تفسير سورة سورة القيامة من كتاب المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
المعروف بـتفسير ابن عطية
.
لمؤلفه
ابن عطية
.
المتوفي سنة 542 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم سورة القيامة. وهي مكية بإجماع من المفسرين وأهل التأويل وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : من سأل عن القيامة أو أراد أن يعرف حقيقة وقوعها فليقرأ هذه السورة. وقال المغيرة بن شعبة١ يقول الناس : القيامة القيامة وإنما قيامة المرء موته وروي أيضا عن ابن جبير أنه حضر جنازة رجل فقال أما هذا فقد قامت قيامته. ويروى مثله عن علقمة وذكره الثعلبي قال القاضي أبو محمد وقيامة الرجل في خاصته ليست بالقيامة الجامعة لجميع الخلق بعد البعث لكن المغيرة رضي الله عنه كأنه قال هذا لمن يستبعد قيام الآخرة ويظن طول الأمد بينه وبينها فتوعده بقيام نفسه.
قوله عز وجل سورة القيامة ١ - ١٥
قوله عز وجل سورة القيامة ١ - ١٥
١ هو المغيرة بن شعبة بن مسعود بن معتب الثقفي، صحابي مشهور، أسلم قبل الحديبية وولي أمر البصرة ثم الكوفة، مات سنة خمسين على الصحيح. (تقريب التهذيب)..
ﰡ
ﮊﮋﮌﮍ
ﰀ
ﮏﮐﮑﮒ
ﰁ
ﮔﮕﮖﮗﮘ
ﰂ
ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ
ﰃ
ﮡﮢﮣﮤﮥ
ﰄ
ﮧﮨﮩﮪ
ﰅ
ﮬﮭﮮ
ﰆ
ﮰﮱ
ﰇ
ﯔﯕﯖ
ﰈ
ﯘﯙﯚﯛﯜ
ﰉ
ﯞﯟﯠ
ﰊ
ﯢﯣﯤﯥ
ﰋ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬ
ﰌ
ﯮﯯﯰﯱﯲ
ﰍ
ﯴﯵﯶ
ﰎ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة القيمةوهي مكية بإجماع من المفسرين وأهل التأويل، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:
من سأل عن القيامة أو أراد أن يعرف حقيقة وقوعها، فليقرأ هذه السورة، وقال المغيرة بن شعبة: يقول الناس القيامة القيامة، وإنما قيامة المرء موته، وروي أيضا عن ابن جبير أنه حضر جنازة رجل فقال: أما هذا فقد قامت قيامته. ويروى مثله عن علقمة، وذكره الثعلبي.
قال القاضي أبو محمد: وقيامة الرجل في خاصته ليست بالقيامة الجامعة لجميع الخلق بعد البعث.
لكن المغيرة رضي الله عنه كأنه قال: هذا لمن يستبعد قيام الآخرة، ويظن طول الأمد بينه وبينها فتوعده بقيام نفسه.
قوله عز وجل:
[سورة القيامة (٧٥) : الآيات ١ الى ١٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤)بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥) يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (٦) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩)
يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلاَّ لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤)
وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١٥)
قرأ جمهور السبعة: «لا أقسم بيوم القيامة. ولا أقسم بالنفس اللوامة» وقرأ ابن كثير والحسن بخلاف عنه والأعرج «لأقسم بيوم القيامة ولأقسم بالنفس»، فأما القراءة الأولى فاختلف في تأويلها فقال ابن جبير: «لا» استفتاح كلام بمنزلة ألا وأنشدوا على ذلك [المتقارب]
فلا وأبيك ابنة العامري | لا يعلم القوم أني أفر |
فينفصل عن هذا بأن القرآن كله كالسورة الواحدة وهو في معنى الاتصال فجاز فيه هذا، وقال الفراء: «لا» نفي لكلام الكفار وزجر لهم ورد عليهم، ثم استأنف على هذه الأقوال الثلاثة قوله: أُقْسِمُ، ويوم القيامة أقسم الله به تنبيها منه لعظمه وهوله. وقوله تعالى: «ولا أقسم بالنفس اللوامة» القول في «لا» على نحو ما
401
تقدم، وأما القراءة الثانية فتحتمل أمرين. إما أن تكون اللام دخلت على فعل الحال. التقدير لأنا أقسم فلا تلحق لأن النون نون التوكيد إنما تدخل في الأكثر لتفرق بين فعل الحال والفعل المستقبل فهي تلزم المستقبل في الأكثر، وإما أن يكون الفعل خالصا للاستقبال فكأن الوجه والأكثر أن تلحق النون إما الخفيفة وإما الثقيلة، لكن قد ذكر سيبويه أن النون قد تسقط مع إرادة الاستقبال وتغني اللام عنها. كما تسقط اللام وتغني النون عنها وذلك في قول الشاعر: [الكامل]
المراد لأثارن، وأما قوله «ولا أقسم بالنفس اللوامة» فقيل «لا» نافية، وإن الله تعالى أقسم بيوم القيامة، ونفى أن يقسم بالنفس اللوامة نص عليه الحسن، وقد ذهب هذا المذهب قوم ممن قرأ «لا أقسم ولأقسم»، وذلك قلق وهو في القراءة الثانية أمكن وجمهور المتأولين على أن الله تعالى أقسم بالأمرين، واختلف الناس في النفس اللَّوَّامَةِ ما معناه، فقال الحسن هي اللَّوَّامَةِ لصاحبها في ترك الطاعة ونحوه، فهي على هذا ممدوحة، ولذلك أقسم الله تعالى بها، وقال ابن عباس: هي الفاجرة الجشعة اللَّوَّامَةِ لصاحبها على ما فاته من سعي الدنيا وأعراضها فهي على هذا ذميمة وعلى هذا التأويل يحسن نفي القسم بها والنفس في الآية اسم جنس لنفوس البشر، وقال ابن جبير ما معناه: إن القسم بها هي اسم الجنس لأنها تلوم على الخير وعلى الشر، وقيل المراد نفس آدم لأنها لم تزل اللائمة له على فعله الذي أخرجه من الجنة.
قال القاضي أبو محمد: وكل نفس متوسطة ليست بالمطمئنة ولا بالأمارة بالسوء، فإنها لوامة في الطرفين مرة تلوم على ترك الطاعة، ومرة تلوم على فوت ما تشتهي، فإذا اطمأنت خلصت وصفت. وقوله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ تقرير وتوبيخ، والْإِنْسانُ اسم جنس وهذه أقوال كانت لكفار قريش فعليها هو الرد، وقرأ جمهور الناس: «نجمع عظامه» بالنون ونصب الميم من العظام، وقرأ قتادة «أن لن يجمع عظامه» بالياء ورفع الميم من العظام، ومعنى ذلك في القيامة وبعد البعث من القبور، وقرأ أبو عمرو بإدغام العين ثم قال تعالى: بَلى وهي إيجاب ما نفي، وبابها أن تأتي بعد النفي والمعنى بل يجمعها قادِرِينَ بنصب قادِرِينَ على الحال. وقرأ ابن أبي عبلة «قادرون» بالرفع، وقال القتبي: نُسَوِّيَ بَنانَهُ معناه نتقنها سوية، والبنان: الأصابع، فكأن الكفار لما استبعدوا جمع العظام بعد الفناء والإرمام، قيل لهم إنما تجمع ويسوى أكثرها تفرقا وأدقها أجزاء وهي عظام الأنامل ومفاصلها، وهذا كله عند البعث، وقال ابن عباس وجمهور المفسرين: نُسَوِّيَ بَنانَهُ معناه نجعلها في حياته هذه بضعة أو عظما واحدا كخف البعير لا تفاريق فيه، فكأن المعنى قادرين لأن في الدنيا على أن نجعلها دون تفرق، فتقل منفعته بيده، فكأن التقدير بَلى نحن أهل أن نجمعها قادِرِينَ على إزالة منفعة بيده، ففي هذا توعد ما، والقول الأول أحرى مع رصف الكلام، ولكن على هذا القول جمهور العلماء، وقوله تعالى: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ قال بعض المتأولين: الضمير في أَمامَهُ عائد على الْإِنْسانُ، ومعنى الآية أن الإنسان إنما يريد شهواته ومعاصيه ليمضي فيها أبدا قدما راكب رأسه ومطيع أمله ومسوفا بتوبته، قاله مجاهد والحسن وعكرمة وابن جبير والضحاك والسدي، وقال السدي: المعنى ليظلم على قدر طاقته، وقال الضحاك
وقتيل مرة أثأرن فإنه | فرغ وإن قتيلهم لم يثأر |
قال القاضي أبو محمد: وكل نفس متوسطة ليست بالمطمئنة ولا بالأمارة بالسوء، فإنها لوامة في الطرفين مرة تلوم على ترك الطاعة، ومرة تلوم على فوت ما تشتهي، فإذا اطمأنت خلصت وصفت. وقوله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ تقرير وتوبيخ، والْإِنْسانُ اسم جنس وهذه أقوال كانت لكفار قريش فعليها هو الرد، وقرأ جمهور الناس: «نجمع عظامه» بالنون ونصب الميم من العظام، وقرأ قتادة «أن لن يجمع عظامه» بالياء ورفع الميم من العظام، ومعنى ذلك في القيامة وبعد البعث من القبور، وقرأ أبو عمرو بإدغام العين ثم قال تعالى: بَلى وهي إيجاب ما نفي، وبابها أن تأتي بعد النفي والمعنى بل يجمعها قادِرِينَ بنصب قادِرِينَ على الحال. وقرأ ابن أبي عبلة «قادرون» بالرفع، وقال القتبي: نُسَوِّيَ بَنانَهُ معناه نتقنها سوية، والبنان: الأصابع، فكأن الكفار لما استبعدوا جمع العظام بعد الفناء والإرمام، قيل لهم إنما تجمع ويسوى أكثرها تفرقا وأدقها أجزاء وهي عظام الأنامل ومفاصلها، وهذا كله عند البعث، وقال ابن عباس وجمهور المفسرين: نُسَوِّيَ بَنانَهُ معناه نجعلها في حياته هذه بضعة أو عظما واحدا كخف البعير لا تفاريق فيه، فكأن المعنى قادرين لأن في الدنيا على أن نجعلها دون تفرق، فتقل منفعته بيده، فكأن التقدير بَلى نحن أهل أن نجمعها قادِرِينَ على إزالة منفعة بيده، ففي هذا توعد ما، والقول الأول أحرى مع رصف الكلام، ولكن على هذا القول جمهور العلماء، وقوله تعالى: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ قال بعض المتأولين: الضمير في أَمامَهُ عائد على الْإِنْسانُ، ومعنى الآية أن الإنسان إنما يريد شهواته ومعاصيه ليمضي فيها أبدا قدما راكب رأسه ومطيع أمله ومسوفا بتوبته، قاله مجاهد والحسن وعكرمة وابن جبير والضحاك والسدي، وقال السدي: المعنى ليظلم على قدر طاقته، وقال الضحاك
402
المعنى يركب رأسه في طلب الدنيا دائما، وقوله تعالى: لِيَفْجُرَ أَمامَهُ تقديره لكن يفجر، وقال ابن عباس ما يقتضي أن الضمير في أَمامَهُ عائد على يوم الْقِيامَةِ، والمعنى أن الإنسان هو في زمن وجوده أمام يوم القيامة وبين يديه، ويوم القيامة خلفه فهو يريد شهواته ليفجر في تكذيبه بالبعث وغير ذلك بين يدي يوم القيامة، وهو لا يعرف قدر الضرر الذي هو فيه، ونظيره قوله تعالى: لِيَفْجُرَ قول قيس بن سعد (أردت لكيما يعرف الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود).
وبَلْ في أول الآية هي إضراب على معنى الترك لا على معنى إبطال الكلام الأول، وقد تجيء بل لإبطال القول الذي قبلها، وسؤال الكافر أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ هو على معنى التكذيب والهزء كما تقول لمحدث بأمر تكذبه متى يكون هذا؟ وأَيَّانَ لفظة بمعنى متى، وهي مبينة لتضمنها معنى الاستفهام فأشبهت الحروف المتضمنة للمعاني. وكان حقها أن تبنى على السكون، لكن فتحت النون لالتقاء الساكنين الألف وهي وقرأ أبو عمرو والحسن ومجاهد وقتادة والجحدري وعاصم والأعمش وأبو جعفر وشيبة «برق البصر» بكسر الراء بمعنى شخص وشق وحار. وقرأ نافع وعاصم بخلاف، وعبد الله بن أبي إسحاق وزيد بن ثابت ونصر بن عاصم «برق» بفتح الراء، بمعنى لمع وصار له بريق وحار عند الموت، والمعنى متقارب في القراءتين، وقال أبو عبيدة «برق» بالفتح شق، وقال مجاهد هذا عند الموت، وقال الحسن هذا في يوم القيامة، وقرأ جمهور الناس: «وخسف القمر» على أنه فاعل، وقرأ أبو حيوة: «خسف» بضم الخاء وكسر السين و «القمر» مفعول لما يسم فاعله. يقال خسف القمر وخسفه الله، وكذلك الشمس، وقال أبو عبيدة وجماعة من اللغويين الخسوف والكسوف بمعنى واحد، قال ابن أبي أويس: الكسوف ذهاب بعض الضوء والخسوف ذهاب جميعه، وروي عن عروة وسفيان أن رسول الله ﷺ قال: «لا تقولوا كسفت الشمس ولكن قولوا خسفت». وقوله تعالى: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ غلب عليه التذكير على التأنيث، وقيل ذلك لأن تأنيث الشمس غير حقيقي، وقيل المراد بين الشمس والقمر، وكذلك قرأ ابن أبي عبلة. واختلف المتأولون في معنى الجمع بينهما فقال عطاء بن يسار: يجمعان فيقذفان في النار، وقيل في البحر، فتصير نار الله العظمى، وقيل يجمع الضوءان فيذهب بهما، وقرأ جمهور الناس «أين المفر» بفتح الميم والفاء على المصدر أي أين الفرار، وقرأ ابن عباس والحسن وعكرمة وأيوب السختياني وكلثوم بن عياض ومجاهد ويحيى بن يعمر وحماد بن سلمة وأبو رجاء وعيسى وابن أبي إسحاق: «أين المفر» بفتح الميم وكسر الفاء على معنى أين موضع الفرار، وقرأ الزهري: «أين المفر» بكسر الميم وفتح الفاء بمعنى أين الجيد الفرار، وكَلَّا زجر يقال للإنسان يومئذ ثم يعلن أنه لا وَزَرَ له أي ملجأ، وعبر المفسرون عن الوزر بالحبل، قال مطرف بن الشخير وغيره، وهو كان وزر فرار العرب في بلادهم، فلذلك استعمل، والحقيقة أنه الملجأ كان جبلا أو حصنا أو سلاحا أو رجلا أو غيره. وقوله تعالى: إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
معناه إلى حكم ربك أو نحوه من التقدير والْمُسْتَقَرُّ
رفع بالابتداء وخبره في المقدر الذي يتعلق به المجرور المتقدم. تقدير الكلام المستقر ثابت أو كائن إلى ربك يومئذ، والْمُسْتَقَرُّ
: موضع الاستقرار، وقوله تعالى: بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
قسمة تستوي في كل عمل، أي يعلم بكل ما فعل ويجده محصلا، قال ابن عباس وابن مسعود المعنى بِما قَدَّمَ
في حياته وَأَخَّرَ
من سنة يعمل بها بعده، وقال ابن عباس أيضا:
وبَلْ في أول الآية هي إضراب على معنى الترك لا على معنى إبطال الكلام الأول، وقد تجيء بل لإبطال القول الذي قبلها، وسؤال الكافر أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ هو على معنى التكذيب والهزء كما تقول لمحدث بأمر تكذبه متى يكون هذا؟ وأَيَّانَ لفظة بمعنى متى، وهي مبينة لتضمنها معنى الاستفهام فأشبهت الحروف المتضمنة للمعاني. وكان حقها أن تبنى على السكون، لكن فتحت النون لالتقاء الساكنين الألف وهي وقرأ أبو عمرو والحسن ومجاهد وقتادة والجحدري وعاصم والأعمش وأبو جعفر وشيبة «برق البصر» بكسر الراء بمعنى شخص وشق وحار. وقرأ نافع وعاصم بخلاف، وعبد الله بن أبي إسحاق وزيد بن ثابت ونصر بن عاصم «برق» بفتح الراء، بمعنى لمع وصار له بريق وحار عند الموت، والمعنى متقارب في القراءتين، وقال أبو عبيدة «برق» بالفتح شق، وقال مجاهد هذا عند الموت، وقال الحسن هذا في يوم القيامة، وقرأ جمهور الناس: «وخسف القمر» على أنه فاعل، وقرأ أبو حيوة: «خسف» بضم الخاء وكسر السين و «القمر» مفعول لما يسم فاعله. يقال خسف القمر وخسفه الله، وكذلك الشمس، وقال أبو عبيدة وجماعة من اللغويين الخسوف والكسوف بمعنى واحد، قال ابن أبي أويس: الكسوف ذهاب بعض الضوء والخسوف ذهاب جميعه، وروي عن عروة وسفيان أن رسول الله ﷺ قال: «لا تقولوا كسفت الشمس ولكن قولوا خسفت». وقوله تعالى: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ غلب عليه التذكير على التأنيث، وقيل ذلك لأن تأنيث الشمس غير حقيقي، وقيل المراد بين الشمس والقمر، وكذلك قرأ ابن أبي عبلة. واختلف المتأولون في معنى الجمع بينهما فقال عطاء بن يسار: يجمعان فيقذفان في النار، وقيل في البحر، فتصير نار الله العظمى، وقيل يجمع الضوءان فيذهب بهما، وقرأ جمهور الناس «أين المفر» بفتح الميم والفاء على المصدر أي أين الفرار، وقرأ ابن عباس والحسن وعكرمة وأيوب السختياني وكلثوم بن عياض ومجاهد ويحيى بن يعمر وحماد بن سلمة وأبو رجاء وعيسى وابن أبي إسحاق: «أين المفر» بفتح الميم وكسر الفاء على معنى أين موضع الفرار، وقرأ الزهري: «أين المفر» بكسر الميم وفتح الفاء بمعنى أين الجيد الفرار، وكَلَّا زجر يقال للإنسان يومئذ ثم يعلن أنه لا وَزَرَ له أي ملجأ، وعبر المفسرون عن الوزر بالحبل، قال مطرف بن الشخير وغيره، وهو كان وزر فرار العرب في بلادهم، فلذلك استعمل، والحقيقة أنه الملجأ كان جبلا أو حصنا أو سلاحا أو رجلا أو غيره. وقوله تعالى: إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ
معناه إلى حكم ربك أو نحوه من التقدير والْمُسْتَقَرُّ
رفع بالابتداء وخبره في المقدر الذي يتعلق به المجرور المتقدم. تقدير الكلام المستقر ثابت أو كائن إلى ربك يومئذ، والْمُسْتَقَرُّ
: موضع الاستقرار، وقوله تعالى: بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
قسمة تستوي في كل عمل، أي يعلم بكل ما فعل ويجده محصلا، قال ابن عباس وابن مسعود المعنى بِما قَدَّمَ
في حياته وَأَخَّرَ
من سنة يعمل بها بعده، وقال ابن عباس أيضا:
403
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽ
ﰏ
ﯿﰀﰁﰂ
ﰐ
ﰄﰅﰆﰇ
ﰑ
ﰉﰊﰋﰌ
ﰒ
ﭑﭒﭓﭔ
ﰓ
ﭖﭗ
ﰔ
ﭙﭚﭛ
ﰕ
ﭝﭞﭟ
ﰖ
ﭡﭢﭣ
ﰗ
ﭥﭦﭧﭨﭩ
ﰘ
ﭫﭬﭭﭮ
ﰙ
ﭰﭱﭲﭳ
ﰚ
ﭵﭶﭷ
ﰛ
ﭹﭺﭻ
ﰜ
ﭽﭾﭿﮀ
ﰝ
بِما قَدَّمَ
من المعاصي وَأَخَّرَ
من الطاعات، وقال زيد بن أسلم: بِما قَدَّمَ
لنفسه من ماله وبما أخر منه للوارث، وقوله تعالى: بَلِ الْإِنْسانُ
إضراب بمعنى الترك لا على معنى إبطال القول الأول، وبَصِيرَةٌ
يحتمل أن يكون خبرا عن الإنسان ولحقته هاء التأنيث كما لحقت علامة ونسابة، والمعنى فيه وفي عقله وفطرته حجة وطليعة وشاهد مبصر على نفسه، والهاء للتأنيث، ويراد ب «البصيرة» جوارحه أو الملائكة الحفظة وهذا تأويل ابن عباس، و «المعاذير» هنا قال الجمهور: هي الأعذار جمع معذرة، وقال السدي والضحاك: هي الستور بلغة اليمن يقولون للستر المعذار، وقال الحسن: المعنى بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ
بلية ومحنة، كأنه ذهب إلى البصيرة التي هي طريقة الدم وداعية طلب الثأر وفي هذا نظر.
قوله عز وجل:
[سورة القيامة (٧٥) : الآيات ١٦ الى ٣٠]
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠)
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥)
كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠)
الضمير في بِهِ
عائد على كتاب الله تعالى ولم يجر له ذكر، ولكن القرائن تبينه، فهذا كقوله تعالى: تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص: ٣٢]، وكقوله تعالى: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ يعني النفس، واختلف المتأولون في السبب الموجب أن يؤمر رسول الله ﷺ هذا الأمر، فقال الشعبي: كان رسول الله ﷺ لحرصه على أداء الرسالة والاجتهاد في ذات الله تعالى ربما أراد النطق ببعض ما أوحي إليه قبل كمال إيراد الوحي، فأمر أن لا يجعل بالقرآن من قبل أن يفضى إليه وحيه. وجاءت هذه الآية في هذا المعنى. وقال الضحاك: كان سببها أن رسول الله ﷺ كان يخاف أن ينسى القرآن فكان يدرسه حتى غلب ذلك عليه وشق، فنزلت الآية في ذلك، وقال كثير من المفسرين وهو في صحيح البخاري عن ابن عباس: كان رسول الله ﷺ يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه مخافة أن يذهب عنه ما يوحى إليه، فنزلت الآية بسبب ذلك وأعلمه الله تعالى أنه يجمعه له في صدره، وَقُرْآنَهُ
يحتمل أن يريد به وقراءته أي تقرأه أنت يا محمد، والقرآن مصدر كالقراءة ومنه قول الشاعر [حسان بن ثابت] في عثمان رضي الله عنه وأرضاه: [البسيط]
ويحتمل أن يريد إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ
وتأليفه في صدر صدرك فهو مصدر من قولك قرأت أي جمعت، ومنه قولهم في المرأة التي لم تلد ما قرأت سلاقط، ومنه قول الشاعر [عمرو بن كلثوم] :[الوافر]
وقوله تعالى: فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ
أي قراءة الملك الرسول عنا. وقوله تعالى: فَاتَّبِعْ
يحتمل
من المعاصي وَأَخَّرَ
من الطاعات، وقال زيد بن أسلم: بِما قَدَّمَ
لنفسه من ماله وبما أخر منه للوارث، وقوله تعالى: بَلِ الْإِنْسانُ
إضراب بمعنى الترك لا على معنى إبطال القول الأول، وبَصِيرَةٌ
يحتمل أن يكون خبرا عن الإنسان ولحقته هاء التأنيث كما لحقت علامة ونسابة، والمعنى فيه وفي عقله وفطرته حجة وطليعة وشاهد مبصر على نفسه، والهاء للتأنيث، ويراد ب «البصيرة» جوارحه أو الملائكة الحفظة وهذا تأويل ابن عباس، و «المعاذير» هنا قال الجمهور: هي الأعذار جمع معذرة، وقال السدي والضحاك: هي الستور بلغة اليمن يقولون للستر المعذار، وقال الحسن: المعنى بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ
بلية ومحنة، كأنه ذهب إلى البصيرة التي هي طريقة الدم وداعية طلب الثأر وفي هذا نظر.
قوله عز وجل:
[سورة القيامة (٧٥) : الآيات ١٦ الى ٣٠]
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠)
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥)
كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠)
الضمير في بِهِ
عائد على كتاب الله تعالى ولم يجر له ذكر، ولكن القرائن تبينه، فهذا كقوله تعالى: تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص: ٣٢]، وكقوله تعالى: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ يعني النفس، واختلف المتأولون في السبب الموجب أن يؤمر رسول الله ﷺ هذا الأمر، فقال الشعبي: كان رسول الله ﷺ لحرصه على أداء الرسالة والاجتهاد في ذات الله تعالى ربما أراد النطق ببعض ما أوحي إليه قبل كمال إيراد الوحي، فأمر أن لا يجعل بالقرآن من قبل أن يفضى إليه وحيه. وجاءت هذه الآية في هذا المعنى. وقال الضحاك: كان سببها أن رسول الله ﷺ كان يخاف أن ينسى القرآن فكان يدرسه حتى غلب ذلك عليه وشق، فنزلت الآية في ذلك، وقال كثير من المفسرين وهو في صحيح البخاري عن ابن عباس: كان رسول الله ﷺ يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه مخافة أن يذهب عنه ما يوحى إليه، فنزلت الآية بسبب ذلك وأعلمه الله تعالى أنه يجمعه له في صدره، وَقُرْآنَهُ
يحتمل أن يريد به وقراءته أي تقرأه أنت يا محمد، والقرآن مصدر كالقراءة ومنه قول الشاعر [حسان بن ثابت] في عثمان رضي الله عنه وأرضاه: [البسيط]
ضحوا بأشمط عنوان السجود به | يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا |
وتأليفه في صدر صدرك فهو مصدر من قولك قرأت أي جمعت، ومنه قولهم في المرأة التي لم تلد ما قرأت سلاقط، ومنه قول الشاعر [عمرو بن كلثوم] :[الوافر]
ذراعي عيطل أدماء بكر | هجان اللون لم تقرأ جنينا |
أي قراءة الملك الرسول عنا. وقوله تعالى: فَاتَّبِعْ
يحتمل
404
أن يريد بذهنك وفكرك، أي فاستمع قراءته وقاله ابن عباس، ويحتمل أن يريد فَاتَّبِعْ
في الأوامر والنواهي، قاله ابن عباس أيضا وقتادة والضحاك. وقرأ أبو العالية: «قرته»، «فإذا قرته فاتبع قرته» بفتح القاف والراء والتاء من غير همز ولا ألف في الثالثة، وقوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ، قال قتادة وجماعة معه: معناه أن نبينه لك ونحفظكه، وقال كثير من المتأولين معناه أن تبينه أنت، وقال قتادة أيضا وغيره معناه أن نبين حلاله وحرامه ومجمله ومفسره، وقوله تعالى: كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ رجوع إلى مخاطبة قريش، فرد عليهم وعلى أقوالهم في رد الشريعة بقوله: كَلَّا ليس ذلك كما تقولون. وإنما أنتم قوم قد غلبتكم الدنيا بشهواتها، فأنتم تحبونها حبا تتركون معه الآخرة والنظر في أمرها. وقرأ الجمهور «تحبون» بالتاء على المخاطبة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والحسن ومجاهد والجحدري وقتادة «يحبون» بالياء على ذكر الغائب وكذلك «يذرون». ولما ذكر الآخرة أخبر بشيء من حال أهلها بقوله: وُجُوهٌ رفع بالابتداء وابتداء بالنكرة لأنها تخصصت بقوله يَوْمَئِذٍ وناضِرَةٌ خبر وُجُوهٌ. وقوله تعالى: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ جملة هي في موضع خبر بعد خبر، وقال بعض النحويين: ناضِرَةٌ نعت ل وُجُوهٌ، وإِلى رَبِّها ناظِرَةٌ خبر عن وُجُوهٌ، فعلى هذا كثر تخصص الوجوه فحسن الابتداء بها. وناضِرَةٌ معناه ناعمة، والنضرة النعمة وجمال البشرة، قال الحسن: وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق، وقوله تعالى: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ حمل هذه الآية أهل السنة على أنها متضمنة رؤية المؤمنين لله تعالى، وهي رؤية دون محاذاة ولا تكييف ولا تحديد كما هو معلوم، موجود لا يشبه الموجودات كذلك هو لا يشبه المرئيات في شيء، فإنه ليس كمثله شيء لا إله إلا هو، وروى عبادة بن الصامت أن النبي ﷺ قال: «حدثتكم عن الدجال أنه أعور وأن ربكم ليس بأعور وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته»، وقال الحسن: تنظرون إلى الله تعالى بلا إحاطة، وأما المعتزلة الذين ينفون رؤية الله تعالى، فذهبوا في هذه الآية إلى أن المعنى إلى رحمة ربها ناظرة أو إلى ثوابه أو ملكه، فقدروا مضافا محذوفا، وهذا وجه سائغ في العربية كما تقول، فلان ناظر إليك في كذا، أي إلى صنعك في كذا. والرواية إنما تثبتها بأدلة قاطعة غير هذه الآية، فإذا
ثبتت حسن تأويل أهل السنة في هذه الآية وقوي، وذهب بعض المعتزلة في هذه الآية إلى أن قوله إِلى ليست بحرف الجر وإنما هي إلى واحد الآلاء فكأنه قال نعمة ربها منتظرة، أو ناظِرَةٌ من النظر بالعين، ويقال نظرتك بمعنى انتظرتك، ومنه قول الحطيئة: [البسيط]
والتبساس أن يقال للناقة بس بس لتدر على الحالب، وفسر أبو عبيدة في غريبه هذا البيت على رواية أخرى وهي: طال بها حوزي وتنساسي بالنون وهو السير الشديد فتأمله، و «الباسرة» العابسة المغمومة النفوس. والبسور أشد العبوس، وإنما ذكر تعالى الوجوه لأنه فيها يظهر ما في النفس من سرور أو غم، والمراد أصحاب الوجوه، وقوله تعالى: تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ إن جعلناه بمعنى توقن فهو لم يقع بعد على ما بيناه وإن جعلنا الظن هنا على غلبته، فذلك محتمل، و «الفاقرة» : المصيبة التي تكسر فقار الإنسان، قال ابن المسيب: هي قاصمة الظهر، وقال أبو عبيدة: هي من فقرت البعير إذا وسمت أنفه بالنار، وقوله
في الأوامر والنواهي، قاله ابن عباس أيضا وقتادة والضحاك. وقرأ أبو العالية: «قرته»، «فإذا قرته فاتبع قرته» بفتح القاف والراء والتاء من غير همز ولا ألف في الثالثة، وقوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ، قال قتادة وجماعة معه: معناه أن نبينه لك ونحفظكه، وقال كثير من المتأولين معناه أن تبينه أنت، وقال قتادة أيضا وغيره معناه أن نبين حلاله وحرامه ومجمله ومفسره، وقوله تعالى: كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ رجوع إلى مخاطبة قريش، فرد عليهم وعلى أقوالهم في رد الشريعة بقوله: كَلَّا ليس ذلك كما تقولون. وإنما أنتم قوم قد غلبتكم الدنيا بشهواتها، فأنتم تحبونها حبا تتركون معه الآخرة والنظر في أمرها. وقرأ الجمهور «تحبون» بالتاء على المخاطبة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والحسن ومجاهد والجحدري وقتادة «يحبون» بالياء على ذكر الغائب وكذلك «يذرون». ولما ذكر الآخرة أخبر بشيء من حال أهلها بقوله: وُجُوهٌ رفع بالابتداء وابتداء بالنكرة لأنها تخصصت بقوله يَوْمَئِذٍ وناضِرَةٌ خبر وُجُوهٌ. وقوله تعالى: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ جملة هي في موضع خبر بعد خبر، وقال بعض النحويين: ناضِرَةٌ نعت ل وُجُوهٌ، وإِلى رَبِّها ناظِرَةٌ خبر عن وُجُوهٌ، فعلى هذا كثر تخصص الوجوه فحسن الابتداء بها. وناضِرَةٌ معناه ناعمة، والنضرة النعمة وجمال البشرة، قال الحسن: وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق، وقوله تعالى: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ حمل هذه الآية أهل السنة على أنها متضمنة رؤية المؤمنين لله تعالى، وهي رؤية دون محاذاة ولا تكييف ولا تحديد كما هو معلوم، موجود لا يشبه الموجودات كذلك هو لا يشبه المرئيات في شيء، فإنه ليس كمثله شيء لا إله إلا هو، وروى عبادة بن الصامت أن النبي ﷺ قال: «حدثتكم عن الدجال أنه أعور وأن ربكم ليس بأعور وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته»، وقال الحسن: تنظرون إلى الله تعالى بلا إحاطة، وأما المعتزلة الذين ينفون رؤية الله تعالى، فذهبوا في هذه الآية إلى أن المعنى إلى رحمة ربها ناظرة أو إلى ثوابه أو ملكه، فقدروا مضافا محذوفا، وهذا وجه سائغ في العربية كما تقول، فلان ناظر إليك في كذا، أي إلى صنعك في كذا. والرواية إنما تثبتها بأدلة قاطعة غير هذه الآية، فإذا
ثبتت حسن تأويل أهل السنة في هذه الآية وقوي، وذهب بعض المعتزلة في هذه الآية إلى أن قوله إِلى ليست بحرف الجر وإنما هي إلى واحد الآلاء فكأنه قال نعمة ربها منتظرة، أو ناظِرَةٌ من النظر بالعين، ويقال نظرتك بمعنى انتظرتك، ومنه قول الحطيئة: [البسيط]
وقد نظرتكم أبناء عائشة | للخمس طال بها حبسي وتبساسي |
405
تعالى: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ زجر آخر لقريش وتذكير لهم بموطن من مواطن الهول وأمر الله تعالى الذي لا محيد لبشر عنه وهي حالة الموت والمنازعة التي كتبها الله على كل حيوان، وبَلَغَتِ يريد النفس، والتَّراقِيَ ترقوة وهي عظام أعلى الصدر، ولكل أحد ترقوتان، لكن من حيث هذا الأمر في كثير من جمع، إذ النفس المرادة اسم جنس، والتَّراقِيَ هي موازية للحلاقيم، فالأمر كله كناية عن حال الحشرجة ونزاع الموت، يسره الله علينا بمنه، واختلف الناس في معنى قوله تعالى: مَنْ راقٍ
فقال ابن عباس والضحاك وقتادة وأبو قلابة: معناه من يرقى ويطب ويشفى ونحو هذا مما يتمناه أهل المريض، وقال ابن عباس أيضا وسليمان التيمي ومقاتل وابن سليمان: هذا القول للملائكة: والمعنى من يرقى بروحه، أي يصعد إلى السماء أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ وقرأ حفص عن عاصم بالوقف على مَنْ
ويبتدىء راقٍ
. وأدغم الجمهور، قال أبو علي: لا أعرف وجه قراءة عاصم، وكذلك قرأ «بل ران»، وقوله تعالى:
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ يريد وتيقن المريض أنه فراق الأحبة والأهل والمال والحياة، وهذا يقين فيما لم يقع بعد ولذلك استعملت فيه لفظة الظن، وقرأ ابن عباس «أيقن أنه الفراق»، وقال في تفسيره ذهب الظن واختلف في معنى قوله وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، فقال ابن عباس والحسن والربيع بن أنس وإسماعيل بن أبي خالد هذه استعارة لشدة كرب الدنيا في آخر يوم منها وشدة كرب الآخرة في أول يوم منها لأنه بين الحالين قد اختلطا له، وهذا كما تقول شمرت الحرب عن ساق، وعلى بعض التأويلات في قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [القلم: ٤٢] وقال ابن المسيب والحسن: هي حقيقة، والمراد ساق الميت عند تكفينه أي لفهما الكفن. وقال الشعبي وأبو مالك وقتادة: هو التفافهما بشدة المرض لأنه يقبض ويبسط ويركب هذا على هذا، وقال الضحاك: المراد أسوق حاضريه من الإنس والملائكة لأن هؤلاء يجهزون روحه إلى السماء وهولاء بدنه إلى قبره، وقوله تعالى: إِلى رَبِّكَ معناه إلى حكم ربك وعدله، فإما إلى جنة وإما إلى نار، والْمَساقُ مصدر من السوق.
قوله عز وجل:
[سورة القيامة (٧٥) : الآيات ٣١ الى ٤٠]
فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠)
قال جمهور المتأولين: هذه الآية كلها إنما نزلت في أبي جهل بن هشام.
قال القاضي أبو محمد: ثم كادت هذه الآية أن تصرح له في قوله تعالى: يَتَمَطَّى فإنها كانت مشية بني مخزوم، وكان أبو جهل يكثر منها، وقوله تعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى تقديره فلم يصدق ولم يصل، وهذا نحو قول الشاعر [طرفة بن العبد] :[الطويل]
فقال ابن عباس والضحاك وقتادة وأبو قلابة: معناه من يرقى ويطب ويشفى ونحو هذا مما يتمناه أهل المريض، وقال ابن عباس أيضا وسليمان التيمي ومقاتل وابن سليمان: هذا القول للملائكة: والمعنى من يرقى بروحه، أي يصعد إلى السماء أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ وقرأ حفص عن عاصم بالوقف على مَنْ
ويبتدىء راقٍ
. وأدغم الجمهور، قال أبو علي: لا أعرف وجه قراءة عاصم، وكذلك قرأ «بل ران»، وقوله تعالى:
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ يريد وتيقن المريض أنه فراق الأحبة والأهل والمال والحياة، وهذا يقين فيما لم يقع بعد ولذلك استعملت فيه لفظة الظن، وقرأ ابن عباس «أيقن أنه الفراق»، وقال في تفسيره ذهب الظن واختلف في معنى قوله وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، فقال ابن عباس والحسن والربيع بن أنس وإسماعيل بن أبي خالد هذه استعارة لشدة كرب الدنيا في آخر يوم منها وشدة كرب الآخرة في أول يوم منها لأنه بين الحالين قد اختلطا له، وهذا كما تقول شمرت الحرب عن ساق، وعلى بعض التأويلات في قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [القلم: ٤٢] وقال ابن المسيب والحسن: هي حقيقة، والمراد ساق الميت عند تكفينه أي لفهما الكفن. وقال الشعبي وأبو مالك وقتادة: هو التفافهما بشدة المرض لأنه يقبض ويبسط ويركب هذا على هذا، وقال الضحاك: المراد أسوق حاضريه من الإنس والملائكة لأن هؤلاء يجهزون روحه إلى السماء وهولاء بدنه إلى قبره، وقوله تعالى: إِلى رَبِّكَ معناه إلى حكم ربك وعدله، فإما إلى جنة وإما إلى نار، والْمَساقُ مصدر من السوق.
قوله عز وجل:
[سورة القيامة (٧٥) : الآيات ٣١ الى ٤٠]
فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠)
قال جمهور المتأولين: هذه الآية كلها إنما نزلت في أبي جهل بن هشام.
قال القاضي أبو محمد: ثم كادت هذه الآية أن تصرح له في قوله تعالى: يَتَمَطَّى فإنها كانت مشية بني مخزوم، وكان أبو جهل يكثر منها، وقوله تعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى تقديره فلم يصدق ولم يصل، وهذا نحو قول الشاعر [طرفة بن العبد] :[الطويل]