تفسير سورة الشمس

معاني القرآن
تفسير سورة سورة الشمس من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم.
وقوله عز وجل :﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحاها ﴾ ضحاها : نهارها، وكذلك قوله :﴿ والضُّحى ﴾ هو النهار بكسر الضحى : من ضحاها، وكل الآيات التي تشاكلها، وإن كان أصل بعضها بالواو.
من ذلك : تلاها، وطحاها، ودحاها لما ابتدأت السورة بحروف الياء والكسر اتّبعَها ما هو من الواو، ولو كان الابتداء للواو لجاز فتح ذلك كله. وكان حمزة يفتح ما كان من الواو، ويكسر ما كان من الياء، وذلك من قلة البصر بمجاري كلام العرب، فإذا انفرد جنس الواو فتحته، وإذا انفرد جنس الياء، فأنت فيه بالخيار إن فتحت وإن كسرت فصواب.
وقوله عز وجل :﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَها ﴾ قال الفراء : أنا أكسر كلاَّ [ ١٣٩/ا ]، يريد اتبعها يعني اتبع الشمس، ويقال : إذا تلاها فأخذ من ضوئها، وأنت قائل في الكلام : اتبعت قول أبي حنيفة، وأخذت بقول أبي حنيفة، والإتباع والتلوُّ سواء.
وقوله عز وجل :﴿ وَالنَّهارِ إِذَا جَلاَّها ﴾ :
جلّى الظلمة، فجاز الكناية عن الظلمة ولم تُذْكر لأنّ معناها معروف، ألا ترى أنك تقول : أصبَحت باردةً، وأمست باردة، وَهبت شَمالا، فكنى عن مؤنثات لم يجر لهن ذكر ؛ لأن معناها معروف.
وقوله عز وجل :﴿ فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاهَا ﴾.
عرفها سبيل الخير، وسبيل الشر، وهو مثل قوله :﴿ وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ﴾.
وقوله عز وجل :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاها ﴾.
يقول : قد أفلحت نفس زكَّاها الله، وقد خابت نفس دسّاها، ويقال : قد أفلح من زكّى نفسَه بالطاعة والصدقة، وقد خاب من دسَّى نفسه، فأخملها بترك الصدقة والطاعة، ونرى والله أعلم أنّ دسّاها من : دسّسْت، بُدّلَت بعض سيناتها ياء، كما قالوا : تظنيت من : الظن، وتقضيت يريدون : تقضضتُ من : تقضُّض البازي، وخرجت أتلعّى : ألتمس اللُّعاع أرعاه. والعرب تبدل في المشدد الحرف منه بالياء والواو من ذلك ما ذكرنا لك، وسمعت بعض بني عقيل ينشد :
يشبو بها نشجانه [ من النشيج ] ***...
هذا آخر بيت، يريد : يَشُب : يظهر، يقال : الخمار الأسود يشب لون البيضاء فجعلها واوا، وقد سمعته في غير ذلك، ويقال : دويّه وداويّه، ويقال : أما فلان فصالح وأيما، ومن ذلك قولهم : دينار أصله دِنّار، يدل على ذلك جمعهم إياه دنانير، ولم يقولوا : ديانير، وديوان كان أصله : دِوّان لجمعهم إياه : دواوين [ ١٣٩/ب ]، وديباج : ديابيج، وقيراط، قراريط، كأنه كان قِرّاط، ونرى أن دسّاها دسسها ؛ لأن البخيل يخفي منزله وماله، وأن الآخر يبرز منزله على الأشراف والروابي، لئلا يستتر عن الضيفان، ومن أراده، وكل صواب.
وقوله :﴿ بِطَغْوَاها ﴾.
أراد بطغيانها إلاّ أن الطغوى أَشكلُ برءوس الآيات ؛ فاختير لذلك. ألا ترى أنه قال :﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للهِ ﴾ ومعناه آخر دعائهم، وكذلك ﴿ دَعْوَاهُمْ فيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ ﴾ ودعاؤهم فيها هذا.
وقوله عز وجل :﴿ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاها ﴾.
يقال : إنهما كانا اثنين فلان ابن دهر، والآخر قدار، ولم يقل : أشقَيَاها، وذلك جائز لو أتى ؛ لأن العرب إذا [ أضافت ] أفعل التي يمدحون بها وتدخل فيها ( من ) إلى أسماء وحدوها في موضع الاثنين والمؤنث والجمع، فيقولون للاثنين : هذان أفضل الناس، وهذان خير الناس، ويثنون أيضا، أنشدني في تثنيته أبو القمقام الأسَدي :
ألا بكرَ الناعِي بِخيرَيْ بني أسد بعمرِ وبن مسعودٍ، وبالسِّيِّدِ الصَّمَدْ
فإِنْ تَسَلُوني بالبيانِ فإِنَّه أبو مَعْقِل لا حيَّ عنْه، ولاَ حَدَدْ
قال الفراء : أي لا يكفي عنه حيٌّ، أي لا يقال : حيَّ على فلان سواه، ولا حدد : أي لا يَحدُ عنه لا يحرم، وأنشدني آخر في التوحيد، وهو يلوم ابنين له :
يا أخبثَ الناسِ كل الناس قد علموا لو تستطيعانِ كُنا مِثْل مِعْضاد
فوحَّد، ولم يقل : يا أخبثي، وكل صواب، ومن وحَّد في الإثنين قال في الأنثى أيضا : هي أشقى القوم، ومن ثنى قال : هي شُقْيا النسوة على فُعلى.
وأنشدني المفضل الضبى :
غَبَقْتُك عُظْمَاها سَنَامًا أو انبرى برزقك براق المتون أريب
وقوله عز وجل :﴿ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ ﴾
نصبت الناقة على التحذير حذرهم إياها، وكل تحذير فهو نصب [ ١٤٠/ا ] ولو رفع على ضمير : هذه ناقة الله، فإِن العرب قد ترفعه، وفيه معنى التحذير، ألا ترى أن العرب تقول : هذا العدوُّ هذا العدوُّ فاهربوا، وفيه تحذير، وهذا الليلُ فارتحلوا، فلو قرأ قارئ بالرفع كان مصيباً أنشدني بعضهم : لجديرون بالوفاء إذا قا *** ل أَخو النجدة : السلاحُ السلاحُ
إن قومًا منهم عميرٌ وأشباهُ عُمَيْرٍ ومنهُم السَّفَّاحُ
فرفع، وفيه الأمر بلباس السلاح.
وقوله عز وجل :﴿ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا ﴾.
يقول القائل : كيف كذبوه فعقروها ؟ ونرى أن الكلام أن يقال : فعقروها فكذبوه، فيكون التكذيب بعد العقر. وقد يكون على ما ظنّ، لأنك تقول : قتلوا رسولهم فكذبوه، أي : كفى بالقتل تكذيبا، فهذا وجه، ويكون فكذبوه كلمة مكتفي بها، ويكون قوله :﴿ فعقروها ﴾ جوابا لقوله :﴿ إذ انْبَعَث أَشْقَاها ﴾، فعقروها. وكذلك جاء التفسير. ويكون مقدما وَمؤخرا ؛ لأن العقر وقع بالتكذيب، وإذا وقع الفعلان معا جاز تقديم أيهما شئت. من ذلك : أعطيتَ فأحْسنت، وإن قلت : أحسنت فأعطيت كان بذلك المعنى ؛ لأن الإعطاء هو الإِحسان، والإحسان هو الإعطاء، كذلك العقر : هو التكذيب. فقدمتَ ما شئتَ وأخرت الآخر.
ويقول القائل : كيف قال : فكذبوه ولم يكذبوه قبل ذلك إذ رضوا بأن يكون للناقة شِربٌ ولهم شِرب فجاء في التفسير : أنهم كانوا أقرُّوا بهذا غير مصدقين له :
وقوله عز وجل :﴿ فَدَمْدَمَ ﴾.
أرجف بهم. ﴿ فَسَوَّاها ﴾ عليهم.
ويقال : فسوَّاها : سوّى الأمة، أنزل العذاب بصغيرها وكبيرها بمعنى سوَّى بينهم.
وقوله عز وجل :﴿ وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾.
أهل المدينة يقرءون :«فلا يخاف عقباها » بالفاء، وكذلك هي في مصاحفهم، وأهل الكوفة والبصرة :«ولا يخاف عقباها » بالواو في التفسير أجود ؛ [ ١٤٠/ب ] لأنه جاء : عقرها ولم يخف عاقبة عقرها، فالواو ها هنا أجود، ويقال : لا يخاف عقباها. لا يخاف الله أن ترجع وتعقب بعد إهلاكه، فالفاء بهذا المعنى أجود من الواو وكل صواب.
Icon