ﰡ
ومعنَاها : واذكُرْ إذا السَّماءُ انشقَّت لنُزولِ الملائكة وهَيبَةِ الرَّحمنِ، ﴿ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ﴾ ؛ أي سَمِعَتْ وأطَاعت لأمرِ ربها بالانشقاقِ، وحُقَّ لها أن تُطيعَ ربَّها. يقالُ : أذِنْتُ للشَّيء إذا سمعتُ، وَأذِنْتُهُ إذا سَمِعتهُ.
وجوابُ (إذا) في هذه السُّورة محذوفٌ ؛ تقديرهُ : رأى الإنسانُ عندَ ذلك ما قدَّمَ من خيرٍ أو شرٍّ، وَقِيْلَ : جوابهُ : فَمُلاَقِيهِ، والمعنى : إذا كان يومُ القيامةِ لَقِيَ الإنسان كَدْحَهُ وهو عملهُ. وَقِيْلَ : جوابهُ :﴿ ياأَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً ﴾[الانشقاق : ٦] ؛ تقديرهُ : إذا السَّماء انشقَّت لَقِيَ كلُّ كادحٍ ما عَمِلَهُ.
والمعنَى على هذا القولِ : إنَّكَ عاملٌ لربكَ عَملاً فمُلاقي ربَّكَ ترجعُ إليه فيُجازيَك. وقال بعضُهم : الخطابُ للمكذِّب بالعبثِ، وهو أُبَيُّ بن خَلَف الجمحيُّ، والمعنى : إنَّكَ عاملٌ عَملاً في كُفرِك، فتُرَدُّ إلى ربكَ في الآخرةِ، فتلقَى جزاءَ عمَلِكَ.
والظاهرُ : أنَّ الخطابَ لجميعِ الناس. والكَدْحُ في اللُّغة هو السَّعيُ الدَّؤُوب في العملِ في الدنيا والآخرة، قال الشاعرُ : فَمَا الدَّهْرُ إلاَّ تَارَتَان فَمِنْهُمَا أمُوتُ وَأُخْرَى أبْتَغِي الْعَيْشَ أكْدَحُوالمعنى : أيُّها الإنسانُ ستَرى جزاءَ ما عمِلتَ من خيرٍ أو شرٍّ، فانظُرِ اليومَ ماذا تعملُ وفيمَ تُتعِبُ نفسكَ، فلا تعمَلْ إلاَّ لله حتى تستريحَ من الكَدْحِ.
ويقالُ : أرادَ بالآيةِ تغيُّرَ الأحوالِ مِن حالِ النُّطفَةِ إلى حالِ العَلَقَةِ، ومِن العلقةِ الى الْمُضغَةِ، ومِن الْمُضْغَةِ إلى الصِّغَرِ، ومِن الصِّغَرِ إلى الشَّباب، ومِن الشَّباب إلى الكُهُولَةِ، ومِن الكُهولَةِ إلى الكِبَر، ومِن الكِبَر إلى الموتِ، ومن الموتِ إلى البعثِ، ومن البعثِ إلى الحساب، ومن الحساب إلى الصِّراط، ومن الصِّراط إلى موضعِ الجزاء، إمَّا إلى الجنَّة أو إلى النار.
وقرأ ابنُ كثيرٍ وحمزة والكسائي (لَتَرْكَبَنَّ) بفتح الباءِ، وهي قراءةُ عمرَ بن الخطَّاب وابن مسعود وابنِ عبَّاس قال :((يَعْنِي : يَا مُحَمَّدُ لَتَرْكَبَنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ؛ أيْ سَمَاءً بَعْدَ سَمَاءٍ، وَدَرَجَةً بَعْدَ دَرَجَةٍ، وَرُتْبَةً بَعْدَ رُتْبَةً)).