ﰡ
أحدها : أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة.
الثاني : أنه اسم من أسماء الله تعالى أقسم به، قاله ابن عباس.
الثالث : أنه فواتح من كلام الله تعالى افتتح به كلامه، قاله مجاهد.
الرابع : أنه : يا محمد، قاله محمد بن الحنفية، وروى علي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّانِي في القُرآنِ بِسَبْعَةِ أَسْمَاءَ : مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَطه وَيس وَالمُزَّمِّلِ وَالْمُدَّثِّرِ وَعَبدَ اللَّهِ
». الخامس : أنه يا إنسان : قاله الحسن، وعكرمة، والضحاك، وسعيد ابن جبير. ثم اختلفوا فيه فقال سعيد بن جبير وعكرمة هي بلغة الحبشة. وحكى الكلبي أنه بالسريانية وقال الشعبي : هو بلغة طيىء. وقال آخرون : هي بلغة كلب.
ويحتمل سادساً : يئس من كذب رسول الله ﷺ أن يكون مؤمناً بالله، نفياً للإيمان أن يكون إلا بالشهادتين، واليأس أبلغ في النفي من جميع ألفاظه، ثم أثبت رسالته بقسَمه فقال :
﴿ وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : على شريعة واضحة.
الثاني : على حجة بينة.
قوله تعالى :﴿ لِّتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنهم قريش أنذروا بنبوة محمد ﷺ ولم ينذر آباؤهم من قبلهم، قاله قتادة.
الثاني : أنه عام ومعناه لتنذر قوماً كما أنذر آباؤهم، قاله السدي. ﴿ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴾ يحتمل وجهين
: أحدهما : عن قبول الإِنذار. الثاني : عن استحقاق العذاب.
قوله تعالى :﴿ لَقَدْ حَقَّ الْقَولُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : معناه لقد وجب العذاب على أكثرهم، قاله السدي.
الثاني : لقد سبق علم الله في أكثرهم، قاله الضحاك.
وفي هذا القول الذي حق عليهم وجهان :
أحدهما : أنه الوعيد الذي أوجبه الله تعالى عليهم من العذاب.
الثاني : أنه الإِخبار عنهم بأنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم.
﴿ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ يعني الأكثرية الذين حق القول عليهم، وهم الذين عاندوا رسول الله ﷺ من كفار قريش، وأكثرهم لم يؤمنوا فكان المخبر كالخبر.
أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى لهم في امتناعهم من الهدى كامتناع المغلول من التصرف، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : ما حكاه السدي أن ناساً من قريش ائتمروا بالنبي ﷺ فجاءوا يريدون ذلك فجعلت أيديهم إلى أعناقهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يداً.
الثالث : أن المراد به جعل الله سبحانه لهم في النار من الأغلال في أعناقهم ويكون الجعل ها هنا مأخوذاً من الجُعالة التي هي الأجرة كأن جعالتهم في النار الأغلال، حكاه ابن بحر.
وفي قوله :﴿ فِي أَعْنَاقِهِمْ ﴾ قولان :
أحدهما : في أيديهم، فكنى بالأعناق عن الأيدي لأن الغُل يكون في الأيدي، قاله الكلبي، وحكى قطرب أنها في قراءة ابن عباس :﴿ إنَّا جَعَلْنَا فِي أَيْمَانِهِم أَغْلاَلاً ﴾
الثاني : أنها في الأعناق حقيقة، لأن الأيدي تجمع في الغل إلى الأعناق، قاله ابن عباس ﴿ فَهِيَ إلَى الأَذْقَانِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إلى الوجوه فكنى عنها بالأذقان لأنها منها، قاله قتادة، أي قد غلت يده عند وجهه.
الثاني : أنها الأذقان المنحدرة عن الشفة في أسفل الوجه لأن أيديهم تماسها إذا علت.
﴿ فَهُم مُّقْمَحُونَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : رفع رؤوسهم ووضع أيديهم على أفواههم، قاله مجاهد.
الثاني : هو الطامح ببصره إلى موطىء قدمه، قاله الحسن. الثالث : هو غض الطرف ورفع الرأس مأخوذ من البعير المقمح وهو أن يرفع رأسه ويطبق أجفانه في الشتاء إذا ورد ماء كريهاً، حكاه النقاش. وقال المبرد، وأنشد قول الشاعر :
ونحن على جوانبها قعود | نغض الطرف كالإبل القماح |
قوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا مِن بَينِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني ضلالاً، قاله قتادة.
الثاني : سداً عن الحق، قاله مجاهد.
الثالث : ظلمة سدت قريشاً عن نبي الله ﷺ حين ائتمروا لقتله قاله السدي. قال عكرمة : ما صنع الله تعالى فهو السُدُّ بالضم، وما صنع الإنسان فهو السد بالفتح.
﴿ فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فأغشيناهم بظلمة الكفر فهم لا يبصرون الهدى، قاله يحيى بن سلام، ومعنى قول مجاهد.
الثاني : فأغشيناهم بظلمة الليل فهم لا يبصرون محمداً ﷺ حين ائتمروا على قتله، قاله السدي، ومحمد بن كعب.
قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ مَن اتَّبَعَ الذِّكرَ ﴾ يعني القرآن. ﴿ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ما يغيب به عن الناس من شر عمله، قاله السدي.
الثاني : ما غاب من عذاب الله وناره، قاله قتادة.
﴿ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ ﴾ لذنبه.
﴿ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ لطاعته، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه الكثير. الثاني : الذي تنال معه الكرامة.
أحدهما : نحييهم بالإيمان بعد الكفر، قاله الضحاك.
الثاني : بالبعث للجزاء، قاله يحيى بن سلام.
﴿ ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَارَهُمْ ﴾ فيه تأويلان : أحدهما : ما قدموا هو ما عملوا من خير أو شر، وآثارهم ما أثروا من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعدهم، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : ما قدموا : أعمالهم، وآثارهم : خطاهم إلى المساجد، قاله مجاهد.
روى سفيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قريب من المسجد، فنزلت :﴿ إنَّا نَحْنُ نُحِيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَارَهُمْ ﴾ وقال لهم النبي ﷺ :« إن آثَارَكُمْ تُكْتَبُ فَلَمْ يَنتَقِلُوا
». ويحتمل إن لم يثبت نقل هذا السبب تأويلاً ثالثاً أن آثارهم هو أن يصلح من صاحبهم بصلاحهم، أو يفسد بفسادهم.
﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : علمناه.
الثاني : حفظناه.
﴿ في إمَامٍ مُّبِينٍ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدهما : اللوح المحفوظ، قاله السدي. الثاني : أم الكتاب قاله مجاهد.
الثالث : معناه طريق مستقيم، قاله الضحاك.
﴿ إذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا ﴾ اختلف في اسميهما على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهما شمعون ويوحنا، قاله شعيب.
الثاني : صادق وصدوق، قاله ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه.
الثالث : سمعان ويحيى، حكاه النقاش.
﴿ فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : فشددنا، قاله مجاهد.
الثاني : فزدنا، قاله ابن جريج.
الثالث : قوينا مأخوذ من العزة وهي القوة المنيعة، ومنه قولهم : من عز وبز : واختلف في اسمه على قولين :
أحدهما : يونس قاله شعيب.
الثاني : شلوم، قاله ابن عباس وكعب ووهب. وكان ملك أنطاكية أحد الفراعنة يعبد الأصنام مع أهلها، وكانت لهم ثلاثة أصنام يعبدونها، ذكر النقاش أن أسماءها رومس وقيل وارطميس.
واختلف في اسم الملك على قولين :
أحدهما : أن اسمه أنطيخس، قاله ابن عباس وكعب ووهب.
الثاني : انطرا، قاله شعيب.
قوله تعالى :﴿ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ وهذا القول منهم إنكار لرسالته، ويحتمل وجهين :
أحدهما : أنكم مثلنا غير رسل وإن جاز أن يكون البشر رسلاً.
الثاني : إن مثلكم من البشر لا يجوز أن يكونوا رسلاً.
﴿ وَمَآ أَنزَلَ الرَّحْمنُ مِن شَيْءٍ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون ذلك منهم إنكاراً للرحمن أن يكون إلهاً مرسلاً.
الثاني : أن يكون ذلك إنكاراً أن يكونوا للرحمن رسلاً.
﴿ إنْ أَنتُمْ إِلاَّ تُكْذِبُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : تكذبون في أن لنا إلهاً.
الثاني : تكذبون في أن تكونوا رسلاً.
قوله تعالى :﴿ قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إنَّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴾ فإن قيل يعلم الله تعالى أنهم لا تكون حجة عند الكفار لهم.
قيل يحتمل قولهم ذلك وجهين :
أحدهما : معناه ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون بما يظهره لنا من المعجزات، وقد قيل إنهم أحيوا ميتاً وأبرؤوا زمِناً.
الثاني : أن تمكين ربنا لنا إنما هو لعلمه بصدقنا.
واختلف أهل العلم فيهم على قولين :
أحدهما : أنهم كانوا رسلاً من الله تعالى إليهم.
الثاني : أنهم كانوا رسل عيسى عليه السلام من جملة الحواريين أرسلهم إليهم فجاز، لأنهم رسل رسول الله، أن يكونوا رسلاً لله، قاله ابن جريج.
﴿ وَمَا عَلَيْنَآ إلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ﴾ يعني بالإعجاز الدال على صحة الرسالة أن الذي على الرسل إبلاغ الرسالة وليس عليهم الإجابة، وإنما الإجابة على المدعوين دون الداعين.
أحدها : تشاءَمنا بكم، وعساهم قالوا ذلك لسوء أصابهم، قاله يحيى بن سلام. قيل إنه حبس المطر عن أنطاكية في أيامهم.
الثاني : معناه إن أصابنا شر فإنما هو من أجلكم، قاله قتادة : تحذيراً من الرجوع عن دينهم.
الثالث : استوحشنا منكم فيما دعوتمونا إليه من دينكم.
﴿ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : لنرجمنكم بالحجارة، قاله قتادة.
الثاني : لنقتلنكم، قاله السدي.
الثالث : لنشتمنكم ونؤذيكم، قاله النقاش.
﴿ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه القتل.
الثاني : التعذيب المؤلم قبل القتل.
قوله تعالى :﴿ قَالُواْ طَآئِرَكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُمْ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن أعمالكم معكم أئن ذكرناكم بالله تطيرتم بنا، قاله قتادة.
الثاني : أن الشؤم معكم إن أقمتم على الكفر إذا ذكرتم، قاله ابن عيسى.
الثالث : معناه أن كل من ذكركم بالله تطيرتم به، حكاه بعض المتأخرين.
الرابع : أن عملكم ورزقكم معكم، حكاه ابن حسام المالكي.
﴿ بَل أَنتُمْ قومٌ مُّسْرفُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في تطيركم، قاله قتادة.
الثاني : مسرفون في كفركم، قاله يحيى بن سلام. وقال ابن بحر : السرف ها هنا الفساد ومعناه بل أنتم قوم مفسدون، ومنه قول الشاعر :
إن امرأ سرف الفؤاد يرى | عسلاً بماءِ غمامة شتمي |
أحدها : أنه كان إسكافاً، قاله عمربن عبد الحكيم.
الثاني : أنه كان قصاراً، قاله السدي.
الثالث : أنه كان حبيب النجار، قاله ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد.
﴿ قَالَ يَا قَومِ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ ﴾ وفي علمه بنبوتهم وتصديقه لهم قولان :
أحدهما : لأنه كان ذا زمانة أو جذام فأبرؤوه، قاله ابن عباس.
الثاني : لأنهم لما دعوه قال أتأخذون على ذلك أجراً؟ قالوا لا، فاعتقد صدقهم وآمن بهم، قاله أبو العالية.
قوله تعالى :﴿ اتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون قال ذلك تنبيهاً على صدقهم.
الثاني : أن يكون قال ذلك ترغيباً في أجابتهم.
﴿ وُهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : مهتدون لهدايتكم.
الثاني : مهتدون فاهتدوا بهم.
قوله تعالى :﴿ وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ﴾ أي خلقني ﴿ وَإِلَيهِ تُرْجَعُونَ ﴾ أي تبعثون. فإن قيل : فلم أضاف الفطرة إلى نفسه والبعث إليهم وهو معترف أن الله فطرهم جميعاً ويبعثهم إليه جميعاً؟
قيل : لأنه خلق الله تعالى له نعمة عليه توجب الشكر، والبعث في القيامة وعيد يقتضي الزجر، فكان إضافة النعمة، إلى نفسه إضافة شكر، وإضافة الزجر إلى الكافر أبلغ أثراً.
قال قتادة : بلغني أنهم لما قال لهم : وما لي لا أعبد الذي فطرني وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه وهو يقول : يا رب اهدِ قومي، أحسبه قال : فإنهم لا يعلمون.
قوله تعالى :﴿ إِنِّي ءَامَنتُ بِرَبِّكُم فَاسْمَعُونِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه خاطب الرسل بذلك أنه يؤمن بالله ربهم ﴿ فَاسْمَعُونِ ﴾ أي فاشهدوا لي، قاله ابن مسعود.
الثاني : أنه خاطب قومه بذلك، ومعناه إني آمنت بربكم الذي كفرتم به فاسمعوا قولي، قاله وهب بن منبه.
أحدهما : أنه أمر بدخول الجنة.
الثاني : أنه أخبر بأنه قد استحق دخول الجنة لأن دخولها يستحق بعد البعث.
﴿ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾ في هذا التمني منه قولان :
أحدهما : أنه تمنى أن يعلموا حاله ليعلموا حسن مآله وحميد عاقبته.
الثاني : أنه تمنى ذلك ليؤمنوا مثل إيمانه فيصيروا إلى مثل حاله. قال ابن عباس : نصح قومه حياً وميتاً.
ويحتمل قوله :﴿ وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكرَمِينَ ﴾ وجهين :
أحدهما : ممن أكرمه بقبول عمله. الثاني : ممن أحله دار كرامته.
الثاني : أن الجند الملائكة الذين ينزلون الوحي على الأنبياء، قاله الحسن.
﴿ وما كنا منزلين ﴾ أي فاعلين.
﴿ إن كانت إلا صيحة واحدةً ﴾ فيها قولان :
أحدهما : أنَّ الصيحة هي العذاب.
الثاني : أنها صيحة من جبريل عليه السلام ليس لها مثنوية، قاله السدي.
﴿ فإذا هم خامدون ﴾ أي ميتون تشبيهاً بالرماد الخامد.
قوله تعالى :﴿ يا حسرةً على العباد ما يأتيهم ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : يا حسرة العباد على أنفسها، قال قتادة، وحكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم في بعض القراءات متلوٍّا.
الثاني : أنها حسرتهم على الرسل الثلاثة، قاله أبو العالية.
الثالث : أنها حسرة الملائكة على العباد في تكذيبهم الرسل، قاله الضحاك.
وفيه وجه رابع : عن ابن عباس أنهم حلوا محل من يتحسر عليهم.
﴿ ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءُون ﴾ الاستهزاء منهم قبل العذاب.
وفي الحسرة منهم قولان :
أحدهما : بعد معاينة العذاب.
الثاني : في القيامة، قاله ابن عباس.
قوله تعالى :﴿ وإن كلُّ لما جميعٌ ﴾ يعني الماضين والباقين.
﴿ لدينا محضرون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : معذبون، قاله السدي.
الثاني : مبعثون، قاله يحيى بن سلام.
أحدهما : أنها إثبات وتقديره : ومما عملته أيديهم، قاله الكلبي والفراء وابن قتيبة.
والوجه الثاني : أنها جحد وفيها على هذا القول وجهان :
أحدهما : وما لم تعمله أيديهم من الأنهار التي أجراها الله سبحانه لهم. قال الضحاك يعني الفرات ودجلة ونهر بلخ ونيل مصر.
الثاني : وما لم تعمله أيديهم من الزرع الذي أنبته الله تعالى لهم.
قوله تعالى :﴿ سبحان الذي خَلَق الأزواج كلها ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني الأصناف كلها، قاله السدي.
الثاني : يعني من النخل والشجر والزرع كل صنف منه زوج.
﴿ ومن أنفسهم ﴾ وفي ذلك دليل على مشاكلة الحيوان لهم في أنها زوج ذكر وأنثى.
﴿ ومما لا يَعْلمون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني الروح التي يعلمها الله ولا يعلمها غيره.
الثاني : ما يرى نادراً من حيوان ونبات.
ويحتمل ثالثاً : مما لا تعلمون من تقلب الولد في بطن أمه.
﴿ فإذا هم مظلمون ﴾ أي في ظلمة لأن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضىء، فإذا خرج منه أظلم.
﴿ والشمس تجري لمستقر لها ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني لانتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا، حكاه ابن عيسى.
الثاني : لوقت واحد لا تعدوه، قاله قتادة.
الثالث : أي أبعد منازلها في الغروب، ثم ترجع إلى أدنى منازلها، قاله الكلبي. وروى عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأها : والشمس تجري لا مستقر لها. وتأويل هذه القراءة أنها تجري في الليل والنهار ولا وقوف لها ولا قرار.
وقوله تعالى :﴿ والقمر قدرناه منازل ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : جعله في كل ليلة على مقر له، يزيد في كل ليلة من أول الشهر حتى يستكمل ثم ينقص بعد استكماله حتى يعود كما بدأ، وهو محتمل.
الثاني : أنه يطلع كل ليلة في منزل حتى يستكمل جميع المنازل في كل شهر، ولذلك جعل بعض الحساب السنة الشمسية ثلاثة عشر شهراً قمرياً.
﴿ حتى عَادَ كالعرجون القديم ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه العذق اليابس إذا استقوس، وهو معنى قول ابن عباس، ومنه قول أعشى قيس :
شرق المسك والعبير بها | فهي صفراء كعرجون القمر |
﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تُدْرِك القَمر ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أي لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر، قاله مجاهد.
الثاني : لا يجتمع ضوء أحدهما مع ضوء الآخر، لأن ضوء القمر ليلاً وضوء الشمس نهاراً، فإذا جاء سلطان أحدهما ذهب سلطان الآخر، قاله قتادة.
الثالث : معناه أنهما إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر في منازل لا يشتركان فيها، قاله ابن عباس.
الرابع : أنهما لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة، قاله الحسن.
الخامس : أنه لا تدرك الشمس القمر ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالمغيب قبل طلوعها، حكاه يحيى بن سلام.
﴿ ولا الليلُ سابق النهار ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني أنه لا يتقدم الليل قبل استكمال النهار وهو معنى قول يحيى بن سلام.
الثاني : أنه لا يأتي ليل بعد ليل متصل حتى يكون بينهما نهار منفصل، وهو معنى قول عكرمة.
ومن الناس من يجعل هذا دليلاً على أن أول الشهر النهار دون الليل، لأنه إذا لم يسبق الليل النهار واستحال اجتماعهما وجب أن يكون النهار سابقاً. وهذا قول يدفعه الشرع ويمنع منه الإجماع.
﴿ وكلٌّ في فلك يسْبَحون ﴾ قال الحسن : الشمس والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض غير ملتصقة بالسماء، ولو كانت ملتصقة ما جرت.
وفي قوله تعالى :﴿ يسبحون ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : يجرون، قاله ابن عباس.
الثاني : يدورون كما يدور المغزل في الفلكة، قاله عكرمة ومجاهد.
الثالث : يعملون، قاله الضحاك.
أحدها : عبرة لهم لأن في الآيات اعتباراً.
الثاني : نعمة عليهم لأن في الآيات إنعاماً.
الثالث : إنذار لهم لأن في الآيات إنذاراً.
﴿ أنَّا حَملْنا ذُرّيتَهم في الفلك المشحون ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الذرية الآباء حملهم الله تعالى في سفينة نوح عليه السلام، قاله أبان بن عثمان، وسمى الآباء ذرية لأن منهم ذرء الأبناء.
الثاني : أن الذرية الأبناء والنساء لأنهم ذرء الآباء حملوا في السفن، والفلك هي السفن الكبار، قاله السدي.
الثالث : أن الذرية النطف حملها الله تعالى في بطون النساء تشبيهاً بالفلك المشحون، قاله عليّ رضي الله عنه.
وفي ﴿ المشحون ﴾ قولان :
أحدهما : الموقر، قاله ابن عباس.
الثاني : المملوء، حكاه ابن عباس أيضاً.
﴿ وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ﴾ فيه أربعة تأويلات : أحدها : أنه خلق مثل سفينة نوح مما يركبونها من السفن، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها السفن الصغار خلقها لهم مثل السفن الكبار، قاله أبو مالك.
الثالث : أنها سفن الأنهار خلقها لهم مثل سفن البحار، قاله السدي.
الرابع : أنها الإبل خلقها لهم للركوب في البر مثل السفن المركوبة في البحر، قاله الحسن وعبد الله بن شداد. والعرب تشبه الإبل بالسفن، قال طرفة :
كأنَّ حدوج المالكية غدوةً | خلايا سَفينٍ بالنواصِف من رَدِ |
أن يكون تأويله النساء خلقن لركوب الأزواج، لكن لم أره محكياً.
قوله تعالى :﴿ وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فلا مغيث لهم، رواه سعيد عن قتادة.
الثاني : فلا منعة لهم، رواه شيبان عن قتادة.
﴿ ولا هم ينقذون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من الغرق.
الثاني : من العذاب.
﴿ إلا رحمة منا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إلا رحمتنا، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : إلا نعمة منا، قاله مقاتل.
﴿ ومتاعاً إلى حين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إلى الموت، قاله قتادة.
الثاني : إلى القيامة، قاله يحيى.
أحدها : ما بين أيديكم ما مضى من الذنوب، وما خلفكم ما يأتي من الذنوب، قاله مجاهد.
الثاني : ما بين أيديكم من الدنيا، وما خلفكم من عذاب الآخرة، قاله سفيان.
الثالث : ما بين أيديكم عذاب الله لمن تقدم من عاد وثمود، وما خلفكم من أمر الساعة، قاله قتادة.
ويحتمل تأويلاً رابعاً : ما بين أيديكم ما ظهر لكم، وما خلفكم ما خفي عنكم.
﴿ لعلكم ترحمون ﴾ معناه لكي ترحموا فلا تعذبوا. ولهذا الكلام جواب محذوف تقديره : إذا قيل لهم هذا أعرضوا عنه.
قوله تعالى :﴿ وما تأتيهم مِن آيةٍ مِنْ آيات ربِّهم ﴾ فيها ثلاثة تأويلات :
أحدها : من آية من كتاب الله، قاله قتادة.
الثاني : من رسول، قاله الحسن.
الثالث : من معجز، قاله النقاش.
ويحتمل رابعاً : ما أنذروا به من زواجر الآيات والعبر في الأمم السالفة.
قوله تعالى :﴿ وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم اللهُ قال الذين كفروا ﴾ الآية. فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم اليهود أمروا بإطعام الفقراء فقالوا ﴿ أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ﴾ قال الحسن.
الثاني : أنهم الزنادقة أمروا فقالوا ذلك، قاله قتادة.
الثالث : أنهم مشركو قريش جعلوا لأصنامهم في أموالهم سهماً فلما سألهم الفقراء أجابوهم بذلك، قاله النقاش.
ويحتمل هذا القول منهم وجهين :
أحدهما : إنكارهم وجوب الصدقات في الأموال.
الثاني : إنكارهم على إغناء من أفقره الله تعالى ومعونة من لم يعنه الله تعالى.
﴿ إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه من قول الكفار لمن أمرهم بالإطعام، قاله قتادة.
الثاني : أنه من قول الله تعالى لهم حين ردوا بهذا الجواب، حكاه ابن عيسى.
أحدهما : ما وعدوا به من العذاب، قاله يحيى بن سلام. الثاني : ما وعدوا به من الظفر بهم، قاله قتادة.
قوله تعالى :﴿ ما ينظرون إلا صيحةً واحدة تأخذهم ﴾ قال السدي : هي النفخة الأولى من إسرافيل ينتظرها آخر هذه الأمة من المشركين، وروى نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ « تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فما يطويانه حتى تقوم، والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم، والرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم، والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى تقوم
». ﴿ وهم يخصمون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يتكلمون في معايشهم ومتاجرهم، قاله السدي.
الثاني : يخصمون في دفع النشأة الثانية، حكاه ابن عيسى.
﴿ فلا يستطيعون توصية ﴾ أي يستطيع بعضهم أن يوصي إلى بعض بما في يديه من حق.
ويحتمل وجهاً ثانياً : أنه لا يستطيع أن يوصي بعضهم بعضاً بالتوبة والإقلاع.
﴿ ولا إلى إهلهم يرجعون ﴾ أي إلى منازلهم، قال قتادة لأنهم أعجلوا عن ذلك.
والنفخة الثانية من الآخرة. وفي الأولى قولان : أحدهما : أنها من الدنيا، قاله عكرمة.
الثاني : أنها من الآخرة، قاله الحسن.
﴿ فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ﴾ والأجداث القبور، وأحدها جدث. وفي قوله تعالى ﴿ ينسلون ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : يخرجون، قاله ابن عباس وقتادة، قال الشاعر :
..................... | فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي |
عسلان الذئب أمسى قاربا | بَرَدَ الليلُ عليه فنسل |
قوله تعالى :﴿ قالوا يا ويلنا من بعثنا مِن مَرقدنا ﴾ قال قتادة : هي النومة بين النفختين لا يفتر عنهم عذاب القبر إلا فيها. وفي تأويل هذا القول قولان :
أحدهما : أنه قول المؤمنين ثم يجيبون أنفسهم فيقولون :﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾ حكاه ابن عيسى.
الثاني : أنه قول الكفار لإنكارهم البعث فيقال لهم :﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾.
وفي قائل ذلك لهم قولان :
أحدهما : أنه قول المؤمنين لهم عند قيامهم من الأجداث معهم، قاله قتادة.
الثاني : أنه قول الملائكة لهم، قاله الحسن.
وفي ﴿ هذا ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه إشارة إلى المرقد تماماً لقوله تعالى ﴿ من بعثنا من مرقدنا هذا ﴾ وعليه يجب أن يكون الوقف.
الثاني : أنه ابتداء ﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾ فيكون إشارة إلى الوعد ويكون الوقف قبله والابتداء منه.
أحدها : في افتضاض الأبكار، قاله الحسن وسعيد بن جبير وابن مسعود وقتادة.
الثاني : في ضرب الأوتار، قاله ابن عباس ومسافع بن أبي شريح.
الثالث : في نعمة، قاله مجاهد.
الرابع : في شغل مما يَلقى أهل النار، قاله إسماعيل بن أبي خالد وأبان بن تغلب. وروي بضم الغين وقرىء بتسكينها وفيها وجهان :
أحدهما : أن الشغل بالضم المحبوب.
الثاني : الشغل بالإسكان يعني المروة، فعلى هذا لا يجوز أن يقرأ بالإسكان في أهل الجنة ولا يقرأ بالضم في أهل النار.
﴿ فاكهون ﴾ ويقرأ : فكهون، بغير ألف. وفي اختلاف القراءتين وجهان :
أحدهما : أنها سواء ومعناهما واحد يقال فاكه وفكه كا يقال حاذر وحذر قاله الفراء.
الثاني : أن معناهما في اللغة مختلف فالفكه الذي يتفكه بأعراض الناس. والفاكه ذو الفاكهة، قاله أبو عبيد وأنشد :
فكه إلى جنب الخوان إذا عدت... نكْباء تقلع ثابت الأطنابِ
وفيه ها هنا أربعة تأويلات :
أحدها : فرحون، قاله ابن عباس.
الثاني : ناعمون، قاله قتادة.
الثالث : معجبون، قاله مجاهد.
الرابع : ذو فاكهة كما يقال شاحم لاحم أي ذو شحم ولحم، وكما قال الشاعر :
وغررتني وزعمت أنَّك لابنٌ بالصيف تامر... أي ذو لبن وتمر.
قوله تعالى :﴿ هم وأزواجُهم في ظلال ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وأزواجهم في الدنيا من وافقهم على إيمانهم.
الثاني : أزواجهم اللاتي زوّجهم الله تعالى بهن في الجنة من الحور العين.
﴿ في ظِلال ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : في ظلال النعيم.
الثاني : في ظلال تسترهم من نظر العيون إليهم.
قوله تعالى :﴿ لهم فيها فاكهةٌ ولهُم ما يَدَّعون ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : ما يشتهون، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : ما يسألون، قاله ابن زياد. الثالث : ما يتمنون، قاله أبو عبيدة.
الرابع : ما يدعونه فيأتيهم، قاله الكلبي قال الزجاج : وهو مأخوذ من الدعاء.
ويحتمل خامساً : ما يدّعون أنه لهم فهو لهم لا يدفعون عنه، وهم مصروفون عن دعوى ما لا يستحقون.
قوله تعالى :﴿ سلامٌ قولاً مِن رَبِّ رحيم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه سلام الله تعالى عليهم إكراماً لهم، قاله محمد بن كعب.
الثاني : أنه تبشير الله تعالى لهم بسلامتهم.
أحدهما : قاله الكلبي، لأن المؤمنين والكفار يحشرون مع رسلهم فلذلك يؤمرون بالامتياز.
الثاني : يمتاز المجرمون بعضهم من بعض، فيمتاز اليهود فرقة، والنصارى فرقة، والمجوس فرقة، والصابئون فرقة، وعبدة الأوثان فرقة، قاله الضحاك.
فيحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون الامتياز عند الوقوف.
الثاني : عند الانكفاء إلى النار.
قال دواد بن الجراح : فيمتاز المسلمون من المجرمين إلا صاحب الهوى فيكون مع المجرمين.
قوله تعالى :﴿ ولقد أَضَلَّ منكم جبلاً كثيراً ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : جموعاً كثيرة، قاله قتادة.
الثاني : أمماً كثيرة، قاله الكلبي.
الثالث : خلقاً كثيراً، قاله مجاهد ومطرف. وحكى الضحاك أن الجِبِلّ الواحد عشرة آلاف، والكثير ما لا يحصيه إلاّ الله تعالى.
أحدهما : أن يكون منعها من الكلام هو الختم عليها.
الثاني : أن يكون ختماً يوضع عليها فيرى ويمنع من الكلام.
وفي سبب الختم أربعة أوجه :
أحدها : لأنهم قالوا ﴿ والله ربنا ما كنا مشركين ﴾ فختم الله تعالىعلى أفواههم حتى نطقت جوارحهم، قاله أبو موسى الأشعري.
الثاني : لِيَعرفهم أهل الموقف فيتميزون منهم، قاله ابن زياد.
الثالث : لأن إقرار غير الناطق أبلغ في الإلزام من إقرار الناطق لخروجه مخرج الإعجاز وإن كان يوماً لا يحتاج فيه إلى الإعجاز.
الرابع : ليعلم أن أعضاءه التي كانت لهم أعواناً في حق نفسه صارت عليه شهوداً في حق ربه.
﴿ وتُكلِّمنا أيديهم وتشهدُ أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ وفي كلامها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه يظهر منها سِمة تقوم [ مقام ] كلامها كما قال الشاعر :
وقد قالت العينان سمعاً وطاعة | وحَدَّرنا كالدر لما يثَقّبِ |
الثالث : أن الله تعالى يخلق فيها ما يتهيأ معه الكلام منها. روى الشعبي عن أنس أن النبي ﷺ قال :« يقال لأركانه انطقي فتنطق بعمله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول : بُعداً لكنَّ وسحقاً فعنكن كنت أناضل ». فإن قيل فلم قال ﴿ وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم ﴾ فجعل ما كان من اليد. كلاماً، وما كان من الرجل شهادة؟
قيل لأن اليد مباشرة لعمله والرجل حاضرة، وقول الحاضر على غيره شهادة، وقول الفاعل على نفسه إقرار، فلذلك عبّر عما صدر من الأيدي بالقول، وعما صدر من الأرجل بالشهادة. وقد روى شريح بن عبيد عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل اليسرى
». فاحتمل أن يكون تقدم الفخذ بالكلام على سائر الأعضاء لأن لذة معاصيه يدركها بحواسه التي في الشطر الأعلى من جسده، وأقرب أعضاء الشطر الأسفل منها الفخذ، فجاز لقربه منها أن يتقدم في الشهادة عليها، وتقدمت اليسرى لأن الشهوة في ميامن الأعضاء أقوى منها في مياسرها، فلذلك تقدمت اليسرى على اليمنى لقلة شهوتها.
قوله تعالى :﴿ ولو نشاءُ لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصِّراطَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لأعمينا أبصار المشركين في الدنيا فضلوا عن الطريق فلا يبصرون عقوبة لهم، قاله قتادة.
الثاني : لأعمينا قلوبهم فضلوا عن الحق فلم يهتدوا إليه، قاله ابن عباس.
قال الأخفش وابن قتيبة : المطموس هو الذي لا يكون بين جفنيه شق مأخوذ من طمس الريح الأثر.
﴿ ولو نشاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ ﴾ فيه ثلاث تأويلات :
أحدها : لأقعدناهم على أرجلهم، قاله الحسن وقتادة.
الثاني : لأهلكناهم في مساكنهم، قاله ابن عباس.
الثالث : لغيّرنا خلْقهم فلا ينقلبون، قاله السدي.
﴿ فما استطاعوا مُضِيّاً ولا يرجعون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فما استطاعوا لو فعلنا ذلك بهم أن يتقدموا ولا يتأخروا، قاله قتادة.
الثاني : فما استطاعوا مُضِيّاً في الدنيا، ولا رجوعاً فيها، قاله أبو صالح.
أحدهما : بلوغ ثمانين سنة، قاله سفيان.
الثاني : هو الهرم، قاله قتادة. وفي قوله تعالى ﴿ ننكِّسْه ﴾ تأويلان :
أحدهما : نردُّه في الضعف إلى حال الضعف فلا يعلم شيئاً، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : نغير سمعه وبصره وقوته، قاله قتادة.
و ﴿ في الخلق ﴾ وجهان :
أحدهما : جميع الخلق ويكون معناه : ومن عمرناه من الخلق نكسناه في الخلق.
والوجه الثاني : أنه عنى خلقه، ويكون معنى الكلام : من أطلنا عمره نكسنا خلقه، فصار مكان القوة الضعف، ومكان الشباب الهرم، ومكان الزيادة النقصان.
﴿ أفلا تعقلون ﴾ أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم.
قوله تعالى :﴿ وما علّمْناه الشِّعر وما ينبغي له ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أي ليس الذي علمناه من القرآن شعراً.
الثاني : أي لم نعلم رسولنا أن يقول الشعر.
﴿ وما ينبغي له ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : وما ينبغي له أن يقول شعراً.
الثاني : وما ينبغي لنا أن نعلمه شعراً.
﴿ إنْ هو لا ذكر وقرآن مُبين ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : إنْ علّمناه إلا ذكراً وقرآناً مبيناً.
الثاني : إنْ هذا الذي يتلوه عليكم إلا ذكر وقرآن مبين.
قوله تعالى :﴿ لينذر من كان حَيّاً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : لتنذر يا محمد من كان حياً، وهذا تأويل من قرأ بالتاء.
الثاني : لينذر القرآن من كان حياً، وهو تأويل من قرأ بالياء.
وفي ﴿ مَن كان حَيّاً ﴾ ها هنا أربعة تأويلات :
أحدها : من كان غافلاً، قاله الضحاك.
الثاني : من كان حي القلب حي البصر، قاله قتادة.
الثالث : من كان مؤمناً، قاله يحيى بن سلام.
الرابع : من كان مهتدياً، قاله السدي.
﴿ ويحِقَّ القَوْل على الكافرين ﴾ معناه : ويجب العذاب على الكافرين.
أحدهما يعني بقوتنا : قاله الحسن كقوله تعالى ﴿ والسماء بنيناها بأيد ﴾ [ الذاريات : ٤٧ ] أي بقوة.
الثاني : يعني من فعلنا وعملنا من غير أن نكله إلى غيرنا، قاله السدي. والأنعام : الإبل والبقر والغنم.
﴿ فهم لها مالكون ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ضابطون، قاله قتادة، ومنه قول الشاعر :
أصبحت لا أحمل السِّلاح ولا | أملِك رأس البعير إن نَفَرا |
الثالث : مقتنون وهو معنى قول ابن عيسى.
قوله تعالى :﴿ وذللناها لهم ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : وطيبناها لهم؛ قاله ابن عيسى.
الثاني : سخرناها لهم، قاله ابن زيد.
الثالث : ملكناها لهم.
﴿ فمنها ركوبُهم ﴾ والركوب بالضم مصدر ركب يركب ركوباً، والركوب بالفتح الدابة التي تصلح أن تركب.
﴿ ومنها يأكلون ﴾ يعني لحوم المأكول منها.
﴿ ولهم فيها منافع ﴾ قال قتادة : هي لبس أصوافها.
﴿ ومشارب ﴾ يعني شرب ألبانها ﴿ أفلا يشكرون ﴾ يعني رب هذه النعمة بتوحيده وطاعته.
أحدهما : شيعة، قاله ابن جريج.
الثاني : أعوان.
﴿ محضرون ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : محضرون عند الحساب، قاله مجاهد.
الثاني : محضرون في النار، قاله الحسن.
الثالث : محضرون للدفع عنهم والمنع منهم، قاله حميد. قال قتادة : يغضبون لآلهتهم، وآلهتهم لا تنصرهم.
أحدهما : أنها نزلت في أبيّ بن خلف الجمحي أتى النبي ﷺ يجادله في بعث الموتى، قاله عكرمة ومجاهد والسدي.
الثاني : أنها نزلت في العاص بن وائل أخذ عظماً من البطحاء ففته بيده ثم قال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم : أيحيي اللَّه هذا بعدما أرمّ؟ فقال رسول الله ﷺ « نعم ويميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم » فنزلت هذه الآيات فيه، قاله ابن عباس.
﴿ فإذا هو خصيمٌ مبينٌ ﴾ أي مجادل في الخصومة مبين للحجة، يريد بذلك أنه صار بعد أن لم يكن شيئاً خصيماً مبيناً، فاحتمل ذلك أمرين :
أحدهما : أن ينبهه بذلك على نعمه عليه.
الثاني : أن يدله بذلك على إحياء الموتى كما ابتدأه بعد أن لم يكن شيئاً.
قوله تعالى :﴿ وضَرب لنا مثلاً ونَسي خلقه ﴾ وهو من قدمنا ذكره ويحتمل وجهين :
أحدهما : أي ترك خلقه أن يستدل به.
الثاني : سها عن الاعتبار به.
﴿ قال مَن يُحْيِ العظَامَ وهي رَميمٌ ﴾ استبعاداً أن يعود خلقاً جديداً. فأمر الله نبيه ﷺ أن يجيبه بما فيه دليل لأولي الألباب.
﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مَرَّة ﴾ أي من قدر عل إنشائها أول مرة من غير شيءٍ فهو قادرعلى إعادتها في النشأة الثانية من شيء.
﴿ وهو بكل خَلقٍ عليم ﴾ أي كيف يبدىء وكيف يعيد.
قوله تعالى :﴿ الذي جَعَلَ لكم مِنَ الشجر الأخضر ناراً ﴾ الآية أي الذي جعل النار المحرقة في الشجر الرطب المَطفي وجمع بينهما مع ما فيهما من المضادة، لأن النار تأكل الحطب، وأقدركم على استخراجها هو القادر على إعادة الموتى وجمع الرفات.
ويحتمل ذلك منه وجهين :
أحدهما : أن ينبه الله تعالى بذلك على قدرته التي لا يعجزها شيء.
الثاني : أن يدل بها على إحياء الموتى كما أحييت النار بالإذكاء.
قال الكلبي : كل الشجر يقدح منه النار إلا العناب.
وحكى أبو جعفر السمرقندي عن أحمد بن معاذ النحوي في قوله تعالى ﴿ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ﴾ يعني به إبراهيم، ﴿ ناراً ﴾ أي نوراً يعني محمداً ﷺ.
﴿ فإذا أنتم منه توقِدون ﴾ أي تقتبسون الدين.
أحدهما : معناه أن يأمر فيوجد.
الثاني : ما قاله قتادة أنه ليس شيء أخف في الكلام من ﴿ كن ﴾ ولا أهون على لسان العرب من ذلك، فجعله الله تعالى مثلاُ لأمره في السرعة.
﴿ فسبحان الذي بيده ملكوت كلِّ شيءٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : خزائن كل شيء.
الثاني : ملك كل شيء إلا أن فيه مبالغة.
﴿ وإليه ترجعون ﴾ يعني يوم القيامة، فيجازي المحسن ويعاقب المسيء.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ :« إن لكل شيءٍ قلْباً وإنَّ قلْبَ القرآن يس، ومن قرأها في ليلة أعطي يُسْر تلك الليلة، ومن قرأها في يوم أعطي يُسْرَ ذلك اليوم، وإنّ أهل الجنة يرفع عنهم القرآن فلا يقرأون منه شيئاً إلا طه ويس
».