ﰡ
مكية، سبع وثلاثون آية، أربعمائة وثمان وثمانون كلمة، ألفان ومائة وواحد وتسعون حرفا
حم (١) أي هذه السورة مسماة بحم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) أي تنزيل هذا الكتاب واقع من الله العزيز في ملكه الحكيم في أمره وقضائه إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) لأنه حصل في ذوات السموات والأرض أحوال دالة على وجود الله تعالى مثل مقاديرها وكيفياتها وحركاتها، ولأن الشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والبحار موجودة في السموات والأرض وهي دلالات على وجود الإله القادر الفاعل المختار. وَفِي خَلْقِكُمْ من نطفة، ثم من علقة متقلبة في أطوار مختلفة إلى تمام الخلق وَما يَبُثُّ أي وفيما ينشره مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) فإن الأجسام متساوية فاختصاص كل واحد من الأعضاء لا بد وأن يكون بتخصيص القادر المختار، وكذا انتقاله من حال إلى حال آخر. وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي وفي تعاقبهما وتفاوتهما طولا وقصرا وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ أي وفيما أنزله من السحاب من مطر فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أي بعد يبوستها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ أي وفي تقليبها من جهة إلى أخرى، ومن حال إلى حال آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥).
وقرأ حمزة والكسائي «آيات لقوم» في الموضعين بالنصب بالكسرة معطوف على «آيات» الأول الذي هو اسم «إن» والباقون بالرفع على أنه مبتدأ وخبره الظرف المقدم، وقرئ «آية» بالتوحيد، وقرأ حمزة والكسائي و «تصريف الريح» بالتوحيد. وحاصل ما ذكر هنا من الدلائل ستة على ثلاث فواصل، الأولى: للمؤمنين، الثانية: يوقنون، الثالثة: يعقلون. وسبب هذا الترتيب أنه قيل: إن كنتم من المؤمنين فافهموا هذه الدلائل، وإن كنتم لستم من المؤمنين، بل أنتم من طلاب اليقين فافهموا هذه الدلائل، وإن كنتم لستم من المؤمنين ولا من الموقنين فكونوا من العاقلين، فاجتهدوا في معرفة هذه الدلائل. وأبدى بعض المفسرين معنى لطيفا فقال: إن المصنفين إذا نظروا في السموات والأرض، وإنه لا بد لهما من صانع، آمنوا. وإذا نظروا في خلق أنفسهم ونحوها ازدادوا إيمانا فأيقنوا، فإذا نظروا في سائر الحوادث عقلوا. تِلْكَ أي الآيات
وقرأ ابن عامر، وشعبة، والكسائي بتاء الخطاب مناسبة لقوله تعالى: و «في خلقكم» وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أي كذاب أَثِيمٍ (٧) أي مبالغ في اقتراف الآثام وهو النضر بن الحرث يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ أي القرآن تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ أي يقيم على كفره إقامة بقوة مُسْتَكْبِراً عن الإيمان بآيات الله معجبا بما عنده- كان النضر يشتري من أحاديث العجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن- كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها أي حال كونه مثل غير السامع فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) على إصراره، واستكباره، وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أي أنه إذا سمع كلاما وعلم أنه من آياتنا بادر إلى الاستهزاء بالآيات كلها ولم يقتصر على الاستهزاء بما سمعه فقط. أُولئِكَ أي كل أفاك أثيم لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) أي ذو إهانة مِنْ وَرائِهِمْ أي قدامهم بعد الموت جَهَنَّمُ فإنهم متوجهون إلى ما أعد لهم أو من خلفهم جهنم لأنهم مقبلون على الدنيا معرضون عما أعد لهم وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ أي ولا ينفعهم ما ملكوه في الدنيا، ولا أصنامهم التي عبدوها وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) إلى أقصى الغايات في كونه ضررا.
هذا أي القرآن هُدىً أي في غاية الكمال في الهداية وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١).
وقرأ ابن كثير وحفص بالرفع أي لهم عذاب أليم من تجرع ماء صديد، والباقون بالجر أي لهم عذاب شديد الإيلام. اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ أي بإذنه وأنتم راكبوها فجريان السفن على وجه البحر لا يحصل إلّا بسبب ثلاثة أشياء، أحدها: الرياح التي توافق المراد، وثانيها: الماء، وثالثها: خشبة طافية لا تغوص في الماء، وهذه الثلاثة لا يقدر عليها أحد من البشر فلا بد من موجود قادر عليها وهو الله تعالى، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ. إما بسبب التجارة، أو بالغوص على اللؤلؤ والمرجان، أو باستخراج اللحم الطري وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) أي ولكي تشكروا نعمته تعالى وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ أي وسخر الله لكم الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب، والشجر، والدواب، والجبال، والبحار كائنة منه تعالى وحاصلة من عنده، فإنه تعالى موجدها بقدرته وحكمته، ثم مسخرها لخلقه.
وقرأ سلمة بن محارب «منه» على أنه فاعل «سخر» أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ذلك منه، وقرئ «منه» على أنه مفعول له. إِنَّ فِي ذلِكَ أي فيما ذكر لَآياتٍ كثيرة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) في بدائع صنع الله تعالى فإنهم يطلعون بذلك على جلائل نعمه تعالى ودقائقها
إن رؤساء قريش قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم وهو بمكة: ارجع إلى ملة آبائك فهم كانوا أفضل منك، وأسن فانزل الله تعالى هذه الآية إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي أنك لو ملت إلى أديانهم الباطلة صرت مستحقا للعذاب فهم لا يقدرون على دفع عذاب الله عنك، وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أي أن الكافرين يتولى بعضهم بعضا في الدنيا أما في الآخرة فلأولى لهم ينفعهم في إيصال الثواب وإزالة العقاب، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) أي والله ناصر المهتدين هذا أي القرآن بَصائِرُ لِلنَّاسِ فإن ما فيه من معالم الدين بمنزلة البصائر في القلوب وَهُدىً من ورطة الضلالة وَرَحْمَةٌ عظيمة لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠) أي يطلبون اليقين
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
أي أظن هؤلاء المكتسبون للسيئات أن
وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص بنصب «سواء» فهو حال من الضمير المستتر في كالذين و «محياهم ومماتهم» مرتفعان على الفاعلية، والمعنى: أحسب الكفار أن نجعل المؤمنين كائنين مثلهم حال كون الكل مستويا محياهم ومماتهم. كلا، لا يستوون في شيء منهما فإن هؤلاء في شرف الإيمان والطاعة في المحيا، وفي رضوان الله تعالى في الممات، وأولئك في ذل الكفر والمعاصي في المحيا، وفي العذاب الخالد في الممات. وقرئ «محياهم ومماتهم» بالنصب على انهما ظرفان أي حال كون كل الفريقين مستويين في محياهم ومماتهم، وقيل: إنهما بدلان من الضمير المنصوب في «نجعلهم» فيصير التقدير أن نجعل محياهم ومماتهم سواء، وقرأ الباقون برفع «سواء» على أنه خبر و «محياهم» مبتدأ والجملة في حكم المفرد في محل النصب هو بدل من المفعول الثاني وهو الكاف. ساءَ ما يَحْكُمُونَ
(٢١) قال الكلبي: إن عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة بارزوا يوم بدر عليا، وحمزة، وعبيدة بن الحرث، فقتلوا أولئك وقالوا للمؤمنين: والله ما أنتم على شيء ولو كان ما تقولون حقا لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة كما أنا أفضل حالا منكم في الدنيا فأنكر الله عليهم هذا الكلام وأنزل الله هذه الآية وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي لأجل إظهار الحق وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢) بنقص ثواب، أو بزيادة عقاب، والمعنى: أن المقصود من خلق هذا العالم إظهار العدل والرحمة، وذلك لا يتم إلّا إذا حصل البعث والقيامة، وحصل التفاوت في الدرجات والدركات بين المحقين والمبطلين، وقوله: «لتجزي» معطوف على «بالحق» لأن معنى الباء هنا للتعليل أو معطوف على علة محذوفة، والتقدير خلقها بالحق ليدل بها على قدرته ولتجزى إلخ، وجوز ابن عطية أن تكون هذه اللام لام الصيرورة أي وصار الأمر من حيث اهتدى بها قوم وضل بها آخرون، ولا وقف على قوله تعالى: «بالحق». وعند أبي حاتم فالوقف عليه تام بجعل لام «لتجزي» لام قسم أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أي أنظرت يا أشرف الخلق فرأيت من ترك متابعة الهدى وأقبل على متابعة الهوى فكان يعبد الهوى فذلك من العجب، وقرئ «آلهته هواه» لأنه كلما مال طبعه إلى شيء اتبعه فكأنه اتخذ هواه آلهة شتى يعبد كل وقت واحدا منها. روي عن أبي رجاء العطاردي انه أدرك الجاهلية، وهو ثقة- مات سنة خمس ومائة وعمره مائة وعشرون سنة- قال: كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا أحسن منه ألقيناه وأخذنا الآخر فإذا لم نجد حجرا جمعنا حشوة من تراب فحلبنا عليها ثم طفنا بها. وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وهذا إما حال من الفاعل أي عالما بأن جوهر روحه لا يقبل الصلاح أو من المفعول والمعنى وأضله وهو عالم بالحق وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ فلا يقبل المواعظ ولا يتفكر في النذر وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً أي غطاء مانعا عن الاعتبار.
بفتحها وعبد الله بضمها، فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أي من بعد إضلال الله إياه وهذه الجملة مفعول ثان ل «رأيت» أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) أي ألا تلاحظون فلا تذكرون، وقرئ «تتذكرون» بالتاءين على الأصل، وَقالُوا من غاية ضلالهم ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا أي ما الحياة إلا الحياة التي نحن فيها نَمُوتُ وَنَحْيا أي يصيبنا الموت والحياة في الدنيا، وليس وراء ذلك حياة وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ أي إلا مرور الزمان، والمعنى: أن تولد الأشخاص إنما كان بسبب حركات الأفلاك الموجبة لامتزاجات الطبائع، وإذا وقعت تلك الامتزاجات على وجه خاص حصلت الحياة، وإذا وقعت على وجه آخر حصل الموت، فالموجب للحياة والموت تأثيرات الطبائع وحركات الأفلاك ولا حاجة في هذا الباب إلى إثبات الفاعل المختار فهذه الطائفة جمعوا بين إنكار الإله والقيامة وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٢٤) أي ما لهم باقتصار الحياة على ما في الدنيا واستناد الحياة والموت إلى الدهر مستند إلى نقل، أو عقل صحيح ما هم الأقوم أمرهم الظن والتقليد وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا الدالة على قدرتنا بَيِّناتٍ أي مبيّنات لما يخالف معتقدهم
ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) في أنّا نبعث بعد الموت «وحجتهم» بالنصب خبر «كان» وإلا قالوا اسمها، فالمعنى: ما كان متمسكا لهم على إنكار البعث شيء من الأشياء إلّا هذا القول الباطل، وهو قولهم: لو صح ذلك البعث، فأتوا بآبائنا الذين ماتوا ليشهدوا لنا بصحة البعث.
وقرئ برفع «حجتهم» على أنه اسم «كان» فالمعنى: ما كان حجتهم شيئا من الأشياء إلّا هذا القول الباطل. قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ابتداء ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء آجالكم لا كما تزعمون من أنكم تحيون وتموتون بحكم الدهر، ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ أحياء بعد الموت إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ للجزاء لا رَيْبَ فِيهِ أي في جمعكم، فإن من قدر على البدء قدر على الإعادة، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ وهم القائلون ما ذكر لا يَعْلَمُونَ (٢٦) دلالة حدوث الإنسان وغيره على وجود الإله الحكيم، وإن الله تعالى لما كان قادرا على الإيجاد ابتداء وجب أن يكون قادرا على الإعادة ثانيا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي لله التصرف فيهما كما أراد وله القدرة على جميع الممكنات فيلزم كونه تعالى قادرا على الإحياء في المرة الثانية، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) أي ولله ملك يوم قيام الساعة يومئذ يظهر غبن المبطلين لأن الحياة والعقل، والصحة كلها رأس المال، والتصرف فيها لطلب سعادة الآخرة يجري مجرى تصرف التاجر في رأس المال لطلب الربح، والكفار قد أتعبوا أنفسهم في هذه التصرفات وما وجدوا منها إلّا الحرمان فكان ذلك في الحقيقة نهاية الخسران وَتَرى أيها المخاطب كُلَّ أُمَّةٍ أي كل أهل دين جاثِيَةً أي مجتمعين لا يخالطهم غيرهم، وهو حال.
وورد في الحديث: «أن الملك إذا صعد بالعمل يؤمر بالمقابلة على ما في اللوح»
«١» فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ في ذلك اليوم رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ أي في جنته ذلِكَ أي الإدخال في رحمته هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) أي الظاهر لخلوص الجنة من الأكدار
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فيقال لهم بطريق التوبيخ: أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ أي ألم تأتكم رسلي في الدنيا فلم تكن آياتي تقرأ عليكم، فَاسْتَكْبَرْتُمْ عن الإيمان بتلك الآيات وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١) أي مذنبين بإصرار الكفر وَإِذا قِيلَ لكم أي وكنتم إذا قيل لكم أيها الكفار من أي قائل كان إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالثواب والعقاب حَقٌّ أي واقع بلا شك، وقرأ الأعرج وعمرو بن فائد بفتح الهمزة على اجراء القول مجرى الظن، وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها وقرأ حمزة بالنصب عطف على «وعد الله» أي وإن الساعة آتية لا شك في وقوعها، والباقون بالرفع على الابتداء والمعنى: وقيل «والساعة لا ريب فيها». قال الأخفش: والرفع أجود في المعنى وأكثر في كلام العرب إذا جاء بعد خبران لأنه كلام مستقل بنفسه بعد مجيء الأول بتمامه. قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ أي أي شيء هي إنكارا لها إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا أي ما نقول في أمر الساعة كما قلتم إلّا بالظن لإمكانه وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢) بقيام الساعة والقوم كانوا في أمر البعث فرقتين: فرقة جازمة بنفيه. وهم المذكورون في قوله تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وفرقة كانت تشك وتتحير فيه لكثرة ما سمعوه من الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولكثرة ما سمعوه من دلائل القول بصحته، وهم المذكورون في هذه الآية وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا أي ظهر لهم في الآخرة سيئات أعمالهم في الدنيا فتصورت لهم بصورة هائلة فيعرفوا مقدار جزائها وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٣) أي أحاط بهم عقوبة استهزائهم بالرسل وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا أي قيل لهم اليوم نترككم في العذاب كما تركتم الإقرار بهذا اليوم والعدة للقائه وَمَأْواكُمُ النَّارُ أي ومستقركم نار جهنم وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) أي وما لكم أحد يخلصكم منها
وقرأ حمزة، والكسائي بفتح الياء وضم الراء والباقون بضم الياء وفتح الراء، وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) أي ولا يطلب منهم أن يرضوا بهم التوبة لفوات أوانه فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) أي فاحمدوا الله الذي هو خالق كل العالمين من الأجسام، والأرواح، والذوات، والصفات. فإن هذه الربوبية توجب الحمد على كل أحد من المخلوقين، وقرأ العامة «رب» في الثلاثة بالجر، وقرئ بالرفع على المدح بإضمار هو وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وهذا إشارة إلى أن التكبير لا بد وأن يكون بعد التحميد، وإشارة إلى وجوب كون الحامدين أن يعرفوا أنه تعالى أكبر من حمد الحامدين وأن عطاياه أجل من شكر الشاكرين، وأن الكبرياء له تعالى لا لغيره تعالى، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧) أي هو الذي يضع الأشياء في مواضعها.