تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
.
لمؤلفه
الصاوي
.
المتوفي سنة 1241 هـ
ﰡ
سميت بذلك لذكر قصص جملة من الأنبياء فيها. قوله: (مكية) أي نزلت قبل الهجرة باتفاق. قوله: (أو اثنتا عشر آية) هذا خلاف مرتب على الخلاف في قوله تعالى:﴿ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾[الأنبياء: ٦٦] إلى قوله:﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾[الأنبياء: ٦٧] هل هو آية واحدة أو آيتان، وأول الثانية قوله:﴿ أُفٍّ لَّكُمْ ﴾[الأنبياء: ٦٧] الخ. قوله: (أهل مكة) أشار بذلك إلى أنه من إطلاق العام وإرادة الخاص وحاصل ذلك أن كفار قريش قالوا: محمد يهددنا بالبعث والجزاء على الأعمال وهذا بعيد، فأنزل الله ﴿ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ﴾ وجه قرب الحساب أنه آت لا محالة، وكل آت قريب، أو يقال إن قربه باعتبار ما مضى من الزمان، فإن ما بقي أقل مما مضى. قوله: ﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ الجملة حالية أي قرب حسابهم، والحال أنهم غافلون معرضون غير متأهبين له، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهذه الآية، وإن كان سببها الرد على كفار مكة، إلا أن العبرة بعمومها. قوله: ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ ﴾ هذا في معنى العلة لما قبله، كأنه قال: معرضون لأنه يأتيهم من ذكر الخ. قوله: ﴿ مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ الجار والمجرور متعلق بيأتيهم. قوله: (أي لفظ قرآن) دفع بذلك ما يقال: كيف وصف الذكر بالحدوث، مع أن المراد به القرآن وهو قديم؟ فأجاب: بأن وصفه بالحدوث باعتبار ألفاظه المنزلة علينا، وأما باعتبار المدلول، وهو الوصف القائم بذاته تعالى فهو قديم، وأما ما دلت عليه الألفاظ الحادثة، فمنها ما هو قديم، كمدلول آية الكرسي والصمدية، ومنها ما هو حادث، كمدلول القصص وأخبار المتقدمين، ومنها ما هو مستحيل، كمدلول ما اتخذ الله من ولد. قوله: ﴿ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ الجملة حالية من فاعل ﴿ ٱسْتَمَعُوهُ ﴾، وكذا قوله: ﴿ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾ والمعنى ما يقرأ عليهم القرآن، إلا استمعوه في حال استهزائهم، وكون قلوبهم غافلة عن معناه، فلا يسمعونه سماع تدبر وقبول، وكل آية وردت في الكفار، جرت بذيلها على عصاة الأمة، ففي هذه الآية، تحذير لمن يستمع القرآن في حال لهوه ولعبه، وأقبح منه من يطرب سماعه، من حيث اشتماله على الأنغام المعروفة، لا من حيث بلاغته ومواعظه وأحكامه وكونه من عند الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون. قوله: (بدل من واو وأسروا النجوى) أشار بذلك إلى أن أسر فعل ماض، والواو فاعله، و ﴿ ٱلنَّجْوَى ﴾ مفعوله، و ﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ بدل، وهذه إحدى طريقتين للنحويين في الفعل الذي لحقته العلامة وأسند للظاهر، والطريقة الثانية: أن الواو حرف علامة، و ﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ فاعل وتسمى بلغة أكلوني البراغيث، ولما كانت ضعيفة، لا ينبغي حملة الآية عليها، أعرض عنها المفسر. قوله: ﴿ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾ بدل من ﴿ ٱلنَّجْوَى ﴾ مفسر لها، أي فكانوا يتناجون بذلك سراً بينهم، ثم يشيع كل واحد منهم مقالته ليضل غيره. قوله: ﴿ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ ﴾ أي تحضرونه وتقبلونه. قوله: ﴿ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ الجملة حالية من فاعل تأتون. قوله: ﴿ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ ﴾ أشار المفسر إلى أنه حال من القول، أي يعلم القول، حال كون القول كائناً في السماء والأرض. قوله: (للانتقال من غرض إلى آخر) أي فلا تقع بل في القرآن، إلا للانتقال لا للإبطال، لأنه يكون إضراباً عن الكلام السابق وإعراضاً عنه، لكونه صدر على وجه الغلط، وتنزه الله عنه، خلافاً لمن يقول إنها تأتي للإبطال، واستدل بقوله تعالى:﴿ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ﴾[الأنبياء: ٢٦]، وقوله:﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ ﴾[المؤمنون: ٧٠] ولا دليل في ذلك، لأن بل فيهما للانتقال من الإخبار بقولهم، إلى الإخبار بالواقع، فتأمل. قوله: ﴿ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ﴾ خبر لمحذوف قدره المفسر بقوله: (هو)، والجملة مقول القول. قوله: ﴿ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ أي يأتي بكلام يخيل للسامع معاني لا حقيقة لها، وليس المراد بالشعر هنا، وخصوص الكلام والمقفى الموزون قصداً، بل ما هو أعم. قوله: ﴿ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ ﴾ جواب شراط مقدر، كأنه قيل: وإن لم يكن كما قلنا، بل كان رسولاً كما يزعم فليأتنا الخ. قوله: ﴿ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ ﴾ صفة لمصدر محذوف، والتقدير إتياناً كائناً مثل إرسال الأولين.
قوله: ﴿ مِّن قَرْيَةٍ ﴾ ﴿ مِّن ﴾ زائدة في الفاعل. قوله: (لا) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا ﴾ رد لقولهم﴿ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾[الأنبياء: ٣].
قوله: ﴿ نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ ﴾ أي يأتيهم الوحي بالشرائع والأحكام، والمعنى ما أرسلنا إلى الأمم قبل إرسالك لأمتك، إلا رجالاً من أفراد جنسك متأهلين للإرسال. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ ﴾ أي المطلعين على أحوال الرسل الماضية، فإنهم يخبرونكم بحقيقة الحال. قوله: (العلماء بالتوراة والإنجيل) إنما أحالهم عليهم، لأنهم كانوا يرسلون للمشركين، أن ابقوا على ما أنتم عليه من التكذيب ونحن معكم، فهم مشتركون في العداوة لرسول الله وأصحابه، فلا يكذبونهم فيما هم فيه. قوله: (من تصديق المؤمنين) المصدر مضاف لمفعوله، والفاعل محذوف، أي أقرب من تصديقكم المؤمنين. والمعنى إذا أخبركم المؤمنون بحال محمد، وحال الرسل المتقدمين، وأخبركم أهل الكتاب بذلك، صدقتم أهل الكتاب دون المؤمنين، لألفتكم أهل الكتاب وعداوتكم للمؤمنين. قوله: ﴿ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ ﴾ رد لقولهم﴿ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ ﴾[الفرقان: ٧] والمعنى لم نجعلهم ملائكة، بل جعلناهم بشراً يأكلون الطعام. قوله: ﴿ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ ﴾ أي ماكثين على سبيل الخلود في الدنيا، بل يموتون كغيرهم. قوله: ﴿ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ ﴾ أي بإهلاك أعدائهم. قوله: (بإنجائهم) محمول على الرسل الذين أمروا بالجهاد، فلا يرد من قتل من الرسل، فإنهم لم يؤمروا بالجهاد. قوله: ﴿ وَمَن نَّشَآءُ ﴾ أي المؤمنين الذين اتبعوهم. وقد وقع ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كبراء أصحابه الذين حضروا مغازيه، لم يموتوا في حروبه، بل بقوا بعده ومهدوا دينه.
قوله: ﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً ﴾ كلام مستأنف قصد به التبكيت عليهم. والمعنى: كيف تعرضون عن كتاب فيه شرفكم وعزكم، لأنه بلسانكم وعلى لغتكم، فكان بمقتضى الحمية والعقل، أن تعظموا هذا الكتاب، وهذا النبي الذي جاء به، وتكونوا أول مؤمن به؛ فإعراضكم عنه دليل على عدم عقلكم. قوله: ﴿ فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ أي الثناء عليكم بالجميل، أو شرفكم ومواعظكم. وقوله: ﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير أجهلتم فلا تعقلون أن الأمر كذلك؟قوله: ﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ ﴿ كَمْ ﴾ خبرية مفعول مقدم لقصمنا، و ﴿ مِن قَرْيَةٍ ﴾ بيان لكم قوله: (أي أهلها) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف، والمقصود من هذه الآية، تحذير الكفار من هذه الأمة، عن عدم الإيمان والرجوع عن الكفر، بأنهم لا يغرنهم سعة الدنيا عليهم، والتفاخر بالأموال والأولاد، كأن الله يقول لهم: لا تغتروا بذلك، فإننا أهلكنا كثيراً من أهل القرى الكفار، وما جرى عليهم يجري عليكم، وأهل القرى: قيل المراد بهم الأمم الماضية، كقوم نوح ولوط وصالح وشعيب وغيرهم، وقيل المراد بهم أهل قرية باليمن تسمى حضور بوزن شكور، بعث الله عليهم موسى بن ميشا بن يوسف بن يعقوب نبياً قبل موسى بن عمران، فكذبوه وقتلوه، فسلط الله عليهم بختنصر، فقتل رجالهم وسبى نساءهم، فلما استمر فيهم القتل هربوا، فقالت الملائكة لهم استهزاء: لا تركضوا وارجعوا إلى مساكنكم وأموالكم، لعلكم تسألون شيئا من دنياكم، فإنكم أهل نعمة وغنى، فاتبعهم بختنصر وأخذتهم السيوف، ونادى منادي من جو السماء: يا ثارات الأنبياء، فلما رأوا ذلك أقروا بالذنوب، حيث لم ينفعهم، فعلى القول الأول كم واقعة على القرى، وعلى الثاني واقعة على أشخاص تلك القرية. قوله: (أي شعر أهل القرية) بفتح العين بمعنى علم، وأما بالضم فمعناه تكلم بالشعر ضد النثر قوله: (يهربون) أي فالركض كناية عن الهرب. قوله: (استهزاء بهم) جواب عما يقال: إن الملائكة معصومون من الكذب، فكيف يقولون لهم ذلك، مع علمهم بأنهم مهلكون عن آخرهم؟ فأجاب بأن هذا القول ليس على حقيقته، بل سخرية بهم على حد:﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ ﴾[الدخان: ٤٩].
قوله: ﴿ وَمَسَاكِنِكُمْ ﴾ بالجر عطفاً على ﴿ مَآ ﴾.
قوله: (شيئاً من دنياكم) أي فأنتم أهل سخاء وغنى تعطون الفقراء، وهذا توبيخ وتهكم بهم. قوله: (بالكفر) أي وقتل موسى.
قوله: ﴿ فَمَا زَالَت ﴾ ما نافية، وزال فعل ماضٍ ناقص، و ﴿ تِلْكَ ﴾ اسمها و ﴿ دَعْوَاهُمْ ﴾ خبرها. قوله: (الكلمات) المراد بها قولهم﴿ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾[الأنبياء: ١٤].
قوله: ﴿ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ ﴾ أي رجالهم، وأما النساء فقد سباهم بختنصر كما تقدم، وكلام المفسر يفيد أن هذه الآية حكاية عن أهل حضور. قوله: (كخمود النار) أي سكون لهبها مع بقاء جمرها، وأما الهمود، فهو عبارة عن ذهاب النار بالكلية حتى تصير رماداً. قوله: ﴿ لَـٰعِبِينَ ﴾ حال من فاعل ﴿ خَلَقْنَا ﴾ وهو محط النفي. قوله: (بل دالين على قدرتنا) ويسبحوننا بدليل قوله تعالى:﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾[الإسراء: ٤٤].
قوله: (ونافعين لعبادنا) أي وتفصيل جهات النفع بها، لا يعلمها إلا الله تعالى. قوله: ﴿ لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً ﴾ رد على من أثبت الولد والزوجة لله. قوله: ﴿ لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ ﴾ جواب ﴿ لَوْ ﴾ واستثناء نقيض التالي ينتج نقيض المقدم. والمعنى لو تعلقت إرادتنا باتخاذ الزوجة والولد، لاتخذناه من عندنا، لكنا لم نتخذه، فلم تتعلق به إرادتنا لاستحالة ذلك علينا. قوله: ﴿ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ يحتمل أن تكون ﴿ إِن ﴾ نافية أي ما كنا فاعلين. قوله: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ ﴾ أي شأننا أن نؤيد الحق ونذهب الباطل. قوله: ﴿ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ (الله به) أشار بذلك إلى أن ما موصولة والعائد محذوف، ويصح أن تكون مصدرية. والمعنى ولكم الويل من أجل وصفكم إياه بما لا يليق. قوله: (أي الملائكة) عبر عنهم بالعندية، إشارة إلى أنهم في مكانة وشرف ورفعة. قوله: ﴿ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ أي يتكبرون. قوله: ﴿ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ أي لا يكلون ولا يتعبون. قوله: ﴿ يُسَبِّحُونَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ ﴾ المقصود من هذا الإخبار، تحريض المؤمنين على الطاعات وتبكيت الكفار على تركها، لأن العبادة والتسبيح، وصف أهل القرب والشرف، وتركها وصف أهل البعد والخسة. قوله: (فهو منهم كالنفس منا) أي فهو سجية وطبيعة لهم، ولا يشغلهم التسبيح عن غيره، كلعن الكفرة، ونزول الأرض، وتبليغ الأحكام، وغير ذلك، كما أن اشتغالنا بالنفس لا يمنعنا الكلام. إن قلت: إن هذا قياس مع الفارق، لأن آلة النفس غير آلة الكلام، وأما التسبيح واللعن، فهما من جنس الكلام، فاجتماعهما محال. أجيب: بأن الملائكة لهم ألسنة كثيرة، بعضها يسبحون الله به، وبعضها يلعنون أعداء الله به، فلا يقاسون على بني آدم. قوله: (وهمزة الإنكار) أي وهو راجع لقوله: ﴿ هُمْ يُنشِرُونَ ﴾.
قوله: ﴿ هُمْ يُنشِرُونَ ﴾ أي حيث ادعوا أنها آلهة لزمهم ما ذكر ضمناً والتزاماً، وإلا فهم لم يدعوا أنها تحيي الموتى.
قوله: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ ﴿ لَوْ ﴾ حرف شرط، و ﴿ كَانَ ﴾ تامة فعل الشرط و ﴿ آلِهَةٌ ﴾ فاعلها، و ﴿ فِيهِمَآ ﴾ متعلق بكان، و ﴿ إِلاَّ ﴾ بمعنى غير صفة لآلهة، ظهر إعرابها فيما بعدها، وقوله: ﴿ لَفَسَدَتَا ﴾ جواب الشرط، ففعل الشرط يقال له المقدم، وجوابه يقال له التالي، واستثناء نقيض التالي، ينتج نقيض المقدم. المعنى لكنهما لم تفسدا، فلم يكن فيهما آلهة غير الله، والجمع في ﴿ آلِهَةٌ ﴾ ليس قيداً، وكذا قوله: ﴿ فِيهِمَآ ﴾ وإنما أتى بذلك، رداً على الكفار في اتخاذهم الآلهة في السماء والأرض. قوله: (أي غيره) أشار بذلك إلى أن ﴿ إِلاَّ ﴾ صفة بمعنى غير، فهي اسم، لكن لم يظهر إعرابها به إلا فيما بعدها، لكونها على صورة الحرف، ولا يجوز أن تكون أداة استثناء، لا من جهة المعنى، ولا من جهة اللفظ، أما الأول فلأنه يلزم منه نفي التوحيد، إذ التقدير: لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا، فيقتضي بمفهومه، أنه لو كان فيهما آلهة فيهم الله لم تفسدا وهو باطل، وأما الثاني: فلأن المستثنى منه يشترط أن يكون عاماً، وآلهة جمع منكر في الإثبات، فلا عموم له، فلا يصح الاستثناء منه. قوله: (لوجود التمانع بينهم) أي التخالف بين الآلهة، ويسمى الدليل على ذلك، ببرهان التمانع والتطارد في فرض اختلافهما. وتقريره أن يقال: لو فرض إلهان متصفان بصفات الألوهية، وأراد أحدهما إيجاد شيء والآخر إعدامه، فإما أن يتم مرادهما معاً وهو باطل، للزوم اجتماع الضدين، أو لا يتم مرادهما معاً وهو باطل، للزوم عجز من لا يتم مراده، وعجز من يتم مراده أيضاً، لوجود المماثلة بينهما، فبطل التعدد وثبت الوحدانية، وإذا فرض اتفاقهما، فهو باطل، لوجود برهان التوارد، وتقريره أيضاً أن يقال: لو فرض إلهان، وأرادا معاً إيجاد شيء، فإما أن يحصل بإرادتهما معاً وذلك باطل، لأنه يلزم عليه اجتماع مؤثرين على أثر واحد، أو يسبق أحدهما إلى إيجاده، فيلزم عليه عجز الآخر، أو تحصيل الحاصل، ويلزم عجز الأول، لوجود المماثلة بينهما، واعلم أن الدليل على ثبوت الوحدانية لله، النقل والعقل، أما النقل فآيات كثيرة جداً منها﴿ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾[البقرة: ٦٣]﴿ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ ﴾[البقرة: ٢٥٥]﴿ هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾[آل عمران: ٦] إلى غير ذلك، وأما العقل فقد علمنا الله كيفيته بقوله تعالى:﴿ مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾[المؤمنون: ٩١] وكهذه الآية. إذا علمت ذلك، فالدليل في هذه الآية قطعي كما هو الحق، لكون الفساد مرتباً على فرض الاتفاق والاختلاف، وليس إقناعياً بحسب ما يفهمه المخاطب؛ خلافاً لما تقتضيه عبارة المفسر، حيث أحاله على العادة، وبهذه الآية انتفت الكموم الخمسة: الكم المتصل في الذات وهو التركيب فيها، والكم المنفصل فيها وهو النظير فيها، والكم المتصل في الصفات وهو التركيب فيها، والكم المنفصل فيها وهوا لنظير، والكم المنفصل في الأفعال، وهو المشارك له فيها، والمتصل فيها لا ينفى، لأنه ثابت، لأن أفعاله كثيرة على حسب شؤونه في خلقه. قوله: (الكرسي) الصواب إبقاء العرش على ما هو عليه، لأن التحقيق أن العرش جسم عظيم محيط بالعالم برمته، والكرسي تحته، رخص العرش بالذكر، لأنه أعظم من غيره، فإذا كان الله رب العرش، كان رب غيره بالأولى. قوله: ﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ أي لا يسأل عما يحكم في عباده، من إعزام وإذلال، وهدى وإضلال، وإسعاد وإشقاء، لأن الرب الخالق المالك لجميع الأشياء. إذا علمت ذلك، فالاعتراض على أفعال الله، إما كفر أو قريب منه. قوله: ﴿ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ يقال للخلق: لم فعلتم كذا؟ لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم، وتبين بهذا، أن من يسأل عن أعماله كعيسى والملائكة، لا يصلح للألوهية. قوله: ﴿ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً ﴾ إضراب انتقالي، من بطلان التعدد، إلى إظهار بطلان اتخاذهم تلك الآلهة من غير دليل على ألوهيتها. قوله: (فيه استفهام توبيخ) أي من حيث إن ﴿ أَمِ ﴾ بمعنى الهمزة، وسكت عن كونها بمعنى بل هنا، والمناسب لما تقدم أنها بمعناها أيضاً. قوله: (على ذلك) أي الاتخاذ، كأن الله يقول لهم: نحن قد أتينا ببراهين دالة على وحدانيتنا، فأتوا ببرهان يدل على ثبوت الشريك لنا. قوله: ﴿ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ ﴾ أي عظتهم ومتمسكهم على التوحيد. قوله: (ليس في وادحد منها) أي فراجعوها وانظروا، هل في واحد منها غير الأمر بالتوحيد والنهي عن الإشراك؟ قوله: ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ إضراب انتقالي، من محاجتهم إلى بيان أنهم كالبهائم، لا يميزون بين الحق والباطل. قوله: ﴿ ٱلْحَقَّ ﴾ الكلام على حذف مضاف، أي توحيد الحق. قوله: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ ﴾ الخ، تقرير لما قبله من كون التوحيد، نطقت به الكتب القديمة واجتمعت عليه الرسل. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ وَقَالُواْ ﴾ الضمير عائد على فرق من العرب، وهم خزاعة وجهينة وبنو سلمة حيث قالوا: الملائكة بنات الله. قوله: (والعبودية تنافي الولادة) أي لأن عبد الإنسان لا يكون ولده، وهذا بحسب المعتاد عندهم. قوله: ﴿ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ أي لا يخالفونه في القول ولا العمل.
قوله: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ أي فهم يراقبونه في جميع أحوالهم، فلا يقدمون على قول ولا عمل بغير مراده، لعلمهم بأنه تعالى محيط بهم. قوله: ﴿ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ ﴾ أي إن كان مؤمناً فلا يقدمون على الشفاعة، إلا لمن علموا أن الله راض عنه ويقبل شفاعتهم فيه. قوله: ﴿ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ أي وجلون لا يأمنون مكره، والإشفاق الخوف مع الإجلال؛ ويرادفه الخشية. قوله: ﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ ﴾ أي من الملائكة المحدث عنهم أولاً بقوله:﴿ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ﴾[الأنبياء: ٢٦] وهذا على سبيل الفرض والتقدير، لأنهم معصومون من الكفر والمعاصي، ويحتمل أن القول قد وقع من بعضهم (وهو إبليس) كما قال المفسر، وكونه من الملائكة، باعتبار أنه كان بينهم وملحقاً بهم في العبادة حتى قيل: إنه كان أعبدهم. قوله: (دعا إلى عبادة نفسه) أي لأجل الاضلال والإغواء، ولا مانع من ذلك، كما يقع لبعض الزنادقة من تشكيلاته لهم في الصور النيرة، كالقمر والشمس وغير ذلك، ودعواه أنه رب العالمين، وكما وقع لبرصيصا العابد، حيث أتى له وهو ومصلوب وقال له: اسجد لي وأنا أخلصك، وإن كان في الواقع معترفاً بالعبودية لله تعالى وآيساً من رحمته. إذا علمت ذلك، فكلام المفسر لا غبار عليه. قوله: ﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ ﴾ أي أياها. قوله: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والواو عاطفة عليه، والتقدير ألم يتفكروا ولم يعلموا. قوله: (بواو ودونها) قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾ الخ، شروع في ذكر ستة أدلة على التوحيد، وأن ما سوى الله مقهور، وهو القاهر فوق عباده. قوله: ﴿ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ أي شيئاً واحداً، لما روي أن الله خلق السماوات، والأرض بعضها على بعض، ثم خلق ريحاً توسطها ففتقها بها، وقيل خلق السماوات قطعة واحدة مرتفعة، والأرض قطعة واحدة منخفضة، فجعل السماوات سبعاً، والأرض سبعاً، لكن السماوات طباق، والأرض مختلف فيها، قيل مجاوزة لبعضها، كناية عن الأقاليم السبعة، وتقدم الجواب عن جميع السماوات وإفراد الأرض، بأن جنس السماوات مختلف بخلاف الأرض. قوله: (أن كانت لا تمطر) بفتح الهمزة مصدرية، أي كونها لا تمطر فأمطرت. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْمَآءِ ﴾ الجار والمجرور متعلق بمحذوف مفعول ثان مقدم، و ﴿ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ مفعول أول مؤخر، والمعنى ناشئاً ومتسبباً عنه. قوله: (نبات وغيره) أي فالحياة في كل شيء بحسبه، فحياة الحيوان قيام الروح به، وحياة النبات بروزه من الأرض وخضرته وإثماره.
قوله: ﴿ رَوَاسِيَ ﴾ جمع راسية من رسا الشيء إذا ثبت واستقر. قوله: ﴿ أَن تَمِيدَ ﴾ قدر المفسر (لا) النافية لصحة التعليل، أي لأجل عدم تحركها بهم، لأن تثبيتها بالجبال، لأجل عدم التحرك لا للتحرك. قوله: (إلى مقاصدهم) أي الدنيوية والأخروية. قوله: (كالسقف للبيت) أي وهذا ما عليه أهل السنة، وقالت الحكماء: إن السماء محيطة بالأرض، كإحاطة بياض البيضة بصفارها. إذا علمت ذلك، فلا فرار من قضاء الله إلا إليه. قوله: ﴿ مَّحْفُوظاً ﴾ (عن الوقوع) أي أو عن الفساد والخلل. قوله: ﴿ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا ﴾ أي الدالة على وجود الصانع وكمال صفاته وأفعاله. قوله: (من الشمس والقمر) أي وغيرهما كالنجوم، وارتفاعها من غير عمد، ونزول الماء منها. قوله: (لا يتفكرون فيها) أي مع أنهم لو سئلوا عمن خلق السماوات والأرض ليقولن الله. قوله: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ ﴾ فيه التفات من التكلم للغيبة. قوله: (من الشمس والقمر) بيان للمضاف إليه المحذوف. قوله: (أي مستدير كالطاحونة) أي كهيئة فلك المغزل أي تقالته، وقيل الفلك السماء التي فيها تسير تلك الكواكب، كما تسير السفن في البحر، واختلف الناس في حركات الكواكب على ثلاثة أقوال: قيل إن الفلك ساكن، والسير للكواكب، وهو الذي يدل عليه لفظ القرآن. وقيل إن الفلك متحرك والكواكب متحركة، وحركة كل تدافع حركة الآخر. وقيل إن الفلك متحرك، والكواكب ساكنة، ولا يعلم الحقيقة إلا الله تعالى، واختلف هل الشمس والقمر يجريان من تحت الأرض، وعليه الحكماء، أو منتهى سيرهما في العالم العلوي، وعليه أهل السنة. قوله: (وللتشبيه به) جواب عما يقال: لم جمعهما بضمير العقلاء؟ فأجاب: بأنه لما أسندت لهما السباحة التي هي من أفعال العقلاء جمعاً جمعهم. قوله: (نزل لما قال الكفار إن محمداً سيموت) أي شماتة به. قوله: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ ﴾ أي سبقت حكمتنا بأن كل بشر من قبلك، بل ومن بعدك، لا يخلد في الدنيا، بل يذوق الموت، واقتصر على البشر وإن كان غيره كذلك، بدليل ما بعده للرد عليهم لكونهم من البشر. قوله: (فالجملة الأخيرة) الخ، أي فالهمزة مقدمة من تأخير، لأن الاستفهام له الصدارة، والأصل أفهم الخالدون إن متّ.
قوله: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ أي مخلوقة فلا يرد ذات الله تعالى، وهو دليل لما قبله أعم منه، وليس معيناً، وقوله: ﴿ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ﴾ أي ذائقة مرارة مفارقة الروح للجسم، وهي في غاية الصعوبة جداً، ومثلوه بعصر القصب بالآلة المعروفة، فإنه لا يبقى فيه طراوة أصلاً، بل يؤخذ للنار حالاً، غير أن المؤمن يتسلى برؤية ما أعد له من النعيم الدائم، والكافر يزداد بالموت عقوبة لرؤيته ما أعد له من العذاب المقيم. قوله: (نختبركم) أي نعاملكم معاملة المختبر، إذ لا يخفى على الله شيء. قوله: (تصبرون) راجع للشر، وقوله: (وتشكرون) راجع للخير، فالمؤمن الكامل يشاهد الأشياء عن الله، فإذا ابتلي بالفقر والمرض مثلاً، رضي به وازداد إقبالاً عليه، وإذا أنعم عليه بالغنى أو الصحة مثلاً، ازداد شكراً وخوفاً من الله، فهو راض عن الله في الحالتين، وأما الكافر والفاسق، فيشاهد الأشياء من الخالق، فإذا ابتلي سخط، وإذا أنعم عليه بطر، فهو مغضوب عليه في الحالين. قوله: ﴿ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ أي تردون، فيظهر لكم جزاء أعمالكم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. قوله: ﴿ وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾ رأى بصرية، أي أبصرك المشركون. قوله: ﴿ إِن يَتَّخِذُونَكَ ﴾ جواب ﴿ إِذَا ﴾ و ﴿ إِن ﴾ نافية بمعنى (ما) كما قال المفسر. قوله: (يقولون) قدره إشارة إلى أن قوله: ﴿ أَهَـٰذَا ٱلَّذِي ﴾ الخ، مقول لقول محذوف، والمعنى يقول بعضهم لبعض في حال الهزء والسخرية ﴿ أَهَـٰذَا ﴾ الخ. قوله: ﴿ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ ﴿ هُم ﴾ مبتدأ، و ﴿ كَافِرُونَ ﴾ خبره، و ﴿ بِذِكْرِ ﴾ متعلق به، و ﴿ هُمْ ﴾ الثانية، تأكيد لفظي للأولى، وحينئذ فقد فصل بين العامل والمعمول بالمؤكد، وبين المؤكد والمؤكد بالمعمول، وإضافة ذكر للرحمن، من إضافة المصدر لفاعله، كما أشار له المفسر، حيث قدر لهم، وحينئذ فالمراد بالذكر، إرشاد الله لعباده، بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ويحتمل أنه مضاف لمفعوله، أي ذكرهم الرحمن بالتوحيد. قوله: (إذ قالوا ما نعرفه) أي الرحمن، وذلك أنهم كانوا يقولون: لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، وهو مسليمة الكذاب. قوله: (في استعجالهم العذاب) أي حيث قالوا:﴿ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾[الأنفال: ٣٢] الآية. قوله: ﴿ مِنْ عَجَلٍ ﴾ هو ضد البطء، أي السرعة في الأمور. قوله: (أي إنه لكثرة عجله في أحواله) الخ، أشار بذلك إلى أن في الكلام استعارة بالكناية، حيث شبه العجل من حيث إن الإنسان طبع عليه، حتى صار كالجبلة له بالطين الذي خلق منه البشر، وطوى ذكر المشبه، ورمز له بشيء من لوازمه وهو خلق، والمعنى أن الإنسان جبل على السرعة في الأمور والعجلة فيها، حتى إنه يقع في المضرة ولا يشعر. قوله: (مواعيدي العذاب) المراد متعلقاتها وهو أنواع العذاب في الدنيا، كوقعة بدر وغيرها، وفي الآخرة كعذاب النار. قوله: ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ أي استهزاء واستعجالاً للعذاب. قوله: ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ شرط حذف جوابه، والتقدير فأتوا به، وهو خطاب منهم للنبي وأصحابه. قوله: (قال تعالى) كلا مستأنف لبيان شدة هول ما يستعجلونه لجهلهم به. قوله: ﴿ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ ﴾ أي فهو كناية عن إحاطة النار بهم من كل ناحية. قوله: (ما قالوا ذلك) قدره إشارة إلى أن جواب (لو) محذوف.
قوله: ﴿ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً ﴾ إضراب انتقالي من قولهم إلى بيان كيفية وقوع العذاب بهم. قوله: ﴿ رَدَّهَا ﴾ أي دفعها. قوله: (فيه تسلية للنبي) أي حيث كان يغتم من استهزائهم وعدم انقيادهم. قوله: ﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم ﴾ الخ، أي قل يا محمد للمستهزئين القائلين لا نعرف الرحمن: من يحفظكم بالليل والنهار من عذابه ان أراده بكم؟ وقدم الليل لكثرة الآفات فيه. قوله: (والمخاطبون) الخ، توطئة لقوله: ﴿ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ ﴾.
والمعنى ليس لهم حافظ ولا مانع غير الرحمن، غير أنهم لا يخالفونه لإعراضهم عن ذكره. قوله: (فيها معنى الهمزة) أي زيادة على ﴿ بَلْ ﴾.
قوله: ﴿ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ ﴾ أي فكيف يتوهم أن ينصروا غيرهم. قوله: (يجارون) أي ينقذون.
قوله: ﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ الخ، إضراب عما توهموه من أن حفظهم وإمدادهم بالنعم من قبل آلهتهم، بل ما هم فيه من السراء والنعم والحفظ منا استدراج لهم. قوله: (بالفتح على النبي) أي وتسليط المسلمين عليهم. قوله: ﴿ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ ﴾ استفهام توبيخ وتقريع، وفيه معنى الإنكار، ولذا قدر المفسر (لا)، وقوله: (بل النبي وأصحابه) أي وهم الغالبون. قوله: ﴿ قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ ﴾ المقصود من ذلك توبيخهم على ما وقع منهم، حيث أقام لهم الحجج والبراهين، فلم يذعنوا لها. قوله: ﴿ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ ﴾ بالياء المفتوحة، ورفع ﴿ ٱلصُّمُّ ﴾ على الفاعلية، ونصب ﴿ ٱلدُّعَآءَ ﴾ على المفعولية، وفي قراءة سبعية أيضاً بالتاء المضمومة وكسر الميم خطاب للنبي، والصم مفعوله الأول، والدعاء مفعوله الثاني، والمقصود من ذلك تسليته صلى الله عليه وسلم، كأن الله يقول له: أرح قلبك ولا تعلقه بهم، وارض بحكم الله فيهم. قوله: (بتحقيق الهمزتين) أي همزة الدعاء وهمزة إذا. قوله: (وتسهيل الثانية) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (وقعة خفيفة) أخذ الخفة من التعبير بالمس والنفخ، والتاء الدالة على المرة، والنفخ في الأصل هبوب رائحة الشيء، والمعنى ولئن أصابهم عذاب خفيف، ليقولن تحسراً وتندماً يا ويلنا الخ، وهو كناية عن كونهم في غاية الضعف والحقارة، ومن كان كذلك فلا يبالي به.
قوله: ﴿ وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ﴾ هذ الآية آخر خطابات قريش في هذه السورة، والجمع في الموازين للتعظيم، فإن الصحيح أنه ميزان واحد لجميع الأمم ولجميع الأعمال، وهو جسم مخصوص له لسان وكفتان وعامود، كل كفة قدر ما بين المشرق والمغرب، ومكانه قبل الصراط، كفته اليمنى للحسنات وهي نيرة عن يمين العرش، وكفته اليسرى للسيئات، وهي مظلمة عن يساره، يأخذ جبريل بعاموده ناظراً إلى لسانه، وميكائيل أمين عليه، يحضره الجن والإنس، ووقته بعد الحساب، ولا يكون الوزن في حق كل أحد، بل هو تابع للحساب، فمن حوسب وزنت أعماله، ومن لا فلا، والحق أن الكفار توزن أعمالهم السيئة غير الكفر، ليجازوا عليها بالعقاب، زيادة على عذاب الكفر، وأعمالهم الحسنة التي لا تتوقف على نية كالعتق وصلة الرحم والوقف، فيخفف عنهم بذلك من عذاب الكفر، فتوزن أعمالهم لأجل ذلك، لا للنجاة من عذاب الكفر، فإنه لا يخفف عنهم ولا ينقطع، وأما قوله تعالى﴿ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾[الكهف: ١٠٥] فمعناه نافعاً بحيث ينجون من الخلود في النار، وقيل حسناتهم التي فعلوها، يجاوزن عليها في الدنيا، كصحة وعافية، ولا يجازون عليها في الآخرة أصلاً، واختلف هل الوزن بصنج أولا، واستظهر الأول تحقيقاً للعدل، فتوضع السيئات في مقابلة الحسنات، فإن رجح أحدهما، وضع صنج بقدر ما رجح، فينعم بقدره، أو يعذب بقدره، فإن لم يكن له إلا حسنات فقط، أو سيئات فقط، وضعت الصنج في الكفة الأخرى. واختلف أيضاً، هل الأعمال تصور وتوزن، فالحسنات تصور بصورة حسنة نورانية، ثم توضع في كفة الحسنات، والسيئات تصور بصورة قبيحة ظلمانية، ثم توضع في كفة السيئات، أو توزن الصحائف، أو توزن الأشخاص؟ ولا مانع من حصول ذلك كله. قوله: ﴿ ٱلْقِسْطَ ﴾ أفرد لأنه مصدر، وصف به مبالغة أو على حذف مضاف. قوله: ﴿ شَيْئاً ﴾ إما مفعول ثان أو مفعول مطلق. قوله: ﴿ وَإِن كَانَ ﴾ (العمل) قدره المفسر إشارة إلى أن ﴿ كَانَ ﴾ ناقصة اسمها مستتر يعود على (العمل) و ﴿ مِثْقَالَ ﴾ بالنصب خبرها، وفي قراءة سبعية برفعه على أنها تامة. قوله: ﴿ مِّنْ خَرْدَلٍ ﴾ المراد أقل قليل. قوله: ﴿ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ أي عالمين، والمقصود منه التحذير، لأن الإنسان العاقل، إذا علم أن الله تعالى يحاسبه مع القدرة عليه، وإحاطة علمه بجزئيات أعماله، فإنه يكون على حذر وخوف منه. قوله: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ ﴾ شروع في ذكر قصص الأنبياء، تسلية له صلى الله عليه وسلم، وزيادة في علم أمته، وذكر منها عشر قصص: الأولى قصة موسى وهارون، الثانية قصة إبراهيم، الثالثة قصة لوط، الرابعة قصة نوح، الخامسة قصة داود وسليمان، السادسة قصة أيوب، السابعة قصة إسماعيل وإدريس وذي الكفل، الثامنة قصة يونس، التاسعة قصة زكريا، العاشرة قصة مريم وعيسى صلوات الله وسلامه على الجميع. قوله: ﴿ وَضِيَآءً ﴾ أي يستضاء بها من ظلمات الجهل والكفر. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ أي عذابه. قوله: ﴿ بِٱلْغَيْبِ ﴾ حال من الفاعل في ﴿ يَخْشَوْنَ ﴾ أي حال كونهم غائبين ومنفردين عن الناس، والناس في ذلك مراتب، فمنهم من يعتقد أن الله مطلع عليه ولا يغيب عنه، ولكن قلبه غير ذائق لذلك، وهذا محجوب قد تقع منه المعاصي، ومنهم من يراقب الله بقلبه، بحيث يشاهد أنه في حضرة الله، وأنه مطلع عليه، وهذا أعلى من الأول، ويسمى ذلك المقام مقام المراقبة، ومنهم من يشاهد الله بعين بصيرته، وهذا أعلى المقامات، ويسمى مقام المشاهدة. قوله: ﴿ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾ خصت بالذكر لكونها أعظم ما يخاف منه. قوله: ﴿ مُّبَارَكٌ ﴾ أي كثير الخير. قوله: ﴿ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ الخطاب لأهل مكة تقريعاً لهم، أي إن هذا القرآن فيه تذكيركم، وفيه خير كثير، أيليق منكم إنكاره والاستهزاء به. قوله: (أي هداه قبل بلوغه) المراد بالهدى الاهتداء لصلاح الدين والدنيا، حين خرج من السرب وهو صغير، وتفكر واستدل بالكواكب على وحدانية الله، وليس المراد به النبوة، وقيل من قبل موسى وهارون، وعليه فالمراد بالرشد النبوة، فتحصل أنه وإن كان المراد بقوله: ﴿ قَبْلُ ﴾ قبل البلوغ، فالمراد بالرشد الاهتداء لصلاح الدين والدنيا، لأن الله لم يتخذ ولياً جاهلاً بمعرفته فضلاً عن نبي، وإن كان المراد به قبل موسى وهارون، فالمراد بالرشد النبوة وإرشاد الخلق. قوله: ﴿ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾ أي ولم نزل كذلك.
قوله: ﴿ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ ﴾ ظرف لقوله: ﴿ آتَيْنَا ﴾ أو لمحذوف أي اذكر. قوله: ﴿ لأَبِيهِ ﴾ أي آزر. قوله: ﴿ ٱلتَّمَاثِيلُ ﴾ جمع تمثال، وهو الصورة المصنوعة من رخام أو نحاس أو خشب، وكانت تلك الأصنام اثنين وسبعين صنماً، بعضها من ذهب، وبعضها من فضة، وبعضها من حديد، وبعضها من رصاص، وبعضها من نحاس، وبعضها من حجر، وبعضها من خشب، وكان كبيرها من ذهب مكللاً بالجواهر، وفي عينيه ياقوتتان متقدتان تضيئات بالليل. قوله: ﴿ عَاكِفُونَ ﴾ عبر بالعكوف الذي هو عبارة عن الاستمرار على الشيء لغرض ما، ولم يعبر بالعبادة تحقيراً لهم. قوله: ﴿ قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا ﴾ الخ، أجابو بذلك، وإن كان غير موافق لسؤاله بما لأنه مآل سؤاله، إذ هو يعرف حقيقتها من كونها من ذهب أو غيره، كأنه قال: ما هي؟ لأي شيء عبدتموها، وحينئذ فلم يكن لهم جواب إلا التقليد. قوله: ﴿ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ أي لعدم استنادكم إلى دليل. قوله: ﴿ قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ ﴾ الخ، أي لما استبعدوا تضليل آبائهم، ظنوا أن ما قاله على وجه اللعب فقالوا: أصدق ما تقوله؟ أم أنت هازل فيه؟. قوله: ﴿ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ ﴾ الخ، إضراب عن قولهم بإقامة البرهان على صدق ما ادعاه. قوله: ﴿ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ ﴾ أي على ما ذكرته من كون ﴿ رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ دون ما عداه. قوله: ﴿ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ ﴾ أي العالمين بالبرهان. قوله: ﴿ وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ﴾ انتقال من دلالة قولية إلى دلالة فعلية، فلما لم يفد فيهم الدليل القولي، عدل إلى الدليل الفعلي هو الكسر، والمعنى لأجتهدن في كسرها، وأكيدنكم فيها. قوله: (بعد ذهابهم إلى مجتمعهم) أي وقد ذهب معهم إبراهيم، فلما كان في أثناء الطريق، ألقى نفسه وقال: إني سقيم، اشتكى رجله فتركوه ومضوا، ثم نادى في آخرهم، وقد بقي ضعفاء الناس: تالله لأكيدن أصنامكم، فسمعها الضعفاء، فرجع إبراهيم إلى بيت الأصنام، وقبالة الباب صنم عظيم، وإلى جنبه أصغر منه، وهكذا كل صنم أصغر من الذي يليه، وكانوا وضعوا عند الأصنام طعاماً يأكلون منه، إذا رجعوا من عيدهم إليهم، فقال لهم إبراهيم ألا تأكلون؟ فلم يجيبوه فكسرها. قوله: (بضم الجيم وكسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان، وقرئ شذوذاً بفتحها. قوله: (بفأس) هو مهموز الآلة التي يكسر بها الحجر. قوله: ﴿ إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ ﴾ أي لم يكسره بل تركه، والضمير في ﴿ لَّهُمْ ﴾ يصح أن يعود على الأصنام أو على عابديها.
قوله: ﴿ مَن فَعَلَ هَـٰذَا ﴾ أي التكسير، و ﴿ مَن ﴾ يحتمل أن تكون استفهامية مبتدأ، و ﴿ فَعَلَ هَـٰذَا ﴾ خبره أو موصولة، و ﴿ فَعَلَ ﴾ صلته، و ﴿ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ خبره. قوله: ﴿ قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى ﴾ القائل هم الضعفاء من قوم إبراهيم الذين سمعوا حلفه. قوله: (أي يعيبهم) أي ينقصهم ويستهزئ بهم. قوله: ﴿ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ مرفوع على أنه نائب فاعل يقال على إرادة لفظه، أو مبتدأ خبره محذوف، أي يقال له إبراهيم فاعل ذلك، أو منادى، وحرف النداء محذوف، أو خبر لمحذوف، أي يقال له هذا ابراهيم. قوله: ﴿ قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ ﴾ القائل لذلك النمروذ. قوله: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ أي لعل الناس يشهدون عليه بفعله، بأن يكون أحد من الناس رآه يكسرها. قوله: (بتحقيق الهزتين) أي بإدخال ألف بينهما وتركه، فتكون القراءات السبعيات خمساً، وحاصلها أن الهمزتين إما محققتان، أو الثانية مسهلة، وفي كل إما بإدخال ألف بينهما أولا، فهذه أربع، والخامسة إبدال الثانية ألفاً. قوله: ﴿ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا ﴾ اعلم أن هذا من التعريض، لأن القاعدة أنه إذا دار الفعل بين قادر عليه، وعاجز عنه، وأثبت للعاجز بطريق التهكم به، لزم منه انحصاره في الآخر، فهو إشارة لنفسه، مضمناً فيه الاستهزاء والتضليل. وقوله: ﴿ هَـٰذَا ﴾ بدل من ﴿ كَبِيرُهُمْ ﴾ أو نعت له، ورد أن ابراهيم قال لهم: إن الكبير غضب من إشراككم معه غيره الصغار في العبادة فكسرهن، وأراد بذلك إقامة الحجة عليهم. قوله: ﴿ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ ﴾ أي إن كانوا ممن يمكن أن ينطق، وخص النطق بالذكر، وإن كان غيره من السمع والعقل وبقية أوصاف العقلاء كذلك لأنه أظهر في تبكيتهم. قوله: (فيه تقديم جواب الشرط) أي وهو قوله: ﴿ فَاسْأَلُوهُمْ ﴾ وفيه إشارة إلى أن قوله: ﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا ﴾ مرتبط بقوله: ﴿ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ ﴾ والمعنى بل فعله كبيرهم هذا، إن كانوا ينطقون فاسألوهم. قوله: ﴿ فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ ﴾ أي إلى عقولهم، وتذكروا أن من لا يقدر على دفع المضرة، أو جلب المنفعة، كيف يصلح أن يكون إلهاً؟
قوله: ﴿ ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ ﴾ أي انقلبوا إلى المجادلة والكفر، بعد استقامتهم بالمراجعة، ونكسوا بالتخفيف مبنياً للمفعول في القراءة العامة، وفاعل النكس هو الله كما يشير له المفسر، وقرئ شذوذاً بالتشديد وبالتخفيف مبيناً للفاعل. قوله: (أي ردوا إلى كفرهم) أي الاستمرار عليه. قوله: (وقالوا والله) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ ﴾ الخ، جواب قسم محذوف. قوله: (بكسر الفاء) أي مع التنوين وتركه، وقوله: (وفتحها) أي بترك التنوين، فالقراءات ثلاث سبعيات. قوله: ﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة عليه، والتقدير أجهلتم فلا تعقلون.- فائدة - ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لم يكذب ابراهيم إلا ثلاث كذبات، ثنتان منهما في ذات الله، قوله: ﴿ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾، وقوله: ﴿ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا ﴾، وقوله لسارة: (هذه اختي) "والمعنى لم يتكلم بكلام صورته صورة لاكذب، إلا هذه الكلمات الثلاث، فقوله: ﴿ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ أراد سقيم القلب من ضلالتكم، ووله: ﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا ﴾ تبكيت لقومه: قوله: (هذه أختي) أي في الدين والخلقة، فهذه الألفاظ صدق في نفسها، ليس فيها كذب أصلاً، ومعنى كون الأولى والثانية في ذات الله، أنهما من أجل غيرته على الله، وأما الثالثة فمن أجل غيرته زوجته، وهذا ما فتح الله به. قوله: ﴿ قَالُواْ حَرِّقُوهُ ﴾ القائل ذلك: النمروذ بن كنعان بن سنحاريب بن نمروذ بن كوس بن حسام بن نوح عليه السلام، وقيل رجل من أكراد فارس اسمه هينوب، خسف الله به الأرض. والحكمة في اختيارهم التحريق على غيره من أنواع القتل، أن إبراهيم بادأهم بالفضيحة والشتنيع عليهم، فأحبوا أن يجازوه بما فيه التشنيع والشهرة. قوله: (فجمعوا له الحطب) الخ، حاصل القصة في ذلك: أنه لما اجتمع نمروذ وقومه لأحراق إبراهيم، حبسوه في بيت، وبنوا بنياناً كالحظيرة بقرية يقال لها كوثى، ثم جمعوا له صلاب الحطب وأصناف الخشب مدة شهر، حتى كان الرجل يمرض فيقول: لئن عوفيت لأجمعن حطباً لإبراهيم، وكانت المرأة تنذر في بعض ما تطلبه، لئن أصابته لتحطبن في نار إبراهيم، وكانت المرأة تغزل وتشتري الحطب بغزلها احتساباً في دينها، وكان الرجل يوصي بشراء الحطب وإلقائه فيه، فلما جمعوا ما أرادوا، وأشعلوا في كل ناحية من الحطب ناراً فاشتعلت النار واشتدت، حتى إن كان الطير ليمر بها، فيحتق من شدة وهجها وحرها، فأوقدوا عليها سبعة أيام، فلما أرادوا أن يلقوا إبراهيم، فلم يعلموا كيف يلقونه، فقيل: إن إبليس جاء وعلمهم عمل المنجنيق فعملوه، ثم عمدوا إلى إبراهيم، فقيدوه ورفعوه على رأس البنيان، ووضعوه في المنجنيق مقيداً مغلولاً، فصاحت السماء والأرض ومن فيهما من الملائكة وجميع الخلق إلا الثقلين صيحة واحدة: أي ربنا، إبراهيم خليلك يلقى في النار، وليس في أرضك أحد يعبدك غيره، فائذن لنا في نصرته، فقال الله تعالى: إنه خليلي، ليس لي خليل غيره، وأنا الإله ليس له إله غيري، فإن استغاث بأحدكم أودعاه فلينصره، فقد أذنت له في ذلك، وإن لم يدع غيري، فأنا وليه وأنا أعلم به، فخلوا بيني وبينه، فلما أردوا إلقاءه في النار، أتاه خازن المياه وقال: إن أردت أخمدت النار، وأتاه خازن الهواء وقال: إن شئت طيرت النار في الهواء، فقال إبراهيم: لا حاجة لي إليكم، حسبي الله ونعم الوكيل، روي أنه قال حين أوثقوه ليلقوه في النار: لا إله إلا أنت سبحانك، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك. ثم رموا به في المنجنيق إلى النار، فاستقبله جبريل فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، قال جبريل: فاسأل ربك، فقال إبراهيم: حسبي من سؤالي علمه بحالي، وكان وقت إلقائه فيها ابن ستة عشرة سنة، وقيل ابن ست وعشرين سنة، ولما ألقي فيها، جعل كل شيء يطفئ النار إلا الوزغ، فإنه كان ينفخ في النار، فصم بسبب ذلك، وأمر صلى الله عليه وسلم بقتله، وكان من قتل وزغة في أول ضربة كتب له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك. ذكر بعض الحكماء، أنا الوزغ لا يدخل بيتاً في زعفران. ومدة مكثه في النار سبعة أيام، وقيل أربعون يوماً، وقيل خمسون يوماً. قوله: (في منجنيق) آلة ترمى بها الحجارة، فارسي معرب، لأن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة واحدة من كلام العرب.
قوله: ﴿ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً ﴾ أي ابردي برداً غير ضار. ورد أنه لما ألقي، أخذت الملائكة بضبعيه، فأقعدوه على الأرض، فإذا عين ماء عذب وورد أحمر ونرجس، وأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة وطنفسة، فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة، وجلس معه يحدثه ويقول له: يا إبراهيم إن ربك يقول لك: أما علمت أن النار لا تضر أحبائي؟ قال إبراهيم: ما كنت أياماً قط، أنعم مني من الأيام التي كنت في النار، ثم نظر نمروذ، وأشرف على إبراهيم من صرح له، فرآه جالساً في روضة والملك قاعد إلى جنبه، فناداه يا إبراهيم إن إلهك الذي بلغت قدرته، أن حال بينك وبين النار لكبير، هل تستطيع أن تخرج منها؟ قال: نعم، قال هل تخشى إذا قمت أن تضرك؟ قال: لا، قال: قم فاخرج منها، فقام إبراهيم يمشي فيها حتى خرج منها، فلما وصل إليه قال له: يا إبراهيم من الرجل الذ رأيت معك مثلك في صورتك قاعداً إلى جنبك؟ قال: ذلك ملك الظل، أرسله إلي ربي ليؤنسني فيها، قال نمروذ: يا إبراهيم إني مقرب إلى إلهك قرباناً، لما رأيت من قدرته وعزته فيما صنع بك، حين أبيت إلا عبادته وتوحيده، وإني ذابح له أربعة آلاف بقرة، قال إبراهيم: إذاً لا يقبل الله منك ما كنت على دينك حتى تفارقه وترجع إلى ديني، فقال: لا أستطيع ترك ملكي، ولكن سوف أذبحها له فذبحها له نمروذ، وكف عن إبراهيم عليه السلام. قوله: (وبقوله سلاماً) الخ. أي ولو لم يقل على إبراهيم، لما أحرقت النار أحداً ولما أوقدت. قوله: ﴿ فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ ﴾ أي لأنهم خسروا السعي والنفقة، فلم يحصلوا مرادهم، ويحتمل أن المراد بالأخسرين الهالكون، لأن الله سلط عليهم البعوض، فأكلت لحومهم وشربت دماءهم، ودخلت في رأس النمروذ بعوضة فأهلكته. قوله: (ابن أخيه هاران) أي الأصغر، وكان له أخ ثالث اسمه ناخور، والثلاثة أولاد آزر، وأما هاران الأكبر فهو عم إبراهيم أبو سارة زوجته وقد آمنت به. قوله: (من العراق) أي وصحب معه لوطاً وسارة، ونزل بحران فمكث بها، ثم خرج منها حتى قدم مصر، ثم خرج ورجع إلى الشام، فنزل بالسبع من أرض فلسطين، وترك لوطاً بالمؤتفكة، فبعثه الله نبياً إلى أهلها وما قرب منها. قوله: (بكثرة الأنهار والأشجار) أشار بذلك إلى أن المراد بالبركة الدنيوية، وعليه يحمل ما ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب: ألا تتحول إلى المدينة فيها مهاجر رسول الله وقبره؟ فقال كعب: إني وجدت في كتاب الله المنزل يا أمير المؤمنين، إن الشام كنز الله من أرضه، وبها كنزه من عباده، وإلا فالمدينة ومكة أفضل من الشام باتفاق. قوله: (بفلسطين) بفتح الفاء وكسرها مع فتح اللام لا غير، قرى بيت المقدس. قوله: (ولوط بالمؤتفكة) هي قرى قوم لوط، رفعها جبريل وأسقطها مقلوبة بأمر الله. قوله: (كما ذكر في الصافات) أي في قوله:﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾[الصافات: ١٠٠].
قوله: ﴿ نَافِلَةً ﴾ حال من يعقوب، أي أعطى يعقوب لإبراهيم زيادة على مطلوبه. قوله: (وولداه) أي إسحاق ويعقوب. قوله: (وإبدال الثانية ياء) هو وجه من جملة خمسة أوجه، تقدمت في سورة براءة. قوله: ﴿ يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ أي يدعون الناس بوحينا. قوله: ﴿ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ ﴾ عطف خاص على عام، لأن الصلاة أفضل العبادات البدنية، والزكاة أفضل العبادات المالية. قوله: ﴿ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ ﴾ تقديم الجار على المجرور يفيد الحصر، أي كانوا لنا لا لغيرنا.
قوله: ﴿ وَلُوطاً ﴾ منصوب بفعل مقدر يفسره قوله آتينا. قوله: (فصلاً بين الخصوم) أي على وجه الحق. قوله: ﴿ وَعِلْماً ﴾ أي بالشرائع والأحكام. قوله: (أي أهلها) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف، أو فيه مجاز عقلي. قوله: (الأعمال) قدره إشارة إلى أن الخبائث صفة لموصوف محذوف. قوله: (والرمي بالبندق) أي رمي المارة بالبرام، وأما بندق الرصاص فلم يحدث إلا في هذه الأمة. قوله: (وغير ذلك) أي كالضراط في المجالس. قوله: (بأن أنجيناه من قومه) المناسب أن يقول: وأدخلناه في أهل رحمتنا أي جنتنا، وإلا فيلزم عليه التكرار. قوله: ﴿ وَ ﴾ (اذكر) قدره إشارة إلى أن ﴿ نُوحاً ﴾ منصوب بفعل محذوف، وبعث نوح وهو ابن أربعين سنة، ومكث في قومه ألف سنة إلا خمسين، وعاش بعد الطوفان ستين سنة، فجملة عمره ألف وخمسون سنة، وهذا أحد أقوال تقدمت. قوله: (بقوله رب لا تذر على الأرض) الخ، أي بعد أن أوحى إليه إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. قوله: (الذين في سفينته) وجملتهم ستة رجال ونساؤهم، وقيل أربعون رجلاً وأربعون امرأة. قوله: (منعناه) أشار بذلك إلا أنه ضمن نصر معنى منع حيث عدي بمن. قوله: (أن يصلوا إليه) أي لئلا يصلوا إليه، فهو تعليل لنصرناه. قوله: ﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ﴾ معمولان لمحذوف لمحذوف قدره المفسر بقوله: (اذكر)، وعاش داود مائة سنة، وبينه وبين موسى خمسمائة وتسع وستون سنة، وقيل وتسع وسبعون، وعاش ولده سليمان تسعاً وخمسين، وبينه وبين مولد النبي صلى الله عليه وسلم نحو ألف سنة وسبعمائة سنة. قوله: (أي قصتهما) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله: (ويبدل منهما) في الحقيقة الإبدال من المضاف المحذوف. قوله: ﴿ إِذْ يَحْكُمَانِ ﴾ عبر عنه بالمضارع، استحضاراً للحال الماضية لغرابتها. قوله: (هو زرع أو كرم) هما قولان للمفسرين، وعلى كل كان قبل تمام نضجه. قوله: ﴿ إِذْ نَفَشَتْ ﴾ أي تفرقت وانتشرت فيه فأفسدته. قوله: ﴿ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ ﴾ أي بعض القوم، أي قوم داود وهم أمته. قوله: ﴿ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ﴾ أي كان ذلك بعلمنا ومرأى منا، فخذها أيها العاقل ولا تتردد فيها. قوله: (فيه استعمال ضمير الجمع لاثنين) أي بناء على أن أقل الجمع اثنان، ويجاب أيضاً بأن الجمع باعتبار الحاكمين والمحكوم عليهما. قوله: (قال داود: لصاحب الحرث رقاب الغنم) أي عوضاً عن حرثه. وحاصل تلك القصة: أن رجلين دخلا على داود عليه السلام، أحدهما صاحب الحرث، والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إن هذا قد انفلتت غنمه ليلاً، فوقعت في حرثي فأفسدته، فلم تبق منه شيئاً، فأعطاه داود رقاب الغنم في الحرث، فخرجا فمرا على سليمان، وهو ابن إحدى عشرة سنة فقال: كيف قضى بينكما؟ فأخبراه، فقال سليمان: لو وليت أمركما لقضيت بغير هذا، وروي أنه قال غير هذا أرفق بالفريقين، فأخبر بذلك داود، فدعاه فقال له: بحق النبوة والأبوة، إلا ما أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين، قال: أدفع الغنم لصاحب الحرث، ينتفع بلبنها وصوفها ونسلها، ويزرع صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه، فإذا صار الحرث كهيئته يوم أكل دفع إلى صاحبه، وأخذ صاحب الغنم غنمه، فقال داود: القضاء ما قضيت، ومن أحكام داود وسلمان عليهما السلام ما روي: كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكما إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه فقال: أئتوني بالسكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها، فقضى به للصغرى؟
قوله: ﴿ فَفَهَّمْنَاهَا ﴾ أي فهمناه الصواب فيها. قوله: (وحمكهما باجتهاد) الخ، أي ويجوز الخطأ على الأنبياء، إذا لم يكن فيه مفسدة، ولكن لا يبقيهم الله عليه لعصمتهم، والمجتهد مأجور، أخطأ أو أصاب، لكن المصيب له أجران، والمخطئ له أجر واحد. قوله: (وقيل بوحي) أي لكل منهما وهذا في شريعتهم، وأما في شريعتنا فمذهب مالك ما أتلفته البهائم ليلاً، وهي غير معروفة بالعداء، ولم تربط ولم يغلق عليها فعلى ربها، وإن زاد على قيمتها يقوم إن لم يبد صلاحه بين الرجاء والخوف، وإن بدا صلاحه ضمن قيمته على البت، وأما ما أتلفته نهاراً وهي غير عادية، ولم يكن معها راع، وسرحت بعيدة عن المزارع، فلا ضمان على ربها، وإن كان معها راع، أو سرحها ربها قرب المزارع، أو كانت عادية، فعل ربها ليلاً أو نهاراً، ومذهب أبي حنيفة، لا ضمان فيما أتلفته البهائم ليلاً أو نهاراً، إلا أن يكون معها سائق أو قائد، ومذهب الشافعي فيه تفصيل فانظره، ويمكن تخريج حكم داود على شريعتنا، بأنه رأى أن قيمة الغنم مثل الحرث، وصاحب الغنم مفلس، فالحكم أنها تعطى لصاحب الحرث. قوله: ﴿ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ﴾ دفع بذلك ما يتوهم من قوله: ﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ﴾ أن داود ناقص في العلم. قوله: ﴿ وَسَخَّرْنَا ﴾ أي ذللنا. قوله: ﴿ يُسَبِّحْنَ ﴾ حال من ﴿ ٱلْجِبَالَ ﴾، وقوله: ﴿ وَٱلطَّيْرَ ﴾ فيه قراءتان سبعيتان الرفع والنصب، فالنصب إما على أنه مفعول معه، أو معطوف على الجبال، والرفع على أنه مبتدأ، والخبر محذوف كما قدره المفسر بقوله: (كذلك) وقدم الجبال لكون تسبيحها أغرب وأعجب. قوله: (لأمره به إذا وجد فترة) أي فكأنه إذا وجد فترة، أمر الجبال والطير فيسبحن. قوله: (إن كان عجباً عندكم) أي مستغرباً، وقد اتفق في هذه الأمة لغير واحد منها، كالسيد الدسوقي وأمثاله.
قوله: ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ ﴾ وسبب ذلك، أنه مر به ملكان على صورة رجلين، فقال أحدهما للأخر: نعم الرجل إلا أنه يأكل من بيت المال، فسأل الله أن يرزقه من كسبه، فألان الله له الحديد، فكان يعمل منه الدروع بغير نار، كأنه طين في يده. قوله: (وهي الدرع) أنث الضمير لكون درع الحديد تؤنث وتذكر، وأما درع المرأة أي قميصها فهو مذكر. قوله: (وهو أول من صنعها) أي حلقاً بعضها داخل في بعض، وقبل ذلك كانوا يصنعونها من صفائح متصل بعضها ببعض. قوله: ﴿ لَّكُمْ ﴾ أي يا أهل مكة. قوله: (في جملة الناس) دفع به ما يرد، كيف تكون لأهل مكة، مع أن صنع داود لم يكن في زمنهم؟ فأفاد أنها نعمة اتصلت بمن بعده، إلى أن كانوا من جملتهم. قوله: (وبالفوقانية للبوس) أي لأنه بمعنى الدرع وهي تؤنث. قوله: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ ﴾ عبر باللام إشارة إلى أن الله ملكه الريح، وجعلها ممتثلة لأمره، وعبر بمع في حق داود، لأن الجبال والطير قد صاحباه في التسبيح واشتركا معه. قوله: (أي شديدة الهبوب) الخ، لف ونشر مرتب. قوله: ﴿ تَجْرِي بِأَمْرِهِ ﴾ حال. قوله: ﴿ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ أي لأنها مقره، فكان ينتقل منها ويرجع إليها، قال وهب: كان سليمان عليه الصلاة والسلام، إذا خرج إلى مجلسه، عكفت عليه الطيور، وقام له الإنس والجن حيث يجلس على سريره، وكان أمراً غازياً، قلما كان يقعد عن الغزو، ولا يسمع في ناحية من الأرض بملك إلا أتاه حتى يذله، وقال مقاتل: نسجت الشياطين لسلمان بساطاً فرسخاً في فرسخ ذهباً في أبرسيم، وكان يوضع له منبر من الذهب وسط البساط، فيقعد عليه وحوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب وفضة، يقعد الأنبياء على كراسي الذهب، والعلماء على كراسي الفضة، وحولهم الناس، وحل والناس الجن والشياطين، وتظله الطير بأجنحتها حتى لا يقع عليه شمس، ويرفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح، وقال الحسن: لما شغلت نبي الله سليمان الخيل، حتى فاتته صلاة العصر، غضب لله فعقر الخيل، فأبدله الله مكانها خيراً منها، وأسرعت الريح تجري بأمره كيف يشاء، فكان يغدو من إيليا فيقبل باصطخر، ثم يروح منها فيكون رواحها ببابل، وهكذا غدوها شهر ورواحها شهر، حتى ملك الأرض مشرقاً ومغرباً، ملك سلطنة وحكم، وأما رسالته فكانت لبني إسرائيل. قوله: ﴿ وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ ﴾ أي الكفار منهم. قوله: (وغيره) أي كالنورة والطاحون والقوارير والصابون، فإن ذلك من استخراجاتهم. قوله: (لأنهم كانوا إذا فرغوا من عمل) الخ، قيل إذا بعث شيطاناً مع إنسان ليعمل له عملاً قال: إذا فرغ من عمله قبل الليل، فاشغله بعمل آخر، لئلا يفسد ما عمله ويخرجه.
قوله: ﴿ وَأَيُّوبَ ﴾ قدر (اذكر) إشارة إلى أن ﴿ أَيُّوبَ ﴾ معمول لمحذوف. قوله: (ويبدل منه) أي من أيوب، والمعنى اذكر قصة أيوب ﴿ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ ﴾ ففي الحقيقة الإبدال من المضاف المقدر كما تقدم نظيره وسيأتي. قوله: (لما ابتلي) متعلق بنادى. قوله: (بفقد جميع ماله) أي فجملة ابتلاه الله به أربعة أمور. وحاصل قصته باختصار: أن أيوب كان رجلاً من الروم، وهو ابن أموص بن رازخ بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم، وكانت أمة من ولد لوط بن هاران أخي ابراهيم، وكان له من أصناف المال كله من الإبل والبقر والغنم والخيل والحمر، ما لا يكون لرجل أفضل منه في العدة والكثرة، وكان له خمسمائة فدان، يتبعها خمسمائة عبد، لكل عبد امرأة وولد ومال، وكان له أهل وولد من رجال ونساء، وكان نبياً تقياً شاكراً لأنعم ربه، وكان معه ثلاثة نفر قد آمنوا به، وكانوا كهولاً، وكان إبليس لا يحجب عن شيء من السماوات، فيقف فيهن من حيث ما أراد، فسمع صلاة الملائكة على أيوب فحسده وقال: إلهي نظرت في عبدك أيوب، فوجدته شاكراً حامداً لك، ولو ابتليته لرجع عن شكرك وطاعتك، فقال له الله: انطلق فقد سلطتك على ماله، فانطلق وجمع عفاريت الشياطين والجن وقال لهم: قد سلطت على مال أيوب، فقال عفريت: أعطيت من القوة، ما إذا شئت تحولت إعصاراً من نار فأحرقت كل شيء آتي عليه، قال إبليس: اذهب فائت الإبل ورعاتها، فلم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار، فأحرق الإبل ورعاتها، حتى أتى على آخرها، ثم جاء إبليس على صورة القيم على قعود إلى أيوب، فوجده قائماً يصلي فقال له: أحرقت نار إبلك ورعاتها، فقال أيوب: الحمد لله هو أعطانيها وهو أخذها، ثم سلط عفريتاً على الغنم ورعاتها، فصاح عليهم فماتوا جميعاً، وعلى الحرث فتحول ريحاً عاصفاً فأطارها، ثم جاء إبليس وأخبر أيوب بذلك، فحمد الله وأثنى عليه، فلما رأى أنه قد أفنى ماله ولم ينجح منه شيء، صعد إلى السماء وقال: يا رب سلطني على أولاده، فقال له: انطلق فقد سلطتك على أولاده، فذهب إليهم وزلزل بهم القصر وقلبه عليهم فماتوا جميعاً، ثم جاء في صورة المعلم الذي يعلمهم الحكمة، وهو جريح مشدوخ الرأس يسيل دمه، فأخبره بموت أولاده، وفصل له ذلك حتى رق قلبه وبكى، وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه وقال: يا ليت أمي لم تلدني، ففرح إبليس وصعد إلى السماء سريعاً لينظر ما يفعل به، فأوحى الله إلى أيوب إنه إبليس فاستغفر، فوقف إبليس خاسئاً ذليلاً فقال: يا رب سلطني على جسده، فقال له: انطلق فقد سلطتك على جسده، غير قلبه ولسانه وعقله، فانقض عدو الله سريعاً، فأتاه فوجده ساجداً، فنفخ في منخريه نفخة اشتعل منها جسده، فخرج منها ثآليل مثل إليات الغنم، ووقعت فيه حكة، فحك بأظفاره حتى سقطت كلها، ثم حكها بالمسوح الخشنة حتى قطعها، ثم حكها بالفخار والحجارة الخشنة، فلم يزل كذلك حتى تقطع جسده وأنتن، فأخرجه أهل القرية وجعلوه على كناسة، وجعلوا له عريشاً، وهجره الناس كلهم إلا زوجته رحمة بنت أفراثيم بن يوسف بن يعقوب، فكانت تخدمه وتأتيه بالطعام، وهجره الثلاثة الذين آمنوا به، ولم يتركوا دينهم، ونقل أن سبب قوله: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ ﴾ أن الدود قصد قلبه ولسانه، فخشي أن يفتر عن الذكر، ولا ينافي صبره قوله: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ ﴾ لأن شكوى للخالق، وهي لا تنافي الصبر. إن قلت: إن الأنبياء يستحيل عليهم المنفر من الأمراض. أجيب بأن ما نزل به ليس من المنفرات في شيء، وإنما هو حرارة وحكة، ظهرت من آثار نفخ اللعين إبليس، وأعظم الله ضرها لخصوص أيوب تعظيماً لقدره، لأن أشد الناس بلاء، الأنبياء ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل، كما ورد بذلك الحديث. قوله: (أو ثماني عشرة) هذا هو الصحيح. قوله: (وضيق) إما فعل مبني للمفعول عطف على (ابتلي) أو مصدر عطف على فقد. قوله: ﴿ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ ﴾ تعريض بطلب الرحمة. قوله: ﴿ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾ أي الذي في ضمنه الدعاء. قوله: ﴿ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ﴾ روي أن الله تعالى قال له: اركض برجلك الأرض فركض، فخرجت عين ماء، فأمره أن يغتسل منها ففعل، فذهب كل داء كان بظاهره، ثم مشى أربعين خطوة، فأمره أن يضرب برجله الأرض مرة أخرى ففعل، فنبعت عين ماء بارد، فأمره أن يشرب منها فشرب، فذهب كل داء كان بباطنه، فصار كأصح ما كان، وهو معنى قوله تعالى في صورة ص﴿ ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾[ص: ٤٢].
قوله: (بأن أحيوا له) أي لأنهم ماتوا قبل انتهاء آجالهم، وقيل رزقه الله مثلهم، روي أن امرأته ولدت بعد ذلك ستة وعشرين ابناً. قوله: (ثلاث أو سبع) أي فجملتم ستة أو أربعة عشر. قوله: (وكان له أندر) هو الموضع الذي يدرس فيه الطعام. قوله: (أفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب) أي لمناسبته له الحمرة، وكذا يقال فيما بعده. قوله: ﴿ وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ﴾ خصهم لأنهم المنتفعون بذلك. قوله: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ ﴾ عاش مائة وثلاثين سنة، وكان له حين مات أبوه تسع وثمانون سنةن وقصة صبره على الذبح ستأتي مفصلة في سورة الصافات. قوله: ﴿ وَإِدْرِيسَ ﴾ هو جد نوح، ولد في حياة آدم قبل موته بمائة سنة، وبعث بعد موته بمائتي سنة، وعاش بعد نبوته مائة وخمسون سنة، فجملة عمره أربعمائة وخمسون سنة، وكان بينه وبين نوح ألف سنة. قوله: ﴿ وَذَا ٱلْكِفْلِ ﴾ هذا لقبه واسمه بشر، وهو ابن أيوب. قوله: ﴿ وَأَدْخَلْنَاهُمْ ﴾ معطوف على محذوف تقديره فأعطيناهم ثواب الصابرين وأدخلناهم الخ، قوله: (لأنه تكفل بصيام جميع نهاره) الخ، أي فكان يصوم النهار ويصلي الليل ولا يفتر، وكان ينام وقت القيلولة، وكان لا ينام إلا بتلك النومة، فامتحنه إبليس لينظر هل يغضب أم لا، فأتاه إبليس حين أخذ مضجعه، فدق عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقال: شيخ كبير مظلوم، بيني وبين قومي خصومة، وإنهم ظلموني، فقام وفتح له الباب، وصار يطيل عليه الكلام حتى ذهبت القيلولة فقال له: إذا قعدت للحكم فائتني أخلص حقك، فلما جلس للحكم لم يجده، فلما رجع إلى القائلة من الغد، أتاه ودق الباب، فقال له: من هذا؟ فقال: الشيخ المظلوم، ففتح الباب فقال: ألم أقل لك إذا قعدت للحكم فائتني؟ فقال: إن خصومي أخبث قوم، إذا علموا أنك قاعد قالوا نعطيك حقك، وإذا قمت جحدوني، فلما كان اليوم الثالث قال ذو الكفل لبعض أهله: لا تدعن أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام، فإنه قد شق علي النعاس، فلما كانت تلك الساعة جاءه إبليس فلم يأذن له الرجل، فرأى طاقة فدخل منها ودق الباب من داخل فاستيقظ فقال له: أتنام والخصوم ببابك، فعرف أنه عدو الله، وقال: فعلت ما فعلت لأغضبك فعصمك الله. قوله: (وقيل لم يكن نبياً) أي بل كان عبداً صالحاً، والصحيح أنه نبي بعث إلى رجل واحد.
قوله: ﴿ وَذَا ٱلنُّونِ ﴾ لقب ليونس وجمعه أنوان ونينان، وهو اسم للحوت كبيراً أو صغيراً. قوله: (ابن متى) اسم أبيه قبل اسم أمه. قوله: (ويبدل منه) أي بدل اشتمال. قوله: ﴿ مُغَاضِباً ﴾ (لقومه) أي لا لربه، لأن خروجه باجتهاد منه حين وعدهم بالعذاب، فلما لم ينزل بهم ظن أنه إن بقي بينهم قتلوه، لأنهم كانوا يقتلون كل من ظهر عليه كذب. قوله: (أي غضبان عليهم) أشار بذلك إلى أن المفاعلة ليست على بابها. قوله: (أي نقضي عليه بما قضينا) أشار بذلك إلى أن معنى ﴿ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ نقضي عليه بما قضينا من القدر وهو القضاء، والمعنى فظن أننا لا نؤاخذه بخروجه. قوله: (أو نضيق عليه) أي فمعنى نقدر نضيق كما في قوله تعالى:﴿ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ﴾[القصص: ٨٢] وقوله تعالى: ﴿ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ﴾ [الطلاق: ٧] لا من القدرة بمعنى الاستطاعة التي هي ضد العجز. قوله: (ومن حبسه في بطن الحوت) أي وكانت مدة مكثه ببطن الحوت أربعين يوماً، أو سبعة أيام، أو ثلاثة، أو أربع ساعات، وأوحى الله إلى ذلك الحوت، لا تأكل له لحماً، ولا تهشم له عظماً، فإنه ليس رزقاً لك، وإنما جعلتك سجناً له. وحاصل ذلك: أنه حين غاضب قومه، لما لم ينزل بهم العذاب الذي توعدهم به، خرج فركب سفينة، فسارت قليلاً ثم وقفت في لجة البحر، فقال الملاحون: هنا عبد آبق من سيده تظهره القرعة، فضربوها فخرجت على يونس، فألقوه في البحر، فابتلعه الحوت وهو آت بما يلام عليه من ذهابه للبحر وركوبه إياه، فدعا ربه فألقاه الحوت بالساحل ضعيفاً، وكانت تأتيه غزالة صباحاً ومساءً، فيشرب من لبنها حتى قوي، فرجع إلى قومه فآمنوا به جميعاً، قال تعالى:﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ﴾[الصافات: ١٤٧-١٤٨].
قوله: ﴿ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ ﴾ ﴿ أَن ﴾ إما مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وما بعدها خبرها. أو تفسيرية لتقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه، وهذا دعاء عظيم جداً، لاشتماله على التهليل والتسبيح والإقرار بالذنب، ولذا ورد في الحديث" ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلى استجيب له ". قوله: ﴿ وَزَكَرِيَّآ ﴾ معمول لمحذوف قدره بقوله: (اذكر). قوله: (أي بلا ولد يرثني) أي في العلم والنبوة. قوله: (بعد عقمها) المراد به انسداد الرحم عن الولادة. قوله: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ ﴾ علة لمحذوف، أي قالوا ما قالوا لأنهم الخ. قوله: ﴿ رَغَباً وَرَهَباً ﴾ إما منصوبان على المفعول من أجله، أو على أنهما واقعان موقع الحال، أي راغبين راهبين. قوله: ﴿ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ صفة لموصوف محذوف معمول لمحذوف قدر ذلك لفسر بقوله: (واذكر مريم). قوله: (من أن ينال) أي يصل إليه أحد بحلال أو حرام. إن قلت: المزية ظاهرة في حفظه من الحرام، وأما الحلال فكيف تمدح على التعفف عنه؟ أجيب بأن الترهيب كان مشروعاً لهم، أو لتكون ولادتها خارقة للعادة. قوله: (حيث نفخ في جيب درعها) أي أمرناه ففعل ذلك، أو المراد نفخنا فيها بعض الأرواح المخلوقة لنا، وهي روح عيسى. قوله: ﴿ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ لم يقل آيتين، لأن كلاً من مريم وابنها بانضمامه للآخر صار آية واحدة، أو فيه الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه. قوله: ﴿ إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ ﴾ أشار المفسر إلى أن اسم الإشارة يعود على (ملة الإسلام) والأمة في الأصل الجماعة، ثم أطلقت على الملة لأنها تستلزم الاجتماع. والمعنى أن ملة الإسلام ملتكم لا اختلاف فيها من لدن آدم إلى محمد، فلا تغيير ولا تبديل في أصول الدين، وإنما التغاير في الفروع، فمن غير وبدل في الملة، فهو خارج عنها ضال مضل. وحكمة ذكر هذه الآية عقب القصص، دفع ما يتوهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بقعائد تخالف عقائد من قبله من الرسل. قوله: (حال لازمة) أي من أمة، وقيل بدل من ﴿ هَـٰذِهِ ﴾، ويكون قد فصل بين البدل والمبدل منه بخبر أن نحو إن زيداً قائم أخاك، و ﴿ أُمَّتُكُمْ ﴾ بالرفع خبر ﴿ إِنَّ ﴾ وقرئ شذوذاً بالنصب على أنه بدل من هذه أو عطف بيان. قوله: ﴿ فَٱعْبُدُونِ ﴾ إن كان الخطاب للمؤمنين، فمعناه دوموا على العبادة، وإن كان الخطاب للكفار، فمعناه إنشاء العبادة والتوحيد.
قوله: ﴿ وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ ﴾ أي تفرقوا في أمرهم واختلفوا في دينهم، وهذا إخبار من الله بأن الجميع لم يكونوا على دين واحد، لسبق حكمته البالغة بذلك. والحكمة ذكر العبادة هنا، والتقوى في المؤمنون، وذكر الواو هنا والفاء هناك، قيل تفنن، وقيل لأن الخطاب هنا للكفار، فناسبه ذكر التوحيد والخطاب هناك للرسل، فناسبه ذكر التقوى، وأتى بالواو هنا لأنها لا تقتضي الترتيب، وهو المراد هنا، فإن التفرق كان حاصلاً من قبل بخلاف ما يأتي، فإن التفرق حصل بعد إرسال الرسل فناسبه الفاء. قوله: (وهم طوائف اليهود والنصارى) لا مفهوم له، بل هذه الأمة افترقت ثلاثاً وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة ناجية كما في الحديث. قوله: ﴿ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴾ تهديد للكفار. والمعنى أن الله تعالى لا يفلت أحداً، بل كل من الثابت على الحق والزائغ عنه راجع إليه. قوله: ﴿ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ أي الأعمال الحسنة من فرض ونفل. قوله: ﴿ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ﴾ أي لا يمنع من ثوابه ولا يحرم منه، فالكفران مصدر بمعنى الكفر الذي هو الجحود والإنكار، فشبه منع الثواب بالكفر والجحود. قوله: ﴿ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾ أي حافظون للعمل، فلا يضيع منه شيء. قوله: ﴿ وَحَرَامٌ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ مبتدأ مؤخر. والمعنى رجوع أهل قرية أهلكناها ممتنع، وقوله: (إلى الدنيا) أي إلى إبقاء والمعيشة فيها وقيل إلى الإيمان، يعني أن رجوعهم إلى الإيمان ممتنع لسبق الشقاء عليهم، قال تعالى:﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾[الأنعام: ٢٨].
قوله: (غاية لامتناع رجوعهم) أي فهي متعلقة بحرام غاية لما قبلها، ويصح أن تكون ابتدائية، وتكون الجملة مستأنفة. قوله: (بالتشديد والتخفيف) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (بالهز وتركه) قراءتان سبعيتان. قوله: (اسم قبيلتين) أي من بني آدم، يقال إنهم تسعة أعشار بني آدم، وتقدمت قصتهم. قوله: (وذلك قرب القيامة) أي بعد نزول عيسى وهلاك الدجال حين يأتي ويمكث أربعين يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر؛ ويوم كجمعة، وسائر أيامه كباقي الآيام، وفي الحديث فقلنا: يا رسول الله في اليوم الذي كسنة يكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا أقدر له قدره، قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح، فينزل عيسى على منارة بني أمية شرقي دمشق، عليه حلتان همصرتان فيقتله، ثم يخرج يأجوج ومأجوج من السد، فيحصل للخلق جدب عظيم، حتى تكون رأس الثور خيراً من مائة دينار، ثم يدعو الله عيسى، فيرسل الله عز وجل النغف في رقابهم فيهلكون جميعاً فتملأ رممهم وجيفهم الأرض، فيدعو الله عيسى، فيرسل الله عليهم طيراً كأعناق البخت، فتحملهم وتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً، فيغسل الأرض من آثارهم، ثم يقول الله للأرض: أنبتي ثمرك، فيكثر الرزق جداً، ويستقيم الحال لعيسى والمؤمنين، فبينما هم كذلك، إذ بعث الله عليهم ريحاً لينة، تقبض روح كل مؤمن ومسلم، وتبقى أشرار الناس يتهارجون في الأرض كتهارج الجمر، فعيلهم تقوم الساعة، وبين موت عيسى والنفخة الأولى، مائة وعشرون سنة، لكن السنة بقدر شهر كما أن الشهر بقدر جمعهة، والجمعة بقدر يوم، واليوم بقدر ساعة، فيكون بين عيسى والنفخة الأولى قدر اثنتي عشر سنة من السنين المعتادة، وفي الحديث:" لا تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات: الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ". قوله: ﴿ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ﴾ أي يأجوج ومأجوج، يتنشرون في الأرض، ويسرعون فيها من كل مرتفع من الأرض.
قوله: ﴿ وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ﴾ عطف على ﴿ فُتِحَتْ ﴾.
قوله: (أي للقصة) أشار بذلك إلى أن الضمير للقصة، و ﴿ شَاخِصَةٌ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ أَبْصَارُ ﴾ مبتدأ مؤخر، والجملة خبر ﴿ هِيَ ﴾ والتعقيب عرفي، لأن التفاوت القليل كالعدم، فاندفع ما يقال إنه رتب الشخوص على فتح السد، واقتراب الساعة مع الشخوص، لا يوجد إلا مع القيامة. قوله: (يقولون) ﴿ يٰوَيْلَنَا ﴾ أشار بذلك إلى أن ﴿ يٰوَيْلَنَا ﴾ مقول لقول محذوف. قوله: ﴿ بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ إضراب عن قولهم ﴿ قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ ﴾ لعله ينفعهم الإقرار بالذنب فلا ينفعهم. قوله: (من الأوثان) خصها بالذكر لأنها كانت معظم معبوداتهم، وإلا فالشمس والقمر يصيران ثورين عقيرين في النار. قوله: (وقودها) أي وسمي حصيباً، لأنه يرمى بهم فيها كما ترمى الحصباء. قوله: ﴿ لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً ﴾ الخ، تبكيت عليهم. قوله: ﴿ زَفِيرٌ ﴾ أي أنين وتنفس شديد. قوله: (لشدة غليانها) أي فعدم سماعهم لشدة غليان النار عليهم لما ورد: إذا بقي من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخرى، ثم تلك التوابيت في توابيت أخرى عليها مسامير من نار، فلا يسمعون ولا يرى أحد منهم أن في النار أحداً يعذب غيره. قوله: (ونزل لما قال ابن الزبعرى) الخ، حاصل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، فعرض له النضر بن الحرث، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليه: ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ الآيات الثلاث، ثم قال فأقبل ابن الزبعرى، وهو بكسر الزاي وفتح الياء وسكون العين وفتح الراء مقصوراً، وقد أسلم بعد ذلك، فأخبره الوليد بن المغيرة بما قاله رسول الله لهم، فقال: أما والله لو وجدته لخصمته، فدعوا رسول الله، فقال له ابن الزبعرى: أنت قلت ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾؟ قال: نعم، قال: أليست اليهود تعبد عزيراً، والنصارى تعبد المسيح، وبنو مدلج يعبدون الملائكة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل هم يعبدون الشيطان، فنزلت هذه الآية رداً عليه. قوله: (المنزلة) ﴿ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ أي الدرجة والرتبة الحسنى، أو المراد الكلمة الحسنى وهي لا إله إلا الله، أو المراد السعادة الأبدية. قوله: (ومنهم من ذكر) أي العزير وعيسى والملائكة، والمعنى أن كل من سبقت له الحسنى، سواء عبد أو لا فهو مبعد عن النار. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ أي عن جهنم. إن قلت: كيف ذلك مع قوله تعالى:﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾[مريم: ٧١] والورود يقتضي القرب منها؟ أجيب: بأن المراد مبعدون عن عذابها وألمها، فإن المؤمنين إذا مروا على النار تخمد وتقول جز يا مؤمن، فإن نورك قد أطفأ لهبي، وهذا لا ينافي الورود. قوله: ﴿ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ﴾ أي حركة تلهبها، وفي هذا تـأكيد بعدهم عنها.
قوله: ﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ ﴾ هذا بيان لنجاتهم من الفزع إثر بيان نجاتهم من النار. قوله: (وهو أن يؤمر بالعبد إلى النار) أي الكافر، وقيل: هو حين تغلق النار على أهلها وييأسون من الخروج، وقيل: هو حين يذبح الموت بين الجنة والنار وينادي يا أهل النار خلود بلا موت، وقيل: هو جميع أهوال القيامة، قوله: (عند خروجهم من القبور) أي تستقبلهم بالبشرى والسرور عند ذلك، وقيل تستقبلهم على أبواب الجنة، ولا مانع أنها تستقبلهم في الحالين. قوله: (اسم ملك) أي في السماء الثالثة، وعلى هذا فالمصدر مضاف لقائله، فإن هذا الملك يطوي كتب الأعمال إذا رفعت إليه. قوله: (واللام زائدة) أي والكتاب مفعوله. قوله: (أو السجل الصحيفة) أي والمعنى كطي الصحف على مكتوبها، وعليه فهو من إضافة المصدر لمفعوله، والفاعل محذوف تقديره كما يطوي الرجل الصحيفة على ما فيها. قوله: (وفي قراءة) أي سبعية أيضاً. قوله: (جمعاً) أي وأما على قراءة الإفراد، فأل للجنس. قوله: ﴿ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ ﴾ أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم، حفاة عراة غرلاً، كذلك نعيدهم يوم القيامة، والخلق بمعنى المخلوق، وإضافة ﴿ أَوَّلَ ﴾ له من إضافة الصفة للموصوف، والمعنى كما بدأنا المخلوق الأول نعيده ثانياً. قوله: (بعد إعدامه) هذا أحد قولين لأهل السنة، والقول الثاني أن الإعادة بعد تفرق الأجزاء، قال في الجوهرة: وَقُلْ يُعَادُ الْجِسْم بالتحقيق عن عدم وقيل عن تفريققوله: (وما مصدرية) أي وبدأنا صلتها، والجملة في محل جر بالكاف، و ﴿ أَوَّلَ خَلْقٍ ﴾ مفعول به لبدأنا. قوله: ﴿ وَعْداً عَلَيْنَآ ﴾ أي فعلينا إنجازه، لتعلق علمنا بوقوعه وقدرتنا على أنفاذه. قوله: (لمضمون ما قبله) أي الجملة الخبرية. قوله: ﴿ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ توكيد لما قبله. قوله: (بمعنى الكتاب) أي فأل في الزبور للجنس، والمعنى جنس الكتب السماوية. قوله: (بمعنى أم الكتاب) أي وهو اللوح المحفوظ.
قوله: ﴿ أَنَّ ٱلأَرْضَ ﴾ مفعول ﴿ كَتَبْنَا ﴾.
قوله: (عام في كل صالح) أي من هذه الأمة وغيرها من الأمم، والمراد بالصلاح الموت على الإيمان، والمعنى أن المؤمنين يرثون الجنة، ويتنعمون بها على قدر أعمالهم، وعبر بالميراث لأنه لملك مستمر يأتي من غير تكسب، وأما من مات على الكفر، فليس له في الجنة نصيب، لأن الجنة عزيزة عند الله فلا يعطيها لأعدائه، وأما الدنيا فقط تعطى للكافر، لعدم عزتها عنده، لما في الحديث:" لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى الكافر منها جرعة ماء "ومعناه: لو كان للدنيا قدر عند الله لبقيت ببقائه، ولو كانت باقية، ما نعم الكافر فيها لهوانه عليه، فقدر الله في الأزل، أن الدنيا فانية زائلة لا قدر لها عنده، فنعم فيها الكفار. قوله: (كفاية في دخول الجنة) أي من حيث إنه يوصل لمراضي الله تعالى في الدنيا ويؤنس صاحبه في القبر، ويوضع في الميزان، ويرقى به في درجات الجنة. قوله: (عاملين به) أي ممتثلين أوامره مجتنبين نواهيه. قوله (أي للرحمة) أشار بذلك إلى أن ﴿ رَحْمَةً ﴾ منصوب معلى أنه مفعول لأجله، ويصح أن يكون منصوباً على الحال، أي أنه نفس الرحمة لما ورد: أن الأنبياء خلقوا من الرحمة، ونبينا عين الرحمة، أو على حذف مضاف، أي ذا رحمة أو راحماً، لما في الحديث:" إنما أنا رحمة مهداة ". قوله: (الإنس والجن) أي براً وفاجراً، مؤمناً وكافراً، لأنه رفع بسببه الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال، ورحمة أيضاً، من حيث أنه جاء بما يرشد الخلق إلى السعادة العظمى، فمن آمن فهو رحمة له دنيا وأخرى، ومن كفر فهو رحمة له في الدنيا فقط. قوله: ﴿ قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ﴾ اعلم أن في هذه الآية قصرين، الأول قصر الصفة على الموصوف، والثاني بالعكس، والمعنى كما قال المفسر: (ما يوحى إلي في أمر الإله إلا اختصاصه بالوحدانية) ففيه رد على الكفرة الذين يعبدون غير الله. قوله: (بمعنى الأمر) أي فالمراد منه التحضيض على الإسلام، لا الاستفهام عنه. قوله: (أعلمتكم بالحرب) أي أنذرتكم به، والمراد بالحرب محاربته هو وأصحابه لهم، والمعنى أعلمتكم بأني محاربكم، والحال أني وأنتم مستوون في العلم بنقض الصلح، لئلا أنسب للغدر المذموم فاعله. قوله: (لتتأهبوا) أي لتستعدوا وتتهيأوا له، وهو علة للنفي لا للمنفي، فالمعنى لا أستبد به، بل أعلمكم للتتأهبوا. قوله: ﴿ وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾ أي لا أدري الوقت الذي يحل بكم العذاب فيه، وإنما علمه موكول إلى الله. والمراد بالعذاب تعذيبه إياهم بحربه في الدنيا. وقوله: (أو القيامة) أي تعذيبهم بالنار. قوله: ﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ ﴾ أي ما تقولونه جهراً مما لا يليق. قوله: (والفعل) أشار بذلك إلى أن في الآية اكتفاء. قوله: (أي ما أعلمتكم به) أي وهو تأخير العذاب عنهم في الدنيا. قوله: (اختيار) ﴿ لَّكُمْ ﴾ أي معاملتكم معاملة المختبر. قوله: (وهذا مقابل للأول) الخ، حاصله أن قوله: ﴿ لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ ﴾ محتمل للوقوع وعدمه، وأما قوله: ﴿ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ فهو محقق الحصول، والأحسن أن يجعل قوله: ﴿ وَمَتَاعٌ ﴾ خبر المحذوف تقديره وهذا متاع إلى حين، أي وتأخير عذابكم متاع، أي تمتع لكم إلى وقت فراغ الأجل، والجملة مستأنفة. قوله: (وفي قراءة قال) أي وهي سبعية أيضاً، فالأول أمر، والثانية إخبار عن مقالته.
قوله: ﴿ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ ﴾ أي عجل النصر لي والعذاب لأعدائي. قوله: (والخندق) المناسب حذفه لأنه هو الأحزاب. قوله: ﴿ ٱلْمُسْتَعَانُ ﴾ أي الذي تطلب منه الإعانة. قوله: ﴿ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾ أي على وصفكم لربكم ولنبيه بالنقائص. فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفويض الأمر إلى الله، والصبر على المشاق، تعليماً لأمته حسن الالتجاء إلى ربهم.