ويفقدون كل أمل أملوه، ولا يجدون مناصا من الاستسلام والاعتراف بذنوبهم. ولسوف يكون عذاب الذين لا يكتفون بالكفر، بل يحملون غيرهم عليه مضاعفا وزائدا على عذاب عامة الناس ؛ بسبب ما كان منهم من فساد وصدّ عن سبيل الله، وحينما يأتي بشهداء كل أمة يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم شهيدا على أمته أيضا.
وقد انتهت الآيات بالفقرة الأخيرة لبيان مهمة النبي : فالله قد أنزل عليه الكتاب ليكون فيه البيان الشافي لكل أمر، والتوضيح الكافي لكل حد حتى لا يبقى حجة لأحد ولا معذرة ؛ وليكون فيه الهدى والرحمة والبشرى للمسلمين.
والآيات معقبة على سابقاتها والاتصال بالسياق قائم. وقد استهدفت فيما استهدفته إنذار الكفار وتخويفهم وحملهم على الارعواء. وكثير مما جاء فيها قد ورد في آيات أخر في سور سبق تفسيرها. ومع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي الموصوف فيها صورة القضاء والمحاسبة والشهود هي من مألوفات الدنيا. وقد يكون من حكمة ذلك قصد التقريب والتمثيل على ما نبهنا عليه في المناسبات العديدة المماثلة.
ولقد روى الطبري عن مجاهد في سياق جملة :﴿ زدناهم عذابا فوق العذاب ﴾، أن الله تعالى يسلط عليهم حيات أمثال البخت، وعقارب أمثال البغال الدهم، ولم يرد هذا في أحاديث صحيحة. والأولى الوقوف عند مدى العبارة القرآنية، وهو أن الصادين عن سبيل الله سيكون عذابهم زائدا على غيرهم.
تعليق على جملة :﴿ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ﴾
وقد يرد أن ما نزل من القرآن بعد هذه السورة شيء كثير، وفيه كثير من التشريعات والتلقينات والمبادئ والأحداث، فكيف يصح أن تذكر الفقرة الأخيرة أن في الكتاب الذي قد يعني ما نزل منه إلى هذه السورة تبيانا لكل شيء. وليس في هذا الوارد شيء، ففي ما أنزل الله قبل هذه الآية من الأسس والمبادئ والتلقينات والمواعظ والبراهين على وجوب وجوده ووحدانيته واستحقاقه وحده للخضوع ما يصح أن يقال : إنه تبيان لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين. والكتاب كما يطلق على ما نزل من القرآن إلى هذه الآية يطلق على مجموعه. والله عليم بما سوف ينزل بعدها، وليس في علم الله سابق ولاحق حتى يصح ذلك الوارد.
هذا، ونقول في نفس الجملة : إن الذي يقرأ القرآن بتدبر وإمعان، وتكون عنده رغبة صادقة في الحق، ولا يكون مبيتا للمكابرة والعناد، ومتمحلا بتمحلات سطحية وشكلية وثانوية إزاء بعض التعبيرات والصور القرآنية المتشابهة مما قد لا يدرك حكمتها العقول العادية، يظهر على صدق التقرير الذي احتوته، حيث يجد فيه حقا كل هدى ورحمة وبشرى وتبيان. ويرى في ذلك أعظم نعمة أنعمها الله على بني آدم، ويرى من تمام هذه النعمة أن حفظه الله كما بلغه رسوله، ﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴾ [ فصلت : ٤٢ ] ؛ ليظل دائما المورد الصافي الذي يجد فيه كل الناس في كل زمان الشفاء والهدى والرحمة والبشرى والبيان الواضح، وكل ما فيه صلاح ونجاة وسعادة البشر في الدنيا والآخرة من أسس ومبادئ وتشريعات وتلقينات وأحكام، وكل ما فيه حل لكل مشاكل الإنسان الروحية والاجتماعية والاقتصادية في كل مكان وكل زمان وظرف. ولقد انطوى في الجملة في الوقت نفسه دعوة لكل الناس في كل زمان ومكان للنظر فيه ؛ ليجدوا ذلك. ولقد أوّل جمهور المفسرين ١ جملة :﴿ تبيانا لكل شيء ﴾، بمعنى : بيان ما الناس في حاجة إليه من طرق الهدى والضلال والخير والشر والحلال والحرام والحق والباطل والحدود والأحكام. وفي هذا من الوجاهة ما يتسق مع أهداف القرآن، وما لا يتعارض مع ما ذكرناه آنفا. وعلى كل حال فمن الواجب أن تبقى الجملة في هذا النطاق، مع عدم فصلها عما سبقها ولحق بها، وعدم الخروج بها إلى قصد تبيان نظريات الكون ونواميسه وموجوداته وأحداثه مما يحاوله بعض المسلمين استنباطا من إشارات القرآن الوعظية والتمثيلية والتذكيرية ؛ لأن في هذا كثيرا من التمحل، كما فيه إخراج للقرآن عن قدسيته وأهدافه السامية.
في الآيات حكاية لما سوف يكون من أمر الكفار يوم القيامة :
ففي ذلك اليوم تقف كل أمة موقف القضاء والمحاسبة، ويؤتى بنبيها شهيدا على ذلك، ولن يؤذن لها بالجدل ولن يقبل منها أعذار. ولسوف يصيرون إلى عذاب شديد ليس إلى تخفيفه عنهم أو تأجيله سبيل. وحينما يرون شركاءهم يهتفون قائلين : ربنا هؤلاء هم الشركاء الذين ضللنا بسببهم، فيكذبهم الشركاء ويجحدونهم، فيقعون حينئذ في الخيبة ويفقدون كل أمل أملوه، ولا يجدون مناصا من الاستسلام والاعتراف بذنوبهم. ولسوف يكون عذاب الذين لا يكتفون بالكفر، بل يحملون غيرهم عليه مضاعفا وزائدا على عذاب عامة الناس ؛ بسبب ما كان منهم من فساد وصدّ عن سبيل الله، وحينما يأتي بشهداء كل أمة يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم شهيدا على أمته أيضا.
وقد انتهت الآيات بالفقرة الأخيرة لبيان مهمة النبي : فالله قد أنزل عليه الكتاب ليكون فيه البيان الشافي لكل أمر، والتوضيح الكافي لكل حد حتى لا يبقى حجة لأحد ولا معذرة ؛ وليكون فيه الهدى والرحمة والبشرى للمسلمين.
والآيات معقبة على سابقاتها والاتصال بالسياق قائم. وقد استهدفت فيما استهدفته إنذار الكفار وتخويفهم وحملهم على الارعواء. وكثير مما جاء فيها قد ورد في آيات أخر في سور سبق تفسيرها. ومع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي الموصوف فيها صورة القضاء والمحاسبة والشهود هي من مألوفات الدنيا. وقد يكون من حكمة ذلك قصد التقريب والتمثيل على ما نبهنا عليه في المناسبات العديدة المماثلة.
ولقد روى الطبري عن مجاهد في سياق جملة :﴿ زدناهم عذابا فوق العذاب ﴾، أن الله تعالى يسلط عليهم حيات أمثال البخت، وعقارب أمثال البغال الدهم، ولم يرد هذا في أحاديث صحيحة. والأولى الوقوف عند مدى العبارة القرآنية، وهو أن الصادين عن سبيل الله سيكون عذابهم زائدا على غيرهم.
تعليق على جملة :﴿ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ﴾
وقد يرد أن ما نزل من القرآن بعد هذه السورة شيء كثير، وفيه كثير من التشريعات والتلقينات والمبادئ والأحداث، فكيف يصح أن تذكر الفقرة الأخيرة أن في الكتاب الذي قد يعني ما نزل منه إلى هذه السورة تبيانا لكل شيء. وليس في هذا الوارد شيء، ففي ما أنزل الله قبل هذه الآية من الأسس والمبادئ والتلقينات والمواعظ والبراهين على وجوب وجوده ووحدانيته واستحقاقه وحده للخضوع ما يصح أن يقال : إنه تبيان لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين. والكتاب كما يطلق على ما نزل من القرآن إلى هذه الآية يطلق على مجموعه. والله عليم بما سوف ينزل بعدها، وليس في علم الله سابق ولاحق حتى يصح ذلك الوارد.
هذا، ونقول في نفس الجملة : إن الذي يقرأ القرآن بتدبر وإمعان، وتكون عنده رغبة صادقة في الحق، ولا يكون مبيتا للمكابرة والعناد، ومتمحلا بتمحلات سطحية وشكلية وثانوية إزاء بعض التعبيرات والصور القرآنية المتشابهة مما قد لا يدرك حكمتها العقول العادية، يظهر على صدق التقرير الذي احتوته، حيث يجد فيه حقا كل هدى ورحمة وبشرى وتبيان. ويرى في ذلك أعظم نعمة أنعمها الله على بني آدم، ويرى من تمام هذه النعمة أن حفظه الله كما بلغه رسوله، ﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴾ [ فصلت : ٤٢ ] ؛ ليظل دائما المورد الصافي الذي يجد فيه كل الناس في كل زمان الشفاء والهدى والرحمة والبشرى والبيان الواضح، وكل ما فيه صلاح ونجاة وسعادة البشر في الدنيا والآخرة من أسس ومبادئ وتشريعات وتلقينات وأحكام، وكل ما فيه حل لكل مشاكل الإنسان الروحية والاجتماعية والاقتصادية في كل مكان وكل زمان وظرف. ولقد انطوى في الجملة في الوقت نفسه دعوة لكل الناس في كل زمان ومكان للنظر فيه ؛ ليجدوا ذلك. ولقد أوّل جمهور المفسرين ١ جملة :﴿ تبيانا لكل شيء ﴾، بمعنى : بيان ما الناس في حاجة إليه من طرق الهدى والضلال والخير والشر والحلال والحرام والحق والباطل والحدود والأحكام. وفي هذا من الوجاهة ما يتسق مع أهداف القرآن، وما لا يتعارض مع ما ذكرناه آنفا. وعلى كل حال فمن الواجب أن تبقى الجملة في هذا النطاق، مع عدم فصلها عما سبقها ولحق بها، وعدم الخروج بها إلى قصد تبيان نظريات الكون ونواميسه وموجوداته وأحداثه مما يحاوله بعض المسلمين استنباطا من إشارات القرآن الوعظية والتمثيلية والتذكيرية ؛ لأن في هذا كثيرا من التمحل، كما فيه إخراج للقرآن عن قدسيته وأهدافه السامية.
في الآيات حكاية لما سوف يكون من أمر الكفار يوم القيامة :
ففي ذلك اليوم تقف كل أمة موقف القضاء والمحاسبة، ويؤتى بنبيها شهيدا على ذلك، ولن يؤذن لها بالجدل ولن يقبل منها أعذار. ولسوف يصيرون إلى عذاب شديد ليس إلى تخفيفه عنهم أو تأجيله سبيل. وحينما يرون شركاءهم يهتفون قائلين : ربنا هؤلاء هم الشركاء الذين ضللنا بسببهم، فيكذبهم الشركاء ويجحدونهم، فيقعون حينئذ في الخيبة ويفقدون كل أمل أملوه، ولا يجدون مناصا من الاستسلام والاعتراف بذنوبهم. ولسوف يكون عذاب الذين لا يكتفون بالكفر، بل يحملون غيرهم عليه مضاعفا وزائدا على عذاب عامة الناس ؛ بسبب ما كان منهم من فساد وصدّ عن سبيل الله، وحينما يأتي بشهداء كل أمة يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم شهيدا على أمته أيضا.
وقد انتهت الآيات بالفقرة الأخيرة لبيان مهمة النبي : فالله قد أنزل عليه الكتاب ليكون فيه البيان الشافي لكل أمر، والتوضيح الكافي لكل حد حتى لا يبقى حجة لأحد ولا معذرة ؛ وليكون فيه الهدى والرحمة والبشرى للمسلمين.
والآيات معقبة على سابقاتها والاتصال بالسياق قائم. وقد استهدفت فيما استهدفته إنذار الكفار وتخويفهم وحملهم على الارعواء. وكثير مما جاء فيها قد ورد في آيات أخر في سور سبق تفسيرها. ومع واجب الإيمان بالمشهد الأخروي الموصوف فيها صورة القضاء والمحاسبة والشهود هي من مألوفات الدنيا. وقد يكون من حكمة ذلك قصد التقريب والتمثيل على ما نبهنا عليه في المناسبات العديدة المماثلة.
ولقد روى الطبري عن مجاهد في سياق جملة :﴿ زدناهم عذابا فوق العذاب ﴾، أن الله تعالى يسلط عليهم حيات أمثال البخت، وعقارب أمثال البغال الدهم، ولم يرد هذا في أحاديث صحيحة. والأولى الوقوف عند مدى العبارة القرآنية، وهو أن الصادين عن سبيل الله سيكون عذابهم زائدا على غيرهم.
تعليق على جملة :﴿ ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ﴾
وقد يرد أن ما نزل من القرآن بعد هذه السورة شيء كثير، وفيه كثير من التشريعات والتلقينات والمبادئ والأحداث، فكيف يصح أن تذكر الفقرة الأخيرة أن في الكتاب الذي قد يعني ما نزل منه إلى هذه السورة تبيانا لكل شيء. وليس في هذا الوارد شيء، ففي ما أنزل الله قبل هذه الآية من الأسس والمبادئ والتلقينات والمواعظ والبراهين على وجوب وجوده ووحدانيته واستحقاقه وحده للخضوع ما يصح أن يقال : إنه تبيان لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين. والكتاب كما يطلق على ما نزل من القرآن إلى هذه الآية يطلق على مجموعه. والله عليم بما سوف ينزل بعدها، وليس في علم الله سابق ولاحق حتى يصح ذلك الوارد.
هذا، ونقول في نفس الجملة : إن الذي يقرأ القرآن بتدبر وإمعان، وتكون عنده رغبة صادقة في الحق، ولا يكون مبيتا للمكابرة والعناد، ومتمحلا بتمحلات سطحية وشكلية وثانوية إزاء بعض التعبيرات والصور القرآنية المتشابهة مما قد لا يدرك حكمتها العقول العادية، يظهر على صدق التقرير الذي احتوته، حيث يجد فيه حقا كل هدى ورحمة وبشرى وتبيان. ويرى في ذلك أعظم نعمة أنعمها الله على بني آدم، ويرى من تمام هذه النعمة أن حفظه الله كما بلغه رسوله، ﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴾ [ فصلت : ٤٢ ] ؛ ليظل دائما المورد الصافي الذي يجد فيه كل الناس في كل زمان الشفاء والهدى والرحمة والبشرى والبيان الواضح، وكل ما فيه صلاح ونجاة وسعادة البشر في الدنيا والآخرة من أسس ومبادئ وتشريعات وتلقينات وأحكام، وكل ما فيه حل لكل مشاكل الإنسان الروحية والاجتماعية والاقتصادية في كل مكان وكل زمان وظرف. ولقد انطوى في الجملة في الوقت نفسه دعوة لكل الناس في كل زمان ومكان للنظر فيه ؛ ليجدوا ذلك. ولقد أوّل جمهور المفسرين ١ جملة :﴿ تبيانا لكل شيء ﴾، بمعنى : بيان ما الناس في حاجة إليه من طرق الهدى والضلال والخير والشر والحلال والحرام والحق والباطل والحدود والأحكام. وفي هذا من الوجاهة ما يتسق مع أهداف القرآن، وما لا يتعارض مع ما ذكرناه آنفا. وعلى كل حال فمن الواجب أن تبقى الجملة في هذا النطاق، مع عدم فصلها عما سبقها ولحق بها، وعدم الخروج بها إلى قصد تبيان نظريات الكون ونواميسه وموجوداته وأحداثه مما يحاوله بعض المسلمين استنباطا من إشارات القرآن الوعظية والتمثيلية والتذكيرية ؛ لأن في هذا كثيرا من التمحل، كما فيه إخراج للقرآن عن قدسيته وأهدافه السامية.
تعليق على الآية
﴿ *إن الله يأمر بالعدل والإحسان... ﴾
تضمنت الآية تقريرا بأن الله يأمر بالعدل والإنصاف والمساواة، ويأمر بما هو فوق ذلك أيضا، وهو الإحسان، وإيتاء ذي القربى. وينهى عن كل ما فيه فحش ومنكر من قول وعمل، وعن كل ما فيه بغي على الناس وعدوان وظلم وجور. وانتهت بتوجيه الخطاب إلى السامعين القريبين، بأن الله يعظهم بذلك لعلهم يتذكرون، ويعلمون ما يجب عليهم ويعملون به.
ولم يرو المفسرون مناسبة للآية. ويتبادر لنا أنها جاءت معقبة على الآية السابقة لها ؛ لتحتوي فصلا من فصول الكتاب، التي ذكرت هذه الآية أن فيه تبيانا لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين.
والآية من جوامع الكلم القرآنية الرائعة، فيما يجب أن يفعله المؤمن وينتهي عنه، تجاه مجتمعه، أفرادا كانوا أو هيئات، وتجاه أقاربه.
فالمتبادر أن العدل في الآية في مقامه، وبخاصة والآية مكية، لم يقصد به العدل في القضاء، أو لم يقصد به ذلك وحسب، بل قصد به العدل المطلق الذي يتناول معاني الإنصاف وعدم الإجحاف وعدم تجاوز الحق قولا وفعلا في كل موقف ومناسبة. ومن هذا الباب جملة :﴿ وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ] من سورة الأنعام، على ما نبهنا عليه في مناسبتها. وقد تكرر هذا المعنى في آية رائعة من سورة المائدة وهي :﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون٧ ﴾، حيث يكون هذا من المبادئ المحكمة التي يجب على المسلم أن يلتزم بها في كل حال. وهناك آيات في صدد العدل في القضاء، وقد تركنا التعليق عليها إلى مناسباتها.
وتعبير الإحسان في الآية، جدير بالتنويه بنوع خاص، حيث ينطوي فيه إيجاب معاملة المسلم للناس معاملة قائمة على التسامح والتحاسن، وعدم الوقوف عند حد الواجب من الحق والعدل، على اعتبار أن هذا الواجب واجب لا فضل له في أدائه، وإنما الفضل والمكرمة فيما يفعله فوق ذلك. وقد روى الطبري أن ابن مسعود كان يقول عنها : إنها أجمع آية في القرآن لخير أو لشر. وعن قتادة أنه قال : ليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى عنه وتقدم فيه، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها. وقد أورد ابن كثير في سياقها، بعد إيراد ما رواه الطبري، حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( إن الله يحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها ) وأورد قصة تذكر أن أكثم بن صيفي، حكيم العرب المشهور في الجاهلية، أرسل رسولين ليأتياه بنبأ النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث، فسألاه عن أمره، فأخبرهما باسمه ونسبه، ثم تلا عليهما هذه الآية، فردداها حتى حفظاها، ورجعا فأخبرا أكثم، وتلوا عليه الآية فقال : إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها. فكونوا في هذا الأمر رؤوسا، ولا تكونوا فيه أذنابا.
و﴿ الإحسان ﴾، بخاصة يمكن أن يدخل في أي مجال، ويبدو في أي عمل.
فعبادة الله تعالى على أوفى ما يكون من هدوء وطمأنينة واستغراق، والتصدق بأكثر ما يمكن ويجب، والتعفف عن استيفاء المباحات من اللذائذ والشهوات، والتجمل بالصبر عند الشدائد. والعناية بتطييب نفس الفقير والمحتاج عند مساعدتهما، والتعالي عن مقابلة السباب والمهاترات والخصومة الشديدة، والتسامح في معاملة الناس والصبر عليهم، والإغضاء عن تقصيرهم وعدم الإلحاح في مقاضاة ما يكون عليهم من حقوق، وإتقان العامل عمله تلقائيا، واهتمام المرء الشديد للقيام بواجبه، وحفظ مواعيده ووعوده وعهوده، وبعده عن مواقف التهم الخ الخ... ما يمكن أن يكون من آثار ومظاهر هذا الأمر الرباني العظيم، وهناك حديث ذو دلالة عظمى في هذا الباب، رواه الخمسة، عن شداد بن أوس قال :( شيئان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ؛ وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته )١.
هذا، ولم يترك مفسرو الشيعة ورواتهم هذه الآية، حيث روى الطبرسي، عن أبي جعفر : أن المراد بذي القربى فيها : قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله ( هم نحن ). وقد فندنا صرف هذه الكلمة في الآيات المكية بخاصة إلى أقارب النبي صلى الله عليه وسلم، في سياق تفسير سورة الإسراء، فلا نرى ضرورة للإعادة.
شرح الآية :
﴿ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم... ﴾
والآيات السبع التالية وما فيها من تلقينات
الخطاب في الآيات لمخاطبين سامعين، وفي بعضها ما يدل على أن المقصودين هم المسلمون، وقد تضمنت الأوامر والتنبيهات التالية :
١- يجب عليهم الوفاء بما عاهدوا الله عليه، وأقسموا الأيمان باسمه على الوفاء، لاسيما أنهم بأيمانهم قد جعلوا الله عليهم كفيلا.
٢- وعليهم أن يذكروا دائما أن الله رقيب عليهم، يعلم جميع ما يقولونه ويفعلونه.
ولقد روى الطبري في صدد الآية [ ٩١ ] روايتين، أولاهما : أنها نزلت في الحلف الذي كان مشركو قريش تحالفوا عليه في الجاهلية، فأمرهم الله عز وجل أن يوفوا به في الإسلام١. وثانيتهما : أنها نزلت في جماعة بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام في مكة، مهيبة بهم إلى عدم التراجع والنقض بحجة ضعف النبي وأصحابه وكثرة المشركين.
وروى الطبرسي في سياق الآيات [ ٩٥-٩٧ ]، عن ابن عباس : " أن رجلا من حضر موت، اسمه عبدان شكى للنبي صلى الله عليه وسلم شخصا اسمه امرؤ القيس بأنه أخذ أرضا له، فلما فاتح النبي صلى الله عليه وسلم هذا، أنكر فطلب منه أن يحلف، فقال عبدان : إنه فاجر لا يبالي أن يحلف، فقال : إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه، فلما قام ليحلف أنظره فانصرفا فنزلت :﴿ ولا تشتروا بعهد الله ﴾ إلى آخر الآيتين... فقرأهما رسول الله، فقال امرؤ القيس : أما ما عندي فينفد، وهو صادق فيما يقول، لقد اقتطعت أرضه ولم أدر كم هي، فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها، فنزل فيه. ﴿ من عمل صالحا ﴾ الآية.
ومقتضى رواية الطبرسي أن تكون الآيات الثلاث مدنية ؛ لأن الحادث لا يمكن أن يكون حدث إلا في العهد المدني. ولم نطلع على رواية تؤيد ذلك، فضلا عن أنه لا تفهم حكمة وضع آيات مدنية في سياق متصل يوافق كفار مكة. والآيات بعد معطوفة على ما قبلها، ومنسجمة معها سبكا وموضوعا، مما يسوغ التوقف في صحة الرواية. وكل ما يمكن أن تكون الآيات تليت في ظروف الحادث المروي، فالتبس الأمر على الرواة. وروح الآيات ونصها يسوغان استبعاد رواية الطبري الأولى.
والآيات التي تجيء بعد هذه الآيات بقليل تجعل احتمال صحة رواية الطبري الثانية قويا، على ما سوف نشرحه بعد.
على أننا ننبه أولا على أن الآية منسجمة مع سائر الآيات نظما وموضوعا بحيث يسوغ القول : إنها لم تنزل وحدها، وإنما نزلت الآيات جميعا معا. وثانيا على أنه يلمح شيء من الصلة الموضوعية بين هذه الآيات والآية السابقة من حيث إنها احتوت مثلها، تبيانا بما أمر الله تعالى به وما نهى عنه من أخلاق وأفعال. وقد تكون الآية السابقة نزلت هي الأخرى مع هذه الآيات لتوكيد القصد الذي تضمنته الرواية الثانية، بالإضافة إلى المقاصد الأخرى التي شاءت حكمة التنزيل أن تنطوي في الآيات.
ومع خصوصية الآيات الزمنية ودلالتها على خطورة الموقف الذي نزلت في شأنه، مما تضمنته الرواية الثانية التي رجحنا صحتها، ومما أيدته الآيات التي تأتي بعد قليل، فإنها فيما احتوته من أوامر وتنبيهات تعد من روائع المجموعات القرآنية في بابها، وتنطوي على تلقينات جليلة عامة ومستمرة المدى، على ما هو واضح من الشرح المتقدم.
وعبارة الآية [ ٩٦ ]، هي أسلوبية كما هو المتبادر بسبيل القول : إن ما يمكن أن يعود على ناقض عهد الله من عوض ومنفعة من الناس مهما عظم، يبقى قليلا بالنسبة لما عند الله، وليست بسبيل التحذير من بيع عهد الله بالثمن القليل. وهي على ضوء هذا التوضيح جليلة المدى في صدد حث المسلم على الثبات على العهد، الذي يكون عاهد الله عليه، حينما أمن به وحده، وصدق برسالة رسوله، وما قد يقتضيه ذلك من التضحية بأي نفع دنيوي ؛ لأن الباقي هو ما عند الله، وأن ما عند الناس مهما عظم فهو إلى زوال.
والآية الأخيرة من الآيات جديرة كذلك بالتنويه بصورة خاصة، حيث تضمنت أولا : وعد الله عز وجل بالحياة السعيدة والأجر العظيم لمن آمن وعمل صالحا من ذكر أو أنثى، وثانيا : نصا صريحا باعتبار المرأة والرجل سواء في التكاليف، ونتائجها في الدنيا والآخرة أيضا، مما احتوت آيات عديدة سابقة، إشارة إليه على ما نبهنا عليه سابقا، ومما احتوت آيات كثيرة آتية أحكاما كثيرة فيه، على ما سوف نشرحه بعد، بحيث يصح أن يقال بجزم : إن ذلك من المبادئ القرآنية المحكمة.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها الطبري وغيره عن أهل التأويل في مدى ( الحياة الطيبة )، منها أنها السعادة والقناعة واللبس الحلال والأكل الحلال في الدنيا، ومنها أنها حياة الجنة الأخروية. ويتبادر لنا من الآية وشطرها الثاني، أن المقصود من العبارة، وهي الحياة الطيبة في الدنيا، التي يمكن أن تكون السعادة والطمأنينة والرزق الحلال.
٢ دخلا : بمعنى دغلا أو خديعة أو مكرا.
٣ أربى : أكثر أو أقوى.
٣- وعليهم أن لا يكونوا كالحمقاء التي تغزل الغزل، حتى إذا قوي بالبرم، عادت فنكثته وجعلته فتائل، كما كان قبل الغزل.
٤- وعليهم أن لا يجعلوا أيمانهم وعهودهم وسيلة للتغرير والخداع وأن لا ينقضوها، كمن يفعل ذلك مداراة لقوم يظنون أنهم أكثر وأقوى من الذين حلفوا لهم وعاهدوهم.
٥- وليعلموا أن الله يختبر أخلاقهم وأعمالهم في ما يعرض لهم من أحداث، ثم يبين لهم يوم القيامة أعمالهم، ويوفيهم عليها بما يستحقون.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩١:{ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون ٩١ ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ١ تتخذون أيمانكم دخلا ٢ بينكم أن تكون أمة هي أربى ٣ من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ٩٢ ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسئلن عما كنتم تعملون ٩٣ ولاتتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ٩٤ ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ٩٥ ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ٩٦ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ٩٧ [ ٩١-٩٧ ].
شرح الآية :
﴿ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم... ﴾
والآيات السبع التالية وما فيها من تلقينات
الخطاب في الآيات لمخاطبين سامعين، وفي بعضها ما يدل على أن المقصودين هم المسلمون، وقد تضمنت الأوامر والتنبيهات التالية :
١- يجب عليهم الوفاء بما عاهدوا الله عليه، وأقسموا الأيمان باسمه على الوفاء، لاسيما أنهم بأيمانهم قد جعلوا الله عليهم كفيلا.
٢- وعليهم أن يذكروا دائما أن الله رقيب عليهم، يعلم جميع ما يقولونه ويفعلونه.
ولقد روى الطبري في صدد الآية [ ٩١ ] روايتين، أولاهما : أنها نزلت في الحلف الذي كان مشركو قريش تحالفوا عليه في الجاهلية، فأمرهم الله عز وجل أن يوفوا به في الإسلام١. وثانيتهما : أنها نزلت في جماعة بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام في مكة، مهيبة بهم إلى عدم التراجع والنقض بحجة ضعف النبي وأصحابه وكثرة المشركين.
وروى الطبرسي في سياق الآيات [ ٩٥-٩٧ ]، عن ابن عباس :" أن رجلا من حضر موت، اسمه عبدان شكى للنبي صلى الله عليه وسلم شخصا اسمه امرؤ القيس بأنه أخذ أرضا له، فلما فاتح النبي صلى الله عليه وسلم هذا، أنكر فطلب منه أن يحلف، فقال عبدان : إنه فاجر لا يبالي أن يحلف، فقال : إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه، فلما قام ليحلف أنظره فانصرفا فنزلت :﴿ ولا تشتروا بعهد الله ﴾ إلى آخر الآيتين... فقرأهما رسول الله، فقال امرؤ القيس : أما ما عندي فينفد، وهو صادق فيما يقول، لقد اقتطعت أرضه ولم أدر كم هي، فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها، فنزل فيه. ﴿ من عمل صالحا ﴾ الآية.
ومقتضى رواية الطبرسي أن تكون الآيات الثلاث مدنية ؛ لأن الحادث لا يمكن أن يكون حدث إلا في العهد المدني. ولم نطلع على رواية تؤيد ذلك، فضلا عن أنه لا تفهم حكمة وضع آيات مدنية في سياق متصل يوافق كفار مكة. والآيات بعد معطوفة على ما قبلها، ومنسجمة معها سبكا وموضوعا، مما يسوغ التوقف في صحة الرواية. وكل ما يمكن أن تكون الآيات تليت في ظروف الحادث المروي، فالتبس الأمر على الرواة. وروح الآيات ونصها يسوغان استبعاد رواية الطبري الأولى.
والآيات التي تجيء بعد هذه الآيات بقليل تجعل احتمال صحة رواية الطبري الثانية قويا، على ما سوف نشرحه بعد.
على أننا ننبه أولا على أن الآية منسجمة مع سائر الآيات نظما وموضوعا بحيث يسوغ القول : إنها لم تنزل وحدها، وإنما نزلت الآيات جميعا معا. وثانيا على أنه يلمح شيء من الصلة الموضوعية بين هذه الآيات والآية السابقة من حيث إنها احتوت مثلها، تبيانا بما أمر الله تعالى به وما نهى عنه من أخلاق وأفعال. وقد تكون الآية السابقة نزلت هي الأخرى مع هذه الآيات لتوكيد القصد الذي تضمنته الرواية الثانية، بالإضافة إلى المقاصد الأخرى التي شاءت حكمة التنزيل أن تنطوي في الآيات.
ومع خصوصية الآيات الزمنية ودلالتها على خطورة الموقف الذي نزلت في شأنه، مما تضمنته الرواية الثانية التي رجحنا صحتها، ومما أيدته الآيات التي تأتي بعد قليل، فإنها فيما احتوته من أوامر وتنبيهات تعد من روائع المجموعات القرآنية في بابها، وتنطوي على تلقينات جليلة عامة ومستمرة المدى، على ما هو واضح من الشرح المتقدم.
وعبارة الآية [ ٩٦ ]، هي أسلوبية كما هو المتبادر بسبيل القول : إن ما يمكن أن يعود على ناقض عهد الله من عوض ومنفعة من الناس مهما عظم، يبقى قليلا بالنسبة لما عند الله، وليست بسبيل التحذير من بيع عهد الله بالثمن القليل. وهي على ضوء هذا التوضيح جليلة المدى في صدد حث المسلم على الثبات على العهد، الذي يكون عاهد الله عليه، حينما أمن به وحده، وصدق برسالة رسوله، وما قد يقتضيه ذلك من التضحية بأي نفع دنيوي ؛ لأن الباقي هو ما عند الله، وأن ما عند الناس مهما عظم فهو إلى زوال.
والآية الأخيرة من الآيات جديرة كذلك بالتنويه بصورة خاصة، حيث تضمنت أولا : وعد الله عز وجل بالحياة السعيدة والأجر العظيم لمن آمن وعمل صالحا من ذكر أو أنثى، وثانيا : نصا صريحا باعتبار المرأة والرجل سواء في التكاليف، ونتائجها في الدنيا والآخرة أيضا، مما احتوت آيات عديدة سابقة، إشارة إليه على ما نبهنا عليه سابقا، ومما احتوت آيات كثيرة آتية أحكاما كثيرة فيه، على ما سوف نشرحه بعد، بحيث يصح أن يقال بجزم : إن ذلك من المبادئ القرآنية المحكمة.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها الطبري وغيره عن أهل التأويل في مدى ( الحياة الطيبة )، منها أنها السعادة والقناعة واللبس الحلال والأكل الحلال في الدنيا، ومنها أنها حياة الجنة الأخروية. ويتبادر لنا من الآية وشطرها الثاني، أن المقصود من العبارة، وهي الحياة الطيبة في الدنيا، التي يمكن أن تكون السعادة والطمأنينة والرزق الحلال.
شرح الآية :
﴿ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم... ﴾
والآيات السبع التالية وما فيها من تلقينات
الخطاب في الآيات لمخاطبين سامعين، وفي بعضها ما يدل على أن المقصودين هم المسلمون، وقد تضمنت الأوامر والتنبيهات التالية :
١- يجب عليهم الوفاء بما عاهدوا الله عليه، وأقسموا الأيمان باسمه على الوفاء، لاسيما أنهم بأيمانهم قد جعلوا الله عليهم كفيلا.
٢- وعليهم أن يذكروا دائما أن الله رقيب عليهم، يعلم جميع ما يقولونه ويفعلونه.
ولقد روى الطبري في صدد الآية [ ٩١ ] روايتين، أولاهما : أنها نزلت في الحلف الذي كان مشركو قريش تحالفوا عليه في الجاهلية، فأمرهم الله عز وجل أن يوفوا به في الإسلام١. وثانيتهما : أنها نزلت في جماعة بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام في مكة، مهيبة بهم إلى عدم التراجع والنقض بحجة ضعف النبي وأصحابه وكثرة المشركين.
وروى الطبرسي في سياق الآيات [ ٩٥-٩٧ ]، عن ابن عباس :" أن رجلا من حضر موت، اسمه عبدان شكى للنبي صلى الله عليه وسلم شخصا اسمه امرؤ القيس بأنه أخذ أرضا له، فلما فاتح النبي صلى الله عليه وسلم هذا، أنكر فطلب منه أن يحلف، فقال عبدان : إنه فاجر لا يبالي أن يحلف، فقال : إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه، فلما قام ليحلف أنظره فانصرفا فنزلت :﴿ ولا تشتروا بعهد الله ﴾ إلى آخر الآيتين... فقرأهما رسول الله، فقال امرؤ القيس : أما ما عندي فينفد، وهو صادق فيما يقول، لقد اقتطعت أرضه ولم أدر كم هي، فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها، فنزل فيه. ﴿ من عمل صالحا ﴾ الآية.
ومقتضى رواية الطبرسي أن تكون الآيات الثلاث مدنية ؛ لأن الحادث لا يمكن أن يكون حدث إلا في العهد المدني. ولم نطلع على رواية تؤيد ذلك، فضلا عن أنه لا تفهم حكمة وضع آيات مدنية في سياق متصل يوافق كفار مكة. والآيات بعد معطوفة على ما قبلها، ومنسجمة معها سبكا وموضوعا، مما يسوغ التوقف في صحة الرواية. وكل ما يمكن أن تكون الآيات تليت في ظروف الحادث المروي، فالتبس الأمر على الرواة. وروح الآيات ونصها يسوغان استبعاد رواية الطبري الأولى.
والآيات التي تجيء بعد هذه الآيات بقليل تجعل احتمال صحة رواية الطبري الثانية قويا، على ما سوف نشرحه بعد.
على أننا ننبه أولا على أن الآية منسجمة مع سائر الآيات نظما وموضوعا بحيث يسوغ القول : إنها لم تنزل وحدها، وإنما نزلت الآيات جميعا معا. وثانيا على أنه يلمح شيء من الصلة الموضوعية بين هذه الآيات والآية السابقة من حيث إنها احتوت مثلها، تبيانا بما أمر الله تعالى به وما نهى عنه من أخلاق وأفعال. وقد تكون الآية السابقة نزلت هي الأخرى مع هذه الآيات لتوكيد القصد الذي تضمنته الرواية الثانية، بالإضافة إلى المقاصد الأخرى التي شاءت حكمة التنزيل أن تنطوي في الآيات.
ومع خصوصية الآيات الزمنية ودلالتها على خطورة الموقف الذي نزلت في شأنه، مما تضمنته الرواية الثانية التي رجحنا صحتها، ومما أيدته الآيات التي تأتي بعد قليل، فإنها فيما احتوته من أوامر وتنبيهات تعد من روائع المجموعات القرآنية في بابها، وتنطوي على تلقينات جليلة عامة ومستمرة المدى، على ما هو واضح من الشرح المتقدم.
وعبارة الآية [ ٩٦ ]، هي أسلوبية كما هو المتبادر بسبيل القول : إن ما يمكن أن يعود على ناقض عهد الله من عوض ومنفعة من الناس مهما عظم، يبقى قليلا بالنسبة لما عند الله، وليست بسبيل التحذير من بيع عهد الله بالثمن القليل. وهي على ضوء هذا التوضيح جليلة المدى في صدد حث المسلم على الثبات على العهد، الذي يكون عاهد الله عليه، حينما أمن به وحده، وصدق برسالة رسوله، وما قد يقتضيه ذلك من التضحية بأي نفع دنيوي ؛ لأن الباقي هو ما عند الله، وأن ما عند الناس مهما عظم فهو إلى زوال.
والآية الأخيرة من الآيات جديرة كذلك بالتنويه بصورة خاصة، حيث تضمنت أولا : وعد الله عز وجل بالحياة السعيدة والأجر العظيم لمن آمن وعمل صالحا من ذكر أو أنثى، وثانيا : نصا صريحا باعتبار المرأة والرجل سواء في التكاليف، ونتائجها في الدنيا والآخرة أيضا، مما احتوت آيات عديدة سابقة، إشارة إليه على ما نبهنا عليه سابقا، ومما احتوت آيات كثيرة آتية أحكاما كثيرة فيه، على ما سوف نشرحه بعد، بحيث يصح أن يقال بجزم : إن ذلك من المبادئ القرآنية المحكمة.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها الطبري وغيره عن أهل التأويل في مدى ( الحياة الطيبة )، منها أنها السعادة والقناعة واللبس الحلال والأكل الحلال في الدنيا، ومنها أنها حياة الجنة الأخروية. ويتبادر لنا من الآية وشطرها الثاني، أن المقصود من العبارة، وهي الحياة الطيبة في الدنيا، التي يمكن أن تكون السعادة والطمأنينة والرزق الحلال.
٥- وليعلموا كذلك أن الله لو شاء لجعل الناس على وتيرة واحدة، ولكن حكمته اقتضت أن يتركهم لقابلية الاختيار التي أودعها فيهم، فيهدي بها من أراد الهدى ويضل بها من أراد الضلال. ولذلك فهو لا بد أن يسألهم يوم القيامة عما كانوا يفعلون ويختلفون فيه، ويحاسبهم عليه.
شرح الآية :
﴿ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم... ﴾
والآيات السبع التالية وما فيها من تلقينات
الخطاب في الآيات لمخاطبين سامعين، وفي بعضها ما يدل على أن المقصودين هم المسلمون، وقد تضمنت الأوامر والتنبيهات التالية :
١- يجب عليهم الوفاء بما عاهدوا الله عليه، وأقسموا الأيمان باسمه على الوفاء، لاسيما أنهم بأيمانهم قد جعلوا الله عليهم كفيلا.
٢- وعليهم أن يذكروا دائما أن الله رقيب عليهم، يعلم جميع ما يقولونه ويفعلونه.
ولقد روى الطبري في صدد الآية [ ٩١ ] روايتين، أولاهما : أنها نزلت في الحلف الذي كان مشركو قريش تحالفوا عليه في الجاهلية، فأمرهم الله عز وجل أن يوفوا به في الإسلام١. وثانيتهما : أنها نزلت في جماعة بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام في مكة، مهيبة بهم إلى عدم التراجع والنقض بحجة ضعف النبي وأصحابه وكثرة المشركين.
وروى الطبرسي في سياق الآيات [ ٩٥-٩٧ ]، عن ابن عباس :" أن رجلا من حضر موت، اسمه عبدان شكى للنبي صلى الله عليه وسلم شخصا اسمه امرؤ القيس بأنه أخذ أرضا له، فلما فاتح النبي صلى الله عليه وسلم هذا، أنكر فطلب منه أن يحلف، فقال عبدان : إنه فاجر لا يبالي أن يحلف، فقال : إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه، فلما قام ليحلف أنظره فانصرفا فنزلت :﴿ ولا تشتروا بعهد الله ﴾ إلى آخر الآيتين... فقرأهما رسول الله، فقال امرؤ القيس : أما ما عندي فينفد، وهو صادق فيما يقول، لقد اقتطعت أرضه ولم أدر كم هي، فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها، فنزل فيه. ﴿ من عمل صالحا ﴾ الآية.
ومقتضى رواية الطبرسي أن تكون الآيات الثلاث مدنية ؛ لأن الحادث لا يمكن أن يكون حدث إلا في العهد المدني. ولم نطلع على رواية تؤيد ذلك، فضلا عن أنه لا تفهم حكمة وضع آيات مدنية في سياق متصل يوافق كفار مكة. والآيات بعد معطوفة على ما قبلها، ومنسجمة معها سبكا وموضوعا، مما يسوغ التوقف في صحة الرواية. وكل ما يمكن أن تكون الآيات تليت في ظروف الحادث المروي، فالتبس الأمر على الرواة. وروح الآيات ونصها يسوغان استبعاد رواية الطبري الأولى.
والآيات التي تجيء بعد هذه الآيات بقليل تجعل احتمال صحة رواية الطبري الثانية قويا، على ما سوف نشرحه بعد.
على أننا ننبه أولا على أن الآية منسجمة مع سائر الآيات نظما وموضوعا بحيث يسوغ القول : إنها لم تنزل وحدها، وإنما نزلت الآيات جميعا معا. وثانيا على أنه يلمح شيء من الصلة الموضوعية بين هذه الآيات والآية السابقة من حيث إنها احتوت مثلها، تبيانا بما أمر الله تعالى به وما نهى عنه من أخلاق وأفعال. وقد تكون الآية السابقة نزلت هي الأخرى مع هذه الآيات لتوكيد القصد الذي تضمنته الرواية الثانية، بالإضافة إلى المقاصد الأخرى التي شاءت حكمة التنزيل أن تنطوي في الآيات.
ومع خصوصية الآيات الزمنية ودلالتها على خطورة الموقف الذي نزلت في شأنه، مما تضمنته الرواية الثانية التي رجحنا صحتها، ومما أيدته الآيات التي تأتي بعد قليل، فإنها فيما احتوته من أوامر وتنبيهات تعد من روائع المجموعات القرآنية في بابها، وتنطوي على تلقينات جليلة عامة ومستمرة المدى، على ما هو واضح من الشرح المتقدم.
وعبارة الآية [ ٩٦ ]، هي أسلوبية كما هو المتبادر بسبيل القول : إن ما يمكن أن يعود على ناقض عهد الله من عوض ومنفعة من الناس مهما عظم، يبقى قليلا بالنسبة لما عند الله، وليست بسبيل التحذير من بيع عهد الله بالثمن القليل. وهي على ضوء هذا التوضيح جليلة المدى في صدد حث المسلم على الثبات على العهد، الذي يكون عاهد الله عليه، حينما أمن به وحده، وصدق برسالة رسوله، وما قد يقتضيه ذلك من التضحية بأي نفع دنيوي ؛ لأن الباقي هو ما عند الله، وأن ما عند الناس مهما عظم فهو إلى زوال.
والآية الأخيرة من الآيات جديرة كذلك بالتنويه بصورة خاصة، حيث تضمنت أولا : وعد الله عز وجل بالحياة السعيدة والأجر العظيم لمن آمن وعمل صالحا من ذكر أو أنثى، وثانيا : نصا صريحا باعتبار المرأة والرجل سواء في التكاليف، ونتائجها في الدنيا والآخرة أيضا، مما احتوت آيات عديدة سابقة، إشارة إليه على ما نبهنا عليه سابقا، ومما احتوت آيات كثيرة آتية أحكاما كثيرة فيه، على ما سوف نشرحه بعد، بحيث يصح أن يقال بجزم : إن ذلك من المبادئ القرآنية المحكمة.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها الطبري وغيره عن أهل التأويل في مدى ( الحياة الطيبة )، منها أنها السعادة والقناعة واللبس الحلال والأكل الحلال في الدنيا، ومنها أنها حياة الجنة الأخروية. ويتبادر لنا من الآية وشطرها الثاني، أن المقصود من العبارة، وهي الحياة الطيبة في الدنيا، التي يمكن أن تكون السعادة والطمأنينة والرزق الحلال.
٦- وعليهم – للمرة الثانية – ألا يتخذوا أيمانهم وعهودهم وسيلة خداع وتضليل. ففي ذلك تورط وسقوط بعد الطمأنينة والوثوق، وفيه صد عن طريق الله حيث يجعل الناس لا يثقون في أيمان بعضهم لبعضهم باسم الله.
شرح الآية :
﴿ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم... ﴾
والآيات السبع التالية وما فيها من تلقينات
الخطاب في الآيات لمخاطبين سامعين، وفي بعضها ما يدل على أن المقصودين هم المسلمون، وقد تضمنت الأوامر والتنبيهات التالية :
١- يجب عليهم الوفاء بما عاهدوا الله عليه، وأقسموا الأيمان باسمه على الوفاء، لاسيما أنهم بأيمانهم قد جعلوا الله عليهم كفيلا.
٢- وعليهم أن يذكروا دائما أن الله رقيب عليهم، يعلم جميع ما يقولونه ويفعلونه.
ولقد روى الطبري في صدد الآية [ ٩١ ] روايتين، أولاهما : أنها نزلت في الحلف الذي كان مشركو قريش تحالفوا عليه في الجاهلية، فأمرهم الله عز وجل أن يوفوا به في الإسلام١. وثانيتهما : أنها نزلت في جماعة بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام في مكة، مهيبة بهم إلى عدم التراجع والنقض بحجة ضعف النبي وأصحابه وكثرة المشركين.
وروى الطبرسي في سياق الآيات [ ٩٥-٩٧ ]، عن ابن عباس :" أن رجلا من حضر موت، اسمه عبدان شكى للنبي صلى الله عليه وسلم شخصا اسمه امرؤ القيس بأنه أخذ أرضا له، فلما فاتح النبي صلى الله عليه وسلم هذا، أنكر فطلب منه أن يحلف، فقال عبدان : إنه فاجر لا يبالي أن يحلف، فقال : إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه، فلما قام ليحلف أنظره فانصرفا فنزلت :﴿ ولا تشتروا بعهد الله ﴾ إلى آخر الآيتين... فقرأهما رسول الله، فقال امرؤ القيس : أما ما عندي فينفد، وهو صادق فيما يقول، لقد اقتطعت أرضه ولم أدر كم هي، فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها، فنزل فيه. ﴿ من عمل صالحا ﴾ الآية.
ومقتضى رواية الطبرسي أن تكون الآيات الثلاث مدنية ؛ لأن الحادث لا يمكن أن يكون حدث إلا في العهد المدني. ولم نطلع على رواية تؤيد ذلك، فضلا عن أنه لا تفهم حكمة وضع آيات مدنية في سياق متصل يوافق كفار مكة. والآيات بعد معطوفة على ما قبلها، ومنسجمة معها سبكا وموضوعا، مما يسوغ التوقف في صحة الرواية. وكل ما يمكن أن تكون الآيات تليت في ظروف الحادث المروي، فالتبس الأمر على الرواة. وروح الآيات ونصها يسوغان استبعاد رواية الطبري الأولى.
والآيات التي تجيء بعد هذه الآيات بقليل تجعل احتمال صحة رواية الطبري الثانية قويا، على ما سوف نشرحه بعد.
على أننا ننبه أولا على أن الآية منسجمة مع سائر الآيات نظما وموضوعا بحيث يسوغ القول : إنها لم تنزل وحدها، وإنما نزلت الآيات جميعا معا. وثانيا على أنه يلمح شيء من الصلة الموضوعية بين هذه الآيات والآية السابقة من حيث إنها احتوت مثلها، تبيانا بما أمر الله تعالى به وما نهى عنه من أخلاق وأفعال. وقد تكون الآية السابقة نزلت هي الأخرى مع هذه الآيات لتوكيد القصد الذي تضمنته الرواية الثانية، بالإضافة إلى المقاصد الأخرى التي شاءت حكمة التنزيل أن تنطوي في الآيات.
ومع خصوصية الآيات الزمنية ودلالتها على خطورة الموقف الذي نزلت في شأنه، مما تضمنته الرواية الثانية التي رجحنا صحتها، ومما أيدته الآيات التي تأتي بعد قليل، فإنها فيما احتوته من أوامر وتنبيهات تعد من روائع المجموعات القرآنية في بابها، وتنطوي على تلقينات جليلة عامة ومستمرة المدى، على ما هو واضح من الشرح المتقدم.
وعبارة الآية [ ٩٦ ]، هي أسلوبية كما هو المتبادر بسبيل القول : إن ما يمكن أن يعود على ناقض عهد الله من عوض ومنفعة من الناس مهما عظم، يبقى قليلا بالنسبة لما عند الله، وليست بسبيل التحذير من بيع عهد الله بالثمن القليل. وهي على ضوء هذا التوضيح جليلة المدى في صدد حث المسلم على الثبات على العهد، الذي يكون عاهد الله عليه، حينما أمن به وحده، وصدق برسالة رسوله، وما قد يقتضيه ذلك من التضحية بأي نفع دنيوي ؛ لأن الباقي هو ما عند الله، وأن ما عند الناس مهما عظم فهو إلى زوال.
والآية الأخيرة من الآيات جديرة كذلك بالتنويه بصورة خاصة، حيث تضمنت أولا : وعد الله عز وجل بالحياة السعيدة والأجر العظيم لمن آمن وعمل صالحا من ذكر أو أنثى، وثانيا : نصا صريحا باعتبار المرأة والرجل سواء في التكاليف، ونتائجها في الدنيا والآخرة أيضا، مما احتوت آيات عديدة سابقة، إشارة إليه على ما نبهنا عليه سابقا، ومما احتوت آيات كثيرة آتية أحكاما كثيرة فيه، على ما سوف نشرحه بعد، بحيث يصح أن يقال بجزم : إن ذلك من المبادئ القرآنية المحكمة.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها الطبري وغيره عن أهل التأويل في مدى ( الحياة الطيبة )، منها أنها السعادة والقناعة واللبس الحلال والأكل الحلال في الدنيا، ومنها أنها حياة الجنة الأخروية. ويتبادر لنا من الآية وشطرها الثاني، أن المقصود من العبارة، وهي الحياة الطيبة في الدنيا، التي يمكن أن تكون السعادة والطمأنينة والرزق الحلال.
٧- وعليهم ألا تغريهم المنافع العاجلة فينقضوا عهودهم التي عاهدوا عليها باسم الله، فذلك خير لهم لو علموا ؛ لأن ما عند الناس ينفد مهما عظم، والباقي الدائم هو ما عند الله، ومن واجب الإنسان – وبخاصة المسلم –، أن يفضل الدائم الذي هو عند الله على الزائل الذي هو عند الناس.
شرح الآية :
﴿ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم... ﴾
والآيات السبع التالية وما فيها من تلقينات
الخطاب في الآيات لمخاطبين سامعين، وفي بعضها ما يدل على أن المقصودين هم المسلمون، وقد تضمنت الأوامر والتنبيهات التالية :
١- يجب عليهم الوفاء بما عاهدوا الله عليه، وأقسموا الأيمان باسمه على الوفاء، لاسيما أنهم بأيمانهم قد جعلوا الله عليهم كفيلا.
٢- وعليهم أن يذكروا دائما أن الله رقيب عليهم، يعلم جميع ما يقولونه ويفعلونه.
ولقد روى الطبري في صدد الآية [ ٩١ ] روايتين، أولاهما : أنها نزلت في الحلف الذي كان مشركو قريش تحالفوا عليه في الجاهلية، فأمرهم الله عز وجل أن يوفوا به في الإسلام١. وثانيتهما : أنها نزلت في جماعة بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام في مكة، مهيبة بهم إلى عدم التراجع والنقض بحجة ضعف النبي وأصحابه وكثرة المشركين.
وروى الطبرسي في سياق الآيات [ ٩٥-٩٧ ]، عن ابن عباس :" أن رجلا من حضر موت، اسمه عبدان شكى للنبي صلى الله عليه وسلم شخصا اسمه امرؤ القيس بأنه أخذ أرضا له، فلما فاتح النبي صلى الله عليه وسلم هذا، أنكر فطلب منه أن يحلف، فقال عبدان : إنه فاجر لا يبالي أن يحلف، فقال : إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه، فلما قام ليحلف أنظره فانصرفا فنزلت :﴿ ولا تشتروا بعهد الله ﴾ إلى آخر الآيتين... فقرأهما رسول الله، فقال امرؤ القيس : أما ما عندي فينفد، وهو صادق فيما يقول، لقد اقتطعت أرضه ولم أدر كم هي، فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها، فنزل فيه. ﴿ من عمل صالحا ﴾ الآية.
ومقتضى رواية الطبرسي أن تكون الآيات الثلاث مدنية ؛ لأن الحادث لا يمكن أن يكون حدث إلا في العهد المدني. ولم نطلع على رواية تؤيد ذلك، فضلا عن أنه لا تفهم حكمة وضع آيات مدنية في سياق متصل يوافق كفار مكة. والآيات بعد معطوفة على ما قبلها، ومنسجمة معها سبكا وموضوعا، مما يسوغ التوقف في صحة الرواية. وكل ما يمكن أن تكون الآيات تليت في ظروف الحادث المروي، فالتبس الأمر على الرواة. وروح الآيات ونصها يسوغان استبعاد رواية الطبري الأولى.
والآيات التي تجيء بعد هذه الآيات بقليل تجعل احتمال صحة رواية الطبري الثانية قويا، على ما سوف نشرحه بعد.
على أننا ننبه أولا على أن الآية منسجمة مع سائر الآيات نظما وموضوعا بحيث يسوغ القول : إنها لم تنزل وحدها، وإنما نزلت الآيات جميعا معا. وثانيا على أنه يلمح شيء من الصلة الموضوعية بين هذه الآيات والآية السابقة من حيث إنها احتوت مثلها، تبيانا بما أمر الله تعالى به وما نهى عنه من أخلاق وأفعال. وقد تكون الآية السابقة نزلت هي الأخرى مع هذه الآيات لتوكيد القصد الذي تضمنته الرواية الثانية، بالإضافة إلى المقاصد الأخرى التي شاءت حكمة التنزيل أن تنطوي في الآيات.
ومع خصوصية الآيات الزمنية ودلالتها على خطورة الموقف الذي نزلت في شأنه، مما تضمنته الرواية الثانية التي رجحنا صحتها، ومما أيدته الآيات التي تأتي بعد قليل، فإنها فيما احتوته من أوامر وتنبيهات تعد من روائع المجموعات القرآنية في بابها، وتنطوي على تلقينات جليلة عامة ومستمرة المدى، على ما هو واضح من الشرح المتقدم.
وعبارة الآية [ ٩٦ ]، هي أسلوبية كما هو المتبادر بسبيل القول : إن ما يمكن أن يعود على ناقض عهد الله من عوض ومنفعة من الناس مهما عظم، يبقى قليلا بالنسبة لما عند الله، وليست بسبيل التحذير من بيع عهد الله بالثمن القليل. وهي على ضوء هذا التوضيح جليلة المدى في صدد حث المسلم على الثبات على العهد، الذي يكون عاهد الله عليه، حينما أمن به وحده، وصدق برسالة رسوله، وما قد يقتضيه ذلك من التضحية بأي نفع دنيوي ؛ لأن الباقي هو ما عند الله، وأن ما عند الناس مهما عظم فهو إلى زوال.
والآية الأخيرة من الآيات جديرة كذلك بالتنويه بصورة خاصة، حيث تضمنت أولا : وعد الله عز وجل بالحياة السعيدة والأجر العظيم لمن آمن وعمل صالحا من ذكر أو أنثى، وثانيا : نصا صريحا باعتبار المرأة والرجل سواء في التكاليف، ونتائجها في الدنيا والآخرة أيضا، مما احتوت آيات عديدة سابقة، إشارة إليه على ما نبهنا عليه سابقا، ومما احتوت آيات كثيرة آتية أحكاما كثيرة فيه، على ما سوف نشرحه بعد، بحيث يصح أن يقال بجزم : إن ذلك من المبادئ القرآنية المحكمة.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها الطبري وغيره عن أهل التأويل في مدى ( الحياة الطيبة )، منها أنها السعادة والقناعة واللبس الحلال والأكل الحلال في الدنيا، ومنها أنها حياة الجنة الأخروية. ويتبادر لنا من الآية وشطرها الثاني، أن المقصود من العبارة، وهي الحياة الطيبة في الدنيا، التي يمكن أن تكون السعادة والطمأنينة والرزق الحلال.
شرح الآية :
﴿ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم... ﴾
والآيات السبع التالية وما فيها من تلقينات
الخطاب في الآيات لمخاطبين سامعين، وفي بعضها ما يدل على أن المقصودين هم المسلمون، وقد تضمنت الأوامر والتنبيهات التالية :
١- يجب عليهم الوفاء بما عاهدوا الله عليه، وأقسموا الأيمان باسمه على الوفاء، لاسيما أنهم بأيمانهم قد جعلوا الله عليهم كفيلا.
٢- وعليهم أن يذكروا دائما أن الله رقيب عليهم، يعلم جميع ما يقولونه ويفعلونه.
ولقد روى الطبري في صدد الآية [ ٩١ ] روايتين، أولاهما : أنها نزلت في الحلف الذي كان مشركو قريش تحالفوا عليه في الجاهلية، فأمرهم الله عز وجل أن يوفوا به في الإسلام١. وثانيتهما : أنها نزلت في جماعة بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام في مكة، مهيبة بهم إلى عدم التراجع والنقض بحجة ضعف النبي وأصحابه وكثرة المشركين.
وروى الطبرسي في سياق الآيات [ ٩٥-٩٧ ]، عن ابن عباس :" أن رجلا من حضر موت، اسمه عبدان شكى للنبي صلى الله عليه وسلم شخصا اسمه امرؤ القيس بأنه أخذ أرضا له، فلما فاتح النبي صلى الله عليه وسلم هذا، أنكر فطلب منه أن يحلف، فقال عبدان : إنه فاجر لا يبالي أن يحلف، فقال : إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه، فلما قام ليحلف أنظره فانصرفا فنزلت :﴿ ولا تشتروا بعهد الله ﴾ إلى آخر الآيتين... فقرأهما رسول الله، فقال امرؤ القيس : أما ما عندي فينفد، وهو صادق فيما يقول، لقد اقتطعت أرضه ولم أدر كم هي، فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها، فنزل فيه. ﴿ من عمل صالحا ﴾ الآية.
ومقتضى رواية الطبرسي أن تكون الآيات الثلاث مدنية ؛ لأن الحادث لا يمكن أن يكون حدث إلا في العهد المدني. ولم نطلع على رواية تؤيد ذلك، فضلا عن أنه لا تفهم حكمة وضع آيات مدنية في سياق متصل يوافق كفار مكة. والآيات بعد معطوفة على ما قبلها، ومنسجمة معها سبكا وموضوعا، مما يسوغ التوقف في صحة الرواية. وكل ما يمكن أن تكون الآيات تليت في ظروف الحادث المروي، فالتبس الأمر على الرواة. وروح الآيات ونصها يسوغان استبعاد رواية الطبري الأولى.
والآيات التي تجيء بعد هذه الآيات بقليل تجعل احتمال صحة رواية الطبري الثانية قويا، على ما سوف نشرحه بعد.
على أننا ننبه أولا على أن الآية منسجمة مع سائر الآيات نظما وموضوعا بحيث يسوغ القول : إنها لم تنزل وحدها، وإنما نزلت الآيات جميعا معا. وثانيا على أنه يلمح شيء من الصلة الموضوعية بين هذه الآيات والآية السابقة من حيث إنها احتوت مثلها، تبيانا بما أمر الله تعالى به وما نهى عنه من أخلاق وأفعال. وقد تكون الآية السابقة نزلت هي الأخرى مع هذه الآيات لتوكيد القصد الذي تضمنته الرواية الثانية، بالإضافة إلى المقاصد الأخرى التي شاءت حكمة التنزيل أن تنطوي في الآيات.
ومع خصوصية الآيات الزمنية ودلالتها على خطورة الموقف الذي نزلت في شأنه، مما تضمنته الرواية الثانية التي رجحنا صحتها، ومما أيدته الآيات التي تأتي بعد قليل، فإنها فيما احتوته من أوامر وتنبيهات تعد من روائع المجموعات القرآنية في بابها، وتنطوي على تلقينات جليلة عامة ومستمرة المدى، على ما هو واضح من الشرح المتقدم.
وعبارة الآية [ ٩٦ ]، هي أسلوبية كما هو المتبادر بسبيل القول : إن ما يمكن أن يعود على ناقض عهد الله من عوض ومنفعة من الناس مهما عظم، يبقى قليلا بالنسبة لما عند الله، وليست بسبيل التحذير من بيع عهد الله بالثمن القليل. وهي على ضوء هذا التوضيح جليلة المدى في صدد حث المسلم على الثبات على العهد، الذي يكون عاهد الله عليه، حينما أمن به وحده، وصدق برسالة رسوله، وما قد يقتضيه ذلك من التضحية بأي نفع دنيوي ؛ لأن الباقي هو ما عند الله، وأن ما عند الناس مهما عظم فهو إلى زوال.
والآية الأخيرة من الآيات جديرة كذلك بالتنويه بصورة خاصة، حيث تضمنت أولا : وعد الله عز وجل بالحياة السعيدة والأجر العظيم لمن آمن وعمل صالحا من ذكر أو أنثى، وثانيا : نصا صريحا باعتبار المرأة والرجل سواء في التكاليف، ونتائجها في الدنيا والآخرة أيضا، مما احتوت آيات عديدة سابقة، إشارة إليه على ما نبهنا عليه سابقا، ومما احتوت آيات كثيرة آتية أحكاما كثيرة فيه، على ما سوف نشرحه بعد، بحيث يصح أن يقال بجزم : إن ذلك من المبادئ القرآنية المحكمة.
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها الطبري وغيره عن أهل التأويل في مدى ( الحياة الطيبة )، منها أنها السعادة والقناعة واللبس الحلال والأكل الحلال في الدنيا، ومنها أنها حياة الجنة الأخروية. ويتبادر لنا من الآية وشطرها الثاني، أن المقصود من العبارة، وهي الحياة الطيبة في الدنيا، التي يمكن أن تكون السعادة والطمأنينة والرزق الحلال.
٩- ولقد كتب الله على نفسه بأن يجزي الذين يثبون على الحق والعهد بأحسن ما عملوا، وبجزاء يفوق قيمة عملهم، وأن يحيي كل مؤمن عمل صالحا من ذكر أو أنثى الحياة السعيدة الطيبة في الدنيا، وأن يجزيه في الآخرة بأحسن أعماله، وبجزاء يفوق قيمتها كذلك.
في الآيات :
١- أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من وساوس الشيطان حينما يتلو القرآن.
٢- وتوكيد بأنه ليس للشيطان أي تسلط وتأثير على الذين آمنوا بالله وتوكلوا عليه، وإنما تسلطه وتأثيره على الذين يتولونه- أي : يتخذونه وليا من دون الله - وينقادون لوساوسه ويشركونه مع الله.
٣- وإشارة إلى ما كان يقوله الكفار إذا ما سمعوا النبي يقرأ آية بدلا من آية، أو رأوه يبدل أمرا أو حكما قرآنيا أو خبرا قرآنيا بآخر، حيث كانوا يقولون : إنه هو الذي يخترع القرآن ويفتريه قاصدين بذلك – على ما هو المتبادر – أن يقولوا : إنه لو كان وحيا من الله لما وقع تبديل وتغيير.
٤- ورد عليهم بأن الله هو أعلم بما يوحي به إلى النبي وحكمته، وأن القائلين لا يستطيعون أن يدركوا ماهية وحي الله ولا حكمته.
٥- _ وأمر للنبي بأن يؤكد بأن ما يتلوه من القرآن هو وحي رباني، ينزل به روح القدس من الله بالحق، ليثبت المؤمنين، وليكون هدى وبشرى للمسلمين، سواء أكان الأصل أو المبدل.
٦- وإشارة أخرى إلى ما كان يقوله الكفار أيضا من أن شخصا معينا هو الذي يعلم النبي، ورد عليهم بأن لسان هذا الشخص أعجمي، ولغة القرآن عربية مبينة فصحى، فلا يصح في العقل أن يكون هذا القرآن العربي الفصيح تعليما من ذلك الشخص الأعجمي اللسان.
٧- وتنديد بالكفار وإنذار لهم : فالذين لا يؤمنون بآيات الله، لن ينالوا توفيقه وتسديده، ولهم عنده العذاب الأليم، وهم الكاذبون المفترون.
تعليق على آيات
﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾
وما بعدها إلى آخر الآية [ ١٠٥ ]
ولم نر فيما اطلعنا عليه رواية تذكر سبب نزول هذه الآيات. مع أن روحها بمجموعها تلهم أنها نزلت في صدد حادث له صلة بالقرآن، وأن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من الشيطان حينما يقرأ القرآن، وتوكيد كون الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين، وتوكيد نزول القرآن على قلب النبي بواسطة الروح القدس من عند الله متصل بهذا الحادث.
وقد تلهم الآيات أن الله أوحى إليه ببعض الآيات لتكون مكان آيات أخرى، فلما تلا الجديدة وأهمل الأولى المنسوخة، استغل الكفار ذلك، فأخذوا يدللون به على كذب دعوى النبي بأن القرآن وحي رباني، وينعتونه بالمفتري على الله، ويقولون : إن هناك شخصا يعلمه. ولعلهم قالوا فيما قالوه : إن الشيطان هو الذي يوسوس له أو يلقي عليه، لا وحي الله، وإن هذا التبديل دليل على ذلك. ولعل بعض الذين بايعوا النبي على الإسلام، والذين لم يكن الإيمان قد رسخ في قلوبهم تأثروا بهذا الحادث، وبدعاية الكفار فارتدوا أيضا، وهذا ما تدل عليه الآيات التي تأتي بعد هذه الآيات. فاقتضت حكمة التنزيل بالرد عليهم بما جاء في هذه الآيات، ونفي تعلم النبي من الشخص المزعوم، ونفي تأثير الشيطان على النبي، وأمره بالاستعاذة إلى الله منه.
والآيات في جملتها تقصد إلى تطمين النبي والمؤمنين وتثبيتهم، والرد على الكفار والتنديد بهم.
وإلى هذا فقد احتوت تلقينات مستمرة المدى، سواء أفي تطمين المؤمنين المخلصين من أنه لا سلطان للشيطان عليهم أم في وجوب الاستعاذة بالله منه حينما يتلو المسلم القرآن، أم في توكيد كون الذين لا يوفقهم الله ولا يسعدهم ولا يهديهم هم الذين فقدوا الرغبة في الحق والهدى والإيمان، وكون هؤلاء هم وحدهم الذين يجرؤون على الافتراء على الله.
والمتبادر أن رمي الكفار بالشرك بالشيطان وتوليه وحصر تأثيره فيهم، هو من قبيل الرد والتشنيع. وقد تكرر هذا في مناسبات عديدة بهذا القصد مرت بعض أمثلة منها، ولقد كانوا يفهمون مفهوم كلمة الشيطان، ويعرفون أنها بغيضة على ما شرحناه في تفسير سورة التكوير، فلزمتهم الحجة والتنديد.
والآية [ ١٠٥ ] جديرة بالتنويه بما انطوى فيها من تقرير كون الافتراء والكذب لا يمكن أن يقعا إلا من غير المؤمنين. ولقد روى البغوي سياقها حديثا رواه بطرقه عن عبد الله بن جراد قال :( قلت يا رسول الله المؤمن يزني ؟ قال : قد يكون ذلك. قلت : المؤمن يسرق ؟ قال : قد يكون ذلك. قلت : المؤمن يكذب ؟ قال : لا. قال الله ﴿ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ﴾، والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة ولكن صحته محتملة، وهو رائع قوي متساوق مع التلقين المنطوي في الآية.
مسألة النسخ في القرآن
وما ورد في الآية [ ١٠١ ] من إشارة إلى تبديل آية مكان آية، وما في آية سورة البقرة هذه :﴿ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ﴾ [ ١٠٦ ] صار موضوع بحوث في صدد النسخ والتبديل في القرآن ١.
فهناك من لا يرى مانعا عقليا ولا نقليا من النسخ، ويستند في الدرجة الأولى على ظاهر هذه الآيات. ومن هؤلاء من يأخذ ببعض الروايات فيقول إن بعض آيات نسخت تلاوة وبقيت حكما، وهي آية رجم الزناة المحصنين، التي اختلف في نصها حيث روي هكذا :( إذا زنى الشيخ والشيخة فاجلدوهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) وهكذا :( إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة والله عزيز حكيم ). ومنهم من يقول : إن بعض الآيات نسخت حكما وبقيت تلاوة مع اختلاف بينهم في هذه الآيات، حيث يزيد بعضهم فيها وينقص بعضهم، ومن الأمثلة على ذلك الوصية للوالدين من آية سورة البقرة هذه :﴿ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ١٨٠ ﴾. التي نسخت في آية سورة النساء هذه التي عينت للوالدين نصيبا من تركة أبنائهما :﴿ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس ﴾[ ١١ ] والآيات التي فرضت على المسلمين تقديم صدقة بين يدي نجواهم الرسول، ثم ألغتها في سورة المجادلة وهي :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ١٢ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ١٣ ﴾، ومثل الآيات التي قررت أن المسلمين يقدرون أن يقاتلوا عشرة أضعافهم مما خففت ذلك إلى الضعف في سورة الأنفال هذه :﴿ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ٦٥ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ٦٦ ﴾. ومنهم من يأخذ ببعض الروايات، فيقول عن بعض آيات كانت تتلى ثم نسخت تلاوة وحكما، وهي آيات الرضاعة ؛ حيث روي أنه كان في القرآن آية تعين عدد الرضعات التي يحرم بها النكاح ( عشر رضعات معلومات )، ثم نسخن بخمس رضعات معلومات، ثم نسخن تلاوة وحكما. ومنهم من يأخذ ببعض الروايات فيقول : إنه كانت آيات تتلى ثم نسخت أو أنسيت مثل آيات يروى أنها كانت تتلى في سورة البينة وهي :( لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه سأل ثانيا وإن سأل ثانيا فأعطيه سأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرا فلن يكفره )، ومنها آيات في إحدى سور المسبحات وهي :( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ) ومنها هذا النص :( جاهدوا كما جاهدتم أول مرة )، ومنها هذا النص :( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون. والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) ومنها سورة برمتها كانت تتلى في القنوت في الوتر وتسمى سورة الحفد والخلع.
وليس ما أوردناه من أمثلة هي كل ما روي عن الناسخ والمنسوخ في القرآن. فهناك أولا : روايات كثيرة جدا غير ما أوردناه وبخاصة في نسخ أحكام آيات بآيات أخرى، وهناك ثانيا : اختلاف بين أهل التأويل والاستنباط وعلماء القرآن ومفسريه، حيث يثبت بعضهم نسخا، فينكره بعضهم بالنسبة لكثير من روايات الناسخ والمنسوخ٢. وقد اعتنى بعضهم بهذا الأمر لما له من صلة بالتشريع الإسلامي والتنزيل القرآني، وأدى ذلك إلى تصنيف مصنفات عديدة فيه ٣.
ولقد جاء جذر النسخ في القرآن في معنى الإزالة، كما هو في آية سورة البقرة [ ١٠٦ ] التي أوردناها قب، ل وكما هو في آية سورة الحج هذه :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ﴾ [ ٥٢ ]، وفي معنى آخر وهو التسجيل والكتابة كما جاء في آية سورة الجاثية هذه :﴿ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ٢٩ ﴾، وآية سورة الأعراف هذه :﴿ ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ١٥٤ ﴾. وواضح أن موضوع الكلام هو المعنى الأول. غير أن الذين قالوا بجواز النسخ في القرآن لم يقفوا فيه عند هذا المعنى الذي ينطبق على نوع واحد من أنواع الأمثلة المتقدمة، وهي رفع النص القرآني بالمرة. بل جعلوه شاملا للتعديل الذي شاءت حكمة الله إدخاله على أحكام النصوص أو تبديلها، مع إبقاء النصوص المعدلة والمبدلة أيضا، كما هو واضح في بعض الأمثلة بحيث يقال : إنهم عنوا مدى الكلمة أكثر من معناها الحرفي. وهناك من لم ير سواغا للنسخ بجميع الأشكال المذكورة، ويرى ذلك في غير متسق مع علم الله وحكمته وفيه معنى ( البداء )، أي : بدا لله أن يرجع عما أنزل وقدر، وينزهه عن ذلك، وينكر الروايات التي لا تستند في الحقيقة إلى إسناد قوي، باستثناء رواية الرجم التي رواها أصحاب الصحاح الخمسة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي٤، ويؤول ما ظاهره يدل على أنه ناسخ أو منسوخ. غير أن الجمهور على أنه ليس من مانع عقلا ونقلا من النسخ بمداه وليس بمعناه الحرفي فقط تلاوة أو حكما، وأن ذلك لا يعني البداء فالله هو الحكيم المقدر الذي ينزل ما شاء ويبدل ما شاء بمقتضى حكمه، وأن ذلك متسق مع حكمة الله التي تقضي بتغير الأحكام بتغير الظروف.
والبداء في القرآن جاء بمعان متنوعة، فجاء بم
٢ انظر الأبواب الثاني والثالث والرابع من كتاب: النسخ في القرآن للدكتور مصطفى أبو زيد..
٣ انظر الباب الثاني من الكتاب نفسه..
٤ هذا نص الحديث قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب وهو على منبر رسول الله: إن الله قد بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل علية آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف (انظر التاج ج ٣ ص ٣)..
في الآيات :
١- أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من وساوس الشيطان حينما يتلو القرآن.
٢- وتوكيد بأنه ليس للشيطان أي تسلط وتأثير على الذين آمنوا بالله وتوكلوا عليه، وإنما تسلطه وتأثيره على الذين يتولونه- أي : يتخذونه وليا من دون الله - وينقادون لوساوسه ويشركونه مع الله.
٣- وإشارة إلى ما كان يقوله الكفار إذا ما سمعوا النبي يقرأ آية بدلا من آية، أو رأوه يبدل أمرا أو حكما قرآنيا أو خبرا قرآنيا بآخر، حيث كانوا يقولون : إنه هو الذي يخترع القرآن ويفتريه قاصدين بذلك – على ما هو المتبادر – أن يقولوا : إنه لو كان وحيا من الله لما وقع تبديل وتغيير.
٤- ورد عليهم بأن الله هو أعلم بما يوحي به إلى النبي وحكمته، وأن القائلين لا يستطيعون أن يدركوا ماهية وحي الله ولا حكمته.
٥- _ وأمر للنبي بأن يؤكد بأن ما يتلوه من القرآن هو وحي رباني، ينزل به روح القدس من الله بالحق، ليثبت المؤمنين، وليكون هدى وبشرى للمسلمين، سواء أكان الأصل أو المبدل.
٦- وإشارة أخرى إلى ما كان يقوله الكفار أيضا من أن شخصا معينا هو الذي يعلم النبي، ورد عليهم بأن لسان هذا الشخص أعجمي، ولغة القرآن عربية مبينة فصحى، فلا يصح في العقل أن يكون هذا القرآن العربي الفصيح تعليما من ذلك الشخص الأعجمي اللسان.
٧- وتنديد بالكفار وإنذار لهم : فالذين لا يؤمنون بآيات الله، لن ينالوا توفيقه وتسديده، ولهم عنده العذاب الأليم، وهم الكاذبون المفترون.
تعليق على آيات
﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾
وما بعدها إلى آخر الآية [ ١٠٥ ]
ولم نر فيما اطلعنا عليه رواية تذكر سبب نزول هذه الآيات. مع أن روحها بمجموعها تلهم أنها نزلت في صدد حادث له صلة بالقرآن، وأن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من الشيطان حينما يقرأ القرآن، وتوكيد كون الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين، وتوكيد نزول القرآن على قلب النبي بواسطة الروح القدس من عند الله متصل بهذا الحادث.
وقد تلهم الآيات أن الله أوحى إليه ببعض الآيات لتكون مكان آيات أخرى، فلما تلا الجديدة وأهمل الأولى المنسوخة، استغل الكفار ذلك، فأخذوا يدللون به على كذب دعوى النبي بأن القرآن وحي رباني، وينعتونه بالمفتري على الله، ويقولون : إن هناك شخصا يعلمه. ولعلهم قالوا فيما قالوه : إن الشيطان هو الذي يوسوس له أو يلقي عليه، لا وحي الله، وإن هذا التبديل دليل على ذلك. ولعل بعض الذين بايعوا النبي على الإسلام، والذين لم يكن الإيمان قد رسخ في قلوبهم تأثروا بهذا الحادث، وبدعاية الكفار فارتدوا أيضا، وهذا ما تدل عليه الآيات التي تأتي بعد هذه الآيات. فاقتضت حكمة التنزيل بالرد عليهم بما جاء في هذه الآيات، ونفي تعلم النبي من الشخص المزعوم، ونفي تأثير الشيطان على النبي، وأمره بالاستعاذة إلى الله منه.
والآيات في جملتها تقصد إلى تطمين النبي والمؤمنين وتثبيتهم، والرد على الكفار والتنديد بهم.
وإلى هذا فقد احتوت تلقينات مستمرة المدى، سواء أفي تطمين المؤمنين المخلصين من أنه لا سلطان للشيطان عليهم أم في وجوب الاستعاذة بالله منه حينما يتلو المسلم القرآن، أم في توكيد كون الذين لا يوفقهم الله ولا يسعدهم ولا يهديهم هم الذين فقدوا الرغبة في الحق والهدى والإيمان، وكون هؤلاء هم وحدهم الذين يجرؤون على الافتراء على الله.
والمتبادر أن رمي الكفار بالشرك بالشيطان وتوليه وحصر تأثيره فيهم، هو من قبيل الرد والتشنيع. وقد تكرر هذا في مناسبات عديدة بهذا القصد مرت بعض أمثلة منها، ولقد كانوا يفهمون مفهوم كلمة الشيطان، ويعرفون أنها بغيضة على ما شرحناه في تفسير سورة التكوير، فلزمتهم الحجة والتنديد.
والآية [ ١٠٥ ] جديرة بالتنويه بما انطوى فيها من تقرير كون الافتراء والكذب لا يمكن أن يقعا إلا من غير المؤمنين. ولقد روى البغوي سياقها حديثا رواه بطرقه عن عبد الله بن جراد قال :( قلت يا رسول الله المؤمن يزني ؟ قال : قد يكون ذلك. قلت : المؤمن يسرق ؟ قال : قد يكون ذلك. قلت : المؤمن يكذب ؟ قال : لا. قال الله ﴿ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ﴾، والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة ولكن صحته محتملة، وهو رائع قوي متساوق مع التلقين المنطوي في الآية.
مسألة النسخ في القرآن
وما ورد في الآية [ ١٠١ ] من إشارة إلى تبديل آية مكان آية، وما في آية سورة البقرة هذه :﴿ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ﴾ [ ١٠٦ ] صار موضوع بحوث في صدد النسخ والتبديل في القرآن ١.
فهناك من لا يرى مانعا عقليا ولا نقليا من النسخ، ويستند في الدرجة الأولى على ظاهر هذه الآيات. ومن هؤلاء من يأخذ ببعض الروايات فيقول إن بعض آيات نسخت تلاوة وبقيت حكما، وهي آية رجم الزناة المحصنين، التي اختلف في نصها حيث روي هكذا :( إذا زنى الشيخ والشيخة فاجلدوهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) وهكذا :( إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة والله عزيز حكيم ). ومنهم من يقول : إن بعض الآيات نسخت حكما وبقيت تلاوة مع اختلاف بينهم في هذه الآيات، حيث يزيد بعضهم فيها وينقص بعضهم، ومن الأمثلة على ذلك الوصية للوالدين من آية سورة البقرة هذه :﴿ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ١٨٠ ﴾. التي نسخت في آية سورة النساء هذه التي عينت للوالدين نصيبا من تركة أبنائهما :﴿ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس ﴾[ ١١ ] والآيات التي فرضت على المسلمين تقديم صدقة بين يدي نجواهم الرسول، ثم ألغتها في سورة المجادلة وهي :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ١٢ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ١٣ ﴾، ومثل الآيات التي قررت أن المسلمين يقدرون أن يقاتلوا عشرة أضعافهم مما خففت ذلك إلى الضعف في سورة الأنفال هذه :﴿ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ٦٥ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ٦٦ ﴾. ومنهم من يأخذ ببعض الروايات، فيقول عن بعض آيات كانت تتلى ثم نسخت تلاوة وحكما، وهي آيات الرضاعة ؛ حيث روي أنه كان في القرآن آية تعين عدد الرضعات التي يحرم بها النكاح ( عشر رضعات معلومات )، ثم نسخن بخمس رضعات معلومات، ثم نسخن تلاوة وحكما. ومنهم من يأخذ ببعض الروايات فيقول : إنه كانت آيات تتلى ثم نسخت أو أنسيت مثل آيات يروى أنها كانت تتلى في سورة البينة وهي :( لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه سأل ثانيا وإن سأل ثانيا فأعطيه سأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرا فلن يكفره )، ومنها آيات في إحدى سور المسبحات وهي :( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ) ومنها هذا النص :( جاهدوا كما جاهدتم أول مرة )، ومنها هذا النص :( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون. والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) ومنها سورة برمتها كانت تتلى في القنوت في الوتر وتسمى سورة الحفد والخلع.
وليس ما أوردناه من أمثلة هي كل ما روي عن الناسخ والمنسوخ في القرآن. فهناك أولا : روايات كثيرة جدا غير ما أوردناه وبخاصة في نسخ أحكام آيات بآيات أخرى، وهناك ثانيا : اختلاف بين أهل التأويل والاستنباط وعلماء القرآن ومفسريه، حيث يثبت بعضهم نسخا، فينكره بعضهم بالنسبة لكثير من روايات الناسخ والمنسوخ٢. وقد اعتنى بعضهم بهذا الأمر لما له من صلة بالتشريع الإسلامي والتنزيل القرآني، وأدى ذلك إلى تصنيف مصنفات عديدة فيه ٣.
ولقد جاء جذر النسخ في القرآن في معنى الإزالة، كما هو في آية سورة البقرة [ ١٠٦ ] التي أوردناها قب، ل وكما هو في آية سورة الحج هذه :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ﴾ [ ٥٢ ]، وفي معنى آخر وهو التسجيل والكتابة كما جاء في آية سورة الجاثية هذه :﴿ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ٢٩ ﴾، وآية سورة الأعراف هذه :﴿ ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ١٥٤ ﴾. وواضح أن موضوع الكلام هو المعنى الأول. غير أن الذين قالوا بجواز النسخ في القرآن لم يقفوا فيه عند هذا المعنى الذي ينطبق على نوع واحد من أنواع الأمثلة المتقدمة، وهي رفع النص القرآني بالمرة. بل جعلوه شاملا للتعديل الذي شاءت حكمة الله إدخاله على أحكام النصوص أو تبديلها، مع إبقاء النصوص المعدلة والمبدلة أيضا، كما هو واضح في بعض الأمثلة بحيث يقال : إنهم عنوا مدى الكلمة أكثر من معناها الحرفي. وهناك من لم ير سواغا للنسخ بجميع الأشكال المذكورة، ويرى ذلك في غير متسق مع علم الله وحكمته وفيه معنى ( البداء )، أي : بدا لله أن يرجع عما أنزل وقدر، وينزهه عن ذلك، وينكر الروايات التي لا تستند في الحقيقة إلى إسناد قوي، باستثناء رواية الرجم التي رواها أصحاب الصحاح الخمسة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي٤، ويؤول ما ظاهره يدل على أنه ناسخ أو منسوخ. غير أن الجمهور على أنه ليس من مانع عقلا ونقلا من النسخ بمداه وليس بمعناه الحرفي فقط تلاوة أو حكما، وأن ذلك لا يعني البداء فالله هو الحكيم المقدر الذي ينزل ما شاء ويبدل ما شاء بمقتضى حكمه، وأن ذلك متسق مع حكمة الله التي تقضي بتغير الأحكام بتغير الظروف.
والبداء في القرآن جاء بمعان متنوعة، فجاء بم
٢ انظر الأبواب الثاني والثالث والرابع من كتاب: النسخ في القرآن للدكتور مصطفى أبو زيد..
٣ انظر الباب الثاني من الكتاب نفسه..
٤ هذا نص الحديث قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب وهو على منبر رسول الله: إن الله قد بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل علية آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف (انظر التاج ج ٣ ص ٣)..
في الآيات :
١- أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من وساوس الشيطان حينما يتلو القرآن.
٢- وتوكيد بأنه ليس للشيطان أي تسلط وتأثير على الذين آمنوا بالله وتوكلوا عليه، وإنما تسلطه وتأثيره على الذين يتولونه- أي : يتخذونه وليا من دون الله - وينقادون لوساوسه ويشركونه مع الله.
٣- وإشارة إلى ما كان يقوله الكفار إذا ما سمعوا النبي يقرأ آية بدلا من آية، أو رأوه يبدل أمرا أو حكما قرآنيا أو خبرا قرآنيا بآخر، حيث كانوا يقولون : إنه هو الذي يخترع القرآن ويفتريه قاصدين بذلك – على ما هو المتبادر – أن يقولوا : إنه لو كان وحيا من الله لما وقع تبديل وتغيير.
٤- ورد عليهم بأن الله هو أعلم بما يوحي به إلى النبي وحكمته، وأن القائلين لا يستطيعون أن يدركوا ماهية وحي الله ولا حكمته.
٥- _ وأمر للنبي بأن يؤكد بأن ما يتلوه من القرآن هو وحي رباني، ينزل به روح القدس من الله بالحق، ليثبت المؤمنين، وليكون هدى وبشرى للمسلمين، سواء أكان الأصل أو المبدل.
٦- وإشارة أخرى إلى ما كان يقوله الكفار أيضا من أن شخصا معينا هو الذي يعلم النبي، ورد عليهم بأن لسان هذا الشخص أعجمي، ولغة القرآن عربية مبينة فصحى، فلا يصح في العقل أن يكون هذا القرآن العربي الفصيح تعليما من ذلك الشخص الأعجمي اللسان.
٧- وتنديد بالكفار وإنذار لهم : فالذين لا يؤمنون بآيات الله، لن ينالوا توفيقه وتسديده، ولهم عنده العذاب الأليم، وهم الكاذبون المفترون.
تعليق على آيات
﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾
وما بعدها إلى آخر الآية [ ١٠٥ ]
ولم نر فيما اطلعنا عليه رواية تذكر سبب نزول هذه الآيات. مع أن روحها بمجموعها تلهم أنها نزلت في صدد حادث له صلة بالقرآن، وأن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من الشيطان حينما يقرأ القرآن، وتوكيد كون الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين، وتوكيد نزول القرآن على قلب النبي بواسطة الروح القدس من عند الله متصل بهذا الحادث.
وقد تلهم الآيات أن الله أوحى إليه ببعض الآيات لتكون مكان آيات أخرى، فلما تلا الجديدة وأهمل الأولى المنسوخة، استغل الكفار ذلك، فأخذوا يدللون به على كذب دعوى النبي بأن القرآن وحي رباني، وينعتونه بالمفتري على الله، ويقولون : إن هناك شخصا يعلمه. ولعلهم قالوا فيما قالوه : إن الشيطان هو الذي يوسوس له أو يلقي عليه، لا وحي الله، وإن هذا التبديل دليل على ذلك. ولعل بعض الذين بايعوا النبي على الإسلام، والذين لم يكن الإيمان قد رسخ في قلوبهم تأثروا بهذا الحادث، وبدعاية الكفار فارتدوا أيضا، وهذا ما تدل عليه الآيات التي تأتي بعد هذه الآيات. فاقتضت حكمة التنزيل بالرد عليهم بما جاء في هذه الآيات، ونفي تعلم النبي من الشخص المزعوم، ونفي تأثير الشيطان على النبي، وأمره بالاستعاذة إلى الله منه.
والآيات في جملتها تقصد إلى تطمين النبي والمؤمنين وتثبيتهم، والرد على الكفار والتنديد بهم.
وإلى هذا فقد احتوت تلقينات مستمرة المدى، سواء أفي تطمين المؤمنين المخلصين من أنه لا سلطان للشيطان عليهم أم في وجوب الاستعاذة بالله منه حينما يتلو المسلم القرآن، أم في توكيد كون الذين لا يوفقهم الله ولا يسعدهم ولا يهديهم هم الذين فقدوا الرغبة في الحق والهدى والإيمان، وكون هؤلاء هم وحدهم الذين يجرؤون على الافتراء على الله.
والمتبادر أن رمي الكفار بالشرك بالشيطان وتوليه وحصر تأثيره فيهم، هو من قبيل الرد والتشنيع. وقد تكرر هذا في مناسبات عديدة بهذا القصد مرت بعض أمثلة منها، ولقد كانوا يفهمون مفهوم كلمة الشيطان، ويعرفون أنها بغيضة على ما شرحناه في تفسير سورة التكوير، فلزمتهم الحجة والتنديد.
والآية [ ١٠٥ ] جديرة بالتنويه بما انطوى فيها من تقرير كون الافتراء والكذب لا يمكن أن يقعا إلا من غير المؤمنين. ولقد روى البغوي سياقها حديثا رواه بطرقه عن عبد الله بن جراد قال :( قلت يا رسول الله المؤمن يزني ؟ قال : قد يكون ذلك. قلت : المؤمن يسرق ؟ قال : قد يكون ذلك. قلت : المؤمن يكذب ؟ قال : لا. قال الله ﴿ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ﴾، والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة ولكن صحته محتملة، وهو رائع قوي متساوق مع التلقين المنطوي في الآية.
مسألة النسخ في القرآن
وما ورد في الآية [ ١٠١ ] من إشارة إلى تبديل آية مكان آية، وما في آية سورة البقرة هذه :﴿ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ﴾ [ ١٠٦ ] صار موضوع بحوث في صدد النسخ والتبديل في القرآن ١.
فهناك من لا يرى مانعا عقليا ولا نقليا من النسخ، ويستند في الدرجة الأولى على ظاهر هذه الآيات. ومن هؤلاء من يأخذ ببعض الروايات فيقول إن بعض آيات نسخت تلاوة وبقيت حكما، وهي آية رجم الزناة المحصنين، التي اختلف في نصها حيث روي هكذا :( إذا زنى الشيخ والشيخة فاجلدوهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) وهكذا :( إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة والله عزيز حكيم ). ومنهم من يقول : إن بعض الآيات نسخت حكما وبقيت تلاوة مع اختلاف بينهم في هذه الآيات، حيث يزيد بعضهم فيها وينقص بعضهم، ومن الأمثلة على ذلك الوصية للوالدين من آية سورة البقرة هذه :﴿ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ١٨٠ ﴾. التي نسخت في آية سورة النساء هذه التي عينت للوالدين نصيبا من تركة أبنائهما :﴿ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس ﴾[ ١١ ] والآيات التي فرضت على المسلمين تقديم صدقة بين يدي نجواهم الرسول، ثم ألغتها في سورة المجادلة وهي :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ١٢ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ١٣ ﴾، ومثل الآيات التي قررت أن المسلمين يقدرون أن يقاتلوا عشرة أضعافهم مما خففت ذلك إلى الضعف في سورة الأنفال هذه :﴿ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ٦٥ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ٦٦ ﴾. ومنهم من يأخذ ببعض الروايات، فيقول عن بعض آيات كانت تتلى ثم نسخت تلاوة وحكما، وهي آيات الرضاعة ؛ حيث روي أنه كان في القرآن آية تعين عدد الرضعات التي يحرم بها النكاح ( عشر رضعات معلومات )، ثم نسخن بخمس رضعات معلومات، ثم نسخن تلاوة وحكما. ومنهم من يأخذ ببعض الروايات فيقول : إنه كانت آيات تتلى ثم نسخت أو أنسيت مثل آيات يروى أنها كانت تتلى في سورة البينة وهي :( لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه سأل ثانيا وإن سأل ثانيا فأعطيه سأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرا فلن يكفره )، ومنها آيات في إحدى سور المسبحات وهي :( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ) ومنها هذا النص :( جاهدوا كما جاهدتم أول مرة )، ومنها هذا النص :( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون. والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) ومنها سورة برمتها كانت تتلى في القنوت في الوتر وتسمى سورة الحفد والخلع.
وليس ما أوردناه من أمثلة هي كل ما روي عن الناسخ والمنسوخ في القرآن. فهناك أولا : روايات كثيرة جدا غير ما أوردناه وبخاصة في نسخ أحكام آيات بآيات أخرى، وهناك ثانيا : اختلاف بين أهل التأويل والاستنباط وعلماء القرآن ومفسريه، حيث يثبت بعضهم نسخا، فينكره بعضهم بالنسبة لكثير من روايات الناسخ والمنسوخ٢. وقد اعتنى بعضهم بهذا الأمر لما له من صلة بالتشريع الإسلامي والتنزيل القرآني، وأدى ذلك إلى تصنيف مصنفات عديدة فيه ٣.
ولقد جاء جذر النسخ في القرآن في معنى الإزالة، كما هو في آية سورة البقرة [ ١٠٦ ] التي أوردناها قب، ل وكما هو في آية سورة الحج هذه :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ﴾ [ ٥٢ ]، وفي معنى آخر وهو التسجيل والكتابة كما جاء في آية سورة الجاثية هذه :﴿ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ٢٩ ﴾، وآية سورة الأعراف هذه :﴿ ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ١٥٤ ﴾. وواضح أن موضوع الكلام هو المعنى الأول. غير أن الذين قالوا بجواز النسخ في القرآن لم يقفوا فيه عند هذا المعنى الذي ينطبق على نوع واحد من أنواع الأمثلة المتقدمة، وهي رفع النص القرآني بالمرة. بل جعلوه شاملا للتعديل الذي شاءت حكمة الله إدخاله على أحكام النصوص أو تبديلها، مع إبقاء النصوص المعدلة والمبدلة أيضا، كما هو واضح في بعض الأمثلة بحيث يقال : إنهم عنوا مدى الكلمة أكثر من معناها الحرفي. وهناك من لم ير سواغا للنسخ بجميع الأشكال المذكورة، ويرى ذلك في غير متسق مع علم الله وحكمته وفيه معنى ( البداء )، أي : بدا لله أن يرجع عما أنزل وقدر، وينزهه عن ذلك، وينكر الروايات التي لا تستند في الحقيقة إلى إسناد قوي، باستثناء رواية الرجم التي رواها أصحاب الصحاح الخمسة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي٤، ويؤول ما ظاهره يدل على أنه ناسخ أو منسوخ. غير أن الجمهور على أنه ليس من مانع عقلا ونقلا من النسخ بمداه وليس بمعناه الحرفي فقط تلاوة أو حكما، وأن ذلك لا يعني البداء فالله هو الحكيم المقدر الذي ينزل ما شاء ويبدل ما شاء بمقتضى حكمه، وأن ذلك متسق مع حكمة الله التي تقضي بتغير الأحكام بتغير الظروف.
والبداء في القرآن جاء بمعان متنوعة، فجاء بم
٢ انظر الأبواب الثاني والثالث والرابع من كتاب: النسخ في القرآن للدكتور مصطفى أبو زيد..
٣ انظر الباب الثاني من الكتاب نفسه..
٤ هذا نص الحديث قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب وهو على منبر رسول الله: إن الله قد بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل علية آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف (انظر التاج ج ٣ ص ٣)..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٨:﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ٩٨ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ٩٩ إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون١٠٠ وإذا بدلنا آية مكان آية ١ والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون ١٠١ قل نزله روح القدس ٢ من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ١٠٢ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذين يلحدون إليه ٣ أعجمي وهذا لسان عربي مبين ١٠٣ إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم ١٠٤ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون ١٠٥. ﴾[ ٩٨-١٠٥ ].
في الآيات :
١- أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من وساوس الشيطان حينما يتلو القرآن.
٢- وتوكيد بأنه ليس للشيطان أي تسلط وتأثير على الذين آمنوا بالله وتوكلوا عليه، وإنما تسلطه وتأثيره على الذين يتولونه- أي : يتخذونه وليا من دون الله - وينقادون لوساوسه ويشركونه مع الله.
٣- وإشارة إلى ما كان يقوله الكفار إذا ما سمعوا النبي يقرأ آية بدلا من آية، أو رأوه يبدل أمرا أو حكما قرآنيا أو خبرا قرآنيا بآخر، حيث كانوا يقولون : إنه هو الذي يخترع القرآن ويفتريه قاصدين بذلك – على ما هو المتبادر – أن يقولوا : إنه لو كان وحيا من الله لما وقع تبديل وتغيير.
٤- ورد عليهم بأن الله هو أعلم بما يوحي به إلى النبي وحكمته، وأن القائلين لا يستطيعون أن يدركوا ماهية وحي الله ولا حكمته.
٥- _ وأمر للنبي بأن يؤكد بأن ما يتلوه من القرآن هو وحي رباني، ينزل به روح القدس من الله بالحق، ليثبت المؤمنين، وليكون هدى وبشرى للمسلمين، سواء أكان الأصل أو المبدل.
٦- وإشارة أخرى إلى ما كان يقوله الكفار أيضا من أن شخصا معينا هو الذي يعلم النبي، ورد عليهم بأن لسان هذا الشخص أعجمي، ولغة القرآن عربية مبينة فصحى، فلا يصح في العقل أن يكون هذا القرآن العربي الفصيح تعليما من ذلك الشخص الأعجمي اللسان.
٧- وتنديد بالكفار وإنذار لهم : فالذين لا يؤمنون بآيات الله، لن ينالوا توفيقه وتسديده، ولهم عنده العذاب الأليم، وهم الكاذبون المفترون.
تعليق على آيات
﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾
وما بعدها إلى آخر الآية [ ١٠٥ ]
ولم نر فيما اطلعنا عليه رواية تذكر سبب نزول هذه الآيات. مع أن روحها بمجموعها تلهم أنها نزلت في صدد حادث له صلة بالقرآن، وأن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من الشيطان حينما يقرأ القرآن، وتوكيد كون الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين، وتوكيد نزول القرآن على قلب النبي بواسطة الروح القدس من عند الله متصل بهذا الحادث.
وقد تلهم الآيات أن الله أوحى إليه ببعض الآيات لتكون مكان آيات أخرى، فلما تلا الجديدة وأهمل الأولى المنسوخة، استغل الكفار ذلك، فأخذوا يدللون به على كذب دعوى النبي بأن القرآن وحي رباني، وينعتونه بالمفتري على الله، ويقولون : إن هناك شخصا يعلمه. ولعلهم قالوا فيما قالوه : إن الشيطان هو الذي يوسوس له أو يلقي عليه، لا وحي الله، وإن هذا التبديل دليل على ذلك. ولعل بعض الذين بايعوا النبي على الإسلام، والذين لم يكن الإيمان قد رسخ في قلوبهم تأثروا بهذا الحادث، وبدعاية الكفار فارتدوا أيضا، وهذا ما تدل عليه الآيات التي تأتي بعد هذه الآيات. فاقتضت حكمة التنزيل بالرد عليهم بما جاء في هذه الآيات، ونفي تعلم النبي من الشخص المزعوم، ونفي تأثير الشيطان على النبي، وأمره بالاستعاذة إلى الله منه.
والآيات في جملتها تقصد إلى تطمين النبي والمؤمنين وتثبيتهم، والرد على الكفار والتنديد بهم.
وإلى هذا فقد احتوت تلقينات مستمرة المدى، سواء أفي تطمين المؤمنين المخلصين من أنه لا سلطان للشيطان عليهم أم في وجوب الاستعاذة بالله منه حينما يتلو المسلم القرآن، أم في توكيد كون الذين لا يوفقهم الله ولا يسعدهم ولا يهديهم هم الذين فقدوا الرغبة في الحق والهدى والإيمان، وكون هؤلاء هم وحدهم الذين يجرؤون على الافتراء على الله.
والمتبادر أن رمي الكفار بالشرك بالشيطان وتوليه وحصر تأثيره فيهم، هو من قبيل الرد والتشنيع. وقد تكرر هذا في مناسبات عديدة بهذا القصد مرت بعض أمثلة منها، ولقد كانوا يفهمون مفهوم كلمة الشيطان، ويعرفون أنها بغيضة على ما شرحناه في تفسير سورة التكوير، فلزمتهم الحجة والتنديد.
والآية [ ١٠٥ ] جديرة بالتنويه بما انطوى فيها من تقرير كون الافتراء والكذب لا يمكن أن يقعا إلا من غير المؤمنين. ولقد روى البغوي سياقها حديثا رواه بطرقه عن عبد الله بن جراد قال :( قلت يا رسول الله المؤمن يزني ؟ قال : قد يكون ذلك. قلت : المؤمن يسرق ؟ قال : قد يكون ذلك. قلت : المؤمن يكذب ؟ قال : لا. قال الله ﴿ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ﴾، والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة ولكن صحته محتملة، وهو رائع قوي متساوق مع التلقين المنطوي في الآية.
مسألة النسخ في القرآن
وما ورد في الآية [ ١٠١ ] من إشارة إلى تبديل آية مكان آية، وما في آية سورة البقرة هذه :﴿ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ﴾ [ ١٠٦ ] صار موضوع بحوث في صدد النسخ والتبديل في القرآن ١.
فهناك من لا يرى مانعا عقليا ولا نقليا من النسخ، ويستند في الدرجة الأولى على ظاهر هذه الآيات. ومن هؤلاء من يأخذ ببعض الروايات فيقول إن بعض آيات نسخت تلاوة وبقيت حكما، وهي آية رجم الزناة المحصنين، التي اختلف في نصها حيث روي هكذا :( إذا زنى الشيخ والشيخة فاجلدوهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) وهكذا :( إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة والله عزيز حكيم ). ومنهم من يقول : إن بعض الآيات نسخت حكما وبقيت تلاوة مع اختلاف بينهم في هذه الآيات، حيث يزيد بعضهم فيها وينقص بعضهم، ومن الأمثلة على ذلك الوصية للوالدين من آية سورة البقرة هذه :﴿ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ١٨٠ ﴾. التي نسخت في آية سورة النساء هذه التي عينت للوالدين نصيبا من تركة أبنائهما :﴿ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس ﴾[ ١١ ] والآيات التي فرضت على المسلمين تقديم صدقة بين يدي نجواهم الرسول، ثم ألغتها في سورة المجادلة وهي :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ١٢ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ١٣ ﴾، ومثل الآيات التي قررت أن المسلمين يقدرون أن يقاتلوا عشرة أضعافهم مما خففت ذلك إلى الضعف في سورة الأنفال هذه :﴿ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ٦٥ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ٦٦ ﴾. ومنهم من يأخذ ببعض الروايات، فيقول عن بعض آيات كانت تتلى ثم نسخت تلاوة وحكما، وهي آيات الرضاعة ؛ حيث روي أنه كان في القرآن آية تعين عدد الرضعات التي يحرم بها النكاح ( عشر رضعات معلومات )، ثم نسخن بخمس رضعات معلومات، ثم نسخن تلاوة وحكما. ومنهم من يأخذ ببعض الروايات فيقول : إنه كانت آيات تتلى ثم نسخت أو أنسيت مثل آيات يروى أنها كانت تتلى في سورة البينة وهي :( لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه سأل ثانيا وإن سأل ثانيا فأعطيه سأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرا فلن يكفره )، ومنها آيات في إحدى سور المسبحات وهي :( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ) ومنها هذا النص :( جاهدوا كما جاهدتم أول مرة )، ومنها هذا النص :( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون. والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) ومنها سورة برمتها كانت تتلى في القنوت في الوتر وتسمى سورة الحفد والخلع.
وليس ما أوردناه من أمثلة هي كل ما روي عن الناسخ والمنسوخ في القرآن. فهناك أولا : روايات كثيرة جدا غير ما أوردناه وبخاصة في نسخ أحكام آيات بآيات أخرى، وهناك ثانيا : اختلاف بين أهل التأويل والاستنباط وعلماء القرآن ومفسريه، حيث يثبت بعضهم نسخا، فينكره بعضهم بالنسبة لكثير من روايات الناسخ والمنسوخ٢. وقد اعتنى بعضهم بهذا الأمر لما له من صلة بالتشريع الإسلامي والتنزيل القرآني، وأدى ذلك إلى تصنيف مصنفات عديدة فيه ٣.
ولقد جاء جذر النسخ في القرآن في معنى الإزالة، كما هو في آية سورة البقرة [ ١٠٦ ] التي أوردناها قب، ل وكما هو في آية سورة الحج هذه :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ﴾ [ ٥٢ ]، وفي معنى آخر وهو التسجيل والكتابة كما جاء في آية سورة الجاثية هذه :﴿ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ٢٩ ﴾، وآية سورة الأعراف هذه :﴿ ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ١٥٤ ﴾. وواضح أن موضوع الكلام هو المعنى الأول. غير أن الذين قالوا بجواز النسخ في القرآن لم يقفوا فيه عند هذا المعنى الذي ينطبق على نوع واحد من أنواع الأمثلة المتقدمة، وهي رفع النص القرآني بالمرة. بل جعلوه شاملا للتعديل الذي شاءت حكمة الله إدخاله على أحكام النصوص أو تبديلها، مع إبقاء النصوص المعدلة والمبدلة أيضا، كما هو واضح في بعض الأمثلة بحيث يقال : إنهم عنوا مدى الكلمة أكثر من معناها الحرفي. وهناك من لم ير سواغا للنسخ بجميع الأشكال المذكورة، ويرى ذلك في غير متسق مع علم الله وحكمته وفيه معنى ( البداء )، أي : بدا لله أن يرجع عما أنزل وقدر، وينزهه عن ذلك، وينكر الروايات التي لا تستند في الحقيقة إلى إسناد قوي، باستثناء رواية الرجم التي رواها أصحاب الصحاح الخمسة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي٤، ويؤول ما ظاهره يدل على أنه ناسخ أو منسوخ. غير أن الجمهور على أنه ليس من مانع عقلا ونقلا من النسخ بمداه وليس بمعناه الحرفي فقط تلاوة أو حكما، وأن ذلك لا يعني البداء فالله هو الحكيم المقدر الذي ينزل ما شاء ويبدل ما شاء بمقتضى حكمه، وأن ذلك متسق مع حكمة الله التي تقضي بتغير الأحكام بتغير الظروف.
والبداء في القرآن جاء بمعان متنوعة، فجاء بم
٢ انظر الأبواب الثاني والثالث والرابع من كتاب: النسخ في القرآن للدكتور مصطفى أبو زيد..
٣ انظر الباب الثاني من الكتاب نفسه..
٤ هذا نص الحديث قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب وهو على منبر رسول الله: إن الله قد بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل علية آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف (انظر التاج ج ٣ ص ٣)..
تعليق على جملة :﴿ روح القدس ﴾
وروح القدس المذكور في الآية [ ١٠٢ ] فسره المفسرون بالملك جبريل، والقدس بمعنى : المقدس والمطهر، وهو تعبير تكريمي، كما هو المتبادر. وقد ذكر جبريل بصراحة في آية في سورة البقرة في صدد نزوله بالقرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم وهي :﴿ قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين٩٧ ﴾، مما يعضد هذا التفسير. ولقد ورد في سورة الشعراء تعبير ﴿ الروح الأمين ١٩٣ ﴾، في صدد تنزيل القرآن. والمقصد هنا وهناك واحد على ما هو المتبادر. وقد علقنا بما يقتضي في تفسير تلك السورة، وهو ما يصح قوله هنا، فلا حاجة للإعادة.
تعليق على آية
﴿ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ﴾
والآية تدل دلالة قاطعة على أنه كان يقيم في مكة أناس غير عرب، والمتبادر من نسبة الكفار إليهم تعليم النبي أنهم كانوا على شيء من العلم، بحيث كانوا مظنة تعليم النبي. ووجود فريق من أهل الكتاب والعلم في مكة، مما أيدته آيات عديدة أخرى، وحكى بعضها إيمانهم وخشوعهم على ما مر في تفسير سورتي الإسراء والقصص. ولقد ذكر المفسرون استنادا إلى روايات رووها أسماء عديدة للشخص المذكور في الآية، ومن الأسماء عائش، أو يعيش : غلام حويطب بن عبد العزى، وكان صاحب كتب وعلم، وجبرا الرومي : غلام عامر بن الحضرمي، وكان يصنع السيوف، ويقرأ التوراة والإنجيل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر وقف عليه ليسمع ما يقرأ١، وبلعام : وكان قينا – حدادا- نصرانيا في مكة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل عليه على مرأى من المشركين ٢. وممن روى المفسرون أسماءهم في هذا الصدد : سلمان الفارسي أيضا. فكان هذا مما جعل المشركين على ما هو المتبادر يقولون ما قالوه هنا، وما حكته عنهم آية سورة الفرقان [ ٤ ]التي مر تفسيرها.
وطبعي أن هذا لا يعني أن ما قاله المشركون مطابق للواقع، فالآيات تحكي قولهم كما هو، وترد عليه ردا صريحا قاطعا، يعلن على مسمع جميع الناس ومسمع من كان قولهم يعنيهم من أهل العلم والكتاب في مكة، بالإضافة إلى ما حكته آيات أخرى أوردناها قبل من إيمانهم بالرسالة المحمدية وشهادتهم بصدق صلة القرآن بالله ووحيه ؛ لأنهم رأوا أعلام النبوة في النبي صلى الله عليه وسلم، واستطاعوا أن يتجردوا من الهوى والتعصب والمآرب. ورأى المشركون ذلك وسمعوه. وهذا كاف لتزييف هذا القول الذي استغله المبشرون والمغرضون من المستشرقين استغلالا بشعا على غير طائل، ويدل على أنهم لم يدركوا مدى الوحي القرآني والرسالة المحمدية، أو يكابرون ويغالطون فيهما على ما شرحناه في سياق سورة الفرقان شرحا يغني عن التكرار.
في الآيات :
١- أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من وساوس الشيطان حينما يتلو القرآن.
٢- وتوكيد بأنه ليس للشيطان أي تسلط وتأثير على الذين آمنوا بالله وتوكلوا عليه، وإنما تسلطه وتأثيره على الذين يتولونه- أي : يتخذونه وليا من دون الله - وينقادون لوساوسه ويشركونه مع الله.
٣- وإشارة إلى ما كان يقوله الكفار إذا ما سمعوا النبي يقرأ آية بدلا من آية، أو رأوه يبدل أمرا أو حكما قرآنيا أو خبرا قرآنيا بآخر، حيث كانوا يقولون : إنه هو الذي يخترع القرآن ويفتريه قاصدين بذلك – على ما هو المتبادر – أن يقولوا : إنه لو كان وحيا من الله لما وقع تبديل وتغيير.
٤- ورد عليهم بأن الله هو أعلم بما يوحي به إلى النبي وحكمته، وأن القائلين لا يستطيعون أن يدركوا ماهية وحي الله ولا حكمته.
٥- _ وأمر للنبي بأن يؤكد بأن ما يتلوه من القرآن هو وحي رباني، ينزل به روح القدس من الله بالحق، ليثبت المؤمنين، وليكون هدى وبشرى للمسلمين، سواء أكان الأصل أو المبدل.
٦- وإشارة أخرى إلى ما كان يقوله الكفار أيضا من أن شخصا معينا هو الذي يعلم النبي، ورد عليهم بأن لسان هذا الشخص أعجمي، ولغة القرآن عربية مبينة فصحى، فلا يصح في العقل أن يكون هذا القرآن العربي الفصيح تعليما من ذلك الشخص الأعجمي اللسان.
٧- وتنديد بالكفار وإنذار لهم : فالذين لا يؤمنون بآيات الله، لن ينالوا توفيقه وتسديده، ولهم عنده العذاب الأليم، وهم الكاذبون المفترون.
تعليق على آيات
﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾
وما بعدها إلى آخر الآية [ ١٠٥ ]
ولم نر فيما اطلعنا عليه رواية تذكر سبب نزول هذه الآيات. مع أن روحها بمجموعها تلهم أنها نزلت في صدد حادث له صلة بالقرآن، وأن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من الشيطان حينما يقرأ القرآن، وتوكيد كون الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين، وتوكيد نزول القرآن على قلب النبي بواسطة الروح القدس من عند الله متصل بهذا الحادث.
وقد تلهم الآيات أن الله أوحى إليه ببعض الآيات لتكون مكان آيات أخرى، فلما تلا الجديدة وأهمل الأولى المنسوخة، استغل الكفار ذلك، فأخذوا يدللون به على كذب دعوى النبي بأن القرآن وحي رباني، وينعتونه بالمفتري على الله، ويقولون : إن هناك شخصا يعلمه. ولعلهم قالوا فيما قالوه : إن الشيطان هو الذي يوسوس له أو يلقي عليه، لا وحي الله، وإن هذا التبديل دليل على ذلك. ولعل بعض الذين بايعوا النبي على الإسلام، والذين لم يكن الإيمان قد رسخ في قلوبهم تأثروا بهذا الحادث، وبدعاية الكفار فارتدوا أيضا، وهذا ما تدل عليه الآيات التي تأتي بعد هذه الآيات. فاقتضت حكمة التنزيل بالرد عليهم بما جاء في هذه الآيات، ونفي تعلم النبي من الشخص المزعوم، ونفي تأثير الشيطان على النبي، وأمره بالاستعاذة إلى الله منه.
والآيات في جملتها تقصد إلى تطمين النبي والمؤمنين وتثبيتهم، والرد على الكفار والتنديد بهم.
وإلى هذا فقد احتوت تلقينات مستمرة المدى، سواء أفي تطمين المؤمنين المخلصين من أنه لا سلطان للشيطان عليهم أم في وجوب الاستعاذة بالله منه حينما يتلو المسلم القرآن، أم في توكيد كون الذين لا يوفقهم الله ولا يسعدهم ولا يهديهم هم الذين فقدوا الرغبة في الحق والهدى والإيمان، وكون هؤلاء هم وحدهم الذين يجرؤون على الافتراء على الله.
والمتبادر أن رمي الكفار بالشرك بالشيطان وتوليه وحصر تأثيره فيهم، هو من قبيل الرد والتشنيع. وقد تكرر هذا في مناسبات عديدة بهذا القصد مرت بعض أمثلة منها، ولقد كانوا يفهمون مفهوم كلمة الشيطان، ويعرفون أنها بغيضة على ما شرحناه في تفسير سورة التكوير، فلزمتهم الحجة والتنديد.
والآية [ ١٠٥ ] جديرة بالتنويه بما انطوى فيها من تقرير كون الافتراء والكذب لا يمكن أن يقعا إلا من غير المؤمنين. ولقد روى البغوي سياقها حديثا رواه بطرقه عن عبد الله بن جراد قال :( قلت يا رسول الله المؤمن يزني ؟ قال : قد يكون ذلك. قلت : المؤمن يسرق ؟ قال : قد يكون ذلك. قلت : المؤمن يكذب ؟ قال : لا. قال الله ﴿ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ﴾، والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة ولكن صحته محتملة، وهو رائع قوي متساوق مع التلقين المنطوي في الآية.
مسألة النسخ في القرآن
وما ورد في الآية [ ١٠١ ] من إشارة إلى تبديل آية مكان آية، وما في آية سورة البقرة هذه :﴿ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ﴾ [ ١٠٦ ] صار موضوع بحوث في صدد النسخ والتبديل في القرآن ١.
فهناك من لا يرى مانعا عقليا ولا نقليا من النسخ، ويستند في الدرجة الأولى على ظاهر هذه الآيات. ومن هؤلاء من يأخذ ببعض الروايات فيقول إن بعض آيات نسخت تلاوة وبقيت حكما، وهي آية رجم الزناة المحصنين، التي اختلف في نصها حيث روي هكذا :( إذا زنى الشيخ والشيخة فاجلدوهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) وهكذا :( إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة والله عزيز حكيم ). ومنهم من يقول : إن بعض الآيات نسخت حكما وبقيت تلاوة مع اختلاف بينهم في هذه الآيات، حيث يزيد بعضهم فيها وينقص بعضهم، ومن الأمثلة على ذلك الوصية للوالدين من آية سورة البقرة هذه :﴿ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ١٨٠ ﴾. التي نسخت في آية سورة النساء هذه التي عينت للوالدين نصيبا من تركة أبنائهما :﴿ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس ﴾[ ١١ ] والآيات التي فرضت على المسلمين تقديم صدقة بين يدي نجواهم الرسول، ثم ألغتها في سورة المجادلة وهي :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ١٢ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ١٣ ﴾، ومثل الآيات التي قررت أن المسلمين يقدرون أن يقاتلوا عشرة أضعافهم مما خففت ذلك إلى الضعف في سورة الأنفال هذه :﴿ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ٦٥ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ٦٦ ﴾. ومنهم من يأخذ ببعض الروايات، فيقول عن بعض آيات كانت تتلى ثم نسخت تلاوة وحكما، وهي آيات الرضاعة ؛ حيث روي أنه كان في القرآن آية تعين عدد الرضعات التي يحرم بها النكاح ( عشر رضعات معلومات )، ثم نسخن بخمس رضعات معلومات، ثم نسخن تلاوة وحكما. ومنهم من يأخذ ببعض الروايات فيقول : إنه كانت آيات تتلى ثم نسخت أو أنسيت مثل آيات يروى أنها كانت تتلى في سورة البينة وهي :( لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه سأل ثانيا وإن سأل ثانيا فأعطيه سأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرا فلن يكفره )، ومنها آيات في إحدى سور المسبحات وهي :( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ) ومنها هذا النص :( جاهدوا كما جاهدتم أول مرة )، ومنها هذا النص :( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون. والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) ومنها سورة برمتها كانت تتلى في القنوت في الوتر وتسمى سورة الحفد والخلع.
وليس ما أوردناه من أمثلة هي كل ما روي عن الناسخ والمنسوخ في القرآن. فهناك أولا : روايات كثيرة جدا غير ما أوردناه وبخاصة في نسخ أحكام آيات بآيات أخرى، وهناك ثانيا : اختلاف بين أهل التأويل والاستنباط وعلماء القرآن ومفسريه، حيث يثبت بعضهم نسخا، فينكره بعضهم بالنسبة لكثير من روايات الناسخ والمنسوخ٢. وقد اعتنى بعضهم بهذا الأمر لما له من صلة بالتشريع الإسلامي والتنزيل القرآني، وأدى ذلك إلى تصنيف مصنفات عديدة فيه ٣.
ولقد جاء جذر النسخ في القرآن في معنى الإزالة، كما هو في آية سورة البقرة [ ١٠٦ ] التي أوردناها قب، ل وكما هو في آية سورة الحج هذه :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ﴾ [ ٥٢ ]، وفي معنى آخر وهو التسجيل والكتابة كما جاء في آية سورة الجاثية هذه :﴿ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ٢٩ ﴾، وآية سورة الأعراف هذه :﴿ ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ١٥٤ ﴾. وواضح أن موضوع الكلام هو المعنى الأول. غير أن الذين قالوا بجواز النسخ في القرآن لم يقفوا فيه عند هذا المعنى الذي ينطبق على نوع واحد من أنواع الأمثلة المتقدمة، وهي رفع النص القرآني بالمرة. بل جعلوه شاملا للتعديل الذي شاءت حكمة الله إدخاله على أحكام النصوص أو تبديلها، مع إبقاء النصوص المعدلة والمبدلة أيضا، كما هو واضح في بعض الأمثلة بحيث يقال : إنهم عنوا مدى الكلمة أكثر من معناها الحرفي. وهناك من لم ير سواغا للنسخ بجميع الأشكال المذكورة، ويرى ذلك في غير متسق مع علم الله وحكمته وفيه معنى ( البداء )، أي : بدا لله أن يرجع عما أنزل وقدر، وينزهه عن ذلك، وينكر الروايات التي لا تستند في الحقيقة إلى إسناد قوي، باستثناء رواية الرجم التي رواها أصحاب الصحاح الخمسة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي٤، ويؤول ما ظاهره يدل على أنه ناسخ أو منسوخ. غير أن الجمهور على أنه ليس من مانع عقلا ونقلا من النسخ بمداه وليس بمعناه الحرفي فقط تلاوة أو حكما، وأن ذلك لا يعني البداء فالله هو الحكيم المقدر الذي ينزل ما شاء ويبدل ما شاء بمقتضى حكمه، وأن ذلك متسق مع حكمة الله التي تقضي بتغير الأحكام بتغير الظروف.
والبداء في القرآن جاء بمعان متنوعة، فجاء بم
٢ انظر الأبواب الثاني والثالث والرابع من كتاب: النسخ في القرآن للدكتور مصطفى أبو زيد..
٣ انظر الباب الثاني من الكتاب نفسه..
٤ هذا نص الحديث قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب وهو على منبر رسول الله: إن الله قد بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل علية آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف (انظر التاج ج ٣ ص ٣)..
في الآيات :
١- أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من وساوس الشيطان حينما يتلو القرآن.
٢- وتوكيد بأنه ليس للشيطان أي تسلط وتأثير على الذين آمنوا بالله وتوكلوا عليه، وإنما تسلطه وتأثيره على الذين يتولونه- أي : يتخذونه وليا من دون الله - وينقادون لوساوسه ويشركونه مع الله.
٣- وإشارة إلى ما كان يقوله الكفار إذا ما سمعوا النبي يقرأ آية بدلا من آية، أو رأوه يبدل أمرا أو حكما قرآنيا أو خبرا قرآنيا بآخر، حيث كانوا يقولون : إنه هو الذي يخترع القرآن ويفتريه قاصدين بذلك – على ما هو المتبادر – أن يقولوا : إنه لو كان وحيا من الله لما وقع تبديل وتغيير.
٤- ورد عليهم بأن الله هو أعلم بما يوحي به إلى النبي وحكمته، وأن القائلين لا يستطيعون أن يدركوا ماهية وحي الله ولا حكمته.
٥- _ وأمر للنبي بأن يؤكد بأن ما يتلوه من القرآن هو وحي رباني، ينزل به روح القدس من الله بالحق، ليثبت المؤمنين، وليكون هدى وبشرى للمسلمين، سواء أكان الأصل أو المبدل.
٦- وإشارة أخرى إلى ما كان يقوله الكفار أيضا من أن شخصا معينا هو الذي يعلم النبي، ورد عليهم بأن لسان هذا الشخص أعجمي، ولغة القرآن عربية مبينة فصحى، فلا يصح في العقل أن يكون هذا القرآن العربي الفصيح تعليما من ذلك الشخص الأعجمي اللسان.
٧- وتنديد بالكفار وإنذار لهم : فالذين لا يؤمنون بآيات الله، لن ينالوا توفيقه وتسديده، ولهم عنده العذاب الأليم، وهم الكاذبون المفترون.
تعليق على آيات
﴿ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ﴾
وما بعدها إلى آخر الآية [ ١٠٥ ]
ولم نر فيما اطلعنا عليه رواية تذكر سبب نزول هذه الآيات. مع أن روحها بمجموعها تلهم أنها نزلت في صدد حادث له صلة بالقرآن، وأن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من الشيطان حينما يقرأ القرآن، وتوكيد كون الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين، وتوكيد نزول القرآن على قلب النبي بواسطة الروح القدس من عند الله متصل بهذا الحادث.
وقد تلهم الآيات أن الله أوحى إليه ببعض الآيات لتكون مكان آيات أخرى، فلما تلا الجديدة وأهمل الأولى المنسوخة، استغل الكفار ذلك، فأخذوا يدللون به على كذب دعوى النبي بأن القرآن وحي رباني، وينعتونه بالمفتري على الله، ويقولون : إن هناك شخصا يعلمه. ولعلهم قالوا فيما قالوه : إن الشيطان هو الذي يوسوس له أو يلقي عليه، لا وحي الله، وإن هذا التبديل دليل على ذلك. ولعل بعض الذين بايعوا النبي على الإسلام، والذين لم يكن الإيمان قد رسخ في قلوبهم تأثروا بهذا الحادث، وبدعاية الكفار فارتدوا أيضا، وهذا ما تدل عليه الآيات التي تأتي بعد هذه الآيات. فاقتضت حكمة التنزيل بالرد عليهم بما جاء في هذه الآيات، ونفي تعلم النبي من الشخص المزعوم، ونفي تأثير الشيطان على النبي، وأمره بالاستعاذة إلى الله منه.
والآيات في جملتها تقصد إلى تطمين النبي والمؤمنين وتثبيتهم، والرد على الكفار والتنديد بهم.
وإلى هذا فقد احتوت تلقينات مستمرة المدى، سواء أفي تطمين المؤمنين المخلصين من أنه لا سلطان للشيطان عليهم أم في وجوب الاستعاذة بالله منه حينما يتلو المسلم القرآن، أم في توكيد كون الذين لا يوفقهم الله ولا يسعدهم ولا يهديهم هم الذين فقدوا الرغبة في الحق والهدى والإيمان، وكون هؤلاء هم وحدهم الذين يجرؤون على الافتراء على الله.
والمتبادر أن رمي الكفار بالشرك بالشيطان وتوليه وحصر تأثيره فيهم، هو من قبيل الرد والتشنيع. وقد تكرر هذا في مناسبات عديدة بهذا القصد مرت بعض أمثلة منها، ولقد كانوا يفهمون مفهوم كلمة الشيطان، ويعرفون أنها بغيضة على ما شرحناه في تفسير سورة التكوير، فلزمتهم الحجة والتنديد.
والآية [ ١٠٥ ] جديرة بالتنويه بما انطوى فيها من تقرير كون الافتراء والكذب لا يمكن أن يقعا إلا من غير المؤمنين. ولقد روى البغوي سياقها حديثا رواه بطرقه عن عبد الله بن جراد قال :( قلت يا رسول الله المؤمن يزني ؟ قال : قد يكون ذلك. قلت : المؤمن يسرق ؟ قال : قد يكون ذلك. قلت : المؤمن يكذب ؟ قال : لا. قال الله ﴿ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ﴾، والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة ولكن صحته محتملة، وهو رائع قوي متساوق مع التلقين المنطوي في الآية.
مسألة النسخ في القرآن
وما ورد في الآية [ ١٠١ ] من إشارة إلى تبديل آية مكان آية، وما في آية سورة البقرة هذه :﴿ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ﴾ [ ١٠٦ ] صار موضوع بحوث في صدد النسخ والتبديل في القرآن ١.
فهناك من لا يرى مانعا عقليا ولا نقليا من النسخ، ويستند في الدرجة الأولى على ظاهر هذه الآيات. ومن هؤلاء من يأخذ ببعض الروايات فيقول إن بعض آيات نسخت تلاوة وبقيت حكما، وهي آية رجم الزناة المحصنين، التي اختلف في نصها حيث روي هكذا :( إذا زنى الشيخ والشيخة فاجلدوهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) وهكذا :( إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة والله عزيز حكيم ). ومنهم من يقول : إن بعض الآيات نسخت حكما وبقيت تلاوة مع اختلاف بينهم في هذه الآيات، حيث يزيد بعضهم فيها وينقص بعضهم، ومن الأمثلة على ذلك الوصية للوالدين من آية سورة البقرة هذه :﴿ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ١٨٠ ﴾. التي نسخت في آية سورة النساء هذه التي عينت للوالدين نصيبا من تركة أبنائهما :﴿ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس ﴾[ ١١ ] والآيات التي فرضت على المسلمين تقديم صدقة بين يدي نجواهم الرسول، ثم ألغتها في سورة المجادلة وهي :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ١٢ أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ١٣ ﴾، ومثل الآيات التي قررت أن المسلمين يقدرون أن يقاتلوا عشرة أضعافهم مما خففت ذلك إلى الضعف في سورة الأنفال هذه :﴿ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ٦٥ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ٦٦ ﴾. ومنهم من يأخذ ببعض الروايات، فيقول عن بعض آيات كانت تتلى ثم نسخت تلاوة وحكما، وهي آيات الرضاعة ؛ حيث روي أنه كان في القرآن آية تعين عدد الرضعات التي يحرم بها النكاح ( عشر رضعات معلومات )، ثم نسخن بخمس رضعات معلومات، ثم نسخن تلاوة وحكما. ومنهم من يأخذ ببعض الروايات فيقول : إنه كانت آيات تتلى ثم نسخت أو أنسيت مثل آيات يروى أنها كانت تتلى في سورة البينة وهي :( لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه سأل ثانيا وإن سأل ثانيا فأعطيه سأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرا فلن يكفره )، ومنها آيات في إحدى سور المسبحات وهي :( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة ) ومنها هذا النص :( جاهدوا كما جاهدتم أول مرة )، ومنها هذا النص :( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون. والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) ومنها سورة برمتها كانت تتلى في القنوت في الوتر وتسمى سورة الحفد والخلع.
وليس ما أوردناه من أمثلة هي كل ما روي عن الناسخ والمنسوخ في القرآن. فهناك أولا : روايات كثيرة جدا غير ما أوردناه وبخاصة في نسخ أحكام آيات بآيات أخرى، وهناك ثانيا : اختلاف بين أهل التأويل والاستنباط وعلماء القرآن ومفسريه، حيث يثبت بعضهم نسخا، فينكره بعضهم بالنسبة لكثير من روايات الناسخ والمنسوخ٢. وقد اعتنى بعضهم بهذا الأمر لما له من صلة بالتشريع الإسلامي والتنزيل القرآني، وأدى ذلك إلى تصنيف مصنفات عديدة فيه ٣.
ولقد جاء جذر النسخ في القرآن في معنى الإزالة، كما هو في آية سورة البقرة [ ١٠٦ ] التي أوردناها قب، ل وكما هو في آية سورة الحج هذه :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ﴾ [ ٥٢ ]، وفي معنى آخر وهو التسجيل والكتابة كما جاء في آية سورة الجاثية هذه :﴿ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ٢٩ ﴾، وآية سورة الأعراف هذه :﴿ ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ١٥٤ ﴾. وواضح أن موضوع الكلام هو المعنى الأول. غير أن الذين قالوا بجواز النسخ في القرآن لم يقفوا فيه عند هذا المعنى الذي ينطبق على نوع واحد من أنواع الأمثلة المتقدمة، وهي رفع النص القرآني بالمرة. بل جعلوه شاملا للتعديل الذي شاءت حكمة الله إدخاله على أحكام النصوص أو تبديلها، مع إبقاء النصوص المعدلة والمبدلة أيضا، كما هو واضح في بعض الأمثلة بحيث يقال : إنهم عنوا مدى الكلمة أكثر من معناها الحرفي. وهناك من لم ير سواغا للنسخ بجميع الأشكال المذكورة، ويرى ذلك في غير متسق مع علم الله وحكمته وفيه معنى ( البداء )، أي : بدا لله أن يرجع عما أنزل وقدر، وينزهه عن ذلك، وينكر الروايات التي لا تستند في الحقيقة إلى إسناد قوي، باستثناء رواية الرجم التي رواها أصحاب الصحاح الخمسة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي٤، ويؤول ما ظاهره يدل على أنه ناسخ أو منسوخ. غير أن الجمهور على أنه ليس من مانع عقلا ونقلا من النسخ بمداه وليس بمعناه الحرفي فقط تلاوة أو حكما، وأن ذلك لا يعني البداء فالله هو الحكيم المقدر الذي ينزل ما شاء ويبدل ما شاء بمقتضى حكمه، وأن ذلك متسق مع حكمة الله التي تقضي بتغير الأحكام بتغير الظروف.
والبداء في القرآن جاء بمعان متنوعة، فجاء بم
٢ انظر الأبواب الثاني والثالث والرابع من كتاب: النسخ في القرآن للدكتور مصطفى أبو زيد..
٣ انظر الباب الثاني من الكتاب نفسه..
٤ هذا نص الحديث قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب وهو على منبر رسول الله: إن الله قد بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل علية آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف (انظر التاج ج ٣ ص ٣)..
في الآيات :
١- إعلان لغضب الله على الذين كفروا بعد إيمانهم عن عمد لا عن إكراه.
٢- وإنذار لهم بعذاب الله العظيم.
٣- وبيان بأنهم استحقوا ذلك ؛ لأنهم فعلوا فعلتهم الشنيعة استحبابا للحياة ومنافعها، وتفضيلا لذلك على الآخرة.
٤- وتقرير بأن الله لا يهدي الكافرين أمثالهم، ولا ييسر لهم أسباب الطمأنينة والسعادة، وقد طبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فصاروا في مثابة الصم العمي البله الغافلين عن الحق والحقيقة، وبأنهم سيكونون الخاسرين في الآخرة بطبيعة الحال.
٥- وإشارة تنويهية إلى الذين هاجروا من بعد ما ارتدوا وفتنوا عن دينهم ثم جاهدوا وصبروا. وتقرير بأن الله سيشملهم بغفرانه ورحمته يوم القيامة الذي تجادل فيه وتدافع كل نفس عن نفسها، وتوفى كل نفس ما عملت من خير وشر دون ظلم ولا إجحاف.
تعليق على آية
﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾وما بعدها.
لقد تعددت الروايات التي يرويها المفسرون في صدد الآيتين [ ١٠٦و١١٠ ] من هذه الآيات ١.
ففي صدد الآية الأولى رووا أن الاستثناء فيها نزل في حق عمار بن ياسر الذي أخذه مالكوه مع أمه وأبيه، وعذبوهم حتى مات أبوه وأمه، وأعطاهم ما أرادوا بلسانه، فأتى رسوله الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال له : ما وراءك ؟ قال : شر يا رسول الله، نلت منك وذكرت آلهتهم بخير. فقال له : كيف وجدت قلبك ؟ قال : مطمئن بالإيمان، فجعل النبي يمسح على عينيه ويقول : إن عادوا فعد لهم بما قلت.
ورووا في الوقت نفسه أنها نزلت في حق جبرا مولى عامر الحضرمي الذي أكرهه سيده على الكفر أو خباب أو صهيب. ورووا كذلك أنها نزلت في أناس من أهل مكة كانوا مسلمين فيها، فكتب لهم أصحابهم في المدينة أن هاجروا فأنتم لستم منا حتى تهاجروا، فخرجوا فأدركتهم قريش ففتنوهم فكفروا كارهين. ورووا في صدد الآية [ ١١٠ ] أنها نزلت في جماعة كانوا يخفون إسلامهم في مكة، فأخرجتهم قريش يوم بدر وحاربوا المسلمين، فقتل بعضهم فاستغفر لهم بعض أصحاب رسول الله وقالوا أخرجوا كارهين فأنزل الله :﴿ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ٩١ ﴾ فكتب بعض أصحاب رسول الله لمن بقي فيهم بالأمر، فخرجوا مستيئسين فلحقتهم قريش وقاتلتهم، فقتل بعضهم ونجا بعضهم، فأنزل الله بحقهم الآية [ ١١٠ ]، كما رووا أنها نزلت في حق جماعة من المسلمين تخلفوا في مكة، فكتب لهم أصحابهم بأن الله لا يقبل إسلامهم حتى يهاجروا، فخرجوا فلحقتهم قريش وأرجعتهم وفتنتهم عن دينهم، ثم تمكن بعضهم من الإفلات والهجرة. وسموا من هؤلاء عياش بن أبي ربيعة وأبا جندل بن سهيل وسلمة بن هشام. ورووا في الوقت نفسه أنها نزلت في حق عبد الله بن أبي سرح، وكان يكتب لرسول الله فأزله الشيطان فكفر ولحق بالكفار، فأمر النبي بقتله يوم فتح مكة، فاستجار له أبو عمرو أو أخوه بالرضاعة عثمان بن عفان، فعفى النبي عنه ونزلت في حقه الآية.
وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومقتضى الروايات التي تذكر ابن أبي سرح أو المسلمين المستخفين أو المتخلفين في مكة أن تكون الآية [ ١١٠ ] مدنية ولم نر ما يؤيد ذلك. وليس من حكمة في وضع آية مدنية في سياق متصل بمواقف كفار مكة. وهذا يقال بالنسبة للرواية التي تذكر صلة الآية[ ١٠٦ ] بجماعة من المتخلفين في مكة الذين أرادوا اللحاق بالمدينة فردتهم قريش وفتنتهم مكرهين. ومسألة فتنة عمار بن ياسر وأمثاله كانت في عهد مبكر من البعثة، والسورة نزلت بعد النصف الأول من العهد المكي على الأرجح.
ولذلك نحن نستبعد صحة هذه الروايات كسبب لنزول الآيتين [ ١٠٦ و ١١٠ ]، وكل ما يمكن احتماله أنهما كانتا تتليان للتطبيق، أو أن الروايات هي من قبيل التطبيق. ومن الجدير بالذكر أن المفسرين لم يرووا رواية ما فيما اطلعنا عليه في صدد الذين كفروا وشرحوا صدرا بالكفر، مع أن الآيات وما فيها من حملة شديدة هي في حقهم بالدرجة الأولى. ونحن نرجح بل نكاد أن نجزم أن الآيات جميعها نزلت في صدد أحداث وقعت في مكة بعد الهجرة إلى الحبشة.
وأن أناسا من المسلمين قد ارتدوا عن الإسلام بدون إكراه وثبتوا على كفرهم، وأن أناسا قد ارتدوا عن الإسلام كرها مع بقاء قلوبهم مطمئنة بالإيمان، وأن بعض هؤلاء أو جميعهم – إن كانوا أكثر من واحد – قد استطاعوا أن يفلتوا من مكة ويهاجروا فلما بلغوا مأمنهم أظهروا إسلامهم، وجاهدوا وصبروا على ما لاقوه من مشقة وحرمان، وأن ذلك متصل بحادث تبديل بعض الآيات مكان بعض الذي أشير إليه في الآيات التي سبقت هذه الآيات. فمن المحتمل جدا أن يكون الذين تولوا قيادة المعارضة والتعطيل قد اتخذوا هذا الحادث وسيلة للدعاية والتشويش والتشكيك، فأثروا على بعض المسلمين وجعلوهم يرتدون، وربما أغروهم ببعض المنافع الدنيوية بل كان هذا وسيلة مؤكدة على ما تلهمه الآية [ ١٠٧ ] التي تذكر أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة. ومن المحتمل أن يكون هؤلاء القادة قد أجبروا بأسلوب ما في نفس الظرف بعض المسلمين على الارتداد وظلت قلوبهم مطمئنة بالإيمان، وظل وجدانهم يتعذب حتى إذا سنحت لهم الفرصة أفلتوا وهاجروا وعادوا إلى الإسلام، فاحتوت الآيات حملة على الأولين وتنويها بالآخرين، واحتوت الآية [ ١١٠ ] بخاصة إيذانا بعفو الله ورحمته ومغفرته لهم. ولعل من الذين ارتدوا بدون إكراه من ندم وهاجر وعاد إلى الإسلام أيضا مما قد يلهمه أسلوب الآية [ ١١٠ ]، وفي كل ذلك صورة من صور السيرة النبوية في مكة.
والارتداد بدون إكراه نقض لعهد الله. وفي الآيات [ ٩١-٩٧ ] التي سبقت هذا الفصل والذي قبله توكيد على الوفاء بعهد الله، وتحذير من نقضه واتخاذ الإيمان بالله وسيلة تغرير وخداع ومداراة للأقوى والأكثر، وترجيحا لما عند الناس على ما عند الله. وهذا ما سوغ لنا أن نقول في صدد هذه الآيات : إنها متصلة بهذا الفصل والفصل السابق له، بل وربما كانت مقدمة لهما.
وطبيعي أن يكون هذا الحادث قد أثر في نفس النبي والمؤمنين وسير الدعوة النبوية تأثيرا شديدا. وهذا ما يفسر الحملة الشديدة على المرتدين بدون إكراه الذين ثبتوا على كفرهم، ويفسر ما احتوته الآية الأخيرة من تطمين وإنذار معا فليس على النبي والمؤمنين من بأس وهم بما يفعله الآثمون الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، وينقضون عهد الله، فكل مسؤول عن عمله يوم القيامة ومجزى عليه بما يستحقه.
والمتبادر أن تعبير :﴿ جاهدوا ﴾، في الآية الأخيرة قد قصد به بذل الجهد وتحمل المشقة والحرمان في سبيل الله ودينه ؛ لأن الجهاد الحربي إنما كان بعد الهجرة إلى المدينة كما لا يخفى. ولقد كان من المسلمين مهاجرين في الحبشة في هذا الظرف، على ما مر شرحه في مناسبة آية سابقة في هذه السورة، فمن المحتمل كثيرا أن هؤلاء الذين آمنوا من بعد ما فتنوا وهاجروا، قد هاجروا إلى الحبشة والتحقوا فيها بإخوانهم السابقين.
تلقينات الآية
﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾ وما بعدها
هذا، والآيات تنطوي على تلقينات مستمرة المدى فيما يتبادر لنا. فالله لا يؤاخذ من يجبر على ارتكاب إثم من الآثام مهما عظم إذا كان غير راض به، وكان متعلقا بخاصة نفسه، ويقبل توبة النادمين والتائبين منه إذا رضوا به في موقف أو حالة ما، ويشملهم برحمته، وشرط التعلق بخاصة النفس مستلهم من روح الآيات، فالإكراه على القتل لا يبرر القتل، والإكراه على الزنا لا يبرر الزنا ؛ لأن أقصى نتائج الإكراه القتل. وحد من يرتكب الإثمين القتل أيضا، واللواط في حكم الزنا. وقد يستثنى المفعول بهما إذا قيدا ومنعا من المقاومة. أما الإكراه على الكفر، وما دون ذلك من شرب الخمر وأكل لحم خنزير وميتة ودم مسفوح، وامتناع عن الصلاة والصوم والحج، فهو مبرر بقدر ما يكفي لدفع الضرر من الإكراه إذا كان مؤكدا ويقينا. وقد يكون الإكراه على ما دون القتل والزنا – مما يتعلق بالغير – مبررا أيضا إذا أصلح الفاعل وعوض عما ارتكبه بعد زوال خطر الإكراه. وهذا لا يتعارض مع التوبة عن الآثام التي يرتكبها المرء بدون إكراه إذا ما كانت توبة صادقة مترافقة على الإصلاح والتعويض على ما شرحناه في سياق سورة الفرقان.
وهناك حديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٢. والحديث يتساوق مع التلقين القرآني، ويتحمل بدوره الملاحظات التي شرحناها كما هو المتبادر، والله تعالى أعلم.
ولقد نبه المفسرون في سياق الآية إلى التشريع النبوي في حق المرتدين عن الإسلام بدون إكراه، فروى ابن كثير حديثا رواه الإمام أحمد عن عكرمة، رواه أيضا البخاري وأبو داود والترمذي بصيغة قريبة جدا وهي :( إن عليا حرق قوما ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه، ولم أحرقهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تعذبوا بعذاب الله، فبلغ ذلك عليا فقال : صدق ابن عباس ) ٣. وهناك حديث آخر رواه الخمسة عن عبد الله بن مسعود قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة ) ٤.
والمتبادر أن هذا التشريع النبوي مدني، وقد اكتفت الآيات التي نحن في صددها بتقرير غضب الله وعذابه العظيم، والخسران في الآخرة للمرتدين الشارحين بالكفر صدرا ؛ لأن هذا هو المناسب مع ظرف العهد المكي على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.
.
٢ التاج ج ١ ص ٢٩..
٣ التاج ج ٣ ص ١٧..
٤ المصدر نفسه..
في الآيات :
١- إعلان لغضب الله على الذين كفروا بعد إيمانهم عن عمد لا عن إكراه.
٢- وإنذار لهم بعذاب الله العظيم.
٣- وبيان بأنهم استحقوا ذلك ؛ لأنهم فعلوا فعلتهم الشنيعة استحبابا للحياة ومنافعها، وتفضيلا لذلك على الآخرة.
٤- وتقرير بأن الله لا يهدي الكافرين أمثالهم، ولا ييسر لهم أسباب الطمأنينة والسعادة، وقد طبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فصاروا في مثابة الصم العمي البله الغافلين عن الحق والحقيقة، وبأنهم سيكونون الخاسرين في الآخرة بطبيعة الحال.
٥- وإشارة تنويهية إلى الذين هاجروا من بعد ما ارتدوا وفتنوا عن دينهم ثم جاهدوا وصبروا. وتقرير بأن الله سيشملهم بغفرانه ورحمته يوم القيامة الذي تجادل فيه وتدافع كل نفس عن نفسها، وتوفى كل نفس ما عملت من خير وشر دون ظلم ولا إجحاف.
تعليق على آية
﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾وما بعدها.
لقد تعددت الروايات التي يرويها المفسرون في صدد الآيتين [ ١٠٦و١١٠ ] من هذه الآيات ١.
ففي صدد الآية الأولى رووا أن الاستثناء فيها نزل في حق عمار بن ياسر الذي أخذه مالكوه مع أمه وأبيه، وعذبوهم حتى مات أبوه وأمه، وأعطاهم ما أرادوا بلسانه، فأتى رسوله الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال له : ما وراءك ؟ قال : شر يا رسول الله، نلت منك وذكرت آلهتهم بخير. فقال له : كيف وجدت قلبك ؟ قال : مطمئن بالإيمان، فجعل النبي يمسح على عينيه ويقول : إن عادوا فعد لهم بما قلت.
ورووا في الوقت نفسه أنها نزلت في حق جبرا مولى عامر الحضرمي الذي أكرهه سيده على الكفر أو خباب أو صهيب. ورووا كذلك أنها نزلت في أناس من أهل مكة كانوا مسلمين فيها، فكتب لهم أصحابهم في المدينة أن هاجروا فأنتم لستم منا حتى تهاجروا، فخرجوا فأدركتهم قريش ففتنوهم فكفروا كارهين. ورووا في صدد الآية [ ١١٠ ] أنها نزلت في جماعة كانوا يخفون إسلامهم في مكة، فأخرجتهم قريش يوم بدر وحاربوا المسلمين، فقتل بعضهم فاستغفر لهم بعض أصحاب رسول الله وقالوا أخرجوا كارهين فأنزل الله :﴿ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ٩١ ﴾ فكتب بعض أصحاب رسول الله لمن بقي فيهم بالأمر، فخرجوا مستيئسين فلحقتهم قريش وقاتلتهم، فقتل بعضهم ونجا بعضهم، فأنزل الله بحقهم الآية [ ١١٠ ]، كما رووا أنها نزلت في حق جماعة من المسلمين تخلفوا في مكة، فكتب لهم أصحابهم بأن الله لا يقبل إسلامهم حتى يهاجروا، فخرجوا فلحقتهم قريش وأرجعتهم وفتنتهم عن دينهم، ثم تمكن بعضهم من الإفلات والهجرة. وسموا من هؤلاء عياش بن أبي ربيعة وأبا جندل بن سهيل وسلمة بن هشام. ورووا في الوقت نفسه أنها نزلت في حق عبد الله بن أبي سرح، وكان يكتب لرسول الله فأزله الشيطان فكفر ولحق بالكفار، فأمر النبي بقتله يوم فتح مكة، فاستجار له أبو عمرو أو أخوه بالرضاعة عثمان بن عفان، فعفى النبي عنه ونزلت في حقه الآية.
وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومقتضى الروايات التي تذكر ابن أبي سرح أو المسلمين المستخفين أو المتخلفين في مكة أن تكون الآية [ ١١٠ ] مدنية ولم نر ما يؤيد ذلك. وليس من حكمة في وضع آية مدنية في سياق متصل بمواقف كفار مكة. وهذا يقال بالنسبة للرواية التي تذكر صلة الآية[ ١٠٦ ] بجماعة من المتخلفين في مكة الذين أرادوا اللحاق بالمدينة فردتهم قريش وفتنتهم مكرهين. ومسألة فتنة عمار بن ياسر وأمثاله كانت في عهد مبكر من البعثة، والسورة نزلت بعد النصف الأول من العهد المكي على الأرجح.
ولذلك نحن نستبعد صحة هذه الروايات كسبب لنزول الآيتين [ ١٠٦ و ١١٠ ]، وكل ما يمكن احتماله أنهما كانتا تتليان للتطبيق، أو أن الروايات هي من قبيل التطبيق. ومن الجدير بالذكر أن المفسرين لم يرووا رواية ما فيما اطلعنا عليه في صدد الذين كفروا وشرحوا صدرا بالكفر، مع أن الآيات وما فيها من حملة شديدة هي في حقهم بالدرجة الأولى. ونحن نرجح بل نكاد أن نجزم أن الآيات جميعها نزلت في صدد أحداث وقعت في مكة بعد الهجرة إلى الحبشة.
وأن أناسا من المسلمين قد ارتدوا عن الإسلام بدون إكراه وثبتوا على كفرهم، وأن أناسا قد ارتدوا عن الإسلام كرها مع بقاء قلوبهم مطمئنة بالإيمان، وأن بعض هؤلاء أو جميعهم – إن كانوا أكثر من واحد – قد استطاعوا أن يفلتوا من مكة ويهاجروا فلما بلغوا مأمنهم أظهروا إسلامهم، وجاهدوا وصبروا على ما لاقوه من مشقة وحرمان، وأن ذلك متصل بحادث تبديل بعض الآيات مكان بعض الذي أشير إليه في الآيات التي سبقت هذه الآيات. فمن المحتمل جدا أن يكون الذين تولوا قيادة المعارضة والتعطيل قد اتخذوا هذا الحادث وسيلة للدعاية والتشويش والتشكيك، فأثروا على بعض المسلمين وجعلوهم يرتدون، وربما أغروهم ببعض المنافع الدنيوية بل كان هذا وسيلة مؤكدة على ما تلهمه الآية [ ١٠٧ ] التي تذكر أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة. ومن المحتمل أن يكون هؤلاء القادة قد أجبروا بأسلوب ما في نفس الظرف بعض المسلمين على الارتداد وظلت قلوبهم مطمئنة بالإيمان، وظل وجدانهم يتعذب حتى إذا سنحت لهم الفرصة أفلتوا وهاجروا وعادوا إلى الإسلام، فاحتوت الآيات حملة على الأولين وتنويها بالآخرين، واحتوت الآية [ ١١٠ ] بخاصة إيذانا بعفو الله ورحمته ومغفرته لهم. ولعل من الذين ارتدوا بدون إكراه من ندم وهاجر وعاد إلى الإسلام أيضا مما قد يلهمه أسلوب الآية [ ١١٠ ]، وفي كل ذلك صورة من صور السيرة النبوية في مكة.
والارتداد بدون إكراه نقض لعهد الله. وفي الآيات [ ٩١-٩٧ ] التي سبقت هذا الفصل والذي قبله توكيد على الوفاء بعهد الله، وتحذير من نقضه واتخاذ الإيمان بالله وسيلة تغرير وخداع ومداراة للأقوى والأكثر، وترجيحا لما عند الناس على ما عند الله. وهذا ما سوغ لنا أن نقول في صدد هذه الآيات : إنها متصلة بهذا الفصل والفصل السابق له، بل وربما كانت مقدمة لهما.
وطبيعي أن يكون هذا الحادث قد أثر في نفس النبي والمؤمنين وسير الدعوة النبوية تأثيرا شديدا. وهذا ما يفسر الحملة الشديدة على المرتدين بدون إكراه الذين ثبتوا على كفرهم، ويفسر ما احتوته الآية الأخيرة من تطمين وإنذار معا فليس على النبي والمؤمنين من بأس وهم بما يفعله الآثمون الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، وينقضون عهد الله، فكل مسؤول عن عمله يوم القيامة ومجزى عليه بما يستحقه.
والمتبادر أن تعبير :﴿ جاهدوا ﴾، في الآية الأخيرة قد قصد به بذل الجهد وتحمل المشقة والحرمان في سبيل الله ودينه ؛ لأن الجهاد الحربي إنما كان بعد الهجرة إلى المدينة كما لا يخفى. ولقد كان من المسلمين مهاجرين في الحبشة في هذا الظرف، على ما مر شرحه في مناسبة آية سابقة في هذه السورة، فمن المحتمل كثيرا أن هؤلاء الذين آمنوا من بعد ما فتنوا وهاجروا، قد هاجروا إلى الحبشة والتحقوا فيها بإخوانهم السابقين.
تلقينات الآية
﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾ وما بعدها
هذا، والآيات تنطوي على تلقينات مستمرة المدى فيما يتبادر لنا. فالله لا يؤاخذ من يجبر على ارتكاب إثم من الآثام مهما عظم إذا كان غير راض به، وكان متعلقا بخاصة نفسه، ويقبل توبة النادمين والتائبين منه إذا رضوا به في موقف أو حالة ما، ويشملهم برحمته، وشرط التعلق بخاصة النفس مستلهم من روح الآيات، فالإكراه على القتل لا يبرر القتل، والإكراه على الزنا لا يبرر الزنا ؛ لأن أقصى نتائج الإكراه القتل. وحد من يرتكب الإثمين القتل أيضا، واللواط في حكم الزنا. وقد يستثنى المفعول بهما إذا قيدا ومنعا من المقاومة. أما الإكراه على الكفر، وما دون ذلك من شرب الخمر وأكل لحم خنزير وميتة ودم مسفوح، وامتناع عن الصلاة والصوم والحج، فهو مبرر بقدر ما يكفي لدفع الضرر من الإكراه إذا كان مؤكدا ويقينا. وقد يكون الإكراه على ما دون القتل والزنا – مما يتعلق بالغير – مبررا أيضا إذا أصلح الفاعل وعوض عما ارتكبه بعد زوال خطر الإكراه. وهذا لا يتعارض مع التوبة عن الآثام التي يرتكبها المرء بدون إكراه إذا ما كانت توبة صادقة مترافقة على الإصلاح والتعويض على ما شرحناه في سياق سورة الفرقان.
وهناك حديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٢. والحديث يتساوق مع التلقين القرآني، ويتحمل بدوره الملاحظات التي شرحناها كما هو المتبادر، والله تعالى أعلم.
ولقد نبه المفسرون في سياق الآية إلى التشريع النبوي في حق المرتدين عن الإسلام بدون إكراه، فروى ابن كثير حديثا رواه الإمام أحمد عن عكرمة، رواه أيضا البخاري وأبو داود والترمذي بصيغة قريبة جدا وهي :( إن عليا حرق قوما ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه، ولم أحرقهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تعذبوا بعذاب الله، فبلغ ذلك عليا فقال : صدق ابن عباس ) ٣. وهناك حديث آخر رواه الخمسة عن عبد الله بن مسعود قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة ) ٤.
والمتبادر أن هذا التشريع النبوي مدني، وقد اكتفت الآيات التي نحن في صددها بتقرير غضب الله وعذابه العظيم، والخسران في الآخرة للمرتدين الشارحين بالكفر صدرا ؛ لأن هذا هو المناسب مع ظرف العهد المكي على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.
.
٢ التاج ج ١ ص ٢٩..
٣ التاج ج ٣ ص ١٧..
٤ المصدر نفسه..
في الآيات :
١- إعلان لغضب الله على الذين كفروا بعد إيمانهم عن عمد لا عن إكراه.
٢- وإنذار لهم بعذاب الله العظيم.
٣- وبيان بأنهم استحقوا ذلك ؛ لأنهم فعلوا فعلتهم الشنيعة استحبابا للحياة ومنافعها، وتفضيلا لذلك على الآخرة.
٤- وتقرير بأن الله لا يهدي الكافرين أمثالهم، ولا ييسر لهم أسباب الطمأنينة والسعادة، وقد طبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فصاروا في مثابة الصم العمي البله الغافلين عن الحق والحقيقة، وبأنهم سيكونون الخاسرين في الآخرة بطبيعة الحال.
٥- وإشارة تنويهية إلى الذين هاجروا من بعد ما ارتدوا وفتنوا عن دينهم ثم جاهدوا وصبروا. وتقرير بأن الله سيشملهم بغفرانه ورحمته يوم القيامة الذي تجادل فيه وتدافع كل نفس عن نفسها، وتوفى كل نفس ما عملت من خير وشر دون ظلم ولا إجحاف.
تعليق على آية
﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾وما بعدها.
لقد تعددت الروايات التي يرويها المفسرون في صدد الآيتين [ ١٠٦و١١٠ ] من هذه الآيات ١.
ففي صدد الآية الأولى رووا أن الاستثناء فيها نزل في حق عمار بن ياسر الذي أخذه مالكوه مع أمه وأبيه، وعذبوهم حتى مات أبوه وأمه، وأعطاهم ما أرادوا بلسانه، فأتى رسوله الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال له : ما وراءك ؟ قال : شر يا رسول الله، نلت منك وذكرت آلهتهم بخير. فقال له : كيف وجدت قلبك ؟ قال : مطمئن بالإيمان، فجعل النبي يمسح على عينيه ويقول : إن عادوا فعد لهم بما قلت.
ورووا في الوقت نفسه أنها نزلت في حق جبرا مولى عامر الحضرمي الذي أكرهه سيده على الكفر أو خباب أو صهيب. ورووا كذلك أنها نزلت في أناس من أهل مكة كانوا مسلمين فيها، فكتب لهم أصحابهم في المدينة أن هاجروا فأنتم لستم منا حتى تهاجروا، فخرجوا فأدركتهم قريش ففتنوهم فكفروا كارهين. ورووا في صدد الآية [ ١١٠ ] أنها نزلت في جماعة كانوا يخفون إسلامهم في مكة، فأخرجتهم قريش يوم بدر وحاربوا المسلمين، فقتل بعضهم فاستغفر لهم بعض أصحاب رسول الله وقالوا أخرجوا كارهين فأنزل الله :﴿ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ٩١ ﴾ فكتب بعض أصحاب رسول الله لمن بقي فيهم بالأمر، فخرجوا مستيئسين فلحقتهم قريش وقاتلتهم، فقتل بعضهم ونجا بعضهم، فأنزل الله بحقهم الآية [ ١١٠ ]، كما رووا أنها نزلت في حق جماعة من المسلمين تخلفوا في مكة، فكتب لهم أصحابهم بأن الله لا يقبل إسلامهم حتى يهاجروا، فخرجوا فلحقتهم قريش وأرجعتهم وفتنتهم عن دينهم، ثم تمكن بعضهم من الإفلات والهجرة. وسموا من هؤلاء عياش بن أبي ربيعة وأبا جندل بن سهيل وسلمة بن هشام. ورووا في الوقت نفسه أنها نزلت في حق عبد الله بن أبي سرح، وكان يكتب لرسول الله فأزله الشيطان فكفر ولحق بالكفار، فأمر النبي بقتله يوم فتح مكة، فاستجار له أبو عمرو أو أخوه بالرضاعة عثمان بن عفان، فعفى النبي عنه ونزلت في حقه الآية.
وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومقتضى الروايات التي تذكر ابن أبي سرح أو المسلمين المستخفين أو المتخلفين في مكة أن تكون الآية [ ١١٠ ] مدنية ولم نر ما يؤيد ذلك. وليس من حكمة في وضع آية مدنية في سياق متصل بمواقف كفار مكة. وهذا يقال بالنسبة للرواية التي تذكر صلة الآية[ ١٠٦ ] بجماعة من المتخلفين في مكة الذين أرادوا اللحاق بالمدينة فردتهم قريش وفتنتهم مكرهين. ومسألة فتنة عمار بن ياسر وأمثاله كانت في عهد مبكر من البعثة، والسورة نزلت بعد النصف الأول من العهد المكي على الأرجح.
ولذلك نحن نستبعد صحة هذه الروايات كسبب لنزول الآيتين [ ١٠٦ و ١١٠ ]، وكل ما يمكن احتماله أنهما كانتا تتليان للتطبيق، أو أن الروايات هي من قبيل التطبيق. ومن الجدير بالذكر أن المفسرين لم يرووا رواية ما فيما اطلعنا عليه في صدد الذين كفروا وشرحوا صدرا بالكفر، مع أن الآيات وما فيها من حملة شديدة هي في حقهم بالدرجة الأولى. ونحن نرجح بل نكاد أن نجزم أن الآيات جميعها نزلت في صدد أحداث وقعت في مكة بعد الهجرة إلى الحبشة.
وأن أناسا من المسلمين قد ارتدوا عن الإسلام بدون إكراه وثبتوا على كفرهم، وأن أناسا قد ارتدوا عن الإسلام كرها مع بقاء قلوبهم مطمئنة بالإيمان، وأن بعض هؤلاء أو جميعهم – إن كانوا أكثر من واحد – قد استطاعوا أن يفلتوا من مكة ويهاجروا فلما بلغوا مأمنهم أظهروا إسلامهم، وجاهدوا وصبروا على ما لاقوه من مشقة وحرمان، وأن ذلك متصل بحادث تبديل بعض الآيات مكان بعض الذي أشير إليه في الآيات التي سبقت هذه الآيات. فمن المحتمل جدا أن يكون الذين تولوا قيادة المعارضة والتعطيل قد اتخذوا هذا الحادث وسيلة للدعاية والتشويش والتشكيك، فأثروا على بعض المسلمين وجعلوهم يرتدون، وربما أغروهم ببعض المنافع الدنيوية بل كان هذا وسيلة مؤكدة على ما تلهمه الآية [ ١٠٧ ] التي تذكر أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة. ومن المحتمل أن يكون هؤلاء القادة قد أجبروا بأسلوب ما في نفس الظرف بعض المسلمين على الارتداد وظلت قلوبهم مطمئنة بالإيمان، وظل وجدانهم يتعذب حتى إذا سنحت لهم الفرصة أفلتوا وهاجروا وعادوا إلى الإسلام، فاحتوت الآيات حملة على الأولين وتنويها بالآخرين، واحتوت الآية [ ١١٠ ] بخاصة إيذانا بعفو الله ورحمته ومغفرته لهم. ولعل من الذين ارتدوا بدون إكراه من ندم وهاجر وعاد إلى الإسلام أيضا مما قد يلهمه أسلوب الآية [ ١١٠ ]، وفي كل ذلك صورة من صور السيرة النبوية في مكة.
والارتداد بدون إكراه نقض لعهد الله. وفي الآيات [ ٩١-٩٧ ] التي سبقت هذا الفصل والذي قبله توكيد على الوفاء بعهد الله، وتحذير من نقضه واتخاذ الإيمان بالله وسيلة تغرير وخداع ومداراة للأقوى والأكثر، وترجيحا لما عند الناس على ما عند الله. وهذا ما سوغ لنا أن نقول في صدد هذه الآيات : إنها متصلة بهذا الفصل والفصل السابق له، بل وربما كانت مقدمة لهما.
وطبيعي أن يكون هذا الحادث قد أثر في نفس النبي والمؤمنين وسير الدعوة النبوية تأثيرا شديدا. وهذا ما يفسر الحملة الشديدة على المرتدين بدون إكراه الذين ثبتوا على كفرهم، ويفسر ما احتوته الآية الأخيرة من تطمين وإنذار معا فليس على النبي والمؤمنين من بأس وهم بما يفعله الآثمون الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، وينقضون عهد الله، فكل مسؤول عن عمله يوم القيامة ومجزى عليه بما يستحقه.
والمتبادر أن تعبير :﴿ جاهدوا ﴾، في الآية الأخيرة قد قصد به بذل الجهد وتحمل المشقة والحرمان في سبيل الله ودينه ؛ لأن الجهاد الحربي إنما كان بعد الهجرة إلى المدينة كما لا يخفى. ولقد كان من المسلمين مهاجرين في الحبشة في هذا الظرف، على ما مر شرحه في مناسبة آية سابقة في هذه السورة، فمن المحتمل كثيرا أن هؤلاء الذين آمنوا من بعد ما فتنوا وهاجروا، قد هاجروا إلى الحبشة والتحقوا فيها بإخوانهم السابقين.
تلقينات الآية
﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾ وما بعدها
هذا، والآيات تنطوي على تلقينات مستمرة المدى فيما يتبادر لنا. فالله لا يؤاخذ من يجبر على ارتكاب إثم من الآثام مهما عظم إذا كان غير راض به، وكان متعلقا بخاصة نفسه، ويقبل توبة النادمين والتائبين منه إذا رضوا به في موقف أو حالة ما، ويشملهم برحمته، وشرط التعلق بخاصة النفس مستلهم من روح الآيات، فالإكراه على القتل لا يبرر القتل، والإكراه على الزنا لا يبرر الزنا ؛ لأن أقصى نتائج الإكراه القتل. وحد من يرتكب الإثمين القتل أيضا، واللواط في حكم الزنا. وقد يستثنى المفعول بهما إذا قيدا ومنعا من المقاومة. أما الإكراه على الكفر، وما دون ذلك من شرب الخمر وأكل لحم خنزير وميتة ودم مسفوح، وامتناع عن الصلاة والصوم والحج، فهو مبرر بقدر ما يكفي لدفع الضرر من الإكراه إذا كان مؤكدا ويقينا. وقد يكون الإكراه على ما دون القتل والزنا – مما يتعلق بالغير – مبررا أيضا إذا أصلح الفاعل وعوض عما ارتكبه بعد زوال خطر الإكراه. وهذا لا يتعارض مع التوبة عن الآثام التي يرتكبها المرء بدون إكراه إذا ما كانت توبة صادقة مترافقة على الإصلاح والتعويض على ما شرحناه في سياق سورة الفرقان.
وهناك حديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٢. والحديث يتساوق مع التلقين القرآني، ويتحمل بدوره الملاحظات التي شرحناها كما هو المتبادر، والله تعالى أعلم.
ولقد نبه المفسرون في سياق الآية إلى التشريع النبوي في حق المرتدين عن الإسلام بدون إكراه، فروى ابن كثير حديثا رواه الإمام أحمد عن عكرمة، رواه أيضا البخاري وأبو داود والترمذي بصيغة قريبة جدا وهي :( إن عليا حرق قوما ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه، ولم أحرقهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تعذبوا بعذاب الله، فبلغ ذلك عليا فقال : صدق ابن عباس ) ٣. وهناك حديث آخر رواه الخمسة عن عبد الله بن مسعود قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة ) ٤.
والمتبادر أن هذا التشريع النبوي مدني، وقد اكتفت الآيات التي نحن في صددها بتقرير غضب الله وعذابه العظيم، والخسران في الآخرة للمرتدين الشارحين بالكفر صدرا ؛ لأن هذا هو المناسب مع ظرف العهد المكي على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.
.
٢ التاج ج ١ ص ٢٩..
٣ التاج ج ٣ ص ١٧..
٤ المصدر نفسه..
في الآيات :
١- إعلان لغضب الله على الذين كفروا بعد إيمانهم عن عمد لا عن إكراه.
٢- وإنذار لهم بعذاب الله العظيم.
٣- وبيان بأنهم استحقوا ذلك ؛ لأنهم فعلوا فعلتهم الشنيعة استحبابا للحياة ومنافعها، وتفضيلا لذلك على الآخرة.
٤- وتقرير بأن الله لا يهدي الكافرين أمثالهم، ولا ييسر لهم أسباب الطمأنينة والسعادة، وقد طبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فصاروا في مثابة الصم العمي البله الغافلين عن الحق والحقيقة، وبأنهم سيكونون الخاسرين في الآخرة بطبيعة الحال.
٥- وإشارة تنويهية إلى الذين هاجروا من بعد ما ارتدوا وفتنوا عن دينهم ثم جاهدوا وصبروا. وتقرير بأن الله سيشملهم بغفرانه ورحمته يوم القيامة الذي تجادل فيه وتدافع كل نفس عن نفسها، وتوفى كل نفس ما عملت من خير وشر دون ظلم ولا إجحاف.
تعليق على آية
﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾وما بعدها.
لقد تعددت الروايات التي يرويها المفسرون في صدد الآيتين [ ١٠٦و١١٠ ] من هذه الآيات ١.
ففي صدد الآية الأولى رووا أن الاستثناء فيها نزل في حق عمار بن ياسر الذي أخذه مالكوه مع أمه وأبيه، وعذبوهم حتى مات أبوه وأمه، وأعطاهم ما أرادوا بلسانه، فأتى رسوله الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال له : ما وراءك ؟ قال : شر يا رسول الله، نلت منك وذكرت آلهتهم بخير. فقال له : كيف وجدت قلبك ؟ قال : مطمئن بالإيمان، فجعل النبي يمسح على عينيه ويقول : إن عادوا فعد لهم بما قلت.
ورووا في الوقت نفسه أنها نزلت في حق جبرا مولى عامر الحضرمي الذي أكرهه سيده على الكفر أو خباب أو صهيب. ورووا كذلك أنها نزلت في أناس من أهل مكة كانوا مسلمين فيها، فكتب لهم أصحابهم في المدينة أن هاجروا فأنتم لستم منا حتى تهاجروا، فخرجوا فأدركتهم قريش ففتنوهم فكفروا كارهين. ورووا في صدد الآية [ ١١٠ ] أنها نزلت في جماعة كانوا يخفون إسلامهم في مكة، فأخرجتهم قريش يوم بدر وحاربوا المسلمين، فقتل بعضهم فاستغفر لهم بعض أصحاب رسول الله وقالوا أخرجوا كارهين فأنزل الله :﴿ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ٩١ ﴾ فكتب بعض أصحاب رسول الله لمن بقي فيهم بالأمر، فخرجوا مستيئسين فلحقتهم قريش وقاتلتهم، فقتل بعضهم ونجا بعضهم، فأنزل الله بحقهم الآية [ ١١٠ ]، كما رووا أنها نزلت في حق جماعة من المسلمين تخلفوا في مكة، فكتب لهم أصحابهم بأن الله لا يقبل إسلامهم حتى يهاجروا، فخرجوا فلحقتهم قريش وأرجعتهم وفتنتهم عن دينهم، ثم تمكن بعضهم من الإفلات والهجرة. وسموا من هؤلاء عياش بن أبي ربيعة وأبا جندل بن سهيل وسلمة بن هشام. ورووا في الوقت نفسه أنها نزلت في حق عبد الله بن أبي سرح، وكان يكتب لرسول الله فأزله الشيطان فكفر ولحق بالكفار، فأمر النبي بقتله يوم فتح مكة، فاستجار له أبو عمرو أو أخوه بالرضاعة عثمان بن عفان، فعفى النبي عنه ونزلت في حقه الآية.
وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومقتضى الروايات التي تذكر ابن أبي سرح أو المسلمين المستخفين أو المتخلفين في مكة أن تكون الآية [ ١١٠ ] مدنية ولم نر ما يؤيد ذلك. وليس من حكمة في وضع آية مدنية في سياق متصل بمواقف كفار مكة. وهذا يقال بالنسبة للرواية التي تذكر صلة الآية[ ١٠٦ ] بجماعة من المتخلفين في مكة الذين أرادوا اللحاق بالمدينة فردتهم قريش وفتنتهم مكرهين. ومسألة فتنة عمار بن ياسر وأمثاله كانت في عهد مبكر من البعثة، والسورة نزلت بعد النصف الأول من العهد المكي على الأرجح.
ولذلك نحن نستبعد صحة هذه الروايات كسبب لنزول الآيتين [ ١٠٦ و ١١٠ ]، وكل ما يمكن احتماله أنهما كانتا تتليان للتطبيق، أو أن الروايات هي من قبيل التطبيق. ومن الجدير بالذكر أن المفسرين لم يرووا رواية ما فيما اطلعنا عليه في صدد الذين كفروا وشرحوا صدرا بالكفر، مع أن الآيات وما فيها من حملة شديدة هي في حقهم بالدرجة الأولى. ونحن نرجح بل نكاد أن نجزم أن الآيات جميعها نزلت في صدد أحداث وقعت في مكة بعد الهجرة إلى الحبشة.
وأن أناسا من المسلمين قد ارتدوا عن الإسلام بدون إكراه وثبتوا على كفرهم، وأن أناسا قد ارتدوا عن الإسلام كرها مع بقاء قلوبهم مطمئنة بالإيمان، وأن بعض هؤلاء أو جميعهم – إن كانوا أكثر من واحد – قد استطاعوا أن يفلتوا من مكة ويهاجروا فلما بلغوا مأمنهم أظهروا إسلامهم، وجاهدوا وصبروا على ما لاقوه من مشقة وحرمان، وأن ذلك متصل بحادث تبديل بعض الآيات مكان بعض الذي أشير إليه في الآيات التي سبقت هذه الآيات. فمن المحتمل جدا أن يكون الذين تولوا قيادة المعارضة والتعطيل قد اتخذوا هذا الحادث وسيلة للدعاية والتشويش والتشكيك، فأثروا على بعض المسلمين وجعلوهم يرتدون، وربما أغروهم ببعض المنافع الدنيوية بل كان هذا وسيلة مؤكدة على ما تلهمه الآية [ ١٠٧ ] التي تذكر أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة. ومن المحتمل أن يكون هؤلاء القادة قد أجبروا بأسلوب ما في نفس الظرف بعض المسلمين على الارتداد وظلت قلوبهم مطمئنة بالإيمان، وظل وجدانهم يتعذب حتى إذا سنحت لهم الفرصة أفلتوا وهاجروا وعادوا إلى الإسلام، فاحتوت الآيات حملة على الأولين وتنويها بالآخرين، واحتوت الآية [ ١١٠ ] بخاصة إيذانا بعفو الله ورحمته ومغفرته لهم. ولعل من الذين ارتدوا بدون إكراه من ندم وهاجر وعاد إلى الإسلام أيضا مما قد يلهمه أسلوب الآية [ ١١٠ ]، وفي كل ذلك صورة من صور السيرة النبوية في مكة.
والارتداد بدون إكراه نقض لعهد الله. وفي الآيات [ ٩١-٩٧ ] التي سبقت هذا الفصل والذي قبله توكيد على الوفاء بعهد الله، وتحذير من نقضه واتخاذ الإيمان بالله وسيلة تغرير وخداع ومداراة للأقوى والأكثر، وترجيحا لما عند الناس على ما عند الله. وهذا ما سوغ لنا أن نقول في صدد هذه الآيات : إنها متصلة بهذا الفصل والفصل السابق له، بل وربما كانت مقدمة لهما.
وطبيعي أن يكون هذا الحادث قد أثر في نفس النبي والمؤمنين وسير الدعوة النبوية تأثيرا شديدا. وهذا ما يفسر الحملة الشديدة على المرتدين بدون إكراه الذين ثبتوا على كفرهم، ويفسر ما احتوته الآية الأخيرة من تطمين وإنذار معا فليس على النبي والمؤمنين من بأس وهم بما يفعله الآثمون الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، وينقضون عهد الله، فكل مسؤول عن عمله يوم القيامة ومجزى عليه بما يستحقه.
والمتبادر أن تعبير :﴿ جاهدوا ﴾، في الآية الأخيرة قد قصد به بذل الجهد وتحمل المشقة والحرمان في سبيل الله ودينه ؛ لأن الجهاد الحربي إنما كان بعد الهجرة إلى المدينة كما لا يخفى. ولقد كان من المسلمين مهاجرين في الحبشة في هذا الظرف، على ما مر شرحه في مناسبة آية سابقة في هذه السورة، فمن المحتمل كثيرا أن هؤلاء الذين آمنوا من بعد ما فتنوا وهاجروا، قد هاجروا إلى الحبشة والتحقوا فيها بإخوانهم السابقين.
تلقينات الآية
﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾ وما بعدها
هذا، والآيات تنطوي على تلقينات مستمرة المدى فيما يتبادر لنا. فالله لا يؤاخذ من يجبر على ارتكاب إثم من الآثام مهما عظم إذا كان غير راض به، وكان متعلقا بخاصة نفسه، ويقبل توبة النادمين والتائبين منه إذا رضوا به في موقف أو حالة ما، ويشملهم برحمته، وشرط التعلق بخاصة النفس مستلهم من روح الآيات، فالإكراه على القتل لا يبرر القتل، والإكراه على الزنا لا يبرر الزنا ؛ لأن أقصى نتائج الإكراه القتل. وحد من يرتكب الإثمين القتل أيضا، واللواط في حكم الزنا. وقد يستثنى المفعول بهما إذا قيدا ومنعا من المقاومة. أما الإكراه على الكفر، وما دون ذلك من شرب الخمر وأكل لحم خنزير وميتة ودم مسفوح، وامتناع عن الصلاة والصوم والحج، فهو مبرر بقدر ما يكفي لدفع الضرر من الإكراه إذا كان مؤكدا ويقينا. وقد يكون الإكراه على ما دون القتل والزنا – مما يتعلق بالغير – مبررا أيضا إذا أصلح الفاعل وعوض عما ارتكبه بعد زوال خطر الإكراه. وهذا لا يتعارض مع التوبة عن الآثام التي يرتكبها المرء بدون إكراه إذا ما كانت توبة صادقة مترافقة على الإصلاح والتعويض على ما شرحناه في سياق سورة الفرقان.
وهناك حديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٢. والحديث يتساوق مع التلقين القرآني، ويتحمل بدوره الملاحظات التي شرحناها كما هو المتبادر، والله تعالى أعلم.
ولقد نبه المفسرون في سياق الآية إلى التشريع النبوي في حق المرتدين عن الإسلام بدون إكراه، فروى ابن كثير حديثا رواه الإمام أحمد عن عكرمة، رواه أيضا البخاري وأبو داود والترمذي بصيغة قريبة جدا وهي :( إن عليا حرق قوما ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه، ولم أحرقهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تعذبوا بعذاب الله، فبلغ ذلك عليا فقال : صدق ابن عباس ) ٣. وهناك حديث آخر رواه الخمسة عن عبد الله بن مسعود قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة ) ٤.
والمتبادر أن هذا التشريع النبوي مدني، وقد اكتفت الآيات التي نحن في صددها بتقرير غضب الله وعذابه العظيم، والخسران في الآخرة للمرتدين الشارحين بالكفر صدرا ؛ لأن هذا هو المناسب مع ظرف العهد المكي على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.
.
٢ التاج ج ١ ص ٢٩..
٣ التاج ج ٣ ص ١٧..
٤ المصدر نفسه..
في الآيات :
١- إعلان لغضب الله على الذين كفروا بعد إيمانهم عن عمد لا عن إكراه.
٢- وإنذار لهم بعذاب الله العظيم.
٣- وبيان بأنهم استحقوا ذلك ؛ لأنهم فعلوا فعلتهم الشنيعة استحبابا للحياة ومنافعها، وتفضيلا لذلك على الآخرة.
٤- وتقرير بأن الله لا يهدي الكافرين أمثالهم، ولا ييسر لهم أسباب الطمأنينة والسعادة، وقد طبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فصاروا في مثابة الصم العمي البله الغافلين عن الحق والحقيقة، وبأنهم سيكونون الخاسرين في الآخرة بطبيعة الحال.
٥- وإشارة تنويهية إلى الذين هاجروا من بعد ما ارتدوا وفتنوا عن دينهم ثم جاهدوا وصبروا. وتقرير بأن الله سيشملهم بغفرانه ورحمته يوم القيامة الذي تجادل فيه وتدافع كل نفس عن نفسها، وتوفى كل نفس ما عملت من خير وشر دون ظلم ولا إجحاف.
تعليق على آية
﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾وما بعدها.
لقد تعددت الروايات التي يرويها المفسرون في صدد الآيتين [ ١٠٦و١١٠ ] من هذه الآيات ١.
ففي صدد الآية الأولى رووا أن الاستثناء فيها نزل في حق عمار بن ياسر الذي أخذه مالكوه مع أمه وأبيه، وعذبوهم حتى مات أبوه وأمه، وأعطاهم ما أرادوا بلسانه، فأتى رسوله الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال له : ما وراءك ؟ قال : شر يا رسول الله، نلت منك وذكرت آلهتهم بخير. فقال له : كيف وجدت قلبك ؟ قال : مطمئن بالإيمان، فجعل النبي يمسح على عينيه ويقول : إن عادوا فعد لهم بما قلت.
ورووا في الوقت نفسه أنها نزلت في حق جبرا مولى عامر الحضرمي الذي أكرهه سيده على الكفر أو خباب أو صهيب. ورووا كذلك أنها نزلت في أناس من أهل مكة كانوا مسلمين فيها، فكتب لهم أصحابهم في المدينة أن هاجروا فأنتم لستم منا حتى تهاجروا، فخرجوا فأدركتهم قريش ففتنوهم فكفروا كارهين. ورووا في صدد الآية [ ١١٠ ] أنها نزلت في جماعة كانوا يخفون إسلامهم في مكة، فأخرجتهم قريش يوم بدر وحاربوا المسلمين، فقتل بعضهم فاستغفر لهم بعض أصحاب رسول الله وقالوا أخرجوا كارهين فأنزل الله :﴿ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ٩١ ﴾ فكتب بعض أصحاب رسول الله لمن بقي فيهم بالأمر، فخرجوا مستيئسين فلحقتهم قريش وقاتلتهم، فقتل بعضهم ونجا بعضهم، فأنزل الله بحقهم الآية [ ١١٠ ]، كما رووا أنها نزلت في حق جماعة من المسلمين تخلفوا في مكة، فكتب لهم أصحابهم بأن الله لا يقبل إسلامهم حتى يهاجروا، فخرجوا فلحقتهم قريش وأرجعتهم وفتنتهم عن دينهم، ثم تمكن بعضهم من الإفلات والهجرة. وسموا من هؤلاء عياش بن أبي ربيعة وأبا جندل بن سهيل وسلمة بن هشام. ورووا في الوقت نفسه أنها نزلت في حق عبد الله بن أبي سرح، وكان يكتب لرسول الله فأزله الشيطان فكفر ولحق بالكفار، فأمر النبي بقتله يوم فتح مكة، فاستجار له أبو عمرو أو أخوه بالرضاعة عثمان بن عفان، فعفى النبي عنه ونزلت في حقه الآية.
وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومقتضى الروايات التي تذكر ابن أبي سرح أو المسلمين المستخفين أو المتخلفين في مكة أن تكون الآية [ ١١٠ ] مدنية ولم نر ما يؤيد ذلك. وليس من حكمة في وضع آية مدنية في سياق متصل بمواقف كفار مكة. وهذا يقال بالنسبة للرواية التي تذكر صلة الآية[ ١٠٦ ] بجماعة من المتخلفين في مكة الذين أرادوا اللحاق بالمدينة فردتهم قريش وفتنتهم مكرهين. ومسألة فتنة عمار بن ياسر وأمثاله كانت في عهد مبكر من البعثة، والسورة نزلت بعد النصف الأول من العهد المكي على الأرجح.
ولذلك نحن نستبعد صحة هذه الروايات كسبب لنزول الآيتين [ ١٠٦ و ١١٠ ]، وكل ما يمكن احتماله أنهما كانتا تتليان للتطبيق، أو أن الروايات هي من قبيل التطبيق. ومن الجدير بالذكر أن المفسرين لم يرووا رواية ما فيما اطلعنا عليه في صدد الذين كفروا وشرحوا صدرا بالكفر، مع أن الآيات وما فيها من حملة شديدة هي في حقهم بالدرجة الأولى. ونحن نرجح بل نكاد أن نجزم أن الآيات جميعها نزلت في صدد أحداث وقعت في مكة بعد الهجرة إلى الحبشة.
وأن أناسا من المسلمين قد ارتدوا عن الإسلام بدون إكراه وثبتوا على كفرهم، وأن أناسا قد ارتدوا عن الإسلام كرها مع بقاء قلوبهم مطمئنة بالإيمان، وأن بعض هؤلاء أو جميعهم – إن كانوا أكثر من واحد – قد استطاعوا أن يفلتوا من مكة ويهاجروا فلما بلغوا مأمنهم أظهروا إسلامهم، وجاهدوا وصبروا على ما لاقوه من مشقة وحرمان، وأن ذلك متصل بحادث تبديل بعض الآيات مكان بعض الذي أشير إليه في الآيات التي سبقت هذه الآيات. فمن المحتمل جدا أن يكون الذين تولوا قيادة المعارضة والتعطيل قد اتخذوا هذا الحادث وسيلة للدعاية والتشويش والتشكيك، فأثروا على بعض المسلمين وجعلوهم يرتدون، وربما أغروهم ببعض المنافع الدنيوية بل كان هذا وسيلة مؤكدة على ما تلهمه الآية [ ١٠٧ ] التي تذكر أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة. ومن المحتمل أن يكون هؤلاء القادة قد أجبروا بأسلوب ما في نفس الظرف بعض المسلمين على الارتداد وظلت قلوبهم مطمئنة بالإيمان، وظل وجدانهم يتعذب حتى إذا سنحت لهم الفرصة أفلتوا وهاجروا وعادوا إلى الإسلام، فاحتوت الآيات حملة على الأولين وتنويها بالآخرين، واحتوت الآية [ ١١٠ ] بخاصة إيذانا بعفو الله ورحمته ومغفرته لهم. ولعل من الذين ارتدوا بدون إكراه من ندم وهاجر وعاد إلى الإسلام أيضا مما قد يلهمه أسلوب الآية [ ١١٠ ]، وفي كل ذلك صورة من صور السيرة النبوية في مكة.
والارتداد بدون إكراه نقض لعهد الله. وفي الآيات [ ٩١-٩٧ ] التي سبقت هذا الفصل والذي قبله توكيد على الوفاء بعهد الله، وتحذير من نقضه واتخاذ الإيمان بالله وسيلة تغرير وخداع ومداراة للأقوى والأكثر، وترجيحا لما عند الناس على ما عند الله. وهذا ما سوغ لنا أن نقول في صدد هذه الآيات : إنها متصلة بهذا الفصل والفصل السابق له، بل وربما كانت مقدمة لهما.
وطبيعي أن يكون هذا الحادث قد أثر في نفس النبي والمؤمنين وسير الدعوة النبوية تأثيرا شديدا. وهذا ما يفسر الحملة الشديدة على المرتدين بدون إكراه الذين ثبتوا على كفرهم، ويفسر ما احتوته الآية الأخيرة من تطمين وإنذار معا فليس على النبي والمؤمنين من بأس وهم بما يفعله الآثمون الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، وينقضون عهد الله، فكل مسؤول عن عمله يوم القيامة ومجزى عليه بما يستحقه.
والمتبادر أن تعبير :﴿ جاهدوا ﴾، في الآية الأخيرة قد قصد به بذل الجهد وتحمل المشقة والحرمان في سبيل الله ودينه ؛ لأن الجهاد الحربي إنما كان بعد الهجرة إلى المدينة كما لا يخفى. ولقد كان من المسلمين مهاجرين في الحبشة في هذا الظرف، على ما مر شرحه في مناسبة آية سابقة في هذه السورة، فمن المحتمل كثيرا أن هؤلاء الذين آمنوا من بعد ما فتنوا وهاجروا، قد هاجروا إلى الحبشة والتحقوا فيها بإخوانهم السابقين.
تلقينات الآية
﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾ وما بعدها
هذا، والآيات تنطوي على تلقينات مستمرة المدى فيما يتبادر لنا. فالله لا يؤاخذ من يجبر على ارتكاب إثم من الآثام مهما عظم إذا كان غير راض به، وكان متعلقا بخاصة نفسه، ويقبل توبة النادمين والتائبين منه إذا رضوا به في موقف أو حالة ما، ويشملهم برحمته، وشرط التعلق بخاصة النفس مستلهم من روح الآيات، فالإكراه على القتل لا يبرر القتل، والإكراه على الزنا لا يبرر الزنا ؛ لأن أقصى نتائج الإكراه القتل. وحد من يرتكب الإثمين القتل أيضا، واللواط في حكم الزنا. وقد يستثنى المفعول بهما إذا قيدا ومنعا من المقاومة. أما الإكراه على الكفر، وما دون ذلك من شرب الخمر وأكل لحم خنزير وميتة ودم مسفوح، وامتناع عن الصلاة والصوم والحج، فهو مبرر بقدر ما يكفي لدفع الضرر من الإكراه إذا كان مؤكدا ويقينا. وقد يكون الإكراه على ما دون القتل والزنا – مما يتعلق بالغير – مبررا أيضا إذا أصلح الفاعل وعوض عما ارتكبه بعد زوال خطر الإكراه. وهذا لا يتعارض مع التوبة عن الآثام التي يرتكبها المرء بدون إكراه إذا ما كانت توبة صادقة مترافقة على الإصلاح والتعويض على ما شرحناه في سياق سورة الفرقان.
وهناك حديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٢. والحديث يتساوق مع التلقين القرآني، ويتحمل بدوره الملاحظات التي شرحناها كما هو المتبادر، والله تعالى أعلم.
ولقد نبه المفسرون في سياق الآية إلى التشريع النبوي في حق المرتدين عن الإسلام بدون إكراه، فروى ابن كثير حديثا رواه الإمام أحمد عن عكرمة، رواه أيضا البخاري وأبو داود والترمذي بصيغة قريبة جدا وهي :( إن عليا حرق قوما ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه، ولم أحرقهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تعذبوا بعذاب الله، فبلغ ذلك عليا فقال : صدق ابن عباس ) ٣. وهناك حديث آخر رواه الخمسة عن عبد الله بن مسعود قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة ) ٤.
والمتبادر أن هذا التشريع النبوي مدني، وقد اكتفت الآيات التي نحن في صددها بتقرير غضب الله وعذابه العظيم، والخسران في الآخرة للمرتدين الشارحين بالكفر صدرا ؛ لأن هذا هو المناسب مع ظرف العهد المكي على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.
.
٢ التاج ج ١ ص ٢٩..
٣ التاج ج ٣ ص ١٧..
٤ المصدر نفسه..
في الآيات :
١- إعلان لغضب الله على الذين كفروا بعد إيمانهم عن عمد لا عن إكراه.
٢- وإنذار لهم بعذاب الله العظيم.
٣- وبيان بأنهم استحقوا ذلك ؛ لأنهم فعلوا فعلتهم الشنيعة استحبابا للحياة ومنافعها، وتفضيلا لذلك على الآخرة.
٤- وتقرير بأن الله لا يهدي الكافرين أمثالهم، ولا ييسر لهم أسباب الطمأنينة والسعادة، وقد طبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فصاروا في مثابة الصم العمي البله الغافلين عن الحق والحقيقة، وبأنهم سيكونون الخاسرين في الآخرة بطبيعة الحال.
٥- وإشارة تنويهية إلى الذين هاجروا من بعد ما ارتدوا وفتنوا عن دينهم ثم جاهدوا وصبروا. وتقرير بأن الله سيشملهم بغفرانه ورحمته يوم القيامة الذي تجادل فيه وتدافع كل نفس عن نفسها، وتوفى كل نفس ما عملت من خير وشر دون ظلم ولا إجحاف.
تعليق على آية
﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾وما بعدها.
لقد تعددت الروايات التي يرويها المفسرون في صدد الآيتين [ ١٠٦و١١٠ ] من هذه الآيات ١.
ففي صدد الآية الأولى رووا أن الاستثناء فيها نزل في حق عمار بن ياسر الذي أخذه مالكوه مع أمه وأبيه، وعذبوهم حتى مات أبوه وأمه، وأعطاهم ما أرادوا بلسانه، فأتى رسوله الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال له : ما وراءك ؟ قال : شر يا رسول الله، نلت منك وذكرت آلهتهم بخير. فقال له : كيف وجدت قلبك ؟ قال : مطمئن بالإيمان، فجعل النبي يمسح على عينيه ويقول : إن عادوا فعد لهم بما قلت.
ورووا في الوقت نفسه أنها نزلت في حق جبرا مولى عامر الحضرمي الذي أكرهه سيده على الكفر أو خباب أو صهيب. ورووا كذلك أنها نزلت في أناس من أهل مكة كانوا مسلمين فيها، فكتب لهم أصحابهم في المدينة أن هاجروا فأنتم لستم منا حتى تهاجروا، فخرجوا فأدركتهم قريش ففتنوهم فكفروا كارهين. ورووا في صدد الآية [ ١١٠ ] أنها نزلت في جماعة كانوا يخفون إسلامهم في مكة، فأخرجتهم قريش يوم بدر وحاربوا المسلمين، فقتل بعضهم فاستغفر لهم بعض أصحاب رسول الله وقالوا أخرجوا كارهين فأنزل الله :﴿ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ٩١ ﴾ فكتب بعض أصحاب رسول الله لمن بقي فيهم بالأمر، فخرجوا مستيئسين فلحقتهم قريش وقاتلتهم، فقتل بعضهم ونجا بعضهم، فأنزل الله بحقهم الآية [ ١١٠ ]، كما رووا أنها نزلت في حق جماعة من المسلمين تخلفوا في مكة، فكتب لهم أصحابهم بأن الله لا يقبل إسلامهم حتى يهاجروا، فخرجوا فلحقتهم قريش وأرجعتهم وفتنتهم عن دينهم، ثم تمكن بعضهم من الإفلات والهجرة. وسموا من هؤلاء عياش بن أبي ربيعة وأبا جندل بن سهيل وسلمة بن هشام. ورووا في الوقت نفسه أنها نزلت في حق عبد الله بن أبي سرح، وكان يكتب لرسول الله فأزله الشيطان فكفر ولحق بالكفار، فأمر النبي بقتله يوم فتح مكة، فاستجار له أبو عمرو أو أخوه بالرضاعة عثمان بن عفان، فعفى النبي عنه ونزلت في حقه الآية.
وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الأحاديث الصحيحة. ومقتضى الروايات التي تذكر ابن أبي سرح أو المسلمين المستخفين أو المتخلفين في مكة أن تكون الآية [ ١١٠ ] مدنية ولم نر ما يؤيد ذلك. وليس من حكمة في وضع آية مدنية في سياق متصل بمواقف كفار مكة. وهذا يقال بالنسبة للرواية التي تذكر صلة الآية[ ١٠٦ ] بجماعة من المتخلفين في مكة الذين أرادوا اللحاق بالمدينة فردتهم قريش وفتنتهم مكرهين. ومسألة فتنة عمار بن ياسر وأمثاله كانت في عهد مبكر من البعثة، والسورة نزلت بعد النصف الأول من العهد المكي على الأرجح.
ولذلك نحن نستبعد صحة هذه الروايات كسبب لنزول الآيتين [ ١٠٦ و ١١٠ ]، وكل ما يمكن احتماله أنهما كانتا تتليان للتطبيق، أو أن الروايات هي من قبيل التطبيق. ومن الجدير بالذكر أن المفسرين لم يرووا رواية ما فيما اطلعنا عليه في صدد الذين كفروا وشرحوا صدرا بالكفر، مع أن الآيات وما فيها من حملة شديدة هي في حقهم بالدرجة الأولى. ونحن نرجح بل نكاد أن نجزم أن الآيات جميعها نزلت في صدد أحداث وقعت في مكة بعد الهجرة إلى الحبشة.
وأن أناسا من المسلمين قد ارتدوا عن الإسلام بدون إكراه وثبتوا على كفرهم، وأن أناسا قد ارتدوا عن الإسلام كرها مع بقاء قلوبهم مطمئنة بالإيمان، وأن بعض هؤلاء أو جميعهم – إن كانوا أكثر من واحد – قد استطاعوا أن يفلتوا من مكة ويهاجروا فلما بلغوا مأمنهم أظهروا إسلامهم، وجاهدوا وصبروا على ما لاقوه من مشقة وحرمان، وأن ذلك متصل بحادث تبديل بعض الآيات مكان بعض الذي أشير إليه في الآيات التي سبقت هذه الآيات. فمن المحتمل جدا أن يكون الذين تولوا قيادة المعارضة والتعطيل قد اتخذوا هذا الحادث وسيلة للدعاية والتشويش والتشكيك، فأثروا على بعض المسلمين وجعلوهم يرتدون، وربما أغروهم ببعض المنافع الدنيوية بل كان هذا وسيلة مؤكدة على ما تلهمه الآية [ ١٠٧ ] التي تذكر أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة. ومن المحتمل أن يكون هؤلاء القادة قد أجبروا بأسلوب ما في نفس الظرف بعض المسلمين على الارتداد وظلت قلوبهم مطمئنة بالإيمان، وظل وجدانهم يتعذب حتى إذا سنحت لهم الفرصة أفلتوا وهاجروا وعادوا إلى الإسلام، فاحتوت الآيات حملة على الأولين وتنويها بالآخرين، واحتوت الآية [ ١١٠ ] بخاصة إيذانا بعفو الله ورحمته ومغفرته لهم. ولعل من الذين ارتدوا بدون إكراه من ندم وهاجر وعاد إلى الإسلام أيضا مما قد يلهمه أسلوب الآية [ ١١٠ ]، وفي كل ذلك صورة من صور السيرة النبوية في مكة.
والارتداد بدون إكراه نقض لعهد الله. وفي الآيات [ ٩١-٩٧ ] التي سبقت هذا الفصل والذي قبله توكيد على الوفاء بعهد الله، وتحذير من نقضه واتخاذ الإيمان بالله وسيلة تغرير وخداع ومداراة للأقوى والأكثر، وترجيحا لما عند الناس على ما عند الله. وهذا ما سوغ لنا أن نقول في صدد هذه الآيات : إنها متصلة بهذا الفصل والفصل السابق له، بل وربما كانت مقدمة لهما.
وطبيعي أن يكون هذا الحادث قد أثر في نفس النبي والمؤمنين وسير الدعوة النبوية تأثيرا شديدا. وهذا ما يفسر الحملة الشديدة على المرتدين بدون إكراه الذين ثبتوا على كفرهم، ويفسر ما احتوته الآية الأخيرة من تطمين وإنذار معا فليس على النبي والمؤمنين من بأس وهم بما يفعله الآثمون الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، وينقضون عهد الله، فكل مسؤول عن عمله يوم القيامة ومجزى عليه بما يستحقه.
والمتبادر أن تعبير :﴿ جاهدوا ﴾، في الآية الأخيرة قد قصد به بذل الجهد وتحمل المشقة والحرمان في سبيل الله ودينه ؛ لأن الجهاد الحربي إنما كان بعد الهجرة إلى المدينة كما لا يخفى. ولقد كان من المسلمين مهاجرين في الحبشة في هذا الظرف، على ما مر شرحه في مناسبة آية سابقة في هذه السورة، فمن المحتمل كثيرا أن هؤلاء الذين آمنوا من بعد ما فتنوا وهاجروا، قد هاجروا إلى الحبشة والتحقوا فيها بإخوانهم السابقين.
تلقينات الآية
﴿ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾ وما بعدها
هذا، والآيات تنطوي على تلقينات مستمرة المدى فيما يتبادر لنا. فالله لا يؤاخذ من يجبر على ارتكاب إثم من الآثام مهما عظم إذا كان غير راض به، وكان متعلقا بخاصة نفسه، ويقبل توبة النادمين والتائبين منه إذا رضوا به في موقف أو حالة ما، ويشملهم برحمته، وشرط التعلق بخاصة النفس مستلهم من روح الآيات، فالإكراه على القتل لا يبرر القتل، والإكراه على الزنا لا يبرر الزنا ؛ لأن أقصى نتائج الإكراه القتل. وحد من يرتكب الإثمين القتل أيضا، واللواط في حكم الزنا. وقد يستثنى المفعول بهما إذا قيدا ومنعا من المقاومة. أما الإكراه على الكفر، وما دون ذلك من شرب الخمر وأكل لحم خنزير وميتة ودم مسفوح، وامتناع عن الصلاة والصوم والحج، فهو مبرر بقدر ما يكفي لدفع الضرر من الإكراه إذا كان مؤكدا ويقينا. وقد يكون الإكراه على ما دون القتل والزنا – مما يتعلق بالغير – مبررا أيضا إذا أصلح الفاعل وعوض عما ارتكبه بعد زوال خطر الإكراه. وهذا لا يتعارض مع التوبة عن الآثام التي يرتكبها المرء بدون إكراه إذا ما كانت توبة صادقة مترافقة على الإصلاح والتعويض على ما شرحناه في سياق سورة الفرقان.
وهناك حديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )٢. والحديث يتساوق مع التلقين القرآني، ويتحمل بدوره الملاحظات التي شرحناها كما هو المتبادر، والله تعالى أعلم.
ولقد نبه المفسرون في سياق الآية إلى التشريع النبوي في حق المرتدين عن الإسلام بدون إكراه، فروى ابن كثير حديثا رواه الإمام أحمد عن عكرمة، رواه أيضا البخاري وأبو داود والترمذي بصيغة قريبة جدا وهي :( إن عليا حرق قوما ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه، ولم أحرقهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تعذبوا بعذاب الله، فبلغ ذلك عليا فقال : صدق ابن عباس ) ٣. وهناك حديث آخر رواه الخمسة عن عبد الله بن مسعود قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة ) ٤.
والمتبادر أن هذا التشريع النبوي مدني، وقد اكتفت الآيات التي نحن في صددها بتقرير غضب الله وعذابه العظيم، والخسران في الآخرة للمرتدين الشارحين بالكفر صدرا ؛ لأن هذا هو المناسب مع ظرف العهد المكي على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة.
.
٢ التاج ج ١ ص ٢٩..
٣ التاج ج ٣ ص ١٧..
٤ المصدر نفسه..
٢ أنعم : جمع نعمة.
جمهور المفسرين على أن هذا المثل مضروب في مكة وكفارها : فمكة بلدة قد أنعم الله عليها بالأمن والطمأنينة، ويسر لها أسباب الرزق يأتيها من كل مكان بسهولة وسعة. فلم يرع أهلها حق الله ولم يشكروا نعمه وأفضاله، ولما جاءهم رسوله منهم يدعوهم إليه وقفوا منه موقف المكذب الباغي ؛ ولذلك أخذهم عذاب الله بظلمهم وإجرامهم وكفرهم وبغيهم، وبدل أمنهم بالخوف وسعة رزقهم بالتقتير والجوع، وجعلهم مثلا يتمثل به وعبرة للمعتبرين.
والآيات تنطوي على تذكير بعذاب وضيق وجوع وخوف وقع على أهل القرية أو على أهل مكة على ما اتفق عليه جمهور المفسرين. وقد رووا ١ أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بعد هجرته بسنين كسني يوسف، ومنع عنهم في الوقت نفسه الميرة فجاعوا حتى أكلوا الجيف، فأرسلوا إليه يذكرونه بالرحم فأشفق عليهم وسمح لهم بالميرة. وإن الخوف الذي ذكر في الآية هو ما كان بسبب سرايا رسول الله التي كان يسيرها نحوهم. وهذا يقتضي أن تكون الآيات مدنية. ولم نطلع على رواية تذكر ذلك. ولقد أوردنا في سياق تفسير سورة الدخان روايات تذكر أنه طرأ على مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مكة مجاعة أدت إلى خوفهم واضطرابهم، وأن بعض زعماء مكة جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فناشدوه الرحم، وطلبوا منه أن يدعوا الله بكشف العذاب عنهم. وبعد انكشاف العذاب عادوا إلى موقفهم المناوئ فأنذرهم الله بالبطشة الكبرى في سورة الدخان. والذي يتبادر لنا أن هذه الآيات بسبيل التذكير بذلك وتعليل ما أصابهم بموقفهم الباغي الظالم. ونزول سورة الدخان ليس بعيدا عن نزول هذه السورة. ولعل ما طرأ عليهم كان ما يزال. فإذا صح هذا – ونرجو أن يكون صحيحا – فتكون صلة هذه الآيات بسابقاتها واضحة ؛ حيث احتوت سابقاتها حملة على الكفار وزعمائهم بخاصة لمواقفهم المناوئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم له، وتشويشهم عليه وإكراه من استطاعوا على الارتداد عن الإسلام، فجاءت الآيات تذكرهم بما هم فيه من بلاء وتؤذنهم بأنه بعض جزائهم العاجل من الله، وتجعل مكة في ذلك مضرب المثل والعبرة.
تلقين آية
﴿ وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة ﴾
وفي هذه الآية تلقين جليل وعظة اجتماعية مستمرة المدى، فأي مجتمع أراد أن يحتفظ بأسباب القوة والعزة والحياة المطمئنة والرزق الميسور عليه أن يلتزم حدود الله في الإخلاص له والعدل والإحسان وسائر الأعمال الصالحة، وأن يعترف بفضله ويداوم على ذكره وشكره وأن يبتعد عن كل ما فيه ظلم وإثم وبغي ومنكر وانحرف وإسراف. فإذا أخل بذلك اختلت شؤونه وانفرط كيانه وغدا عرضة للنوائب والكوارث.
﴿ ولقد جاءهم رسول منهم ﴾
لقد وقف الطبري عند هذه الجملة فاستنبط منها ما يفيد أنها منطوية على تذكير العرب السامعين بأنهم يعرفون الرسول ويعرفون نسبه وصدق لهجته، ولا يخلوا هذا من صواب، وقد تضمن هذا المعنى آيات أخرى منها آيات سورة يونس [ ١٥-١٦ ]، وآيات سورة المؤمنون [ ٦٨-٧٠ ]، على ما نبهنا عليه في مناسباتها. وقد يصح أن يضاف هنا إلى هذا أن الجملة يمكن أن تكون انطوت أيضا على قصد التدليل على باعث حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هدايتهم وتجرده عن المآرب والمقاصد في ذلك، وهو شدة المعصية في ذلك الوقت في العرب التي تجعل العربي يتحمل كل تضحية في سبيل جر الذين ارتبط بهم برابطة الرحم والقبيلة وحياتهم وعزتهم والتضامن معهم. ثم على قصد بيان عظم فضل الله ونعمته بإرسال هاد إليهم منهم يكون فيه مثل هذا الباعث، وكون إثم تكذيبهم له أشد واستحقاقهم للعذاب نتيجة لذلك أولى.
وقد لا تخلو الآية التي فيها الجملة على ضوء هذا التوضيح من تلقين مستمر المدى فيما يكون من وقوف الفئات المستكبرة المغرضة من دعاة الإصلاح والقادة المخلصين منهم الذين تكون دعوتهم وقيادتهم مجردة من المآرب وخالصة لوجه الله ومصلحتهم.
ولقد تكررت هذه الجملة في مقامات مماثلة للمقاصد نفسها، وكان يأتي بدلا منهم ( منكم )، أو ( من أنفسكم )، أو من ( أنفسهم )، كما جاء في آية سورة البقرة هذه :﴿ كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ١٥١ ﴾، وآية سورة آل عمران هذه :﴿ لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ١٦٤ ﴾، وآيات سورة التوبة هذه :﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ١٢٨ فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ١٢٩ ﴾ وآية سورة الجمعة هذه :﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ٢ ﴾، حيث يبدو من هذا أن حكمة التنزيل اقتضت تكرار التنبيه والتوكيد على هذا الأمر لما انطوى فيه من مقاصد.
ولقد أورد المفسرون في سياق آيات سورة التوبة كتوضيح لمدى تعبير ( من أنفسكم )، الذي هو في مقام ( منهم )، قولا لابن عباس جاء فيه :( إنه ليس من العرب قبيلة إلا قد ولدت النبي صلى الله عليه وسلم وله فيهم نسب، وفي رواية ليس من العرب قبيلة إلا ولدت النبي صلى الله عليه وسلم مضرها وربيعها ويمنها ) ١.
والنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان قرشيا من ناحية الوالدين المباشرين، حيث كان أبوه من بني هاشم وأمه من بني زهرة وكلاهما من قريش، وقريش من عدنان حسب التقاليد المشهورة، فإن أم أبيه كانت من بني النجار، من الخزرج، وهم قحطانيون، حيث يصدق ما روي عن ابن عباس من انتساب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الفرعين الرئيسيين الذين تفرع منهما جميع القبائل العربية في جنوب جزيرة العرب وشمالها.
ولقد أورد البغوي في سياق آية سورة التوبة أيضا حديثا رواه بطرقه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية شيء، ما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام ). وأورد ابن كثير حديثا قريبا من هذا بطرق أخرى بقصد التدليل على سبب من أسباب ما كانت عليه أخلاق رسول الله المذكورة في الآية وهو الطهارة في النسب. والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة، ولكن ورد فيها أحاديث أقوى في الدلالة من هذا الحديث، حيث روى مسلم والترمذي عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم :( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ) ٢.
وحيث روى الترمذي عن العباس أنه قال للنبي : يا رسول الله إن قريشا جلسوا فتذكروا أحسابهم بينهم، فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كبوة من الأرض. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم، من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم تخير القبائل فجعلني من خير قبيلة، ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا )٣.
٢ التاج ج ٣ ص ٢٠٥..
٣ المصدر نفسه..
في الآيات :
١- أمر للسامعين بأن يأكلوا ويتمتعوا بكل ما رزقهم الله من الحلال الطيب، ويشكروا الله على نعمه إن كانوا حقيقة يؤمنون به ويعبدونه.
٢- وبيان بأن المحرم عليهم أكله ينحصر في الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح.
٣- واستدراك بأن الله مع ذلك يغفر لمن يكون مضطرا إلى أكل هذه المحرمات في حدود الضرورة بدون توسع وتجاوز.
٤- ونهي عن التحليل والتحريم اللذين لا يستندان إلى أمر رباني وعن نسبته ذلك إلى الله كذبا وافتراء.
٥- وتنديد ووعيد لمن يفعل ذلك، فهو لن يفلح ولن يسعد وله العذاب الأليم الذي ينتظره في الآخرة بعد متاع الدنيا وأجلها القصير.
٦- وإشارة إلى كون الله إذا كان حرم على اليهود بعض المأكولات التي ذكرت في القرآن قبل هذه السورة، فإنما كان ذلك بسبب بغيهم وتعنتهم وظلمهم وأن الله لم يظلمهم بذلك.
٧- وتقرير بأن الله يعامل الذين يعملون السوء عن جهل وغفلة ثم يندمون ويتوبون ويسيرون في طريق الصلاح والإصلاح بالرحمة والمغفرة.
والتعليم الذي احتوته الآيتان الأوليان قد تكرر في القرآن في سور مدنية ومكية بأسلوب متقارب. ومن ذلك ما جاء في الآية [ ١٤٤ ] من سورة الأنعام التي سبق تفسيرها، وعلقنا على الموضوع في سياقها ما يغني عن الإعادة. ولقد جاء الدم في آية الأنعام بوصفه مسفوحا ولم يرد هذا الوصف هنا. والمتبادر أن هذا مقدر وأنه هو الذي كان مستقرا مفهوم المدى. بدليل استثناء النبي في حديث له : الطحال والكبد ؛ لأنهما عضوان جامدان على ما ذكرناه في التعليق المذكور.
وتكرر ورود هذا التعليم يدل على ما كان راسخا عند العرب من تحليل وتحريم في صدد اللحوم، وما كان يدور حول هذا الموضوع من جدل. مما شرحناه كذلك في تفسير سورة الأنعام في سياق تفسير الآيات [ ١١٨ -١٢١ ] و [ ١٣٧-١٣٩ ] و [ ١٤٢-١٤٧ ] وكان من جملة ذلك بيان ما حرمه على اليهود وأسباب التحريم.
ولا يروي المفسرون رواية ما في مناسبة نزول هذه الآيات وأسلوبها ومضمونها في جملتها قد يلهمان أنها وردت في سياق استفسار أو مشهد جدل في صدد محرمات اللحوم والذبائح. وقد يلهمان أن الموضوع قد أثير من قبل بعض المسلمين أو بسبب بعض أقوال بعضهم وتصرفاتهم. ومما قد تلهمه الآيات : أن الجدل تطرق مرة أخرى إلى ما عند اليهود من محرمات أخرى غير المحرمات الأربع، فاقتضت حكمة التنزيل الإشارة ثانية إلى أن ذلك قد كان عقابا خاصا لليهود وليس من محل للقياس عليه.
والآيات تبدو فصلا مستقلا لا صلة له بالفصول السابقة، إلا إذا كان الكفار قد أشركوا في الموقف الجدلي، أو إذا كان لهذا الفصل صلة بما كان من تبديل بعض الآيات مكان بعض مما لا يمكن التأكد منه ؛ لأنه ليس هناك رواية ما في صددها يمكن الاستئناس بها عليه وإن كنا نميل إلى ذلك.
ولقد روى الإمام أحمد ومسلم والترمذي في صدد الآية الأولى حديثا عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات، واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم، وإن الرجل يمد يديه على السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك )١.
حيث ينطوي في الحديث تلقين توضيحي متساوق مع التلقين القرآني في الآية، وتنديد بالمنحرفين عنه.
في الآيات :
١- أمر للسامعين بأن يأكلوا ويتمتعوا بكل ما رزقهم الله من الحلال الطيب، ويشكروا الله على نعمه إن كانوا حقيقة يؤمنون به ويعبدونه.
٢- وبيان بأن المحرم عليهم أكله ينحصر في الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح.
٣- واستدراك بأن الله مع ذلك يغفر لمن يكون مضطرا إلى أكل هذه المحرمات في حدود الضرورة بدون توسع وتجاوز.
٤- ونهي عن التحليل والتحريم اللذين لا يستندان إلى أمر رباني وعن نسبته ذلك إلى الله كذبا وافتراء.
٥- وتنديد ووعيد لمن يفعل ذلك، فهو لن يفلح ولن يسعد وله العذاب الأليم الذي ينتظره في الآخرة بعد متاع الدنيا وأجلها القصير.
٦- وإشارة إلى كون الله إذا كان حرم على اليهود بعض المأكولات التي ذكرت في القرآن قبل هذه السورة، فإنما كان ذلك بسبب بغيهم وتعنتهم وظلمهم وأن الله لم يظلمهم بذلك.
٧- وتقرير بأن الله يعامل الذين يعملون السوء عن جهل وغفلة ثم يندمون ويتوبون ويسيرون في طريق الصلاح والإصلاح بالرحمة والمغفرة.
والتعليم الذي احتوته الآيتان الأوليان قد تكرر في القرآن في سور مدنية ومكية بأسلوب متقارب. ومن ذلك ما جاء في الآية [ ١٤٤ ] من سورة الأنعام التي سبق تفسيرها، وعلقنا على الموضوع في سياقها ما يغني عن الإعادة. ولقد جاء الدم في آية الأنعام بوصفه مسفوحا ولم يرد هذا الوصف هنا. والمتبادر أن هذا مقدر وأنه هو الذي كان مستقرا مفهوم المدى. بدليل استثناء النبي في حديث له : الطحال والكبد ؛ لأنهما عضوان جامدان على ما ذكرناه في التعليق المذكور.
وتكرر ورود هذا التعليم يدل على ما كان راسخا عند العرب من تحليل وتحريم في صدد اللحوم، وما كان يدور حول هذا الموضوع من جدل. مما شرحناه كذلك في تفسير سورة الأنعام في سياق تفسير الآيات [ ١١٨ -١٢١ ] و [ ١٣٧-١٣٩ ] و [ ١٤٢-١٤٧ ] وكان من جملة ذلك بيان ما حرمه على اليهود وأسباب التحريم.
ولا يروي المفسرون رواية ما في مناسبة نزول هذه الآيات وأسلوبها ومضمونها في جملتها قد يلهمان أنها وردت في سياق استفسار أو مشهد جدل في صدد محرمات اللحوم والذبائح. وقد يلهمان أن الموضوع قد أثير من قبل بعض المسلمين أو بسبب بعض أقوال بعضهم وتصرفاتهم. ومما قد تلهمه الآيات : أن الجدل تطرق مرة أخرى إلى ما عند اليهود من محرمات أخرى غير المحرمات الأربع، فاقتضت حكمة التنزيل الإشارة ثانية إلى أن ذلك قد كان عقابا خاصا لليهود وليس من محل للقياس عليه.
والآيات تبدو فصلا مستقلا لا صلة له بالفصول السابقة، إلا إذا كان الكفار قد أشركوا في الموقف الجدلي، أو إذا كان لهذا الفصل صلة بما كان من تبديل بعض الآيات مكان بعض مما لا يمكن التأكد منه ؛ لأنه ليس هناك رواية ما في صددها يمكن الاستئناس بها عليه وإن كنا نميل إلى ذلك.
ولقد روى الإمام أحمد ومسلم والترمذي في صدد الآية الأولى حديثا عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات، واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم، وإن الرجل يمد يديه على السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك )١.
حيث ينطوي في الحديث تلقين توضيحي متساوق مع التلقين القرآني في الآية، وتنديد بالمنحرفين عنه.
ولسنا نرى ضرورة للتعليق على أصل الموضوع ومبدأ الاضطرار فقد علقنا عليه بما فيه الكفاية في تفسير سورة الأنعام. غير أننا نود أن نلفت النظر بخاصة إلى الآية [ ١١٧ ] وما احتوته من تلقين مستمر المدى يمكن أن يكون شاملا لمتنوع الشؤون، وغير قاصر على محرمات اللحوم والطعام بسبب إطلاقها، حيث نهت المسلمين عن إلقاء الكلام على عواهنه في التحليل والتحريم مطلقا، ونسبة ذلك إلى الله من دون تثبت وتدبر وسند وثيق. ففي ذلك افتراء على الله وتضييق لما وسع وتعطيل لحكمته المتمشية مع المصلحة والعقل وطبائع الأشياء.
ولقد أوردنا في تعلقينا على آيات سورة الأنعام المار ذكرها حديثا نبويا جاء فيه :( الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه ). حيث ينطوي في هذا الحديث تحديد لما يجب على المؤمن أن يقف عنده من حدود في صدد التحليل والتحريم.
على أن من الواجب التنبيه على أمر هام نبهنا عليه أيضا في التعليق المذكور، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المصدر الثاني للتشريع الواجب على المؤمنين اتباع ما أمر به ونهى عنه بعد القرآن، وأنه يصح أن يصدر عنه تحليل وتحريم لما سكت عنه القرآن أو جاء فيه غامضا وغير مستوف لكل جانب. ولقد روي عنه أحاديث وردت في كتب الأحاديث الصحيحة مثل ذلك أوردنا بعضها في سياق التعليق المذكور.
وهي في صدد الذبائح والأطعمة الحيوانية، وهناك أحاديث أخرى في صدد الألبسة والأشربة وغيرها أيضا وردت في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك مثلا حديث رواه الشيخان والنسائي عن حذيفة قال :( نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيهما، وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه ) ١. وحديث رواه أصحاب السنن عن علي قال :( إن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبا فجعله في شماله، ثم قال : إن هذين حرام على ذكور أمتي ) ٢.
والتلقين المنطوي في الآية في عدم جواز التحليل والتحريم جزافا، ونسبة ذلك إلى الله افتراء ينسحب على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لمؤمن أن ينسب إليه التحريم والتحليل جزافا بدون تثبت وتدبر وسند وثيق افتراء عليه كما هو المتبادر.
والآية الأخيرة وإن كانت على ما يتبادر متصلة بموضوع الآيات، ودليلا على أن موضوعها مما أثير من بعض المسلمين، أو بسبب تصرف بعضهم فإن فيها توكيدا لمبدأ التوبة القرآني وفي أسلوبها عمومية وشمول. ولقد علقنا على هذا المبدأ بما فيه الكفاية في سورة الفرقان والبروج فلا ضرورة للإعادة.
هذا وفي الآيات دلالة على أن سورة الأنعام قد سبقت في النزول هذه السورة كما هو واضح ؛ لأن المحرمات على اليهود قد ذكرت في تلك السورة وعطف عليها هنا. وفي هذا نقض حاسم لترتيب بعض المستشرقين ٣ لنزول سورة الأنعام كآخر السور أو من أواخرها نزولا.
٢ المصدر نفسه ص ١٣٥ ونكتفي بهذين المثلين اللذين لهما أمثال كثيرة في شؤون كثيرة. وننبه على أن هناك حديثا رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أنس قال: ( رخّص النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في لبس الحرير لحكة كانت بهما ) ص ١٣٥. والرخصة في الحديث متساوقة مع النص القرآني بإباحة المحظور للمضطر في الآية التي نحن في صددها وفي أمثالها. وقد يكون من الحكمة الملموحة في تحريم الأكل والشرب بآنية الذهب والفضة على المسلمين رجالهم ونسائهم قصد تفادي البطر والترف والتبذير وتعالي أغنياء المسلمين الذين قد يتيسر لهم ذلك على فقرائهم. وقد يكون من الحكمة الملموحة في تحريم لبس الحرير والذهب على الرجال قصد الارتفاع بهم عن التشبه بالنساء في ما يليق لهن من لباس وحلي. والله تعالى أعلم.
ويلحظ آن الله عز وجل وعد المؤمنين في آيات عديدة مرت أمثلة منها بلباس الحرير وحلي الذهب واللؤلؤ في الآخرة وبالأكل والشرب بآنية الذهب والفضة حيث يلمح من ذلك قصد التعويض عليهم عما حرموه؛ لأن ما يرد من ذلك في الدنيا غير وارد في الاخرة والله تعالى أعلم..
٣ المستشرق ويل..
ولسنا نرى ضرورة للتعليق على أصل الموضوع ومبدأ الاضطرار فقد علقنا عليه بما فيه الكفاية في تفسير سورة الأنعام. غير أننا نود أن نلفت النظر بخاصة إلى الآية [ ١١٧ ] وما احتوته من تلقين مستمر المدى يمكن أن يكون شاملا لمتنوع الشؤون، وغير قاصر على محرمات اللحوم والطعام بسبب إطلاقها، حيث نهت المسلمين عن إلقاء الكلام على عواهنه في التحليل والتحريم مطلقا، ونسبة ذلك إلى الله من دون تثبت وتدبر وسند وثيق. ففي ذلك افتراء على الله وتضييق لما وسع وتعطيل لحكمته المتمشية مع المصلحة والعقل وطبائع الأشياء.
ولقد أوردنا في تعلقينا على آيات سورة الأنعام المار ذكرها حديثا نبويا جاء فيه :( الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه ). حيث ينطوي في هذا الحديث تحديد لما يجب على المؤمن أن يقف عنده من حدود في صدد التحليل والتحريم.
على أن من الواجب التنبيه على أمر هام نبهنا عليه أيضا في التعليق المذكور، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المصدر الثاني للتشريع الواجب على المؤمنين اتباع ما أمر به ونهى عنه بعد القرآن، وأنه يصح أن يصدر عنه تحليل وتحريم لما سكت عنه القرآن أو جاء فيه غامضا وغير مستوف لكل جانب. ولقد روي عنه أحاديث وردت في كتب الأحاديث الصحيحة مثل ذلك أوردنا بعضها في سياق التعليق المذكور.
وهي في صدد الذبائح والأطعمة الحيوانية، وهناك أحاديث أخرى في صدد الألبسة والأشربة وغيرها أيضا وردت في كتب الأحاديث الصحيحة. من ذلك مثلا حديث رواه الشيخان والنسائي عن حذيفة قال :( نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيهما، وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه ) ١. وحديث رواه أصحاب السنن عن علي قال :( إن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبا فجعله في شماله، ثم قال : إن هذين حرام على ذكور أمتي ) ٢.
والتلقين المنطوي في الآية في عدم جواز التحليل والتحريم جزافا، ونسبة ذلك إلى الله افتراء ينسحب على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لمؤمن أن ينسب إليه التحريم والتحليل جزافا بدون تثبت وتدبر وسند وثيق افتراء عليه كما هو المتبادر.
والآية الأخيرة وإن كانت على ما يتبادر متصلة بموضوع الآيات، ودليلا على أن موضوعها مما أثير من بعض المسلمين، أو بسبب تصرف بعضهم فإن فيها توكيدا لمبدأ التوبة القرآني وفي أسلوبها عمومية وشمول. ولقد علقنا على هذا المبدأ بما فيه الكفاية في سورة الفرقان والبروج فلا ضرورة للإعادة.
هذا وفي الآيات دلالة على أن سورة الأنعام قد سبقت في النزول هذه السورة كما هو واضح ؛ لأن المحرمات على اليهود قد ذكرت في تلك السورة وعطف عليها هنا. وفي هذا نقض حاسم لترتيب بعض المستشرقين ٣ لنزول سورة الأنعام كآخر السور أو من أواخرها نزولا.
٢ المصدر نفسه ص ١٣٥ ونكتفي بهذين المثلين اللذين لهما أمثال كثيرة في شؤون كثيرة. وننبه على أن هناك حديثا رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أنس قال: ( رخّص النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في لبس الحرير لحكة كانت بهما ) ص ١٣٥. والرخصة في الحديث متساوقة مع النص القرآني بإباحة المحظور للمضطر في الآية التي نحن في صددها وفي أمثالها. وقد يكون من الحكمة الملموحة في تحريم الأكل والشرب بآنية الذهب والفضة على المسلمين رجالهم ونسائهم قصد تفادي البطر والترف والتبذير وتعالي أغنياء المسلمين الذين قد يتيسر لهم ذلك على فقرائهم. وقد يكون من الحكمة الملموحة في تحريم لبس الحرير والذهب على الرجال قصد الارتفاع بهم عن التشبه بالنساء في ما يليق لهن من لباس وحلي. والله تعالى أعلم.
ويلحظ آن الله عز وجل وعد المؤمنين في آيات عديدة مرت أمثلة منها بلباس الحرير وحلي الذهب واللؤلؤ في الآخرة وبالأكل والشرب بآنية الذهب والفضة حيث يلمح من ذلك قصد التعويض عليهم عما حرموه؛ لأن ما يرد من ذلك في الدنيا غير وارد في الاخرة والله تعالى أعلم..
٣ المستشرق ويل..
في الآيات :
١- أمر للسامعين بأن يأكلوا ويتمتعوا بكل ما رزقهم الله من الحلال الطيب، ويشكروا الله على نعمه إن كانوا حقيقة يؤمنون به ويعبدونه.
٢- وبيان بأن المحرم عليهم أكله ينحصر في الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح.
٣- واستدراك بأن الله مع ذلك يغفر لمن يكون مضطرا إلى أكل هذه المحرمات في حدود الضرورة بدون توسع وتجاوز.
٤- ونهي عن التحليل والتحريم اللذين لا يستندان إلى أمر رباني وعن نسبته ذلك إلى الله كذبا وافتراء.
٥- وتنديد ووعيد لمن يفعل ذلك، فهو لن يفلح ولن يسعد وله العذاب الأليم الذي ينتظره في الآخرة بعد متاع الدنيا وأجلها القصير.
٦- وإشارة إلى كون الله إذا كان حرم على اليهود بعض المأكولات التي ذكرت في القرآن قبل هذه السورة، فإنما كان ذلك بسبب بغيهم وتعنتهم وظلمهم وأن الله لم يظلمهم بذلك.
٧- وتقرير بأن الله يعامل الذين يعملون السوء عن جهل وغفلة ثم يندمون ويتوبون ويسيرون في طريق الصلاح والإصلاح بالرحمة والمغفرة.
والتعليم الذي احتوته الآيتان الأوليان قد تكرر في القرآن في سور مدنية ومكية بأسلوب متقارب. ومن ذلك ما جاء في الآية [ ١٤٤ ] من سورة الأنعام التي سبق تفسيرها، وعلقنا على الموضوع في سياقها ما يغني عن الإعادة. ولقد جاء الدم في آية الأنعام بوصفه مسفوحا ولم يرد هذا الوصف هنا. والمتبادر أن هذا مقدر وأنه هو الذي كان مستقرا مفهوم المدى. بدليل استثناء النبي في حديث له : الطحال والكبد ؛ لأنهما عضوان جامدان على ما ذكرناه في التعليق المذكور.
وتكرر ورود هذا التعليم يدل على ما كان راسخا عند العرب من تحليل وتحريم في صدد اللحوم، وما كان يدور حول هذا الموضوع من جدل. مما شرحناه كذلك في تفسير سورة الأنعام في سياق تفسير الآيات [ ١١٨ -١٢١ ] و [ ١٣٧-١٣٩ ] و [ ١٤٢-١٤٧ ] وكان من جملة ذلك بيان ما حرمه على اليهود وأسباب التحريم.
ولا يروي المفسرون رواية ما في مناسبة نزول هذه الآيات وأسلوبها ومضمونها في جملتها قد يلهمان أنها وردت في سياق استفسار أو مشهد جدل في صدد محرمات اللحوم والذبائح. وقد يلهمان أن الموضوع قد أثير من قبل بعض المسلمين أو بسبب بعض أقوال بعضهم وتصرفاتهم. ومما قد تلهمه الآيات : أن الجدل تطرق مرة أخرى إلى ما عند اليهود من محرمات أخرى غير المحرمات الأربع، فاقتضت حكمة التنزيل الإشارة ثانية إلى أن ذلك قد كان عقابا خاصا لليهود وليس من محل للقياس عليه.
والآيات تبدو فصلا مستقلا لا صلة له بالفصول السابقة، إلا إذا كان الكفار قد أشركوا في الموقف الجدلي، أو إذا كان لهذا الفصل صلة بما كان من تبديل بعض الآيات مكان بعض مما لا يمكن التأكد منه ؛ لأنه ليس هناك رواية ما في صددها يمكن الاستئناس بها عليه وإن كنا نميل إلى ذلك.
ولقد روى الإمام أحمد ومسلم والترمذي في صدد الآية الأولى حديثا عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات، واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم، وإن الرجل يمد يديه على السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك )١.
حيث ينطوي في الحديث تلقين توضيحي متساوق مع التلقين القرآني في الآية، وتنديد بالمنحرفين عنه.
في الآيات :
١- أمر للسامعين بأن يأكلوا ويتمتعوا بكل ما رزقهم الله من الحلال الطيب، ويشكروا الله على نعمه إن كانوا حقيقة يؤمنون به ويعبدونه.
٢- وبيان بأن المحرم عليهم أكله ينحصر في الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح.
٣- واستدراك بأن الله مع ذلك يغفر لمن يكون مضطرا إلى أكل هذه المحرمات في حدود الضرورة بدون توسع وتجاوز.
٤- ونهي عن التحليل والتحريم اللذين لا يستندان إلى أمر رباني وعن نسبته ذلك إلى الله كذبا وافتراء.
٥- وتنديد ووعيد لمن يفعل ذلك، فهو لن يفلح ولن يسعد وله العذاب الأليم الذي ينتظره في الآخرة بعد متاع الدنيا وأجلها القصير.
٦- وإشارة إلى كون الله إذا كان حرم على اليهود بعض المأكولات التي ذكرت في القرآن قبل هذه السورة، فإنما كان ذلك بسبب بغيهم وتعنتهم وظلمهم وأن الله لم يظلمهم بذلك.
٧- وتقرير بأن الله يعامل الذين يعملون السوء عن جهل وغفلة ثم يندمون ويتوبون ويسيرون في طريق الصلاح والإصلاح بالرحمة والمغفرة.
والتعليم الذي احتوته الآيتان الأوليان قد تكرر في القرآن في سور مدنية ومكية بأسلوب متقارب. ومن ذلك ما جاء في الآية [ ١٤٤ ] من سورة الأنعام التي سبق تفسيرها، وعلقنا على الموضوع في سياقها ما يغني عن الإعادة. ولقد جاء الدم في آية الأنعام بوصفه مسفوحا ولم يرد هذا الوصف هنا. والمتبادر أن هذا مقدر وأنه هو الذي كان مستقرا مفهوم المدى. بدليل استثناء النبي في حديث له : الطحال والكبد ؛ لأنهما عضوان جامدان على ما ذكرناه في التعليق المذكور.
وتكرر ورود هذا التعليم يدل على ما كان راسخا عند العرب من تحليل وتحريم في صدد اللحوم، وما كان يدور حول هذا الموضوع من جدل. مما شرحناه كذلك في تفسير سورة الأنعام في سياق تفسير الآيات [ ١١٨ -١٢١ ] و [ ١٣٧-١٣٩ ] و [ ١٤٢-١٤٧ ] وكان من جملة ذلك بيان ما حرمه على اليهود وأسباب التحريم.
ولا يروي المفسرون رواية ما في مناسبة نزول هذه الآيات وأسلوبها ومضمونها في جملتها قد يلهمان أنها وردت في سياق استفسار أو مشهد جدل في صدد محرمات اللحوم والذبائح. وقد يلهمان أن الموضوع قد أثير من قبل بعض المسلمين أو بسبب بعض أقوال بعضهم وتصرفاتهم. ومما قد تلهمه الآيات : أن الجدل تطرق مرة أخرى إلى ما عند اليهود من محرمات أخرى غير المحرمات الأربع، فاقتضت حكمة التنزيل الإشارة ثانية إلى أن ذلك قد كان عقابا خاصا لليهود وليس من محل للقياس عليه.
والآيات تبدو فصلا مستقلا لا صلة له بالفصول السابقة، إلا إذا كان الكفار قد أشركوا في الموقف الجدلي، أو إذا كان لهذا الفصل صلة بما كان من تبديل بعض الآيات مكان بعض مما لا يمكن التأكد منه ؛ لأنه ليس هناك رواية ما في صددها يمكن الاستئناس بها عليه وإن كنا نميل إلى ذلك.
ولقد روى الإمام أحمد ومسلم والترمذي في صدد الآية الأولى حديثا عن أبي هريرة قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات، واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم، وإن الرجل يمد يديه على السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك )١.
حيث ينطوي في الحديث تلقين توضيحي متساوق مع التلقين القرآني في الآية، وتنديد بالمنحرفين عنه.
في الآيات :
١- تقرير بأن إبراهيم كان إماما على طريق الحق، خاضعا لله ملتزما حدوده، غير منحرف عنها وغير مشرك بالله أحدا، وشاكرا لنعم الله، وبأن الله قد اصطفاه وشمله بعنايته، وهداه إلى الطريق القوي، م وهيأ له أسباب الخير والطمأنينة والفلاح في الدنيا، وجعله في الآخرة في عداد الصالحين المستحقين لحسن الجزاء.
٢- وخطاب للنبي بأن الله قد أوحى إليه باتباع ملة إبراهيم وطريقته التي ليس فيها انحراف ولا شرك.
٣- وبيان بأن الله قد جعل السبت على الذين اختلفوا فيه، وبأن الله سوف يقضي بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه.
ولم يرو المفسرون رواية ما في صدد نزول هذه الآيات أيضا، ويتبادر لنا أنها – وبخاصة الأربع الأولى منها – متصلة بالآيات السابقة. فقد كان العرب يردون ما يسيرون عليه من تقاليد دينية، ومن جملة ذلك تقاليد التحريم والتحليل إلى ملة إبراهيم فجاءت الآيات معقبة على الآيات السابقة بقصد الرد والتنديد، وبيان جوهر هذه الملة. وكونها هي التي أوحى الله بها إلى النبي، وكون ما جاء في القرآن من تحليل وتحريم – وبخاصة في الأطعمة الحيوانية – هو الصحيح من هذه الملة الذي يجب الأخذ به.
ولقد تعددت أقوال المفسرين في الآية الأخيرة، حيث قال بعضهم ٢ استنادا إلى بعض الروايات والأحاديث : إن يوم الجمعة هو اليوم الذي كان يجب اتخاذه يوم عيد ؛ لأن الله انتهى فيه من خلق الكون فاختلف اليهود في الأمر ثم اختاروا يوم السبت ؛ لأنه كان يوم راحة الله من خلق الكون، فأوجبه الله عليهم وحرم فيه العمل، فمنهم من ثبت على ذلك ومنهم من خالفه، وقد أوردوا حديثا نبويا عن أبي هريرة رواه البخاري جاء فيه :( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا، والنصارى بعد غد )، وحديثا آخر عن أبي هريرة وحذيفة رواه مسلم جاء فيه :( أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فهم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، والمقضي بينهم قبل الخلائق )٣، وحيث قال بعضهم ٤ : إن الآية تعني الإشارة إلى ما كان من احتيال اليهود على السبت في صيد السمك، وما كان عقوبة الله لهم، ومسخهم على هذا الإثم مما أشارت إليه آيات سورة الأعراف [ ١٦٣-١٦٦ ].
ونحن نرجح هذا القول ؛ لأننا نراه أشد اتصالا بموضوع التحريم والتحليل ؛ حيث يكون في الآية إنذار وتنبيه للمسلمين على عدم السير في طريق اليهود ؛ لئلا يعاقبهم الله بما عاقب هؤلاء، وحيث تبدو الصلة واضحة بين هذه الآية والآيات الأربع، ثم بين الآيات الخمس وما قبلها أيضا.
ولسنا نرى هذا الترجيح متعارضا مع الحديثين اللذين رواهما البخاري ومسلم من حيث إنهما ليسا في صدد تفسير الآية.
في الآيات :
١- تقرير بأن إبراهيم كان إماما على طريق الحق، خاضعا لله ملتزما حدوده، غير منحرف عنها وغير مشرك بالله أحدا، وشاكرا لنعم الله، وبأن الله قد اصطفاه وشمله بعنايته، وهداه إلى الطريق القوي، م وهيأ له أسباب الخير والطمأنينة والفلاح في الدنيا، وجعله في الآخرة في عداد الصالحين المستحقين لحسن الجزاء.
٢- وخطاب للنبي بأن الله قد أوحى إليه باتباع ملة إبراهيم وطريقته التي ليس فيها انحراف ولا شرك.
٣- وبيان بأن الله قد جعل السبت على الذين اختلفوا فيه، وبأن الله سوف يقضي بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه.
ولم يرو المفسرون رواية ما في صدد نزول هذه الآيات أيضا، ويتبادر لنا أنها – وبخاصة الأربع الأولى منها – متصلة بالآيات السابقة. فقد كان العرب يردون ما يسيرون عليه من تقاليد دينية، ومن جملة ذلك تقاليد التحريم والتحليل إلى ملة إبراهيم فجاءت الآيات معقبة على الآيات السابقة بقصد الرد والتنديد، وبيان جوهر هذه الملة. وكونها هي التي أوحى الله بها إلى النبي، وكون ما جاء في القرآن من تحليل وتحريم – وبخاصة في الأطعمة الحيوانية – هو الصحيح من هذه الملة الذي يجب الأخذ به.
ولقد تعددت أقوال المفسرين في الآية الأخيرة، حيث قال بعضهم ٢ استنادا إلى بعض الروايات والأحاديث : إن يوم الجمعة هو اليوم الذي كان يجب اتخاذه يوم عيد ؛ لأن الله انتهى فيه من خلق الكون فاختلف اليهود في الأمر ثم اختاروا يوم السبت ؛ لأنه كان يوم راحة الله من خلق الكون، فأوجبه الله عليهم وحرم فيه العمل، فمنهم من ثبت على ذلك ومنهم من خالفه، وقد أوردوا حديثا نبويا عن أبي هريرة رواه البخاري جاء فيه :( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا، والنصارى بعد غد )، وحديثا آخر عن أبي هريرة وحذيفة رواه مسلم جاء فيه :( أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فهم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، والمقضي بينهم قبل الخلائق )٣، وحيث قال بعضهم ٤ : إن الآية تعني الإشارة إلى ما كان من احتيال اليهود على السبت في صيد السمك، وما كان عقوبة الله لهم، ومسخهم على هذا الإثم مما أشارت إليه آيات سورة الأعراف [ ١٦٣-١٦٦ ].
ونحن نرجح هذا القول ؛ لأننا نراه أشد اتصالا بموضوع التحريم والتحليل ؛ حيث يكون في الآية إنذار وتنبيه للمسلمين على عدم السير في طريق اليهود ؛ لئلا يعاقبهم الله بما عاقب هؤلاء، وحيث تبدو الصلة واضحة بين هذه الآية والآيات الأربع، ثم بين الآيات الخمس وما قبلها أيضا.
ولسنا نرى هذا الترجيح متعارضا مع الحديثين اللذين رواهما البخاري ومسلم من حيث إنهما ليسا في صدد تفسير الآية.
في الآيات :
١- تقرير بأن إبراهيم كان إماما على طريق الحق، خاضعا لله ملتزما حدوده، غير منحرف عنها وغير مشرك بالله أحدا، وشاكرا لنعم الله، وبأن الله قد اصطفاه وشمله بعنايته، وهداه إلى الطريق القوي، م وهيأ له أسباب الخير والطمأنينة والفلاح في الدنيا، وجعله في الآخرة في عداد الصالحين المستحقين لحسن الجزاء.
٢- وخطاب للنبي بأن الله قد أوحى إليه باتباع ملة إبراهيم وطريقته التي ليس فيها انحراف ولا شرك.
٣- وبيان بأن الله قد جعل السبت على الذين اختلفوا فيه، وبأن الله سوف يقضي بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه.
ولم يرو المفسرون رواية ما في صدد نزول هذه الآيات أيضا، ويتبادر لنا أنها – وبخاصة الأربع الأولى منها – متصلة بالآيات السابقة. فقد كان العرب يردون ما يسيرون عليه من تقاليد دينية، ومن جملة ذلك تقاليد التحريم والتحليل إلى ملة إبراهيم فجاءت الآيات معقبة على الآيات السابقة بقصد الرد والتنديد، وبيان جوهر هذه الملة. وكونها هي التي أوحى الله بها إلى النبي، وكون ما جاء في القرآن من تحليل وتحريم – وبخاصة في الأطعمة الحيوانية – هو الصحيح من هذه الملة الذي يجب الأخذ به.
ولقد تعددت أقوال المفسرين في الآية الأخيرة، حيث قال بعضهم ٢ استنادا إلى بعض الروايات والأحاديث : إن يوم الجمعة هو اليوم الذي كان يجب اتخاذه يوم عيد ؛ لأن الله انتهى فيه من خلق الكون فاختلف اليهود في الأمر ثم اختاروا يوم السبت ؛ لأنه كان يوم راحة الله من خلق الكون، فأوجبه الله عليهم وحرم فيه العمل، فمنهم من ثبت على ذلك ومنهم من خالفه، وقد أوردوا حديثا نبويا عن أبي هريرة رواه البخاري جاء فيه :( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا، والنصارى بعد غد )، وحديثا آخر عن أبي هريرة وحذيفة رواه مسلم جاء فيه :( أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فهم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، والمقضي بينهم قبل الخلائق )٣، وحيث قال بعضهم ٤ : إن الآية تعني الإشارة إلى ما كان من احتيال اليهود على السبت في صيد السمك، وما كان عقوبة الله لهم، ومسخهم على هذا الإثم مما أشارت إليه آيات سورة الأعراف [ ١٦٣-١٦٦ ].
ونحن نرجح هذا القول ؛ لأننا نراه أشد اتصالا بموضوع التحريم والتحليل ؛ حيث يكون في الآية إنذار وتنبيه للمسلمين على عدم السير في طريق اليهود ؛ لئلا يعاقبهم الله بما عاقب هؤلاء، وحيث تبدو الصلة واضحة بين هذه الآية والآيات الأربع، ثم بين الآيات الخمس وما قبلها أيضا.
ولسنا نرى هذا الترجيح متعارضا مع الحديثين اللذين رواهما البخاري ومسلم من حيث إنهما ليسا في صدد تفسير الآية.
في الآيات :
١- تقرير بأن إبراهيم كان إماما على طريق الحق، خاضعا لله ملتزما حدوده، غير منحرف عنها وغير مشرك بالله أحدا، وشاكرا لنعم الله، وبأن الله قد اصطفاه وشمله بعنايته، وهداه إلى الطريق القوي، م وهيأ له أسباب الخير والطمأنينة والفلاح في الدنيا، وجعله في الآخرة في عداد الصالحين المستحقين لحسن الجزاء.
٢- وخطاب للنبي بأن الله قد أوحى إليه باتباع ملة إبراهيم وطريقته التي ليس فيها انحراف ولا شرك.
٣- وبيان بأن الله قد جعل السبت على الذين اختلفوا فيه، وبأن الله سوف يقضي بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه.
ولم يرو المفسرون رواية ما في صدد نزول هذه الآيات أيضا، ويتبادر لنا أنها – وبخاصة الأربع الأولى منها – متصلة بالآيات السابقة. فقد كان العرب يردون ما يسيرون عليه من تقاليد دينية، ومن جملة ذلك تقاليد التحريم والتحليل إلى ملة إبراهيم فجاءت الآيات معقبة على الآيات السابقة بقصد الرد والتنديد، وبيان جوهر هذه الملة. وكونها هي التي أوحى الله بها إلى النبي، وكون ما جاء في القرآن من تحليل وتحريم – وبخاصة في الأطعمة الحيوانية – هو الصحيح من هذه الملة الذي يجب الأخذ به.
ولقد تعددت أقوال المفسرين في الآية الأخيرة، حيث قال بعضهم ٢ استنادا إلى بعض الروايات والأحاديث : إن يوم الجمعة هو اليوم الذي كان يجب اتخاذه يوم عيد ؛ لأن الله انتهى فيه من خلق الكون فاختلف اليهود في الأمر ثم اختاروا يوم السبت ؛ لأنه كان يوم راحة الله من خلق الكون، فأوجبه الله عليهم وحرم فيه العمل، فمنهم من ثبت على ذلك ومنهم من خالفه، وقد أوردوا حديثا نبويا عن أبي هريرة رواه البخاري جاء فيه :( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا، والنصارى بعد غد )، وحديثا آخر عن أبي هريرة وحذيفة رواه مسلم جاء فيه :( أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فهم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، والمقضي بينهم قبل الخلائق )٣، وحيث قال بعضهم ٤ : إن الآية تعني الإشارة إلى ما كان من احتيال اليهود على السبت في صيد السمك، وما كان عقوبة الله لهم، ومسخهم على هذا الإثم مما أشارت إليه آيات سورة الأعراف [ ١٦٣-١٦٦ ].
ونحن نرجح هذا القول ؛ لأننا نراه أشد اتصالا بموضوع التحريم والتحليل ؛ حيث يكون في الآية إنذار وتنبيه للمسلمين على عدم السير في طريق اليهود ؛ لئلا يعاقبهم الله بما عاقب هؤلاء، وحيث تبدو الصلة واضحة بين هذه الآية والآيات الأربع، ثم بين الآيات الخمس وما قبلها أيضا.
ولسنا نرى هذا الترجيح متعارضا مع الحديثين اللذين رواهما البخاري ومسلم من حيث إنهما ليسا في صدد تفسير الآية.
في الآيات :
١- تقرير بأن إبراهيم كان إماما على طريق الحق، خاضعا لله ملتزما حدوده، غير منحرف عنها وغير مشرك بالله أحدا، وشاكرا لنعم الله، وبأن الله قد اصطفاه وشمله بعنايته، وهداه إلى الطريق القوي، م وهيأ له أسباب الخير والطمأنينة والفلاح في الدنيا، وجعله في الآخرة في عداد الصالحين المستحقين لحسن الجزاء.
٢- وخطاب للنبي بأن الله قد أوحى إليه باتباع ملة إبراهيم وطريقته التي ليس فيها انحراف ولا شرك.
٣- وبيان بأن الله قد جعل السبت على الذين اختلفوا فيه، وبأن الله سوف يقضي بينهم يوم القيامة فيما اختلفوا فيه.
ولم يرو المفسرون رواية ما في صدد نزول هذه الآيات أيضا، ويتبادر لنا أنها – وبخاصة الأربع الأولى منها – متصلة بالآيات السابقة. فقد كان العرب يردون ما يسيرون عليه من تقاليد دينية، ومن جملة ذلك تقاليد التحريم والتحليل إلى ملة إبراهيم فجاءت الآيات معقبة على الآيات السابقة بقصد الرد والتنديد، وبيان جوهر هذه الملة. وكونها هي التي أوحى الله بها إلى النبي، وكون ما جاء في القرآن من تحليل وتحريم – وبخاصة في الأطعمة الحيوانية – هو الصحيح من هذه الملة الذي يجب الأخذ به.
ولقد تعددت أقوال المفسرين في الآية الأخيرة، حيث قال بعضهم ٢ استنادا إلى بعض الروايات والأحاديث : إن يوم الجمعة هو اليوم الذي كان يجب اتخاذه يوم عيد ؛ لأن الله انتهى فيه من خلق الكون فاختلف اليهود في الأمر ثم اختاروا يوم السبت ؛ لأنه كان يوم راحة الله من خلق الكون، فأوجبه الله عليهم وحرم فيه العمل، فمنهم من ثبت على ذلك ومنهم من خالفه، وقد أوردوا حديثا نبويا عن أبي هريرة رواه البخاري جاء فيه :( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا، والنصارى بعد غد )، وحديثا آخر عن أبي هريرة وحذيفة رواه مسلم جاء فيه :( أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فهم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، والمقضي بينهم قبل الخلائق )٣، وحيث قال بعضهم ٤ : إن الآية تعني الإشارة إلى ما كان من احتيال اليهود على السبت في صيد السمك، وما كان عقوبة الله لهم، ومسخهم على هذا الإثم مما أشارت إليه آيات سورة الأعراف [ ١٦٣-١٦٦ ].
ونحن نرجح هذا القول ؛ لأننا نراه أشد اتصالا بموضوع التحريم والتحليل ؛ حيث يكون في الآية إنذار وتنبيه للمسلمين على عدم السير في طريق اليهود ؛ لئلا يعاقبهم الله بما عاقب هؤلاء، وحيث تبدو الصلة واضحة بين هذه الآية والآيات الأربع، ثم بين الآيات الخمس وما قبلها أيضا.
ولسنا نرى هذا الترجيح متعارضا مع الحديثين اللذين رواهما البخاري ومسلم من حيث إنهما ليسا في صدد تفسير الآية.
في الآية أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بالتزام خطة الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى سبيل الله وجدال الناس في صددها بالحسنى، وإيكال الأمر بعد ذلك إلى الله، فهو الذي يعلم من هو الضال عن سبيله ومن هو المهتدي.
ولم نطلع على رواية ما في صدد نزولها كذلك. ويتبادر لنا أن الصلة بينها وبين سابقاتها قائمة. فموضوع التحليل والتحريم وملة إبراهيم مما يكثر الجدل فيه. ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد أحرج وأثير غضبه في ذلك الموضوع في موقف من المواقف، فاقتضت حكمة التنزيل بعد بيان حقيقة هذه الملة وكونها طريق الله الحق التي أوحى الله للنبي صلى الله عليه وسلم باتباعها، وكون ما أوحاه الله في صدد التحريم والتحليل هو الحق في هذه الملة أن يهدأ النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلم الخطة الحكيمة التي يحسن أن يسير عليها من جهة وأن يسلى من جهة أخرى. فذوو القابليات الحسنة والقلوب السليمة لا بد من أن يدركوا الحق ويهتدوا به، وأضدداهم لا يدركون ؛ لأنهم يتعمدون المكابرة والعناد وليس على النبي صلى الله عليه وسلم من تبعتهم شيء، وليس عليه إلا أن يدعوا إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإذا صار جدال فينبغي أن يكون في نطاق الرفق واللين والحسنى.
تعليق على آية
﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾،
ومع اتصال الآية بالسياق السابق وموضوعه كما قلنا، فإن الخطة التي احتوتها والتي جاءت مطلقة عامة من جلال الشأن وبعد المدى في الذروة التي ليس بعدها شيء في صدد الدعوة إلى الإسلام الذي هو سبيل الله والتي تترشح بها الرسالة الإسلامية للشمول والخلود، وهي مستمرة التلقين عامة المدى بحيث توجب على المسلمين في كل زمان ومكان أن تكون هي خطتهم في الدعوى إلى الإسلام، وبحيث توجب أن تكون خطة كل داع إلى مبادئ الحق والخير التي هي من سبيل الله.
فالدعوة إلى ذلك إنما تنجح بهذا الأسلوب الحكيم الرائع. أما أساليب العنف والإكراه والإلزام والخشونة فلا تؤدي إلى نتيجة إيجابية سليمة.
ولقد قال بعض المفسرين ١ : إن الآية قد نسخت بآيات القتال، كما قال بعض المغرضين من المبشرين والمستشرقين : إنها خولفت ونقضت حينما قوي النبي صلى الله عليه وسلم واشتد ساعده. وليس في هذا وذاك صواب فيما نرى، فالمبادئ التي تضمنتها آيات القتال المدنية متسقة مع هذه الخطة تماما. والقتال إنما شرع ضد المعتدين على المسلمين، وليس لإكراه الناس على الإسلام على ما شرحناه في سياق سورة ( الكافرون ) وعلى ما سوف نزيده شرحا في مناسباته.
وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المتواترة تكذب كل من يقول من الأغيار : إن هذه الخطة قد نوقضت، بل الحق الذي لا يماري فيه إلا المكابر المغرض أنها روعيت أدق رعاية وأشدها٢.
٢ اقرأ الجزء السادس والسابع من كتابنا تاريخ الجنس العربي، العروبة في الإسلام تحت رعاية النبي والخلفاء الراشدين. واقرأ كتابنا سيرة الرسول من القرآن الجزء الثاني ٤٩ ـ ٣٠٥ وكتابنا الدستور القرآني فصل النظام السياسي وفصل النظام الجهادي..
في الآيات :
١ ـ خطاب موجه للسامعين يؤمرون فيه بأنهم إذا أرادوا أن يقابلوا على الإساءة والعدوان، فيجب أن يكون ذلك في حدود ما كان عليهم من ذلك بدون تجاوز ولا إسراف به، مع تنبيههم إلى أن الأفضل لهم إذا صبروا فإن في الصبر خيرا للصابرين.
٢ ـ وأمر للنبي بالصبر، وعدم الاستسلام للحزن وضيق الصدر من جراء مواقف المكر والإساءة التي يواجهها.
٣ ـ وتطمين له بأنه إذا صبر فإنما يجعل اعتماده على الله، وأن الله مؤيد للذين يتقونه ويحسنون في أعمالهم.
تعليق على الآية
﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ﴾ وما بعدها.
والمصحف الذي اعتمدناه يروي أن الآيات الثلاث مدنية. وقد روى الطبري عن عطاء بن يسار أحد علماء تابعي التابعين أن الآيات الثلاث مدنية، وأنها نزلت بعد وقعة أحد. فإن النبي عليه السلام لما قتل حمزة عمه وبقر بطنه ومثل به حزن كثيرا فأقسم : لئن أظهرنا الله عليهم لنمثلن بثلاثين منهم، فلما سمع المسلمون قالوا : والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط، فأنزل الله الآيات. وروى الطبري روايات أخرى من هذا الباب، ولقد روى الترمذي حديثا عن أبي بن كعب جاء فيه :( لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا، ومن المهاجرين ستة فيهم حمزة فمثلوا بهم، فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله :﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ﴾، فقال رجل : لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كفوا عن القوم إلا أربعة )١. وهذه الروايات تؤيد مدنية الآيات كما هو واضح. ومع ذلك فإن الطبري روى عن بعض التابعين أن بعض المسلمين في مكة قالوا : يا رسول الله لو أذن الله لنا لانتصرنا من هؤلاء الكلاب، فأنزل الله الآيات ثم نسخت بآيات الجهاد. وهذه الرواية تنقض رواية مدنية الآيات. وإلى هذا وذاك فإن الطبري روى عن بعض التابعين وتابعيهم أيضا : أن الآيات مطلقة في صدد النهي عن مقابلة أحد على ظلامة ظلمها إلا بمثلها مع تفضيل الصبر، وأنها محكمة غير منسوخة، ثم قال : والصواب أن الله أمر في الآية الأولى النبي والمؤمنين بأن يعاقبوا من عاقبهم بمثل ما عاقبهم به إن اختاروا العقوبة، مع تفضيل الصبر وأنه سلى في الآيتين الثانية والثالثة النبي عما كان من إعراض قومه عن دعوته ومواقفهم منه وما كان يطرأ عليه بسبب ذلك من حزن وضيق الصدر. ولم تخرج أقوال وروايات المفسرين عن هذا ٢. وفي كلام الطبري الأخير وجاهة وصواب. فليس في مضمون الآيات ولا في سياقها قرينة يمكن أن تؤيد رواية مدنيتها، كما أن حكمة وضعها في هذا المكان لا تكون مفهومة مع مضمون هذه الرواية. ولقد ذكرت وقعة أحد بشيء من الإسهاب في سورة آل عمران، فلو كان ما روي صحيحا لكان محل هذه الآيات هذه السور.
وأسلوب الآيات ومضمونها مما يؤيد مكيتها، وقد تكررت الآيات المكية التي تضمنت ما تضمنته هذه الآيات، ومرت أمثلة من ذلك. وفي سورة النمل آية فيها نفس العبارة التي جاءت في آخر الآية الثانية وهي :﴿ ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون( ٧٠ ) ﴾، وليس بين هذه العبارة وبين رواية حزن النبي على قتل عمه أي اتساق ؛ لأنها تنهاه عن عدم الحزن من مواقفهم ومكرهم. وبترجيح مكية الآيات تبدو الصلة بينها وبين الآيات السابقة واضحة. فالآية السابقة لها مباشرة تأمر بالجدال بالتي هي أحسن إذا لزم الجدال، وبالتزام الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى سبيل الله. فمما يتبادر أن تكون الآيات الثلاث قد جاءت معقبة على الآية السابقة لها وجزءا من السياق والموضوع. وكأنما أريد بها التنبيه على أن الخير كل الخير هو في تلك الخطة فإذا كان من الكفار من يشذ ويعنف، ورأى بعض المسلمين ضرورة للمقابلة فلتكن في حدود المماثلة. والصبر مع ذلك هو الأفضل، وعلى النبي والمسلمين أن يملكوا زمام أنفسهم فلا يخرجوا عن حد الاعتدال ولا يحزنوا ولا يضق صدرهم بما يرونه من مكر الكفار ومواقفهم وتعنتهم. وعليهم بتقوى الله والعمل الحسن الذي يرضيه، وإنه لمع المتقين المحسنين.
وهكذا تكون الآية الثلاث متممة للخطة الحكيمة الرائعة التي احتوتها الآية السابقة لها. وكما أن هذه الآية قد تضمنت تلقينا جليلا مستمر المدى على ما شرحناه في سياقها، تكون الآيات الثلاث مثلها مستمرة التلقين.
وطابع الختام بارز على الآيتين الأخيرتين بخاصة مما هو مماثل لكثير من خواتم السور.
والجمع بين المتقين والمحسنين يتكرر هنا، وقد علقنا على ما في ذلك من دلالة هامة في مناسبة سابقة، وتكراره يدل على ما أعارته حكمة التنزيل لهذا الأمر من عناية هو جدير بها.
في الآيات :
١ ـ خطاب موجه للسامعين يؤمرون فيه بأنهم إذا أرادوا أن يقابلوا على الإساءة والعدوان، فيجب أن يكون ذلك في حدود ما كان عليهم من ذلك بدون تجاوز ولا إسراف به، مع تنبيههم إلى أن الأفضل لهم إذا صبروا فإن في الصبر خيرا للصابرين.
٢ ـ وأمر للنبي بالصبر، وعدم الاستسلام للحزن وضيق الصدر من جراء مواقف المكر والإساءة التي يواجهها.
٣ ـ وتطمين له بأنه إذا صبر فإنما يجعل اعتماده على الله، وأن الله مؤيد للذين يتقونه ويحسنون في أعمالهم.
تعليق على الآية
﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ﴾ وما بعدها.
والمصحف الذي اعتمدناه يروي أن الآيات الثلاث مدنية. وقد روى الطبري عن عطاء بن يسار أحد علماء تابعي التابعين أن الآيات الثلاث مدنية، وأنها نزلت بعد وقعة أحد. فإن النبي عليه السلام لما قتل حمزة عمه وبقر بطنه ومثل به حزن كثيرا فأقسم : لئن أظهرنا الله عليهم لنمثلن بثلاثين منهم، فلما سمع المسلمون قالوا : والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط، فأنزل الله الآيات. وروى الطبري روايات أخرى من هذا الباب، ولقد روى الترمذي حديثا عن أبي بن كعب جاء فيه :( لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا، ومن المهاجرين ستة فيهم حمزة فمثلوا بهم، فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله :﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ﴾، فقال رجل : لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كفوا عن القوم إلا أربعة )١. وهذه الروايات تؤيد مدنية الآيات كما هو واضح. ومع ذلك فإن الطبري روى عن بعض التابعين أن بعض المسلمين في مكة قالوا : يا رسول الله لو أذن الله لنا لانتصرنا من هؤلاء الكلاب، فأنزل الله الآيات ثم نسخت بآيات الجهاد. وهذه الرواية تنقض رواية مدنية الآيات. وإلى هذا وذاك فإن الطبري روى عن بعض التابعين وتابعيهم أيضا : أن الآيات مطلقة في صدد النهي عن مقابلة أحد على ظلامة ظلمها إلا بمثلها مع تفضيل الصبر، وأنها محكمة غير منسوخة، ثم قال : والصواب أن الله أمر في الآية الأولى النبي والمؤمنين بأن يعاقبوا من عاقبهم بمثل ما عاقبهم به إن اختاروا العقوبة، مع تفضيل الصبر وأنه سلى في الآيتين الثانية والثالثة النبي عما كان من إعراض قومه عن دعوته ومواقفهم منه وما كان يطرأ عليه بسبب ذلك من حزن وضيق الصدر. ولم تخرج أقوال وروايات المفسرين عن هذا ٢. وفي كلام الطبري الأخير وجاهة وصواب. فليس في مضمون الآيات ولا في سياقها قرينة يمكن أن تؤيد رواية مدنيتها، كما أن حكمة وضعها في هذا المكان لا تكون مفهومة مع مضمون هذه الرواية. ولقد ذكرت وقعة أحد بشيء من الإسهاب في سورة آل عمران، فلو كان ما روي صحيحا لكان محل هذه الآيات هذه السور.
وأسلوب الآيات ومضمونها مما يؤيد مكيتها، وقد تكررت الآيات المكية التي تضمنت ما تضمنته هذه الآيات، ومرت أمثلة من ذلك. وفي سورة النمل آية فيها نفس العبارة التي جاءت في آخر الآية الثانية وهي :﴿ ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون( ٧٠ ) ﴾، وليس بين هذه العبارة وبين رواية حزن النبي على قتل عمه أي اتساق ؛ لأنها تنهاه عن عدم الحزن من مواقفهم ومكرهم. وبترجيح مكية الآيات تبدو الصلة بينها وبين الآيات السابقة واضحة. فالآية السابقة لها مباشرة تأمر بالجدال بالتي هي أحسن إذا لزم الجدال، وبالتزام الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى سبيل الله. فمما يتبادر أن تكون الآيات الثلاث قد جاءت معقبة على الآية السابقة لها وجزءا من السياق والموضوع. وكأنما أريد بها التنبيه على أن الخير كل الخير هو في تلك الخطة فإذا كان من الكفار من يشذ ويعنف، ورأى بعض المسلمين ضرورة للمقابلة فلتكن في حدود المماثلة. والصبر مع ذلك هو الأفضل، وعلى النبي والمسلمين أن يملكوا زمام أنفسهم فلا يخرجوا عن حد الاعتدال ولا يحزنوا ولا يضق صدرهم بما يرونه من مكر الكفار ومواقفهم وتعنتهم. وعليهم بتقوى الله والعمل الحسن الذي يرضيه، وإنه لمع المتقين المحسنين.
وهكذا تكون الآية الثلاث متممة للخطة الحكيمة الرائعة التي احتوتها الآية السابقة لها. وكما أن هذه الآية قد تضمنت تلقينا جليلا مستمر المدى على ما شرحناه في سياقها، تكون الآيات الثلاث مثلها مستمرة التلقين.
وطابع الختام بارز على الآيتين الأخيرتين بخاصة مما هو مماثل لكثير من خواتم السور.
والجمع بين المتقين والمحسنين يتكرر هنا، وقد علقنا على ما في ذلك من دلالة هامة في مناسبة سابقة، وتكراره يدل على ما أعارته حكمة التنزيل لهذا الأمر من عناية هو جدير بها.
في الآيات :
١ ـ خطاب موجه للسامعين يؤمرون فيه بأنهم إذا أرادوا أن يقابلوا على الإساءة والعدوان، فيجب أن يكون ذلك في حدود ما كان عليهم من ذلك بدون تجاوز ولا إسراف به، مع تنبيههم إلى أن الأفضل لهم إذا صبروا فإن في الصبر خيرا للصابرين.
٢ ـ وأمر للنبي بالصبر، وعدم الاستسلام للحزن وضيق الصدر من جراء مواقف المكر والإساءة التي يواجهها.
٣ ـ وتطمين له بأنه إذا صبر فإنما يجعل اعتماده على الله، وأن الله مؤيد للذين يتقونه ويحسنون في أعمالهم.
تعليق على الآية
﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ﴾ وما بعدها.
والمصحف الذي اعتمدناه يروي أن الآيات الثلاث مدنية. وقد روى الطبري عن عطاء بن يسار أحد علماء تابعي التابعين أن الآيات الثلاث مدنية، وأنها نزلت بعد وقعة أحد. فإن النبي عليه السلام لما قتل حمزة عمه وبقر بطنه ومثل به حزن كثيرا فأقسم : لئن أظهرنا الله عليهم لنمثلن بثلاثين منهم، فلما سمع المسلمون قالوا : والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط، فأنزل الله الآيات. وروى الطبري روايات أخرى من هذا الباب، ولقد روى الترمذي حديثا عن أبي بن كعب جاء فيه :( لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا، ومن المهاجرين ستة فيهم حمزة فمثلوا بهم، فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله :﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ﴾، فقال رجل : لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كفوا عن القوم إلا أربعة )١. وهذه الروايات تؤيد مدنية الآيات كما هو واضح. ومع ذلك فإن الطبري روى عن بعض التابعين أن بعض المسلمين في مكة قالوا : يا رسول الله لو أذن الله لنا لانتصرنا من هؤلاء الكلاب، فأنزل الله الآيات ثم نسخت بآيات الجهاد. وهذه الرواية تنقض رواية مدنية الآيات. وإلى هذا وذاك فإن الطبري روى عن بعض التابعين وتابعيهم أيضا : أن الآيات مطلقة في صدد النهي عن مقابلة أحد على ظلامة ظلمها إلا بمثلها مع تفضيل الصبر، وأنها محكمة غير منسوخة، ثم قال : والصواب أن الله أمر في الآية الأولى النبي والمؤمنين بأن يعاقبوا من عاقبهم بمثل ما عاقبهم به إن اختاروا العقوبة، مع تفضيل الصبر وأنه سلى في الآيتين الثانية والثالثة النبي عما كان من إعراض قومه عن دعوته ومواقفهم منه وما كان يطرأ عليه بسبب ذلك من حزن وضيق الصدر. ولم تخرج أقوال وروايات المفسرين عن هذا ٢. وفي كلام الطبري الأخير وجاهة وصواب. فليس في مضمون الآيات ولا في سياقها قرينة يمكن أن تؤيد رواية مدنيتها، كما أن حكمة وضعها في هذا المكان لا تكون مفهومة مع مضمون هذه الرواية. ولقد ذكرت وقعة أحد بشيء من الإسهاب في سورة آل عمران، فلو كان ما روي صحيحا لكان محل هذه الآيات هذه السور.
وأسلوب الآيات ومضمونها مما يؤيد مكيتها، وقد تكررت الآيات المكية التي تضمنت ما تضمنته هذه الآيات، ومرت أمثلة من ذلك. وفي سورة النمل آية فيها نفس العبارة التي جاءت في آخر الآية الثانية وهي :﴿ ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون( ٧٠ ) ﴾، وليس بين هذه العبارة وبين رواية حزن النبي على قتل عمه أي اتساق ؛ لأنها تنهاه عن عدم الحزن من مواقفهم ومكرهم. وبترجيح مكية الآيات تبدو الصلة بينها وبين الآيات السابقة واضحة. فالآية السابقة لها مباشرة تأمر بالجدال بالتي هي أحسن إذا لزم الجدال، وبالتزام الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى سبيل الله. فمما يتبادر أن تكون الآيات الثلاث قد جاءت معقبة على الآية السابقة لها وجزءا من السياق والموضوع. وكأنما أريد بها التنبيه على أن الخير كل الخير هو في تلك الخطة فإذا كان من الكفار من يشذ ويعنف، ورأى بعض المسلمين ضرورة للمقابلة فلتكن في حدود المماثلة. والصبر مع ذلك هو الأفضل، وعلى النبي والمسلمين أن يملكوا زمام أنفسهم فلا يخرجوا عن حد الاعتدال ولا يحزنوا ولا يضق صدرهم بما يرونه من مكر الكفار ومواقفهم وتعنتهم. وعليهم بتقوى الله والعمل الحسن الذي يرضيه، وإنه لمع المتقين المحسنين.
وهكذا تكون الآية الثلاث متممة للخطة الحكيمة الرائعة التي احتوتها الآية السابقة لها. وكما أن هذه الآية قد تضمنت تلقينا جليلا مستمر المدى على ما شرحناه في سياقها، تكون الآيات الثلاث مثلها مستمرة التلقين.
وطابع الختام بارز على الآيتين الأخيرتين بخاصة مما هو مماثل لكثير من خواتم السور.
والجمع بين المتقين والمحسنين يتكرر هنا، وقد علقنا على ما في ذلك من دلالة هامة في مناسبة سابقة، وتكراره يدل على ما أعارته حكمة التنزيل لهذا الأمر من عناية هو جدير بها.