ﰡ
وهي ثمانون وثلاثون آية مكية
[سورة يس (٣٦) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤)تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥)
قوله تبارك وتعالى: يس قرأ حمزة بين الكسر والفتح. وقرأ الكسائي بالإمالة. وقرأ الباقون: بالفتح. وقرأ ابن عامر، والكسائي: يس وَالْقُرْآنِ مدغم بالنون. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وحمزة: بإظهار النون. وكل ذلك جائز في اللغة. وقرئ في الشاذ يَاسِينَ بنصب النون، ومعناه: اتل ياسين. لأن يس اسم سورة. وقراءة العامة بالتسكين، لأنها حروف هجاء، فلا تحتمل الإعراب مثل قوله تعالى: الم وروي عن ابن عباس في تفسير قوله:
يس يعني: يا إنسان بلغة طيئ. وهكذا قال مقاتل عن قتادة، والضحاك. وروي عن محمد ابن الحنفية أنه قال: يس يعني: يا محمد. وروى معمر عن قتادة قال: يس اسم من أسماء القرآن. ويقال: افتتاح السورة. وقال مجاهد: هذه فواتح السور يفتتح بها كلام رب العالمين. وقال شهر بن حوشب. قال كعب: يس قسم أقسم الله تعالى به قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، فقال: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ويا محمد إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ وقال ابن عباس في قوله: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ أي: أحكم حلاله، وحرامه، وأمره، ونهيه. ويقال: حكيم يعني: محكم من التناقض والعيب. ويقال: الْحَكِيمِ أي: الحاكم كالعليم. يعني: العالم. يعني: القرآن حاكم على جميع الكتب التي أنزلها الله تعالى من قبل إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ فهذا جواب القسم، ومعناه: يا إنسان وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ يعني: رسولاً كسائر المرسلين جواباً لقولهم: لست مرسلاً عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني: إنك على صراط مستقيم ويقال: هذا نعت للرسل يعني: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ الذين كانوا على صراط مستقيم، أي: على طريق الإسلام.
ثم قال عز وجل: تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٦ الى ١٠]
لِتُنْذِرَ قَوْماً مَّا أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (٦) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (١٠)
ثم قوله تعالى: لِتُنْذِرَ يعني: لتخوف بالقرآن قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ يعني: كما أنذر آباؤهم الأولون فَهُمْ غافِلُونَ عن ذلك يعني: عما أنذر آباؤهم.
ثم قال عز وجل: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ أي: وجب القول بالعذاب عَلى أَكْثَرِهِمْ أي:
على الكفار. ويقال: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ وهو قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ [الأعراف: ١٨ وغيرها] ويقال:
الْقَوْلُ كناية عن العذاب أي: وجب عليهم العذاب فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ يعني: لا يصدقون بالقرآن إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا قال مقاتل: نزلت في بني مخزوم، وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى النبيّ صلّى الله عليه وسلم ليدفعنه بحجر، فأتاه وهو يصلي، فرفع الحجر ليدمغه، فيبست يده إلى عنقه، والتزق الحجر بيده، ورجع إلى أصحابه، فخلصوا الحجر من يده. ورجل آخر من بني المغيرة، أتاه ليقتله، فطمس الله على بصره، فلم يرَ النبي صلّى الله عليه وسلم، وسمع قوله، فرجع إلى أصحابه، فلم يرهم حتى نادوه، فذلك قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا وذكر في رواية الكلبي نحو هذا، وقال بعضهم: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا أي: نجعل في أعناقهم أغلالاً يوم القيامة. ويقال: معناه إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا أي: جعلنا أيديهم ممسكة عن الخيرات، مجازاة لكفرهم. وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا أي: حائلاً لا يهتدون إلى الإسلام، ولا يبصرون الهدى، وقال بعضهم: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا يعني: أيديهم. ولم يذكر في الآية اليد، وفيها دليل، لأن الغل لا يكون إلا باليد إلى العنق. فلما ذكر العنق فكأنما ذكر اليد.
وروي عن ابن عباس، وابن مسعود، أنهما قرءا: إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا. وقرأ بعضهم فِي أَيْدِيهِمْ. وكل ذلك يرجع إلى معنى واحد. لأنه لا يجوز أن يكون الغل بأحدهما دون الآخر كقوله: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: ٨١] ولم يذكر البرد لأن في الكلام دليلاً عليه.
ثم قال: فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ أي: رددنا أيديهم إلى أعناقهم إِلَى الْأَذْقانِ
ثم قال عز وجل: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا أي: ظلمة وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا أي:
ظلمة فَأَغْشَيْناهُمْ بالظلمة فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ الآية. يعني: خوفتهم، اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به التوبيخ وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ يعني: خوفتهم أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ يعني: أم لم تخوفهم لا يصدقون. إنما نزلت الآية في شأن الذين ماتوا على كفرهم، أو قتلوا على كفرهم. قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص سَدًّا بنصب السين في كلاهما. وقرأ الباقون: بالضم. وقال أبو عبيدة: قراءتنا بالضم لأنهما من فعل الله تعالى، وليس من فعل بني آدم. وقال القتبي: المقمح الذي يرفع رأسه، ويغض بصره. يقال: بعير قامح إذا روي من الماء فقمحت عيناه. وقال: والسد الجبل فَأَغْشَيْناهُمْ يعني: أعمينا أبصارهم عن الهدى.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ١١ الى ١٢]
إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢)
ثم قال عز وجل: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ يعني تخوف بالقرآن من اتبع الذكر، يعني من قبل الموعظة وسمع القرآن وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ يعني: أطاعه في الغيب فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ في الدنيا وَأَجْرٍ كَرِيمٍ في الآخرة.
ثم قال عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى يعني: نبعثهم في الآخرة وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُوا يعني: نحفظ ما أسلفوا، وما عملوا من أعمالهم. ويقال: وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُوا يعني:
تكتب أعمالهم الكرام الكاتبون، وما عملوا من خير أو شر وَآثارَهُمْ يعني: ما استنوا من سنة خير أو شر عملوه، واقتدى بهم من بعدهم، فلهم مثل أجورهم، أو عليهم مثل أوزارهم من غير أن ينقص منه شيئاً، وهذا كقوله عز وجل: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
[القيامة: ١٤] وهذا كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ» إلى آخره وقال مجاهد: وَآثارَهُمْ يعني:
؟؟؟ هم وروى مسروق أنه قال: مَا خَطَا عَبْدٌ خُطْوَةً إلاَّ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ أوْ سَيّئَةٌ. وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال: إن بني سلمة ذكروا للنبي صلّى الله عليه وسلم بعد منازلهم من المسجد. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «يَا بَنِي سَلَمَةَ دِيَارُكُمْ فَإِنَّمَا تُكْتَبُ آثَارُكُمْ».
ثم قال: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ أي: حفظناه وبيَّناه فِي إِمامٍ مُبِينٍ يعني: في اللوح المحفوظ.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ١٣ الى ١٤]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤)قوله عز وجل: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أي: وصف لهم شبهاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ أهل القرية وهي أنطاكية إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ يعني: رسل عيسى- عليه السلام- إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ قال مقاتل: هما تومان وطالوس فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ يعني: قويناهما بثالث وهو شمعون وقرأ عاصم في رواية أبي بكر فَعَزَّزْنا بالتخفيف، ومعناهما: غلبنا. نقول:
عزه يعزه إذا غلبه، ومنه قوله تعالى: وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ [ص: ٢٣] يعني: غلبني في القول.
وقرأ الباقون: فَعَزَّزْنا بالتشديد، ومعناه: قوينا، وشددنا الرسالة برسول ثالث، وذلك أن عيسى ابن مريم- عليهما السلام- رسول إلى أنطاكية. وإنما كان إرساله بإذن الله عز وجل.
فأضاف إليه حيث قال: إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ثم بعث بعد ذلك شمعون. وروي في بعض الروايات أن عيسى- عليه السلام- أوصى إلى الحواريين أن يتفرقوا في البلدان. ثم رفع عيسى إلى السماء، وكان مجيء الرسل بعد ما رفع عيسى. وفي بعض الروايات: أنه أرسل الرسل، ثم رفع، وكان للرسل من المعجزة ما للأنبياء- عليهم السلام- بدعاء عيسى- عليه السلام- فلما جاء الرسولان الأولان، ودخلا أنطاكية، وجعلا يناديان فيها بالإيمان بالرحمن، يعني: يدعوان إلى الإيمان بالله عز وجل، ويزجران أهلها عن عبادة الأصنام والشيطان، فأخذوهما شرط الملك، وأتَوْا بهما إلى الملك، فلما دخلا على الملك، قالا: إن الأوثان التي تعبدون ليست بشيء، وإن إلهكم الله الذي في السماء، وأن من مات منكم صار إلى النار. فغضب الملك، وجلدهما، وسجنهما، ثم حضر شمعون ودخل أنطاكية، وجاء إلى السجن فقال للسجان: ائذن لي حتى أدخل السجن، فإني أريد أن أدفع إلى كل واحد كسرة خبز، فأذن له. فدخل وجعل يعطي لكل واحد كسرة خبز، حتى انتهى إلى صاحبيه، فقال لهما: إني أريد أن آتي الملك، وأطلب فكاككما، حتى أخلصكما، فإنكما لم تأتيا الأمر من قبل وجهه. ألم تعلما أنكما لا تطاعان إلا بالرفق واللطف، وأن مثلكما مثل امرأة لم تلد زماناً من دهرها ثم ولدت غلاماً، فأسرعت بشأنه، فأطعمته الخبز قبل أوانه، فغص بلقمة فمات. فكذلك دعوتكما هذا الملك قبل أوان الدعاء، فأصابكما البلاء، ثم انطلق شمعون، وتركهما، فقعد عند بيت الأصنام، حتى إذا دخلوا بيت الأصنام، دخل في صلاتهم، فقام بين يدي تلك الأصنام يصلي، ويتضرع، ويسجد لله تعالى، ولا يشكون أنه على ملتهم، وأنه إنما يدعو آلهتهم، ففعل ذلك أياماً، فذكروا ذلك للملك، فدعاه، وكلمه، وقال له: من أين أنت؟ فقال: أنا رجل من بني إسرائيل، وقد انقرض أهلي، وكنت بقيتهم، وجئت إلى أصحابك آنس بهم، وأسكن إليكم، فسأله الملك عن أشياء، فوجده حسن التدبير، والرأي فلبث فيهم ما شاء الله، فلما رأى أمره قد
فدعاهما، وأقيما بين يديه، فقال لهما شمعون، أخبراني عن إلهكما؟ فقالا: إنه يبرئ الأكمه والأبرص، فدعي برجل ولد أعمى فدعوا الله تعالى، فأبصر الأعمى. قال شمعون: فأنا أفعل مثل ذلك. فأتي بآخر، فدعى شمعون- رضي الله عنه- فبرئ، فقال لهما شمعون، لا فضل لكما عليّ بهذا. ثم أتي برجل أبرص، فدعوا، فبرئ، وفعل شمعون بآخر مثل ذلك. فقال لهما شمعون: فهل عندكما شيء غير هذا؟ فقالا: نعم إن ربنا يحيي الموتى. فقال شمعون: أنا لا أقدر على ذلك. ثم قال للملك: هل لك أن تأتي بالصنم فلعله يحيي الموتى، فيكون لك الفضل عليهما ولإلهك؟ فقال الملك: إنك تعلم أنه لا يسمع، ولا يبصر، فكيف يحيي الموتى؟ ثم قال له شمعون سلهما هل يستطيعان أن يفعلا مثل ما قالا؟ فقال الملك: إن عندنا ميتاً قد مات منذ سبعة أيام، وكان لأبيه ضيعة قد خرج إليها وأهله ينتظرون قدومه، واستأذنوا في دفنه، فأمرهم أن يؤخروه حتى يحضر أبوه، فَأمَرَهم بإحضار ذلك الميت، فلم يزالا يدعوان الله تعالى، وشمعون يعينهما بالدعاء في نفسه، حتى أحياه الله تعالى. فقال شمعون: أنا أشهد أنهما صادقان وأن إلههما حق، فاجتمع أهل المصر، وقالوا: إن كلمتهم كانت واحدة، فرجموهم بالحجارة، وجاء أب الغلام، فأسلم، وقتل أب الغلام أيضاً، وهو حبيب بن إسرائيل النجار. ثم إن الله عز وجل بعث جبريل- عليه السلام- فصاح صيحة فماتوا كلهم، فذلك قوله تعالى: إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا يعني: هؤلاء الثلاثة إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ وأروهم العلامة.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ١٥ الى ١٩]
قالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩)
قوله عز وجل: قالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا يعني: آدمي مثلنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ يعني: لم يرسل الرسل من الآدميين إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ بأنكم رسل الله تعالى.
يعني: أرسلكم عيسى بأمر الله تعالى، فأنكروا ذلك قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ يعني: أن الرسل قالوا:
رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ يعني: أرسلنا عيسى- عليه السلام- بأمر الله تعالى وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ يعني: قال أهل أنطاكية: إنا تشاءمنا بكم، وهذا الذي
معناه أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ. يعني: حين وعظتم بالله تشاءمتم بنا.
ثم قال: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ يعني: مشركون.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٢٠ الى ٣٢]
وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤)
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩)
يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢)
قوله تعالى: وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يعني: من وسط المدينة، وهو حبيب بن إسرائيل النجار رَجُلٌ يَسْعى يعني: يسعى في مشيه. وقال بعضهم: هو الذي عاش ابنه بعد الموت، بدعاء الرسل، فجاء وأسلم. وقال بعضهم: كان ابنه مريضا، فبرئ بدعوة الرسل، فصدق بهم، فلما بلغه أن القوم أرادوا قتل الرسل، جاء ليمنع الناس عن قتلهم. وقال قتادة:
كان في غار يدعو ربه فلما بلغه مجيء الرسل أتاهم قالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ يعني: دين المرسلين ثم قال للرسل هل تسألون على هذا أجراً؟ فقالوا: لا. فقال: للقوم اتَّبِعُوا مَنْ لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْراً
تبرأت عن ديننا، واتبعت دين غيرنا. فقال: وَما لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي يعني: خلقني. قرأ حمزة وابن عامر في إحدى الروايتين: وَما لِيَ بسكون الياء. وقرأ الباقون: بالفتح. وهما لغتان وكلاهما جائز.
ثم قال: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يعني: تصيرون إليه بعد الموت، وهذا كقوله: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران: ١٨٠] فقالوا له: ارجع إلى ديننا. فقال حبيب:
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً يعني: أعبد من دونه أصناماً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ يعني: ببلاء وشدة إذا فعلت ذلك لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً يعني: لا تقدر الآلهة أن يشفعوا لي وَلا يُنْقِذُونِ يعني: لا يدفعون عني الضرر إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعني: إني إذا فعلت ذلك لفي خسران بيّن إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ يعني: فاشهدوني، وأعينوني بقول لا إله إلا الله. وقال ابن عباس: أُلقي في البئر وهو الرس كما قال وَأَصْحابَ الرَّسِّ [ق: ١٢] وقال قتادة:
قتلوه بالحجارة. وهو يقول: رب اهْدِ قَوْمِي فَإنَّهُمْ لاَ يعلمون. وقال مقاتل: أخذوه ووطئوه، تحت أقدامهم، حتى خرجت أمعاؤه، ثم ألقي في البئر، وقتلوا الرسل الثلاثة. فلما ذهب بروح حبيب النجار إلى الجنة ف قِيلَ له ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وذلك حين دخلها، وعاين ما فيها من النعيم، تمنى أن يسلم قومه فقال: يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي بالذي غفر لي ربي. ويقال: بمغفرتي. ويقال: بماذا غفر لي ربي؟
فلو علموا، لآمنوا بالرسل.
ثم قال: وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ أي: الموحدين في الجنة. نصح لهم في حياته، وبعد وفاته.
يقول الله تعالى: وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ يعني: من بعد حبيب النجار مِنْ جُنْدٍ من السماء، يعني: الملائكة وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ يعني: لم نبعث إليهم أحداً إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً يعني: ما كانت إلا صيحة جبريل- عليه السلام- فَإِذا هُمْ خامِدُونَ يعني: ميتون لا يتحركون يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ يعني: يا ندامة على العباد في الآخرة. يعني: يقولون: يا حسرتنا على ما فعلنا بالأنبياء- عليهم السلام- مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ في الدنيا إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.
ثم خوّف المشركين بمثل عذاب الأمم الخالية ليعتبروا فقال: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا يعني: ألم يعلموا؟ ويقال: ألم يخبروكم أهلكنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يعني: كم عاقبنا من القرون الماضية أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ إلى الدنيا وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ قرأ عاصم، وحمزة، وابن عامر، بتشديد الميم. وقرأ الباقون: بالتخفيف. فمن قرأ بالتشديد
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥)
قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ يعني: علامة وحدانيته الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها يعني:
الأرض اليابسة أحييناها بالمطر لتنبت وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا يعني: الحبوب كلها فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنا فِيها يعني: وخلقنا في الأرض جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ يعني: البساتين، والكروم وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ يعني: أجرينا في الأرض الأنهار تخرج من العيون لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ يعني: من الثمرات وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ يعني: لم تعمل أيديهم. ويقال: والذي عملت أيديهم مما يزرعون أَفَلا يَشْكُرُونَ رب هذه النعم فيوحدوه. وقرأ حمزة والكسائي ثَمَرِهِ بالضم. وقرأ الباقون: بالنصب. والثَّمر بالنصب، جماعة الثمرة. والثمرات جمع الجمع وهو بالضم. وقرأ الباقون: بالنصب. والثَّمر بالنصب، جماعة الثمرة. والثمرات جمع الجمع وهو الثمر، مثل كتاب وكتب. والثُّمر بالضم جمع الثمار. قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر: وَما عَمِلَتْ بغير هاء. وقرأ الباقون: بالهاء. ومعناهما واحد.
ثم قال: أَفَلا يَشْكُرُونَ اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به الأمر، يعني: اشكروا رب هذه النعم ووحدوه.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٣٦ الى ٤٠]
سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)
ثم قال عز وجل: سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها يعني: تنزيهاً لله عز وجل الذي
ثم ذكر لهم دلالة أخرى ليعتبروا بها، فقال عز وجل: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ يعني: علامة وحدانيته الليل نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ يعني: نخرج ونميز منه النهار فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ يعني:
داخلون في الظلمة. ويقال: يبقون في الظلمة. ويقال: إن الله خلق الدنيا مظلمة.
ثم قال: وَالشَّمْسُ سراجاً، فإذا طلعت الشمس، صارت الدنيا مضيئة. وإذا غربت الشمس، بقيت الظلمة. كما كانت، وهو قوله تعالى: نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ يعني: ننزع الضوء منه فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ يعني: يبقون في الظلمة. ويقال: نسلخ الليل. يعني: نخرج منه النهار إخراجاً لا يبقى منه شيء من ضوء النهار، كما نسلخ الليل من النَّهَار، فكذلك نسلخ النهار من الليل. فكأنه يقول: الليل نسلخ منه النهار. والنهار نسلخ منه الليل، فاكتفى بذكر أحدهما، لأن في الكلام دليلاً. وقد ذكر في آية أخرى قال: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر: ٥].
ثم قال عز وجل: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها قال مقاتل: يعني: لوقت لها. وقال الكلبي: تسير في منازلها حتى تنتهي إلى مستقرها، ولا تتجاوزها. ثم ترجع إلى أول منازلها.
وقال القتبي: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها يعني: إلى مستقر لها. ومستقرها أقصى منازلها في الغروب. وذلك لأنها لا تزال تتقدم في كل ليلة، حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها، ثم ترجع فذلك مستقرها، لأنها لا تجاوزها. وطريق آخر ما روى عن أبي ذر الغفاري- رضي الله عنه- قال: كنت جالساً مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم عند غروب الشمس، فقال: «يا أبَا ذَرَ أَتَدْرِي أيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنَّهَا تَغْربُ، وَتَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، وَتَسْتَأْذِن فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أنْ تَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لَهَا، حَتَّى تَسْتَشْفِعَ، وَتَطْلُبَ، فَإذا طَالَ عَلَيْهَا، قيلَ لَهَا: اطلعي مَكَانَكِ، فذلك قوله: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها قال: مُسْتَقَرُّها تَحْتَ العَرْشِ».
ثم قال: ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ العزيز بالنقمة، العليم بما قدّره من أمرها، وخلقها. وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه كان يقرأ: والشّمس تجري لا مستقرّ لَهَا يعني: لا تقف، ولا تستقر، ولكنها جارية أبدا.
ثم قال عز وجل: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو وَالْقَمَرَ بالضم وقرأ الباقون: بالنصب. فمن قرأ بالضم، فله وجهان. أحدهما أن يكون على الابتداء،
ثم قال تعالى: حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ يعني: صار كالعذق اليابس، والمنقرس، الذي حال عليه الحول. ويقال: للقمر ثمانية وعشرون منزلاً، فإذا صار في آخر منازله، دقّ حتى يعود كالعذق اليابس. والعرجون إذا يبس، دق واستقوس، فشبه القمر به. يعني: صار في عين الناظر كالعرجون، وإن كان هو في الحقيقة عظيم بنفسه، إلا أنه في عين الناظر يراه دقيقاً.
ثم قال عز وجل: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ يعني: أن تطلع في سلطان القمر. وقال عكرمة: لكل واحد منهما سلطان للشمس سلطان بالنهار، وللقمر سلطان بالليل.
فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ يعني: لا يدرك سواد الليل ضوء النهار، فيغلبه على ضوئه وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يعني: في دوران يجرون، ويدورون، ويقال: يَسْبَحُونَ يعني: يسيرون فيه بالانبساط، وكل من انبسط في شيء، فقد سبح فيه، وقال بعضهم: السماء كالموج المكفوف، والشمس والقمر، والكواكب الدوارة يسبحون فيها وقال بعضهم: الأفلاك كثيرة، مختلفة في السير، تقطع القمر في ثمانية وعشرين يوماً، والشمس تقطع في سنة. وقال بعضهم: الفلك واحد، وجريهن مختلف، والفلك في اللغة كل ما يدور.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤١ الى ٤٤]
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤)
ثم قال عز وجل: وَآيَةٌ لَهُمْ يعني: علامة لكفار مكة على معرفة وحدانية الله تعالى، أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ يعني: آباءهم، واسم الذرية يقع على الآباء والنسوة، والصبيان، وأصله
ذُرِّيَّتَهُمْ خاصة.
ثم قال: فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ يعني: في سفينة نوح- عليه السلام- الموقرة المملوءة.
يعني: حملنا ذريتهم في أصلاب آباءهم قرأ نافع وابن عامر: ذُرّياتِهِمْ بلفظ الجماعة. وقرأ الباقون: ذُرِّيَّتَهُمْ وأراد به الجنس.
ثم قال عز وجل: وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ يعني: من مثل سفينة نوح- عليه السلام- ما يركبون في البحر. وقال قتادة: يعني: الإبل يركب عليها في السير، كما تركب السفن في البحر. وقال السدي: وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ. فقال: هذه السفن الصغار. يعني: الزوارق. وقال عبد الله بن سلام: هي الإبل.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: أخبرني الثقة بإسناده عن أبي صالح. قال: قال لي ابن عباس: ما تقول في قوله: وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ قلت: هي السفن. قال: خذ مني بآذان إنما هي الإبل. فلقيني بعد ذلك. فقال: إني ما رأيتك إلا وقد غلبتني فيها، هي كما قلت ألا ترى أنه يقول: وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ يعني: إن نشأ نغرقهم في الماء فَلا صَرِيخَ لَهُمْ يعني: لا مغيث لهم وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ يعني: لا يمنعون، فلا ينجون من الغرق.
قوله عز وجل: إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا يعني: إلا نعمة منا، حين لم نغرقهم. ويقال: معناه لكن رحمة منا بحيث لم نغرقهم وَمَتاعاً إِلى حِينٍ يعني: بلاغاً إلى آجالهم.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٤٥ الى ٥٢]
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩)
فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢)
ثم قال عز وجل: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ يعني: مَا بَيْنَ
من أمر الآخرة فاعملوا لها وَما خَلْفَكُمْ من أمر الدنيا فلا تغتروا بها. وقال مقاتل:
اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ لكيلا يصيبكم مثل عذاب الأمم الخالية وَما خَلْفَكُمْ يعني: واتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ أي: من عذاب الآخرة. والأول قول الكلبي.
ثم قال: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ يعني: لكي ترحموا فلا تعذبوا وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ مثل انشقاق القمر إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ يعني: مكذبين. وهذا جواب لقوله عز وجل: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ الآية.
ثم أخبر عن حال زنادقة الكفار فقال عز وجل: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ يعني: تصدقوا من المال الذي أعطاكم الله عز وجل: قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ على وجه الاستهزاء منهم إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعني: في خطإ بَيِّنٍ. قَالَ بعضهم: هذا قول الكفار الذين أمرهم بالنفقة. وقال بعضهم: هذا قول الله تعالى.
يعني: قل لهم يا محمد: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وروي عن ابن عباس مثل هذا. ثم قال عز وجل: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني: متى هذا الوعد الذي تعدونا به يوم القيامة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بأنا نبعث بعد الموت، فيقول الله تعالى: مَا يَنْظُرُونَ بالعذاب إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً يعني: لا حظر لإهلاكهم، فليس إلا صيحة واحدة تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ قرأ عاصم في رواية أبي بكر يَخِصِّمُونَ بكسر الياء والخاء. وقرأ نافع يَخِصّمُونَ بنصب الياء، وسكون الخاء. وقرأ الكسائي وعاصم في رواية حفص وابن عامر في إحدى الروايتين: بنصب الياء، وكسر الخاء. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو بنصب الياء والخاء. وقراءة حمزة يَخِصِّمُونَ بنصب الياء، وجزم الخاء بغير تشديد. ومعناه: تأخذهم وبعضهم يخصم بعضاً. ومن قرأ بالتشديد. فالأصل فيه يختصمون فأدغمت التاء في الصاد، وشددت. ومن قرأ: بنصب الخاء طرح فتحة التاء على الخاء. ومن قرأ بكسر الخاء، فلسكونها، وسكون الصاد. وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص: لينفخن في الصور، والناس في طرقهم، وأسواقهم، حتى أن الثوب ليكون بين الرجلين يتساومان، فما يرسله واحد منهما، حتى ينفخ في الصور، فيصعق به، وهي التي قال الله تعالى: مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وأخبرني الثقة بإسناده عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «تقوم الساعة والرَّجُلانِ يَتَبَايَعَانِ الثَّوْب، فَلا يَطْوِيَانِهِ، وَلا يَتَبايَعَانِهِ. وَتَقُومُ السَّاعَةُ، وَالرَّجُلُ يَحْلُبُ النَّاقَةَ، فَلا يَصِلُ الإنَاءُ إلَى فِيه. وَتَقُومُ السَّاعَةُ وَهُوَ يَلُوطُ الْحَوْضَ، فَلا يَسْقِيَ فِيهِ».
ثم قال تعالى: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً يعني: يموتون من ساعتهم بغير وصية، فلا يستطيعون أن يوصوا إلى أهلهم بشيء وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ يعني: ولا إلى منازلهم
يعني: إذا بعثوا من قبورهم بعد الموت فذلك قوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ من القبور إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يعني: يخرجون من قبورهم أحياء. وكان بين النفختين أربعين عاماً في رواية ابن عباس. وقيل: أكثر من ذلك. ورفع العذاب عن الكفار بين النفختين. فكأنهم رقدوا. فلما بعثوا قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا يعني: من أيقظنا من منامنا. قال: فيقول لهم الحفظة من الملائكة هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ على ألسنة الرسل وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ بأن البعث حق. ويقال: إن المؤمنين هم الذين يقولون: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ بأن البعث كائن.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٥٣ الى ٥٨]
إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤) إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ (٥٧)
سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨)
ثم قال عز وجل: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ قال الكلبي: يعني: في الآخرة. وقال مقاتل: في بيت المقدس لحسابهم.
ثم قال: فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً يعني يوم القيامة لا تنقص نفس مؤمنة، ولا كافرة، من أعمالهم شيئاً وَلا تُجْزَوْنَ يعني: ولا تثابون إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من خير أو شر.
ثم قال: إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ يعني: يوم القيامة في شغل مما هم فيه. أي: عن الذي هم فيه فاكهون. يعني: ناعمين. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو فِي شُغُلٍ بجزم الغين. وقرأ الباقون: بالضم. وهما لغتان. يقال: شغْل وشغُل مثل عُذْر وعذُر وعمْر وعمُر. قرأ أبو جعفر المدني: فكهون بغير ألف، وقراءة العامة فاكِهُونَ بالألف. فمن قرأ بغير ألف يعني: يتفكهون. قال أبو عبيد: يقال: للرجل إذا كان يتفكه بالطعام، أو بالشراب، أو بالفاكهة، أو بأعراض الناس، إن فلاناً يتفكه. ومنه يقال للمزاحة فكاهة. ومن قرأ بالألف يعني: ذوي فاكهة. وقال الفراء: فاكهة وفكهة لغتان، كما يقال حذر وحاذر. وروي في التفسير فاكِهُونَ يعني: ناعمون. وفكهون معجبون. وقال الكلبي ومقاتل في قوله: إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الآية يعني: شغلوا بالنعيم في افتضاض الأبكار العذارى عن
ثم قال تعالى: هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ قرأ حمزة والكسائي فِي ظُلَلٍ وقرأ الباقون فِي ظِلالٍ فمن قرأ فِي ظُلَلٍ فهو جمع الظلة. يقال: ظلة وظلل مثل حلة وحلل. ومن قرأ بكسر الظاء فهو جمع الظل يعني: هم في ظلال العرش والشجر ويقال معنى القراءتين يرجع إلى شيء واحد. يعني: إن أهل الجنة هُمْ وَأَزْواجُهُمْ الحور العين في القصور عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ يعني: على السرر عليها الحجال. وروى مجاهد عن ابن عباس قال:
الأرائك سرر في الحجال. وقال الكلبي: لا تكون أريكة إلا إذا اجتمعتا، فإذا تفرقا فليست بأريكة مُتَّكِؤُنَ أي: ناعمون. وإنما سمي هذا لأن الناعم يكون متكئاً.
ثم قال: لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ يعني: لهم في الجنة من أنواع الفاكهة وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ يعني: ما يتمنون مما يشتهوا من الخير، سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ يعني: يرسل إليهم ربهم بالتحية والسلام. والعرب تقول: ادّعي ما شئت، يَدَّعُونَ يتمنّون. فقوله عز وجل: سَلامٌ قَوْلًا يعني: يقال لهم سلام كأنهم يتلقونه بالسلام مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ويقال: وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ سَلامٌ يعني: لهم ما يشاءون خالصاً.
ثم قال: قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٥٩ الى ٦٦]
وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣)
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦)
دين الإسلام هو طريق مستقيم لا عوج فيه، وهو طريق الجنة.
قوله عز وجل: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً يعني: خلقاً كثيراً. وقرأ نافع وعاصم جِبِلًّا بكسر الجيم، والباء، والتشديد. وقرأ أبو عمرو، وابن عامر: جِبِلًّا بضم الجيم، وجزم الباء. والباقون: بضم الجيم والباء. ومعنى ذلك كله واحد. وقال أهل اللغة: الجبل، والجبلة كله بمعنى واحد يعني: الناس الكثير أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ما فعل بمن كان قبلكم، فتعتبروا فلم تطيعوه، فلما دنوا من النار قال لهم خزنتها هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ في الدنيا فلم تصدقوا بها اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ يعني: اصلوها اليوم بما كفرتم في الدنيا عقوبة لكم في الدنيا الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وذلك حين قالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يعني: يعملون من الشرك والمعاصي.
ثم قال: وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ قال مقاتل يعني: لو نشاء لحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ يعني: ولو طمست الكفر، لاستبقوا الصراط، أي:
لجازوا الطريق فَأَنَّى يُبْصِرُونَ يعني: فمن أين يبصرون الهدى بعد ما جعلت قلوبهم قاسية، وجعلت على أعمالهم غطاء، وَأكِنَّةً على قلوبهم. قال الكلبي: وَلَوْ نَشاءُ لفقأنا أعين الضلالة، فأبصروا الهدى، واستبقوا الطريق فَأنَّى يُبْصِرُونَ الطريق. ويقال: فأنى يبصرون.
الهدى وقال بعضهم: ولو نشاء لأعمينا أبصارهم في أسواقهم، ومجالسهم، كما فعلنا بقوم لوط- عليه السلام- حين كذبوه وراودوه عن ضيفه فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ يعني: فابتدروا الطريق هرباً إلى منازلهم، ولو فعلنا ذلك بهم.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٦٧ الى ٧٠]
وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠)ثم قال عز وجل: وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ يعني: إن شئت لمسختهم حجارة في منازلهم ليس فيها أرواح فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ ولا يتقدمون، ولا يتأخرون. وهذا قول مقاتل. وقال الكلبي: لو نشاء لجعلناهم قردة وخنازير فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا يعني: فما قدروا ذهاباً، ولا يرجعون.
قوله عز وجل: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ يعني: من أطلنا عمره في الدنيا نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ يعني: نرده إلى أرذل العمر، فلا يعقل فيه كعقله الأول. قرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر نُنَكِّسْهُ بضم النون الأولى، ونصب الثانية، وكسر الكاف مع التشديد. وقرأ الباقون:
نُنَكِّسْهُ بنصب النون الأولى، وجزم الثانية، وضم الكاف، والتخفيف، ومعناهما واحد.
يقال: نكسَه ونكسَّه وأنكسه بمعنى واحد. ومعناه: من أطلنا عمره، نكسنا خلقه. فصار بدل القوة ضعفاً. وبدل الشباب هرماً. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر مكاناتهم وقرأ الباقون مَكانَتِهِمْ والمكانة والمكان واحد. مثل المنزل والمنزلة والمكانات جمع المكانة.
ثم قال: أَفَلا يَعْقِلُونَ يعني: أفلا تفهمون أن الله هو الذي يفعل ذلك، فتوحدوه، وليس لمعبودهم قدرة على ذلك. قرأ نافع، وابن عامر، وأبو عمرو: أَفَلاَ تَعْقِلُونَ بالتاء، على معنى المخاطبة. وقرأ الباقون بالياء على معنى الخبر. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة:
وَأَنِ اعْبُدُونِي بالياء. وقرأ الباقون: بغير ياء. لأن الكسر يدل عليه.
ثم قال عز وجل: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ جواباً لقولهم إنه شاعر يعني: أرسلنا إليه القرآن، ولم نرسل إليه الشعر وَما يَنْبَغِي لَهُ يعني: لم يكن أهلاً لذلك. وقال: ما يسهل له، وما يحضره الشعر إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ يعني: ما هو إلا عظة وَقُرْآنٌ مُبِينٌ يعني: يبين الحق من الضلالة. وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة أنه قال: سألت عائشة- رضي الله عنها- هل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت كان أبغض الحديث إليه الشعر، ولم يتمثل بشيء من الشعر، إلا ببيت أخي بني قيس بن طرفة:
سَتُبْدِي لَكَ الأيَّامُ مَا كُنْت جَاهِلا | ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد |
أنَا النَّبِيُّ لا كَذِب | أنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ |
هَلْ أنْتِ إلاَّ إصْبَعٌ دَمِيت | وِفِي كِتَابِ الله مَا لَقِيت |
بِسْمِ الإله وبه هدينا | وَلَوْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ شقِينَا |
ثم قال عز وجل: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا يعني: من كان مؤمناً، لأن المؤمن هو الذي يقبل الإنذار. ويقال: مَنْ كانَ حَيًّا يعني: عاقلاً راغباً في الطاعة. قرأ نافع وابن عامر:
لتنذر بالتاء على معنى المخاطبة. يقول: لتنذر يا محمد. وقرأ الباقون: بالياء على معنى الخبر عنه. يعني: لتنذر يا محمد. ويقال: يعني: لتنذر بالقرآن من كان مهتدياً في علم الله تعالى الأزلي وَيَحِقَّ الْقَوْلُ يعني: وجب العذاب عَلَى الْكافِرِينَ يعني: قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ [الأعراف: ١٨] ثم وعظهم ليعتبروا:
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧١ الى ٧٦]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥)
فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦)
فقال عز وجل: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ يعني: أولم ينظروا فيعتبروا فيما أنعم الله عز وجل عليهم.
قوله: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً يعني: أنا خلقنا لهم بقوتنا، وبقدرتنا، وبأمرنا، أَنْعاماً يعني: الإبل، والبقر، والغنم، فَهُمْ لَها مالِكُونَ يعني: الأنعام. وقال قتادة:
يعني: ما في بطونها وَذَلَّلْناها لَهُمْ يعني: سخرناها لهم، فيحملون عليها، ويسوقونها حيث شاؤوا، فلا تمتنع منهم فَمِنْها رَكُوبُهُمْ في انتفاعهم وحوائجهم وَمِنْها يَأْكُلُونَ من الإبل،
اشكروا، ووحدوا، وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً يعني: تركوا عبادة رب هذه النعم، وعبدوا الآلهة لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ يعني: لعل هذه الآلهة تمنعهم من العذاب في ظنهم.
يقول الله عَزَّ وَجَلَّ: لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ يعني: منعهم من العذاب وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ يعني: الكفار للأصنام جند يتعصبون لها، ويحضرونها في الدنيا للآلهة. ويقال:
وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ يعني: لآلهتهم كالعبيد، والخدم. قيام بين أيديهم. وقال الحسن:
وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ في الدنيا مُحْضَرُونَ في النار.
ثم قال عز وجل: فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ يعني: لا يحزنك يا محمد تكذيبهم إياك إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ من التكذيب وَما يُعْلِنُونَ يعني: ما يظهرون لك من العداوة.
[سورة يس (٣٦) : الآيات ٧٧ الى ٨٣]
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١)
إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)
قوله عز وجل: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ روى سفيان، عن الكلبي، عن مجاهد قال: أتى أبيّ بن خلف الجمحي إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم بعظم بالي، قد أتى عليه حين، فقام ففته بيده، ثم قال: يا محمد أتعدنا أنا إذا متنا وكنا مثل هذا بعثنا؟ فأنزل الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ الآية. وروي عن ابن عباس- رضي الله عنه- أنه قال: لما ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم القرون الماضية أنهم يبعثوا بعد الموت، وأنكم يا أهل مكة معهم، فأخذ أبي بن خلف الجمحي عظماً بالياً، فجعل يفته بيده، ويذروه في الرياح، ويقول: عجباً يا أهل مكة إِنْ محمداً يزعم أنا إذا متنا، وكنا عظاماً بالية مثل هذا العظم، وكنا تراباً، أنا نعاد خلقاً جديداً، وفينا الروح، وذلك ما لا يكون أبداً، فنزل أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ يعني: أولم يعلم هذا الكافر أنا خلقناه أول مرة مِن نُّطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ جدل بالباطل. ويقال خَصِيمٌ بيَّن
ويقال: ترك النظر في خلق نفسه فلم يعتبر وقالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ يعني: بالية.
والرميم: العظم البالي. يقال: رمّ العظم إذا بلي.
قال الله تعالى: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني: قل يا محمد يحيي العظام الذي خلقها أول مرة يعني: في أول مرة ولم يكن شيئا.
ثم قال عز وجل: وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ يعني: عَلِيمٌ بخلقهم، وببعثهم.
ثم أخبر عن صنعه ليعتبروا في البعث فقال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ يعني: قل يا محمد العظام يحييها الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ قال الكلبي:
كل شجرة يقدح منها النار إلا شجرة العناب، فمن ذلك القصارون يدقون عليه فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ يعني: تقدحون. يعني: فهو الذي يقدر على أن يبعثكم.
ثم قال عز وجل: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وهي أعْظَمُ خلقاً بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ في الآخرة. والكلام يخرج على لفظ الاستفهام. ويراد به التقرير.
ثم قال: بَلى هو قادر على ذلك وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ يعني: الباعث الْعَلِيمُ ببعثهم.
قوله عز وجل: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً من أمر البعث وغيره أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ خلقاً. قرأ ابن عامر والكسائي: فَيَكُونُ بالنصب، وقد ذكرناه في سورة البقرة فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ يعني: خلق كل شيء من البعث وغيره. ويقال:
خزائن كل شيء. ويقال: له القدرة على كل شيء وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بعد الموت، فيجازيكم بأعمالكم. قال: حدثنا الفقيه أبو الليث رحمه الله. قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن حمدان، بإسناده عن أبي بن كعب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْباً، وَقَلْبُ القُرْآنِ يس، فَمَنْ قَرَأ يس يُرِيدُ بِهَا وَجْهَ الله تَعَالَى غُفِرَ لَهُ، وَأُعْطِيَ مِنَ الأجْرِ كَمَنْ قَرَأ الْقُرْآن اثْنَتَيْ عَشَرَةَ مَرَّةً. وَأيُّمَا مُسْلِمٍ قُرِئَتْ عِنْدَهُ سُورَةُ يس حِينَ يَنْزِلُ بِهِ مَلِكُ الْمَوْتِ يَنْزِلُ إلَيْهِ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا عَشَرَةُ أمْلاكٍ يَقُومُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفاً، يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، وَيَشْهَدُونَ قَبْضَهُ، وَيَشْهَدُونَ غَسْلَهُ، وَيُشَيِّعُونَ جِنَازَتَهُ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُونَ دَفْنَهُ. وَأيُّمَا مُسْلِمٍ مريض قرئ عِنْدَهُ سُورَةُ يس وَهُوَ فِي سَكَرَاتِ المَوْتِ، لا يَقْبِض مَلَكَ المَوْتِ رُوَحَهُ حَتَّى يَجِيءَ رَضْوَانُ خَازِنُ الْجَنَّةِ بِشُرْبَةٍ مِنْ شَرَابِ الْجَنَّةِ فَيَشْرَبُهَا وَهُوَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَيَقْبِضُ مَلَكُ الْمَوْتِ