تفسير سورة سورة محمد من كتاب تفسير العز بن عبد السلام
المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام
.
لمؤلفه
عز الدين بن عبد السلام
.
المتوفي سنة 660 هـ
سُورة محمد مدنية، أو إلا نزلت بعد حجة حين خرج من مكة وجعل ينظر إلى البيت وهو يبكي خزناً عليه فنزلت ﴿ وكأيّن من قرية ﴾ [ الآية : ١٣ ].
ﰡ
١ - ﴿كَفَرُواْ﴾ بالتوحيد ﴿سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه، أو عن بيت الله [١٧٩ / ب] / بمنع قاصديه إذا عرض عليهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] الدخول في الإسلام قيل نزلت في اثني عشر رجلاً من أهل مكة.
٢ - ﴿والذين آمنوا﴾ الأنصار ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ بمواساتهم في مساكنهم وأموالهم، أو خاصة في ناس من قريش ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ بهجرتهم ﴿كَفَّرَ﴾ ستر، أو غفر ﴿بَالَهُمْ﴾ حالهم، أو شأنهم، أو أمرهم.
٣ - ﴿الْبَاطِلَ﴾ الشيطان، أو إبليس ﴿اتَّبَعُواْ الحَقَّ﴾ القرآن، أو محمداً [صلى الله عليه وسلم] لمجيئه بالحق ﴿للناس﴾ محمد [صلى الله عليه وسلم]، أو عام ﴿أمثالهم﴾ صفات أعمالهم.
﴿فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم (٤) سيهديهم ويصلح بالهم (٥) ويدخلهم الجنة عرفها لهم (٦) يا أيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم (٧) والذين كفروا فتعساً لهم وأضلَّ أعمالهم (٨) ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم (٩) ﴾
٤ - ﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ عبدة الأوثان، أو كل كافر من كتابي أو مشرك إذا لم يكن ذمة أو عهد.
﴿فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ بالقتل صبراً عند القدرة، أو قتالهم بالسلاح واليدين.
﴿أَثْخَنتُمُوهُمْ﴾ ظفرتم بهم
﴿فشدوا الوثاق﴾ بالأسر
﴿منا﴾ بالعفو والإطلاق
﴿فِدَآءً﴾ بمال، أو أسير، أو بالبيع
﴿الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ أثقالها من السلاح. الوزر الثقل، وزير الملك يحمل أثقاله، أو يضعون السلاح بالهزيمة، أو الموادعة، أو أوزار كفرهم بالإسلام، أو يظهر الإسلام على الدين كله، أو ينزل عيسى بن مريم، وهي منسوخة بقوله
﴿فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ﴾ [الأنفال: ٥٧] أو محكمة فتخير الإمام بين المن والفداء، والقتل والاسترقاق
193
﴿لانتَصَرَ مِنْهُمْ﴾ بالملائكة، أو بغير قتال
﴿وَالَّذِينَ قُتِلُواْ﴾ قيل قتلى أُحد.
194
٥ - ﴿سَيَهْدِيهِمْ﴾ يحقق لهم الهداية، أو إلى محاكمة منكر ونكير في القبر أو إلى طريق الجنة.
٦ - ﴿عَرَّفَهَا﴾ بوصفها على ما يشوق إليها، أو عرفهم ما لهم فيها من الكرامة، أو طَيَّبها بأنواع الملاذ من العَرْف وهو الرائحة الطيبة، أو عرفهم مساكنهم حين لا يسألون عنها، أو وصفها لهم في الدنيا فلما دخلوها عرفوها بصفتها.
٧ - ﴿تنصروا الله﴾ دينه، أو نبيه ﴿يثبت أَقْدَامَكُمْ﴾ بالنصر، أو قلوبكم بالأمن.
٨ - ﴿فَتَعْساً﴾ خزياً، أو شقاء، أو شتماً من الله، أو هلاكاً، أو خيبة أو قبحاً، أو بعدا، أو رغما. والتعس الانحطاط والعثار.
{أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها (١٠) ذلك بأن الله مولى الذين ءامنوا وأن الكافرين لا مولى لهم (١١) إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنارُ مثوىً لهم وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكاهم فلا ناصر لهم (١٣) أفمن كان على بينةٍ من ربه كمن زين له سوءُ عمله واتبعوا أهواءهم (١٤) مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهارٌ من ماءٍ غيرِ ءاسنٍ وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغير
194
طعمه وأنهارٌ من خمرٍ لذةٍ للشاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرةٌ من ربهم كمن هو خالدٌ في النار وسُقوا ماءً حميماً فقطع أمعاءهم (١٥) }.
195
١٤ - ﴿أَفَمَن كَانَ﴾ محمد والبينة: الوحي، أو المؤمنون والبينة معجزة الرسول [صلى الله عليه وسلم]، أو الدين، أو القرآن ﴿كَمَن زُين لَهُ سوء عمله﴾ بالشرك، أو عبادة الأوثان عامة، أو في الأثنى عشر رجلاً من قريش زينها الشيطان، أو أنفسهم ﴿وَاتَّبَعُواْ﴾ يعني المنافقين، أو من زين له سوء عمله.
﴿ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال ءانفاً أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم (١٦) والذين اهتدوا زادهم هدىً وءاتاهم تقواهم (١٧) فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتةً فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم (١٨) فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم (١٩) ﴾
١٦ - ﴿مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ عبد الله بن أُبي وجماعة من المنافقين، كانوا يستمعون خطبة الجمعة فإذا سمعوا ذكر المنافقين أعرضوا فإذا خرجوا سألوا عنه، أو كانوا يحضرون مع المؤمنين فيسمعون قوله فيعيه المؤمن دون المنافق
﴿أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ ابن عباس وابن مسعود، أو أبو الدرداء، أو الصحابة قاله
195
ابن زيد
﴿أنفا﴾ قريباً، أو مبتدئاً سألوا عن ذلك استهزاء، أو بحثاً عما جهلوه.
196
١٧ - ﴿زَادَهُمْ﴾ الاستهزاء هدى، أو زادهم القرآن، أو الناسخ والمنسوخ ﴿هُدىً﴾ علماً، أو نصرة في الدين وتصديقاً للرسول [صلى الله عليه وسلم] [١٨٠ / أ] /، أو شرحاً لصدورهم، أو عملاً بما علموا مما سمعوا ﴿تَقْوَاهُمْ﴾ الخشية، أو ثواب التقوى، أو وفقهم للعمل بما فرض عليهم، أو بين لهم ما يتقون، أو ترك المنسوخ والعمل بالناسخ.
١٨ - ﴿أَشْرَاطُهَا﴾ آياتها، أو انشقاق القمر على عهد الرسول [صلى الله عليه وسلم]، أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] لأنه آخر الرسل وأمته آخر الأمم. " بعثت والساعة كهاتين " ﴿فأنى لهم﴾ فكيف لهم بالنجاة ﴿جَآءَتْهُمْ﴾ الساعة، أو الذكرى عند مجيء الساعة ﴿ذكراهم﴾ ذكيرهم بما عملوا من خير، أو شر، أو دعاؤهم بأسمائهم تبشيراً وتخويفاً. قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] :" أحسنوا أسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة يا فلان قم إلى نورك. يا فلان قم فلا نور لك ".
١٩ - ﴿فَاعْلَمْ﴾ أن الله أعلمك ﴿أَنَّهُ لآ إِلَهَ إِلا اللَّهُ﴾ هو، أو ما علمته استدلالاً فاعلمه يقيناً، أو ما ذكر عبر عن الذكر بالعلم لحدوثه عنه.
﴿ويقول الذين ءامنوا لولا أنزلت سورةٌ فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرضٌ ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم (٢٠) طاعةٌ وقولٌ معروفٌ فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم (٢١) فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم (٢٢) أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم (٢٣) ﴾
٢٠ -،
٢١ - ﴿لَوْلا نُزِّلَتْ﴾ كان المؤمنون إذا تأخر نزول القرآن اشتاقوا إليه وتمنوه ﴿مُّحْكَمَةٌ﴾ بذكر الحلال والحرام، أو بالقتال ﴿مَّرَضٌ﴾ شك لأن القلب به كالمريض ﴿فَأَوْلَى لَهُمْ﴾ وعيد كأنه قال العقاب أولى، أو أولى لهم. ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ﴾ من أن يجزعوا عن فرض الجهاد، أو طاعة وقول معروف حكاية من الله تعالى عنهم قبل فرض الجهاد ﴿مَّعْرُوفٌ﴾ الصدق والقبول، أو الإجابة بالسمع والطاعة ﴿صَدَقُواْ اللَّهَ﴾ بأعمالهم ﴿لَكَانَ خَيْراً﴾ من نفاقهم.
﴿ طاعة وقول معروف ﴾ من أن يجزعوا عن فرض الجهاد، أو طاعة وقول معروف حكاية من الله تعالى عنهم قبل فرض الجهاد ﴿ معروف ﴾ الصدق والقبول، أو الإجابة بالسمع والطاعة ﴿ صدَقوا الله ﴾ بأعمالهم ﴿ لكان خيرا ﴾ من نفاقهم.
٢٢ - ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ﴾ يا قريش، أو أيها الخوارج، أو المنافقون وهو الأظهر
﴿تَوَلَّيْتُمْ﴾ الحكم فتفسدوا بأخذ الرشا، أو توليتم أمر الأمة أن تفسدوا بالظلم، أو توليتم عن القرآن فتفسدوا بسفك الدم، أو توليتم عن الطاعة فتفسدوا بالمعاصي وقطع الأرحام.
197
﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (٢٤) إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم (٢٥) ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم (٢٦) فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم (٢٧) ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم (٢٨) ﴾
198
٢٥ - ﴿الَّذِينَ ارْتَدُّواْ﴾ اليهود كفروا بمحمد بعد علمهم أنه نبي، أو المنافقون قعدوا عن الجهاد بعدما علموه في القرآن. ﴿سَوَّلَ﴾ أعطاهم سؤالهم، أو زين لهم خطاياهم ﴿وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ أمهلهم الله بالعذاب، أو مدَّ لهم في الأمل، أو مدَّ الشيطان آمالهم بالتسويف.
٢٦ - ﴿بِأَنَّهُمْ قَالُواْ﴾ قالت اليهود للمنافقين ﴿سَنُطِيعُكُمْ﴾ في أن لا نصدق بشيء من مقالته، أو في كتم ما علمناه من نبوته، أو قال المنافقون لليهود سنطيعكم في غير القتال في بغض محمد والقعود عن نصرته، أو في الميل إليكم والمظاهرة على محمد، أو في الارتداد بعد الإيمان.
﴿أم حسبِ الذين في قلوبهم مرضٌ أن لن يخرجَ الله أضغانهم (٢٩) ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم (٣٠) ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم (٣١) ﴾
٢٩ - ﴿مَّرَضٌ﴾ نفاق، أو شك ﴿أَضْغَانَهُمْ﴾ غشهم، أو حسدهم، أو حقدهم، أو عدوانهم.
٣٠ - ﴿لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ كذبه، أو فحواه واللحن الذهاب بالكلام في غير جهته، واللحن في الإعراب الذهاب عن الصواب، ألحن بحجته أذهب بها في الجهات، فلم يتكلم بعدها منافق عند الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلا عرفه ﴿يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ يميزها أو يراها [١٨٠ / ب] /.
٣١ - ﴿الْمُجَاهِدِينَ﴾ في سبيل الله، أو الزاهدين في الدنيا ﴿وَالْصَّابِرِينَ﴾ على الجهاد، أو عن الدنيا.
﴿إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئاً وسيحبط أعمالهم (٣٢) يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم (٣٣) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفارٌ فلن يغفر الله لهم (٣٤) فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم (٣٥) ﴾
٣٣ - ﴿أطيعوا الله﴾ - تعالى - بتوحيده، ﴿والرسول﴾ [صلى الله عليه وسلم] بتصديقه، أو أطيعوا الله - تعالى - في حرمة الرسول [صلى الله عليه وسلم] والرسول [صلى الله عليه وسلم] في تعظيم الله عز وجل ﴿أَعْمَالَكُمْ﴾ حسناتكم بالمعاصي، أو لا تبطلوها بالكبائر، أو بالرياء والسمعة.
٣٥ - ﴿يتركم﴾ ينقصكم أُجُورَ أعمالكم، أو يظلمكم، أو يستلبكم، ومنه
199
فقد " وُتِرَ أهله وماله ".
﴿إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسئلكم أموالكم (٣٦) إن يسئلكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم (٣٧) هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم (٣٨) ﴾
200
٣٦ - ﴿ولا يسألكم أَمْوَالَكُمْ﴾ لنفسه، أو لا يسألكم جميعها في الزكاة ولكن بعضها، أو لا يسألكم أموالكم إنما هي أمواله وهو المنعم بها.
٣٧ - ﴿فَيُحْفِكُمْ﴾ بأخذ الجميع، أو الإلحاح وإكثار السؤال من الحفاء وهو المشي بغير حذاء، أو ﴿فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ﴾ فيجدكم تبخلوا.
٣٨ - ﴿تَتَوَلَّوْاْ﴾ عن كتابي، أو طاعتي، أو الصدقة التي أمرتكم بها أو عن هذا الأمر فلا تقبلوه
﴿قَوْماً غَيْرَكُمْ﴾ أهل اليمن، أو من شاء من سائر الناس، أو الفرس. سئل الرسول [صلى الله عليه وسلم] عن ذلك فضرب على منكب سلمان: فقال: " هذا وقومه "
﴿أَمْثَالَكُم﴾ في البخل بالنفقة في سيبل الله،
200
أو في المعصية وترك الطاعة.
201
سُورَةُ الفَتْحِ
مدنية اتفاقاً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً (١) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً (٢) وينصرك الله نصراً عزيزاً (٣)
202