تفسير سورة القيامة

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة القيامة من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَة﴾ يَقُول أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة أَنَّهَا كائنة
﴿وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفسِ اللوامة﴾ وَأقسم بِكُل نفس برة أَو فاجرة أَنَّهَا تلوم نَفسهَا يَوْم الْقِيَامَة أما المحسنة فَتَقول يَا لَيْتَني ازددت إحساناً وَأما السَّيئَة فَتَقول يَا لَيْتَني نزعت من الذُّنُوب وَذَلِكَ عِنْد مُعَاينَة الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَيُقَال هِيَ النَّفس النادمة وَيُقَال هِيَ النَّفس للائمة النادمة الَّتِي تتوب من الذُّنُوب ولامت نَفسهَا على ذَلِك وَيُقَال هِيَ النَّفس الْكَافِرَة والفاجرة
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَان﴾ أيظن الْكَافِر عدي بن ربيعَة إنكاراً مِنْهُ للبعث ﴿أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ﴾ أَن لن فَقدر أَن نجمع عِظَامه بعد بلائها وتبديلها وتفريقها
﴿بلَى قَادِرِينَ﴾ يَقُول أَنا قَادر على ذَلِك ﴿على أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾ نجمع أَصَابِعه فَيكون كَفه كخف الْبَعِير أَو كحافر الدَّوَابّ يَقُول إِنَّا قادرون على أَن نجْعَل كَفه كخف الْبَعِير فَكيف لَا نقدر على أَن نجمع عِظَامه
﴿بل يُرِيد الْإِنْسَان﴾ الْكَافِر عدى ابْن ربيعَة ﴿لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ ليقدم شَره وَيُؤَخر تَوْبَته وَيُقَال ليعْمَل بِالْفِسْقِ والفجور فِيمَا يستقبله
﴿يَسْأَلُ﴾ عدي بن ربيعَة إنكاراً مِنْهُ للبعث ﴿أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَة﴾ مَتى يكون يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ الله
﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَر﴾ أعجب الْبَصَر وَيُقَال شخص الْبَصَر
﴿وَخَسَفَ الْقَمَر﴾ ذهب ضوء الْقَمَر
﴿وَجُمِعَ الشَّمْس وَالْقَمَر﴾ كالثورين المقرونين العقيرين الأسودين فَيَرْمِي بهما فِي حجاب النُّور
﴿يَقُول الْإِنْسَان﴾ الْكَافِر عدى ابْن ربيعَة وَأَصْحَابه ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ إِذا رَأَوْا النَّار ﴿أَيْنَ المفر﴾ من النَّار والمهرب والملجأ
﴿كَلاَّ﴾ حَقًا ﴿لاَ وَزَرَ﴾ لَا جبل يواريه من النَّار وَهِي بلغَة حمير يسمون الْجَبَل وزرا وَيُقَال لاوزر وَلَا شجر وَلَا ستر وَلَا حرز وَلَا حصن وَلَا ملْجأ وَلَا منجى لَهُم من الله
﴿إِلَى رَبك﴾
493
﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿المستقر﴾ مُسْتَقر الْخَلَائق والمرجع
494
﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَان﴾ يخبر الْإِنْسَان عدي بن ربيعَة وَغَيره ﴿يَوْمَئِذِ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ بِمَا قدم من خير أَو شَرّ وَأخر بِمَا ترك من سنة صَالِحَة أَو سنة سَيِّئَة وَيُقَال بِمَا قدم من الطَّاعَة وَأخر من الْمعْصِيَة
﴿بَلِ الْإِنْسَان﴾ عدي بن ربيعَة وَغَيره ﴿على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ يَقُول من نَفسه شَاهد
﴿وَلَوْ ألْقى مَعَاذِيرَهُ﴾ وَلَو تكلم بالعذر مَا فعلت ذَلِك وَمَا قلت وَيُقَال هِيَ بَصِيرَة بعيوب غَيرهَا جاهلة غافلة عَن عُيُوب نَفسهَا
﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ﴾ بِقِرَاءَة الْقُرْآن يَا مُحَمَّد ﴿لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ بِقِرَاءَة الْقُرْآن قبل أَن يفرغ جِبْرِيل من قِرَاءَته عَلَيْك وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ بِشَيْء من الْقُرْآن لم يفرغ جِبْرِيل من آخِره حَتَّى يتَكَلَّم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأوله مَخَافَة أَن ينساه فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك
﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ﴾ جمع حفظه فِي قَلْبك ﴿وَقُرْآنَهُ﴾ وَحفظ قِرَاءَة جِبْرِيل عَلَيْك وَيُقَال تأليفه بالحلال وَالْحرَام
﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ﴾ قَرَأَهُ جِبْرِيل عَلَيْك ﴿فَاتبع قُرْآنَهُ﴾ فاقرأ أَنْت يَا مُحَمَّد خَلفه وَيُقَال إِذا ألفناه بالحلال وَالْحرَام فَاتبع تأليفه
﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر والنهى
﴿كَلاَّ﴾ حَقًا ﴿بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة﴾ الْعَمَل للدنيا
﴿وَتَذَرُونَ الْآخِرَة﴾ تتركون الْعَمَل لثواب الْآخِرَة
﴿وُجُوهٌ﴾ وُجُوه الْمُؤمنِينَ المصدقين فِي إِيمَانهم ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿نَّاضِرَةٌ﴾ حَسَنَة جميلَة ناعمة
﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ ينظرُونَ إِلَى وَجه رَبهم لَا يحجبون عَنهُ
﴿وَوُجُوهٌ﴾ وُجُوه الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿بَاسِرَةٌ﴾ كالحة يحجبون عَن رُؤْيَة رَبهم لَا ينظرُونَ إِلَيْهِ
﴿تَظُنُّ﴾ تعلم تِلْكَ الْوُجُوه ﴿أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾ شدَّة ومنكرة من الْعَذَاب
﴿كَلاَّ﴾ حَقًا ﴿إِذَا بَلَغَتِ التراقي﴾ إِذا بلغت نفس الْجَسَد إِلَى التراقي
﴿وَقِيلَ﴾ قَالَ من بِحَضْرَتِهِ من أَهله وَغَيرهم ﴿مَنْ رَاقٍ﴾ هَل من طَبِيب فيداويه وَيُقَال قَالَ الْمَلَائِكَة بَعضهم لبَعض من راق بِرُوحِهِ إِلَى الله
﴿وَظَنَّ﴾ علم الْمَيِّت حِينَئِذٍ ﴿أَنَّهُ الْفِرَاق﴾ أَن لَهُ الْفِرَاق من الدُّنْيَا
﴿والتفت السَّاق بالساق﴾ الشدَّة بالشدة شدَّة آخر يَوْم من الدُّنْيَا وَشدَّة أول يَوْم من الْآخِرَة وَيُقَال والتفت السَّاق بالساق أَي يلتوي سَاقه بالساق
﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿المساق﴾ الْمرجع مرجع الْخَلَائق
﴿فَلاَ صَدَّقَ﴾ يَعْنِي أَبَا جهل بتوحيد الله ﴿وَلاَ صلى﴾ وَلَا أسلم أَي لم يكن مُسلما من أهل الصَّلَاة
﴿وَلَكِن كَذَّبَ﴾ بتوحيد الله ﴿وَتَوَلَّى﴾ عَن الْإِيمَان
﴿ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿يتمطى﴾ بتبختر ويتبطر فَاسْتَقْبلهُ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخذه فهزه هزة أَو هزتين أَو مرّة أَو مرَّتَيْنِ
وَقَالَ ﴿أولى لَكَ فَأولى﴾ وعيداً لَك يَا أَبَا جهل وعيداً لَك
﴿ثُمَّ أولى لَكَ فَأولى﴾ احذر أَبَا جهل فَنزل الْقُرْآن كَذَلِك
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَان﴾ الْكَافِر يَعْنِي أَبَا جهل ﴿أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ مهملاً بِلَا أَمر وَلَا نهي وَلَا عظة
﴿أَلَمْ يَكُ﴾ أَبُو جهل ﴿نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ﴾ مني الرجل ﴿يمنى﴾ يهراق فِي رحم الْمَرْأَة وَيُقَال يخلق
﴿ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً﴾ ثمَّ صَار دَمًا عبيطاً ﴿فَخَلَقَ﴾ نسمَة ﴿فسوى﴾ خلقه باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين وَسَائِر الْأَعْضَاء وَجعل فِيهِ الرّوح
﴿فَجَعَلَ مِنْهُ﴾ بعد ذَلِك ﴿الزَّوْجَيْنِ الذّكر وَالْأُنْثَى﴾ وَكَانَ لَهُ ابْن عِكْرِمَة بن أبي جهل وَابْنَة جويرة بنت أبي جهل
﴿أَلَيْسَ ذَلِك﴾ أَي فعل ذَلِك ﴿بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ للبعث بلَى قَادر رَبنَا على ذَلِك أَن يحيي الْمَوْتَى كَمَا خلق آدم من التُّرَاب
494
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الانسان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاثُونَ آيَة وكلماتها مِائَتَان وَأَرْبَعُونَ كلمة وحروفها ألف وَأَرْبع وَخَمْسُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
495
Icon