تفسير سورة النحل

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة النحل من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزل قَوْله اقْتَرَبَ للنَّاس حِسَابهمْ إِلَى آخر الْآيَة وَقَوله اقْتَرَبَتْ السَّاعَة إِلَى آخر الْآيَة فَمَكَثُوا على ذَلِك مَا شَاءَ الله أَن يمكثوا وَلم يتَبَيَّن لَهُم شَيْء فَقَالُوا يَا مُحَمَّد مَتى يأتينا مَا تعدنا من عَذَاب فَأنْزل الله ﴿أَتَى أَمْرُ الله﴾ أَتَى عَذَاب الله وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا فَقَامَ لَا يشك أَن الْعَذَاب قد أَتَى فَقَالَ الله ﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ بِالْعَذَابِ فَجَلَسَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿سُبْحَانَهُ﴾ نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك ﴿وَتَعَالَى﴾ ارْتَفع وتبرأ ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ بِهِ من الْأَوْثَان
﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَة﴾ يَعْنِي جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة ﴿بِالروحِ مِنْ أَمْرِهِ﴾ بِالنُّبُوَّةِ وَالْكتاب بأَمْره ﴿على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا وَغَيره من الْأَنْبِيَاء ﴿أَنْ أنذروا﴾ خوفوا بِالْقُرْآنِ واقرءوا حَتَّى يَقُولُوا ﴿أَنَّهُ لاَ إِلَه إِلاَّ أَنَاْ فاتقون﴾ فأطيعوني ووحدوني
﴿خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ﴾ للحق وَيُقَال للزوال والفناء ﴿تَعَالَى﴾ تَبرأ ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ من الْأَوْثَان
﴿خَلَقَ الْإِنْسَان﴾ أبيّ بن خلف الجُمَحِي ﴿مِن نُّطْفَةٍ﴾ مُنْتِنَة ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ﴾ جدل بِالْبَاطِلِ ﴿مُّبِينٌ﴾ ظَاهر الْجِدَال لقَوْله ﴿من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم﴾
﴿والأنعام﴾ يَعْنِي الْإِبِل ﴿خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ الإدفاء من الأكسية وَغَيرهَا ﴿وَمَنَافِعُ﴾ فِي ظُهُورهَا وَأَلْبَانهَا ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ من لحومها تَأْكُلُونَ
﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ﴾ منظر حسن ﴿حِينَ تُرِيحُونَ﴾ من الرَّعْي ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ إِلَى الرَّعْي
﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾ أمتعتكم وزادكم ﴿إِلَى بَلَدٍ﴾ يَعْنِي مَكَّة ﴿لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفس﴾ إِلَّا بتعب النَّفس ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ﴾ بِمن آمن ﴿رَّحِيمٌ﴾ بِتَأْخِير الْعَذَاب عَنْكُم
﴿وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير﴾ يَقُول خلق الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير ﴿لِتَرْكَبُوهَا﴾ فِي سَبِيل الله ﴿وَزِينَةً﴾ لكم فِيهَا منظر حسن ﴿وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ يَقُول خلق من الْأَشْيَاء مَالا تعلمُونَ مِمَّا لم يسمه لكم
﴿وعَلى الله قَصْدُ السَّبِيل﴾ هِدَايَة الطَّرِيق فِي الْبر وَالْبَحْر ﴿وَمِنْهَا﴾ من الطَّرِيق ﴿جَآئِرٌ﴾ مائل لَا يهتدى بِهِ ﴿وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ إِلَى الطَّرِيق فِي الْبَحْر وَالْبر وَيُقَال ﴿وعَلى الله قَصْدُ السَّبِيل﴾ الْهدى إِلَى التَّوْحِيد ﴿وَمِنْهَا﴾ من الْأَدْيَان ﴿جَآئِرٌ﴾ مائل لَيْسَ بعادل مثل الْيَهُودِيَّة والنصرانية والمجوسية ﴿وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ لدينِهِ
﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاء مَآءً﴾ مَطَرا ﴿لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ﴾ مَا يسْتَقرّ فِي الأَرْض فِي الركايا والغدران ﴿وَمِنْهُ شَجَرٌ﴾ بِهِ ينْبت الشّجر والنبات ﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ ترعون أنعامكم
﴿يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ﴾ بالمطر ﴿الزَّرْع وَالزَّيْتُون والنخيل وَالْأَعْنَاب﴾ يَعْنِي الكروم ﴿وَمِن كُلِّ الثمرات﴾ من ألوان كل الثمرات ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ فِي ألوان مَا ذكرت وَفِي طعمه ﴿لآيَةً﴾ لعلامة وعبرة ﴿لِّقَوْمٍ يتفكرون﴾
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ﴾ ذلل لكم ﴿اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مُسَخَّرَاتٌ﴾ مذللات ﴿بِأَمْرِهِ﴾ بِإِذْنِهِ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ فِي تسخير مَا ذكرت ﴿لآيَاتٍ﴾ لعلامات ﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يعلمُونَ ويصدقون أَن تسخيرها من الله
﴿وَمَا ذَرَأَ﴾ يَقُول وَمَا خلق ﴿لَكُمْ فِي الأَرْض مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ﴾ أجناسه من النَّبَات وَالثِّمَار وَغير ذَلِك ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ فِي ألوان مَا خلقت ﴿لآيَةً﴾ لعلامة وعبرة ﴿لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ يتعظون بِمَا فِي الْقُرْآن
﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ﴾ ذلل ﴿الْبَحْر لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً﴾ يَعْنِي سمكًا ﴿طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ﴾ من الْبَحْر ﴿حِلْيَةً﴾ زهرَة من اللُّؤْلُؤ وَغَيره ﴿تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفلك﴾ يَعْنِي السفن ﴿مَوَاخِرَ﴾ مقبلة ومدبرة ﴿فِيهِ﴾ فِي الْبَحْر تَجِيء وَتذهب برِيح وَاحِدَة ﴿وَلِتَبْتَغُواْ﴾ لكَي تَطْلُبُوا ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ من عمله وَيُقَال من رزقه ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لكَي تشكروا ﴿فِيهِ﴾ فِي الْبَحْر تَجِيء وَتذهب برِيح وَاحِدَة ﴿وَلِتَبْتَغُواْ﴾ لكَي تَطْلُبُوا ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ من عمله وَيُقَال من رزقه ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لكَي تشكروا نعْمَته
﴿وَألقى فِي الأَرْض رَوَاسِيَ﴾ الْجبَال الثوابت ﴿أَن تَمِيدَ﴾ لكَي لَا تميد ﴿بِكُمْ﴾ الأَرْض ﴿وَأَنْهَاراً﴾ وأجرى فِيهَا أَنهَار لمنافعكم ﴿وَسُبُلاً﴾ جعل فِيهَا طرقاً ﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لكَي تعرفوا الطَّرِيق
﴿وَعَلامَاتٍ﴾ من الْجبَال وَغير ذَلِك للمسافرين ﴿وبالنجم﴾ وبالفرقدين والجدي ﴿هُمْ﴾ يَعْنِي الْمُسَافِرين ﴿يَهْتَدُونَ﴾ بهما فِي الْبر وَالْبَحْر
﴿أَفَمَن يَخْلُقُ﴾ وَهُوَ الله ﴿كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ لَا يقدر أَن يخلق يَعْنِي الْأَصْنَام ﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ أَفلا تتعظون فِيمَا خلق الله لكم
﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَآ﴾ لَا تحفظوها وَيُقَال لَا تشكروها ﴿إِنَّ الله لَغَفُورٌ﴾ متجاوز ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن تَابَ
﴿وَالله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر ﴿وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر
﴿وَالَّذين يَدْعُونَ﴾ يعْبدُونَ ﴿مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً﴾ لَا يقدرُونَ أَن يخلقوا شَيْئا كخلقنا ﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ ينحتون مخلوقة منحوتة
﴿أَمْواتٌ﴾ أصنام أموات ﴿غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ يَعْنِي الْآلهَة ﴿أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ من الْقُبُور فيحاسبون وَيُقَال مَا يعلم الْكفَّار مَتى يحاسبون وَيُقَال مَا تعلم الْمَلَائِكَة مَتى يحاسبون
﴿إِلَهكُم إِلَه وَاحِدٌ﴾ يعلم ذَلِك لَا الْآلهَة ﴿فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ﴿قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ﴾ بِالتَّوْحِيدِ ﴿وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ عَن الْإِيمَان
﴿لاَ جَرَمَ﴾ لَا جرم حقّاً ﴿أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ﴾ مَا يخفون من البغض والحسد وَالْمَكْر والخيانة ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ مَا يظهرون من الشتم والطعن والقتال ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين﴾ عَن الْإِيمَان
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ للمقتسمين ﴿مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ مَاذَا يَقُول لكم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ربكُم ﴿قَالُواْ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين﴾ كذب الْأَوَّلين وأحاديثهم
﴿لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ﴾ آثامهم ﴿كَامِلَةً﴾ وافرة ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة وَمِنْ أَوْزَارِ﴾ مثل آثام ﴿الَّذين يُضِلُّونَهُمْ﴾
222
يصرفونهم عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَالْإِيمَان ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ بِلَا علم وَلَا حجَّة ﴿أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ﴾ بئس مَا يحملون من الذُّنُوب يَعْنِي المقتسمين
223
﴿قَدْ مَكَرَ الَّذين مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ بِأَنْبِيَائِهِمْ كَمَا مكر المقتسمون بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ نمروذ الْجَبَّار الَّذِي بنى الصرح ﴿فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ﴾ قلع بنيانهم الصرح ﴿مِّنَ الْقَوَاعِد﴾ من الأساس ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السّقف﴾ فَوَقع عَلَيْهِم الصرح ﴿مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَاب﴾ بالهدم ﴿مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ لَا يعلمُونَ
﴿ثُمَّ﴾ هُوَ ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ﴾ يعذبهم ويذلهم ﴿وَيَقُول﴾ لله يَوْم الْقِيَامَة ﴿أَيْنَ شُرَكَآئِيَ﴾ يَعْنِي الْآلهَة الَّتِي زعمتم أَنهم شركائي (الَّذين كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) تخالفون لقبلهم وتعادون أنبيائي لقبلهم ﴿قَالَ الَّذين أُوتُواْ الْعلم﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَة ﴿إِنَّ الخزي الْيَوْم﴾ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَالسوء﴾ النَّار والشدة ﴿عَلَى الْكَافرين﴾
﴿الَّذين تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَة﴾ قبضتهم الْمَلَائِكَة يَوْم بدر ﴿ظالمي أنفسهم﴾ بالْكفْر ﴿فَألْقوا السّلم﴾ ردو الْجَواب وَيُقَال خضعوا لله ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ من سوء﴾ نعْبد من شَيْء من دون الله وَمَا كُنَّا مُشْرِكين بِاللَّه ﴿بلَى﴾ يَقُول الله بلَى ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون وتعبدون من دون الله
﴿فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ مقيمين فِيهَا لَا تموتون وَلَا تخرجُونَ مِنْهَا ﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين﴾ منزل الْكَافرين جَهَنَّم
﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقوا﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش عبد الله بن مَسْعُود وَأَصْحَابه ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ مَاذَا يَقُول لكم مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من ربكُم ﴿قَالُواْ خَيْراً﴾ توحيداً وصلَة ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسنُوا﴾ وحدوا ﴿فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَة﴾ يَعْنِي الْجنَّة ﴿خَيْرٌ﴾ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش الْجنَّة
﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ وَهِي مَقْصُورَة الرَّحْمَن ﴿يَدْخُلُونَهَا﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿لَهُمْ فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿مَا يَشَآؤونَ﴾ مَا يشتهون ويتمنون ﴿كَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿يَجْزِي الله الْمُتَّقِينَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
﴿الَّذين تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَة﴾ قبضتهم الْمَلَائِكَة ﴿طَيِّبِينَ﴾ طاهرين من الشّرك ﴿يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ﴾ من الله ﴿ادخُلُوا الْجنَّة﴾ بإيمانكم واقتسموها ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون من الْخيرَات فِي الدُّنْيَا
﴿هَل ينظرُونَ﴾ مَا ينتظرون أهل مَكَّة إِذْ لَا يُؤمنُونَ ﴿إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَة﴾ لقبض أَرْوَاحهم ﴿أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ عَذَاب رَبك بهلاكهم ﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا فعل بك قَوْمك كَذبُوك وشتموك ﴿فَعَلَ الَّذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ من قبل قَوْمك بِأَنْبِيَائِهِمْ كذبوهم وشتموهم ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ الله﴾ بهلاكهم ﴿وَلَكِن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بالشرك وَتَكْذيب الرُّسُل
﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ﴾ عُقُوبَة مَا عمِلُوا وَقَالُوا من الْمعاصِي
223
﴿وَحَاقَ بِهِم﴾ دَار وَنزل بهم وَوَجَب عَلَيْهِم ﴿مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون﴾ عُقُوبَة استهزائهم بالأنبياء وَيُقَال الْعَذَاب الَّذِي كَانُوا بِهِ يستهزءون
224
﴿وَقَالَ الَّذين أَشْرَكُواْ﴾ بِاللَّه الْأَوْثَان يَعْنِي أهل مَكَّة ﴿لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾ من الْأَصْنَام ﴿نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا﴾ قبلنَا ﴿وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ﴾ من دون الله ﴿مِن شَيْءٍ﴾ من الْبحيرَة والسائبة والوصيلة والحام وَلَكِن حرم الله وأمرنا بذلك ﴿كَذَلِك﴾ كَمَا فعل كذب قَوْمك على الله بِتَحْرِيم الْحَرْث والأنعام ﴿فَعَلَ﴾ كذب ﴿الَّذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ على الله ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُل﴾ مَا على الرُّسُل ﴿إِلاَّ الْبَلَاغ﴾ عَن الله رِسَالَة الله ﴿الْمُبين﴾ بلغَة تعلمونها ظَاهِرَة
﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ﴾ إِلَى كل قوم ﴿رَّسُولاً﴾ كَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَى قَوْمك ﴿أَنِ اعبدوا الله﴾ وحدوا الله ﴿وَاجْتَنبُوا الطاغوت﴾ اتْرُكُوا عبَادَة الْأَصْنَام وَيُقَال الشَّيْطَان وَيُقَال الكاهن ﴿فَمِنْهُم﴾ من أرسلنَا إِلَيْهِم الرُّسُل ﴿مَّنْ هَدَى الله﴾ لدينِهِ فَأجَاب الرُّسُل إِلَى الْإِيمَان ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ﴾ وَجَبت ﴿عَلَيْهِ الضَّلَالَة﴾ فَلم يجب الرُّسُل إِلَى الْإِيمَان ﴿فَسِيرُواْ﴾ سافروا ﴿فِي الأَرْض فانظروا﴾ فاعتبرا ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين﴾ آخر أَمر المكذبين بالرسل
﴿إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ﴾ على توحيدهم ﴿فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِي﴾ لدينِهِ ﴿مَن يُضِلُّ﴾ خلقه عَن دينه وَلَا يكون أَهلا لدينِهِ ﴿وَمَا لَهُمْ﴾ لكفار مَكَّة ﴿مِّن نَّاصِرِينَ﴾ من مانعين من عَذَاب الله
﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللَّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ حلفوا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم وَإِذا حلف الرجل بِاللَّه فقد حلف جهد يَمِينه ﴿لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ﴾ بعد الْمَوْت ﴿بلَى وَعْداً عَلَيْهِ﴾ على الله ﴿حَقّاً﴾ كَائِنا وَاجِبا أَن يبْعَث من يَمُوت ﴿وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس﴾ أهل مَكَّة ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك وَلَا يصدقون
﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ﴾ لأهل مَكَّة ﴿الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ يخالفون فِي الدّين ﴿وَلِيَعْلَمَ﴾ لكَي يعلم ﴿الَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَوْم الْقِيَامَة ﴿أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ﴾ فِي الدُّنْيَا بِأَن لَا جنَّة وَلَا نَار وَلَا بعث وَلَا حِسَاب
﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ﴾ أمرنَا لقِيَام السَّاعَة ﴿إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾
﴿وَالَّذين هَاجَرُواْ فِي الله﴾ فِي طَاعَة الله من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة ﴿من بعد مَا ظُلِمُواْ﴾ من بعد مَا عذبهم أهل مَكَّة يَعْنِي عمار ابْن يَاسر وبلالاً وصهيباً وأصحابهم ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾ لننزلنهم فِي الْمَدِينَة ﴿حَسَنَةً﴾ أَرضًا كَرِيمَة آمِنَة ذَات غنيمَة حَلَال ﴿وَلأَجْرُ الْآخِرَة﴾ ثَوَاب الْآخِرَة ﴿أَكْبَرُ﴾ أعظم من ثَوَاب الدُّنْيَا ﴿لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ وَقد كَانُوا يعلمُونَ
﴿الَّذين صَبَرُواْ﴾ على أَذَى الْكفَّار ﴿وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ لَا على غَيره يَعْنِي عماراً وَأَصْحَابه
﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ﴾ يَا مُحَمَّد الرُّسُل ﴿إِلاَّ رِجَالاً﴾ آدَمِيًّا مثلك ﴿نوحي إِلَيْهِمْ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات ﴿فاسألوا أَهْلَ الذّكر﴾ أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ﴿إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ﴾ أَن لله لم يُرْسل الرُّسُل إِلَّا إنسياً
﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات ﴿الزبر﴾ خبر كتب الْأَوَّلين ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكر﴾ جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾
224
مَا أَمر لَهُم فِي الْقُرْآن ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ لكَي يتفكروا مَا أَمر لَهُم فِي الْقُرْآن
225
﴿أَفَأَمِنَ الَّذين مَكَرُواْ السَّيِّئَات﴾ الشّرك بِاللَّه ﴿أَن يَخْسِفَ الله﴾ أَن لَا يغور الله ﴿بِهِمُ الأَرْض أَوْ يَأْتِيَهُمُ﴾ أَو لَا يَأْتِيهم ﴿الْعَذَاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ بنزوله
﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ﴾ أَو لَا يَأْخُذهُمْ ﴿فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾ فِي ذهابهم ومجيئهم فِي التِّجَارَة ﴿فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ﴾ بفائتين من عَذَاب الله
﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ﴾ أَو لَا يَأْخُذهُمْ ﴿على تَخَوُّفٍ﴾ على تنقص رُؤَسَائِهِمْ وأصحابهم ﴿فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ لمن تَابَ وَيُقَال بِتَأْخِير الْعَذَاب
﴿أَوَ لَمْ يَرَوْاْ﴾ أهل مَكَّة ﴿إِلَى مَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ﴾ من الشّجر وَالدَّوَاب ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ﴾ يتقلب ظلاله ﴿عَنِ الْيَمين﴾ غدْوَة ﴿والشمآئل﴾ وَعَن الشَّمَائِل عَشِيَّة ﴿سُجَّداً لِلَّهِ﴾ يَسْجُدُونَ لله وظلالهم غدْوَة وَعَشِيَّة أَيْضا تسْجد لله ﴿وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ مطيعون
﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَات﴾ من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم ﴿وَمَا فِي الأَرْض مِن دَآبَّةٍ﴾ من الدَّوَابّ والطيور ﴿وَالْمَلَائِكَة﴾ فِي السَّمَاء يَسْجُدُونَ لله ﴿وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عَن السُّجُود لله
﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ﴾ الَّذِي فَوْقهم على الْعَرْش ﴿وَيَفْعَلُونَ﴾ يَعْنِي وَيَقُولُونَ ﴿مَا يُؤْمَرُونَ﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَة
﴿وَقَالَ الله لاَ تَتَّخِذُواْ﴾ لَا تعبدوا ﴿إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ نَفسه والأصنام ﴿إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِدٌ﴾ بِلَا ولد وَلَا شريك ﴿فَإيَّايَ فارهبون﴾ فخافون فِي عبَادَة الْأَصْنَام
﴿وَله مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ من الْخلق والعجائب ﴿وَلَهُ الدّين وَاصِباً﴾ دَائِما وَيُقَال خَالِصا ﴿أَفَغَيْرَ الله تَتَّقُونَ﴾ تَعْبدُونَ
﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله﴾ فَمن قبل الله لَا من قبل الْأَصْنَام ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضّر﴾ أَصَابَتْكُم الشدَّة ﴿فَإِلَيْهِ﴾ إِلَى الله ﴿تَجْأَرُونَ﴾ تتضرعون وتدعون
﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضّر﴾ رفع الشدَّة ﴿عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ﴾ طَائِفَة ﴿مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ الْأَصْنَام
﴿لِيَكْفُرُواْ﴾ حَتَّى يكفروا ﴿بِمَآ آتَيْنَاهُمْ﴾ أعطيناهم من النَّعيم فيقولوا بشفاعة آلِهَتنَا هَذَا ﴿فَتَمَتَّعُواْ﴾ فعيشوا فِي الْكفْر وَالْحرَام ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ مَاذَا يفعل بكم
﴿وَيَجْعَلُونَ﴾ يَقُولُونَ ﴿لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً﴾ حظاً للرِّجَال دون النِّسَاء وَيُقَال لما لَا يَقُولُونَ وَلَا يعلمُونَ يَعْنِي الْأَصْنَام ﴿مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ من الْحَرْث والأنعام وَيَقُولُونَ الله أمرنَا بِهَذَا ﴿تالله﴾ وَالله ﴿لتسألن﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ تكذبون على الله
﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَات﴾ يَقُولُونَ الْمَلَائِكَة بَنَات الله ﴿سُبْحَانَهُ﴾ نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك ﴿وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ﴾ مَا يختارون من الذُّكُور
﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى﴾ بالجارية ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مسودا﴾
225
صَار وَجهه مسوداً من الْغم ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ مكروب يتَرَدَّد الْغم فِي جَوْفه
226
﴿يتَوَارَى مِنَ الْقَوْم﴾ يكتم من قومه ﴿مِن سوء﴾ من كره ﴿مَا بُشِّرَ بِهِ﴾ بِالْأُنْثَى كَرَاهِيَة الْإِظْهَار ﴿أَيُمْسِكُهُ﴾ أيحفظه ﴿على هُونٍ﴾ على هوان ومشقة ﴿أَمْ يَدُسُّهُ﴾ يدفنه ﴿فِي التُّرَاب﴾ حَيا ﴿أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ بئس مَا يقضون لأَنْفُسِهِمْ الذُّكُور وَللَّه الْبَنَات
﴿لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ﴿مَثَلُ السوء﴾ يَعْنِي النَّار ﴿وَلِلَّهِ الْمثل الْأَعْلَى﴾ الصّفة الْعليا الألولهية والربوبية بِلَا ولد وَلَا شريك ﴿وَهُوَ الْعَزِيز﴾ بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ ﴿الْحَكِيم﴾ أَمر أَن لَا يعبد غَيره
﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله النَّاس بِظُلْمِهِمْ﴾ بشركهم ﴿مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا﴾ على ظهر الأَرْض ﴿مِن دَآبَّةٍ﴾ من الْجِنّ وَالْإِنْس أحدا ﴿وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ﴾ يؤجلهم ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى﴾ إِلَى وَقت هلاكهم ﴿فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ﴾ وَقت هلاكهم ﴿لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً﴾ لَا يتركون عَن الْأَجَل قدر سَاعَة ﴿وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ لَا يهْلكُونَ قبل الْأَجَل
﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾ يَقُولُونَ لله الْبَنَات مَالا يرضون لأَنْفُسِهِمْ ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِب﴾ يَقُولُونَ بألسنتهم الْكَذِب ﴿أَنَّ لَهُمُ الْحسنى﴾ يَعْنِي الذُّكُور وَيُقَال أَن لَهُم الْحسنى يَعْنِي الْجنَّة وَيُقَال أَن لَهُم الْحسنى من أَيْن لَهُم الْجنَّة ﴿لاَ جَرَمَ﴾ حَقًا ﴿أَنَّ لَهُمُ النَّار وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ﴾ متروكون وَيُقَال منسيون وَيُقَال مفرطون بالْقَوْل وَالْفِعْل وَإِن قَرَأت بِكَسْر الرَّاء
﴿تالله﴾ وَالله ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَان أَعْمَالَهُمْ﴾ دينهم فَلم يُؤمنُوا ﴿فَهُوَ وليهم الْيَوْم﴾ فيالدنيا وقرينهم فِي النَّار ﴿وَلَهُمْ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿عَذَابٌ أَلِيم﴾ وجيع
﴿وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكتاب﴾ جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ ﴿إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتلفُوا﴾ خالفوا ﴿فِيهِ﴾ فِي الدّين ﴿وَهُدًى﴾ من الضَّلَالَة ﴿وَرَحْمَةً﴾ من الْعَذَاب ﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ بِهِ
﴿وَالله أَنْزَلَ مِنَ السمآء مَآءً﴾ مَطَرا ﴿فَأَحْيَا بِهِ﴾ بالمطر ﴿الأَرْض بعد موتهآ﴾ قحطها ويبوستها ﴿إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فِي إحْيَاء مَا ذكرت ﴿لآيَةً﴾ لعلامة ﴿لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ يطيعون ويصدقون
﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ﴾ نخرج ﴿لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً﴾ شهياً ﴿لِلشَّارِبِينَ﴾
﴿وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل وَالْأَعْنَاب﴾ يَعْنِي الكروم ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً﴾ مُسكرا وَهَذَا مَنْسُوخ وَيُقَال طَعَاما ﴿وَرِزْقاً حَسَناً﴾ حَلَالا من الْخلّ والدبس وَالزَّبِيب وَغير ذَلِك ﴿إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فِيمَا ذكرت لكم ﴿لآيَةً﴾ لعلامة ﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يصدقون
﴿وَأوحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْل﴾ ألهم رَبك النَّحْل
226
﴿أَنِ اتخذي مِنَ الْجبَال بُيُوتاً﴾ فِي الْجبَال مسكنا ﴿وَمِنَ الشّجر﴾ وَفِي الشّجر أَيْضا ﴿وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ يبنون
227
﴿ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثمرات﴾ من ألوان كل الثمرات ﴿فاسلكي سُبُلَ رَبِّكِ﴾ فادخلي طرق رَبك ﴿ذُلُلاً﴾ مذللاً مسخراً لَك ﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا﴾ من بطُون النَّحْل ﴿شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ﴾ الْأَحْمَر والأصفر والأبيض ﴿فِيهِ﴾ فِي الْعَسَل ﴿شِفَآءٌ لِلنَّاسِ﴾ من الدَّاء وَيُقَال فِيهِ فِي الْقُرْآن شِفَاء بَيَان للنَّاس ﴿إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فِيمَا ذكرت ﴿لآيَةً﴾ لعلامة وعبرة ﴿لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فِيمَا خلقت
﴿وَالله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ﴾ يقبض أرواحكم عِنْد انْقِضَاء آجالكم ﴿وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمر﴾ أَسْفَل الْعُمر ﴿لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ﴾ حَتَّى لَا يفقه ﴿بَعْدَ عِلْمٍ﴾ الْعلم الأول ﴿شَيْئاً إِنَّ الله عَلِيمٌ﴾ بتحويل الْخلق ﴿قَدِيرٌ﴾ على تحويلهم من حَال إِلَى حَال
﴿وَالله فضل بَعْضكُم على بعض فِي الرزق﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل نَجْرَان حِين قَالُوا الْمَسِيح ابْن الله فَنزل قَوْله ﴿وَالله فضل بَعْضكُم على بعض فِي الرزق﴾ فِي المَال والخدم ﴿فَمَا الَّذين فُضِّلُواْ﴾ بِالْمَالِ والخدم ﴿بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ﴾ هَل يُعْطون مَالهم ﴿على مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ لعبيدهم وإمائهم ﴿فَهُمْ﴾ يَعْنِي الْمَالِك والمملوك ﴿فِيهِ﴾ فِي المَال ﴿سَوَآءٌ﴾ شرع قَالُوا لَا نَفْعل ذَلِك وَلَا نرضى فَقَالَ الله ﴿أفبنعمة الله يجحدون﴾ أفترضون لي مَالا ترْضونَ لأنفسكم وتكفرون بوحدانية الله
﴿وَالله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ آدَمِيًّا مثلكُمْ ﴿أَزْوَاجاً﴾ نسَاء ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم﴾ من نِسَائِكُم ﴿بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ يَعْنِي ولد الْوَلَد وَيُقَال خدما وعبيدا وَيُقَال أختاناً ﴿وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَات﴾ جعل أرزاقكم أَلين وَأطيب من رزق الدَّوَابّ ﴿أفبالباطل يُؤْمِنُونَ﴾ أفبالشيطان والأصنام يُؤمنُونَ ويصدقون ﴿وبنعمة الله﴾ بوحدانية الله وَدينه ﴿هُمْ يَكْفُرُونَ﴾
﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ﴾ مَا لَا يقدر ﴿لَهُمْ﴾ يَعْنِي الْأَصْنَام ﴿رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَات﴾ بالمطر ﴿وَالْأَرْض﴾ بالنبات ﴿شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ﴾ لَا يقدرُونَ على ذَلِك
﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الْأَمْثَال﴾ فَلَا تصفوا لله ولدا وَلَا شَرِيكا وَلَا شَبِيها ﴿إِنَّ الله يَعْلَمُ﴾ أَن لَا ولد وَلَا شريك لَهُ ﴿وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك يَا معشر الْكفَّار
ثمَّ ضرب مثل الْمُؤمن وَالْكَافِر فَقَالَ ﴿ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً﴾ بَين الله صفة عبد مَمْلُوك ﴿لاَّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ﴾ من النَّفَقَة وَالْإِحْسَان وَهُوَ مثل الْكَافِر لَا يَجِيء مِنْهُ خير ﴿وَمَن رَّزَقْنَاهُ﴾ أعطيناه ﴿مِنَّا رِزْقاً حَسَناً﴾ مَالا كثيرا ﴿فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً﴾ فِيمَا بَينه وَبَين الله ﴿وَجَهْراً﴾ فِيمَا بَينه وَبَين النَّاس فِي سَبِيل الله وَهَذَا مثل الْمُؤمن المخلص ﴿هَلْ يَسْتَوُونَ﴾ فِي الثَّوَاب وَالطَّاعَة ﴿الْحَمد لِلَّهِ﴾ الشُّكْر لله والوحدانية لله ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ﴾ كلهم ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أَمْثَال الْقُرْآن وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي عُثْمَان بن عَفَّان وَرجل من الْعَرَب يُقَال لَهُ أَبُو الْعيص بن أُميَّة
ثمَّ ضرب مثله وَمثل الْأَصْنَام فَقَالَ ﴿وَضَرَبَ الله مَثَلاً﴾ بَين الله صفة ﴿رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ﴾ أخرس ﴿لاَ يَقْدِرُ على شَيْءٍ﴾ من الْكَلَام وَهُوَ الصَّنَم ﴿وَهُوَ كَلٌّ﴾ ثقل ﴿على مَوْلاهُ﴾ على وليه وقرابته عِيَال على عائله
227
﴿أَيْنَمَا يوجهه﴾ ويدعوه من شَرق أَو عرب ﴿لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ﴾ لَا يُجيب من يَدعُوهُ بِخَير وَهَذَا مثل الصَّنَم ﴿هَلْ يَسْتَوِي﴾ فِي النَّفْع وَدفع الضّر ﴿هُوَ﴾ يَعْنِي الصَّنَم ﴿وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ بِالتَّوْحِيدِ ﴿وَهُوَ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ يَدْعُو إِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم وَهُوَ الله
228
﴿وَللَّه غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ مَا غَابَ عَن الْعباد ﴿وَمَآ أَمْرُ السَّاعَة﴾ أَمر قيام السَّاعَة فِي السرعة ﴿إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَر﴾ كطرف الْبَصَر ﴿أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ بل هُوَ أقرب ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الْبَعْث وَغَيره ﴿قدير﴾
﴿وَالله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً﴾ من الْأَشْيَاء وَيُقَال كل شَيْء ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السّمع﴾ تَسْمَعُونَ بهَا الْخَيْر ﴿والأبصار﴾ تبصرون بهَا الْخَيْر ﴿والأفئدة﴾ يَعْنِي الْقُلُوب تعقلون بهَا الْخَيْر ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لكَي تشكروا نعْمَته وتؤمنوا بِهِ
﴿أَلَمْ يَرَوْاْ﴾ ألم تنظروا يَا أهل مَكَّة حَتَّى تعلمُوا قدرَة الله ووحدانيته ﴿إِلَى الطير مُسَخَّرَاتٍ﴾ مذللات ﴿فِي جَوِّ السمآء﴾ فِي وسط السَّمَاء أَي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض يطرن ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله﴾ بعد الطيران ﴿إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فِي إمساكهن من الْهَوَاء ﴿لآيَاتٍ﴾ لعلامات لوحدانية الله ﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ يصدقون أَن إمساكهن من الله
ثمَّ ذكر نعْمَته لكَي يشكروا بذلك ويؤمنوا بِهِ فَقَالَ ﴿وَالله جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ﴾ بيُوت الْمدر ﴿سَكَناً﴾ مسكنا وقراراً ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الْأَنْعَام﴾ من أصوافها وأوبارها وَأَشْعَارهَا ﴿بُيُوتاً﴾ يَعْنِي الْخيام والفساطيط ﴿تَسْتَخِفُّونَهَا﴾ تستخفون حملهَا ﴿يَوْمَ ظَعْنِكُمْ﴾ يَوْم سفركم ﴿وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ﴾ يَوْم نزولكم ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا﴾ أصواف الْغنم ﴿وَأَوْبَارِهَا﴾ أوبار الْإِبِل ﴿وَأَشْعَارِهَآ﴾ أشعار الْمعز ﴿أَثَاثاً﴾ مَالا ﴿وَمَتَاعاً﴾ مَنْفَعَة ﴿إِلَى حِينٍ﴾ إِلَى حِين الفناء والإبلاء
﴿وَالله جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ﴾ من الْأَشْجَار والحيطان وَالْجِبَال أكنانا ﴿ظِلاَلاً﴾ كُنَّا لكم من الْحر ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجبَال﴾ فِي الْجبَال ﴿أَكْنَاناً﴾ يَعْنِي الغيران والأسراب ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ﴾ يَعْنِي القمص ﴿تَقِيكُمُ الْحر﴾ فِي الصَّيف وَالْبرد فِي الشتَاء ﴿وَسَرَابِيلَ﴾ يَعْنِي الدروع ﴿تَقِيكُم بَأْسَكُمْ﴾ سلَاح عَدوكُمْ ﴿كَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ لكَي تقروا وَيُقَال تسلموا من الْجراحَة إِن قَرَأت بِنصب التَّاء وَاللَّام
﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ عَن الْإِيمَان ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغ الْمُبين﴾ التَّبْلِيغ عَن الله بلغَة تعلمونها فَلَمَّا ذكر لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه النعم قَالُوا نعم يَا مُحَمَّد هَذِه كلهَا من الله
ثمَّ أَنْكَرُوا بعد ذَلِك وَقَالُوا بشفاعة آلِهَتنَا فَقَالَ الله ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ الله﴾ يقرونَ أَن هَذِه النعم كلهَا من الله ﴿ثُمَّ يُنكِرُونَهَا﴾ فَيَقُولُونَ بشفاعة آلِهَتنَا ﴿وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾ كلهم كافرون بِاللَّه
﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ﴾ نخرج من كل قوم ﴿شَهِيداً﴾ نَبيا عَلَيْهِم شَهِيدا بالبلاغ ﴿ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ فِي الْكَلَام ﴿وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا
﴿وَإِذا رأى الَّذين ظلمُوا﴾ كفرا ﴿الْعَذَاب فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ﴾
228
لَا يرفع عَنْهُم ﴿وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ يؤجلون من عَذَاب الله
229
﴿وَإِذَا رَأى الَّذين أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ﴾ آلِهَتهم ﴿قَالُواْ رَبنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿هَؤُلَاءِ شركاؤنا﴾ آلِهَتنَا ﴿الَّذين كُنَّا نَدْعُو﴾ نعْبد ﴿مِن دُونِكَ﴾ أمرونا بعبادتهم ﴿فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القَوْل﴾ ردوا إِلَيْهِم الْجَواب يَعْنِي الْأَصْنَام ﴿إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فِي مَقَالَتَكُمْ مَا أمرناكم وَمَا كُنَّا نعلم بعبادتكم
﴿وَأَلْقَوْاْ إِلَى الله يَوْمَئِذٍ السّلم﴾ استسلم العابد والمعبود لله تَعَالَى ﴿وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ بَطل افتراؤهم على الله وَيُقَال اشْتغل بِأَنْفسِهِم آلِهَتهم الَّتِي كَانُوا يعْبدُونَ بِالْكَذِبِ
﴿الَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ عَن دين الله وطاعته ﴿زِدْنَاهُمْ عَذَاباً﴾ عَذَاب الْحَيَّات والعقارب والجوع والعطش والزمهرير وَغير ذَلِك ﴿فَوْقَ الْعَذَاب﴾ فَوق عَذَاب النَّار ﴿بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ﴾ يَقُولُونَ ويعملون من الْمعاصِي والشرك
﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ﴾ نخرج من كل جمَاعَة ﴿شَهِيداً﴾ نَبيا ﴿عَلَيْهِمْ﴾ شَهِيدا بالبلاغ ﴿مِّنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ آدَمِيًّا مثلهم ﴿وَجِئْنَا بِكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿شَهِيدا على هَؤُلَاءِ﴾ على أمتك وَيُقَال مزكياً لَهُم ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكتاب﴾ جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ ﴿تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ من الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَهُدًى﴾ من الضَّلَالَة ﴿وَرَحْمَةً﴾ من الْعَذَاب ﴿وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ الْجنَّة
﴿إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ بِالتَّوْحِيدِ ﴿وَالْإِحْسَان﴾ بأَدَاء الْفَرَائِض وَيُقَال بِالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاس ﴿وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ يَعْنِي صلَة الرَّحِم ﴿وَينْهى عَنِ الْفَحْشَاء﴾ عَن الْمعاصِي كلهَا ﴿وَالْمُنكر﴾ مَالا يعرف فِي شَرِيعَة وَلَا سنة ﴿وَالْبَغي﴾ الاستطالة وَالظُّلم ﴿يَعِظُكُمْ﴾ يَنْهَاكُم عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ لكَي تتعظوا بأمثال الْقُرْآن
﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدتُّمْ﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي كِنْدَة وَمُرَاد وَيُقَال أَتموا العهود بِاللَّه إِذا حلفتم بِاللَّه بِالْوَفَاءِ ﴿وَلاَ تَنقُضُواْ الْأَيْمَان﴾ يَعْنِي العهود فِيمَا بَيْنكُم ﴿بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ تغليظها وتشديدها ﴿وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً﴾ يَعْنِي شَهِيدا وَيُقَال حفيظاً مَعْنَاهُ وَقد قُلْتُمْ الله شَهِيد علينا بِالْوَفَاءِ على كلا الْفَرِيقَيْنِ ﴿إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ من النَّقْض وَالْوَفَاء
﴿وَلاَ تَكُونُواْ﴾ فِي نقض الْعَهْد ﴿كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا﴾ يَعْنِي رابطة الحمقاء ﴿مِن بَعْدِ قُوَّةٍ﴾ إبرام وإحكام ﴿أَنكَاثاً﴾ أنقاضاً ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ﴾ عهودكم ﴿دَخَلاً﴾ مكراً وخديعة ﴿بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ﴾ بِأَن تكون جمَاعَة ﴿هِيَ أَرْبَى﴾ أَكثر ﴿مِنْ أُمَّةٍ﴾ من جمَاعَة ﴿إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ﴾ يختبركم بِالْكَثْرَةِ وَيُقَال بِنَقْض الْعَهْد ﴿وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة مَا كُنتُمْ فِيهِ﴾ فِي الدّين ﴿تختلفون﴾ تخالفون
﴿وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ لجمعكم على مِلَّة وَاحِدَة مِلَّة الْإِسْلَام ﴿وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ﴾ عَن دينه من لم يكن أَهلا لدينِهِ ﴿وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾
229
لدينِهِ من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿ولتسألن﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر فِي الْكفْر وَالْإِيمَان وَيُقَال من النَّقْض وَالْوَفَاء
230
﴿وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ عهودكم ﴿دَخَلاً﴾ دغلاً ومكراً وخديعة ﴿بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ﴾ فتزلوا عَن طَاعَة الله كَمَا تزل قدم الرجل ﴿بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ قِيَامهَا ﴿وتذوقوا السوء﴾ النَّار ﴿بِمَا صَدَدتُّمْ﴾ بِمَا صرفتم النَّاس ﴿عَن سَبِيلِ الله﴾ عَن دين الله وطاعته ﴿وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ شَدِيد فِي الْآخِرَة
﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ الله ثَمَناً قَلِيلاً﴾ بِالْحلف بِاللَّه كَاذِبًا عرضا يَسِيرا من الدُّنْيَا ﴿إِنَّمَا عِنْدَ الله﴾ من الثَّوَاب ﴿هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ مِمَّا عنْدكُمْ من المَال ﴿إِن كُنتُمْ﴾ إِذْ كُنْتُم ﴿تَعْلَمُونَ﴾ ثَوَاب الله وَيُقَال إِن كُنْتُم تصدقُونَ بِثَوَاب الله
﴿مَا عِندَكُمْ﴾ من الْأَمْوَال ﴿يَنفَدُ﴾ يفنى ﴿وَمَا عِندَ الله﴾ من الثَّوَاب ﴿بَاقٍ﴾ يبْقى ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذين صَبَرُوا﴾ عَن الْيَمين وأقروا بِالْحَقِّ ﴿أجرهم﴾ ثوابهم فِي الْآخِرَة ﴿بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ بأحسنهم فِي الدُّنْيَا
﴿من عمل صَالحا﴾ خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه وَأقر بِالْحَقِّ ﴿مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ وَمَعَ ذَلِك مُؤمن مخلص ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ فِي الطَّاعَة وَيُقَال فِي القناعة وَيُقَال فِي الْجنَّة ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم﴾ ثوابهم فِي الْآخِرَة ﴿بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ بإحسانهم فِي الدُّنْيَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَبْدَانِ بن الأشوع وامرىء الْقَيْس الْكِنْدِيّ فِي خُصُومَة كَانَت بَينهمَا فِي أَرض
﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآن﴾ فَإِذا أردْت يَا مُحَمَّد أَن تقْرَأ الْقُرْآن فِي أول افْتِتَاح الصَّلَاة أَو غير الصَّلَاة ﴿فاستعذ بِاللَّه﴾ فَقل أعوذ بِاللَّه ﴿مِنَ الشَّيْطَان الرَّجِيم﴾ اللعين المرجوم بِالنَّجْمِ المطرود من رَحْمَة الله
﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ﴾ سَبِيل وَغَلَبَة ﴿على الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ﴾ لاعلى غَيره ويفوضون أُمُورهم إِلَيْهِ
﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ﴾ سَبيله وغلبته ﴿على الَّذين يَتَوَلَّوْنَهُ﴾ يطيعونه ﴿وَالَّذين هُم بِهِ﴾ بِاللَّه ﴿مُشْرِكُونَ﴾
﴿وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً﴾ نزلنَا جِبْرِيل بِآيَة ناسخة ﴿مَّكَانَ آيَةٍ﴾ مَنْسُوخَة ﴿وَالله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ﴾ بصلاح مَا يَأْمر الْعباد ﴿قَالُوا﴾ كفار مَكَّة ﴿إِنَّمَآ أَنتَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مُفْتَرٍ﴾ مختلق من تِلْقَاء نَفسك ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أَن الله لَا يَأْمر عباده إِلَّا بِمَا يصلح لَهُم
﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿نَزَّلَهُ﴾ يَعْنِي نزل الْقُرْآن وَإِنَّمَا شدده لِكَثْرَة نُزُوله ﴿رُوحُ الْقُدس﴾ جِبْرِيل الْمَطَر ﴿مِن رَّبِّكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿بِالْحَقِّ﴾ بالناسخ والمنسوخ ﴿لِيُثَبِّتَ﴾ ليطيب ويطمئن إِلَيْهِ قُلُوب ﴿الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَهُدًى﴾ من الضَّلَالَة ﴿وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ بِالْجنَّةِ
﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَنَّهُمْ﴾ يَعْنِي كفار مَكَّة ﴿يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿بَشَرٌ﴾ جبر ويسار ﴿لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ﴾ يميلون ويشبهون وينسبون إِلَيْهِ ﴿أَعْجَمِيٌّ﴾ عبراني ﴿وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ﴾ يَقُول الْقُرْآن على مجْرى لُغَة الْعَرَبيَّة ﴿مُّبِينٌ﴾ بلغَة يعلمونها
﴿إِنَّ الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ الله﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ السَّلَام وَالْقُرْآن ﴿لاَ يَهْدِيهِمُ الله﴾ لدينِهِ من لم يكن أَهلا لدينِهِ وَيُقَال لَا يهْدِيهم إِلَى الْحجَّة وَلَا ينجيهم من النَّار ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
230
وجيع
231
﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي﴾ يختلق ﴿الْكَذِب﴾ على الله ﴿الَّذين لَا يُؤمنُونَ بآيَات الله﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ على الله
﴿مَن كَفَرَ بِاللَّه مِن بَعْدِ إيمَانِهِ﴾ بِاللَّه فَعَلَيهِ غضب من الله ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ﴾ إِلَّا من أجبر على الْكفْر ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَان﴾ مُعْتَقد على الْإِيمَان نزلت هَذِه الْآيَة فِي عمار بن يَاسر ﴿وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً﴾ تكلم بالْكفْر طَائِعا ﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله﴾ سخط من الله ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم﴾ شَدِيد مِمَّا يكون فِي الدُّنْيَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن سعد بن أبي سرح ﴿ذَلِك﴾ الْعَذَاب
﴿بِأَنَّهُمُ استحبوا الْحَيَاة﴾ اخْتَارُوا ﴿الدُّنْيَا على الْآخِرَة﴾ وَالْكفْر على الْإِيمَان ﴿وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي﴾ لدينِهِ وَلَا يُنجي من عَذَابه ﴿الْقَوْم الْكَافرين﴾ من لم يكن أَهلا لذَلِك
﴿أُولَئِكَ الَّذين طَبَعَ الله﴾ ختم الله ﴿على قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الغافلون﴾ عَن أَمر الْآخِرَة تاركون لَهَا وَيُقَال غافلون عَن التَّوْحِيد جاحدون بِهِ
﴿لاَ جَرَمَ﴾ حَقًا يَا مُحَمَّد ﴿أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة هُمُ الخاسرون﴾ المغبونون نزلت فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ
﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ﴾ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة ﴿من بعد مَا فُتِنُواْ﴾ عذبُوا عذبهم أهل مَكَّة عمار بن يَاسر وَأَصْحَابه ﴿ثُمَّ جَاهَدُواْ﴾ الْعَدو فِي سَبِيل الله ﴿وصبروا﴾ مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على المرازي ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا﴾ من بعد الْهِجْرَة ﴿لَغَفُورٌ﴾ متجاوز ﴿رَّحِيمٌ﴾ بهم
﴿يَوْمَ تَأْتِي﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ برة أَو فاجرة ﴿تُجَادِلُ﴾ تخاصم ﴿عَن نَّفْسِهَا﴾ لقبل نَفسهَا وَيُقَال مَعَ شيطانها وَيُقَال مَعَ روحها ﴿وَتوفى﴾ توفر ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ برة أَو فاجرة ﴿مَا عملت﴾ بِمَا عملت من خير أَو شَرّ ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم
﴿وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً﴾ بَين الله تَعَالَى صفة أهل مَكَّة أبي جهل والوليد وأصحابهما ﴿كَانَتْ آمِنَةً﴾ كَانَ أَهلهَا آمِنين من الْعَدو والقتال والجوع والسبي ﴿مُّطْمَئِنَّةً﴾ مُقيما أَهلهَا ﴿يَأْتِيهَا رِزْقُهَا﴾ يحمل إِلَيْهَا من الثمرات ﴿رَغَداً﴾ موسعاً ﴿من كل مَكَان﴾ نَاحيَة أَرض يحمل إِلَيْهَا ﴿فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله﴾ فَكفر أَهلهَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الْجُوع وَالْخَوْف﴾ فعاقب الله أَهلهَا بِالْجُوعِ سبع سِنِين وَالْخَوْف من خوف حَرْب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه ﴿بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ يَقُولُونَ ويعملون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْجفَاء
﴿وَلَقَد جَاءَهُم رَسُول﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿مِّنْهُمْ﴾ من نسبهم عَرَبِيّ قرشي مثلهم ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ مِمَّا جَاءَهُم بِهِ ﴿فَأَخَذَهُمُ الْعَذَاب﴾ عَذَاب الله بِالْجُوعِ وَالْقَتْل والسبي ﴿وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ كافرون
﴿فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله﴾ من الْحَرْث والأنعام وَالنَّعِيم ﴿حَلالاً طَيِّباً واشكروا﴾ واذْكُرُوا ﴿نِعْمَةَ الله إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ إِن كُنْتُم إِيَّاه تُرِيدُونَ عبَادَة الله بِتَحْرِيم الْحَرْث والأنعام فاستحلوا فَإِن عبَادَة الله فِي تَحْلِيله
﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْميتَة﴾ الَّتِي أَمر بذبحها ﴿وَالدَّم﴾ دم المسفوح ﴿وَلَحْمَ الْخِنْزِير وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ﴾ وَمَا ذبح بِغَيْر اسْم الله عمدا أَو الْأَصْنَام ﴿فَمَنِ اضْطر﴾ أجهد إِلَى مَا حرم الله عَلَيْهِ ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ على الْمُسلمين وَيُقَال غير مستحل لأكل الْميتَة ﴿وَلاَ عَادٍ﴾ قَاطع الطَّرِيق وَيُقَال متعمد للْأَكْل بِغَيْر الضَّرُورَة ﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ﴾ بِأَكْل الْميتَة عِنْد الضَّرُورَة ﴿رَّحِيمٌ﴾ إِذْ رخص لَهُ الْأكل عِنْد الضَّرُورَة
﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِب﴾ لَا تَقولُوا بألسنتكم الْكَذِب ﴿هَذَا﴾ يَعْنِي الْحَرْث والأنعام ﴿حَلاَلٌ﴾ على الرِّجَال ﴿وَهَذَا حَرَامٌ﴾ على النِّسَاء ﴿لِّتَفْتَرُواْ﴾ لتختلقوا ﴿على الله الْكَذِب﴾ بذلك ﴿إِنَّ الَّذين يَفْتَرُونَ﴾ يختلقون ﴿على الله الْكَذِب لاَ يُفْلِحُونَ﴾ لَا ينجون وَلَا يأمنون من عَذَاب الله
﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾ عيشهم فِي الدُّنْيَا قَلِيل ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع فِي الْآخِرَة
﴿وعَلى الَّذين هَادُواْ﴾ مالوا عَن الْإِسْلَام يَعْنِي الْيَهُود ﴿حَرَّمْنَا﴾ عَلَيْهِم ﴿مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ﴾ مَا سمينا لَك ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل هَذِه السُّورَة فِي سُورَة الْأَنْعَام ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ﴾ بِمَا حرمنا عَلَيْهِم من الشحوم واللحوم ﴿وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ يضرون أَي بِذُنُوبِهِمْ حرم الله عَلَيْهِم
﴿ثمَّ إِن رَبك﴾ يَا حمد ﴿للَّذين عمِلُوا السوء بِجَهَالَةٍ﴾ بتعمد وَإِن كَانَ جَاهِلا بركوبها ﴿ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ السوء ﴿وَأَصْلحُوا﴾ الْعَمَل فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مِن بَعْدِهَا﴾ من بعد التَّوْبَة ﴿لَغَفُورٌ﴾ متجاوز ﴿رَّحِيمٌ﴾ بهم
﴿إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة﴾ إِمَّا مَا يقْتَدى بِهِ ﴿قَانِتاً﴾ مُطيعًا ﴿لِلَّهِ حَنِيفاً﴾ مُسلما مخلصاً ﴿وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْركين﴾ مَعَ الْمُشْركين على دينهم
﴿شَاكِراً لأَنْعُمِهِ﴾ شاكراً لما أنعم الله عَلَيْهِ ﴿اجتباه﴾ اصطفاه بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام ﴿وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ ثبته على طَرِيق قَائِم يرضيه وَهُوَ الْإِسْلَام
﴿وَآتَيْنَاهُ﴾ أعطيناه ﴿فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ ولدا صَالحا وَيُقَال ثَنَاء حسنا وَيُقَال الذّكر وَالثنَاء الْحسن فِي النَّاس كلهم ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَة لَمِنَ الصَّالِحين﴾ مَعَ آبَائِهِ الْمُرْسلين فِي الْجنَّة
﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ﴾ أمرناك يَا مُحَمَّد ﴿أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ أَن اسْتَقِم على دين إِبْرَاهِيم ﴿حَنِيفاً﴾ مُسلما ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْركين﴾ مَعَ الْمُشْركين على دينهم
﴿إِنَّمَا جُعِلَ السبت﴾ حرم السبت ﴿على الَّذين اخْتلفُوا فِيهِ﴾ فِي الْجُمُعَة ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ﴾ فِي الدّين ﴿يَخْتَلِفُونَ﴾ يخالفون
﴿ادْع إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ إِلَى دين رَبك ﴿بالحكمة﴾ بِالْقُرْآنِ ﴿وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة﴾ عظهم بمواعظ الْقُرْآن ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ بِالْقُرْآنِ وَيُقَال بِلَا إِلَه إِلَّا الله ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمن ضل عَن سَبيله﴾ عَن دينه ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين﴾ لدينِهِ
﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ﴾ مثلتم ﴿فَعَاقِبُواْ﴾ فمثلوا ﴿بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ﴾ مثلتم ﴿بِهِ﴾ بالأموات ﴿وَلَئِن صَبَرْتُمْ﴾ عَن الْمثلَة ﴿لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾ فِي الْآخِرَة
﴿واصبر﴾ يَا مُحَمَّد على أذاهم ﴿وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّه﴾ بِتَوْفِيق الله ﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ على الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْهَلَاكِ ﴿وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ﴾ وَلَا يضيق صدرك ﴿مِمَّا يمكرون﴾ بِمَا يَقُولُونَ ويصنعون بك
﴿إِنَّ الله مَعَ الَّذين اتَّقوا﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش ﴿وَالَّذين هُم مُّحْسِنُونَ﴾ بالْقَوْل وَالْفِعْل موحدون
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا بَنو إِسْرَائِيل وَهِي كلهَا مَكِّيَّة غير آيَات مِنْهَا خبر وَفد ثَقِيف وَخبر مَا قَالَت لَهُ الْيَهُود لَيست هَذِه بِأَرْض الْأَنْبِيَاء فَنزل ﴿وَإِن كَادُوا ليستفزونك من الأَرْض﴾ إِلَى قَوْله ﴿أدخلني مدْخل صدق﴾ إِلَى آخر الْآيَة فَهَؤُلَاءِ الْآيَات مدنيات آياتها مائَة وَعشر آيَات وكلماتها ألف وَخَمْسمِائة وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ وحروفها سِتَّة آلَاف واربعمائة ﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
Icon