ﰡ
[الجزء الاول]
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله تعالى المتفضّل المنعم، حمدا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، فإني وتالله لمدين بالنعم الوافرة الكثيرة لله عزّ وجلّ، ولا أملك إلا لسان الحمد والشكر بكل ما أوتيت من قوة، وما أملك من حواس وأعصاب وعقل ووعي، وفي كل حين وآن، وفاء ببعض الواجب لشكر نعم الله سبحانه. والصّلاة والسّلام الأتمان الأكملان على النّبي المنقذ من الضّلالة والجهالة والرّدى، إلى نور الحق والإيمان والهدى، وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين، الذين هم قدوتنا، ولهم الفضل على جميع الأمة إلى يوم القيامة، وبعد:ما كنت لأحسب أني في حياتي أخطّ كلمة واحدة في تفسير كتاب الله وكلامه الذي أوحاه لنبيّه لأنه لا يمكن لأي عالم مهما أوتي من العلم أن يجزم بما هو المراد من كلام الله، لأن مراد الله تعالى لا يحصره بيان، ولا يقطع أحد على الإطلاق بما هو المقصود من شرع الله تعالى، ولكنها المحاولة في التبيان والتبسيط والتيسير وتقريب البعيد، وجمع المفيد، وتحقيق المتلابسات، وربط التالي لكتاب الله تعالى بما هو المطلوب منه، والمفروض شرعا عليه، من العمل بما أنزل الله حكما عربيّا «١» قائما بين الناس، وصلة بالله تعالى، وحفاظا على أمة القرآن إلى يوم الدّين.
- التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (١٦ مجلدا)، لأهل الاختصاص.
- التفسير الوجيز، للعامة وأكثرية الناس.
- التفسير الوسيط، لمتوسطي الثقافة (٣ مجلدات).
والتفسير الوسيط هذا هو الأحاديث الإذاعية التي سجّلتها، وأذيعت في الإذاعة السورية العامة، ثم في إذاعة صوت الشعب، صباح كل يوم من أيام الأسبوع ما عدا يوم الجمعة في مبدأ الأمر، لمدة ست دقائق، بعنوان (قصص من القرآن) ثم في أيام السبت والاثنين والأربعاء في إذاعة صوت الشعب، الساعة السادسة والربع، لمدة عشرة دقائق في زاوية (القرآن والحياة). وكان كل موضوع في هذا التفسير يقرع آذان السامعين، لمدة سبعة أعوام من عام (١٩٩٢- ١٩٩٨ م) شاغلا حديث الصباح بمقدار الزمن المخصص له، لكني ابتدأت الأحاديث بالقصة القرآنية، وطبع بعنوان مستقل: (القصة القرآنية- هداية وبيان)، ثم شرعت في التفسير الشامل حتى نهاية القرآن الكريم.
وربما يتساءل بعض الناس عن أوجه الشبه والاختلاف بين هذه التفاسير الثلاثة، فأقول:
- تتفق التفاسير الثلاثة في بيان مدلول الآيات بدقة وشمول، وأسلوب مبسط ميسّر، وفي معرفة أسباب نزول الآيات الصحيحة الثابتة، والاستشهاد ببعض الآيات والأحاديث الصحيحة، المناسبة في موضوعها ومغزاها مع الآية المفسّرة،
- وينفرد (التفسير المنير) ببيان أوسع وأجلى للآيات، وبالتعرف على مضامين كل سورة في بدء تفسيرها في الجملة، وعلى فضائل السّور القرآنية مما يصح من أخبارها، واستبعاد الموضوع والضعيف، وعلى مناسبات السّور القرآنية والآيات بعضها مع بعض، وعلى تفصيل وتحقيق القصص والأحداث التاريخية القديمة، ووقائع السّيرة النّبوية، واستنباط الأحكام الشّرعية بالمعنى الواسع للحكم بحيث يشمل العقيدة والعبادة، والأخلاق والآداب، والعبر والعظات، ونظام الحياة والمعاملات، وأصول الحياة الإسلامية العامة. كما يمتاز ببيان المفردات اللغوية بيانا كافيا شافيا، وبمعرفة وجوه البلاغة والإعراب، وكل ذلك مع تعقيبات وملاحظات ومقارنات وتنويه بالمعجزات، والإعجاز العلمي للقرآن الكريم بحسب تقدم العلوم العصرية.
- ويقتصر (التفسير الوجيز) على بيان المقصود بكل آية، بعبارة شاملة غير مخلّة بالمعنى المراد، ولا مبتورة، ومن غير استطراد ولا تطويل، وشرح بعض الكلمات الغامضة غموضا شديدا، وبيان أسباب النزول مع كل آية أثناء شرحها.
- وأما (التفسير الوسيط) هذا، فقد يزاد فيه تفسير بعض الآيات عما هو مذكور في (التفسير المنير)، ويشتمل على إيضاح معاني أهم الكلمات الغامضة، مع التّعرض لأسباب النزول مع كل آية. وحينئذ قد تتطابق عبارات التفاسير الثلاثة، وقد تختلف بحسب الحاجة، وبما يقتضيه المقام في تسليط الأضواء على بعض الألفاظ والجمل، وقد يذكر الوجه الإعرابي الضروري للبيان. وتميّز هذا التفسير ببساطته وعمقه في آن واحد، وبإيراد مقدمة عن كل مجموعة من الآيات، تكوّن موضوعا واحدا.
وقد سعدت كل السعادة أن أقبل الناس على التفسيرين السابقين: المنير والوجيز، لأنهم وجدوا فيهما ما يحقق بغيتهم، وما تصبو إليه نفوسهم. والله أسأل أن يديم النفع بما يعلّمنا من فضله، وأن يزيدنا علما، فإن على العالم أمانة البيان والتبليغ، على قدر الوسع والطاقة، وهو خادم العلم، وتقريبه للناس، تقبّل الله منا، وجعله في ميزان حسناتنا، وثقّل به الموازين، والله لا يضيع أجر المحسنين.
أ. د.: وهبة مصطفى الزحيلي
الاستعاذة من شر الشياطين
على الرغم من تميز الإنسان بالعقل والفكر، والمحاكمة وموازنة الأمور، فإنه لا سيما العامي، يظل ضعيفا، تتغلب عليه الأهواء، والشياطين من الإنس والجن، فينقاد لها، وتهيمن عليه فيرتجف منها، وتسيطر عليه، فلا يستطيع الفكاك منها إذا لم يلجأ لربه، أو يعتمد على إيمانه وصلته بالله تعالى. وقد علّمنا الله تعالى طريق الاستعاذة، تفضلا منه ورحمة في سورة الناس التي هي على الصحيح كالفلق مدنية وليست مكية، قال ابن عباس وقتادة وجماعة عن سورة الفلق: إنها مدنية، قال الألوسي: وهو الصحيح، لأن سبب نزولها سحر اليهود، وهم إنما سحروه عليه الصلاة والسّلام بالمدينة، كما جاء في الصحاح، فلا يلتفت لمن صحح كونها مكية، وكذا الكلام في سورة الناس، قال قتادة: هي مكية، والصحيح ما قال ابن عباس وغيره: هي مدنية، وهذا نصها:
[سورة الناس (١١٤) : الآيات ١ الى ٦]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)
«١» «٢» «٣» «٤» [الناس: ١١٤/ ١- ٦].
(٢) اسم من أسماء الشيطان، فهو الذي يوسوس للناس في صدورهم أحاديث السوء.
(٣) صيغة مبالغة، من عادته أن يخنس، أي يتأخر، وإذا زجر انزجر ورجع.
(٤) بيان للوسواس، والجنة:
الجن المستتر الذي لا يعلم به إلا الله.
وهذه صفات ثلاث لله عز وجل: الربوبية، والملك، والألوهية، فهو رب كل شيء، ومليكه، وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له، مملوكة عبيد له. وإنما قدم الربوبية لمناسبتها للاستعاذة، فهي تتضمن نعمة الصون والحماية والرعاية، ثم ذكر الملكية، لأن المستعيذ لا يجد عونا له ولا غوثا إلا مالكه، ثم ذكر الألوهية، لبيان أنه المستحق للشكر والعبادة دون سواه.
والسبب في تكرار لفظ النَّاسِ هو مزيد البيان والإظهار، والتنويه بشرف الناس، فإنهم مخلوقات الله تعالى. وإنما قال: بِرَبِّ النَّاسِ مع أنه رب جميع المخلوقات، فخص الناس بالذكر للتشريف، ولأن الاستعاذة لأجلهم.
- ألجأ إلى الله تعالى وأحتمي من شر الشيطان ذي الوسوسة، الكثيرة الخنوس، أي الاختفاء والتأخر، بذكر الله تعالى، أو الراجع على عقبه المستتر أحيانا، إذا ذكر العبد الله تعالى وتعوذ، وتذكّر فأبصر، وإذا لم يذكر الله انبسط على القلب، قال ابن عباس في هذه الآية: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل، وسوس، فإذا ذكر الله خنس.
وتذكر الله يفيد التبصر، كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف: ٧/ ٢٠١].
وكذلك يخنس الشيطان بلمّة الملك، والحياء يردع، والإيمان يزجر بقوة، فتخنس العوارض المتحركة، والشهوات العارمة، والغضب يسكن، بذكر الله تعالى. وقد
ثبت في الحديث الصحيح أنه: «ما منكم من أحد إلا وكّل به قرينه، قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير».
وموضع وسوسة الشيطان أوضحه الله تعالى بقوله الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ أي الذي يلقي خواطر السوء والشر في القلوب، وإنما ذكر الصدور لأنها تحتوي علي القلوب، والخواطر محلها القلب، كما هو المعهود في كلام العرب.
والذي يوسوس نوعان: جني وإنسي، قال الله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أي إن ذلك الموسوس إما شيطان الجن، فيوسوس في صدور الناس كما تفيد الآية المتقدمة، وإما شيطان الإنس، ووسوسته في صدور الناس أنه يري نفسه كالناصح المشفق، فيوقع في الصدر كلامه الذي أخرجه مخرج النصيحة، فيجعله فريسة وسوسة الشيطان الجني، وهذا يدل على أن الوسواس قد يكون من الجن، وقد يكون من الناس.
وقوله: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أي من الشياطين، ونفس الإنسان، ووسوسة الناس:
إنما تكون بأن يوسوس البشر بالخداع، والدعوة إلى الباطل، فهو في ذلك كالشيطان.
لكن ينبغي أن ندرك أن وسوسة الشيطان ليست قهرية، وإنما بسبب استجابة الإنسان واختياره لها، فقد يختار الإصغاء لوسوسة الشياطين، وقد يحذر عداوتهم ووسوستهم، كما جاء في آية أخرى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا [الإسراء: ١٧/ ٦٥].
[الجزء الاول]
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله تعالى المتفضّل المنعم، حمدا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، فإني وتالله لمدين بالنعم الوافرة الكثيرة لله عزّ وجلّ، ولا أملك إلا لسان الحمد والشكر بكل ما أوتيت من قوة، وما أملك من حواس وأعصاب وعقل ووعي، وفي كل حين وآن، وفاء ببعض الواجب لشكر نعم الله سبحانه. والصّلاة والسّلام الأتمان الأكملان على النّبي المنقذ من الضّلالة والجهالة والرّدى، إلى نور الحق والإيمان والهدى، وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين، الذين هم قدوتنا، ولهم الفضل على جميع الأمة إلى يوم القيامة، وبعد:ما كنت لأحسب أني في حياتي أخطّ كلمة واحدة في تفسير كتاب الله وكلامه الذي أوحاه لنبيّه لأنه لا يمكن لأي عالم مهما أوتي من العلم أن يجزم بما هو المراد من كلام الله، لأن مراد الله تعالى لا يحصره بيان، ولا يقطع أحد على الإطلاق بما هو المقصود من شرع الله تعالى، ولكنها المحاولة في التبيان والتبسيط والتيسير وتقريب البعيد، وجمع المفيد، وتحقيق المتلابسات، وربط التالي لكتاب الله تعالى بما هو المطلوب منه، والمفروض شرعا عليه، من العمل بما أنزل الله حكما عربيّا «١» قائما بين الناس، وصلة بالله تعالى، وحفاظا على أمة القرآن إلى يوم الدّين.
- التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (١٦ مجلدا)، لأهل الاختصاص.
- التفسير الوجيز، للعامة وأكثرية الناس.
- التفسير الوسيط، لمتوسطي الثقافة (٣ مجلدات).
والتفسير الوسيط هذا هو الأحاديث الإذاعية التي سجّلتها، وأذيعت في الإذاعة السورية العامة، ثم في إذاعة صوت الشعب، صباح كل يوم من أيام الأسبوع ما عدا يوم الجمعة في مبدأ الأمر، لمدة ست دقائق، بعنوان (قصص من القرآن) ثم في أيام السبت والاثنين والأربعاء في إذاعة صوت الشعب، الساعة السادسة والربع، لمدة عشرة دقائق في زاوية (القرآن والحياة). وكان كل موضوع في هذا التفسير يقرع آذان السامعين، لمدة سبعة أعوام من عام (١٩٩٢- ١٩٩٨ م) شاغلا حديث الصباح بمقدار الزمن المخصص له، لكني ابتدأت الأحاديث بالقصة القرآنية، وطبع بعنوان مستقل: (القصة القرآنية- هداية وبيان)، ثم شرعت في التفسير الشامل حتى نهاية القرآن الكريم.
وربما يتساءل بعض الناس عن أوجه الشبه والاختلاف بين هذه التفاسير الثلاثة، فأقول:
- تتفق التفاسير الثلاثة في بيان مدلول الآيات بدقة وشمول، وأسلوب مبسط ميسّر، وفي معرفة أسباب نزول الآيات الصحيحة الثابتة، والاستشهاد ببعض الآيات والأحاديث الصحيحة، المناسبة في موضوعها ومغزاها مع الآية المفسّرة،
- وينفرد (التفسير المنير) ببيان أوسع وأجلى للآيات، وبالتعرف على مضامين كل سورة في بدء تفسيرها في الجملة، وعلى فضائل السّور القرآنية مما يصح من أخبارها، واستبعاد الموضوع والضعيف، وعلى مناسبات السّور القرآنية والآيات بعضها مع بعض، وعلى تفصيل وتحقيق القصص والأحداث التاريخية القديمة، ووقائع السّيرة النّبوية، واستنباط الأحكام الشّرعية بالمعنى الواسع للحكم بحيث يشمل العقيدة والعبادة، والأخلاق والآداب، والعبر والعظات، ونظام الحياة والمعاملات، وأصول الحياة الإسلامية العامة. كما يمتاز ببيان المفردات اللغوية بيانا كافيا شافيا، وبمعرفة وجوه البلاغة والإعراب، وكل ذلك مع تعقيبات وملاحظات ومقارنات وتنويه بالمعجزات، والإعجاز العلمي للقرآن الكريم بحسب تقدم العلوم العصرية.
- ويقتصر (التفسير الوجيز) على بيان المقصود بكل آية، بعبارة شاملة غير مخلّة بالمعنى المراد، ولا مبتورة، ومن غير استطراد ولا تطويل، وشرح بعض الكلمات الغامضة غموضا شديدا، وبيان أسباب النزول مع كل آية أثناء شرحها.
- وأما (التفسير الوسيط) هذا، فقد يزاد فيه تفسير بعض الآيات عما هو مذكور في (التفسير المنير)، ويشتمل على إيضاح معاني أهم الكلمات الغامضة، مع التّعرض لأسباب النزول مع كل آية. وحينئذ قد تتطابق عبارات التفاسير الثلاثة، وقد تختلف بحسب الحاجة، وبما يقتضيه المقام في تسليط الأضواء على بعض الألفاظ والجمل، وقد يذكر الوجه الإعرابي الضروري للبيان. وتميّز هذا التفسير ببساطته وعمقه في آن واحد، وبإيراد مقدمة عن كل مجموعة من الآيات، تكوّن موضوعا واحدا.
وقد سعدت كل السعادة أن أقبل الناس على التفسيرين السابقين: المنير والوجيز، لأنهم وجدوا فيهما ما يحقق بغيتهم، وما تصبو إليه نفوسهم. والله أسأل أن يديم النفع بما يعلّمنا من فضله، وأن يزيدنا علما، فإن على العالم أمانة البيان والتبليغ، على قدر الوسع والطاقة، وهو خادم العلم، وتقريبه للناس، تقبّل الله منا، وجعله في ميزان حسناتنا، وثقّل به الموازين، والله لا يضيع أجر المحسنين.
أ. د.: وهبة مصطفى الزحيلي