ﰡ
وقال علي بن الحسين وسعيد بن جبير :" إلا أن تؤدّوا قرابتي ". وقال الحسن :{ إِلاَّ
المَوَدَّةَ في القُرْبَى } أي إلا التقرب إلى الله والتودُّد بالعمل الصالح.
قال أبو بكر : قد نَدَبَنا الله في مواضع من كتابه إلى العفو عن حقوقنا قبل الناس، فمنه قوله :﴿ وأن تعفوا أقرب للتقوى ﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ]، وقوله تعالى في شأن القصاص :﴿ فمن تصدق به فهو كفارة له ﴾ [ المائدة : ٤٥ ]، وقوله :﴿ وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ﴾ [ النور : ٢٢ ] ؛ وأحكام هذه الآي ثابتة غير منسوخة.
وقوله :﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل، ألا ترى أنه قَرَنَهُ إلى ذكر الاستجابة لله تعالى وإقامة الصلاة ؟ وهو محمول على ما ذكره إبراهيم النخعي أنهم كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلّوا أنفسهم فيجترىء الفُسَّاق عليهم، فهذا فيمن تعدَّى وبَغَى وأصَرَّ على ذلك، والموضع المأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادماً مُقْلِعاً.
وقد قال عقيب هذه الآية :﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ﴾، ومقتضى ذلك إباحة الانتصار لا الأمر به، وقد عقبه بقوله :﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾، فهو محمول على الغفران عن غير المُصِرّ، فأما المُصِرّ على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه، بدلالة الآية التي قبلها.
وحدثنا عبدالله بن محمد قال : حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبدالرزّاق عن معمر عن قتادة قوله تعالى :﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ قال : هذا فيما يكون بين الناس من القصاص، فأما لو ظلمك رجل لم يحلّ لك أن تظلمه.