تفسير سورة سورة الإنشقاق من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ
أَيْ اِنْصَدَعَتْ، وَتَفَطَّرَتْ بِالْغَمَامِ، وَالْغَمَام مِثْل السَّحَاب الْأَبْيَض.
وَكَذَا رَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : تُشَقُّ مِنْ الْمَجَرَّة.
وَقَالَ : الْمَجَرَّة بَاب السَّمَاء.
وَهَذَا مِنْ أَشْرَاط السَّاعَة وَعَلَامَاتهَا.
أَيْ اِنْصَدَعَتْ، وَتَفَطَّرَتْ بِالْغَمَامِ، وَالْغَمَام مِثْل السَّحَاب الْأَبْيَض.
وَكَذَا رَوَى أَبُو صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : تُشَقُّ مِنْ الْمَجَرَّة.
وَقَالَ : الْمَجَرَّة بَاب السَّمَاء.
وَهَذَا مِنْ أَشْرَاط السَّاعَة وَعَلَامَاتهَا.
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ
أَيْ سَمِعْت، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَسْمَع.
رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا ; وَمِنْهُ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَا أَذِنَ اللَّه لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ " أَيْ مَا اِسْتَمَعَ اللَّه لِشَيْءٍ قَالَ الشَّاعِر :
أَيْ سَمِعُوا.
وَقَالَ قُعْنُب اِبْن أُمّ صَاحِب :
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَحَقَّقَ اللَّه عَلَيْهَا الِاسْتِمَاع لِأَمْرِهِ بِالِانْشِقَاقِ.
وَقَالَ الضَّحَّاك : حُقَّتْ : أَطَاعَتْ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تُطِيع رَبّهَا، لِأَنَّهُ خَلَقَهَا ; يُقَال : فُلَان مَحْقُوق بِكَذَا.
وَطَاعَة السَّمَاء : بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَمْتَنِع مِمَّا أَرَادَ اللَّه بِهَا، وَلَا يَبْعُد خَلْق الْحَيَاة فِيهَا حَتَّى تُطِيع وَتُجِيب.
وَقَالَ قَتَادَة : حُقَّ لَهَا أَنْ تَفْعَل ذَلِكَ ; وَمِنْهُ قَوْل كُثَيِّر :
أَيْ سَمِعْت، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَسْمَع.
رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا ; وَمِنْهُ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَا أَذِنَ اللَّه لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ " أَيْ مَا اِسْتَمَعَ اللَّه لِشَيْءٍ قَالَ الشَّاعِر :
صُمٌّ إِذَا سَمِعُوا خَيْرًا ذُكِرْت بِهِ | وَإِنْ ذُكِرْت بِسُوءٍ عِنْدهمْ أَذِنُوا |
وَقَالَ قُعْنُب اِبْن أُمّ صَاحِب :
إِنْ يَأْذَنُوا رِيبَةً طَارُوا بِهَا فَرَحًا | وَمَا هُمْ أَذِنُوا مِنْ صَالِح دَفَنُوا |
وَقَالَ الضَّحَّاك : حُقَّتْ : أَطَاعَتْ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تُطِيع رَبّهَا، لِأَنَّهُ خَلَقَهَا ; يُقَال : فُلَان مَحْقُوق بِكَذَا.
وَطَاعَة السَّمَاء : بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَمْتَنِع مِمَّا أَرَادَ اللَّه بِهَا، وَلَا يَبْعُد خَلْق الْحَيَاة فِيهَا حَتَّى تُطِيع وَتُجِيب.
وَقَالَ قَتَادَة : حُقَّ لَهَا أَنْ تَفْعَل ذَلِكَ ; وَمِنْهُ قَوْل كُثَيِّر :
فَإِنْ تَكُنْ الْعُتْبَى فَأَهْلًا وَمَرْحَبًا | وَحُقَّتْ لَهَا الْعُتْبَى لَدَيْنَا وَقَلَّتْ |
وَمَا الدَّهْر إِلَّا تَارَتَانِ فَمِنْهُمَا | أَمُوت وَأُخْرَى أَبْتَغِي الْعَيْش أَكْدَح |
وَمَضَتْ بَشَاشَة كُلّ عَيْش صَالِح | وَبَقِيت أَكْدَح لِلْحَيَاةِ وَأَنْصِبُ |
وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس :" إِنَّك كَادِح " أَيْ رَاجِع " إِلَى رَبّك كَدْحًا أَيْ رُجُوعًا لَا مَحَالَة
كَدْحًا
أَيْ مُلَاقٍ رَبّك.
وَقِيلَ : مُلَاقٍ عَمَلك.
الْقُتَبِيّ " إِنَّك كَادِح " أَيْ عَامِل نَاصِب فِي مَعِيشَتك إِلَى لِقَاء رَبّك.
وَالْمُلَاقَاة بِمَعْنَى اللِّقَاء أَنْ تَلْقَى رَبّك بِعَمَلِك.
وَقِيلَ أَيْ تُلَاقِي كِتَاب عَمَلك ; لِأَنَّ الْعَمَل قَدْ اِنْقَضَى وَلِهَذَا قَالَ :
أَيْ مُلَاقٍ رَبّك.
وَقِيلَ : مُلَاقٍ عَمَلك.
الْقُتَبِيّ " إِنَّك كَادِح " أَيْ عَامِل نَاصِب فِي مَعِيشَتك إِلَى لِقَاء رَبّك.
وَالْمُلَاقَاة بِمَعْنَى اللِّقَاء أَنْ تَلْقَى رَبّك بِعَمَلِك.
وَقِيلَ أَيْ تُلَاقِي كِتَاب عَمَلك ; لِأَنَّ الْعَمَل قَدْ اِنْقَضَى وَلِهَذَا قَالَ :
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ
قَوْله تَعَالَى :" فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ " وَهُوَ الْمُؤْمِن
قَوْله تَعَالَى :" فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ " وَهُوَ الْمُؤْمِن
فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا
لَا مُنَاقَشَة فِيهِ.
كَذَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيث عَائِشَة قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ حُوسِبَ يَوْم الْقِيَامَة عُذِّبَ ) قَالَتْ : فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّه " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا " فَقَالَ :" لَيْسَ ذَاكَ الْحِسَاب ; إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْض، مَنْ نُوقِشَ الْحِسَاب يَوْم الْقِيَامَة عُذِّبَ ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ.
وَقَالَ حَدِيث حَسَن صَحِيح.
لَا مُنَاقَشَة فِيهِ.
كَذَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيث عَائِشَة قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( مَنْ حُوسِبَ يَوْم الْقِيَامَة عُذِّبَ ) قَالَتْ : فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّه " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا " فَقَالَ :" لَيْسَ ذَاكَ الْحِسَاب ; إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْض، مَنْ نُوقِشَ الْحِسَاب يَوْم الْقِيَامَة عُذِّبَ ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ.
وَقَالَ حَدِيث حَسَن صَحِيح.
وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا
أَزْوَاجه فِي الْجَنَّة مِنْ الْحُور الْعِين " مَسْرُورًا " أَيْ مُغْتَبِطًا قَرِير الْعَيْن.
وَيُقَال إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الْأَسَد، هُوَ أَوَّل مَنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة.
وَقِيلَ : إِلَى أَهْله الَّذِينَ كَانُوا لَهُ فِي الدُّنْيَا، لِيُخْبِرَهُمْ بِخَلَاصِهِ وَسَلَامَته.
وَالْأَوَّل قَوْل قَتَادَة.
أَيْ إِلَى أَهْله الَّذِينَ قَدْ أَعَدَّهُمْ اللَّه لَهُ فِي الْجَنَّة.
أَزْوَاجه فِي الْجَنَّة مِنْ الْحُور الْعِين " مَسْرُورًا " أَيْ مُغْتَبِطًا قَرِير الْعَيْن.
وَيُقَال إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الْأَسَد، هُوَ أَوَّل مَنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة.
وَقِيلَ : إِلَى أَهْله الَّذِينَ كَانُوا لَهُ فِي الدُّنْيَا، لِيُخْبِرَهُمْ بِخَلَاصِهِ وَسَلَامَته.
وَالْأَوَّل قَوْل قَتَادَة.
أَيْ إِلَى أَهْله الَّذِينَ قَدْ أَعَدَّهُمْ اللَّه لَهُ فِي الْجَنَّة.
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ
نَزَلَتْ فِي الْأَسْوَد بْن عَبْد الْأَسَد أَخِي أَبِي سَلَمَة قَالَ اِبْن عَبَّاس.
ثُمَّ هِيَ عَامَّة فِي كُلّ مُؤْمِن وَكَافِر.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَمُدُّ يَدَهُ الْيُمْنَى لِيَأْخُذ كِتَابه فَيَجْذِبهُ مَلَك، فَيَخْلَع يَمِينه، فَيَأْخُذ كِتَابه بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاء ظَهْره.
وَقَالَ قَتَادَة وَمُقَاتِل : يُفَكّ أَلْوَاح صَدْره وَعِظَامه ثُمَّ تُدْخَل يَده وَتُخْرَج مِنْ ظَهْره، فَيَأْخُذ كِتَابه كَذَلِكَ.
نَزَلَتْ فِي الْأَسْوَد بْن عَبْد الْأَسَد أَخِي أَبِي سَلَمَة قَالَ اِبْن عَبَّاس.
ثُمَّ هِيَ عَامَّة فِي كُلّ مُؤْمِن وَكَافِر.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَمُدُّ يَدَهُ الْيُمْنَى لِيَأْخُذ كِتَابه فَيَجْذِبهُ مَلَك، فَيَخْلَع يَمِينه، فَيَأْخُذ كِتَابه بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاء ظَهْره.
وَقَالَ قَتَادَة وَمُقَاتِل : يُفَكّ أَلْوَاح صَدْره وَعِظَامه ثُمَّ تُدْخَل يَده وَتُخْرَج مِنْ ظَهْره، فَيَأْخُذ كِتَابه كَذَلِكَ.
فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا
أَيْ بِالْهَلَاكِ فَيَقُول : يَا وَيْلَاه، يَا ثُبُورَاه.
أَيْ بِالْهَلَاكِ فَيَقُول : يَا وَيْلَاه، يَا ثُبُورَاه.
ﮜﮝ
ﰋ
وَيَصْلَى سَعِيرًا
أَيْ وَيَدْخُل النَّار حَتَّى يَصْلَى بَحَرِّهَا.
وَقَرَأَ الْحَرَمِيَّان وَابْن عَامِر وَالْكِسَائِيّ " وَيُصَلَّى " بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الصَّاد، وَتَشْدِيد اللَّام، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" ثُمَّ الْجَحِيم صَلُّوهُ " [ الْحَاقَّة : ٣١ ] وَقَوْله :" وَتَصْلِيَة جَحِيم " [ الْوَاقِعَة : ٩٤ ].
الْبَاقُونَ " وَيَصْلَى " بِفَتْحِ الْيَاء مُخَفَّفًا، فِعْل لَازِم غَيْر مُتَعَدٍّ ; لِقَوْلِهِ :" إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيم " [ الصَّافَّات : ١٦٣ ] وَقَوْله :" يَصْلَى النَّار الْكُبْرَى " [ الْأَعْلَى : ١٢ ] وَقَوْله " ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيم " [ الْمُطَفِّفِينَ : ١٦ ].
وَقِرَاءَة ثَالِثَة رَوَاهَا أَبَان عَنْ عَاصِم وَخَارِجَة عَنْ نَافِع وَإِسْمَاعِيل الْمَكِّيّ عَنْ اِبْن كَثِير " وَيُصْلَى " بِضَمِّ الْيَاء وَإِسْكَان الصَّاد وَفَتْح اللَّام مُخَفَّفًا ; كَمَا قُرِئَ " وَسَيُصْلَوْنَ " بِضَمِّ الْيَاء، وَكَذَلِكَ فِي " الْغَاشِيَة " قَدْ قُرِئَ أَيْضًا :" تُصْلَى نَارًا " وَهُمَا لُغَتَانِ صَلَى وَأَصْلَى ; كَقَوْلِهِ :" نَزَلَ.
وَأَنْزَلَ ".
أَيْ وَيَدْخُل النَّار حَتَّى يَصْلَى بَحَرِّهَا.
وَقَرَأَ الْحَرَمِيَّان وَابْن عَامِر وَالْكِسَائِيّ " وَيُصَلَّى " بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الصَّاد، وَتَشْدِيد اللَّام، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" ثُمَّ الْجَحِيم صَلُّوهُ " [ الْحَاقَّة : ٣١ ] وَقَوْله :" وَتَصْلِيَة جَحِيم " [ الْوَاقِعَة : ٩٤ ].
الْبَاقُونَ " وَيَصْلَى " بِفَتْحِ الْيَاء مُخَفَّفًا، فِعْل لَازِم غَيْر مُتَعَدٍّ ; لِقَوْلِهِ :" إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيم " [ الصَّافَّات : ١٦٣ ] وَقَوْله :" يَصْلَى النَّار الْكُبْرَى " [ الْأَعْلَى : ١٢ ] وَقَوْله " ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيم " [ الْمُطَفِّفِينَ : ١٦ ].
وَقِرَاءَة ثَالِثَة رَوَاهَا أَبَان عَنْ عَاصِم وَخَارِجَة عَنْ نَافِع وَإِسْمَاعِيل الْمَكِّيّ عَنْ اِبْن كَثِير " وَيُصْلَى " بِضَمِّ الْيَاء وَإِسْكَان الصَّاد وَفَتْح اللَّام مُخَفَّفًا ; كَمَا قُرِئَ " وَسَيُصْلَوْنَ " بِضَمِّ الْيَاء، وَكَذَلِكَ فِي " الْغَاشِيَة " قَدْ قُرِئَ أَيْضًا :" تُصْلَى نَارًا " وَهُمَا لُغَتَانِ صَلَى وَأَصْلَى ; كَقَوْلِهِ :" نَزَلَ.
وَأَنْزَلَ ".
إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ
أَيْ فِي الدُّنْيَا
أَيْ فِي الدُّنْيَا
مَسْرُورًا
قَالَ اِبْن زَيْد : وَصَفَ اللَّه أَهْل الْجَنَّة بِالْمَخَافَةِ وَالْحُزْن وَالْبُكَاء وَالشَّفَقَة فِي الدُّنْيَا فَأَعْقَبَهُمْ بِهِ النَّعِيم وَالسُّرُور فِي الْآخِرَة، وَقَرَأَ قَوْل اللَّه تَعَالَى :" إِنَّا كُنَّا قَبْل فِي أَهْلنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّه عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَاب السَّمُوم ".
قَالَ : وَوَصَفَ أَهْل النَّار بِالسُّرُورِ فِي الدُّنْيَا وَالضَّحِك فِيهَا وَالتَّفَكُّه.
فَقَالَ :" إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْله مَسْرُورًا "
قَالَ اِبْن زَيْد : وَصَفَ اللَّه أَهْل الْجَنَّة بِالْمَخَافَةِ وَالْحُزْن وَالْبُكَاء وَالشَّفَقَة فِي الدُّنْيَا فَأَعْقَبَهُمْ بِهِ النَّعِيم وَالسُّرُور فِي الْآخِرَة، وَقَرَأَ قَوْل اللَّه تَعَالَى :" إِنَّا كُنَّا قَبْل فِي أَهْلنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّه عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَاب السَّمُوم ".
قَالَ : وَوَصَفَ أَهْل النَّار بِالسُّرُورِ فِي الدُّنْيَا وَالضَّحِك فِيهَا وَالتَّفَكُّه.
فَقَالَ :" إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْله مَسْرُورًا "
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ
أَيْ لَنْ يَرْجِع حَيًّا مَبْعُوثًا فَيُحَاسَب، ثُمَّ يُثَاب أَوْ يُعَاقَب.
يُقَال : حَارَ يَحُور إِذَا رَجَعَ ; قَالَ لَبِيد :
وَقَالَ عِكْرِمَة وَدَاوُد بْن أَبِي هِنْد، يَحُور كَلِمَة بِالْحَبَشِيَّةِ، وَمَعْنَاهَا يَرْجِع.
وَيَجُوز أَنْ تَتَّفِقَ الْكَلِمَتَانِ فَإِنَّهُمَا كَلِمَة اِشْتِقَاق ; وَمِنْهُ الْخُبْز الْحُوَارَى ; لِأَنَّهُ يَرْجِع إِلَى الْبَيَاض.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا كُنْت أَدْرِي : مَا يَحُور ؟ حَتَّى سَمِعْت أَعْرَابِيَّة تَدْعُو بُنَيَّة لَهَا : حُورِي، أَيْ اِرْجِعِي إِلَيَّ، فَالْحَوْر فِي كَلَام الْعَرَب الرُّجُوع ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ الْحَوْر بَعْد الْكَوْر " يَعْنِي : مِنْ الرُّجُوع إِلَى النُّقْصَان بَعْد الزِّيَادَة، وَكَذَلِكَ الْحُوْر بِالضَّمِّ.
وَفِي الْمِثْل " حُوْر فِي مَحَارَة " أَيْ نُقْصَان فِي نُقْصَان.
يُضْرَب لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ أَمْره يُدْبِر، قَالَ الشَّاعِر :
وَالْحُور أَيْضًا : الِاسْم مِنْ قَوْلك : طَحَنَتْ الطَّاحِنَة فَمَا أَحَارَتْ شَيْئًا ; أَيْ مَا رَدَّتْ شَيْئًا مِنْ الدَّقِيق.
وَالْحُوْر أَيْضًا الْهَلَكَة ; قَالَ الرَّاجِز :
فِي بِئْر لَا حُوْر سَرَى وَلَا شَعَر
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : أَيْ بِئْر حُوْر، وَ " لَا " زَائِدَة.
وَرُوِيَ " بَعْد الْكَوْن " وَمَعْنَاهُ مِنْ اِنْتِشَار الْأَمْر بَعْد تَمَامه.
وَسُئِلَ مَعْمَر عَنْ الْحَوْر بَعْد الْكَوْن، فَقَالَ : هُوَ الْكُنْتِيّ.
فَقَالَ لَهُ عَبْد الرَّزَّاق : وَمَا الْكُنْتِيّ ؟ فَقَالَ : الرَّجُل يَكُون صَالِحًا ثُمَّ يَتَحَوَّل رَجُل سُوء.
قَالَ أَبُو عَمْرو : يُقَال لِلرَّجُلِ إِذَا شَاخَ : كُنْتِيّ، كَأَنَّهُ نُسِبَ إِلَى قَوْله : كُنْت فِي شَبَابِي كَذَا.
قَالَ :
عَجَنَ الرَّجُل : إِذَا نَهَضَ مُعْتَمِدًا عَلَى الْأَرْض مِنْ الْكِبَر.
وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : الْكُنْتِيّ : هُوَ الَّذِي يَقُول : كُنْت شَابًّا، وَكُنْت شُجَاعًا، وَالْكَانِيّ هُوَ الَّذِي يَقُول : كَانَ لِي مَال وَكُنْت أَهَب، وَكَانَ لِي خَيْل وَكُنْت أَرْكَب.
أَيْ لَنْ يَرْجِع حَيًّا مَبْعُوثًا فَيُحَاسَب، ثُمَّ يُثَاب أَوْ يُعَاقَب.
يُقَال : حَارَ يَحُور إِذَا رَجَعَ ; قَالَ لَبِيد :
وَمَا الْمَرْء إِلَّا كَالشِّهَابِ وُضُوئِهِ | يَحُور رَمَادًا بَعْد إِذْ هُوَ سَاطِع |
وَيَجُوز أَنْ تَتَّفِقَ الْكَلِمَتَانِ فَإِنَّهُمَا كَلِمَة اِشْتِقَاق ; وَمِنْهُ الْخُبْز الْحُوَارَى ; لِأَنَّهُ يَرْجِع إِلَى الْبَيَاض.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا كُنْت أَدْرِي : مَا يَحُور ؟ حَتَّى سَمِعْت أَعْرَابِيَّة تَدْعُو بُنَيَّة لَهَا : حُورِي، أَيْ اِرْجِعِي إِلَيَّ، فَالْحَوْر فِي كَلَام الْعَرَب الرُّجُوع ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام :" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ الْحَوْر بَعْد الْكَوْر " يَعْنِي : مِنْ الرُّجُوع إِلَى النُّقْصَان بَعْد الزِّيَادَة، وَكَذَلِكَ الْحُوْر بِالضَّمِّ.
وَفِي الْمِثْل " حُوْر فِي مَحَارَة " أَيْ نُقْصَان فِي نُقْصَان.
يُضْرَب لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ أَمْره يُدْبِر، قَالَ الشَّاعِر :
وَاسْتَعْجَلُوا عَنْ خَفِيف الْمَضْغ فَازْدَرَدُوا | وَالذَّمّ يَبْقَى وَزَاد الْقَوْم فِي حُوْر |
وَالْحُوْر أَيْضًا الْهَلَكَة ; قَالَ الرَّاجِز :
فِي بِئْر لَا حُوْر سَرَى وَلَا شَعَر
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : أَيْ بِئْر حُوْر، وَ " لَا " زَائِدَة.
وَرُوِيَ " بَعْد الْكَوْن " وَمَعْنَاهُ مِنْ اِنْتِشَار الْأَمْر بَعْد تَمَامه.
وَسُئِلَ مَعْمَر عَنْ الْحَوْر بَعْد الْكَوْن، فَقَالَ : هُوَ الْكُنْتِيّ.
فَقَالَ لَهُ عَبْد الرَّزَّاق : وَمَا الْكُنْتِيّ ؟ فَقَالَ : الرَّجُل يَكُون صَالِحًا ثُمَّ يَتَحَوَّل رَجُل سُوء.
قَالَ أَبُو عَمْرو : يُقَال لِلرَّجُلِ إِذَا شَاخَ : كُنْتِيّ، كَأَنَّهُ نُسِبَ إِلَى قَوْله : كُنْت فِي شَبَابِي كَذَا.
قَالَ :
فَأَصْبَحْت كُنْتِيًّا وَأَصْبَحْت عَاجِنًا | وَشَرُّ خِصَال الْمَرْء كُنْت وَعَاجِن |
وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : الْكُنْتِيّ : هُوَ الَّذِي يَقُول : كُنْت شَابًّا، وَكُنْت شُجَاعًا، وَالْكَانِيّ هُوَ الَّذِي يَقُول : كَانَ لِي مَال وَكُنْت أَهَب، وَكَانَ لِي خَيْل وَكُنْت أَرْكَب.
بَلَى
أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَمَا ظَنَّ، بَلْ يَحُور إِلَيْنَا وَيَرْجِع.
أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَمَا ظَنَّ، بَلْ يَحُور إِلَيْنَا وَيَرْجِع.
إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا
قَبْل أَنْ يَخْلُقهُ، عَالِمًا بِأَنَّ مَرْجِعَهُ إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : بَلَى لَيَحُورَن وَلَيَرْجِعَن.
ثُمَّ اِسْتَأْنَفَ فَقَالَ :" إِنَّ رَبّه كَانَ بِهِ بَصِيرًا " مِنْ يَوْم خَلَقَهُ إِلَى أَنْ بَعَثَهُ.
وَقِيلَ : عَالِمًا بِمَا سَبَقَ لَهُ مِنْ الشَّقَاء وَالسَّعَادَة.
قَبْل أَنْ يَخْلُقهُ، عَالِمًا بِأَنَّ مَرْجِعَهُ إِلَيْهِ.
وَقِيلَ : بَلَى لَيَحُورَن وَلَيَرْجِعَن.
ثُمَّ اِسْتَأْنَفَ فَقَالَ :" إِنَّ رَبّه كَانَ بِهِ بَصِيرًا " مِنْ يَوْم خَلَقَهُ إِلَى أَنْ بَعَثَهُ.
وَقِيلَ : عَالِمًا بِمَا سَبَقَ لَهُ مِنْ الشَّقَاء وَالسَّعَادَة.
فَلَا أُقْسِمُ
أَيْ فَأَقْسِم وَ " لَا " صِلَة.
أَيْ فَأَقْسِم وَ " لَا " صِلَة.
بِالشَّفَقِ
أَيْ بِالْحُمْرَةِ الَّتِي تَكُون عِنْد مَغِيب الشَّمْس حَتَّى تَأْتِي صَلَاة الْعِشَاء الْآخِرَة.
قَالَ أَشْهَب وَعَبْد اللَّه بْن الْحَكَم وَيَحْيَى بْن يَحْيَى وَغَيْرهمْ، كَثِير عَدَدهمْ عَنْ مَالِك : الشَّفَق الْحُمْرَة الَّتِي فِي الْمَغْرِب، فَإِذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَة فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ وَقْت الْمَغْرِب وَوَجَبَتْ صَلَاة الْعِشَاء.
وَرَوَى بْن وَهْب قَالَ : أَخْبَرَنِي غَيْر وَاحِد عَنْ عَلِيّ اِبْن أَبِي طَالِب وَمُعَاذ بْن جَبَل وَعُبَادَة بْن الصَّامِت وَشَدَّاد بْن أَوْس وَأَبِي هُرَيْرَة : أَنَّ الشَّفَق الْحُمْرَة، وَبِهِ قَالَ مَالِك بْن أَنَس.
وَذَكَر غَيْر اِبْن وَهْب مِنْ الصَّحَابَة : عُمَر وَابْن عُمَر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأَنَسًا وَأَبَا قَتَادَة وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه وَابْن الزُّبَيْر، وَمِنْ التَّابِعِينَ : سَعِيد بْن جُبَيْر، وَابْن الْمُسَيِّب وَطَاوُس، وَعَبْد اللَّه بْن دِينَار، وَالزُّهْرِيّ، وَقَالَ بِهِ مِنْ الْفُقَهَاء الْأَوْزَاعِيّ وَمَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو يُوسُف وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عُبَيْدَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَقِيلَ : هُوَ الْبَيَاض ; رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي هُرَيْرَة أَيْضًا وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وَرَوَى أَسَد بْن عَمْرو أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر أَيْضًا أَنَّهُ الْبَيَاض وَالِاخْتِيَار الْأَوَّل ; لِأَنَّ أَكْثَر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاء عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ شَوَاهِد كَلَام الْعَرَب وَالِاشْتِقَاق وَالسُّنَّة تَشْهَد لَهُ.
قَالَ الْفَرَّاء : سَمِعْت بَعْض الْعَرَب يَقُول لِثَوْبٍ عَلَيْهِ مَصْبُوغ : كَأَنَّهُ الشَّفَق وَكَانَ أَحْمَر، فَهَذَا شَاهِد لِلْحُمْرَةِ ; وَقَالَ الشَّاعِر :
وَأَحْمَر اللَّوْن كَمُحْمَرِّ الشَّفَق
وَقَالَ آخَر :
وَيُقَال لِلْمَغْرَةِ الشَّفَق.
وَفِي الصِّحَاح : الشَّفَق بَقِيَّة ضَوْء الشَّمْس وَحُمْرَتهَا فِي أَوَّل اللَّيْل إِلَى قَرِيب مِنْ الْعَتَمَة.
قَالَ الْخَلِيل : الشَّفَق : الْحُمْرَة، مِنْ غُرُوب الشَّمْس إِلَى وَقْت الْعِشَاء الْآخِرَة، إِذَا ذَهَبَ قِيلَ : غَابَ الشَّفَق.
ثُمَّ قِيلَ : أَصْل الْكَلِمَة مِنْ رِقَّة الشَّيْء ; يُقَال : شَيْء شَفَق أَيْ لَا تَمَاسُك لَهُ لِرِقَّتِهِ.
وَأَشْفَقَ عَلَيْهِ.
أَيْ رَقَّ قَلْبه عَلَيْهِ، وَالشَّفَقَة : الِاسْم مِنْ الْإِشْفَاق، وَهُوَ رِقَّة الْقَلْب، وَكَذَلِكَ الشَّفَق ; قَالَ الشَّاعِر :
فَالشَّفَق : بَقِيَّة ضَوْء الشَّمْس وَحُمْرَتهَا فَكَأَنَّ تِلْكَ الرِّقَّة عَنْ ضَوْء الشَّمْس.
وَزَعَمَ الْحُكَمَاء أَنَّ الْبَيَاض لَا يَغِيب أَصْلًا.
وَقَالَ الْخَلِيل : صَعِدْت مَنَارَة الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَرَمَقْت الْبَيَاض، فَرَأَيْته يَتَرَدَّد مِنْ أُفُق إِلَى أُفُق وَلَمْ أَرَهُ يَغِيب.
وَقَالَ اِبْن أَبِي أُوَيْس : رَأَيْته يَتَمَادَى إِلَى طُلُوع الْفَجْر قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فَلَمَّا لَمْ يَتَحَدَّد وَقْته سَقَطَ اِعْتِبَاره.
أَيْ بِالْحُمْرَةِ الَّتِي تَكُون عِنْد مَغِيب الشَّمْس حَتَّى تَأْتِي صَلَاة الْعِشَاء الْآخِرَة.
قَالَ أَشْهَب وَعَبْد اللَّه بْن الْحَكَم وَيَحْيَى بْن يَحْيَى وَغَيْرهمْ، كَثِير عَدَدهمْ عَنْ مَالِك : الشَّفَق الْحُمْرَة الَّتِي فِي الْمَغْرِب، فَإِذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَة فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ وَقْت الْمَغْرِب وَوَجَبَتْ صَلَاة الْعِشَاء.
وَرَوَى بْن وَهْب قَالَ : أَخْبَرَنِي غَيْر وَاحِد عَنْ عَلِيّ اِبْن أَبِي طَالِب وَمُعَاذ بْن جَبَل وَعُبَادَة بْن الصَّامِت وَشَدَّاد بْن أَوْس وَأَبِي هُرَيْرَة : أَنَّ الشَّفَق الْحُمْرَة، وَبِهِ قَالَ مَالِك بْن أَنَس.
وَذَكَر غَيْر اِبْن وَهْب مِنْ الصَّحَابَة : عُمَر وَابْن عُمَر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأَنَسًا وَأَبَا قَتَادَة وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه وَابْن الزُّبَيْر، وَمِنْ التَّابِعِينَ : سَعِيد بْن جُبَيْر، وَابْن الْمُسَيِّب وَطَاوُس، وَعَبْد اللَّه بْن دِينَار، وَالزُّهْرِيّ، وَقَالَ بِهِ مِنْ الْفُقَهَاء الْأَوْزَاعِيّ وَمَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو يُوسُف وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عُبَيْدَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَقِيلَ : هُوَ الْبَيَاض ; رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي هُرَيْرَة أَيْضًا وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وَرَوَى أَسَد بْن عَمْرو أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر أَيْضًا أَنَّهُ الْبَيَاض وَالِاخْتِيَار الْأَوَّل ; لِأَنَّ أَكْثَر الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاء عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ شَوَاهِد كَلَام الْعَرَب وَالِاشْتِقَاق وَالسُّنَّة تَشْهَد لَهُ.
قَالَ الْفَرَّاء : سَمِعْت بَعْض الْعَرَب يَقُول لِثَوْبٍ عَلَيْهِ مَصْبُوغ : كَأَنَّهُ الشَّفَق وَكَانَ أَحْمَر، فَهَذَا شَاهِد لِلْحُمْرَةِ ; وَقَالَ الشَّاعِر :
وَأَحْمَر اللَّوْن كَمُحْمَرِّ الشَّفَق
وَقَالَ آخَر :
قُمْ يَا غُلَام أَعْنِي غَيْر مُرْتَبِك | عَلَى الزَّمَان بِكَأْسٍ حَشْوُهَا شَفَق |
وَفِي الصِّحَاح : الشَّفَق بَقِيَّة ضَوْء الشَّمْس وَحُمْرَتهَا فِي أَوَّل اللَّيْل إِلَى قَرِيب مِنْ الْعَتَمَة.
قَالَ الْخَلِيل : الشَّفَق : الْحُمْرَة، مِنْ غُرُوب الشَّمْس إِلَى وَقْت الْعِشَاء الْآخِرَة، إِذَا ذَهَبَ قِيلَ : غَابَ الشَّفَق.
ثُمَّ قِيلَ : أَصْل الْكَلِمَة مِنْ رِقَّة الشَّيْء ; يُقَال : شَيْء شَفَق أَيْ لَا تَمَاسُك لَهُ لِرِقَّتِهِ.
وَأَشْفَقَ عَلَيْهِ.
أَيْ رَقَّ قَلْبه عَلَيْهِ، وَالشَّفَقَة : الِاسْم مِنْ الْإِشْفَاق، وَهُوَ رِقَّة الْقَلْب، وَكَذَلِكَ الشَّفَق ; قَالَ الشَّاعِر :
تَهْوَى حَيَاتِي وَأَهْوَى مَوْتهَا شَفَقًا | وَالْمَوْت أَكْرَم نَزَّالٍ عَلَى الْحُرَمِ |
وَزَعَمَ الْحُكَمَاء أَنَّ الْبَيَاض لَا يَغِيب أَصْلًا.
وَقَالَ الْخَلِيل : صَعِدْت مَنَارَة الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَرَمَقْت الْبَيَاض، فَرَأَيْته يَتَرَدَّد مِنْ أُفُق إِلَى أُفُق وَلَمْ أَرَهُ يَغِيب.
وَقَالَ اِبْن أَبِي أُوَيْس : رَأَيْته يَتَمَادَى إِلَى طُلُوع الْفَجْر قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فَلَمَّا لَمْ يَتَحَدَّد وَقْته سَقَطَ اِعْتِبَاره.
وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُد عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير قَالَ : أَنَا أَعْلَمكُمْ بِوَقْتِ صَلَاة الْعِشَاء الْآخِرَة ; كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهَا لِسُقُوطِ الْقَمَر الثَّالِثَة.
وَهَذَا تَحْدِيد، ثُمَّ الْحُكْم مُعَلَّق بِأَوَّلِ الْاسْم.
لَا يُقَال : فَيُنْقَض عَلَيْكُمْ بِالْفَجْرِ الْأَوَّل، فَإِنَّا نَقُول الْفَجْر الْأَوَّل لَا يَتَعَلَّق بِهِ حُكْم مِنْ صَلَاة وَلَا إِمْسَاك ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ الْفَجْر بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فَقَالَ :" وَلَيْسَ الْفَجْر أَنْ تَقُول هَكَذَا - فَرَفَعَ يَده إِلَى فَوْق - وَلَكِنَّ الْفَجْر أَنْ تَقُول هَكَذَا وَبَسَطَهَا " وَقَدْ مَضَى بَيَانه فِي آيَة الصِّيَام مِنْ سُورَة " الْبَقَرَة "، فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ.
وَقَالَ مُجَاهِد : الشَّفَق : النَّهَار كُلّه أَلَا تَرَاهُ قَالَ " وَاللَّيْل وَمَا وَسَقَ " وَقَالَ عِكْرِمَة : مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَار.
وَالشَّفَق أَيْضًا : الرَّدِيء مِنْ الْأَشْيَاء ; يُقَال : عَطَاء مُشَفَّق أَيْ مُقَلَّل قَالَ الْكُمَيْت :
وَهَذَا تَحْدِيد، ثُمَّ الْحُكْم مُعَلَّق بِأَوَّلِ الْاسْم.
لَا يُقَال : فَيُنْقَض عَلَيْكُمْ بِالْفَجْرِ الْأَوَّل، فَإِنَّا نَقُول الْفَجْر الْأَوَّل لَا يَتَعَلَّق بِهِ حُكْم مِنْ صَلَاة وَلَا إِمْسَاك ; لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ الْفَجْر بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فَقَالَ :" وَلَيْسَ الْفَجْر أَنْ تَقُول هَكَذَا - فَرَفَعَ يَده إِلَى فَوْق - وَلَكِنَّ الْفَجْر أَنْ تَقُول هَكَذَا وَبَسَطَهَا " وَقَدْ مَضَى بَيَانه فِي آيَة الصِّيَام مِنْ سُورَة " الْبَقَرَة "، فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ.
وَقَالَ مُجَاهِد : الشَّفَق : النَّهَار كُلّه أَلَا تَرَاهُ قَالَ " وَاللَّيْل وَمَا وَسَقَ " وَقَالَ عِكْرِمَة : مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَار.
وَالشَّفَق أَيْضًا : الرَّدِيء مِنْ الْأَشْيَاء ; يُقَال : عَطَاء مُشَفَّق أَيْ مُقَلَّل قَالَ الْكُمَيْت :