تفسير سورة الإنشقاق

التفسير الشامل
تفسير سورة سورة الإنشقاق من كتاب التفسير الشامل .
لمؤلفه أمير عبد العزيز . المتوفي سنة 2005 هـ
بيان إجمالي للسورة
هذه السورة مكية، وآياتها خمس وعشرون. وهي مبدوءة بالحديث عن أخبار القيامة وما يقع فيها من شديد النوازل والبلايا. على أن الحديث عن أخبار القيامة قد احتل شطرا كبيرا من آيات الكتاب الحكيم. ولا عجب فإن القايمة مرعبة مخوفة. وفيها من عظيم الأهوال والشدائد والفظائع ما يفوق كل تصور، وما يشده البال ويستنفر الخيال. فضلا عن كثرة الزائغين عن السبيل المستقيم، المكذبين بهذا اليوم الحافل المشهود. فلا جرم أن ذلك يقتضي إكثارا من التحذير مما يجده المكذبون الجاحدون يوم القيامة من ألوان الهوان والتنكيل.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ إذا السماء انشقت ١ وأذنت لربها وحقّت ٢ وإذا الأرض مدّت ٣ وألقت ما فيها وتخلّت ٤ وأذنت لربها وحقت ٥ ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ٦ فأما من أوتي كتابه بيمينه ٧ فسوف يحاسب حسابا يسيرا ٨ وينقلب إلى أهله مسرورا ٩ وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ١٠ فسوف يدعوا ثبورا ١١ ويصلى سعيرا ١٢ إنه كان في أهله مسرورا ١٣ إنه ظن أن لن يحور ١٤ بلى إن ربه كان به بصيرا ﴾.
ذلك إخبار من الله عن أحداث الساعة وعما يجري فيها من وقائع كونية تتغير فيها ملامح الوجود وتضطرب من شدتها أحوال الخلائق كافة. فيقول سبحانه :﴿ إذا السماء انشقت ﴾ يعني إذا تصدعت السماء وتقطعت. وجواب الشرط محذوف وتقديره : بعثتم١.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٥٠٣..
قوله :﴿ وأذنت لربها وحقت ﴾ أي سمعت السموات في تصدعها وتشققها، لربها وأطاعت له في أمره إياها بالتشقق والتصدع. أو أطاعت أمر ربها بذلك وحقيق بها أن تنقاد لأمره ولا تمتنع.
قوله :﴿ وإذا الأرض مدّت ﴾ أي بسطت وسوّيت.
قوله :﴿ وألقت ما فيها وتخلت ﴾ رمت ما في جوفها من الموتى وصارت خالية لم يبق في باطنها شيء.
قوله :﴿ وأذنت لربها وحقت ﴾ أي سمعت وأطاعت أمر ربها بإلقاء الموتى إلى ظهرها أحياء، وحقيق بها أن تسمع وتنقاد لأمر الله.
قوله :﴿ ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ﴾ الإنسان ههنا اسم جنس والمراد به ابن آدم. والكدح معناه، العمل والسعي والكدّ والكسب. والمعنى : يا ابن آدم إنك ساع إلى ربك سعيا فملاقيه به سواء كان سعيك خيرا أو شرا، فاحذر الآخرة وسوء الحساب، واعمل من الخير والطاعة ما تنجو به يوم اللقاء.
قوله :﴿ فأما من أوتي كتابه بيمينه ﴾ وذلك في يوم الحساب والناس موقون واجمون شاخصون وقد غشيهم من الذعر والكرب ما غشيهم. فمن أعطي كتاب أعماله بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا. وذلك أن ينظر في أعماله فيتجاوز له عن سيئاته، لأنه من نوقش الحساب يومئذ هلك. فالمراد بالحساب اليسير عدم المناقشة أو المساءلة بل التجاوز عن الآثام. وفي ذلك روى البخاري ومسلم والترميذي عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حوسب يوم القيامة عذّب " قالت : يا رسول الله، أليس قد قال الله ﴿ فأما من أوتي كتابه بيمينه ٧ فسوف يحاسب حسابا يسيرا ﴾ ؟ فقال : " ليس ذاك الحساب إنما ذلك العرض، من نوقش الحساب يوم القيامة عذّب ".
قوله :﴿ فسوف يحاسب حسابا يسيرا ﴾ وذلك في يوم الحساب والناس موقون واجمون شاخصون وقد غشيهم من الذعر والكرب ما غشيهم. فمن أعطي كتاب أعماله بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا. وذلك أن ينظر في أعماله فيتجاوز له عن سيئاته، لأنه من نوقش الحساب يومئذ هلك. فالمراد بالحساب اليسير عدم المناقشة أو المساءلة بل التجاوز عن الآثام. وفي ذلك روى البخاري ومسلم والترميذي عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حوسب يوم القيامة عذّب " قالت : يا رسول الله، أليس قد قال الله ﴿ فأما من أوتي كتابه بيمينه ٧ فسوف يحاسب حسابا يسيرا ﴾ ؟ فقال : " ليس ذاك الحساب إنما ذلك العرض، من نوقش الحساب يوم القيامة عذّب ".
قوله :﴿ وينقلب إلى أهله مسرورا ﴾ يعني يرجع إلى أزواجه في الجنة مغتبطا قرير العين محبورا، وقيل : إلى أهله الذين كانوا له في الدنيا ليخبرهم بنجاته وفوزه.
قوله :﴿ وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ١٠ فسوف يدعوا ثبورا ﴾ ذلك هو الشقي الخاسر الذي باء بالهلاك وسوء المصير يوم القيامة، فإنه تغلّ يمينه إلى عنقه وتجعل شماله وراء ظهره فيعطى كتابه بشماله من وراء ظهره. وحينئذ يوقن أنه خاسر وأنه في الأذلين. فما يلبث أن ﴿ يدعوا ثبورا ﴾.
قوله :﴿ يدعوا ثبورا ﴾ أي ينادي نداء الخاسر الهالك المستيئس : وا ويلاه. وا ثبوراه. وهو من قولهم : دعا فلان لهفه، إذا قال : وا لهفاه. والثبور معناه الهلاك والخسران١
وبمثل هذا النداء الحرور يصطرخ الخاسرون يوم القيامة اصطراخ اليائس المذعور. وهذه الحقيقة المريرة المرعبة عن حال الأشقياء يوم الحساب تتجلى في هاتيك الكلمات الربانية المفزعة، التي تثير بأجناسها وروعة حروفها كوامن الخشية، والفزع وتستنفر في الجنان والخيال فظاعة التصور والوجل.
إن ذلكم لهو القرآن بجلال نظمه وروعة أسلوبه.
١ مختار الصحاح ص ٨٢..
قوله :﴿ ويصلى سعيرا ﴾ أي يردها فيحترق فيها.
قوله :﴿ إنه كان في أهله مسرورا ﴾ كان في أهله في الدنيا ضاحكا منعّما مسرورا لا يعبأ بغير الشهوات ومتاع الحياة الدنيا.
قوله :﴿ إنه ظن أن لن يحور ﴾ ظن هذا الشقي الخاسر وهو في الدنيا أنه لن يرجع إلى الله ولن يبعث بعد موته.
قوله :﴿ بلى إن ربه كان به بصيرا ﴾ أي ليس الأمر كما ظن هذا الخاسر. بل إنه يحور إلينا أي يرجع بعد الممات ﴿ إن ربه كان به بصيرا ﴾ الله عالم بأنه راجع إليه. أو عالم بأعماله في الدنيا من المعاصي وأنه صائر إليه في الآخرة١.
١ تفسير القرطبي جـ ١٩ ص ٢٧٠- ٢٧٤ والكشاف جـ ٤ ص ٢٣٥ وتفسير الطبري جـ ٣٠ ص ٧٣- ٧٦..
قوله تعالى :﴿ فلا أقسم بالشّفق ١٦ والليل وما وسق ١٧ والقمر إذا اتّسق ١٨ لتركبن طبقا عن طبق ١٩ فما لهم لا يؤمنون ٢٠ وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ٢١ بل الذين كفروا يكذبون ٢٢ والله أعلم بما يوعون ٢٣ فبشرهم بعذاب أليم ٢٤ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ﴾.
يقسم الله بأجزاء مما خلق وهي : الشفق، والليل، والقمر. وله جل شأنه أن يقسم بما شاء من خلقه. والمقسوم عليه أن الناس راكبون حالا بعد حال إلى أن يلقوا ربهم يوم الحساب. وهذه حقيقة جليلة تتجلى في كلمات الله العذاب. الكلمات القرآنية النفاذة العطرة التي يفيض منها جمال النظم وحلاوة النغم مما يهيج في القلب والذهن والخيال كوامن الإعجاب والبهر والذكرى. وهو قوله سبحانه :﴿ فلا أقسم بالشفق ﴾ لا، زائدة. أي أقسم بالشفق. وهو الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة فإذا ذهب قيل : غاب الشفق وقيل : الشفق، النهار كله. والأول أظهر وهو قول أكثر العلماء.
قوله :﴿ والليل وما وسق ﴾ يعني وما جمع وضم. ومصدره الوسق، بسكون السين. وسق الشيء أي جمعه وحمله فإذا جلّل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض فاجتمعت له فقد وسقها١.
والمعنى : والليل وما جمعه وستره وأوى إليه من الدواب وغيرها. وعن ابن عباس ﴿ وما وسق ﴾ أي وما جنّ وستر. وكل شيء حملته فقد وسقته.
١ مختار الصحاحا ص ٧٢٠، ٧٢١..
قوله :﴿ والقمر إذا اتسق ﴾ أي إذا امتلأ واجتمع واستوى. او تكامل وتم واستدار.
قوله :﴿ لتركبن طبقا عن طبق ﴾ الطبق، ما طابق غيره. فيقال ما هذا بطبق لهذا أي لا يطابقه. ومنه قيل للغطاء، الطبق. ثم قيل للحال المطابقة لغيرها، طبق، فالمعنى : لتركبن حالا بعد حال ومنزلة بعد منزلة، كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول. وقيل : إن الناس يلقون يوم القيامة أحوالا وشدائد حالا بعد حال وشدة بعد شدة. فهم لما أنكروا البعث أقسم الله أن البعث قائم وأن الساعة آتية لاريب فيها، وأن الناس يلقون فيها الشدائد والأهوال إلى أن يفرغ من حسابهم، فيصير كل واحد منهم إلى ما أعده الله له من جنة أو نار.
قوله :﴿ فما لهم لا يؤمنون ﴾ الإستفهام للإنكار والتعجيب.
يعني : ما لهؤلاء المشركين لا يقرون لله بالوحدانية ولا يصدقون بالبعث والحساب، وقد أقسم الله لهم أن ذلك حق، وقد رأوا من الدلائل والحجج والبينات ما يستوجب اليقين. ألا يصدقون الله في قوله وقسمه وهو سبحانه أصدق الصادقين.
قوله :﴿ وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ﴾ أي لا يذعنون ولا يخضعون ولا تخشع له قلوبهم. وقد كان أحرى بهم وهم العرب لدى نزول القرآن أن يبادروا بالإستجابة والخشوع والتصديق، فهم أعظم الناس إدراكا لما تضمنه القرآن بروعة نظمه الباهر وكمال أسلوبه المميز الفذ من عظيم المعاني والأفكار والعبر.
قوله :﴿ بل الذين كفروا يكذبون ﴾ أي يكذبون بآيات الله وبرسوله.
قوله :﴿ والله أعلم بما يوعون ﴾ الله أعلم بما يجمعونه في صدورهم، ويضمرونه من الكفر والتكذيب والحقد والحسد. أو بما يكتمونه من الأفعال. نقول : وعى الحديث، يعيه وعيا، أي حفظه١
١ مختار الصحاح ص ٧٢٩..
قوله :﴿ فبشرهم بعذاب أليم ﴾ أي بشر هؤلاء المكذبين بآيات الله، بأن لهم من الله العذاب الموجع الشديد.
قوله :﴿ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ استثناء منقطع. أي لكن الذين آمنوا بالله وحده فشهدوا أنه الإله الواحد الخالق المقتدر، وأدوا ما فرضه عليهم، واجتنبوا ما نهاهم عنه من الذنوب والمعاصي ﴿ لهم أجر غير ممنون ﴾ أي جزاء عند الله دائم غير منقوص ولا مقطوع١.
١ تفسير الطبري جـ ٣٠ ص ٨٠ وتفسير الرازي جـ ٣١ ص ١١٠ والكشاف جـ ٤ ص ٢٣٦..
Icon