تفسير سورة سورة النساء من كتاب تفسير المراغي
المعروف بـتفسير المراغي
.
لمؤلفه
أحمد بن مصطفى المراغي
.
المتوفي سنة 1371 هـ
ﰡ
(٧) بعض أخبار المنافقين.
(٨) الكلام مع أهل الكتاب إلى ثلاث آيات فى آخرها.
[سورة النساء (٤) : آية ١]
تفسير المفردات
الناس: اسم للجنس البشرى، وهو الحيوان الناطق المنتصب القامة الذي يطلق عليه اسم (إنسان). تساءلون به: أي يسأل به بعضكم بعضا، بأن يقول سألتك بالله أن تقضى هذه الحاجة، والأرحام: أي خافوا حق إضاعة الأرحام، والرقيب: المراقب وهو المشرف من مكان عال، والمرقب: المكان الذي يشرف منه الإنسان على ما دونه، والمراد هنا بالرقيب الحافظ لأن ذلك من لوازمه.
المعنى الجملي
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي أنشأكم من العدم، ورباكم وشملكم بالجود والكرم، واذكروا أنه خلقكم من نفس واحدة وجعلكم جنسا تقوم مصالحه على التعاون والتآزر، وحفظ بعضكم حقوق بعض.
واتقوا الله الذي تعظمونه وتتساءلون فيما بينكم باسمه الكريم، وبحقه على عباده وبما له من السلطان والجبروت، وتذكّروا حقوق الرحم عليكم فلا تفرّطوا فيها، فإنكم إن فعلتم ذلك أفسدتم الأسر والعشائر، فعليكم أن تحافظوا على هاتين الرابطتين
(٨) الكلام مع أهل الكتاب إلى ثلاث آيات فى آخرها.
[سورة النساء (٤) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١)تفسير المفردات
الناس: اسم للجنس البشرى، وهو الحيوان الناطق المنتصب القامة الذي يطلق عليه اسم (إنسان). تساءلون به: أي يسأل به بعضكم بعضا، بأن يقول سألتك بالله أن تقضى هذه الحاجة، والأرحام: أي خافوا حق إضاعة الأرحام، والرقيب: المراقب وهو المشرف من مكان عال، والمرقب: المكان الذي يشرف منه الإنسان على ما دونه، والمراد هنا بالرقيب الحافظ لأن ذلك من لوازمه.
المعنى الجملي
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي أنشأكم من العدم، ورباكم وشملكم بالجود والكرم، واذكروا أنه خلقكم من نفس واحدة وجعلكم جنسا تقوم مصالحه على التعاون والتآزر، وحفظ بعضكم حقوق بعض.
واتقوا الله الذي تعظمونه وتتساءلون فيما بينكم باسمه الكريم، وبحقه على عباده وبما له من السلطان والجبروت، وتذكّروا حقوق الرحم عليكم فلا تفرّطوا فيها، فإنكم إن فعلتم ذلك أفسدتم الأسر والعشائر، فعليكم أن تحافظوا على هاتين الرابطتين
174
رابطة الإيمان ورابطة الرحم الوشيجة، والله رقيب عليكم يعلم ما تأتون وما تذرون، ويحاسبكم على النّقير والقطمير «وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً».
الإيضاح
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) أي أيها الناس احذروا عصيان من رباكم بإحسانه، وتفضل عليكم بجوده وإنعامه، وجعلكم أقرباء يجمعكم نسب واحد وأصل واحد.
وجمهرة العلماء على أن المراد بالنفس الواحدة هنا آدم، وهم لم يأخذوا هذا من نص الآية، بل أخذوه تسليما وهو أن آدم أبو البشر.
وقال القفّال: إن المراد أنه خلق كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل من جنسها زوجا هو إنسان يساويه فى الإنسانية، أو أن الخطاب لقريش الذين كانوا فى عهد النبي ﷺ وهم آل قصىّ، وأن المراد بالنفس الواحدة قصىّ اه.
وقال بعض العلماء أبهم الله تعالى أمر النفس التي خلق الناس منها، فلندعها على إبهامها، فإذا ثبت ما يقوله الباحثون من أن لكل صنف من أصناف البشر أبا كان ذلك غير مخالف لكتابنا، كما هو مخالف للتوراة التي نصت صراحة على أن آدم أبو البشر فحمل ذلك بعض الناس على الطعن فى كونها من عند الله ووحيه.
وقال الأستاذ الإمام: إن ظاهر الآية يأبى أن يكون المراد بالنفس الواحدة آدم لوجهين:
(١) البحث العلمي والتأريخي المعارض لذلك.
(٢) إنه قال رجالا كثيرا ونساء، ولم يقل الرجال والنساء، ولكن ليس فى القرآن ما ينفى هذا الاعتقاد ولا ما يثبته إثباتا قاطعا لا يحتمل التأويل اه.
وما جاء من مخاطبة الناس بقوله: «يا بَنِي آدَمَ» لا يعد نصّا فى كون جميع البشر من أبنائه إذ يكفى فى صحة هذا الخطاب أن يكون من وجّه إليهم فى زمن التنزيل من أولاد آدم.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) أي أيها الناس احذروا عصيان من رباكم بإحسانه، وتفضل عليكم بجوده وإنعامه، وجعلكم أقرباء يجمعكم نسب واحد وأصل واحد.
وجمهرة العلماء على أن المراد بالنفس الواحدة هنا آدم، وهم لم يأخذوا هذا من نص الآية، بل أخذوه تسليما وهو أن آدم أبو البشر.
وقال القفّال: إن المراد أنه خلق كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل من جنسها زوجا هو إنسان يساويه فى الإنسانية، أو أن الخطاب لقريش الذين كانوا فى عهد النبي ﷺ وهم آل قصىّ، وأن المراد بالنفس الواحدة قصىّ اه.
وقال بعض العلماء أبهم الله تعالى أمر النفس التي خلق الناس منها، فلندعها على إبهامها، فإذا ثبت ما يقوله الباحثون من أن لكل صنف من أصناف البشر أبا كان ذلك غير مخالف لكتابنا، كما هو مخالف للتوراة التي نصت صراحة على أن آدم أبو البشر فحمل ذلك بعض الناس على الطعن فى كونها من عند الله ووحيه.
وقال الأستاذ الإمام: إن ظاهر الآية يأبى أن يكون المراد بالنفس الواحدة آدم لوجهين:
(١) البحث العلمي والتأريخي المعارض لذلك.
(٢) إنه قال رجالا كثيرا ونساء، ولم يقل الرجال والنساء، ولكن ليس فى القرآن ما ينفى هذا الاعتقاد ولا ما يثبته إثباتا قاطعا لا يحتمل التأويل اه.
وما جاء من مخاطبة الناس بقوله: «يا بَنِي آدَمَ» لا يعد نصّا فى كون جميع البشر من أبنائه إذ يكفى فى صحة هذا الخطاب أن يكون من وجّه إليهم فى زمن التنزيل من أولاد آدم.
175
بحث فى حقيقة النفس أو الروح
اختلف المسلمون فى حقيقة النفس أو الروح الذي يحيا به الإنسان وتتحقق وحدة جنسه على اختلاف أصنافه، وأشهر آرائهم فى ذلك: الرأى القائل:
إنها جسم نورانى علوىّ خفيف حىّ متحرك ينفذ فى جوهر الأعضاء، ويسرى فيها سريان الماء فى الورد والنار فى الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار التي تفيض عليها من هذا الجسم اللطيف، وجد الحسّ والحركة الإرادية والفكر وغيرها، وإذا فسدت هذه الأعضاء، وعجزت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن، وانفصل إلى عالم الأرواح.
ومما يثبت ذلك أن العقل والحفظ والتذكر وهى أمور ثابتة قطعا- ليست من صفات هذا الجسد، فلابد لها من منشأ وجودى عبر عنه الأقدمون بالنفس أو الروح وما مثلها إلا مثل الكهرباء، فالماديون الذين يقولون لا روح إلا هذه الحياة، يكون مثل الجسد عندهم مثل المستودع الكهربائى، فهو بوضعه الخاص، وبما يودع فيه من الموادّ تتولد فيه الكهرباء، فإذا زال شىء مما أودع فيه، أو أزيل تركيبه الخاص فقد الكهرباء، وهكذا حال الجسم تتولد فيه الحياة بتركيب مزاجه بكيفية خاصة، وبزوالها تزول الحياة، والذين يقولون إن للأرواح استقلالا عن الجسد، يكون مثل الجسد مثل الآلة التي تدار بكهرباء تأتى إليها من المولّد الكهربائى، فإذا كانت الآلة على وضع خاص فى أجزائها وأدوانها كانت مستعدة لقبول الكهرباء التي توجه إليها حتى تؤدى وظيفتها، وإن فقدت منها بعض الأجزاء الرئيسية، أو اختل وضعها الخاص تصبح غير قابلة للكهرباء، ومن ثم لا تؤدى وظيفتها الخاصة بها.
(وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) أي وخلق لتلك النفس التي هى آدم زوجا منها وهى حواء، قالوا إنه خلقها من ضلعه الأيسر وهو نائم، وقد صرح بهذا فى الفصل الثاني من سفر التكوين وورد فى بعض الأحاديث، فقد روى البخاري قوله صلى الله عليه وسلم
اختلف المسلمون فى حقيقة النفس أو الروح الذي يحيا به الإنسان وتتحقق وحدة جنسه على اختلاف أصنافه، وأشهر آرائهم فى ذلك: الرأى القائل:
إنها جسم نورانى علوىّ خفيف حىّ متحرك ينفذ فى جوهر الأعضاء، ويسرى فيها سريان الماء فى الورد والنار فى الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار التي تفيض عليها من هذا الجسم اللطيف، وجد الحسّ والحركة الإرادية والفكر وغيرها، وإذا فسدت هذه الأعضاء، وعجزت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن، وانفصل إلى عالم الأرواح.
ومما يثبت ذلك أن العقل والحفظ والتذكر وهى أمور ثابتة قطعا- ليست من صفات هذا الجسد، فلابد لها من منشأ وجودى عبر عنه الأقدمون بالنفس أو الروح وما مثلها إلا مثل الكهرباء، فالماديون الذين يقولون لا روح إلا هذه الحياة، يكون مثل الجسد عندهم مثل المستودع الكهربائى، فهو بوضعه الخاص، وبما يودع فيه من الموادّ تتولد فيه الكهرباء، فإذا زال شىء مما أودع فيه، أو أزيل تركيبه الخاص فقد الكهرباء، وهكذا حال الجسم تتولد فيه الحياة بتركيب مزاجه بكيفية خاصة، وبزوالها تزول الحياة، والذين يقولون إن للأرواح استقلالا عن الجسد، يكون مثل الجسد مثل الآلة التي تدار بكهرباء تأتى إليها من المولّد الكهربائى، فإذا كانت الآلة على وضع خاص فى أجزائها وأدوانها كانت مستعدة لقبول الكهرباء التي توجه إليها حتى تؤدى وظيفتها، وإن فقدت منها بعض الأجزاء الرئيسية، أو اختل وضعها الخاص تصبح غير قابلة للكهرباء، ومن ثم لا تؤدى وظيفتها الخاصة بها.
(وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) أي وخلق لتلك النفس التي هى آدم زوجا منها وهى حواء، قالوا إنه خلقها من ضلعه الأيسر وهو نائم، وقد صرح بهذا فى الفصل الثاني من سفر التكوين وورد فى بعض الأحاديث، فقد روى البخاري قوله صلى الله عليه وسلم
176
«إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وإن تركتها وفيها عوج استمتعت بها».
وخلاصة هذا- إنه شعّبكم من نفس واحدة أنشأها من تراب وخلق منها زوجها حواء.
ويرى أبو مسلم الأصفهانى: أن معنى (منها) أي من جنسها كما جاء مثل هذا فى قوله: «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» وقوله: «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» وقوله:
«لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ» فلا فرق بين أسلوب هذه الآية وأساليب الآيات الأخرى، والمعنى فى الجميع واحد.
ومن ثبت عنده أن حواء خلقت من ضلع آدم فلا يكون مصدر الإثبات عنده هذه الآية، وإلا كان إخراجا لها عما جاء فى أمثالها اه.
ثم فصل ما أجمله فى قوله: خلقكم من نفس واحدة، فقال:
(وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً) أي ونشر من آدم وحواء نوعى جنس الإنس وهما الذكور والإناث، فجعل النسل من الزوجين كليهما، فجميع سلائل البشر متوالدة من زوجين ذكر وأنثى.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) أي واتقوا الله الذي يسأل به بعضكم بعضا، بأن يقول سألتك بالله أن تقضى هذه الحاجة، وهو يرجو بذلك إجابة سؤله، والمراد من سؤاله بالله سؤاله بإيمانه به وتعظيمه إياه، أي أسألك بسبب ذلك أن تفعل كذا.
واتقوا إضاعة حق الأرحام، فصلوها بالبر والإحسان ولا تقطعوها.
وكرر الأمر بالتقوى للحث عليها، وعبر أوّلا بلفظ (الربّ) الذي يدل على التربية والإحسان، ثم بلفظ (اللَّهِ) الذي يدل على الهيبة والقهر للترغيب أولا والترهيب ثانيا
وخلاصة هذا- إنه شعّبكم من نفس واحدة أنشأها من تراب وخلق منها زوجها حواء.
ويرى أبو مسلم الأصفهانى: أن معنى (منها) أي من جنسها كما جاء مثل هذا فى قوله: «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» وقوله: «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» وقوله:
«لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ» فلا فرق بين أسلوب هذه الآية وأساليب الآيات الأخرى، والمعنى فى الجميع واحد.
ومن ثبت عنده أن حواء خلقت من ضلع آدم فلا يكون مصدر الإثبات عنده هذه الآية، وإلا كان إخراجا لها عما جاء فى أمثالها اه.
ثم فصل ما أجمله فى قوله: خلقكم من نفس واحدة، فقال:
(وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً) أي ونشر من آدم وحواء نوعى جنس الإنس وهما الذكور والإناث، فجعل النسل من الزوجين كليهما، فجميع سلائل البشر متوالدة من زوجين ذكر وأنثى.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) أي واتقوا الله الذي يسأل به بعضكم بعضا، بأن يقول سألتك بالله أن تقضى هذه الحاجة، وهو يرجو بذلك إجابة سؤله، والمراد من سؤاله بالله سؤاله بإيمانه به وتعظيمه إياه، أي أسألك بسبب ذلك أن تفعل كذا.
واتقوا إضاعة حق الأرحام، فصلوها بالبر والإحسان ولا تقطعوها.
وكرر الأمر بالتقوى للحث عليها، وعبر أوّلا بلفظ (الربّ) الذي يدل على التربية والإحسان، ثم بلفظ (اللَّهِ) الذي يدل على الهيبة والقهر للترغيب أولا والترهيب ثانيا
177
كما قال تعالى: «يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً» كأنه قيل: إنه رباك وأحسن إليك فاتق مخالفته، لأنه شديد العقاب، عظيم السطوة.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) أي إنه مشرف على أعمالكم ومناشئها من نفوسكم، وتأثيرها فى أحوالكم لا يخفى عليه شىء من ذلك، فلا يشرع لكم من الأحكام إلا ما فيه صلاحكم وسعادتكم فى الدنيا والآخرة.
وفى ذلك تنبيه لنا إلى الإخلاص فى أعمالنا، إذ من كان متذكرا أن الله مراقب لأعماله كان جديرا أن يتقيه ويلتزم حدوده.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢ الى ٤]
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤)
تفسير المفردات
اليتيم لغة: من مات أبوه مطلقا، لكن العرف خصصه بمن لم يبلغ مبلغ الرجال، ولا تتبدلوا: أي لا تستبدلوا، والخبيث: هو الحرام، والطيب: هو الحلال، حوبا كبيرا:
أي إثما عظيما، القسط: النصيب، وقسط: جار. قال الله تعالى: َ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً»
وأقسط: عدل. قال الله تعالى: «وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» ما طاب لكم: أي مامال إليه القلب منهن، مثنى وثلاث ورباع: أي ثنتين ثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا، ذلك أدنى ألا تعولوا: أي ذلك أقرب إلى عدم العول
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) أي إنه مشرف على أعمالكم ومناشئها من نفوسكم، وتأثيرها فى أحوالكم لا يخفى عليه شىء من ذلك، فلا يشرع لكم من الأحكام إلا ما فيه صلاحكم وسعادتكم فى الدنيا والآخرة.
وفى ذلك تنبيه لنا إلى الإخلاص فى أعمالنا، إذ من كان متذكرا أن الله مراقب لأعماله كان جديرا أن يتقيه ويلتزم حدوده.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢ الى ٤]
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤)
تفسير المفردات
اليتيم لغة: من مات أبوه مطلقا، لكن العرف خصصه بمن لم يبلغ مبلغ الرجال، ولا تتبدلوا: أي لا تستبدلوا، والخبيث: هو الحرام، والطيب: هو الحلال، حوبا كبيرا:
أي إثما عظيما، القسط: النصيب، وقسط: جار. قال الله تعالى: َ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً»
وأقسط: عدل. قال الله تعالى: «وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» ما طاب لكم: أي مامال إليه القلب منهن، مثنى وثلاث ورباع: أي ثنتين ثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا، ذلك أدنى ألا تعولوا: أي ذلك أقرب إلى عدم العول
178
والجور، صدقاتهن: مهورهن، نحلة: أي عطية وهبة، هنيئا مريئا: الهنيء ما يستلزه الآكل، والمريء: ما تجمل عاقبته كأن يسهل هضمه وتحسن تغذيته.
المعنى الجملي
بعد أن افتتح سبحانه السورة بذكر ما يجب على العبد أن ينقاد له من التكاليف، ليبتعد عن سخطه وغضبه فى الدنيا والآخرة- شرع يذكر أنواعها، وأولها إيتاء اليتامى أموالهم، وثانيها حكم ما يحل عدده من الزوجات ومتى يجب الاقتصار على واحدة، ثم وجوب إيتاء الصداق لهن.
الإيضاح
(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) المراد بإيتاء الأموال إياهم: جعلها لهم خاصة وعدم أكل شىء منها بالباطل، أي أيها الأولياء والأوصياء احفظوا أموال اليتامى ولا تتعرضوا لها بسوء وسلموها لهم متى آنستم منهم الرشد، فاليتيم ضعيف لا يقدر على حفظ ماله والدفاع عنه.
(وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) أي ولا تستبدلوا الحرام وهو مال اليتامى بالحلال وهو مالكم الذي اكتسبتموه من فضل الله.
وخلاصة ذلك- لا تتمتعوا بمال اليتيم فى المواضع والحالات التي من شأنكم أن تتمتعوا فيها بأموالكم، فاذا فعلتم ذلك فقد جعلتم مال اليتيم بدلا من مالكم.
(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) المراد من الأكل سائر التصرفات المهلكة للأموال، وإنما ذكر الأكل لأن معظم ما يقع من التصرفات فهو لأجله، و (إِلى) بمعنى مع أي لا تأكلوا أموالهم مخلوطة ومضمومة إلى أموالكم حتى لا تفرقوا بينهما، لأن فى ذلك قلة مبالاة بما لا يحل وتسوية بين الحرام والحلال.
(إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) أي إن هذا الأكل ذنب عظيم وإثم كبير.
المعنى الجملي
بعد أن افتتح سبحانه السورة بذكر ما يجب على العبد أن ينقاد له من التكاليف، ليبتعد عن سخطه وغضبه فى الدنيا والآخرة- شرع يذكر أنواعها، وأولها إيتاء اليتامى أموالهم، وثانيها حكم ما يحل عدده من الزوجات ومتى يجب الاقتصار على واحدة، ثم وجوب إيتاء الصداق لهن.
الإيضاح
(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) المراد بإيتاء الأموال إياهم: جعلها لهم خاصة وعدم أكل شىء منها بالباطل، أي أيها الأولياء والأوصياء احفظوا أموال اليتامى ولا تتعرضوا لها بسوء وسلموها لهم متى آنستم منهم الرشد، فاليتيم ضعيف لا يقدر على حفظ ماله والدفاع عنه.
(وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) أي ولا تستبدلوا الحرام وهو مال اليتامى بالحلال وهو مالكم الذي اكتسبتموه من فضل الله.
وخلاصة ذلك- لا تتمتعوا بمال اليتيم فى المواضع والحالات التي من شأنكم أن تتمتعوا فيها بأموالكم، فاذا فعلتم ذلك فقد جعلتم مال اليتيم بدلا من مالكم.
(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) المراد من الأكل سائر التصرفات المهلكة للأموال، وإنما ذكر الأكل لأن معظم ما يقع من التصرفات فهو لأجله، و (إِلى) بمعنى مع أي لا تأكلوا أموالهم مخلوطة ومضمومة إلى أموالكم حتى لا تفرقوا بينهما، لأن فى ذلك قلة مبالاة بما لا يحل وتسوية بين الحرام والحلال.
(إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) أي إن هذا الأكل ذنب عظيم وإثم كبير.
179
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) أي وإن أحسستم من أنفسكم الخوف من أكل مال الزوجة اليتيمة فعليكم ألا تتزوجوا بها فان الله جعل لكم مندوحة عن اليتامى بما أباحه لكم من التزوّج بغيرهن واحدة أو ثنتين أو ثلاثا أو أربعا، وتقول العرب فى كلامها اقتسموا ألف الدرهم هذا درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة على معنى أن كل واحد يأخذ درهمين فحسب أو ثلاثة أو أربعة ولو أفردت وقلت اقتسموه درهمين وثلاثة وأربعة لم يسغ استعمالا.
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) أي ولكن إن خفتم ألا تعدلوا بين الزوجين أو الزوجات فعليكم أن تلزموا واحدة فقط، والخوف من عدم العدل يصدق بالظن والشك فى ذلك، فالذى يباح له أن يتزوج ثانية أو أكثر هو من يثق من نفسه بالعدل ثقة لا شك فيها.
(أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي اقتصروا على واحدة من الحرائر وتمتعوا بمن تشاءون من السراري لعدم وجوب العدل بينهن، ولكن لهن حق الكفاية فى نفقات المعيشة بما يتعارفه الناس.
(ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) أي اختيار الواحدة أو التسرى أقرب من عدم الجور والظلم.
والخلاصة- إن البعد من الجور سبب فى تشريع الحكم، وفى هذا إيماء إلى اشتراط العدل ووجوب تحرّيه، وإلى أنه عزيز المنال كما قال تعالى: «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ».
والعدل إنما يكون فيما يدخل تحت طاقة الإنسان كالتسوية فى المسكن والملبس ونحو ذلك، أما ما لا يدخل فى وسعه من ميل القلب إلى واحدة دون أخرى فلا يكلف الإنسان بالعدل فيه، وقد كان النبي ﷺ فى آخر عهده يميل إلى عائشة أكثر من سائر نسائه، لكنه لا يخصها بشىء دونهن إلا برضاهن وإذنهن،
وكان يقول
(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) أي ولكن إن خفتم ألا تعدلوا بين الزوجين أو الزوجات فعليكم أن تلزموا واحدة فقط، والخوف من عدم العدل يصدق بالظن والشك فى ذلك، فالذى يباح له أن يتزوج ثانية أو أكثر هو من يثق من نفسه بالعدل ثقة لا شك فيها.
(أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي اقتصروا على واحدة من الحرائر وتمتعوا بمن تشاءون من السراري لعدم وجوب العدل بينهن، ولكن لهن حق الكفاية فى نفقات المعيشة بما يتعارفه الناس.
(ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) أي اختيار الواحدة أو التسرى أقرب من عدم الجور والظلم.
والخلاصة- إن البعد من الجور سبب فى تشريع الحكم، وفى هذا إيماء إلى اشتراط العدل ووجوب تحرّيه، وإلى أنه عزيز المنال كما قال تعالى: «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ».
والعدل إنما يكون فيما يدخل تحت طاقة الإنسان كالتسوية فى المسكن والملبس ونحو ذلك، أما ما لا يدخل فى وسعه من ميل القلب إلى واحدة دون أخرى فلا يكلف الإنسان بالعدل فيه، وقد كان النبي ﷺ فى آخر عهده يميل إلى عائشة أكثر من سائر نسائه، لكنه لا يخصها بشىء دونهن إلا برضاهن وإذنهن،
وكان يقول
180
«اللهم إن هذا قسمى فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك»
يريد ميل القلب، وقد استبان لك مما سلف أن إباحة تعدد الزوجات مضيق فيها أشد التضييق، فهى ضرورة تباح لمن يحتاج إليها بشرط الثقة باقامة العدل والأمن من الجور.
وإن من يرى الفساد الذي يدب فى الأسر التي تتعدد فيها الزوجات ليحكم حكما قاطعا بأن البيت الذي فيه زوجتان أو أكثر لرجل واحد لا تستقيم له حال ولا يستتب فيه نظام.
فانك ترى إحدى الضرتين تغرى ولدها بعداوة إخوته، وتغرى زوجها بهضم حقوق ولده من غيرها، وكثيرا ما يطيع أحب نسائه إليه فيدب الفساد فى الأسرة كلها.
إلى أن ذلك ربما جر إلى السرقة والزنا والكذب والقتل فيقتل الولد والده والوالد ولده والزوجة زوجها، والعكس بالعكس كما دونت ذلك سجلات المحاكم.
فيجب على رجال القضاء والفتيا الذين يعلمون أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأن من أصول الدين منع الضرر والضرار، أن ينظروا إلى علاج لهذه الحال ويضعوا من التشريع ما يكفل منع هذه المفاسد على قدر المستطاع.
مزايا تعدد الزوجات عند الحاجة إليه
الأصل فى السعادة الزوجية أن يكون للرجل زوج واحدة، وذلك منتهى الكمال الذي ينبغى أن يربى عليه الناس ويقنعوا به، لكن قد يعرض ما يدعو إلى مخالفة ذلك لمصالح هامة تتعلق بحياة الزوجين، أو حاجة الأمة فيكون التعدد ضربة لازب لا غنى عنه، ومن ذلك:
(١) أن يتزوج الرجل امرأة عاقرا وهو يود أن يكون له ولد، فمن مصلحتها أو مصلحتهما معا أن تبقى زوجا له ويتزوج بغيرها، ولا سيما إذا كان ذا جاه وثروة كأن يكون ملكا أو أميرا.
يريد ميل القلب، وقد استبان لك مما سلف أن إباحة تعدد الزوجات مضيق فيها أشد التضييق، فهى ضرورة تباح لمن يحتاج إليها بشرط الثقة باقامة العدل والأمن من الجور.
وإن من يرى الفساد الذي يدب فى الأسر التي تتعدد فيها الزوجات ليحكم حكما قاطعا بأن البيت الذي فيه زوجتان أو أكثر لرجل واحد لا تستقيم له حال ولا يستتب فيه نظام.
فانك ترى إحدى الضرتين تغرى ولدها بعداوة إخوته، وتغرى زوجها بهضم حقوق ولده من غيرها، وكثيرا ما يطيع أحب نسائه إليه فيدب الفساد فى الأسرة كلها.
إلى أن ذلك ربما جر إلى السرقة والزنا والكذب والقتل فيقتل الولد والده والوالد ولده والزوجة زوجها، والعكس بالعكس كما دونت ذلك سجلات المحاكم.
فيجب على رجال القضاء والفتيا الذين يعلمون أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأن من أصول الدين منع الضرر والضرار، أن ينظروا إلى علاج لهذه الحال ويضعوا من التشريع ما يكفل منع هذه المفاسد على قدر المستطاع.
مزايا تعدد الزوجات عند الحاجة إليه
الأصل فى السعادة الزوجية أن يكون للرجل زوج واحدة، وذلك منتهى الكمال الذي ينبغى أن يربى عليه الناس ويقنعوا به، لكن قد يعرض ما يدعو إلى مخالفة ذلك لمصالح هامة تتعلق بحياة الزوجين، أو حاجة الأمة فيكون التعدد ضربة لازب لا غنى عنه، ومن ذلك:
(١) أن يتزوج الرجل امرأة عاقرا وهو يود أن يكون له ولد، فمن مصلحتها أو مصلحتهما معا أن تبقى زوجا له ويتزوج بغيرها، ولا سيما إذا كان ذا جاه وثروة كأن يكون ملكا أو أميرا.
181
(٢) أن تكبر المرأة وتبلغ سن اليأس ويرى الرجل حاجته إلى العقب، وهو قادر على القيام بنفقة غير واحدة وكفاية الأولاد الكثيرين وتعليمهم.
(٣) أن يرى الرجل أن امرأة واحدة لا تكفيه لإحصانه لأن مزاجه الخاص يدفعه إلى الحاجة إلى النساء، ومزاجها بعكس هذا، أو يكون زمن حيضها طويلا يأخذ جزءا كبيرا من الشهر فهو حينئذ أمام أحد أمرين: إما التزوج بثانية، وإما الزنا الذي يضيع الدين والمال والصحة، ويكون هذا شرا على الزوجة من ضم واحدة إليها مع العدل بينهما كما هو شرط الإباحة فى الإسلام.
(٤) أن تكثر النساء فى الأمة كثرة فاحشة كما يحدث عقب الحروب التي تجتاح البلاد فتذهب بالألوف المؤلفة من الرجال، فلا وسيلة للمرأة فى التكسب فى هذه الحال إلا ببيع عفافها، ولا يخفى ما بعد هذا من شقاء على المرأة التي تقوم بالإنفاق على نفسها وعلى ولد ليس له والد يكفله، ولا سيما عقب الولادة ومدة الرضاعة.
والمشاهد أن اختلاط النساء بالرجال فى المعامل ومحال التجارة وغيرها من الأماكن العامة قد جر إلى كثير من هتك الأعراض والوقوع فى الشقاء والبلاء حتى كتبت غير واحدة من الكاتبات الإنجليزيات، وأبانت أن هذا التدهور الخلقي لا علاج له إلا بتعدد الزوجات، مع أن هذا ضد مصلحة المرأة، وهى تنفر منه بمقتضى شعورها ووجدانها، وهاك ما قالته إحداهن فى بعض جرائدهن بإيجاز وتلخيص:
لقد كثرت الشاردات من بناتنا وقل الباحثون عن أسباب هذا البلاء، وإنى لأنظر إليهن وقلبى ينفطر أسى وحزنا عليهن، وماذا يفيد بثي وحزنى وإن شاركنى فيه الناس جميعا، لا فائدة إلا العمل على ما يمنع هذه الحال، وهو كما رأى (تومس) إباحة التزوج بأكثر من واحدة وبهذه الوسيلة تصبح بناتنا ربات بيوت.
إذ لم يجر إلى هذا البلاء إلا إجبار الأوربى على الاكتفاء بامرأة واحدة، فهو الذي جعل بناتنا شوارد وقذف بهن إلى أعمال الرجال ولا بد أن يتفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة، فأى ظن وحدس يحيط بعدد الرجال
(٣) أن يرى الرجل أن امرأة واحدة لا تكفيه لإحصانه لأن مزاجه الخاص يدفعه إلى الحاجة إلى النساء، ومزاجها بعكس هذا، أو يكون زمن حيضها طويلا يأخذ جزءا كبيرا من الشهر فهو حينئذ أمام أحد أمرين: إما التزوج بثانية، وإما الزنا الذي يضيع الدين والمال والصحة، ويكون هذا شرا على الزوجة من ضم واحدة إليها مع العدل بينهما كما هو شرط الإباحة فى الإسلام.
(٤) أن تكثر النساء فى الأمة كثرة فاحشة كما يحدث عقب الحروب التي تجتاح البلاد فتذهب بالألوف المؤلفة من الرجال، فلا وسيلة للمرأة فى التكسب فى هذه الحال إلا ببيع عفافها، ولا يخفى ما بعد هذا من شقاء على المرأة التي تقوم بالإنفاق على نفسها وعلى ولد ليس له والد يكفله، ولا سيما عقب الولادة ومدة الرضاعة.
والمشاهد أن اختلاط النساء بالرجال فى المعامل ومحال التجارة وغيرها من الأماكن العامة قد جر إلى كثير من هتك الأعراض والوقوع فى الشقاء والبلاء حتى كتبت غير واحدة من الكاتبات الإنجليزيات، وأبانت أن هذا التدهور الخلقي لا علاج له إلا بتعدد الزوجات، مع أن هذا ضد مصلحة المرأة، وهى تنفر منه بمقتضى شعورها ووجدانها، وهاك ما قالته إحداهن فى بعض جرائدهن بإيجاز وتلخيص:
لقد كثرت الشاردات من بناتنا وقل الباحثون عن أسباب هذا البلاء، وإنى لأنظر إليهن وقلبى ينفطر أسى وحزنا عليهن، وماذا يفيد بثي وحزنى وإن شاركنى فيه الناس جميعا، لا فائدة إلا العمل على ما يمنع هذه الحال، وهو كما رأى (تومس) إباحة التزوج بأكثر من واحدة وبهذه الوسيلة تصبح بناتنا ربات بيوت.
إذ لم يجر إلى هذا البلاء إلا إجبار الأوربى على الاكتفاء بامرأة واحدة، فهو الذي جعل بناتنا شوارد وقذف بهن إلى أعمال الرجال ولا بد أن يتفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة، فأى ظن وحدس يحيط بعدد الرجال
182
المتزوجين الذين لهم أولاد من السفاح وقد أصبحوا عالة وعارا على المجتمع ولو أبيح التعدد لما حاق بأولئك الأولاد وبأمهاتهم ما هم فيه من عذاب ولسلم عرضهن وعرض أولادهن من فداحة الحال التي نراها الآن.
ونشرت كاتبة أخرى (مس إنى رود) فى جريدة أخرى تقول:
لأن يشتغل بناتنا فى البيوت خوادم أو شبه خوادم خير لهن وللمجتمع من اشتغالهن فى المعامل حيث تلوّث البنت بأذران الرذيلة التي تبقى لا صقة بها مدى حياتها.
ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة، والخادم والرقيق ينعمان بأرغد عيش ويعاملان كما يعامل أولاد البيت ولا تمس الأعراض بسوء، وإنه لعار على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطتهن الرجال.
فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها وتقوم بأعمال البيت وتترك أعمال الرجال للرجال فذلك أضمن لعفافها وهو الكفيل بسعادتها اه.
وصفوة القول: إن تعدد الزوجات يخالف المودة والرحمة وسكون النفس إلى المرأة وهى أركان سعادة الحياة الزوجية، فلا ينبغى لمسلم أن يقدم عليه إلا ضرورة مع الثقة بما أوجبه الله من العدل، وليس وراء ذلك إلا ظلم المرء لنفسه وامرأته وولده وأمته.
حكمة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
راعى النبي ﷺ المصيحة فى اختيار كل زوجة من زوجاته، فجذب إليه كبار القبائل بمصاهرتهم وعلم أتباعه احترام النساء وإكرام كرائمهن والعدل بينهن وترك من بعده تسع أمهات للمؤمنين يعلمن نساءهم الأحكام الخاصة بالنساء مما ينبغى أن يعلمنه منهن لامن الرجال، ولو كان قد ترك واحدة ما كان فيها الغناء كما لو ترك التسع.
ونشرت كاتبة أخرى (مس إنى رود) فى جريدة أخرى تقول:
لأن يشتغل بناتنا فى البيوت خوادم أو شبه خوادم خير لهن وللمجتمع من اشتغالهن فى المعامل حيث تلوّث البنت بأذران الرذيلة التي تبقى لا صقة بها مدى حياتها.
ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة، والخادم والرقيق ينعمان بأرغد عيش ويعاملان كما يعامل أولاد البيت ولا تمس الأعراض بسوء، وإنه لعار على بلاد الإنكليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطتهن الرجال.
فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها وتقوم بأعمال البيت وتترك أعمال الرجال للرجال فذلك أضمن لعفافها وهو الكفيل بسعادتها اه.
وصفوة القول: إن تعدد الزوجات يخالف المودة والرحمة وسكون النفس إلى المرأة وهى أركان سعادة الحياة الزوجية، فلا ينبغى لمسلم أن يقدم عليه إلا ضرورة مع الثقة بما أوجبه الله من العدل، وليس وراء ذلك إلا ظلم المرء لنفسه وامرأته وولده وأمته.
حكمة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
راعى النبي ﷺ المصيحة فى اختيار كل زوجة من زوجاته، فجذب إليه كبار القبائل بمصاهرتهم وعلم أتباعه احترام النساء وإكرام كرائمهن والعدل بينهن وترك من بعده تسع أمهات للمؤمنين يعلمن نساءهم الأحكام الخاصة بالنساء مما ينبغى أن يعلمنه منهن لامن الرجال، ولو كان قد ترك واحدة ما كان فيها الغناء كما لو ترك التسع.
183
وقصارى القول إنه عليه السلام ما أراد بتعدد الزوجات ما يريده الملوك والأمراء والمترفون من التمتع بالنساء، إذ لو كان قد أراد ذلك لاختارهن من حسان الأبكار لا من الكهلات الثيبات كما
قال لمن اختار ثيبا «هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك» رواه الشيخان.
(وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) الخطاب للأزواج أي وأعطوا النساء اللواتى تعقدون عليهن المهور عطاء هبة يكون رمزا للمودة التي ينبغى أن تكون بينكما، وآية من آيات المحبة، ودليلا على وثيق الصلة والرابطة التي تجب أن تكنفكما وتحيط بسماء المنزل الذي تحلان فيه، وقد جرى عرف الناس بعدم الاكتفاء بهذا العطاء فتراهم يردفونه بأصناف الهدايا والتحف من مآكل وملابس ومصوغات إلى نحو ذلك، مما يعبر عن حسن تقدير الرجل للمرأة التي يريد أن يجعلها شريكته فى الحياة.
(فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) أي فإن طابت نفوسهن باعطائكم شيئا من الصداق من غير ضرار ولا خديعة فكلوه هنيئا مريئا ولا ذنب عليكم ولا إثم فى أخذه.
ومن ثم لا يجوز للرجل أن يأكل شيئا من مال امرأته إلا إذا علم أن نفسها طيبة به فاذا طلب منها شيئا وحملها الخوف أو الخجل على إعطاء ما طلب فلا يحل له، ألا ترى أنّ الله تعالى نهى عن أخذ شىء من المرأة فى طور المفارقة فقال: «وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ، وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً، فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً» فالتحذير من أخذه فى طور الرغبة والتحبب وإظهار القدرة على ما يجب عليه من أعباء الزوجية من كفالة المرأة والإنفاق عليها يكون أشد وآكد، ولكن حب المل جعل الرجال يماكسون فى المهر كما يماكسون فى سلع التجارة، وصار حبهم للمحافظة على الشرف والكرامة دون حبهم للدرهم والدينار.
قال لمن اختار ثيبا «هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك» رواه الشيخان.
(وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) الخطاب للأزواج أي وأعطوا النساء اللواتى تعقدون عليهن المهور عطاء هبة يكون رمزا للمودة التي ينبغى أن تكون بينكما، وآية من آيات المحبة، ودليلا على وثيق الصلة والرابطة التي تجب أن تكنفكما وتحيط بسماء المنزل الذي تحلان فيه، وقد جرى عرف الناس بعدم الاكتفاء بهذا العطاء فتراهم يردفونه بأصناف الهدايا والتحف من مآكل وملابس ومصوغات إلى نحو ذلك، مما يعبر عن حسن تقدير الرجل للمرأة التي يريد أن يجعلها شريكته فى الحياة.
(فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) أي فإن طابت نفوسهن باعطائكم شيئا من الصداق من غير ضرار ولا خديعة فكلوه هنيئا مريئا ولا ذنب عليكم ولا إثم فى أخذه.
ومن ثم لا يجوز للرجل أن يأكل شيئا من مال امرأته إلا إذا علم أن نفسها طيبة به فاذا طلب منها شيئا وحملها الخوف أو الخجل على إعطاء ما طلب فلا يحل له، ألا ترى أنّ الله تعالى نهى عن أخذ شىء من المرأة فى طور المفارقة فقال: «وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ، وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً، فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً» فالتحذير من أخذه فى طور الرغبة والتحبب وإظهار القدرة على ما يجب عليه من أعباء الزوجية من كفالة المرأة والإنفاق عليها يكون أشد وآكد، ولكن حب المل جعل الرجال يماكسون فى المهر كما يماكسون فى سلع التجارة، وصار حبهم للمحافظة على الشرف والكرامة دون حبهم للدرهم والدينار.
184
[سورة النساء (٤) : الآيات ٥ الى ٦]
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٦)تفسير المفردات
السفهاء واحدهم سفيه: وهو المبذّر للمال المنفق له فيما لا ينبغى، وأصل السفه الخفة والاضطراب، ومنه قيل زمان سفيه: إذا كان كثير الاضطراب، وثوب سفيه: ردىء النسج، ثم استعمل فى نقصان العقل فى تدبير المال وهو المراد هنا، قياما: أي تقوم بها أمور معايشكم، وتمنع عنكم الفقر. قال الراغب: القيام والقوام ما يقوم به الشيء ويثبت كالعماد والسناد لما يعمد ويسند به، وارزقوهم: أي وأعطوهم، والقول المعروف: ما تطيب به النفوس وتألفه كإفهام السفيه أن المال ماله لا فضل لأحد عليه، آنستم منهم رشدا: أي أبصرتم منهم حسن التصرف فى الأموال، الإسراف: مجاوزة الحد فى التصرف فى المال، والبدار: المبادرة والمسارعة إلى الشيء، يقال بادرت إلى الشيء وبدرت إليه، فليستعفف:
أي فليعفّ، والعفة: ترك ما لا ينبغى من الشهوات، والحسيب: الرقيب.
المعنى الجملي
بعد أن أمرنا الله تعالى فى الآيات السالفة بإيتاء اليتامى أموالهم، وبإيتاء النساء مهورهن أتى فى هذه الآية بشرط للإيتاء يشمل الأمرين معا وهو ألا يكون كل منهما سفيها، مع بيان أنهم يرزقون فيها، ويكسون مادامت فى أيديهم مع قول المعروف لهم حتى تحسن أحوالهم، وأنه لا تسلم إليهم الأموال إلا إذا أونس منهم الرشد، وأنه لا ينبغى الإسراف
185
فى أكل أموال اليتامى، فمن كان من الأولياء غنيا فليعف عن الأكل من أموالهم، ومن كان فقيرا فليأكل بما يبيحه الشرع، ويستجيزه أرباب المروءة.
الإيضاح
(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً) هذا خطاب لمجموع الأمة، والنهى شامل لكل مال يعطى لأىّ سفيه، أي أعطوا كل يتيم ماله إذا بلغ، وكل امرأة صداقها إلا إذا كان أحدهما سفيها لا يحسن التصرف فى ماله فامنعوه منه لئلا يضيعه، واحفظوه له حتى يرشد.
وإنما قال أموالكم ولم يقل أموالهم مع أن الخطاب للأولياء والمال مال السفهاء الذين فى ولايتهم، لينبهنا إلى أنه إذا ضاع هذا المال وجب على الولي أن ينفق عليه من مال نفسه، فإضاعته مفضية إلى إضاعة شىء من مال الولي فكأن ماله عين ماله، وإلى أن الأمة متكافلة فى المصالح، فمصلحة كل فرد فيها كأنها مصلحة للآخرين.
ومعنى جعل الأموال قياما للناس، أن بها تقوم وتثبت منافعهم ومرافقهم، فمنافعهم الخاصة، ومصالحهم العامة لا تزال قائمة ثابتة مادامت أموالهم فى أيدى الراشدين المقتصدين منهم الذين يحسنون تثميرها وتوفيرها، ولا يتجاوزون حدود المصلحة فى الإنفاق، وفى هذا حث عظيم على الاقتصاد بذكر فوائده، وتنفير من الإسراف والتبذير ببيان مغبته، فإن الأموال إذا وقعت فى أيدى السفهاء المسرفين فات ما كان من تلك المنافع قائما، ومن ثم وصف الله المؤمنين بقوله: «وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً». وقد ورد فى السنة النبوية حثّ كثير على الاقتصاد، من ذلك مارواه أحمد عن ابن مسعود: «ما عال من اقتصد». ومارواه الطبراني والبيهقي عن ابن عمر:
«الاقتصاد فى النفقة نصف المعيشة، والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن العقل نصف العلم» وإن من أشد العجب أن يكون حال المسلمين اليوم ما نرى من الإسراف والتبذير، وكتابهم يهديهم إلى ما للاقتصاد من فوائد، وما للتبذير من مضار، إلى ما للمال فى هذا الزمن من المنزلة التي لا يقدر قدرها حتى صارت جميع المرافق موقوفة
الإيضاح
(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً) هذا خطاب لمجموع الأمة، والنهى شامل لكل مال يعطى لأىّ سفيه، أي أعطوا كل يتيم ماله إذا بلغ، وكل امرأة صداقها إلا إذا كان أحدهما سفيها لا يحسن التصرف فى ماله فامنعوه منه لئلا يضيعه، واحفظوه له حتى يرشد.
وإنما قال أموالكم ولم يقل أموالهم مع أن الخطاب للأولياء والمال مال السفهاء الذين فى ولايتهم، لينبهنا إلى أنه إذا ضاع هذا المال وجب على الولي أن ينفق عليه من مال نفسه، فإضاعته مفضية إلى إضاعة شىء من مال الولي فكأن ماله عين ماله، وإلى أن الأمة متكافلة فى المصالح، فمصلحة كل فرد فيها كأنها مصلحة للآخرين.
ومعنى جعل الأموال قياما للناس، أن بها تقوم وتثبت منافعهم ومرافقهم، فمنافعهم الخاصة، ومصالحهم العامة لا تزال قائمة ثابتة مادامت أموالهم فى أيدى الراشدين المقتصدين منهم الذين يحسنون تثميرها وتوفيرها، ولا يتجاوزون حدود المصلحة فى الإنفاق، وفى هذا حث عظيم على الاقتصاد بذكر فوائده، وتنفير من الإسراف والتبذير ببيان مغبته، فإن الأموال إذا وقعت فى أيدى السفهاء المسرفين فات ما كان من تلك المنافع قائما، ومن ثم وصف الله المؤمنين بقوله: «وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً». وقد ورد فى السنة النبوية حثّ كثير على الاقتصاد، من ذلك مارواه أحمد عن ابن مسعود: «ما عال من اقتصد». ومارواه الطبراني والبيهقي عن ابن عمر:
«الاقتصاد فى النفقة نصف المعيشة، والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن العقل نصف العلم» وإن من أشد العجب أن يكون حال المسلمين اليوم ما نرى من الإسراف والتبذير، وكتابهم يهديهم إلى ما للاقتصاد من فوائد، وما للتبذير من مضار، إلى ما للمال فى هذا الزمن من المنزلة التي لا يقدر قدرها حتى صارت جميع المرافق موقوفة
186
على المال، وأصبحت الأمم الجاهلة بطرق الاقتصاد وليس فى أيديها المال مستذلة مستعبدة للأمم الغنية ذات البراعة فى الكسب والإحسان فى الاقتصاد وجمع المال.
ولا سبب لهذا إلا أنا نبذنا هدى القرآن وراء ظهورنا، وأخذنا بآراء الجاهلين الذين لبسوا على الناس ونفثوا سمومهم وبالغوا فى التزهيد والحث على إنفاق ما تصل إليه الأيدى، مع أن السلف الصالح كانوا من أشد الناس محافظة على ما فى أيديهم، وأعرف الناس بتحصيل المال من وجوه الكسب الحلال، وليت هذا التزهيد أتى بالغرض المسوق لأجله من الترغيب فى الآخرة والعمل لها، لكنهم زهدوهم فى الدنيا وقطعوهم عن الآخرة فخسروهما معا، وما ذاك إلا لجهلهم بهدى الإسلام وهو السعى للدنيا والعمل للآخرة كما
ورد فى الأثر «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا».
(وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) الرزق يعم وجوه الإنفاق جميعها كالأكل والمبيت والزواج والكسوة، وإنما خص الكسوة بالذكر، لأن الناس يتساهلون فيها أحيانا، وقال (فيها) ولم يقل منها إشارة إلى أن الأموال تتخذ مكانا للرزق بالتجارة فيها فتكون النفقات من الأرباح لا من صلب المال حتى لا يأكلها الإنفاق، أي أيها الأولياء الذين عهد إليكم حفظ أموال السفهاء وتثميرها حتى كأنها أموالكم، عليكم أن تنفقوا عليهم فتقدموا لهم كفايتهم من الطعام والثياب ونحو ذلك.
(وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً) أي فليقل كل ولى للمولى عليه إذا كان صغيرا: المال مالك وما أنا إلا خازن له وإذا كبرت رد إليك وإذا كان سفيها وعظه ونصحه، ورغبه فى ترك التبذير والإسراف، وعرفه أن عاقبة ذلك الفقر والاحتياج إلى الخلق إلى نحو ذلك، كما يعلمه كل ما يوصله إلى الرشد، وبذا قد تحسن حاله، فربما كان السفه عارضا لا فطريا، فبالنصح والإرشاد والتأديب يزول ذلك العارض ويصبح رشيدا.
ولا سبب لهذا إلا أنا نبذنا هدى القرآن وراء ظهورنا، وأخذنا بآراء الجاهلين الذين لبسوا على الناس ونفثوا سمومهم وبالغوا فى التزهيد والحث على إنفاق ما تصل إليه الأيدى، مع أن السلف الصالح كانوا من أشد الناس محافظة على ما فى أيديهم، وأعرف الناس بتحصيل المال من وجوه الكسب الحلال، وليت هذا التزهيد أتى بالغرض المسوق لأجله من الترغيب فى الآخرة والعمل لها، لكنهم زهدوهم فى الدنيا وقطعوهم عن الآخرة فخسروهما معا، وما ذاك إلا لجهلهم بهدى الإسلام وهو السعى للدنيا والعمل للآخرة كما
ورد فى الأثر «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا».
(وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) الرزق يعم وجوه الإنفاق جميعها كالأكل والمبيت والزواج والكسوة، وإنما خص الكسوة بالذكر، لأن الناس يتساهلون فيها أحيانا، وقال (فيها) ولم يقل منها إشارة إلى أن الأموال تتخذ مكانا للرزق بالتجارة فيها فتكون النفقات من الأرباح لا من صلب المال حتى لا يأكلها الإنفاق، أي أيها الأولياء الذين عهد إليكم حفظ أموال السفهاء وتثميرها حتى كأنها أموالكم، عليكم أن تنفقوا عليهم فتقدموا لهم كفايتهم من الطعام والثياب ونحو ذلك.
(وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً) أي فليقل كل ولى للمولى عليه إذا كان صغيرا: المال مالك وما أنا إلا خازن له وإذا كبرت رد إليك وإذا كان سفيها وعظه ونصحه، ورغبه فى ترك التبذير والإسراف، وعرفه أن عاقبة ذلك الفقر والاحتياج إلى الخلق إلى نحو ذلك، كما يعلمه كل ما يوصله إلى الرشد، وبذا قد تحسن حاله، فربما كان السفه عارضا لا فطريا، فبالنصح والإرشاد والتأديب يزول ذلك العارض ويصبح رشيدا.
187
وأين هذا مما يفعله الأولياء والأوصياء من أكل أموال السفهاء ومدهم فى غيهم وسفههم حتى يحولوا بينهم وبين أسباب الرشد، وما مقصدهم من ذلك إلا بقاء الأموال تحت أيديهم يتمتعون بها، ويتصرفون فيها بحسب أهوائهم وشهواتهم.
وبعد أن أمر سبحانه بإيتاء اليتامى أموالهم وكان هذا مجملا ذكر كيفية ذلك الإيتاء ووقته فقال:
(وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) ابتلاء اليتيم واختباره يكون بإعطائه شيئا من المال يتصرف فيه، فإن أحسن كان راشدا، إذ لا معنى للرشد هنا إلا حسن التصرف وإصابة الخير فيه، وهو نتيجة صحة العقل وجودة الرأى.
وبلوغ النكاح هو الوصول إلى السن التي يستعد فيها المرء للزواج وهو بلوغ الحلم، وهو فى هذه الحال تتوجه نفسه إلى أن يكون زوجا وأبا ورب أسرة، ولا يتم له ذلك إلا بالمال، ومن ثم وجب إيتاؤه إياه إلا إذا بلغ سفيها وخيف أن يضيعه.
والمعنى- أيها الأولياء ابتلوا اليتامى إلى ابتداء البلوغ وهو الحد الذي يبلغون فيه سن النكاح، فإن آنستم منهم بعد البلوغ رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، وإلا فاستمروا على الابتلاء حتى تأنسوه منهم، ويرى أبو حنيفة دفع مال اليتيم إليه إذا بلغ خمسا وعشرين سنة وإن لم يرشد.
(وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) أي ولا تأكلوا أموال اليتامى مسرفين فى الإنفاق منها ولو على اليتيم نفسه، ولا مبادرين كبرهم إليها أي ولا مسابقين الكبر فى السن التي بها يأخذونها منكم، فأنتم تطلبون أكل هذا المال كما يطلب كبر السن صاحبه فالسابق منكما هو الذي يظفر به، فبعض الأولياء الخربى الذمة يستعجلون ببعض التصرفات التي لهم فيها منفعة وليس لليتيم فيها ذلك حتى لا تفوتهم إذا كبر اليتيم وأخذ ماله.
ولما كانت هاتان الحالان- الإسراف ومسابقة كبر اليتيم ببعض التصرف- من مواطن الضعف التي تعرض للانسان نهى الله عنهما ونبه
وبعد أن أمر سبحانه بإيتاء اليتامى أموالهم وكان هذا مجملا ذكر كيفية ذلك الإيتاء ووقته فقال:
(وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) ابتلاء اليتيم واختباره يكون بإعطائه شيئا من المال يتصرف فيه، فإن أحسن كان راشدا، إذ لا معنى للرشد هنا إلا حسن التصرف وإصابة الخير فيه، وهو نتيجة صحة العقل وجودة الرأى.
وبلوغ النكاح هو الوصول إلى السن التي يستعد فيها المرء للزواج وهو بلوغ الحلم، وهو فى هذه الحال تتوجه نفسه إلى أن يكون زوجا وأبا ورب أسرة، ولا يتم له ذلك إلا بالمال، ومن ثم وجب إيتاؤه إياه إلا إذا بلغ سفيها وخيف أن يضيعه.
والمعنى- أيها الأولياء ابتلوا اليتامى إلى ابتداء البلوغ وهو الحد الذي يبلغون فيه سن النكاح، فإن آنستم منهم بعد البلوغ رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، وإلا فاستمروا على الابتلاء حتى تأنسوه منهم، ويرى أبو حنيفة دفع مال اليتيم إليه إذا بلغ خمسا وعشرين سنة وإن لم يرشد.
(وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) أي ولا تأكلوا أموال اليتامى مسرفين فى الإنفاق منها ولو على اليتيم نفسه، ولا مبادرين كبرهم إليها أي ولا مسابقين الكبر فى السن التي بها يأخذونها منكم، فأنتم تطلبون أكل هذا المال كما يطلب كبر السن صاحبه فالسابق منكما هو الذي يظفر به، فبعض الأولياء الخربى الذمة يستعجلون ببعض التصرفات التي لهم فيها منفعة وليس لليتيم فيها ذلك حتى لا تفوتهم إذا كبر اليتيم وأخذ ماله.
ولما كانت هاتان الحالان- الإسراف ومسابقة كبر اليتيم ببعض التصرف- من مواطن الضعف التي تعرض للانسان نهى الله عنهما ونبه
188
الأولياء إلى خطرهما حتى يراقبوا ربهم إذا عرضتا لهم، فقد تخادع الإنسان نفسه فى حد الإسراف وخفاء وجه منفعة الولي فى المسابقة إلى بعض الأعمال فى مال اليتيم، ويغشّها إذا لم يمكن أن يمارى فى ذلك مراء ظاهرا تتضح فيه خيانته.
أما الأكل من مال اليتيم بلا إسراف ولا مبادرة خوف أخذها عند البلوغ، فقد ذكر الله حكمه بقوله:
«وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» أي فمن كان منكم غنيا غير محتاج إلى شىء من مال اليتيم الذي تحت ولايته فليعفّ عن الأكل من ماله، ومن كان فقيرا لا يستغنى عن الانتفاع بشىء من مال اليتيم الذي يشغل بعض وقته فى تثميره وحفظه فليأكل منه بالمعروف، وهو ما يبيحه الشرع، ولا يستنكره أرباب المروءة، ولا يعدونه خيانة وطمعا.
قال ابن جرير: إن الأمة مجمعة على أن مال اليتيم ليس مالا للولى، فليس له أن يأكل منه شيئا، ولكن له أن يستقرض منه عند الحاجة كما يستقرض له، وله أن يؤاجر نفسه لليتيم بأجرة معلومة إذا كان اليتيم محتاجا إلى ذلك كما يستأجر له غيره من الأجراء غير مخصوص بها حال غنى ولا حال فقر، وهكذا الحكم فى أموال المجانين والمعاتيه.
وقد روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي ﷺ قال: ليس لى مال وإنى ولىّ يتيم فقال: «كل من مال يتيمك غير مسرف ولا متأثّل مالا ومن غير أن تقى مالك بماله».
والحكمة فى هذا أن اليتيم يكون فى بيت الولي كولده، والخير له فى تربيته أن يخالط الولىّ وأهله فى المؤاكلة والمعاشرة، فإذا كان الولي غنيا ولا طمع له فى ماله كانت المخالطة مصلحة لليتيم، وإن كان ينفق فيها شىء من ماله فبقدر حاجته، وإن كان فقيرا فهو لا يستغنى عن إصابة بعض ما يحتاج إليه من مال اليتيم الغنى الذي فى حجره، فإن أكل من طعامه ما جرى به العرف بين الخلطاء غير مصيب من صلب
أما الأكل من مال اليتيم بلا إسراف ولا مبادرة خوف أخذها عند البلوغ، فقد ذكر الله حكمه بقوله:
«وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» أي فمن كان منكم غنيا غير محتاج إلى شىء من مال اليتيم الذي تحت ولايته فليعفّ عن الأكل من ماله، ومن كان فقيرا لا يستغنى عن الانتفاع بشىء من مال اليتيم الذي يشغل بعض وقته فى تثميره وحفظه فليأكل منه بالمعروف، وهو ما يبيحه الشرع، ولا يستنكره أرباب المروءة، ولا يعدونه خيانة وطمعا.
قال ابن جرير: إن الأمة مجمعة على أن مال اليتيم ليس مالا للولى، فليس له أن يأكل منه شيئا، ولكن له أن يستقرض منه عند الحاجة كما يستقرض له، وله أن يؤاجر نفسه لليتيم بأجرة معلومة إذا كان اليتيم محتاجا إلى ذلك كما يستأجر له غيره من الأجراء غير مخصوص بها حال غنى ولا حال فقر، وهكذا الحكم فى أموال المجانين والمعاتيه.
وقد روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي ﷺ قال: ليس لى مال وإنى ولىّ يتيم فقال: «كل من مال يتيمك غير مسرف ولا متأثّل مالا ومن غير أن تقى مالك بماله».
والحكمة فى هذا أن اليتيم يكون فى بيت الولي كولده، والخير له فى تربيته أن يخالط الولىّ وأهله فى المؤاكلة والمعاشرة، فإذا كان الولي غنيا ولا طمع له فى ماله كانت المخالطة مصلحة لليتيم، وإن كان ينفق فيها شىء من ماله فبقدر حاجته، وإن كان فقيرا فهو لا يستغنى عن إصابة بعض ما يحتاج إليه من مال اليتيم الغنى الذي فى حجره، فإن أكل من طعامه ما جرى به العرف بين الخلطاء غير مصيب من صلب
189
المال شيئا ولا متأثل لنفسه منه عقارا ولا مالا آخر ولا منفق ماله فى مصالحه ومرافقه كان بعمله هذا آكلا بالمعروف.
(فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) أي فإذا دفعتم أيها الأولياء والأوصياء إلى اليتامى أموالهم فأشهدوا عليهم بقبضها وبراءة ذممكم منها، كى لا يكون بينكم نزاع.
وهذا الإشهاد واجب عند الشافعية والمالكية، إذ أن تركه يؤدى إلى التخاصم والتقاضي كما هو مشاهد، وجعله الحنفية مندوبا لا واجبا.
(وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً) أي وكفى الله رقيبا عليكم يحاسبكم على ما تسرّون وما تعلنون، وقد جاء هذا بعد الأمر بالإشهاد ليرشدنا إلى أن الإشهاد وإن أسقط الدعوى بالمال عند القاضي فهو لا يسقط الحق عند الله إذا كان الولي خائنا، فإن الله لا يخفى عليه ما يخفى على الشهود والحكام.
وعلى الجملة فإنك ترى أن الله تعالى حاط أموال اليتامى بضروب من الصيانة والحفظ، فأمر باختبار اليتيم قبل دفع ماله إليه، ونهى عن أكل شىء منه بطرق الإسراف ومبادرة كبره، وأمر بالإشهاد عليه عند الدفع، ونبّه إلى مراقبة الله تعالى فى جميع التصرفات الخاصة به.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧ الى ١٠]
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠)
(فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) أي فإذا دفعتم أيها الأولياء والأوصياء إلى اليتامى أموالهم فأشهدوا عليهم بقبضها وبراءة ذممكم منها، كى لا يكون بينكم نزاع.
وهذا الإشهاد واجب عند الشافعية والمالكية، إذ أن تركه يؤدى إلى التخاصم والتقاضي كما هو مشاهد، وجعله الحنفية مندوبا لا واجبا.
(وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً) أي وكفى الله رقيبا عليكم يحاسبكم على ما تسرّون وما تعلنون، وقد جاء هذا بعد الأمر بالإشهاد ليرشدنا إلى أن الإشهاد وإن أسقط الدعوى بالمال عند القاضي فهو لا يسقط الحق عند الله إذا كان الولي خائنا، فإن الله لا يخفى عليه ما يخفى على الشهود والحكام.
وعلى الجملة فإنك ترى أن الله تعالى حاط أموال اليتامى بضروب من الصيانة والحفظ، فأمر باختبار اليتيم قبل دفع ماله إليه، ونهى عن أكل شىء منه بطرق الإسراف ومبادرة كبره، وأمر بالإشهاد عليه عند الدفع، ونبّه إلى مراقبة الله تعالى فى جميع التصرفات الخاصة به.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧ الى ١٠]
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠)
190
تفسير المفردات
مفروضا: أي محتوما لا بد لهم أن يأخذوه. الخشية: الخوف فى محل الأمن، والسديد: العدل والصواب والسداد (بالكسر) ما يسد به الشيء كالثغر (موضع الخوف من العدو) والقارورة، وورد قولهم: فيها سداد من عوز بكسر السين: أي فيها الغناء والكفاية، وصلى اللحم صليا شواه، فإذا أراد إحراقه يقال أصلاه إصلاء وصلّاه تصلية، وصلى يده بالنار: أدفأها، واصطلى: استدفأ، والسعير: النار المستعرة المشتعلة، يقال سعرت النار وسعّرتها.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه فى الآيات السابقة حرمة أكل أموال اليتامى وأمر بإعطائهم أموالهم إذا رشدوا، ومنع أكل مهور النساء أو تزويجهن بغير مهر.
ذكر هنا أن المال الموروث الذي يحفظه الأولياء لليتامى يشترك فيه الرجال والنساء، وقد كانوا فى الجاهلية لا يورثون النساء والأولاد الصغار، ويقولون لا يرث إلا من طاعن بالرماح وحاز الغنيمة، ثم أمر بإحسان القول إلى اليتامى، لأن اليتيم مرهف الحسّ يألم للكلمة تهينه، ولا سيما ذكر أبيه وأمه بسوء، وقلما يوجد يتيم لا يمتهن ولا يقهر بالسوء من القول، ثم طلب الإشفاق عليهم ومعاملتهم بالحسنى، فربما يترك الميت ذرية ضعافا يود أن غيره يعاملهم بمثل هذه المعاملة، وبعدئذ شدد فى الوعيد، ونفرّ من أكل أموال اليتامى ظلما وجعل أكله كأكل النار.
وقد روى فى سبب نزول الآية «أن أوس بن الصامت الأنصاري توفّى وترك امرأته أم كحلة وثلاث بنات له منها فزوى ابنا عمه سويد وعرفطة ميراثه عنهن على سنة الجاهلية، فجاءت امرأته إلى رسول الله ﷺ فى مسجد الفضيح (مسجد بالمدينة كان يسكنه أهل الصفّة) فشكت إليه أن زوجها أوسا قد مات وخلف ثلاث بنات وليس عندها ما تنفق عليهن منه، وقد ترك أبوهن مالا حسنا
مفروضا: أي محتوما لا بد لهم أن يأخذوه. الخشية: الخوف فى محل الأمن، والسديد: العدل والصواب والسداد (بالكسر) ما يسد به الشيء كالثغر (موضع الخوف من العدو) والقارورة، وورد قولهم: فيها سداد من عوز بكسر السين: أي فيها الغناء والكفاية، وصلى اللحم صليا شواه، فإذا أراد إحراقه يقال أصلاه إصلاء وصلّاه تصلية، وصلى يده بالنار: أدفأها، واصطلى: استدفأ، والسعير: النار المستعرة المشتعلة، يقال سعرت النار وسعّرتها.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه فى الآيات السابقة حرمة أكل أموال اليتامى وأمر بإعطائهم أموالهم إذا رشدوا، ومنع أكل مهور النساء أو تزويجهن بغير مهر.
ذكر هنا أن المال الموروث الذي يحفظه الأولياء لليتامى يشترك فيه الرجال والنساء، وقد كانوا فى الجاهلية لا يورثون النساء والأولاد الصغار، ويقولون لا يرث إلا من طاعن بالرماح وحاز الغنيمة، ثم أمر بإحسان القول إلى اليتامى، لأن اليتيم مرهف الحسّ يألم للكلمة تهينه، ولا سيما ذكر أبيه وأمه بسوء، وقلما يوجد يتيم لا يمتهن ولا يقهر بالسوء من القول، ثم طلب الإشفاق عليهم ومعاملتهم بالحسنى، فربما يترك الميت ذرية ضعافا يود أن غيره يعاملهم بمثل هذه المعاملة، وبعدئذ شدد فى الوعيد، ونفرّ من أكل أموال اليتامى ظلما وجعل أكله كأكل النار.
وقد روى فى سبب نزول الآية «أن أوس بن الصامت الأنصاري توفّى وترك امرأته أم كحلة وثلاث بنات له منها فزوى ابنا عمه سويد وعرفطة ميراثه عنهن على سنة الجاهلية، فجاءت امرأته إلى رسول الله ﷺ فى مسجد الفضيح (مسجد بالمدينة كان يسكنه أهل الصفّة) فشكت إليه أن زوجها أوسا قد مات وخلف ثلاث بنات وليس عندها ما تنفق عليهن منه، وقد ترك أبوهن مالا حسنا
191
عند ابني عمه لم يعطياها منه شيئا، وهن فى حجرى لا يطعمن ولا يسقين، فدعاهما رسول الله ﷺ فقالا: يا رسول الله ولدها لا يركب فرسا ولا يحمل كلّا ولا ينكى عدوا، نكسب عليها ولا تكسب، فنزلت الآية فأثبتت لهن الميراث. فقال رسول الله لا تفرّقا من مال أوس شيئا فإن الله جعل لبناته نصيبا مما ترك ولم يبين، فنزلت (يُوصِيكُمُ اللَّهُ) إلخ فأعطى زوجه الثمن والبنات الثلثين والباقي لبنى العم».
الإيضاح
(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) أي إذا كان لليتامى مال مما تركه لهم الوالدان والأقربون فهم فيه سواء، لا فرق بين الرجال والنساء، ولا فرق بين كونه كثيرا أو قليلا، وأتى بقوله نصيبا مفروضا، لبيان أنه حق معين مقطوع به ليس لأحد أن ينقص منه شيئا ولا أن يحابى فيه.
(وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً) المراد بذوي القربى من لا يرث منهم كالأخ لأب مع الأخ الشقيق والعم مع الأب.
أي إذا حضر قسمة التركة أحد من ذوى القربى للوارثين فانفحوهم بشىء من الرزق الذي جاءكم من غير كدّ ولا نصب، فلا ينبغى أن تبخلوا به على المحتاجين من ذوى القربى واليتامى والمساكين وتتركوهم يذهبون منكسرى القلب مضطربى النفس، وقولوا لهم قولا تطيب به نفوسهم عند ما يعطون، حتى لا يثقل على أبىّ النفس منهم ما يأخذ، ويرضى الطامع فى أكثر مما أخذ بالتودد والتلطف فى القول وعدم التغليظ فيه.
والسر فى إعطائهم شيئا من التركة أنه ربما يسرى الحسد إلى نفوسهم، فينبغى التودّد إليهم واستمالتهم بإعطائهم قدرا من هذا المال هبة أو هدية أو إعداد طعام لهم يوم القسمة، ليكون فى هذا صلة للرحم، وشكر للنعمة.
الإيضاح
(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) أي إذا كان لليتامى مال مما تركه لهم الوالدان والأقربون فهم فيه سواء، لا فرق بين الرجال والنساء، ولا فرق بين كونه كثيرا أو قليلا، وأتى بقوله نصيبا مفروضا، لبيان أنه حق معين مقطوع به ليس لأحد أن ينقص منه شيئا ولا أن يحابى فيه.
(وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً) المراد بذوي القربى من لا يرث منهم كالأخ لأب مع الأخ الشقيق والعم مع الأب.
أي إذا حضر قسمة التركة أحد من ذوى القربى للوارثين فانفحوهم بشىء من الرزق الذي جاءكم من غير كدّ ولا نصب، فلا ينبغى أن تبخلوا به على المحتاجين من ذوى القربى واليتامى والمساكين وتتركوهم يذهبون منكسرى القلب مضطربى النفس، وقولوا لهم قولا تطيب به نفوسهم عند ما يعطون، حتى لا يثقل على أبىّ النفس منهم ما يأخذ، ويرضى الطامع فى أكثر مما أخذ بالتودد والتلطف فى القول وعدم التغليظ فيه.
والسر فى إعطائهم شيئا من التركة أنه ربما يسرى الحسد إلى نفوسهم، فينبغى التودّد إليهم واستمالتهم بإعطائهم قدرا من هذا المال هبة أو هدية أو إعداد طعام لهم يوم القسمة، ليكون فى هذا صلة للرحم، وشكر للنعمة.
192
قال سعيد بن جبير: هذا الأمر (أمر الإعطاء) للوجوب وقد هجره الناس كما هجروا العمل بالاستئذان عند دخول البيوت.
وقال الحسن والنخعي: إنّ ما أمرنا أن نرزقهم منه عند القسمة هو الأعيان المنقولة، وأما الأرضون والرقيق وما أشبه ذلك فلا يجب أن يعطوا منها شيئا بل يكتفى حينئذ بقول المعروف أو بإطعام الطعام.
(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً) لا يزال الكلام مع الأوصياء والأولياء الذين يقومون على اليتامى والقول السديد منهم أن يكلموهم كما يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب ويدعوهم بقولهم يا بنىّ ويا ولدي ونحو ذلك، وقوله تركوا أي قاربوا أن يتركوا، وقوله من خلفهم: أي من بعد موتهم، وقوله خافوا عليهم أي الإهمال والضياع.
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) ظلما أي على سبيل الظلم وهضم الحقوق لا أكلا بالمعروف عند الحاجة إلى ذلك أو تقدير الأجرة العمل، وقوله فى بطونهم: أي ملء بطونهم، وقوله نارا: أي ما هو سبب لعذاب النار
وقال الحسن والنخعي: إنّ ما أمرنا أن نرزقهم منه عند القسمة هو الأعيان المنقولة، وأما الأرضون والرقيق وما أشبه ذلك فلا يجب أن يعطوا منها شيئا بل يكتفى حينئذ بقول المعروف أو بإطعام الطعام.
(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً) لا يزال الكلام مع الأوصياء والأولياء الذين يقومون على اليتامى والقول السديد منهم أن يكلموهم كما يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب ويدعوهم بقولهم يا بنىّ ويا ولدي ونحو ذلك، وقوله تركوا أي قاربوا أن يتركوا، وقوله من خلفهم: أي من بعد موتهم، وقوله خافوا عليهم أي الإهمال والضياع.
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) ظلما أي على سبيل الظلم وهضم الحقوق لا أكلا بالمعروف عند الحاجة إلى ذلك أو تقدير الأجرة العمل، وقوله فى بطونهم: أي ملء بطونهم، وقوله نارا: أي ما هو سبب لعذاب النار
193
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ
ﰊ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﰋ
[سورة النساء (٤) : الآيات ١١ الى ١٢]
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١) وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢)المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه حكم الميراث مجملا فى قوله: للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، ذكر هنا تفصيل ذلك المجمل فبين أحكام المواريث وفرائضها لإبطال ما كان عليه العرب من نظام التوارث فى الجاهلية من منع الأنثى وصغار الأولاد، وتوريث بعض من حرمه الإسلام من الميراث.
وقد كانت أسباب الإرث فى الجاهلية ثلاثة:
(١) النسب، وهو لا يكون إلا للرجال الذين يركبون الخيل ويقاتلون العدو ويأخذون الغنائم وليس للضعيفين المرأة والطفل من ذلك شىء.
(٢) التبني- فقد كان الرجل يتبنى ولد غيره فيكون له أحكام الولد فى الميراث وغيره.
(٣) الحلف والعهد- فقد كان الرجل يقول لآخر دمى دمك وهدمى هدمك (أي إذا أهدر دمى أهدر دمك) وترثنى وأرثك وتطلب بي وأطلب بك، فإذا فعلا ذلك ومات أحدهما قبل الآخر كان للحى ما اشترط من مال الميت.
194
فلما جاء الإسلام أقرهم على الأول والثالث دون الثاني فقال «وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ» والمراد به التوارث بالنسب وقال:
(وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) والمراد به التوارث بالعهد.
وقال (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) والمراد به التوارث بالتبني.
وزاد شيئين آخرين:
(١) الهجرة، فكان المهاجر يرث من المهاجر وإن كان أجنبيا عنه إذا كان بينهما مخالطة وودّ ولا يرثه غير المهاجر وإن كان من أقاربه.
(٢) المؤاخاة- كان رسول الله ﷺ يؤاخى بين كل اثنين من الرجال وكان ذلك سببا للتوارث ثم نسخ التوارث بهذين السببين بقوله: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ» ثم استقر الأمر بعد نزول أحكام الفرائض على أن أسباب الإرث ثلاثة: النسب والنكاح والولاء.
وسبب نزول الآية ما
أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث جابر قال: «جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك فى أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا تنكحان إلا ولهما مال فقال يقضى الله فى ذلك فنزلت آية الميراث (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) الآية، فأرسل رسول الله إلى عمهما فقال: أعط بنتي سعد الثلثين وأمها الثمن وما بقي فهو لك»
قالوا وهذه أول تركة قسمت فى الإسلام.
الإيضاح
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ) الوصية: ما تعهد به إلى غيرك من العمل كما تقول أوصيت المعلم أن يراقب آداب الصبى ويؤدبه على ما يسىء فيه، وهى فى الحقيقة أمر له بعمل ما عهد إليه له، فالمراد يأمركم الله ويفرض عليكم.
(وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) والمراد به التوارث بالعهد.
وقال (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) والمراد به التوارث بالتبني.
وزاد شيئين آخرين:
(١) الهجرة، فكان المهاجر يرث من المهاجر وإن كان أجنبيا عنه إذا كان بينهما مخالطة وودّ ولا يرثه غير المهاجر وإن كان من أقاربه.
(٢) المؤاخاة- كان رسول الله ﷺ يؤاخى بين كل اثنين من الرجال وكان ذلك سببا للتوارث ثم نسخ التوارث بهذين السببين بقوله: «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ» ثم استقر الأمر بعد نزول أحكام الفرائض على أن أسباب الإرث ثلاثة: النسب والنكاح والولاء.
وسبب نزول الآية ما
أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث جابر قال: «جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك فى أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا تنكحان إلا ولهما مال فقال يقضى الله فى ذلك فنزلت آية الميراث (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) الآية، فأرسل رسول الله إلى عمهما فقال: أعط بنتي سعد الثلثين وأمها الثمن وما بقي فهو لك»
قالوا وهذه أول تركة قسمت فى الإسلام.
الإيضاح
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ) الوصية: ما تعهد به إلى غيرك من العمل كما تقول أوصيت المعلم أن يراقب آداب الصبى ويؤدبه على ما يسىء فيه، وهى فى الحقيقة أمر له بعمل ما عهد إليه له، فالمراد يأمركم الله ويفرض عليكم.
195
(فِي أَوْلادِكُمْ) أي فى شأن أولادكم من بعدكم، أو فى ميراثهم ما يستحقونه مما تتركونه من أموالكم سواء كانوا ذكورا أو إناثا كبارا أو صغارا، ولا خلاف فى أن ولد الولد يقوم مقامه عند فقده أو عدم إرثه لمانع كقتل مورّثه، قال:
(لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) أي للذكر منهم مثل نصيب اثنتين من إناثهم إذا كانوا ذكورا وإناثا، واختير هذا التعبير ولم يقل للأنثى نصف حظ الذكر إيماء إلى أن إرث الأنثى كأنه مقرر معروف وللذكر مثله مرتين، وإشارة إلى إبطال ما كانت عليه العرب فى الجاهلية من منع توريث النساء.
والحكمة فى جعل حظ الذكر كحظ الأنثيين، أن الذكر يحتاج إلى الإنفاق على نفسه وعلى زوجه فجعل له سهمان، وأما الأنثى فهى تنفق على نفسها فحسب، فإن تزوجت كانت نفقتها على زوجها.
ويدخل فى عموم الأولاد:
(١) الكافر لكن السنة بينت أن اختلاف الدين مانع من الإرث،
قال عليه الصلاة والسلام «لا يتوارث أهل ملتين».
(٢) القاتل عمدا لأحد أبويه ويخرج بالسنة والإجماع.
(٣) الرقيق وقد ثبت منعه بالإجماع، لأن المملوك لا يملك، بل كل ما يصل إلى يده من المال فهو ملك لسيده ومالكه، فلو أعطيناه من التركة شيئا كنا معطين ذلك للسيد يكون هو الوارث بالفعل.
(٤) الميراث من النبي ﷺ فقد استثنى
بحديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورث».
(فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) أي فإن كانت المولودات نساء ليس معهن ذكر زائدات على ثنتين مهما بلغ عددهن فلهن ثلثا ما ترك والدهن المتوفى أو والدتهن (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) أي وإن كانت المولودة واحدة ليس معها أخ
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا | بنوهن أبناء الرجال الأباعد |
والحكمة فى جعل حظ الذكر كحظ الأنثيين، أن الذكر يحتاج إلى الإنفاق على نفسه وعلى زوجه فجعل له سهمان، وأما الأنثى فهى تنفق على نفسها فحسب، فإن تزوجت كانت نفقتها على زوجها.
ويدخل فى عموم الأولاد:
(١) الكافر لكن السنة بينت أن اختلاف الدين مانع من الإرث،
قال عليه الصلاة والسلام «لا يتوارث أهل ملتين».
(٢) القاتل عمدا لأحد أبويه ويخرج بالسنة والإجماع.
(٣) الرقيق وقد ثبت منعه بالإجماع، لأن المملوك لا يملك، بل كل ما يصل إلى يده من المال فهو ملك لسيده ومالكه، فلو أعطيناه من التركة شيئا كنا معطين ذلك للسيد يكون هو الوارث بالفعل.
(٤) الميراث من النبي ﷺ فقد استثنى
بحديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورث».
(فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) أي فإن كانت المولودات نساء ليس معهن ذكر زائدات على ثنتين مهما بلغ عددهن فلهن ثلثا ما ترك والدهن المتوفى أو والدتهن (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) أي وإن كانت المولودة واحدة ليس معها أخ
196
ولا أخت فلها النصف مما ترك والباقي لسائر الورثة بحسب الاستحقاق كما يعلم من أحكام المواريث.
وخلاصة ذلك- إنه إذا كان الأولاد ذكورا وإناثا كان للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كان المولود أنثى واحدة كان لها النصف، وإن كن ثلاثا فصاعدا كان لهن الثلثان ولم يذكر حكم الثنتين، ومن ثم اختلفوا فيهما، فروى عن ابن عباس أن لهما النصف كالواحدة، والجمهور على أن لهما الثلثين كالعدد الكثير.
وقد علم من ذلك أن البنات لا يستغرق فرضهن التركة، والولد الذكر إذا انفرد يأخذ التركة، وإذا كان معه أخ له فأكثر كانت قسمة التركة بينهما أو بينهم بالمساواة.
(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) أي ولكل من أبوى الميت السدس مما ترك الولد على السواء فى هذه الفريضة إن كان لهذا الميت ولد فأكثر والباقي بعد هذا الثلث يقسمه الأولاد بحسب التفصيل المتقدم.
(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) أي فإن لم يكن له ولد ولا ولد ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث مما ترك والباقي للأب كما هو معلوم من انحصار الإرث فيهما.
والسر فى تساوى الوالدين فى الميراث مع وجود الأولاد، الإشارة إلى وجوب احترامهما على السواء، وفى أن حظ الوالدين من الإرث أقل من حظ الأولاد مع عظم حقهما على الولد، أنهما يكونان فى الغالب أقل حاجة إلى المال من الأولاد، إما لكبرهما وإما لتمولهما، وإما لوجود من تجب عليه نفقتهما من أولادهما الأحياء وأما الأولاد، فإما أن يكونوا صغارا لا يقدرون على الكسب، وإما أن يكونوا على كبرهم محتاجين إلى نفقات كثيرة فى الحياة كالزواج وتربية الأطفال ونحو ذلك.
(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) أي فإن كان للميت مع إرث أبويه له إخوة فلأمه السدس مما ترك، سواء كان الإخوة ذكورا أو إناثا من الأبوين أو أحدهما، فكل جمع منهم يحجب الأم من الثلث إلى السدس، وحكم الأخوين أو الأختين حكم الإخوة عند أكثر الصحابة، وخالف فى ذلك ابن عباس فقد أثر عنه أنه قال
وخلاصة ذلك- إنه إذا كان الأولاد ذكورا وإناثا كان للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كان المولود أنثى واحدة كان لها النصف، وإن كن ثلاثا فصاعدا كان لهن الثلثان ولم يذكر حكم الثنتين، ومن ثم اختلفوا فيهما، فروى عن ابن عباس أن لهما النصف كالواحدة، والجمهور على أن لهما الثلثين كالعدد الكثير.
وقد علم من ذلك أن البنات لا يستغرق فرضهن التركة، والولد الذكر إذا انفرد يأخذ التركة، وإذا كان معه أخ له فأكثر كانت قسمة التركة بينهما أو بينهم بالمساواة.
(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ) أي ولكل من أبوى الميت السدس مما ترك الولد على السواء فى هذه الفريضة إن كان لهذا الميت ولد فأكثر والباقي بعد هذا الثلث يقسمه الأولاد بحسب التفصيل المتقدم.
(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) أي فإن لم يكن له ولد ولا ولد ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث مما ترك والباقي للأب كما هو معلوم من انحصار الإرث فيهما.
والسر فى تساوى الوالدين فى الميراث مع وجود الأولاد، الإشارة إلى وجوب احترامهما على السواء، وفى أن حظ الوالدين من الإرث أقل من حظ الأولاد مع عظم حقهما على الولد، أنهما يكونان فى الغالب أقل حاجة إلى المال من الأولاد، إما لكبرهما وإما لتمولهما، وإما لوجود من تجب عليه نفقتهما من أولادهما الأحياء وأما الأولاد، فإما أن يكونوا صغارا لا يقدرون على الكسب، وإما أن يكونوا على كبرهم محتاجين إلى نفقات كثيرة فى الحياة كالزواج وتربية الأطفال ونحو ذلك.
(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) أي فإن كان للميت مع إرث أبويه له إخوة فلأمه السدس مما ترك، سواء كان الإخوة ذكورا أو إناثا من الأبوين أو أحدهما، فكل جمع منهم يحجب الأم من الثلث إلى السدس، وحكم الأخوين أو الأختين حكم الإخوة عند أكثر الصحابة، وخالف فى ذلك ابن عباس فقد أثر عنه أنه قال
197
لعثمان: بم صار الأخوان يردّان الأم من الثلث إلى السدس، وإنما قال الله تعالى:
(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) والأخوان فى لسان قومك ليسا بإخوة؟ فقال عثمان: لا أستطيع أن أرد قضاء قضى به من قبلى ومضى فى الأمصار (يريد عثمان أن النبي ﷺ والخلفاء الراشدين أقاموا الاثنين مقام الجماعة فى اعتبار الشرع لا فى اعتبار اللغة) والخلاصة- إن الآية ذكرت حكم الأبوين مع الولد، وحكمهما منفردين ليس معهما وارث آخر، وحكمهما مع الإخوة، ولم يبق إلا حكمهما مع أحد الزوجين، وجمهور الصحابة على أن الزوج يأخذ نصيبه وهو النصف إن كان رجلا، والربع إن كان أنثى، والباقي للأبوين، ثلثه للأم وباقيه للأب. وقال ابن عباس يأخذ الزوج نصيبه، وتأخذ الأم ثلث التركة كلها، ويأخذ الأب ما بقي، وقال لا أجد فى كتاب الله ثلث الباقي.
ومن هذا تعلم أن حقوق الزوجية فى الإرث مقدمة على حقوق الوالدين، إذ أنهما يتقاسمان ما يبقى بعد أخذ الزوج حصته، وسرّ هذا أن صلة الزوجية أشد وأقوى من صلة البنوة، ذاك أنهما يعيشان مجتمعين وجود كل منهما متمم لوجود الآخر حتى كأنه نصف شخصه، وهما حينئذ منفصلان عن الوالدين أشد الانفصال، فبهذا كانت حقوق المعيشة بينهما آكد، ومن ثم جعل الشارع حق المرأة على الرجل فى النفقة هو الحق الأول، فإذا لم يجد الرجل إلا رغيفين سدّ رمقه بأحدهما ووجب عليه أن يعطى الثاني لامرأته لا لأحد أبويه ولا لغيرهما من أقاربه.
(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) أي يوصيكم بأن لأولاد من يموت منكم كذا من التركة ولأبويه كذا منها من بعد وصية يقع الإيصاء بها من الميت، ويتحقق نسبتها إليه ومن بعد قضاء دين يتركه عليه.
وقدمت الوصية على الدين فى الذكر مع أن الدين مقدم عليها وفاء كما
قضى رسول الله ﷺ فيما رواه علىّ كرم الله وجهه وأخرجه عنه جماعة، لأ تؤخذ كالميراث بلا عوض فتشق على الورثة.
(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) والأخوان فى لسان قومك ليسا بإخوة؟ فقال عثمان: لا أستطيع أن أرد قضاء قضى به من قبلى ومضى فى الأمصار (يريد عثمان أن النبي ﷺ والخلفاء الراشدين أقاموا الاثنين مقام الجماعة فى اعتبار الشرع لا فى اعتبار اللغة) والخلاصة- إن الآية ذكرت حكم الأبوين مع الولد، وحكمهما منفردين ليس معهما وارث آخر، وحكمهما مع الإخوة، ولم يبق إلا حكمهما مع أحد الزوجين، وجمهور الصحابة على أن الزوج يأخذ نصيبه وهو النصف إن كان رجلا، والربع إن كان أنثى، والباقي للأبوين، ثلثه للأم وباقيه للأب. وقال ابن عباس يأخذ الزوج نصيبه، وتأخذ الأم ثلث التركة كلها، ويأخذ الأب ما بقي، وقال لا أجد فى كتاب الله ثلث الباقي.
ومن هذا تعلم أن حقوق الزوجية فى الإرث مقدمة على حقوق الوالدين، إذ أنهما يتقاسمان ما يبقى بعد أخذ الزوج حصته، وسرّ هذا أن صلة الزوجية أشد وأقوى من صلة البنوة، ذاك أنهما يعيشان مجتمعين وجود كل منهما متمم لوجود الآخر حتى كأنه نصف شخصه، وهما حينئذ منفصلان عن الوالدين أشد الانفصال، فبهذا كانت حقوق المعيشة بينهما آكد، ومن ثم جعل الشارع حق المرأة على الرجل فى النفقة هو الحق الأول، فإذا لم يجد الرجل إلا رغيفين سدّ رمقه بأحدهما ووجب عليه أن يعطى الثاني لامرأته لا لأحد أبويه ولا لغيرهما من أقاربه.
(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) أي يوصيكم بأن لأولاد من يموت منكم كذا من التركة ولأبويه كذا منها من بعد وصية يقع الإيصاء بها من الميت، ويتحقق نسبتها إليه ومن بعد قضاء دين يتركه عليه.
وقدمت الوصية على الدين فى الذكر مع أن الدين مقدم عليها وفاء كما
قضى رسول الله ﷺ فيما رواه علىّ كرم الله وجهه وأخرجه عنه جماعة، لأ تؤخذ كالميراث بلا عوض فتشق على الورثة.
198
وجاء عطف الدين على الوصية بأو دون الواو إشارة إلى أنهما متساويان فى الوجوب متقدمان على قسمة التركة مجموعين أو منفردين.
ثم أتى بجملة معترضة للتنبيه إلى جهل المرء بعواقب الأمور فقال:
(آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) أي إنكم لا تدرون أىّ الفريقين أقرب لكم نفعا آباؤكم أو أبناؤكم، فلا تتبعوا فى قسمة التركات ما كان يتعارفه أهل الجاهلية من إعطائها للأقوياء الذين يحاربون الأعداء، وحرمان الأطفال والنساء لأنهم من الضعفاء، بل اتبعوا ما أمركم الله به، فهو أعلم منكم بما هو أقرب نفعا لكم مما تقوم به فى الدنيا مصالحكم وتعظم به فى الآخرة أجوركم (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) أي فرض الله ما ذكر من الأحكام فريضة لا هوادة فى وجوب العمل بها.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) أي إنه تعالى لعلمه بشئونكم ولحكمته العظيمة لا يشرع لكم إلا ما فيه المنفعة لكم، إذ لا تخفى عليه خافية من وجوه المصالح والمنافع- إلى أنه منزه عن الغرض والهوى اللذين من شأنهما أن يمنعا من وضع الشيء فى غير موضعه، ومن إعطاء الحق لمن يستحقه.
وبعد أن بين سبحانه فرائض الأولاد والوالدين، وقدم الأهم منهما من حيث حاجته إلى المال المتروك وهم الأولاد- ذكر هنا فرائض الزوجين فقال:
(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) أي ولكم نصف ما تركته الزوجات من المال إن لم يكن لهن ولد، سواء أكان منكم أم من غيركم، وسواء أكان ذكرا أم أنثى، وسواء أكان واحدا أم أكثر، وسواء أكان من بطنها مباشرة، أو صلب بنيها أو بنى بنيها، وباقى التركة لأولادها ووالديها على ما بينه الله فى الآية السالفة: ولا يشترط فى الزوجة أن يكون مدخولا بها، بل يكفى مجرد العقد.
(فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) والباقي من التركة للأقرب إليها من ذوى الفروض والعصبات أو ذوى الأرحام أو لبيت المال إن لم يكن وارث آخر.
ثم أتى بجملة معترضة للتنبيه إلى جهل المرء بعواقب الأمور فقال:
(آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) أي إنكم لا تدرون أىّ الفريقين أقرب لكم نفعا آباؤكم أو أبناؤكم، فلا تتبعوا فى قسمة التركات ما كان يتعارفه أهل الجاهلية من إعطائها للأقوياء الذين يحاربون الأعداء، وحرمان الأطفال والنساء لأنهم من الضعفاء، بل اتبعوا ما أمركم الله به، فهو أعلم منكم بما هو أقرب نفعا لكم مما تقوم به فى الدنيا مصالحكم وتعظم به فى الآخرة أجوركم (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) أي فرض الله ما ذكر من الأحكام فريضة لا هوادة فى وجوب العمل بها.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) أي إنه تعالى لعلمه بشئونكم ولحكمته العظيمة لا يشرع لكم إلا ما فيه المنفعة لكم، إذ لا تخفى عليه خافية من وجوه المصالح والمنافع- إلى أنه منزه عن الغرض والهوى اللذين من شأنهما أن يمنعا من وضع الشيء فى غير موضعه، ومن إعطاء الحق لمن يستحقه.
وبعد أن بين سبحانه فرائض الأولاد والوالدين، وقدم الأهم منهما من حيث حاجته إلى المال المتروك وهم الأولاد- ذكر هنا فرائض الزوجين فقال:
(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) أي ولكم نصف ما تركته الزوجات من المال إن لم يكن لهن ولد، سواء أكان منكم أم من غيركم، وسواء أكان ذكرا أم أنثى، وسواء أكان واحدا أم أكثر، وسواء أكان من بطنها مباشرة، أو صلب بنيها أو بنى بنيها، وباقى التركة لأولادها ووالديها على ما بينه الله فى الآية السالفة: ولا يشترط فى الزوجة أن يكون مدخولا بها، بل يكفى مجرد العقد.
(فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ) والباقي من التركة للأقرب إليها من ذوى الفروض والعصبات أو ذوى الأرحام أو لبيت المال إن لم يكن وارث آخر.
199
(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ) أي لكم ذلك فى تركتهن فى الحالين السابقتين بعد نفاذ الوصية ووفاء الديون، إذ لا يأخذ الوارث شيئا إلا ما يفضل عنهما إذا وجدا أو وجد أحدهما.
(وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) بحسب التفصيل السابق فى أولادهن فإن كانت واحدة فلها هذا الربع وحدها، وإن كان له زوجان فأكثر اشتركتا أو اشتركن فيه على طريق التساوي والباقي يكون لمن يستحقه من ذوى القربى وأولى الأرحام.
(فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) والباقي لأولادكم ووالديكم كما تقدم.
(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) بالطريق التي علمتها فيما سلف، وبهذا تعلم أن فرض الرجل بحق الزواج ضعف فرض المرأة كما فى النسب، ولم يعط الله تعالى للزوجات فى الميراث إلا مثل ما أعطى للزوج الواحدة لإرشادنا إلى أن الأصل الذي ينبغى أن نسير عليه فى الزوجية أن تكون للرجل امرأة واحدة، وإنما يباح الأكثر بشروط مضيقة، وأن التعدد من الأمور النادرة التي تدعو إليها الضرورة فلم يراعها الشارع فى الأحكام، إذ الأحكام إنما توضع للأصل الذي عليه العمل والنادر لا حكم له.
وبعد أن بين سبحانه حكم ميراث الأولاد والوالدين والأزواج ممن يتصل بالميت مباشرة شرع يبين من يتصل به بالواسطة وهو الكلالة. فقال:
(وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) الكلالة لغة: الإحاطة، ومنه الإكليل لإحاطته بالرأس، وسمى من عدا الوالد والولد بالكلالة لأنهم كالدائرة المحيطة بالإنسان وكالإكليل المحيط برأسه، أما قرابة الولادة ففيها يتفرع بعض من بعض كالشىء الذي يتزايد على نسق واحد.
أي إن كان الميت رجلا أو امرأة موروثا كلالة أي ذا كلالة ليس له ولد ولا والد وله أخ أو أخت من أم، لأن الأخوين من العصبة سيأتى حكمهما فى آخر السورة (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) إلخ.
(وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) بحسب التفصيل السابق فى أولادهن فإن كانت واحدة فلها هذا الربع وحدها، وإن كان له زوجان فأكثر اشتركتا أو اشتركن فيه على طريق التساوي والباقي يكون لمن يستحقه من ذوى القربى وأولى الأرحام.
(فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) والباقي لأولادكم ووالديكم كما تقدم.
(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) بالطريق التي علمتها فيما سلف، وبهذا تعلم أن فرض الرجل بحق الزواج ضعف فرض المرأة كما فى النسب، ولم يعط الله تعالى للزوجات فى الميراث إلا مثل ما أعطى للزوج الواحدة لإرشادنا إلى أن الأصل الذي ينبغى أن نسير عليه فى الزوجية أن تكون للرجل امرأة واحدة، وإنما يباح الأكثر بشروط مضيقة، وأن التعدد من الأمور النادرة التي تدعو إليها الضرورة فلم يراعها الشارع فى الأحكام، إذ الأحكام إنما توضع للأصل الذي عليه العمل والنادر لا حكم له.
وبعد أن بين سبحانه حكم ميراث الأولاد والوالدين والأزواج ممن يتصل بالميت مباشرة شرع يبين من يتصل به بالواسطة وهو الكلالة. فقال:
(وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) الكلالة لغة: الإحاطة، ومنه الإكليل لإحاطته بالرأس، وسمى من عدا الوالد والولد بالكلالة لأنهم كالدائرة المحيطة بالإنسان وكالإكليل المحيط برأسه، أما قرابة الولادة ففيها يتفرع بعض من بعض كالشىء الذي يتزايد على نسق واحد.
أي إن كان الميت رجلا أو امرأة موروثا كلالة أي ذا كلالة ليس له ولد ولا والد وله أخ أو أخت من أم، لأن الأخوين من العصبة سيأتى حكمهما فى آخر السورة (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) إلخ.
200
(فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) أي إن الأخ لأم يأخذ فى الكلالة السدس، وكذلك الأخت، لا فارق بين الذكر والأنثى، لأن كلا منهما حل محل أمه فأخذ نصيبها، فإذا تعددوا أخذوا الثلث وكانوا أيضا فيه سواء لا تفاضل بين ذكورهم وإناثهم.
(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) أي من بعد وصية يوصى بها أو دين يقرّبه وهو غير مضارّ للورثة قال النخعي: قبض رسول الله ﷺ ولم يوص، وقبض أبو بكر وقد وصى، فإن أوصى الإنسان فحسن، وإن لم يوص فحسن أيضا، ومن الحسن أن ينظر الإنسان فى قدر ما يخلف ومن يخلف ثم يجعل وصيته بحسب ذلك، فإن كان ماله قليلا وفى الورثة كثرة لم يوص، وإن كان فى المال كثرة أوصى بحسب ماله وبحسب حاجتهم بعده كثرة وقلة،
وقد روى عن على أنه قال: لأن أوصى بالخمس أحب إلىّ من أن أوصى بالربع، ولأن أوصى بالربع أحب إلىّ من أن أوصى بالثلث.
والضرار فى الوصية والدين يقع على وجوه:
١) أن يوصى بأكثر من الثلث، وهو لا يصح ولا ينفّذ، وعن ابن عباس أن الضرار فيها من الكبائر.
٢) أن يوصى بالثلث فما دونه لا لغرض من القربة والتصدق لوجه الله بل لغرض تنقيص حقوق الورثة.
٣) أن يقر بدين لأجنبى يستغرق المال كله أو بعضه، ولا يريد بذلك إلا مضارة الورثة، وكثيرا ما يفعله المبغضون للوارثين ولا سيما إذا كانوا كلالة، ومن ثم جاء ذكر هذا القيد (غير مضارّ) فى وصية ميراث الكلالة، لأن القصد إلى مضارة الوالدين أو الأولاد وكذا الأزواج نادر.
٤) أن يقرّ بأن الدين الذي كان له على فلان قد استوفاه ووصل إليه.
(وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ) أي يوصيكم بذلك وصية منه عز وجل، فهى جديرة أن يعتنى بها ويذعن للعمل بموجبها.
(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) أي من بعد وصية يوصى بها أو دين يقرّبه وهو غير مضارّ للورثة قال النخعي: قبض رسول الله ﷺ ولم يوص، وقبض أبو بكر وقد وصى، فإن أوصى الإنسان فحسن، وإن لم يوص فحسن أيضا، ومن الحسن أن ينظر الإنسان فى قدر ما يخلف ومن يخلف ثم يجعل وصيته بحسب ذلك، فإن كان ماله قليلا وفى الورثة كثرة لم يوص، وإن كان فى المال كثرة أوصى بحسب ماله وبحسب حاجتهم بعده كثرة وقلة،
وقد روى عن على أنه قال: لأن أوصى بالخمس أحب إلىّ من أن أوصى بالربع، ولأن أوصى بالربع أحب إلىّ من أن أوصى بالثلث.
والضرار فى الوصية والدين يقع على وجوه:
١) أن يوصى بأكثر من الثلث، وهو لا يصح ولا ينفّذ، وعن ابن عباس أن الضرار فيها من الكبائر.
٢) أن يوصى بالثلث فما دونه لا لغرض من القربة والتصدق لوجه الله بل لغرض تنقيص حقوق الورثة.
٣) أن يقر بدين لأجنبى يستغرق المال كله أو بعضه، ولا يريد بذلك إلا مضارة الورثة، وكثيرا ما يفعله المبغضون للوارثين ولا سيما إذا كانوا كلالة، ومن ثم جاء ذكر هذا القيد (غير مضارّ) فى وصية ميراث الكلالة، لأن القصد إلى مضارة الوالدين أو الأولاد وكذا الأزواج نادر.
٤) أن يقرّ بأن الدين الذي كان له على فلان قد استوفاه ووصل إليه.
(وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ) أي يوصيكم بذلك وصية منه عز وجل، فهى جديرة أن يعتنى بها ويذعن للعمل بموجبها.
201
(وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) أي والله عليم بما ينفعكم وبنيات الموصين منكم، حليم لا يعجل بعقوبتكم بمخالفة أحكامه ولا بالجزاء على مخالفتها عسى أن تتوبوا، كما لا يبيح لكم أن تعجلوا بعقوبة من تبغضونه فتضاروه فى الوصية، كما لا يرضى لكم بحرمان النساء والأطفال من الإرث.
وفى هذا إشارة إلى أنه تعالى قد فرضها وهو يعلم ما فيها من الخير والمصلحة لنا، فمن الواجب أن نذعن لوصاياه وفرائضه ونعمل بما ينزل علينا من هدايته، كما لا ينبغى أن يغرّ الطامع فى الاعتداء وأكل الحقوق تمتع بعض المعتدين بما أكلوا بالباطل، فيظن أنهم بمنجاة من العذاب فيتجرأ على مثل ما تجرءوا عليه من الاعتداء، فإنه إمهال يقتضيه الحلم لا إهمال من العجز وعدم العلم
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣ الى ١٤]
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤)
الإيضاح
(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) حدود الشيء: أطرافه التي يمتاز بها من غيره، ومنه حدود الدار، سميت بها الشرائع التي أمر الله باتباعها ونهى عن تركها، فمدار الطاعة على البقاء فى دائرة هذه الحدود، ومدار العصيان على اعتدائها، والمشار إليه كل ما ذكر من أول السورة إلى هنا من بيان أموال اليتامى وأحكام الأزواج وأحوال المواريث.
(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) طاعة الله: هى ما شرعه من الدين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم،
وفى هذا إشارة إلى أنه تعالى قد فرضها وهو يعلم ما فيها من الخير والمصلحة لنا، فمن الواجب أن نذعن لوصاياه وفرائضه ونعمل بما ينزل علينا من هدايته، كما لا ينبغى أن يغرّ الطامع فى الاعتداء وأكل الحقوق تمتع بعض المعتدين بما أكلوا بالباطل، فيظن أنهم بمنجاة من العذاب فيتجرأ على مثل ما تجرءوا عليه من الاعتداء، فإنه إمهال يقتضيه الحلم لا إهمال من العجز وعدم العلم
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣ الى ١٤]
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤)
الإيضاح
(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) حدود الشيء: أطرافه التي يمتاز بها من غيره، ومنه حدود الدار، سميت بها الشرائع التي أمر الله باتباعها ونهى عن تركها، فمدار الطاعة على البقاء فى دائرة هذه الحدود، ومدار العصيان على اعتدائها، والمشار إليه كل ما ذكر من أول السورة إلى هنا من بيان أموال اليتامى وأحكام الأزواج وأحوال المواريث.
(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) طاعة الله: هى ما شرعه من الدين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم،
202
وطاعة الرسول: هى اتباع ما جاء به من الدين عن ربه، فطاعته هى بعينها طاعة الله كما قال فى هذه السورة (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ) فهو إنما يأمرنا بما يوحيه إليه الله بما فيه منافع لنا فى الدنيا والآخرة، وإنما ذكرها مع طاعة الله للاشارة إلى أن الإنسان لا يستغنى بعقله وعلمه عن الوحى وأنه لا بد له من هداية الدين إذ لم يكن العقل وحده فى عصر من العصور كافيا لهداية أمة ولا مرقّيا لها بدون معونة الدين، فاتباع الرسل والعمل بهديهم هو أساس كل مدنية، والارتقاء المعنوي هو الذي يبعث على الارتقاء المادي، فالآداب والفضائل التي هى أسس المدنيات تستند كلها إلى الدين، ولا يكفى فيها بناؤها على العلم والعقل، والجنات التي تجرى من تحتها الأنهار تقدم تفسيرها، ونحن نؤمن ونعتقد أنها أرفع مما نرى فى هذه الدنيا، وليس لنا أن نبحث عن كيفيتها لأنها من عالم الغيب، والفوز العظيم: الظفر والفلاح الذي لا يذكر بجانبه الفوز بحظوظ الدنيا القصيرة المنغصة بالأكدار (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) وقال فى ذكر أهل الجنة خالدين، وفى ذكر أهل النار خالدا، إشارة إلى تمتع أهل الجنة بالاجتماع وأنس بعضهم ببعض، والمترفون يسرون بمثل هذا التمتع، وأما الذي فى النار فإن له من العذاب ما يمنعه من الأنس فكأنه وحيد لا يجد لذة فى الاجتماع بغيره ولا أنسابه.
يرشد إلى ذلك قوله تعالى «وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ» وتعدى الحدود الموجب للخلود فى النار: هو الإصرار على الذنب وعدم التوبة عنه، فللمذنب حالان:
١) غلبة الباعث النفسي من الشهوة أو الغضب على الإنسان حتى يغيب عن ذهنه الأمر الإلهى، فهو يقع فى الذنب وقلبه غائب عن الوعيد لا يتذكره أو يتذكره ضعيفا كأنه نور ضئيل يلوح فى ظلمة ذلك الباعث المتغلب ثم لا يلبث أن يزول أو يختفى، حتى إذا سكنت الشهوة أو سكت الغضب وتذكر النهى والوعيد ندم وتاب ولام نفسه أشد اللوم، ومثل هذا جدير بالنجاة إذ هو من المسارعين إلى الجنة كما قال تعالى فى أوصافهم «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ».
يرشد إلى ذلك قوله تعالى «وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ» وتعدى الحدود الموجب للخلود فى النار: هو الإصرار على الذنب وعدم التوبة عنه، فللمذنب حالان:
١) غلبة الباعث النفسي من الشهوة أو الغضب على الإنسان حتى يغيب عن ذهنه الأمر الإلهى، فهو يقع فى الذنب وقلبه غائب عن الوعيد لا يتذكره أو يتذكره ضعيفا كأنه نور ضئيل يلوح فى ظلمة ذلك الباعث المتغلب ثم لا يلبث أن يزول أو يختفى، حتى إذا سكنت الشهوة أو سكت الغضب وتذكر النهى والوعيد ندم وتاب ولام نفسه أشد اللوم، ومثل هذا جدير بالنجاة إذ هو من المسارعين إلى الجنة كما قال تعالى فى أوصافهم «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ».
203
٢) أن يقدم المرء على الذنب جريئا عليه متعمدا فعله عالما بتحريمه مؤثرا له على الطاعة، لا يصرفه عنه تذكر النهى والوعيد عليه، ومثل هذا قد أحاطت به خطيئته فآثر شهوته على طاعة الله ورسوله، فدخل فى عموم قوله تعالى «بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ».
إذ من يصرّ على المعصية عامدا عالما بالنهى والوعيد لا يكون مؤمنا بصدق الرسول ولا مذعنا لشرعه الذي تنال الرحمة والرضا بالتزامه، والعذاب والنكال بتعدي حدوده، فالإصرار على العصيان وعدم استشعار الخوف والندم لا يجتمعان فى قلب المؤمن الإيمان الصحيح المصدّق بوعد الله ووعيده.
(وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) المهين المذلّ له وهو عذاب الروح، فللعصاة عذابان: عذاب جسمانى للبدن العاصي باعتباره حيوانا يتألم، وعذاب روحانى باعتباره إنسانا يشعر بالكرامة والشرف ويتألم بالإهانة والخزي.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥ الى ١٦]
وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦)
المعنى الجملي
بعد أن أوصى سبحانه بالإحسان إلى النساء ومعاشرتهن بالمعروف والمحافظة على أموالهن وعدم أخذ شىء منها إلا إذا طابت نفسهن بذلك- ذكر هنا التشديد عليهن فيما يأتينه من الفاحشة، وهو فى الحقيقة إحسان إليهن، إذ الإحسان فى الدنيا تارة يكون بالثواب، وأخرى بالزجر والعقاب، لكف العاصي عن العصيان الذي يوقعه فى الدمار
إذ من يصرّ على المعصية عامدا عالما بالنهى والوعيد لا يكون مؤمنا بصدق الرسول ولا مذعنا لشرعه الذي تنال الرحمة والرضا بالتزامه، والعذاب والنكال بتعدي حدوده، فالإصرار على العصيان وعدم استشعار الخوف والندم لا يجتمعان فى قلب المؤمن الإيمان الصحيح المصدّق بوعد الله ووعيده.
(وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) المهين المذلّ له وهو عذاب الروح، فللعصاة عذابان: عذاب جسمانى للبدن العاصي باعتباره حيوانا يتألم، وعذاب روحانى باعتباره إنسانا يشعر بالكرامة والشرف ويتألم بالإهانة والخزي.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥ الى ١٦]
وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦)
المعنى الجملي
بعد أن أوصى سبحانه بالإحسان إلى النساء ومعاشرتهن بالمعروف والمحافظة على أموالهن وعدم أخذ شىء منها إلا إذا طابت نفسهن بذلك- ذكر هنا التشديد عليهن فيما يأتينه من الفاحشة، وهو فى الحقيقة إحسان إليهن، إذ الإحسان فى الدنيا تارة يكون بالثواب، وأخرى بالزجر والعقاب، لكف العاصي عن العصيان الذي يوقعه فى الدمار
204
والبوار، ومبنى الشرائع على العدل والإنصاف والابتعاد عن طرفى الإفراط والتفريط.
ومن أقبح العصيان الزنا، ولا سيما من النساء، لأن الفتنة بهن أكثر، والضرر منهن أخطر، لما يفضى إليه من توريث أولاد الزنا وانتسابهم إلى غير آبائهم.
الإيضاح
(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) يقال أتى الفاحشة وجاءها وغشيها إذا فعلها قال تعالى «لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا» وفى التعبير عن الإقدام على الفواحش بهذه العبارات معنى دقيق وهو أن الفاعل لها ذهب إليها بنفسه واختارها بطبعه، والفاحشة الفعلة القبيحة والمراد بها هنا الزنا لزيادتها فى القبح على كثير من القبائح، وقوله من نسائكم أي من المؤمنات.
(فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) أي اطلبوا شهادة أربعة رجال أحرار منكم.
قال الزهري «مضت السنة من رسول الله والخليفتين بعده ألا تقبل شهادة النساء فى الحدود» والحكمة فى هذا إبعاد النساء عن مواقع الفواحش والجرائم والعقاب والتعذيب رغبة فى أن يكنّ دائما غافلات عن القبائح لا يفكرن فيها ولا يخضن مع أربابها.
والخطاب للمسلمين جميعا لأنهم متكافلون فى أمورهم العامة كما تقدم مرارا، فهم الذين يختارون لأنفسهم الحكام الذين ينفذون الأحكام ويقيمون الحدود.
(فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) التوفى الاستيفاء وهو القبض، تقول توفيت مالى على فلان واستوفيته إذا قبضته، والسبيل الطريق للخروج من الحبس بما يشرعه الله من العقوبة لهن.
والمعنى فان شهد الأربعة بفعلها فاحبسوهن فى بيوتهم وامنعوهن الخروج منها عقوبة لهن حتى لا يعدن إلى ارتكابها مرة أخرى إلى أن يمتن ويقبض أرواحهنّ الموت أو يجعل الله لهن طريقا بما يشرعه من حدّ الزنا.
ومن أقبح العصيان الزنا، ولا سيما من النساء، لأن الفتنة بهن أكثر، والضرر منهن أخطر، لما يفضى إليه من توريث أولاد الزنا وانتسابهم إلى غير آبائهم.
الإيضاح
(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) يقال أتى الفاحشة وجاءها وغشيها إذا فعلها قال تعالى «لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا» وفى التعبير عن الإقدام على الفواحش بهذه العبارات معنى دقيق وهو أن الفاعل لها ذهب إليها بنفسه واختارها بطبعه، والفاحشة الفعلة القبيحة والمراد بها هنا الزنا لزيادتها فى القبح على كثير من القبائح، وقوله من نسائكم أي من المؤمنات.
(فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) أي اطلبوا شهادة أربعة رجال أحرار منكم.
قال الزهري «مضت السنة من رسول الله والخليفتين بعده ألا تقبل شهادة النساء فى الحدود» والحكمة فى هذا إبعاد النساء عن مواقع الفواحش والجرائم والعقاب والتعذيب رغبة فى أن يكنّ دائما غافلات عن القبائح لا يفكرن فيها ولا يخضن مع أربابها.
والخطاب للمسلمين جميعا لأنهم متكافلون فى أمورهم العامة كما تقدم مرارا، فهم الذين يختارون لأنفسهم الحكام الذين ينفذون الأحكام ويقيمون الحدود.
(فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) التوفى الاستيفاء وهو القبض، تقول توفيت مالى على فلان واستوفيته إذا قبضته، والسبيل الطريق للخروج من الحبس بما يشرعه الله من العقوبة لهن.
والمعنى فان شهد الأربعة بفعلها فاحبسوهن فى بيوتهم وامنعوهن الخروج منها عقوبة لهن حتى لا يعدن إلى ارتكابها مرة أخرى إلى أن يمتن ويقبض أرواحهنّ الموت أو يجعل الله لهن طريقا بما يشرعه من حدّ الزنا.
205
وفى الآية إشارة إلى أن منع النساء عن الخروج عند الحاجة إليه فى غير هذه الحالة لمجرد الغيرة أو لمجرد الهوى والتحكم من الرحال لا يجوز، وكذلك فيها إيماء إلى أن هذه العقوبة مقرونة بما يدل على التوقيت.
وقد روى عبادة بن الصامت أن النبي ﷺ قال «خذوا عنى خذوا عنى، قد جعل الله لهن سبيلا، الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام»
ومن هذا تعلم أن السبيل كان مجملا فبينه الحديث وخصص عموم آية الجلد الآتية فى سورة النور (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ).
ثم بين عقاب كل من الزانيين فقال:
(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) أي والزاني والزانية اللذان يرتكبان جريمة الزنا آذوهما بالتأنيب والتوبيخ بعد ثبوت ذلك بشهادة أربعة من الرجال.
وهذا العقاب كان أول الإسلام من قبيل التعزير وأمره مفوض إلى الأمة فى كيفيته ومقداره فلما نزلت آية النور التي تقدم ذكرها وجاء الحديث الشريف السابق بينا مقدار هذا الإيذاء وحدداه، وبهما استبان أن عقاب الثيب والرجل المتزوج الرجم بالحجارة حتى يموتا وعقاب البكر والرجل الذي لم يتزوج جلد مائة ونفيه سنة.
ثم بين أن هذا العقاب إنما يكون إذا لم يتوبا فإن تابا وأصلحا رفع عنهما ذلك فقال:
(فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) أي فان رجعا عن فعل الفاحشة وندما على ما فات وأصلحا عملهما وغيّرا أحوالهما كما هو شأن المؤمن يطهر نفسه بالإقبال على الطاعة ويزكيها من أدران المعاصي التي فرطت منه ويقوى داعية الخير حتى تغلب داعية الشر فكفوا عن أذاهما بالقول والفعل.
ثم علل الأمر بالإعراض عنهما بقوله:
(إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً) التواب الذي يعود على عبده بفضله ومغفرته إذا تاب إليه من ذنبه، والرحيم واسع الرحمة، والجملة جاءت تعليلا للأمر بالإعراض، والخطاب هنا لأولى الأمر والحكام.
وقد روى عبادة بن الصامت أن النبي ﷺ قال «خذوا عنى خذوا عنى، قد جعل الله لهن سبيلا، الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام»
ومن هذا تعلم أن السبيل كان مجملا فبينه الحديث وخصص عموم آية الجلد الآتية فى سورة النور (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ).
ثم بين عقاب كل من الزانيين فقال:
(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) أي والزاني والزانية اللذان يرتكبان جريمة الزنا آذوهما بالتأنيب والتوبيخ بعد ثبوت ذلك بشهادة أربعة من الرجال.
وهذا العقاب كان أول الإسلام من قبيل التعزير وأمره مفوض إلى الأمة فى كيفيته ومقداره فلما نزلت آية النور التي تقدم ذكرها وجاء الحديث الشريف السابق بينا مقدار هذا الإيذاء وحدداه، وبهما استبان أن عقاب الثيب والرجل المتزوج الرجم بالحجارة حتى يموتا وعقاب البكر والرجل الذي لم يتزوج جلد مائة ونفيه سنة.
ثم بين أن هذا العقاب إنما يكون إذا لم يتوبا فإن تابا وأصلحا رفع عنهما ذلك فقال:
(فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) أي فان رجعا عن فعل الفاحشة وندما على ما فات وأصلحا عملهما وغيّرا أحوالهما كما هو شأن المؤمن يطهر نفسه بالإقبال على الطاعة ويزكيها من أدران المعاصي التي فرطت منه ويقوى داعية الخير حتى تغلب داعية الشر فكفوا عن أذاهما بالقول والفعل.
ثم علل الأمر بالإعراض عنهما بقوله:
(إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً) التواب الذي يعود على عبده بفضله ومغفرته إذا تاب إليه من ذنبه، والرحيم واسع الرحمة، والجملة جاءت تعليلا للأمر بالإعراض، والخطاب هنا لأولى الأمر والحكام.
206
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٧ الى ١٨]
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨)المعنى الجملي
لما ذكر سبحانه أن من تاب وأصلح تركت عقوبته وأزيل الأذى عنه، وأنه هو التواب الذي يقبل التوبة عن عباده- ذكر هنا وقت التوبة وشرط قبولها ورغبته فى تعجيلها حتى لا يأتى الموت وهو مصرّ على الذنب فلا تنفعه التوبة، وأرشد أولياء الأمر إلى الطريق الذي يسلكونه مع العصاة فى معاقبتهم وتأديبهم، فأمرهنا بالإعراض عن أذى من تاب وأصلح العمل بعد أن فرض عقوبة مرتكبى الفواحش فى الآية السالفة فهذه شرح لذلك الإصلاح فى العمل.
الإيضاح
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) السوء:
هو العمل القبيح الذي يسوء فاعله إذا كان عاقلا سليم الفطرة، وهذا شامل للصغائر والكبائر، والجهالة: الجهل وتغلب السفه على النفس عند ثورة الشهوة أو سورة الغضب حتى يذهب عنها الحلم وتنسى الحق، وكل من عصى الله سمى جاهلا وسمى فعله جهالة كما قال تعالى إخبارا عن يوسف عليه السلام (أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) وقال تعالى لنوح: (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ).
وسر هذا أن العاصي لربه لو استعمل ما معه من العلم بالثواب والعقاب لما أقدم على المعصية، إذ هو لا يرتكبها إلا جاهلا بحقيقة الوعيد، ومنتظر الاحتمال العفو والمغفرة، أو شفاعة الشفعاء التي تصد عنه العقاب.
207
والزمن القريب: هو الوقت الذي تسكن به ثورة الشهوة أو تنكسر به حدة الغضب ويثوب فاعل السيئة إلى حلمه ويرجع إليه دينه وعقله، إذ من كان قوىّ الإيمان لا تقع منه المعصية إلا عن بادرة غضب أو شهوة هفوة بعد هفوة، ثم لا يلبث أن يبادر إلى التوبة ومن ثم ذكر الله السوء بلفظ الإفراد هنا، وقال فيمن لا تقبل توبتهم (يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) إشعارا بأن التوبة إنما تقبل ممن تقع منهم الذنوب آحادا ويلمّون بها إلماما، ولكنهم لا يصرّون عليها بل يبادرون إلى التوبة منها، فلا تتمكن من أنفسهم ظلمة المعصية ولا تحيط بهم الخطيئة.
وما
رواه أحمد عن ابن عمر من قوله ﷺ «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»
فالمراد منه أنه لا ينبغى لأحد أن يقنط من رحمة الله وييأس من قبول التوبة مادام حيا، وليس معناه أنه لا خوف على العبد من التمادي فى الذنوب إذا هو تاب قبل الموت بساعة، فان هذا مخالف لهدى الدين فى مثل قوله: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ولمثل قوله: «رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ».
وقد قسموا التوابين طبقات:
(١) من هو سليم الفطرة عظيم الاستعداد للخير، فهو إذا وقع فى خطيئة مرة كان له منها أكبر عبرة، فيندم بعدها ويحمل نفسه على الفضيلة ويصرفها عن كل رذيلة.
(٢) من تكون داعية الشهوة أقوى فى نفسه وأرسخ فى قلبه، فإذا أطاع نفسه وارتكب معصية قامت الخواطر الإلهية تحاربه وتوبخه حتى تنتصر عليه وتقهره قهرا تاما فلا يعود بعدها إلى اجتراح إثم ولا وقوع فى ذنب.
(٣) من تقوى نفسه بالمجاهدة على اجتناب كبار الإثم والفواحش، لا على صغار الذنوب والآثام وهناك تكون الحرب فى نفوسهم سجالا بين ما يلمّون به من الصغائر وبين الخواطر الإلهية التي هى جند الإيمان.
وما
رواه أحمد عن ابن عمر من قوله ﷺ «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر»
فالمراد منه أنه لا ينبغى لأحد أن يقنط من رحمة الله وييأس من قبول التوبة مادام حيا، وليس معناه أنه لا خوف على العبد من التمادي فى الذنوب إذا هو تاب قبل الموت بساعة، فان هذا مخالف لهدى الدين فى مثل قوله: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ولمثل قوله: «رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ».
وقد قسموا التوابين طبقات:
(١) من هو سليم الفطرة عظيم الاستعداد للخير، فهو إذا وقع فى خطيئة مرة كان له منها أكبر عبرة، فيندم بعدها ويحمل نفسه على الفضيلة ويصرفها عن كل رذيلة.
(٢) من تكون داعية الشهوة أقوى فى نفسه وأرسخ فى قلبه، فإذا أطاع نفسه وارتكب معصية قامت الخواطر الإلهية تحاربه وتوبخه حتى تنتصر عليه وتقهره قهرا تاما فلا يعود بعدها إلى اجتراح إثم ولا وقوع فى ذنب.
(٣) من تقوى نفسه بالمجاهدة على اجتناب كبار الإثم والفواحش، لا على صغار الذنوب والآثام وهناك تكون الحرب فى نفوسهم سجالا بين ما يلمّون به من الصغائر وبين الخواطر الإلهية التي هى جند الإيمان.
208
(٤) من يقع فى الذنب فيتوب ويستغفر ثم يعرض له مرة أخرى فيعود إليه ثم يلوم نفسه ويندم ويستغفر وهلم جرا، وهؤلاء أدنى طبقات التوّابين، والنفس الباقية أرخص عندهم من النفس الفانية، وهم مع ذلك محل للرجاء، لأن لهم زاجرا من أنفسهم يذكرهم دائما بالرجوع إلى الله عقب كل خطيئة، وهكذا تكون الحرب سجالا بينهم وبين أنفسهم فإما أن تنتصر دواعى الخير فتصح توبتهم، وإما أن تنكسر أمام جند الشهوة فتحيط بهم خطيئتهم ويكونوا من المصرّين الهالكين.
وخلاصة المعنى- إن التوبة التي أوجب الله على نفسه قبولها بوعده الذي هو أثر كرمه وفضله، ليست إلا لمن يجترح السيئة بجهالة تلابس نفسه من سورة غضب أو تغلب شهوة، ثم لا يلبث أن يندم على ما فرط منه وينيب إلى ربه ويتوب ويقلع عن ذنبه.
(فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) أي فأولئك الذين فعلوا الذنوب بجهالة وتابوا بعد قريب من الزمن، يتوب الله عليهم، لأن الذنوب لم ترسخ فى نفوسهم، ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون.
(وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) وبهذا العلم بشئون عباده ومعرفة مصالحهم جعل التوبة مقبولة حتما، لأنه يعلم ضعف عباده وأنهم لا يسلمون من عمل السوء، فلو لم يشرع لهم التوبة لهلكوا باسترسالهم فى المعاصي والسيئات وتعمد اتباع الهوى وخطوات الشيطان لعلمهم أنهم هالكون لا مخالة فلا فائدة من جهاد النفس وتزكيتها.
أما وقد شرع الله بحكمته قبول التوبة فقد فتح لهم باب الفضيلة وهداهم إلى محو السيئة بالحسنة، لكنه لا يقبل إلا التوبة النصوح دون حركات اللسان بالاستغفار والإتيان ببعض المكفرات من الصدقات أو الأذكار مع الإصرار على الذنوب والأوزار، ومن ثم جمع الله فى الآية السابقة بين التوبة وإصلاح العمل.
وقد فعلت الأمم السالفة مثل هذا فاستثقلت التكاليف، وفسقت عن أمر ربها
وخلاصة المعنى- إن التوبة التي أوجب الله على نفسه قبولها بوعده الذي هو أثر كرمه وفضله، ليست إلا لمن يجترح السيئة بجهالة تلابس نفسه من سورة غضب أو تغلب شهوة، ثم لا يلبث أن يندم على ما فرط منه وينيب إلى ربه ويتوب ويقلع عن ذنبه.
(فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) أي فأولئك الذين فعلوا الذنوب بجهالة وتابوا بعد قريب من الزمن، يتوب الله عليهم، لأن الذنوب لم ترسخ فى نفوسهم، ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون.
(وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) وبهذا العلم بشئون عباده ومعرفة مصالحهم جعل التوبة مقبولة حتما، لأنه يعلم ضعف عباده وأنهم لا يسلمون من عمل السوء، فلو لم يشرع لهم التوبة لهلكوا باسترسالهم فى المعاصي والسيئات وتعمد اتباع الهوى وخطوات الشيطان لعلمهم أنهم هالكون لا مخالة فلا فائدة من جهاد النفس وتزكيتها.
أما وقد شرع الله بحكمته قبول التوبة فقد فتح لهم باب الفضيلة وهداهم إلى محو السيئة بالحسنة، لكنه لا يقبل إلا التوبة النصوح دون حركات اللسان بالاستغفار والإتيان ببعض المكفرات من الصدقات أو الأذكار مع الإصرار على الذنوب والأوزار، ومن ثم جمع الله فى الآية السابقة بين التوبة وإصلاح العمل.
وقد فعلت الأمم السالفة مثل هذا فاستثقلت التكاليف، وفسقت عن أمر ربها
209
واتبعت هواها وجعلت حظها من الدين مجموع حركات لسانية وبدنية لا تهذب خلقا ولا تصلح عملا ولا تمنع النفس من التمتع بشهواتها، وقد اتبع كثير من المسلمين سنن من قبلهم وحذوا حذوهم شبرا بشبر وذراعا بذراع.
وبعد أن بين حال من تقبل توبتهم، ذكر حال أضدادهم الذين لا تقبل منهم التوبة فقال:
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) أي إن سنة الله قد مضت بأن التوبة لا تكون للذين يعملون السيئات منهمكين فيها إلى حضور الموت، وصدور ذلك القول منهم، لأن هؤلاء قد أحاطت بهم خطيئاتهم ولم تدع للأعمال الصالحة مكانا فى نفوسهم، فهم أصروا عليها إلى أنّ حضرهم الموت ويئسوا من الحياة التي يتمتعون بها، وحينئذ يقول أحدهم: إنى تبت الآن وما هو من التائبين بل من المدّعين الكاذبين.
والخلاصة- إن التوبة لمثل هؤلاء ليست مقبولة حتما، فأمرهم مفوض إلى الله تعالى وهو العليم بحالهم، وحديث قبول توبة العبد ما لم يغرغر أو تبلغ روحه الحلقوم- المراد منه حصول التوبة النصوح، بأن يدرك المذنب قبح ما كان قد عمله من السيئات ويندم على مزاولتها ويزول حبه لها بحيث لو عاش لما عاد إليها، وقلما يحصل مثل هذا الإدراك للمصرّ على السيئات المستأنس بها فى عامة أيام الحياة، وإنما الذي يحصل له إدراك العجز عنها واليأس منها وكراهة ما يتوقعه من قرب العقاب عليها عند الموت.
(وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) أي لا تقبل توبة لهؤلاء ولا لهؤلاء، وقد سوّى الله بين الذين سوّفوا توبتهم إلى أن حضر الموت وبين الذين ماتوا على الكفر فى أن توبتهم لا تقبل، فكما أن المائت على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين، كذلك المسوّف إلى حضرة الموت، فكل منهما جاوز الحد المضروب للتوبة، إذ هى لا تكون إلا عند التكليف والاختيار.
وبعد أن بين حال من تقبل توبتهم، ذكر حال أضدادهم الذين لا تقبل منهم التوبة فقال:
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) أي إن سنة الله قد مضت بأن التوبة لا تكون للذين يعملون السيئات منهمكين فيها إلى حضور الموت، وصدور ذلك القول منهم، لأن هؤلاء قد أحاطت بهم خطيئاتهم ولم تدع للأعمال الصالحة مكانا فى نفوسهم، فهم أصروا عليها إلى أنّ حضرهم الموت ويئسوا من الحياة التي يتمتعون بها، وحينئذ يقول أحدهم: إنى تبت الآن وما هو من التائبين بل من المدّعين الكاذبين.
والخلاصة- إن التوبة لمثل هؤلاء ليست مقبولة حتما، فأمرهم مفوض إلى الله تعالى وهو العليم بحالهم، وحديث قبول توبة العبد ما لم يغرغر أو تبلغ روحه الحلقوم- المراد منه حصول التوبة النصوح، بأن يدرك المذنب قبح ما كان قد عمله من السيئات ويندم على مزاولتها ويزول حبه لها بحيث لو عاش لما عاد إليها، وقلما يحصل مثل هذا الإدراك للمصرّ على السيئات المستأنس بها فى عامة أيام الحياة، وإنما الذي يحصل له إدراك العجز عنها واليأس منها وكراهة ما يتوقعه من قرب العقاب عليها عند الموت.
(وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) أي لا تقبل توبة لهؤلاء ولا لهؤلاء، وقد سوّى الله بين الذين سوّفوا توبتهم إلى أن حضر الموت وبين الذين ماتوا على الكفر فى أن توبتهم لا تقبل، فكما أن المائت على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين، كذلك المسوّف إلى حضرة الموت، فكل منهما جاوز الحد المضروب للتوبة، إذ هى لا تكون إلا عند التكليف والاختيار.
210
(أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) أعتدنا هيأنا وأعددنا، والأليم المؤلم الموجع: أي هذان الفريقان اللذان استعبدهما سلطان الشهوة وخرجا على سنة الفطرة وهداية الشريعة أعددنا لهم العذاب الموجع فى الدار الآخرة جزاء وفاقا لما اكتسبت أيديهم من السيئات مع إصرارهم عليها حتى الممات إذ أنهم أفسدوا قلوبهم، ودسّوا نفوسهم، فصارت تهبط بهم خطاياهم إلى الدرك الأسفل من الهوان، وتعجز عن الصعود إلى معاهد الكرامة والرضوان.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٩ الى ٢١]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١)
تفسير المفردات
العضل: التضييق والشدة، ومنه الداء العضال الشديد الذي لا نجاة منه، والفاحشة: الفعلة الشنيعة الشديدة القبح، والمبينة: الظاهرة الفاضحة، والمعروف:
ما تألفه الطباع ولا يستنكره الشرع ولا العرف ولا المروءة، والبهتان: الكذب الذي يبهت المكذوب عليه ويسكته متحيرا، والإثم: الحرام، أفضى: أي وصل إليها الوصول الخاص الذي يكون بين الزوجين، فيلابس كل منهما الآخر حتى كأنهما شىء واحد، والميثاق الغليظ: العهد المؤكد الذي يربطكم بهن أقوى رباط وأحكمه.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٩ الى ٢١]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١)
تفسير المفردات
العضل: التضييق والشدة، ومنه الداء العضال الشديد الذي لا نجاة منه، والفاحشة: الفعلة الشنيعة الشديدة القبح، والمبينة: الظاهرة الفاضحة، والمعروف:
ما تألفه الطباع ولا يستنكره الشرع ولا العرف ولا المروءة، والبهتان: الكذب الذي يبهت المكذوب عليه ويسكته متحيرا، والإثم: الحرام، أفضى: أي وصل إليها الوصول الخاص الذي يكون بين الزوجين، فيلابس كل منهما الآخر حتى كأنهما شىء واحد، والميثاق الغليظ: العهد المؤكد الذي يربطكم بهن أقوى رباط وأحكمه.
211
المعنى الجملي
بعد أن نهى سبحانه فيما تقدم عن عادات الجاهلية فى أمر اليتامى وأموالهم أعقبه بالنهى عن الاستنان بسنتهم فى النساء وأموالهن، وقد كانوا يحتقرون النساء ويعدونهن من قبيل المتاع حتى كان الأقربون يرثون زوجة من يموت منهم كما يرثون ماله، فحرم الله عليهم هذا العمل، روى البخاري وأبو داود أنه كان إذا مات الرجل منهم كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية فى ذلك. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: جاءت كبيشة ابنة معن بن عاصم من الأوس إلى النبي ﷺ وكانت تحت أبى قيس بن الأسلت فتوّفى عنها فجنح عليها (ضَيْقٍ) ابنه وقالت له: لا أنا ورثت زوجى ولا أنا تركت فأنكح فنزلت الآية.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) أي لا يحل لكم أيها الذين آمنوا بالله ورسوله أن تسيروا على سنة الجاهلية فى هضم حقوق النساء فتجعلوهن ميراثا لكم كالأموال والعبيد وتتصرفوا فيهن كما تشاءون، وهنّ كارهات لذلك، فإن شاء أحدكم تزوج امرأة من يموت من أقاربه، وإن شاء زوجها غيره، وإن شاء أمسكها ومنعها الزواج.
(وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ) أي لا يحل لكم إرث النساء ولا التضييق عليهن ومضارتهن ليكرهنكم ويضطرون إلى الافتداء منكم بالمال من ميراث وصداق ونحو ذلك، فقد كانوا يتزوجون من يعجبهم حسنها ويزوجون من لا تعجبهم أو يمسكونها حتى تفتدى بما كانت ورثت من قريب الوارث. أو ما كانت أخذت من صداق ونحوه أو كل هذا، وربما كلفوها الزيادة إن علموا أنها تستطيعها.
بعد أن نهى سبحانه فيما تقدم عن عادات الجاهلية فى أمر اليتامى وأموالهم أعقبه بالنهى عن الاستنان بسنتهم فى النساء وأموالهن، وقد كانوا يحتقرون النساء ويعدونهن من قبيل المتاع حتى كان الأقربون يرثون زوجة من يموت منهم كما يرثون ماله، فحرم الله عليهم هذا العمل، روى البخاري وأبو داود أنه كان إذا مات الرجل منهم كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية فى ذلك. وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال: جاءت كبيشة ابنة معن بن عاصم من الأوس إلى النبي ﷺ وكانت تحت أبى قيس بن الأسلت فتوّفى عنها فجنح عليها (ضَيْقٍ) ابنه وقالت له: لا أنا ورثت زوجى ولا أنا تركت فأنكح فنزلت الآية.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) أي لا يحل لكم أيها الذين آمنوا بالله ورسوله أن تسيروا على سنة الجاهلية فى هضم حقوق النساء فتجعلوهن ميراثا لكم كالأموال والعبيد وتتصرفوا فيهن كما تشاءون، وهنّ كارهات لذلك، فإن شاء أحدكم تزوج امرأة من يموت من أقاربه، وإن شاء زوجها غيره، وإن شاء أمسكها ومنعها الزواج.
(وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ) أي لا يحل لكم إرث النساء ولا التضييق عليهن ومضارتهن ليكرهنكم ويضطرون إلى الافتداء منكم بالمال من ميراث وصداق ونحو ذلك، فقد كانوا يتزوجون من يعجبهم حسنها ويزوجون من لا تعجبهم أو يمسكونها حتى تفتدى بما كانت ورثت من قريب الوارث. أو ما كانت أخذت من صداق ونحوه أو كل هذا، وربما كلفوها الزيادة إن علموا أنها تستطيعها.
212
أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: كانت قريش بمكة ينكح الرجل منهم المرأة الشريفة فلعلها ما توافقه فيفارقها على ألا تتزوج إلا بإذنه، فيأتى بالشهود فيكتب ذلك عليها، فإذا خطبها خاطب فإن أعطته وأرضته أذن لها وإلا عضلها، وكثيرا ما كانوا يضيقون عليهن ليفتدين منهم بالمال.
(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) أي لا تعضلوهن فى أي حال إلا فى الحال التي يأتين فيها بالفاحشة المبينة دون الظنة والشبهة، فإذا نشزن عن طاعتكم وساءت عشرتهن ولم ينفع معهنّ التأديب، أو تبين ارتكابهن للزنا أو السرقة أو نحو ذلك من الأمور الفاحشة الممقوتة عند الناس، فلكم حينئذ أن تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صداق وغيره من المال، لأن الفحش قد أتى من جانبها، وإنما اشترط فى الفاحشة أن تكون مبينة: أي ظاهرة فاضحة لصاحبها، لأنه ربما ظلم الرجل المرأة بإصابتها الهفوة الصغيرة أو بمجرد سوء الظن والتّهمة فمن الرجال الغيور السيّء الظن الذي يؤاخذ بأتفه الأمور ويعده عظيما، وإنما أبيح للرجل أن يضيق على امرأته إذا أتت بهذه الفاحشة المبينة، لأنها ربما كرهته ومالت إلى غيره، فتؤذيه بفاحش القول أو الفعل ليملها ويسأم معاشرتها فيطلقها فتأخذ ما كان أعطاها وتتزوج غيره وتتمتع بمال الأول، وربما فعلت مع الثاني ما فعلت مع الأول، فإذا علم النساء أن العضل والتضييق بيد الرجال ومما أبيح لهم إذا هنّ أهنّهم، فإن ذلك يكفهن عن ارتكابها والاحتيال بها على أرذل أنواع الكسب.
(وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي وعليكم أن تحسنوا معاشرة نسائكم فتخالطوهنّ بما تألفه طباعهن ولا يستنكره الشرع ولا العرف، ولا تضيقوا عليهن فى النفقة ولا تؤذوهن بقول ولا فعل ولا تقابلوهن بعبوس الوجه ولا تقطيب الجبين.
وفى كلمة (المعاشرة) معنى المشاركة والمساواة أي عاشروهن بالمعروف وليعاشرنكم كذلك، فيجب أن يكون كل من الزوجين مدعاة لسرور الآخر وسبب هناءته وسعادته
(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) أي لا تعضلوهن فى أي حال إلا فى الحال التي يأتين فيها بالفاحشة المبينة دون الظنة والشبهة، فإذا نشزن عن طاعتكم وساءت عشرتهن ولم ينفع معهنّ التأديب، أو تبين ارتكابهن للزنا أو السرقة أو نحو ذلك من الأمور الفاحشة الممقوتة عند الناس، فلكم حينئذ أن تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صداق وغيره من المال، لأن الفحش قد أتى من جانبها، وإنما اشترط فى الفاحشة أن تكون مبينة: أي ظاهرة فاضحة لصاحبها، لأنه ربما ظلم الرجل المرأة بإصابتها الهفوة الصغيرة أو بمجرد سوء الظن والتّهمة فمن الرجال الغيور السيّء الظن الذي يؤاخذ بأتفه الأمور ويعده عظيما، وإنما أبيح للرجل أن يضيق على امرأته إذا أتت بهذه الفاحشة المبينة، لأنها ربما كرهته ومالت إلى غيره، فتؤذيه بفاحش القول أو الفعل ليملها ويسأم معاشرتها فيطلقها فتأخذ ما كان أعطاها وتتزوج غيره وتتمتع بمال الأول، وربما فعلت مع الثاني ما فعلت مع الأول، فإذا علم النساء أن العضل والتضييق بيد الرجال ومما أبيح لهم إذا هنّ أهنّهم، فإن ذلك يكفهن عن ارتكابها والاحتيال بها على أرذل أنواع الكسب.
(وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي وعليكم أن تحسنوا معاشرة نسائكم فتخالطوهنّ بما تألفه طباعهن ولا يستنكره الشرع ولا العرف، ولا تضيقوا عليهن فى النفقة ولا تؤذوهن بقول ولا فعل ولا تقابلوهن بعبوس الوجه ولا تقطيب الجبين.
وفى كلمة (المعاشرة) معنى المشاركة والمساواة أي عاشروهن بالمعروف وليعاشرنكم كذلك، فيجب أن يكون كل من الزوجين مدعاة لسرور الآخر وسبب هناءته وسعادته
213
فى معيشته ومنزله: «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً».
(فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) أي فإن كرهتموهن لعيب فى أخلاقهن أو دمامة فى خلقهن مما ليس لهن فيه كسب، أو لتقصير فى العمل الواجب عليهن كخدمة البيت والقيام بشئونه مما لا يخلو عن مثله النساء فى أعمالهن، أو لميل منكم إلى غيرهن، فاصبروا ولا تعجلوا بمضارتهن ولا بمفارقتهن، فربما كرهت النفس ما هو أصلح فى الدين وأوفى إلى الخير، ومن ذلك:
١) الأولاد النجباء فربّ امرأة يملّها زوجها ويود فراقها ثم يجيئه منها من تقرّبه عينه من الأولاد النجباء فيعلو قدرها عنده بذلك.
٢) أن يصلح حالها بصبره وحسن معاشرته، فتكون من أعظم أسباب سعادته وسروره فى انتظام معيشته وحسن خدمته، ولا سيما إذا أصيب بالأمراض أو بالفقر والعوز فتكون خير سلوى وعون فى هذه الأحوال، فيجب على الرجل أن يتذكر مثل ذلك، كما يذكر أنه قلما يخلو من عيب تصبر عليه امرأته فى الحال والاستقبال.
وقد جاء قوله «وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» فى سياق حديث النساء دستورا إذا نحن اتبعناه كان له الأثر الصالح فى جميع أعمالنا وهدانا إلى الرشد فى جميع شئوننا، فكثير مما يكرهه الإنسان يكون له فيه الخير، ومتى جاء ذلك الخير ظهرت فائدة ذلك الشيء المكروه، والتجارب أصدق شاهد على ذلك فالقتال لأجل حماية الحق والدفاع عنه يكرهه الطبع لما فيه من المشقة، لكن فيه إظهار الحق ونصره ورفعة أهله وخذلان الباطل وحزبه، إلى أن الصبر على احتمال المكروه يمرن النفس على احتمال الأذى ويعوّدها تحمل المشاق فى جسيم الأمور.
والخلاصة- إن الإسلام وصىّ أهله بحسن معاشرة النساء والصبر عليهن إذا كرههن الأزواج، رجاء أن يكون فيهن خير، ولا يبيح عضلهن وافتداءهن أنفسهن بالمال
(فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) أي فإن كرهتموهن لعيب فى أخلاقهن أو دمامة فى خلقهن مما ليس لهن فيه كسب، أو لتقصير فى العمل الواجب عليهن كخدمة البيت والقيام بشئونه مما لا يخلو عن مثله النساء فى أعمالهن، أو لميل منكم إلى غيرهن، فاصبروا ولا تعجلوا بمضارتهن ولا بمفارقتهن، فربما كرهت النفس ما هو أصلح فى الدين وأوفى إلى الخير، ومن ذلك:
١) الأولاد النجباء فربّ امرأة يملّها زوجها ويود فراقها ثم يجيئه منها من تقرّبه عينه من الأولاد النجباء فيعلو قدرها عنده بذلك.
٢) أن يصلح حالها بصبره وحسن معاشرته، فتكون من أعظم أسباب سعادته وسروره فى انتظام معيشته وحسن خدمته، ولا سيما إذا أصيب بالأمراض أو بالفقر والعوز فتكون خير سلوى وعون فى هذه الأحوال، فيجب على الرجل أن يتذكر مثل ذلك، كما يذكر أنه قلما يخلو من عيب تصبر عليه امرأته فى الحال والاستقبال.
وقد جاء قوله «وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» فى سياق حديث النساء دستورا إذا نحن اتبعناه كان له الأثر الصالح فى جميع أعمالنا وهدانا إلى الرشد فى جميع شئوننا، فكثير مما يكرهه الإنسان يكون له فيه الخير، ومتى جاء ذلك الخير ظهرت فائدة ذلك الشيء المكروه، والتجارب أصدق شاهد على ذلك فالقتال لأجل حماية الحق والدفاع عنه يكرهه الطبع لما فيه من المشقة، لكن فيه إظهار الحق ونصره ورفعة أهله وخذلان الباطل وحزبه، إلى أن الصبر على احتمال المكروه يمرن النفس على احتمال الأذى ويعوّدها تحمل المشاق فى جسيم الأمور.
والخلاصة- إن الإسلام وصىّ أهله بحسن معاشرة النساء والصبر عليهن إذا كرههن الأزواج، رجاء أن يكون فيهن خير، ولا يبيح عضلهن وافتداءهن أنفسهن بالمال
214
إلا إذا أتين بفاحشة مبينة بحيث يكون إمساكهن سببا فى مهانة الرجل واحتقاره، أو إذا خافا ألا يقيما حدود الله، وفيما عدا ذلك يجب عليه إذا أراد فراقها أن يعطيها جميع حقوقها وهذا ما أشار إليه بقوله:
(وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) أي وإذا رغبتم أيها الأزواج فى استبدال زوج جديدة مكان زوج سابقة كرهتموها لعدم طاقتكم الصبر على معاشرتها وهى لم تأت بفاحشة مبينة، وقد كنتم أتيتموها المال الكثير مقبوضا أو ملتزما دفعه إليها فصار دينا فى ذمتكم فلا تأخذوا منه شيئا، بل عليكم أن تدفعوه لها، لأنكم إنما استبدلتم غيرها بها لأغراضكم ومصالحكم بدون ذنب ولا جريرة تبيح أخذ شىء منها، فبأى حق تستحلون ذلك وهى لم تطلب فراقكم ولم تسىء إليكم لتحملكم على طلاقها؟ وإرادة الاستبدال ليست شرطا فى عدم حلّ أخذ شىء من مالها إذا هو كره عشرتها وأراد الطلاق، لكنه ذكر لأنه هو الغالب فى مثل هذا الحال، ألا ترى أنه لو طلقها وهو لا يريد تزوج غيرها، لأنه اختار الوحدة وعدم التقيد بالنساء وحاجتهم الكثيرة فإنه لا يحل له أخذ شىء من مالها.
ثم أنكر عليهم هذا الفعل ووبخهم عليه أشد التوبيخ فقال:
(أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً؟) أي أتأخذونه باهتين آثمين، وقد كان من دأبهم أنهم إذا أرادوا تطليق الزوجة رموها بفاحشة حتى تخاف وتشترى نفسها منه بالمهر الذي دفعه إليها.
وزاده إنكارا آخر مبالغة فى التنفير من ذلك فقال:
(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) أي إنّ حال هؤلاء الذين يستحلون أخذ مهور النساء إذا أرادوا مفارقتهن بالطلاق لا لذنب جنينه ولا لإثم اجترحنه من الإتيان بفاحشة مبينة أو عدم إقامة حدود الله، وإنما هو الرأى والهوى وكراهة معاشرتهن- عجيب أيّما عجب، فكيف يستسيغون أخذ ذلك منهنّ بعد أن تأكدت الرابطة بين الزوجين بأقوى رباط حيوىّ بين البشر، ولابس كل منهما الآخر
(وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) أي وإذا رغبتم أيها الأزواج فى استبدال زوج جديدة مكان زوج سابقة كرهتموها لعدم طاقتكم الصبر على معاشرتها وهى لم تأت بفاحشة مبينة، وقد كنتم أتيتموها المال الكثير مقبوضا أو ملتزما دفعه إليها فصار دينا فى ذمتكم فلا تأخذوا منه شيئا، بل عليكم أن تدفعوه لها، لأنكم إنما استبدلتم غيرها بها لأغراضكم ومصالحكم بدون ذنب ولا جريرة تبيح أخذ شىء منها، فبأى حق تستحلون ذلك وهى لم تطلب فراقكم ولم تسىء إليكم لتحملكم على طلاقها؟ وإرادة الاستبدال ليست شرطا فى عدم حلّ أخذ شىء من مالها إذا هو كره عشرتها وأراد الطلاق، لكنه ذكر لأنه هو الغالب فى مثل هذا الحال، ألا ترى أنه لو طلقها وهو لا يريد تزوج غيرها، لأنه اختار الوحدة وعدم التقيد بالنساء وحاجتهم الكثيرة فإنه لا يحل له أخذ شىء من مالها.
ثم أنكر عليهم هذا الفعل ووبخهم عليه أشد التوبيخ فقال:
(أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً؟) أي أتأخذونه باهتين آثمين، وقد كان من دأبهم أنهم إذا أرادوا تطليق الزوجة رموها بفاحشة حتى تخاف وتشترى نفسها منه بالمهر الذي دفعه إليها.
وزاده إنكارا آخر مبالغة فى التنفير من ذلك فقال:
(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) أي إنّ حال هؤلاء الذين يستحلون أخذ مهور النساء إذا أرادوا مفارقتهن بالطلاق لا لذنب جنينه ولا لإثم اجترحنه من الإتيان بفاحشة مبينة أو عدم إقامة حدود الله، وإنما هو الرأى والهوى وكراهة معاشرتهن- عجيب أيّما عجب، فكيف يستسيغون أخذ ذلك منهنّ بعد أن تأكدت الرابطة بين الزوجين بأقوى رباط حيوىّ بين البشر، ولابس كل منهما الآخر
215
حتى صار أحدهما من الآخر بمنزلة الجزء المتمم لوجوده، فبعد أن أفضى كل منهما إلى الآخر إفضاء ولابسه ملابسة يتكون منها الولد، يقطع تلك الصلة العظيمة ويطمع فى مالها وهى المظلومة الضعيفة، وهو القادر على اكتساب المال بسائر الوسائل التي هدى الله إليها البشر.
(وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) قال قتادة: هذا الميثاق هو ما أخذ الله للنساء على الرجال بقوله (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) وقال الأستاذ الإمام: إن هذا الميثاق لا بد أن يكون مناسبا للإفضاء فى أن كلا منهما شأن من شئون الفطرة السليمة وهو الذي أشارت إليه الآية الكريمة «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» فهذه آية من آيات الفطرة الإلهية هى أقوى ما تعتمد عليها المرأة فى ترك أبويها وإخوتها وسائر أهلها والاتصال برجل غريب عنها تساهمه السراء والضراء وتسكن إليه ويسكن إليها ويكون بينهما من المودة أقوى مما يكون بين ذوى القربى، ثقة منها بأن صلتها به أقوى من كل صلة وعيشتها معه أهنأ من كل عيشة.
هذه الثقة وذلك الشعور الفطري الذي أودع فى المرأة وجعلها تحسّ بصلة لم تعهد من قبل لا تجد مثلها لدى أحد من الأهل، وبها تعتقد أنها بالزواج مقبلة على سعادة ليس وراءها سعادة فى الحياة، هذا هو المركوز فى أعماق النفوس، وهذا هو الميثاق الغليظ، فما قيمة من لا يفى بهذا الميثاق، وما هى مكانته من الإنسانية؟ اه بتصرف.
وقد استدلوا بذكر القنطار على جواز التغالى فى المهور. وقد روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى على المنبر أن يزاد فى الصداق على أربعمائه درهم ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: أما سمعت الله يقول (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) فقال: اللهم عفوا كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر فقال: إنى كنت نهيتكم أن تزيدوا فى صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطى من ماله فله ما أحبّ.
(وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) قال قتادة: هذا الميثاق هو ما أخذ الله للنساء على الرجال بقوله (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) وقال الأستاذ الإمام: إن هذا الميثاق لا بد أن يكون مناسبا للإفضاء فى أن كلا منهما شأن من شئون الفطرة السليمة وهو الذي أشارت إليه الآية الكريمة «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» فهذه آية من آيات الفطرة الإلهية هى أقوى ما تعتمد عليها المرأة فى ترك أبويها وإخوتها وسائر أهلها والاتصال برجل غريب عنها تساهمه السراء والضراء وتسكن إليه ويسكن إليها ويكون بينهما من المودة أقوى مما يكون بين ذوى القربى، ثقة منها بأن صلتها به أقوى من كل صلة وعيشتها معه أهنأ من كل عيشة.
هذه الثقة وذلك الشعور الفطري الذي أودع فى المرأة وجعلها تحسّ بصلة لم تعهد من قبل لا تجد مثلها لدى أحد من الأهل، وبها تعتقد أنها بالزواج مقبلة على سعادة ليس وراءها سعادة فى الحياة، هذا هو المركوز فى أعماق النفوس، وهذا هو الميثاق الغليظ، فما قيمة من لا يفى بهذا الميثاق، وما هى مكانته من الإنسانية؟ اه بتصرف.
وقد استدلوا بذكر القنطار على جواز التغالى فى المهور. وقد روى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى على المنبر أن يزاد فى الصداق على أربعمائه درهم ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: أما سمعت الله يقول (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) فقال: اللهم عفوا كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر فقال: إنى كنت نهيتكم أن تزيدوا فى صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطى من ماله فله ما أحبّ.
216
هذا، وإن الشريعة لم تحدد مقدر الصداق بل تركت ذلك للناس لتفاوتهم فى الغنى والفقر فكلّ يعطى بحسب حاله، ولكن جاء فى السنة الإرشاد إلى اليسر فى ذلك وعدم التغالى فيه، فمن ذلك ما رواه أحمد والحاكم والبيهقي عن عائشة «إنّ من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها».
وإن التغالى فى المهور الآن قد صار من أسباب قلة الزواج، وقلة الزواج تفضى إلى كثرة الزنا والفساد، والغبن أخيرا على النساء أكثر، وإنك لترى هذه العادة متمكنة لدى بعض الناس، حتى إن ولى المرأة ليمتنع عن تزويج بنته للكفء الذي لا يرجى من هو خير منه إذا كان لا يعطيه ما يراه لائقا بكرامته، ويزوجها لمن هو دونه دينا وخلقا ومن لا يرجو لها سعادة عنده إذا هو أعطاه الكثير الذي يراه محققا لأغراضه وهكذا تتحكم التقاليد والعادات حتى تفسد على الناس سعادتهم وتقوّض نظم بيوتهم وهم لها منقادون بلا تفكير فى العواقب.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣)
وإن التغالى فى المهور الآن قد صار من أسباب قلة الزواج، وقلة الزواج تفضى إلى كثرة الزنا والفساد، والغبن أخيرا على النساء أكثر، وإنك لترى هذه العادة متمكنة لدى بعض الناس، حتى إن ولى المرأة ليمتنع عن تزويج بنته للكفء الذي لا يرجى من هو خير منه إذا كان لا يعطيه ما يراه لائقا بكرامته، ويزوجها لمن هو دونه دينا وخلقا ومن لا يرجو لها سعادة عنده إذا هو أعطاه الكثير الذي يراه محققا لأغراضه وهكذا تتحكم التقاليد والعادات حتى تفسد على الناس سعادتهم وتقوّض نظم بيوتهم وهم لها منقادون بلا تفكير فى العواقب.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣)
217
تفسير المفردات
سلف: أي مضى، فاحشة: أي شديد القبح، مقتا: أي ممقوتا مبغوضا عند دوى الطباع السليمة، ومن ثم كانوا يسمونه نكاح المقت، ويسمى الولد منه مقيتا: أي مبغوضا محتقرا، وساء سبيلا: أي بئس طريقا ذلك الطريق الذي اعتادوا سلوكه فى الجاهلية وبئس من يسلكه، لم يزده السير فيه إلا قبحا، والجناح الإثم والتضييق.
المعنى الجملي
بعد أن بيّن فى أوائل السورة حكم نكاح اليتامى وعدد من يحل من النساء والشرط فى ذلك، وبين حكم استبدال زوج مكان زوج وما يجب من المعروف فى معاشرتهن- وصل هذا ببيان ما يحرم نكاحه منهن.
الإيضاح
(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) ذكر الله هذا النكاح أوّلا ولم يذكره مع سائر المحرمات فى الآية التالية لأنه كان فاشيا فى الجاهلية، وقد ذمه الله أقبح ذمّ فسماه فاحشة وجعله مبغوضا أشد البغض.
أخرج ابن سعد عن محمد بن كعب قال: كان الرجل إذا توفّى عن امرأته كان ابنه أحق بها أن ينكحها إن شاء إن لم تكن أمّه أو ينكحها من شاء، فلما مات أبو قيس بن الأسلت قام ابنه محصن فورث نكاح امرأته ولم ينفق عليها ولم يورّثها من المال شيئا، فأتت النبي ﷺ فذكرت ذلك له فقال: ارجعي لعل الله ينزل فيك شيئا فنزلت (وَلا تَنْكِحُوا) الآية،
ونزلت أيضا (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) إلخ. والمراد بالنكاح العقد كما قال ابن عباس، فقد روى ابن جرير والبيهقي عنه أنه قال: كل امرأة تزوجها أبوك دخل بها أو لم يدخل بها فهى حرام، والمراد من الآباء ما يشمل الأجداد إجماعا
سلف: أي مضى، فاحشة: أي شديد القبح، مقتا: أي ممقوتا مبغوضا عند دوى الطباع السليمة، ومن ثم كانوا يسمونه نكاح المقت، ويسمى الولد منه مقيتا: أي مبغوضا محتقرا، وساء سبيلا: أي بئس طريقا ذلك الطريق الذي اعتادوا سلوكه فى الجاهلية وبئس من يسلكه، لم يزده السير فيه إلا قبحا، والجناح الإثم والتضييق.
المعنى الجملي
بعد أن بيّن فى أوائل السورة حكم نكاح اليتامى وعدد من يحل من النساء والشرط فى ذلك، وبين حكم استبدال زوج مكان زوج وما يجب من المعروف فى معاشرتهن- وصل هذا ببيان ما يحرم نكاحه منهن.
الإيضاح
(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) ذكر الله هذا النكاح أوّلا ولم يذكره مع سائر المحرمات فى الآية التالية لأنه كان فاشيا فى الجاهلية، وقد ذمه الله أقبح ذمّ فسماه فاحشة وجعله مبغوضا أشد البغض.
أخرج ابن سعد عن محمد بن كعب قال: كان الرجل إذا توفّى عن امرأته كان ابنه أحق بها أن ينكحها إن شاء إن لم تكن أمّه أو ينكحها من شاء، فلما مات أبو قيس بن الأسلت قام ابنه محصن فورث نكاح امرأته ولم ينفق عليها ولم يورّثها من المال شيئا، فأتت النبي ﷺ فذكرت ذلك له فقال: ارجعي لعل الله ينزل فيك شيئا فنزلت (وَلا تَنْكِحُوا) الآية،
ونزلت أيضا (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) إلخ. والمراد بالنكاح العقد كما قال ابن عباس، فقد روى ابن جرير والبيهقي عنه أنه قال: كل امرأة تزوجها أبوك دخل بها أو لم يدخل بها فهى حرام، والمراد من الآباء ما يشمل الأجداد إجماعا
218
(إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) أي لكن ما سلف من ذلك لا مؤاخذة عليه.
والخلاصة- إنكم تستحقون العقاب بنكاح ما نكح آباؤكم إلا ما قد سلف ومضى فإنه معفوّ عنه.
(إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا) أي إن نكاح أزواج الآباء تمجّه الأذواق السليمة، وتؤيد ذلك الشريعة التي هدى الله الناس بها، فهو قبيح محتقر والسالك فى طريقه مزدرى عند ذوى العقول الراجحة.
قال الإمام الرازي- القبح ثلاثة أصناف: عقلىّ وشرعى وعادى، وقد وصف الله النكاح بكل ذلك، فقوله سبحانه (فاحِشَةً) إشارة إلى الأول، وقوله (مَقْتاً) إشارة إلى الثاني، وقوله (وَساءَ سَبِيلًا) إشارة إلى الثالث.
بعد هذا بين الله أنواع المحرمات لأسباب وعلل تنافى ما فى النكاح من الصلة بين بعض البشر وبعض، وهى عدة أقسام:
القسم الأول منها ما يحرم من جهة النسب، وهو أنواع:
١) نكاح الأصول وإليه الإشارة بقوله:
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) والمراد بالأم ما يشمل الجدات: أي إن الله قد حرم عليكم أن تتزوجوا أمهاتكم والمراد أنه حكم الآن بهذا التحريم والمنع.
٢) نكاح الفروع وذلك قوله:
(وَبَناتُكُمْ) والمراد بهن ما يشمل بنات أصلابنا أو بنات أولادنا ممن كنا سببا فى ولادتهن وأصولا لهن.
٣) نكاح الحواشي القريبة، وذلك ما عناه سبحانه بقوله:
(وَأَخَواتُكُمْ) سواء أكن شقيقات لكم، أم كن لأم أو لأب.
(٤ و ٥) نكاح الحواشي البعيدة من جهة الأب والأم وإليهما الإشارة بقوله:
والخلاصة- إنكم تستحقون العقاب بنكاح ما نكح آباؤكم إلا ما قد سلف ومضى فإنه معفوّ عنه.
(إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا) أي إن نكاح أزواج الآباء تمجّه الأذواق السليمة، وتؤيد ذلك الشريعة التي هدى الله الناس بها، فهو قبيح محتقر والسالك فى طريقه مزدرى عند ذوى العقول الراجحة.
قال الإمام الرازي- القبح ثلاثة أصناف: عقلىّ وشرعى وعادى، وقد وصف الله النكاح بكل ذلك، فقوله سبحانه (فاحِشَةً) إشارة إلى الأول، وقوله (مَقْتاً) إشارة إلى الثاني، وقوله (وَساءَ سَبِيلًا) إشارة إلى الثالث.
بعد هذا بين الله أنواع المحرمات لأسباب وعلل تنافى ما فى النكاح من الصلة بين بعض البشر وبعض، وهى عدة أقسام:
القسم الأول منها ما يحرم من جهة النسب، وهو أنواع:
١) نكاح الأصول وإليه الإشارة بقوله:
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) والمراد بالأم ما يشمل الجدات: أي إن الله قد حرم عليكم أن تتزوجوا أمهاتكم والمراد أنه حكم الآن بهذا التحريم والمنع.
٢) نكاح الفروع وذلك قوله:
(وَبَناتُكُمْ) والمراد بهن ما يشمل بنات أصلابنا أو بنات أولادنا ممن كنا سببا فى ولادتهن وأصولا لهن.
٣) نكاح الحواشي القريبة، وذلك ما عناه سبحانه بقوله:
(وَأَخَواتُكُمْ) سواء أكن شقيقات لكم، أم كن لأم أو لأب.
(٤ و ٥) نكاح الحواشي البعيدة من جهة الأب والأم وإليهما الإشارة بقوله:
219
(وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ) والمراد بهما الإناث من جهة العمومة ومن جهة الخئولة فيشمل أولاد الأجداد وإن علوا، وأولاد الجدات وإن علون.
٦) نكاح الحواشي البعيدة من جهة الإخوة، وذلك قوله:
(وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) من جهة أحد الأبوين أو كليهما.
القسم الثاني ما حرم من جهة الرضاعة، وإليه الإشارة بقوله:
(وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) وقد نزل الله سبحانه الرضاعة منزلة النسب فسمى المرضعة، أمّا للرضيع، وبنتها أختا له فأعلمنا بذلك أن جهة الرضاع كجهة النسب، وقد وضحت السنة ذلك،
فقال النبي ﷺ لما طلب إليه أن يتزوج ابنة عمه حمزة «إنها لا تحل لى، إنها ابنة أخى من الرضاعة، ويحرم من الرضاعة ما يحرم النسب» رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما،
وعلى ذلك جرى المسلمون جيلا بعد جيل فجعلوا زوج المرضعة أبا للرضيع تحرم عليه أصوله وفروعه ولو من غير المرضعة لأنه صاحب اللقاح الذي كان سبب اللبن الذي تغذى منه الرضيع، وقد روى البخاري عن ابن عباس أنه سئل عن رجل له جاريتان أرضعت إحداهما بنتا والأخرى غلاما، أيحل للغلام أن يتزوج الجارية؟ (قال لا، اللقاح واحد).
وقد غلب على الناس التساهل فى أمر الرضاعة فيرضعون الولد من امرأة أو من عدة نسوة ولا يهتمون بمعرفة أولاد المرضعة وإخوتها ولا أولاد زوجها من غيرها وإخوته ليعرفوا ما يترتب عليهم فى ذلك من الأحكام كحرمة النكاح وحقوق القرابة الجديدة التي جعلها الشارع كالنسب فكثيرا ما يتزوج الرجل أخته أو عمته أو خالته من الرضاعة وهو لا يدرى.
وظاهر الآية أن قليل الرضاعة ككثيرها ويروى ذلك عن على وابن عباس والحسن والزهري وقتادة، وبه أخذ أبو حنيفة ومالك. وذهب جماعة إلى أن التحريم إنما يثبت بثلاث رضعات فأكثر، لأن
النبي ﷺ قال:
٦) نكاح الحواشي البعيدة من جهة الإخوة، وذلك قوله:
(وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) من جهة أحد الأبوين أو كليهما.
القسم الثاني ما حرم من جهة الرضاعة، وإليه الإشارة بقوله:
(وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) وقد نزل الله سبحانه الرضاعة منزلة النسب فسمى المرضعة، أمّا للرضيع، وبنتها أختا له فأعلمنا بذلك أن جهة الرضاع كجهة النسب، وقد وضحت السنة ذلك،
فقال النبي ﷺ لما طلب إليه أن يتزوج ابنة عمه حمزة «إنها لا تحل لى، إنها ابنة أخى من الرضاعة، ويحرم من الرضاعة ما يحرم النسب» رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما،
وعلى ذلك جرى المسلمون جيلا بعد جيل فجعلوا زوج المرضعة أبا للرضيع تحرم عليه أصوله وفروعه ولو من غير المرضعة لأنه صاحب اللقاح الذي كان سبب اللبن الذي تغذى منه الرضيع، وقد روى البخاري عن ابن عباس أنه سئل عن رجل له جاريتان أرضعت إحداهما بنتا والأخرى غلاما، أيحل للغلام أن يتزوج الجارية؟ (قال لا، اللقاح واحد).
وقد غلب على الناس التساهل فى أمر الرضاعة فيرضعون الولد من امرأة أو من عدة نسوة ولا يهتمون بمعرفة أولاد المرضعة وإخوتها ولا أولاد زوجها من غيرها وإخوته ليعرفوا ما يترتب عليهم فى ذلك من الأحكام كحرمة النكاح وحقوق القرابة الجديدة التي جعلها الشارع كالنسب فكثيرا ما يتزوج الرجل أخته أو عمته أو خالته من الرضاعة وهو لا يدرى.
وظاهر الآية أن قليل الرضاعة ككثيرها ويروى ذلك عن على وابن عباس والحسن والزهري وقتادة، وبه أخذ أبو حنيفة ومالك. وذهب جماعة إلى أن التحريم إنما يثبت بثلاث رضعات فأكثر، لأن
النبي ﷺ قال:
220
«لا تحرّم المصّة والمصّتان»
وقد روى العمل به عن الإمام أحمد، وذهب جماعة آخرون إلى أن التحريم لا يثبت بأقل من خمس رضعات ويروى هذا عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن الزبير وهو مذهب الشافعي وأحمد فى ظاهر مذهبه.
ولا يحرم الرضاع إلا فى سنه ومدته المحدودة بقوله تعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ» وهو مذهب عمر وابن مسعود وابن عباس، وبه أخذ الشافعي وأحمد وصاحبا أبى حنيفة: أبو يوسف ومحمد،
وقد روى الدار قطنى عن ابن عباس قوله ﷺ «لا رضاع إلا ما كان فى الحولين»
وروى عن ابن عباس فى رواية أخرى والزهري والحسن وقتادة أن الرضاع المحرّم ما كان قبل الفطم، فإن فطم الرضيع ولو قبل السنتين امتنع تأثير رضاعه فى التحريم، وإن استمر رضاعه إلى ما بعد السنتين ولم يفطم كان رضاعه محرما.
القسم الثالث محرمات المصاهرة التي تعرض بسبب الزواج وتحته الأنواع الآتية:
١) (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) ويدخل فى الأمهات الجدات، ولا يشترط فى تحريم أم المرأة دخوله بالبنت بل يكفى مجرد العقد، وبهذا قال جمهور الصحابة ومن بعدهم وعليه الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة.
٢) (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ) الربائب جمع ربيبة، وربيب الرجل ولد امرأته من غيره، سمى ربيبا لأن الرجل يربّه ويسوسه ويؤدبه كما يؤدب ولده، وقوله: اللاتي فى حجوركم وصف لبيان الحال الغالب فى الربيبة وهى أن تكون فى حجر زوج أمها، وللاشعار بالمعنى الذي يوضح علة التحريم ويحرك عاطفة الأبوة فى الرجل وهى كونها فى حجره يحنو عليها حنوّه على بنته، ويدخل فى التحريم كل بنات امرأة الرجل إذا كان قد دخل بها وبنات بناتها وبنات أبنائها، لأنهن من بناتها فى عرف اللغة.
(فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أي إن الرجل إذا عقد نكاحه على امرأة ولم يدخل بها لا يحرم عليه بناتها، وقال الحنفية: إن من زنى بامرأة يحرم عليه أصولها وفروعها، وكذلك إذا لمسها بشهوة أو قبّلها أو نظر إلى ما هنالك منها بشهوة،
وقد روى العمل به عن الإمام أحمد، وذهب جماعة آخرون إلى أن التحريم لا يثبت بأقل من خمس رضعات ويروى هذا عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن الزبير وهو مذهب الشافعي وأحمد فى ظاهر مذهبه.
ولا يحرم الرضاع إلا فى سنه ومدته المحدودة بقوله تعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ» وهو مذهب عمر وابن مسعود وابن عباس، وبه أخذ الشافعي وأحمد وصاحبا أبى حنيفة: أبو يوسف ومحمد،
وقد روى الدار قطنى عن ابن عباس قوله ﷺ «لا رضاع إلا ما كان فى الحولين»
وروى عن ابن عباس فى رواية أخرى والزهري والحسن وقتادة أن الرضاع المحرّم ما كان قبل الفطم، فإن فطم الرضيع ولو قبل السنتين امتنع تأثير رضاعه فى التحريم، وإن استمر رضاعه إلى ما بعد السنتين ولم يفطم كان رضاعه محرما.
القسم الثالث محرمات المصاهرة التي تعرض بسبب الزواج وتحته الأنواع الآتية:
١) (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) ويدخل فى الأمهات الجدات، ولا يشترط فى تحريم أم المرأة دخوله بالبنت بل يكفى مجرد العقد، وبهذا قال جمهور الصحابة ومن بعدهم وعليه الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة.
٢) (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ) الربائب جمع ربيبة، وربيب الرجل ولد امرأته من غيره، سمى ربيبا لأن الرجل يربّه ويسوسه ويؤدبه كما يؤدب ولده، وقوله: اللاتي فى حجوركم وصف لبيان الحال الغالب فى الربيبة وهى أن تكون فى حجر زوج أمها، وللاشعار بالمعنى الذي يوضح علة التحريم ويحرك عاطفة الأبوة فى الرجل وهى كونها فى حجره يحنو عليها حنوّه على بنته، ويدخل فى التحريم كل بنات امرأة الرجل إذا كان قد دخل بها وبنات بناتها وبنات أبنائها، لأنهن من بناتها فى عرف اللغة.
(فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أي إن الرجل إذا عقد نكاحه على امرأة ولم يدخل بها لا يحرم عليه بناتها، وقال الحنفية: إن من زنى بامرأة يحرم عليه أصولها وفروعها، وكذلك إذا لمسها بشهوة أو قبّلها أو نظر إلى ما هنالك منها بشهوة،
221
وكذلك أيضا إذا لمس يد أمّ امرأته بشهوة فإن امرأته تحرم عليه تحريما مؤبدا، ولم يوافقهم على ذلك كثير من الأئمة، لأنه لم يؤثر فيه خبر ولا أثر عن الصحابة فيه شىء وقد كانوا قريبى العهد بالجاهلية التي كان الزنا فاشيا فيها بينهم، فلو كانوا فهموا لذلك مدركا من الشرع وعلله لسألوا عنه وتوافرت الدواعي على نقل ما أفتوا به.
٣) (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) الحلائل واحدها حليلة وهى الزوجة ويقال أيضا للرجل حليل إذ أن الزوجين يحلّان معا فى مكان واحد وفراش واحد.
ويدخل فى الأبناء أبناء الصلب مباشرة أو بواسطة كابن الابن وابن البنت، فحلائلهما تحرم على الجد، كما يدخل الابن من الرضاعة فتحرم حليلته لما تقدم من
قوله «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».
القسم الرابع ما حرم بسبب عارض إذا زال يزول التحريم وهو ما ذكر، سبحانه بقوله:
(وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) أي وحرّم عليكم الجمع بين الأختين فى الاستمتاع الذي يراد به الولد، والمذاهب الأربعة متفقة على تحريم الاستمتاع بالأختين بملك اليمين أو بالنكاح، أو بالنكاح والملك كأن يكون مالكا لإحداهما ومتزوجا للأخرى، فيحرم عليه أن يستمتع بهما ويجب عليه أن يحرم إحداهما على نفسه كأن يعتق المملوكة أو يهبها ويسلمها للموهوبة له.
ومثل هذا الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، لأن العلة موجودة فيه أيضا وهى إفضاؤه إلى قطع ما أمر الله تعالى بوصله، كما يدل عليه
قوله ﷺ «فإنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم».
والضابط لذلك أنه يحرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة لو كانت إحداهما ذكرا لحرم عليه بها نكاح الأخرى.
(إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) أي لكن ما قد سلف قبل التحريم لا تؤاخذون عليه،
٣) (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) الحلائل واحدها حليلة وهى الزوجة ويقال أيضا للرجل حليل إذ أن الزوجين يحلّان معا فى مكان واحد وفراش واحد.
ويدخل فى الأبناء أبناء الصلب مباشرة أو بواسطة كابن الابن وابن البنت، فحلائلهما تحرم على الجد، كما يدخل الابن من الرضاعة فتحرم حليلته لما تقدم من
قوله «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».
القسم الرابع ما حرم بسبب عارض إذا زال يزول التحريم وهو ما ذكر، سبحانه بقوله:
(وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) أي وحرّم عليكم الجمع بين الأختين فى الاستمتاع الذي يراد به الولد، والمذاهب الأربعة متفقة على تحريم الاستمتاع بالأختين بملك اليمين أو بالنكاح، أو بالنكاح والملك كأن يكون مالكا لإحداهما ومتزوجا للأخرى، فيحرم عليه أن يستمتع بهما ويجب عليه أن يحرم إحداهما على نفسه كأن يعتق المملوكة أو يهبها ويسلمها للموهوبة له.
ومثل هذا الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، لأن العلة موجودة فيه أيضا وهى إفضاؤه إلى قطع ما أمر الله تعالى بوصله، كما يدل عليه
قوله ﷺ «فإنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم».
والضابط لذلك أنه يحرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة لو كانت إحداهما ذكرا لحرم عليه بها نكاح الأخرى.
(إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) أي لكن ما قد سلف قبل التحريم لا تؤاخذون عليه،
222
وقد كانوا يجمعون بين الأختين،
أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه عن فيروز الديلمي أنه أدركه الإسلام وتحته أختان فقال له النبي ﷺ طلّق أيتهما شئت
وعن ابن عباس أن أهل الجاهلية كانوا يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) فلا يؤاخذكم بما سلف منكم فى زمن الجاهلية إذا أنتم عملتم بشريعة الإسلام، ومن مغفرته أن يمحو من نفوسكم آثار الأعمال السيئة ويغفر لكم ذنوبكم إذا أنبتم إليه، ومن رحمته أن شرع لكم من أحكام النكاح ما فيه المصلحة لكم وتوثيق الروابط بينكم، لتتراحموا وتتعاونوا على البر والتقوى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله.
وكان الفراغ من مسوّدة هذا الجزء بحلوان من أرباض القاهرة فى شهر رمضان سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وله الحمد أولا وآخرا.
تم بحمد الله الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس، أوله: (والمحصنات)
أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه عن فيروز الديلمي أنه أدركه الإسلام وتحته أختان فقال له النبي ﷺ طلّق أيتهما شئت
وعن ابن عباس أن أهل الجاهلية كانوا يحرمون ما حرم الله إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) فلا يؤاخذكم بما سلف منكم فى زمن الجاهلية إذا أنتم عملتم بشريعة الإسلام، ومن مغفرته أن يمحو من نفوسكم آثار الأعمال السيئة ويغفر لكم ذنوبكم إذا أنبتم إليه، ومن رحمته أن شرع لكم من أحكام النكاح ما فيه المصلحة لكم وتوثيق الروابط بينكم، لتتراحموا وتتعاونوا على البر والتقوى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله.
وكان الفراغ من مسوّدة هذا الجزء بحلوان من أرباض القاهرة فى شهر رمضان سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وله الحمد أولا وآخرا.
تم بحمد الله الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس، أوله: (والمحصنات)
223
فهرس أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء
الصفحة المبحث ٤ دفع شبهتين من شبهات اليهود.
٥ الإجابة عن أولى الشبهتين.
٧ الإجابة عن الشبهة الثانية.
٨ اتفاق العرب فى الجاهلية والإسلام على تعظيم البيت الحرام وأمن من دخله.
٩ آراء العلماء فى المراد من الاستطاعة لوجوب الحج.
١١ إيقاد اليهود نار الفتنة بين الأوس والخزرج.
١٧ الدين نهى عن العصبية الجنسية وأمر بالتمسك بالرابطة الدينية.
١٨ الاختلاف الذي بين البشر ضربان.
٢٢ ما يجب توافره فى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
٣٢ ضرب الذلة والمسكنة على اليهود.
٣٥ صفات المؤمنين الصادقين من أهل الكتاب.
٤٠ ما يفعله الكافر من وجوه البر فى الدنيا لا أثر له فى الآخرة فلا يفيده شيئا.
٤٤ شروط النهى عن اتخاذ بطانة من الكافرين.
٥١ وقعة بدر.
٥١ وقعة أحد، وذكر السبب فى انخذال المؤمنين.
٥٨ الحكمة فى الإمداد بالملائكة.
٥٩ حكمة ما حصل من خذلان المؤمنين فى أحد.
٦٥ ربا الجاهلية ما يسمى فى عصرنا بالربا الفاحش.
الصفحة المبحث ٤ دفع شبهتين من شبهات اليهود.
٥ الإجابة عن أولى الشبهتين.
٧ الإجابة عن الشبهة الثانية.
٨ اتفاق العرب فى الجاهلية والإسلام على تعظيم البيت الحرام وأمن من دخله.
٩ آراء العلماء فى المراد من الاستطاعة لوجوب الحج.
١١ إيقاد اليهود نار الفتنة بين الأوس والخزرج.
١٧ الدين نهى عن العصبية الجنسية وأمر بالتمسك بالرابطة الدينية.
١٨ الاختلاف الذي بين البشر ضربان.
٢٢ ما يجب توافره فى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
٣٢ ضرب الذلة والمسكنة على اليهود.
٣٥ صفات المؤمنين الصادقين من أهل الكتاب.
٤٠ ما يفعله الكافر من وجوه البر فى الدنيا لا أثر له فى الآخرة فلا يفيده شيئا.
٤٤ شروط النهى عن اتخاذ بطانة من الكافرين.
٥١ وقعة بدر.
٥١ وقعة أحد، وذكر السبب فى انخذال المؤمنين.
٥٨ الحكمة فى الإمداد بالملائكة.
٥٩ حكمة ما حصل من خذلان المؤمنين فى أحد.
٦٥ ربا الجاهلية ما يسمى فى عصرنا بالربا الفاحش.
224
الصفحة المبحث ٦٥ الربا نوعان.
٦٧ المحرمات فى الإسلام ضربان.
٦٩ أوصاف المتقين.
٨٣ الجهاد أقسام.
٨٧ لئن مات محمد لقد مات قبله سائر الأنبياء.
٩٠ من يرد ثواب الدنيا نؤته منها، ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها.
٩١ للانسان طوران عاجل وآجل.
٩٦ طاعة الكافرين توجب الخسران فى الدنيا والآخرة.
٩٧ أثر الشرك فى النفوس.
٩٩ سبب ما أصاب المسلمين فى وقعة أحد.
١٠٣ انقسام المسلمين بعد وقعة أحد إلى فريقين.
١٠٦ انخذال المؤمنين أثر طبيعى لما اجترحوه من المخالفات.
١١٣ الشورى فى الإسلام وفوائدها.
١١٥ التردد خور وضعف فى العزائم.
١١٥ وجوب التوكل على الله بعد أخذ الأهبة.
١١٦ التوكل الصحيح إنما يتم مع الأخذ بالأسباب، وبدون ذلك يكون جهلا.
١٢١ الناس يتفاوتون فى الجزاء عند الله على حسب تفاوتهم فى الفضائل والمعرفة فى الدنيا والأعمال الصالحة.
١٢٢ صفات الرسول ﷺ التي تقتضى طاعته.
١٢٦ العقوبات آثار لازمة للأعمال.
١٢٧ معاذير المنافقين حين تخلفهم عن القتال.
٦٧ المحرمات فى الإسلام ضربان.
٦٩ أوصاف المتقين.
٨٣ الجهاد أقسام.
٨٧ لئن مات محمد لقد مات قبله سائر الأنبياء.
٩٠ من يرد ثواب الدنيا نؤته منها، ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها.
٩١ للانسان طوران عاجل وآجل.
٩٦ طاعة الكافرين توجب الخسران فى الدنيا والآخرة.
٩٧ أثر الشرك فى النفوس.
٩٩ سبب ما أصاب المسلمين فى وقعة أحد.
١٠٣ انقسام المسلمين بعد وقعة أحد إلى فريقين.
١٠٦ انخذال المؤمنين أثر طبيعى لما اجترحوه من المخالفات.
١١٣ الشورى فى الإسلام وفوائدها.
١١٥ التردد خور وضعف فى العزائم.
١١٥ وجوب التوكل على الله بعد أخذ الأهبة.
١١٦ التوكل الصحيح إنما يتم مع الأخذ بالأسباب، وبدون ذلك يكون جهلا.
١٢١ الناس يتفاوتون فى الجزاء عند الله على حسب تفاوتهم فى الفضائل والمعرفة فى الدنيا والأعمال الصالحة.
١٢٢ صفات الرسول ﷺ التي تقتضى طاعته.
١٢٦ العقوبات آثار لازمة للأعمال.
١٢٧ معاذير المنافقين حين تخلفهم عن القتال.
225
الصفحة المبحث ١٣١ الشهداء أحياء عند ربهم فى دار الكرامة.
١٣٣ غزوة حمراء الأسد.
١٣٥ كان رسول الله ﷺ إذا حزبه أمر قال: «حسبى الله ونعم الوكيل».
١٣٧ صادق الإيمان لا يكون جبانا، وإذا عرض له أسباب الخوف قاوم ذلك.
١٣٨ تسلية الرسول ﷺ عن مسارعة قومه إلى الكفر.
١٤١ من شأن المؤمن إذا أنسأ الله أجله أن تكثر حسناته وتزداد خيراته.
١٤٢ فى الشدائد كثير من الفوائد.
١٤٥ الحث على بذل المال فى الجهاد.
١٥٠ ليس قومك ببدع من الأمم، ولا أنت ببدع من الرسل.
١٥٣ الابتلاء فى الأموال يكون بالبذل فى وجوه البر، وفى الأنفس ببذلها فى الجهاد فى سبيل الله.
١٥٥ كيف يطعن اليهود فى النبىّ ﷺ وهو مذكور فى كتابهم.
١٥٦ تبيين الكتاب على ضربين.
١٥٨ العذاب أثر طبيعى للذنوب وهو ضربان.
١٦١ استئذان الرسول ﷺ من عائشة فى عبادة ربه.
١٦٣ ما يقول الذاكرون المتفكرون فى ابتهالهم إلى ربهم.
١٦٥ استجابة الدعاء قد تكون بغير ما يطلب المرء.
١٦٦ الإسلام أصلح معاملة الرجل للمرأة واعترف لها بالكرامة.
١٦٧ صفات المؤمن وجزاؤه على إحسانه.
١٧٠ فضائل مؤمنى أهل الكتاب.
١٣٣ غزوة حمراء الأسد.
١٣٥ كان رسول الله ﷺ إذا حزبه أمر قال: «حسبى الله ونعم الوكيل».
١٣٧ صادق الإيمان لا يكون جبانا، وإذا عرض له أسباب الخوف قاوم ذلك.
١٣٨ تسلية الرسول ﷺ عن مسارعة قومه إلى الكفر.
١٤١ من شأن المؤمن إذا أنسأ الله أجله أن تكثر حسناته وتزداد خيراته.
١٤٢ فى الشدائد كثير من الفوائد.
١٤٥ الحث على بذل المال فى الجهاد.
١٥٠ ليس قومك ببدع من الأمم، ولا أنت ببدع من الرسل.
١٥٣ الابتلاء فى الأموال يكون بالبذل فى وجوه البر، وفى الأنفس ببذلها فى الجهاد فى سبيل الله.
١٥٥ كيف يطعن اليهود فى النبىّ ﷺ وهو مذكور فى كتابهم.
١٥٦ تبيين الكتاب على ضربين.
١٥٨ العذاب أثر طبيعى للذنوب وهو ضربان.
١٦١ استئذان الرسول ﷺ من عائشة فى عبادة ربه.
١٦٣ ما يقول الذاكرون المتفكرون فى ابتهالهم إلى ربهم.
١٦٥ استجابة الدعاء قد تكون بغير ما يطلب المرء.
١٦٦ الإسلام أصلح معاملة الرجل للمرأة واعترف لها بالكرامة.
١٦٧ صفات المؤمن وجزاؤه على إحسانه.
١٧٠ فضائل مؤمنى أهل الكتاب.
226
الصفحة المبحث ١٧٣ تفسير سورة النساء.
١٧٥ البحث العلمي والتأريخي لا يؤيد أن آدم أبو البشر.
١٧٦ حقيقة النفس أو الروح.
١٨٠ العدل بين الزوجات إنما يكون فيما يدخل تحت طاقة الإنسان.
١٨١ قد تدعو الحاجة إلى تعدد الزوجات.
١٨٣ الحكمة فى تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
١٨٤ مال المرأة ليس بملك للرجل فلا يحل له إلا بإذنها.
١٨٦ الدين حث على الاقتصاد ومنع الإسراف والتبذير.
١٨٩ مال اليتيم ليس بمال للولى فليس له أن يأكل منه شيئا بلا حق.
١٩١ كانوا فى الجاهلية لا يورثون النساء والأولاد الصغار.
١٩٤ أسباب الإرث فى الجاهلية.
١٩٦ الحكمة فى جعل حظ الولد كحظ الأنثيين.
١٩٦ الموانع التي تمنع ميراث الولد.
١٩٧ السر فى تساوى الوالدين فى الميراث مع وجود الأولاد.
١٩٨ حقوق الزوجية فى الميراث مقدمة على حقوق الوالدين.
٢٠٠ حكمة جعل الزوجات الكثيرات فى الميراث كزوجة واحدة.
٢٠٠ ميراث الكلالة.
٢٠١ الضرار فى الوصية على وجوه.
٢٠٣ السر فى التعبير بخالدين فى أهل الجنة، وبخالدا فى أهل النار ٢٠٣ للمذنب حالان.
١٧٥ البحث العلمي والتأريخي لا يؤيد أن آدم أبو البشر.
١٧٦ حقيقة النفس أو الروح.
١٨٠ العدل بين الزوجات إنما يكون فيما يدخل تحت طاقة الإنسان.
١٨١ قد تدعو الحاجة إلى تعدد الزوجات.
١٨٣ الحكمة فى تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
١٨٤ مال المرأة ليس بملك للرجل فلا يحل له إلا بإذنها.
١٨٦ الدين حث على الاقتصاد ومنع الإسراف والتبذير.
١٨٩ مال اليتيم ليس بمال للولى فليس له أن يأكل منه شيئا بلا حق.
١٩١ كانوا فى الجاهلية لا يورثون النساء والأولاد الصغار.
١٩٤ أسباب الإرث فى الجاهلية.
١٩٦ الحكمة فى جعل حظ الولد كحظ الأنثيين.
١٩٦ الموانع التي تمنع ميراث الولد.
١٩٧ السر فى تساوى الوالدين فى الميراث مع وجود الأولاد.
١٩٨ حقوق الزوجية فى الميراث مقدمة على حقوق الوالدين.
٢٠٠ حكمة جعل الزوجات الكثيرات فى الميراث كزوجة واحدة.
٢٠٠ ميراث الكلالة.
٢٠١ الضرار فى الوصية على وجوه.
٢٠٣ السر فى التعبير بخالدين فى أهل الجنة، وبخالدا فى أهل النار ٢٠٣ للمذنب حالان.
227
الصفحة المبحث ٢٠٦ كان عقاب الزاني والزانية فى بدء الإسلام الإيذاء والتأنيب.
٢٠٧ العاصي يسمى جاهلا.
٢٠٨ التوابون طبقات.
٢١٠ من لا تقبل توبته.
٢١٢ نهى المؤمنين أن يسيروا على سنة الجاهلية فى هضم حقوق النساء.
٢١٣ الأمر بمعاشرة النساء بالمعروف.
٢١٤ ربما يكره الإنسان شيئا وفيه الخير الكثير.
٢١٥ نهى الزوج عن أخذ شىء من صداق المرأة إذا أراد أن يستبدل بها زوجا غيره.
٢١٨ من يحرم التزوج بهن.
٢٠٧ العاصي يسمى جاهلا.
٢٠٨ التوابون طبقات.
٢١٠ من لا تقبل توبته.
٢١٢ نهى المؤمنين أن يسيروا على سنة الجاهلية فى هضم حقوق النساء.
٢١٣ الأمر بمعاشرة النساء بالمعروف.
٢١٤ ربما يكره الإنسان شيئا وفيه الخير الكثير.
٢١٥ نهى الزوج عن أخذ شىء من صداق المرأة إذا أراد أن يستبدل بها زوجا غيره.
٢١٨ من يحرم التزوج بهن.
228
الجزء الخامس
[تتمة سورة النساء]
تفسير المراغي تأليف صاحب الفضيلة الأستاذ الكبير المرحوم أحمد مصطفى المراغي أستاذ الشريعة الإسلامية واللغة العربية بكلية دار العلوم سابقا الجزء الخامس
[تتمة سورة النساء]
تفسير المراغي تأليف صاحب الفضيلة الأستاذ الكبير المرحوم أحمد مصطفى المراغي أستاذ الشريعة الإسلامية واللغة العربية بكلية دار العلوم سابقا الجزء الخامس
1
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ
ﰗ
ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ
ﰘ
الجزء الخامس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥)
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥)
3
تفسير المفردات
المحصنات واحدتهن محصنة (بفتح الصاد) يقال حصنت المرأة (بضم الصاد) حصنا وحصانة: إذا كانت عفيفة فهى حاصن وحاصنة وحصان (بفتح الصاد) ويقال أحصنت المرأة: إذا تزوجت، لأنها تكون فى حصن الرجل وحمايته، وأحصنها أهلها زوّجوها، ما ملكت أيمانكم أي بالسبي فى حروب دينية وأزواجهن كفار فى دار الحرب فينفسخ عند ذلك نكاحهن ويحل الاستمتاع بهن بعد وضع الحامل حملها وحيض غيرها ثم طهرها، والإحصان: العفة، والمسافح: الزاني، والاستمتاع بالشيء: هو التمتع به، والأجور واحدها أجر: وهو فى الأصل الجزاء الذي يعطى فى مقابلة شىء ما من عمل أو منفعة والمراد به هنا المهر، فريضة: أي حصة مفروضة محدودة مقدرة، ولا جناح:
أي لا حرج ولا تضييق، الاستطاعة: كون الشيء فى طوعك لا يتعاصى عليك، والطّول الغنى والفضل من مال أو قدرة على تحصيل الرغائب، والمحصنات هنا الحرائر، والفتيات الإماء، محصنات: أي عفيفات، مسافحات مستأجرات للبغاء، والأخدان: واحدهم حدن وهو الصاحب ويطلق على الذكر والأنثى، وهو أن يكون للمرأة حدن يزنى بها سرا فلا تبذل نفسها لكل أحد، والفاحشة الفعلة القبيحة وهى الزنا، والمحصنات: هنا الحرائر، والعذاب: هو الحد الذي قدره الشارع وهو مائة جلدة، فنصفها خمسون، ولا رجم عليهن لأنه لا يتنصف، العنت: الجهد والمشقة
المعنى الجملي
هاتان الآيتان من تتمة ما قبلهما من جهة المعنى فقد ذكر فى أولاهما بقية ما يحرم من النساء وحلّ سوى من تقدم، ووجوب إعطاء المهور، وذكر فى الآية الثانية حكم نكاح الإماء وحكم حدهن عند ارتكاب الفاحشة، لكن من قسموا القرآن
المحصنات واحدتهن محصنة (بفتح الصاد) يقال حصنت المرأة (بضم الصاد) حصنا وحصانة: إذا كانت عفيفة فهى حاصن وحاصنة وحصان (بفتح الصاد) ويقال أحصنت المرأة: إذا تزوجت، لأنها تكون فى حصن الرجل وحمايته، وأحصنها أهلها زوّجوها، ما ملكت أيمانكم أي بالسبي فى حروب دينية وأزواجهن كفار فى دار الحرب فينفسخ عند ذلك نكاحهن ويحل الاستمتاع بهن بعد وضع الحامل حملها وحيض غيرها ثم طهرها، والإحصان: العفة، والمسافح: الزاني، والاستمتاع بالشيء: هو التمتع به، والأجور واحدها أجر: وهو فى الأصل الجزاء الذي يعطى فى مقابلة شىء ما من عمل أو منفعة والمراد به هنا المهر، فريضة: أي حصة مفروضة محدودة مقدرة، ولا جناح:
أي لا حرج ولا تضييق، الاستطاعة: كون الشيء فى طوعك لا يتعاصى عليك، والطّول الغنى والفضل من مال أو قدرة على تحصيل الرغائب، والمحصنات هنا الحرائر، والفتيات الإماء، محصنات: أي عفيفات، مسافحات مستأجرات للبغاء، والأخدان: واحدهم حدن وهو الصاحب ويطلق على الذكر والأنثى، وهو أن يكون للمرأة حدن يزنى بها سرا فلا تبذل نفسها لكل أحد، والفاحشة الفعلة القبيحة وهى الزنا، والمحصنات: هنا الحرائر، والعذاب: هو الحد الذي قدره الشارع وهو مائة جلدة، فنصفها خمسون، ولا رجم عليهن لأنه لا يتنصف، العنت: الجهد والمشقة
المعنى الجملي
هاتان الآيتان من تتمة ما قبلهما من جهة المعنى فقد ذكر فى أولاهما بقية ما يحرم من النساء وحلّ سوى من تقدم، ووجوب إعطاء المهور، وذكر فى الآية الثانية حكم نكاح الإماء وحكم حدهن عند ارتكاب الفاحشة، لكن من قسموا القرآن
4
ثلاثين جزءا جعلوهما أول الجزء الخامس، مراعاة للفظ دون المعنى إذ لو راعوه لجعلوا أول الخامس «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ».
الإيضاح
(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي وحرم عليكم نكاح المتزوجات إلا ما ملكت الأيمان بالسبي فى حروب دينية تدافعون بها عن دينكم، وأزواجهن كفار فى دار الكفر، وقد رأيتم من المصلحة ألا تعاد السبايا إلى أزواجهن، فحينئذ ينحل عقد زوجيتهن ويكنّ حلالا لكم بالشروط المعروفة فى كتب الفقه وحكمة هذا أنه لما كان الغالب فى الحروب أن يقتل بعض أزواجهن ويفرّ بعضهم الآخر ولا يعود إلى بلاد المسلمين، وكان من الواجب كفالة هؤلاء السبايا بالإنفاق عليهن ومنعهن من الفسق- كان من المصلحة لهن وللمجتمع أن يكون لكل واحدة منهن أو أكثر كافل يكفيها البحث عن الرزق أو بذل العرض، وفى هذا ما لا يخفى من الشقاء على النساء.
والإسلام لم يفرض السبي ولم يحرمه، لأنه قد يكون من الخير للسبايا أنفسهنّ فى بعض الأحوال كما إذا استأصلت الحرب جميع الرجال من قبيلة محدودة العدد.
فإن رأى المسلمون أن من الخير أن تردّ السبايا إلى قومهن جازلهم ذلك عملا بقاعدة (درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح) فإن كانت الحرب لمطامع الدنيا وحظوظ الملوك فلا يباح فيها السبي.
وقوله: من النساء قيد جىء به لإفادة التعميم، وبيان أن المراد كل متزوجة لا العفيفات ولا المسلمات.
وقد جاء الإحصان فى القرآن لأربعة معان:
١) التزوج كما فى هذه الآية.
٢) العفة كما فى قوله: (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ).
الإيضاح
(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي وحرم عليكم نكاح المتزوجات إلا ما ملكت الأيمان بالسبي فى حروب دينية تدافعون بها عن دينكم، وأزواجهن كفار فى دار الكفر، وقد رأيتم من المصلحة ألا تعاد السبايا إلى أزواجهن، فحينئذ ينحل عقد زوجيتهن ويكنّ حلالا لكم بالشروط المعروفة فى كتب الفقه وحكمة هذا أنه لما كان الغالب فى الحروب أن يقتل بعض أزواجهن ويفرّ بعضهم الآخر ولا يعود إلى بلاد المسلمين، وكان من الواجب كفالة هؤلاء السبايا بالإنفاق عليهن ومنعهن من الفسق- كان من المصلحة لهن وللمجتمع أن يكون لكل واحدة منهن أو أكثر كافل يكفيها البحث عن الرزق أو بذل العرض، وفى هذا ما لا يخفى من الشقاء على النساء.
والإسلام لم يفرض السبي ولم يحرمه، لأنه قد يكون من الخير للسبايا أنفسهنّ فى بعض الأحوال كما إذا استأصلت الحرب جميع الرجال من قبيلة محدودة العدد.
فإن رأى المسلمون أن من الخير أن تردّ السبايا إلى قومهن جازلهم ذلك عملا بقاعدة (درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح) فإن كانت الحرب لمطامع الدنيا وحظوظ الملوك فلا يباح فيها السبي.
وقوله: من النساء قيد جىء به لإفادة التعميم، وبيان أن المراد كل متزوجة لا العفيفات ولا المسلمات.
وقد جاء الإحصان فى القرآن لأربعة معان:
١) التزوج كما فى هذه الآية.
٢) العفة كما فى قوله: (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ).
5
٣) الحرية كما فى قوله: «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) :
٤) الإسلام كما فى قوله: (فَإِذا أُحْصِنَّ) أي: أسلمن.
أخرج مسلم عن أبى سعيد الخدري أنه قال أصبنا سبيا يوم (أو طاس) ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن، فسألنا النبي ﷺ فنزلت الآية فاستحللناهن.
وقال الحنفية إن من سبى معها زوجها لا تحل لغيره، إذ لا بد من اختلاف الدار بين الزوجين دار الإسلام ودار الحرب.
(كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) أي كتب عليكم تحريم هذه الأنواع كتابا مؤكدا وفرضه فرضا ثابتا محكما لا هوادة فيه، لأن مصلحتكم فيه ثابتة لا يدخلها شك ولا تغيير (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) أي وأحل الله لكم ما وراء ذلكم مما هو خارج من مدلول اللفظ وإفادته ولا يتناوله بنص أو دلالة، فيدخل بطريق الدلالة فى الأمهات الجدات، وفى البنات بنات الأولاد، وفى الجمع بين الأختين الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها كما يؤخذ بعض المحرمات من آيات أخرى كتحريم المشركات، والمطلقة ثلاثا على مطلّقها فى سورة البقرة.
(أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) أي أحل لكم ما وراء ذلكم لأجل أن تبتغوه وتطلبوه بأموالكم التي تدفعونها مهرا للزوجة أو ثمنا للأمة، محصنين أنفسكم وما نعين لها من الاستمتاع بالمحرم باستغناء كل منكما بالآخر، إذ الفطرة تدعو الرجل إلى الاتصال بالأنثى، والأنثى إلى الاتصال بالرجل ليزدوجا وينتجا.
فالإحصان هو هذا الاختصاص الذي يمنع النفس أن تذهب أىّ مذهب، فيتصل كل ذكر بأى امرأة وكل امرأة بأى رجل، إذ لو فعلا ذلك لما كان القصد من هذا إلا المشاركة فى سفح الماء الذي تفرزه الفطرة إيثارا للذة على المصلحة، إذ المصلحة تدعو إلى اختصاص كل أنثى بذكر معين، لتتكوّن بذلك الأسرة ويتعاون الزوجان على تربية أولادهما.
٤) الإسلام كما فى قوله: (فَإِذا أُحْصِنَّ) أي: أسلمن.
أخرج مسلم عن أبى سعيد الخدري أنه قال أصبنا سبيا يوم (أو طاس) ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن، فسألنا النبي ﷺ فنزلت الآية فاستحللناهن.
وقال الحنفية إن من سبى معها زوجها لا تحل لغيره، إذ لا بد من اختلاف الدار بين الزوجين دار الإسلام ودار الحرب.
(كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) أي كتب عليكم تحريم هذه الأنواع كتابا مؤكدا وفرضه فرضا ثابتا محكما لا هوادة فيه، لأن مصلحتكم فيه ثابتة لا يدخلها شك ولا تغيير (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) أي وأحل الله لكم ما وراء ذلكم مما هو خارج من مدلول اللفظ وإفادته ولا يتناوله بنص أو دلالة، فيدخل بطريق الدلالة فى الأمهات الجدات، وفى البنات بنات الأولاد، وفى الجمع بين الأختين الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها كما يؤخذ بعض المحرمات من آيات أخرى كتحريم المشركات، والمطلقة ثلاثا على مطلّقها فى سورة البقرة.
(أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) أي أحل لكم ما وراء ذلكم لأجل أن تبتغوه وتطلبوه بأموالكم التي تدفعونها مهرا للزوجة أو ثمنا للأمة، محصنين أنفسكم وما نعين لها من الاستمتاع بالمحرم باستغناء كل منكما بالآخر، إذ الفطرة تدعو الرجل إلى الاتصال بالأنثى، والأنثى إلى الاتصال بالرجل ليزدوجا وينتجا.
فالإحصان هو هذا الاختصاص الذي يمنع النفس أن تذهب أىّ مذهب، فيتصل كل ذكر بأى امرأة وكل امرأة بأى رجل، إذ لو فعلا ذلك لما كان القصد من هذا إلا المشاركة فى سفح الماء الذي تفرزه الفطرة إيثارا للذة على المصلحة، إذ المصلحة تدعو إلى اختصاص كل أنثى بذكر معين، لتتكوّن بذلك الأسرة ويتعاون الزوجان على تربية أولادهما.
6
فإذا انتفى هذا المقصد انحصرت الداعية الفطرية فى سفح الماء وصبه، وذلك هو البلاء العام الذي تصطلى بناره الأمة كلها، فإن بعض الدول الأوربية التي كثر فيها السفاح وقل النكاح بضعف الدين وقف نموها وقل نسلها وضعفت حتى اضطرت إلى الاعتزاز بمخالفة بعض الدول الأخرى.
والاسترقاق المعروف فى هذا العصر فى بلاد السودان وبلاد الحجاز وبلاد الجراكسة غير شرعى، وهو محرم لأن أولئك اللواتى تسترفقن حرائر من بنات المسلمين الأحرار، فلا يجوز الاستمتاع بهن بغير عقد النكاح، والإسلام برىء من كل هذا، (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) أي وأىّ امرأة من النساء اللواتى أحللن لكم، تزوجتموها فأعطوها الأجر، وهو المهر بعد أن تفرضوه فى مقابلة ذلك الاستمتاع.
وسر هذا أن الله لما جعل للرجل على المرأة حق القيام وحق رياسة المنزل الذي يعيشان فيه وحق الاستمتاع بها- فرض لها فى مقابلة ذلك جزاء وأجرا تطيب به نفسها ويتم به العدل بينها وبين زوجها.
والخلاصة- إن أي امرأة طلبتم أن تتمتعوا وتنتفعوا بتزوجها فأعطوها المهر الذي تتفقون عليه عند العقد، فريضة فرضها الله عليكم، وذلك أن المهر يفرض ويعين فى عقد النكاح ويسمى ذلك إيتاء وإعطاء، ويقال عقد فلان على فلانة وأمهرها ألفا كما يقال فرض لها ألفا، ومن هذا قوله تعالى: «وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً» وقوله:
«ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً» فالمهر يتعين بفرضه فى العقد ويصير فى حكم المعطى، وقد جرت العادة بأن يعطى كله أو أكثره قبل الدخول، ولكن لا يجب كله إلا بالدخول، فمن طلق قبله وجب عليه نصفه لا كله، ومن لم يعط شيئا قبل الدخول وجب عليه كله بعده.
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) أي ولا تضييق عليكم إذا تراضيتم على النقص فى المهر بعد تقديره أو تركه كله أو الزيادة فيه، إذ ليس الغرض
والاسترقاق المعروف فى هذا العصر فى بلاد السودان وبلاد الحجاز وبلاد الجراكسة غير شرعى، وهو محرم لأن أولئك اللواتى تسترفقن حرائر من بنات المسلمين الأحرار، فلا يجوز الاستمتاع بهن بغير عقد النكاح، والإسلام برىء من كل هذا، (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) أي وأىّ امرأة من النساء اللواتى أحللن لكم، تزوجتموها فأعطوها الأجر، وهو المهر بعد أن تفرضوه فى مقابلة ذلك الاستمتاع.
وسر هذا أن الله لما جعل للرجل على المرأة حق القيام وحق رياسة المنزل الذي يعيشان فيه وحق الاستمتاع بها- فرض لها فى مقابلة ذلك جزاء وأجرا تطيب به نفسها ويتم به العدل بينها وبين زوجها.
والخلاصة- إن أي امرأة طلبتم أن تتمتعوا وتنتفعوا بتزوجها فأعطوها المهر الذي تتفقون عليه عند العقد، فريضة فرضها الله عليكم، وذلك أن المهر يفرض ويعين فى عقد النكاح ويسمى ذلك إيتاء وإعطاء، ويقال عقد فلان على فلانة وأمهرها ألفا كما يقال فرض لها ألفا، ومن هذا قوله تعالى: «وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً» وقوله:
«ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً» فالمهر يتعين بفرضه فى العقد ويصير فى حكم المعطى، وقد جرت العادة بأن يعطى كله أو أكثره قبل الدخول، ولكن لا يجب كله إلا بالدخول، فمن طلق قبله وجب عليه نصفه لا كله، ومن لم يعط شيئا قبل الدخول وجب عليه كله بعده.
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) أي ولا تضييق عليكم إذا تراضيتم على النقص فى المهر بعد تقديره أو تركه كله أو الزيادة فيه، إذ ليس الغرض
7
من الزوجية إلا أن يكونا فى عيشة راضية يستظلان فيها بظلال المودة والرحمة والهدوء والطمأنينة، والشارع الحكيم لم يضع لكم إلا ما فيه سعادة الفرد والأمة، ورقي الشؤون الخاصة والعامة.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) وقد وضع لعباده من الشرائع بحكمته ما فيه صلاحهم ما تمسكوا به، ومن ذلك أنه فرض عليهم عقد النكاح الذي يحفظ الأموال والأنساب، وفرض على من يريد الاستمتاع بالمرأة مهرا يكافئها له على قبولها قيامه ورياسته عليها، ثم أذن للزوجين أن يعملا ما فيه الخير لهما بالرضا فيحطا المهر كله أو بعضه أو يزيدا عليه.
ونكاح المتعة (وهو نكاح المرأة إلى أجل معين كيوم أو أسبوع أو شهر) كان مرخّصا فيه فى بدء الإسلام، وأباحه النبي لأصحابه فى بعض الغزوات لبعدهم عن نسائهم، فرخص فيه مرة او مرتين خوفا من الزنا فهو من قبيل ارتكاب أخفّ الضررين، ثم نهى عنه نهيا مؤبدا، لأن المتمتّع به لا يكون مقصده الإحصان، وإنما يكون مقصده المسافحة، وللأحاديث المصرّحة بتحريمه تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، ولنهى عمر فى خلافته وإشادته بتحريمه على المنبر وإقرار الصحابة له على ذلك.
ومنع نكاح المتعة يقتضى منع النكاح بنية الطلاق، ولكن الفقهاء أجازوه إذا نواه الرجل ولم يشترطه فى العقد، وإن كان كتمانه يعد حداعا وغشا وعبثا بهذه الرابطة العظيمة التي هى أعظم الروابط البشرية، وإيثارا للتنقل فى مراتع الشهوات، إلى ما يترتب على ذلك من العداوة والبغضاء، وذهاب الثقة بين الزوجين حتى بالصادقين الذين يريدون بالزواج الإحصان والتعاون على تأسيس البيت الصالح والعيشة السعيدة.
(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ، فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) المحصنات: هنا الحرائر خاصة بدليل مقابلتها بالإماء، والحرية كانت عندهم داعية الإحصان، كما كان البغاء من شأن الإماء، ومن ثم قالت هند للنبى ﷺ على سبيل التعجب: أو تزنى الحرّة؟ وعبر عن الإماء بالفتيات
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) وقد وضع لعباده من الشرائع بحكمته ما فيه صلاحهم ما تمسكوا به، ومن ذلك أنه فرض عليهم عقد النكاح الذي يحفظ الأموال والأنساب، وفرض على من يريد الاستمتاع بالمرأة مهرا يكافئها له على قبولها قيامه ورياسته عليها، ثم أذن للزوجين أن يعملا ما فيه الخير لهما بالرضا فيحطا المهر كله أو بعضه أو يزيدا عليه.
ونكاح المتعة (وهو نكاح المرأة إلى أجل معين كيوم أو أسبوع أو شهر) كان مرخّصا فيه فى بدء الإسلام، وأباحه النبي لأصحابه فى بعض الغزوات لبعدهم عن نسائهم، فرخص فيه مرة او مرتين خوفا من الزنا فهو من قبيل ارتكاب أخفّ الضررين، ثم نهى عنه نهيا مؤبدا، لأن المتمتّع به لا يكون مقصده الإحصان، وإنما يكون مقصده المسافحة، وللأحاديث المصرّحة بتحريمه تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، ولنهى عمر فى خلافته وإشادته بتحريمه على المنبر وإقرار الصحابة له على ذلك.
ومنع نكاح المتعة يقتضى منع النكاح بنية الطلاق، ولكن الفقهاء أجازوه إذا نواه الرجل ولم يشترطه فى العقد، وإن كان كتمانه يعد حداعا وغشا وعبثا بهذه الرابطة العظيمة التي هى أعظم الروابط البشرية، وإيثارا للتنقل فى مراتع الشهوات، إلى ما يترتب على ذلك من العداوة والبغضاء، وذهاب الثقة بين الزوجين حتى بالصادقين الذين يريدون بالزواج الإحصان والتعاون على تأسيس البيت الصالح والعيشة السعيدة.
(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ، فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) المحصنات: هنا الحرائر خاصة بدليل مقابلتها بالإماء، والحرية كانت عندهم داعية الإحصان، كما كان البغاء من شأن الإماء، ومن ثم قالت هند للنبى ﷺ على سبيل التعجب: أو تزنى الحرّة؟ وعبر عن الإماء بالفتيات
8
تكريما لهن وإرشادا لنا إلى ألا ننادى بالعبد والأمة بل بلفظ الفتى والفتاة،
وقد روى البخاري قوله ﷺ «لا يقولنّ أحدكم عبدى أمي، ولا يقل المملوك ربى، ليقل المالك فتاى وفتاتى، وليقل المملوك سيدى وسيدتى، فإنكم المملوكون، والرب هو الله عز وجل».
والمعنى- ومن لم يستطع منكم طولا فى الحال أو المآل نكاح المحصنات اللواتى أحلّ لكم أن تتغوا نكاحهن بأموالكم وتقصدوا بنكاحهن الإحصان لهن ولانفسكم فلينكح أمة من الإماء المؤمنات، والطّول (هو السعة المعنوية أو المادية) تختلف باختلاف الأشخاص، فقد يعجز الرجل عن التزوج بحرة وهو ذو مال يقدر به على المهر لنفور النساء منه لعيب فى خلقه أو خلقه، وقد يعجز عن القيام بغير المهر من حقوق المرأة الحره، فإن لها حقوقا كثيرة من النفقة والمساواة وغير ذلك، وليس للأمة مثل هذه الحقوق.
وقد قدّر الحنفية المهر بدراهم معدودة، فقال بعضهم: ربع دينار، وقال بعضهم:
عشرة دراهم.
وليس فى الكتاب ولا فى السنة ما يؤيد هذا التحديد،
فقد ورد أن النبي ﷺ قال لمن يريد الزواج «التمس ولو خاتما من حديد»
وروى أن بعض المسلمين تزوج امرأة وجعل المهر تعليمها شيئا من القرآن.
(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي فأنتم أيها المؤمنون إخوة فى الإيمان بعضكم من بعض كما قال: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» فلا ينبغى أن تعدوا نكاح الأمة عارا عند الحاجة إليه.
وفي هذا إشارة إلى أن الله قد رفع شأن الفتيات المؤمنات وساوى بينهن وبين الحرائر، وهو العليم بحقيقة الإيمان ودرجة قوته وكماله، فرب أمة أكمل إيمانا من حرة فتكون أفضل منها عند الله «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ».
(فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) الأهل هنا الموالي المالكون لهن، أي فإذا أحببتم نكاحهن ورغبتم فيه، لأن الإيمان قد رفع من قدرهن فانكحوهن بإذن موالهن
وقد روى البخاري قوله ﷺ «لا يقولنّ أحدكم عبدى أمي، ولا يقل المملوك ربى، ليقل المالك فتاى وفتاتى، وليقل المملوك سيدى وسيدتى، فإنكم المملوكون، والرب هو الله عز وجل».
والمعنى- ومن لم يستطع منكم طولا فى الحال أو المآل نكاح المحصنات اللواتى أحلّ لكم أن تتغوا نكاحهن بأموالكم وتقصدوا بنكاحهن الإحصان لهن ولانفسكم فلينكح أمة من الإماء المؤمنات، والطّول (هو السعة المعنوية أو المادية) تختلف باختلاف الأشخاص، فقد يعجز الرجل عن التزوج بحرة وهو ذو مال يقدر به على المهر لنفور النساء منه لعيب فى خلقه أو خلقه، وقد يعجز عن القيام بغير المهر من حقوق المرأة الحره، فإن لها حقوقا كثيرة من النفقة والمساواة وغير ذلك، وليس للأمة مثل هذه الحقوق.
وقد قدّر الحنفية المهر بدراهم معدودة، فقال بعضهم: ربع دينار، وقال بعضهم:
عشرة دراهم.
وليس فى الكتاب ولا فى السنة ما يؤيد هذا التحديد،
فقد ورد أن النبي ﷺ قال لمن يريد الزواج «التمس ولو خاتما من حديد»
وروى أن بعض المسلمين تزوج امرأة وجعل المهر تعليمها شيئا من القرآن.
(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي فأنتم أيها المؤمنون إخوة فى الإيمان بعضكم من بعض كما قال: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» فلا ينبغى أن تعدوا نكاح الأمة عارا عند الحاجة إليه.
وفي هذا إشارة إلى أن الله قد رفع شأن الفتيات المؤمنات وساوى بينهن وبين الحرائر، وهو العليم بحقيقة الإيمان ودرجة قوته وكماله، فرب أمة أكمل إيمانا من حرة فتكون أفضل منها عند الله «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ».
(فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) الأهل هنا الموالي المالكون لهن، أي فإذا أحببتم نكاحهن ورغبتم فيه، لأن الإيمان قد رفع من قدرهن فانكحوهن بإذن موالهن
9
وقال بعض الفقهاء: المراد من الأهل من لهم عليهن ولاية التزويج ولو غير المالكين كالأب والجد والقاضي والوصي، إذ لكل منهم تزويج أمة اليتيم.
(وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي وأدوا إليهن مهورهن بإذن أهلهن، إذ أن المهر هو حق المولى، لأنه بدل عن حقه فى إباحة الاستمتاع بها، وقال مالك: المهر حق للزوجة على الزوج وإن كانت أمة فهو لها لا لمولاها، وإن كان الرقيق لا يملك شيئا لنفسه لأن المهر حق الزوجة تصلح به شأنها ويكون تطييبا لنفسها فى مقابلة رياسة الزوج عليها، وسيد الأمة مخير بين أن يأخذه منها بحق الملك، أو يتركه لها لتصلح به شأنها وهو الأفضل والأكمل.
ومعنى قوله: (بِالْمَعْرُوفِ) أي بالمعروف بينكم فى حسن التعامل ومهر المثل وإذن الأهل.
(مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) أي أعطوهن أجورهن حال كونهن متزوجات منكم لا مستأجرات للبغاء جهرا وهن المسافحات، ولا سرّا وهن متخذات الأخدان والأصحاب.
وقد كان الزنا فى الجاهلية قسمين: سرى وعلنى، فالسرى يكون خاصا فيكون للمرأة خدن يزنى بها سرا ولا تبذل نفسها لكل أحد، والعلنى يكون عاما وهو المراد بالسفاح قاله ابن عباس.
وكان البغايا من الإماء ينصبن الرايات الحمر لتعرف منازلهن، ولا تزال هذه العادة متبعة إلى الآن فى بلاد السودان، فتوجد بيوت خاصة لشراب الذرة (المريسة) وفيها البغاء العلنى.
وروى عن ابن عباس أن أهل الجاهلية كانوا يحرّمون ما ظهر من الزنا ويقولون إنه لؤم، ويستحلون ما خفى ويقولون: إنه لا بأس به، وقد نزل فى تحريم هذين النوعين قوله تعالى «وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ».
(وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي وأدوا إليهن مهورهن بإذن أهلهن، إذ أن المهر هو حق المولى، لأنه بدل عن حقه فى إباحة الاستمتاع بها، وقال مالك: المهر حق للزوجة على الزوج وإن كانت أمة فهو لها لا لمولاها، وإن كان الرقيق لا يملك شيئا لنفسه لأن المهر حق الزوجة تصلح به شأنها ويكون تطييبا لنفسها فى مقابلة رياسة الزوج عليها، وسيد الأمة مخير بين أن يأخذه منها بحق الملك، أو يتركه لها لتصلح به شأنها وهو الأفضل والأكمل.
ومعنى قوله: (بِالْمَعْرُوفِ) أي بالمعروف بينكم فى حسن التعامل ومهر المثل وإذن الأهل.
(مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) أي أعطوهن أجورهن حال كونهن متزوجات منكم لا مستأجرات للبغاء جهرا وهن المسافحات، ولا سرّا وهن متخذات الأخدان والأصحاب.
وقد كان الزنا فى الجاهلية قسمين: سرى وعلنى، فالسرى يكون خاصا فيكون للمرأة خدن يزنى بها سرا ولا تبذل نفسها لكل أحد، والعلنى يكون عاما وهو المراد بالسفاح قاله ابن عباس.
وكان البغايا من الإماء ينصبن الرايات الحمر لتعرف منازلهن، ولا تزال هذه العادة متبعة إلى الآن فى بلاد السودان، فتوجد بيوت خاصة لشراب الذرة (المريسة) وفيها البغاء العلنى.
وروى عن ابن عباس أن أهل الجاهلية كانوا يحرّمون ما ظهر من الزنا ويقولون إنه لؤم، ويستحلون ما خفى ويقولون: إنه لا بأس به، وقد نزل فى تحريم هذين النوعين قوله تعالى «وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ».
10
وهذان النوعان فاشيان الآن فى بلاد الإفرنج والبلاد التي تقلدهم فى شرورهم كمصر والآستانة وبعض بلاد الهند.
وقصارى القول: إن الله فرض فى نكاح الإماء مثل ما فرض فى نكاح الحرائر من الإحصان والعفة لكل من الزوجين، لكن جعل الإحصان وعدم السفاح فى نكاح الحرائر من قبل الرجال أولا وبالذات فقال (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) لأن الحرائر ولا سيما الأبكار أبعد من الرجال عن الفاحشة وأقل انقيادا لطاعة الشهوة، إلى أن الرجال هم الطالبون للنساء والقوّامون عليهن.
وجعل قيد الإحصان فى جانب الإماء، فاشترط على من يريد أن يتزوج أمة أن يتحرى فيها أن تكون محصنة مصونة فى السر والجهر فقال (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) وذلك أن الزنا كان غالبا فى الجاهلية على الإماء وكانوا يشترونهن للاكتساب ببغائهن حتى إن عبد الله بن أبىّ كان يكره إماءه على البغاء بعد أن أسلمن فنزل فى ذلك: «وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا».
إلى أنهن لذلّهن وضعفهن وكونهن مظنّة للانتقال من يد إلى أخرى- لم تمرّن نفوسهن على الاختصاص برجل واحد يرى لهن عليه من الحقوق ما تطمئنّ به نفوسهن فى الحياة الزوجية التي هى من شؤون الفطرة.
(فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) أي إن الإماء إذا زنين بعد إحصانهن بالزواج فعليهن من العقاب نصف ما على المحصنات الكاملات وهن الحرائر إذا زنين، وهذا العقاب ما بينه سبحانه بقوله «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» فتجلد الأمة المتزوجة خمسين جلدة، وتجلد الحرة مائة.
والسر فى هذا ما قدمناه فيما سلف وهو كون الحرة أبعد عن داعية الفاحشة، والأمة ضعيفة عن مقاومتها، فرحم الله ضعفها، وخفف العقاب عنها، وقد قيدوا المحصنات
وقصارى القول: إن الله فرض فى نكاح الإماء مثل ما فرض فى نكاح الحرائر من الإحصان والعفة لكل من الزوجين، لكن جعل الإحصان وعدم السفاح فى نكاح الحرائر من قبل الرجال أولا وبالذات فقال (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) لأن الحرائر ولا سيما الأبكار أبعد من الرجال عن الفاحشة وأقل انقيادا لطاعة الشهوة، إلى أن الرجال هم الطالبون للنساء والقوّامون عليهن.
وجعل قيد الإحصان فى جانب الإماء، فاشترط على من يريد أن يتزوج أمة أن يتحرى فيها أن تكون محصنة مصونة فى السر والجهر فقال (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) وذلك أن الزنا كان غالبا فى الجاهلية على الإماء وكانوا يشترونهن للاكتساب ببغائهن حتى إن عبد الله بن أبىّ كان يكره إماءه على البغاء بعد أن أسلمن فنزل فى ذلك: «وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا».
إلى أنهن لذلّهن وضعفهن وكونهن مظنّة للانتقال من يد إلى أخرى- لم تمرّن نفوسهن على الاختصاص برجل واحد يرى لهن عليه من الحقوق ما تطمئنّ به نفوسهن فى الحياة الزوجية التي هى من شؤون الفطرة.
(فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) أي إن الإماء إذا زنين بعد إحصانهن بالزواج فعليهن من العقاب نصف ما على المحصنات الكاملات وهن الحرائر إذا زنين، وهذا العقاب ما بينه سبحانه بقوله «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» فتجلد الأمة المتزوجة خمسين جلدة، وتجلد الحرة مائة.
والسر فى هذا ما قدمناه فيما سلف وهو كون الحرة أبعد عن داعية الفاحشة، والأمة ضعيفة عن مقاومتها، فرحم الله ضعفها، وخفف العقاب عنها، وقد قيدوا المحصنات
11
هنا بكونهن أبكارا، لأن من تزوجت تسمى محصنة بالزواج وإن آمت بطلاق أو بموت زوجها وحينئذ ترجم بالحجارة إذا زنت.
وفى الصحيحين وغيرهما عن عمر رضي الله عنه: أن الرجم فى كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان حمل أو اعتراف.
وأمر النبي ﷺ برجم ماعز الأسلمىّ والغامديّة لاعترافهما بالزنا، لكنه أرجأ المرأة حتى وضعت وأرضعت وفطمت ولدها رواه مسلم وأبو داود (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) أي ذاك الذي ذكر لكم من إباحة نكاح الإماء عند العجز عن الحرائر جائز لمن خشى عليه الضرر من مقاومة دواعى الفطرة، والتزام الإحصان والعفة، ففى كثير من الأحيان تفضى هذه المقاومة إلى أعراض عصبية وغير عصبية إذا طال العهد على مقاومتها كما أثبت ذلك الطبّ الحديث.
(وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أي وصبركم عن نكاح الإماء خير لكم من نكاحهن لما فى ذلك من تربية قوة الإرادة، وتنمية ملكة العفة، وتغليب العقل على عاطفة الهوى ومن عدم تعريض الولد للرقّ، وخوف فساد أخلاقه، بإرثه منها المهانة والذلة، إذ هى بمنزلة المتاع والحيوان، فربما ورث شيئا من إحساسها ووجدانها وعواطفها الخسيسة.
وروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذا نكح العبد الحرة فقد أعتق نصفه، وإذا نكح الحر الأمة فقد أرقّ نصفه، ورحم الله القائل:
وسر هذا ما شرحناه من قبل من أن معنى الزوجية حقيقة واحدة مركبة من ذكر وأنثى، كل منهما نصفها، فهما شخصان صورة، واحد اعتبارا بالإحسان والشعور والوجدان والمودة والرحمة، ومن ثم ساغ أن يطلق على كل منهما لفظ (زوج) لاتحاده بالآخر وإن كان فردا فى ذاته ومستقلا فى شخصه.
(وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فهو غفار لمن صدرت منه الهفوات، كاحتقار الإماء المؤمنات، والطعن فيهن عند الحديث فى نكاحهن، وعدم الصبر على معاشرتهن بالمعروف، وسوء
وفى الصحيحين وغيرهما عن عمر رضي الله عنه: أن الرجم فى كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان حمل أو اعتراف.
وأمر النبي ﷺ برجم ماعز الأسلمىّ والغامديّة لاعترافهما بالزنا، لكنه أرجأ المرأة حتى وضعت وأرضعت وفطمت ولدها رواه مسلم وأبو داود (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) أي ذاك الذي ذكر لكم من إباحة نكاح الإماء عند العجز عن الحرائر جائز لمن خشى عليه الضرر من مقاومة دواعى الفطرة، والتزام الإحصان والعفة، ففى كثير من الأحيان تفضى هذه المقاومة إلى أعراض عصبية وغير عصبية إذا طال العهد على مقاومتها كما أثبت ذلك الطبّ الحديث.
(وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أي وصبركم عن نكاح الإماء خير لكم من نكاحهن لما فى ذلك من تربية قوة الإرادة، وتنمية ملكة العفة، وتغليب العقل على عاطفة الهوى ومن عدم تعريض الولد للرقّ، وخوف فساد أخلاقه، بإرثه منها المهانة والذلة، إذ هى بمنزلة المتاع والحيوان، فربما ورث شيئا من إحساسها ووجدانها وعواطفها الخسيسة.
وروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذا نكح العبد الحرة فقد أعتق نصفه، وإذا نكح الحر الأمة فقد أرقّ نصفه، ورحم الله القائل:
إذا لم تكن فى منزل المرء حرة | تدبّره ضاعت مصالح داره |
(وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فهو غفار لمن صدرت منه الهفوات، كاحتقار الإماء المؤمنات، والطعن فيهن عند الحديث فى نكاحهن، وعدم الصبر على معاشرتهن بالمعروف، وسوء
12
الظن بهن، رحيم بعباده، إذ رخص لهم فيما رخص فيه ببيان أحكام شريعته، فلا يؤاخذنا بما لا نستطيعه منها
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨)
المعنى الجملي
بعد أن ذكر أحكام النكاح فيما سلف على طريق البيان والإسهاب، ذكر هنا عللها وأحكامها كما هو دأب القرآن الكريم أن يعقب ذكر الأحكام التي يشرعها العباد ببيان العلل والأسباب، ليكون فى ذلك طمأنينة للقلوب، وسكون للنفوس لتعلم مغبة ما هى مقدمة عليه من الأعمال، وعاقبة ما كلفت به من الأفعال، حتى تقبل عليها وهى مثلجة الصدور عالمة بأن لها فيها سعادة فى دنياها وأخراها، ولا تكون فى عماية من أمرها فتتيه فى أودية الضلالة، وتسير قدما لا إلى غاية.
الإيضاح
(يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) جاءت هذه الآيات كأجوبة لأسئلة من شأنها أن تدور بخلد السامع لهذه الأحكام، فيطوف بخاطره أن يسأل- ما الحكمة في هذه الأحكام وما فائدتها للعباد، وهل كان من قبلنا من الأمم السالفة كلف بمثلها، فلم يبح لهم أن يتزوجوا كل امرأة، وهل كان ما أمرنا الله به أو نهانا عنه تشديدا علينا أو تخفيفا عنا؟
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨)
المعنى الجملي
بعد أن ذكر أحكام النكاح فيما سلف على طريق البيان والإسهاب، ذكر هنا عللها وأحكامها كما هو دأب القرآن الكريم أن يعقب ذكر الأحكام التي يشرعها العباد ببيان العلل والأسباب، ليكون فى ذلك طمأنينة للقلوب، وسكون للنفوس لتعلم مغبة ما هى مقدمة عليه من الأعمال، وعاقبة ما كلفت به من الأفعال، حتى تقبل عليها وهى مثلجة الصدور عالمة بأن لها فيها سعادة فى دنياها وأخراها، ولا تكون فى عماية من أمرها فتتيه فى أودية الضلالة، وتسير قدما لا إلى غاية.
الإيضاح
(يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) جاءت هذه الآيات كأجوبة لأسئلة من شأنها أن تدور بخلد السامع لهذه الأحكام، فيطوف بخاطره أن يسأل- ما الحكمة في هذه الأحكام وما فائدتها للعباد، وهل كان من قبلنا من الأمم السالفة كلف بمثلها، فلم يبح لهم أن يتزوجوا كل امرأة، وهل كان ما أمرنا الله به أو نهانا عنه تشديدا علينا أو تخفيفا عنا؟
13
والمعنى: يريد الله بما شرعه لكم من الأحكام أن يبين لكم ما فيه مصالحكم ومنافعكم، وأن يهديكم مناهج من تقدمكم من الأنبياء والصالحين، لتقتفوا آثارهم وتسيروا سيرتهم، فالشرائع والتكاليف وإن اختلفت باختلاف أحوال الاجتماع والأزمان كما قال «لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً» فهى متفقة فى مراعاة المصالح العامة للبشر، فروح الديانات جميعا توحيد الله وعبادته والخضوع له على صور مختلفة، ومآل ذلك تزكية النفس بالأعمال التي تقوم بها وتهذيب الأخلاق لتبعد عن سيىء الأفعال والأقوال.
(وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي ويريد أن يجعلكم بالعمل بتلك الأحكام تائبين راجعين عما كان قبلها من تلك الأنكحة الضارة التي كان فيها انحراف عن سنن الفطرة، إذ كنتم تنكحون ما نكح آباؤكم، وتقطعون أرحامكم، ولا تلتفتون إلى المعاني السامية التي فى الزوجية، من تقوية روابط النسب وتجديد قرابة الصهر، والسعادة التي تثلج قلوب الزوجين، والمودة والرحمة اللتين تعمر بهما نفوسهما.
(وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فبعلمه المحيط بما فى الأكوان شرع لكم من الدين ما فيه مصلحتكم ومنفعتكم، وبحكمته لم يكلفكم بما يشق عليكم، وبما فيه الأذى والضرر لكم وبها يتقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات.
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي إنه تعالى بما كلفكم به من تلك الشرائع يريد أن يطهرّكم ويزكى نفوسكم فيتوب عليكم.
(وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً) متبعو الشهوات هم الفسقة الذين يدورن مع شهوات أنفسهم وينهمكون فيها، فكانها أمرتهم باتباعها فامتثلوا أمرها، فلا يبالون بما قطعوا من وشائج الأرحام، ولا بما أزالوا من أواصر القرابة، فليس مقصدهم إلا التمتع باللذة، أما اللذين يفعلون ما يأمر به الدين فليس غرضهم إلا امتثال أوامره، لا اتباع شهواتهم، ولا الجري وراء لذاتهم.
(يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) فأباح لكم عند الضرورة نكاح الإماء قاله مجاهد
(وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي ويريد أن يجعلكم بالعمل بتلك الأحكام تائبين راجعين عما كان قبلها من تلك الأنكحة الضارة التي كان فيها انحراف عن سنن الفطرة، إذ كنتم تنكحون ما نكح آباؤكم، وتقطعون أرحامكم، ولا تلتفتون إلى المعاني السامية التي فى الزوجية، من تقوية روابط النسب وتجديد قرابة الصهر، والسعادة التي تثلج قلوب الزوجين، والمودة والرحمة اللتين تعمر بهما نفوسهما.
(وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فبعلمه المحيط بما فى الأكوان شرع لكم من الدين ما فيه مصلحتكم ومنفعتكم، وبحكمته لم يكلفكم بما يشق عليكم، وبما فيه الأذى والضرر لكم وبها يتقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات.
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي إنه تعالى بما كلفكم به من تلك الشرائع يريد أن يطهرّكم ويزكى نفوسكم فيتوب عليكم.
(وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً) متبعو الشهوات هم الفسقة الذين يدورن مع شهوات أنفسهم وينهمكون فيها، فكانها أمرتهم باتباعها فامتثلوا أمرها، فلا يبالون بما قطعوا من وشائج الأرحام، ولا بما أزالوا من أواصر القرابة، فليس مقصدهم إلا التمتع باللذة، أما اللذين يفعلون ما يأمر به الدين فليس غرضهم إلا امتثال أوامره، لا اتباع شهواتهم، ولا الجري وراء لذاتهم.
(يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) فأباح لكم عند الضرورة نكاح الإماء قاله مجاهد
14
وطاوس، وقيل بل خفف عنكم التكاليف كلها، ولم يجعل عليكم فى الدين من حرج، فشريعتكم هى الحنيفية السمحة كما ورد فى الحديث.
(وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) يستميله الهوى والشهوات، ويستشيطه الخوف والحزن، ولا يقدر على مقاومة الميل إلى النساء، ولا يقوى على الضيق عليه فى الاستمتاع بهن.
وقد رحم الله عباده فلم يحرّم عليهم منهن إلا ما فى إباحته مفسدة عظيمة وضرر كبير، ولا يزال الزنا ينتشر حيث يضعف وازع الدين، ولا يزال الرجال هم المعتدين فهم يفسدون النساء ويغرونهن بالأموال ويحجر الرجل على امرأته ويحجبها بينما يحتال على امرأة غيره ويخرجها من خدرها، وإنه لغرّ جاهل، أفيظن أن غيره لا يحتال على امرأته كما احتال هو على امرأة سواه؟ فقلما يفسق رجل إلا يكون قدوة لأهل بيته فى الفسق والفجور،
وفى الحديث: «عفوا تعفّ نساؤكم وبرّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم» رواه الطبراني من حديث جابر.
وقد بلغ الفسق فى هذا الزمن حدّا صار الناس يظنونه من الكياسة، وزالت غيرتهم، وأسلسوا القياد لنسائهم كما يسلسن لقيادتهن، فوهت الروابط الزوجية، ونخر السوس فى سعادة البيوت، ووجدت الرذيلة لها مرتعا خصيبا فى أجواء الأسر، حتى أصبح الرجل لا يثق بنسله، وكثرت الأمراض والعلل بشتى مظاهرها.
أخرج البيهقي فى شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ثمانى آيات نزلت فى سورة النساء هى خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت، وعدّ هذه الآيات الثلاث: يريد الله ليبين لكم إلى قوله وخلق الإنسان ضعيفا، والرابعة إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم، والخامسة: إن الله لا يظلم مثقال ذرة، والسادسة: ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما، والسابعة:
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، والثامنة: والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم. الآية.
(وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) يستميله الهوى والشهوات، ويستشيطه الخوف والحزن، ولا يقدر على مقاومة الميل إلى النساء، ولا يقوى على الضيق عليه فى الاستمتاع بهن.
وقد رحم الله عباده فلم يحرّم عليهم منهن إلا ما فى إباحته مفسدة عظيمة وضرر كبير، ولا يزال الزنا ينتشر حيث يضعف وازع الدين، ولا يزال الرجال هم المعتدين فهم يفسدون النساء ويغرونهن بالأموال ويحجر الرجل على امرأته ويحجبها بينما يحتال على امرأة غيره ويخرجها من خدرها، وإنه لغرّ جاهل، أفيظن أن غيره لا يحتال على امرأته كما احتال هو على امرأة سواه؟ فقلما يفسق رجل إلا يكون قدوة لأهل بيته فى الفسق والفجور،
وفى الحديث: «عفوا تعفّ نساؤكم وبرّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم» رواه الطبراني من حديث جابر.
وقد بلغ الفسق فى هذا الزمن حدّا صار الناس يظنونه من الكياسة، وزالت غيرتهم، وأسلسوا القياد لنسائهم كما يسلسن لقيادتهن، فوهت الروابط الزوجية، ونخر السوس فى سعادة البيوت، ووجدت الرذيلة لها مرتعا خصيبا فى أجواء الأسر، حتى أصبح الرجل لا يثق بنسله، وكثرت الأمراض والعلل بشتى مظاهرها.
أخرج البيهقي فى شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ثمانى آيات نزلت فى سورة النساء هى خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت، وعدّ هذه الآيات الثلاث: يريد الله ليبين لكم إلى قوله وخلق الإنسان ضعيفا، والرابعة إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم، والخامسة: إن الله لا يظلم مثقال ذرة، والسادسة: ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما، والسابعة:
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، والثامنة: والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم. الآية.
15
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (٣٠)المعنى الجملي
بعد أن ذكر فيما سلف كيفية معاملة اليتامى وإيتاء أموالهم إليهم عند الرشد وعدم دفع الأموال إلى السفهاء، ثم بين وجوب دفع المهور للنساء وأنكر عليهم أخذها توجه من الوجوه، ثم ذكر وجوب إعطاء شىء من أموال اليتامى إلى أقاربهم إذا حضروا القسمة، ذكر هنا قاعدة عامة للتعامل فى الأموال تطهيرا للأنفس فى جمع المال المحبوب لها فقال:
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) الباطل من البطل والبطلان وهو الضياع والخسار، وفي الشرع أخذ المال بدون عوض حقيقى يعتد به، ولا رضا ممن يؤخذ منه، أو إنفاقه في غير وجه حقيقى نافع، فيدخل في ذلك النصب والغش والخداع والربا والغبن وإنفاق المال في الوجوه المحرمة والإسراف بوضع المال فيما لا يرضى به العقلاء.
قوله «بَيْنَكُمْ» رمز إلى أن المال المحرم يكون عادة موضع التنازع في التعامل بين الآكل فالمأكول منه كل منهما يريد جذبه إليه، والمراد بالأكل الأخذ على أي وجه، وعبر عنه الأكل لأنه أكثر أوجه استعمال المال وأقواها، وأضاف الأموال إلى الجميع ولم يقل لا يأكل بعضكم مال بعض، تنبيها إلى تكافل الأمة في الحقوق والمصالح كأن مال كل واحد منها هو مال الأمة جميعها، فإذا استباح أحدهم أن يأكل مال الآخر بالباطل كان
16
كأنه أباح لغيره أن يأكل ماله فالحياة قصاص، وإرشادا إلى أن صاحب المال يجب عليه بذل شىء منه للمحتاج وعدم البخل عليه به، إذ هو كأنما أعطاه شيئا من ماله.
وبهذا قد وضع الإسلام قواعد عادلة للأموال لدى من يعتنق مبادئه وهى:
١) أن مال الفرد مال الأمة مع احترام الحيازة والملكية وحفظ حقوقها، فهو يوجب على ذى المال الكثير حقوقا معينة للمصالح العامة، وعلى ذى المال القليل حقوقا أخرى للبائسين وذوى الحاجات من سائر أصناف البشر، ويحث على البر والإحسان والصدقات فى جمييع الأوقات.
وبهذا لا يوجد فى بلاد الإسلام مضطر إلى القوت أو عريان، سواء أكان مسلما أم غير مسلم، لأن الإسلام فرض على المسلمين إزالة ضرورة المضطر، كما فرض فى أموالهم حقوقا للفقراء والمساكين.
وكل فرد يقيم فى بلادهم يرى أن مال الأمة هو ماله، فإذا اضطر إليه يجده مذخورا له، كما جعل المال المفروض فى أموال الأغنياء تحت سيطرة الجماعة الحاكمة من الأمة حتى لا يمنعه من فى قلبه مرض، وحثهم على البذل ورغبهم فيه، وذمهم على البخل ووكل ذلك إلى أنفسهم، لتقوى لديهم ملكة السخاء والمروءة والرحمة.
٢) أنه لم يبح للمحتاج أن يأخذ ما يحتاج إليه من أيدى أربابه إلا بإذنهم، حتى لا تنتشر البطالة والكسل بين أفراد الأمة، وتوجد الفوضى فى الأموال، والضعف والتواني فى الأعمال، ويدبّ الفساد فى الأخلاق والآداب.
ولو أقام المسلمون معالم دينهم، وعملوا بشرائعه، لضربوا للناس الأمثال واستبان لهم أنه خير شريعة أخرجت للناس، ولأقاموا مدنية صحيحة فى هذا العصر يتأسى بها كل من يريد سعادة الجماعات، ولا يجعلها تئنّ تحت أثقال العوز والحاجة، كما هو حادث الآن من التنافر العام والنظر الشزر من العمال إلى أصحاب رءوس الأموال:
(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) أي لا تكونوا من ذوى الأطماع الذين
وبهذا قد وضع الإسلام قواعد عادلة للأموال لدى من يعتنق مبادئه وهى:
١) أن مال الفرد مال الأمة مع احترام الحيازة والملكية وحفظ حقوقها، فهو يوجب على ذى المال الكثير حقوقا معينة للمصالح العامة، وعلى ذى المال القليل حقوقا أخرى للبائسين وذوى الحاجات من سائر أصناف البشر، ويحث على البر والإحسان والصدقات فى جمييع الأوقات.
وبهذا لا يوجد فى بلاد الإسلام مضطر إلى القوت أو عريان، سواء أكان مسلما أم غير مسلم، لأن الإسلام فرض على المسلمين إزالة ضرورة المضطر، كما فرض فى أموالهم حقوقا للفقراء والمساكين.
وكل فرد يقيم فى بلادهم يرى أن مال الأمة هو ماله، فإذا اضطر إليه يجده مذخورا له، كما جعل المال المفروض فى أموال الأغنياء تحت سيطرة الجماعة الحاكمة من الأمة حتى لا يمنعه من فى قلبه مرض، وحثهم على البذل ورغبهم فيه، وذمهم على البخل ووكل ذلك إلى أنفسهم، لتقوى لديهم ملكة السخاء والمروءة والرحمة.
٢) أنه لم يبح للمحتاج أن يأخذ ما يحتاج إليه من أيدى أربابه إلا بإذنهم، حتى لا تنتشر البطالة والكسل بين أفراد الأمة، وتوجد الفوضى فى الأموال، والضعف والتواني فى الأعمال، ويدبّ الفساد فى الأخلاق والآداب.
ولو أقام المسلمون معالم دينهم، وعملوا بشرائعه، لضربوا للناس الأمثال واستبان لهم أنه خير شريعة أخرجت للناس، ولأقاموا مدنية صحيحة فى هذا العصر يتأسى بها كل من يريد سعادة الجماعات، ولا يجعلها تئنّ تحت أثقال العوز والحاجة، كما هو حادث الآن من التنافر العام والنظر الشزر من العمال إلى أصحاب رءوس الأموال:
(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) أي لا تكونوا من ذوى الأطماع الذين
17
يأكلون أموال الناس بغير مقابل لها من عين أو منفعة، ولكن كلوها بالتجارة التي قوام الحل فيها التراضي، وذلك هو اللائق بأهل المروءة والدين إذا أرادوا أن يكونوا من أرباب الثراء.
وفى الآية إيماء إلى وجوه شتى من الفوائد:
١) أن مدار حل التجارة على تراضى المتبايعين، فالغشّ والكذب والتدليس فيها من المحرمات.
٢) أن جميع ما فى الدنيا من التجارة وما فى معناها من قبيل الباطل الذي لا بقاء له ولإثبات، فلا ينبغى أن يشغل العاقل عن الاستعداد للآخرة التي هى خير وأبقى.
٣) الإشارة إلى أن معظم أنواع التجارة يدخل فيها الأكل بالباطل، فإن تحديد قيمة الشيء وجعل ثمنه على قدره بالقسطاس المستقيم يكاد يكون مستحيلا، ومن ثم يجرى التسامح فيها إذا كان أحد العوضين أكبر من الآخر، أو إذا كان سبب الزيادة براعة التاجر فى تزيين سلعته، وترويجها بزخرف القول من غير غش ولا خداع، فكثيرا ما يشترى الإنسان الشيء وهو يعلم أنه يمكنه شراؤه من موضع آخر بثمن أقلّ، وما نشأ هذا إلا من خلابة التاجر وكياسته فى تجارته، فيكون هذا من باطل التجارة الحاصلة بالتراضي فيكون حلالا.
والحكمة فى إباحة ذلك، الترغيب فى التجارة، لشدة حاجة الناس إليها، والتنبيه إلى استعمال ما أوتوا من الذكاء والفطنة فى اختيار الأشياء، والتدقيق فى المعاملة، حفظا للأموال حتى لا يذهب شىء منها بالباطل، أي بدون منفعة تقابلها.
فإذا ما وجد فى التجارة الربح الكثير بلا غش ولا تغرير، بل بتراض من الطرفين لم يكن فى هذا حرج، ولولا ذلك ما رغب أحد فى التجارة، ولا اشتغل بها أحد من أهل الدين، على شدة حاجة العمران إليها، وعدم الاستغناء عنها.
وفى الآية إيماء إلى وجوه شتى من الفوائد:
١) أن مدار حل التجارة على تراضى المتبايعين، فالغشّ والكذب والتدليس فيها من المحرمات.
٢) أن جميع ما فى الدنيا من التجارة وما فى معناها من قبيل الباطل الذي لا بقاء له ولإثبات، فلا ينبغى أن يشغل العاقل عن الاستعداد للآخرة التي هى خير وأبقى.
٣) الإشارة إلى أن معظم أنواع التجارة يدخل فيها الأكل بالباطل، فإن تحديد قيمة الشيء وجعل ثمنه على قدره بالقسطاس المستقيم يكاد يكون مستحيلا، ومن ثم يجرى التسامح فيها إذا كان أحد العوضين أكبر من الآخر، أو إذا كان سبب الزيادة براعة التاجر فى تزيين سلعته، وترويجها بزخرف القول من غير غش ولا خداع، فكثيرا ما يشترى الإنسان الشيء وهو يعلم أنه يمكنه شراؤه من موضع آخر بثمن أقلّ، وما نشأ هذا إلا من خلابة التاجر وكياسته فى تجارته، فيكون هذا من باطل التجارة الحاصلة بالتراضي فيكون حلالا.
والحكمة فى إباحة ذلك، الترغيب فى التجارة، لشدة حاجة الناس إليها، والتنبيه إلى استعمال ما أوتوا من الذكاء والفطنة فى اختيار الأشياء، والتدقيق فى المعاملة، حفظا للأموال حتى لا يذهب شىء منها بالباطل، أي بدون منفعة تقابلها.
فإذا ما وجد فى التجارة الربح الكثير بلا غش ولا تغرير، بل بتراض من الطرفين لم يكن فى هذا حرج، ولولا ذلك ما رغب أحد فى التجارة، ولا اشتغل بها أحد من أهل الدين، على شدة حاجة العمران إليها، وعدم الاستغناء عنها.
18
ولما كان المال عديل الروح وقد نهينا عن إتلافه بالباطل- كنهينا عن إتلاف النفس، لكون أكثر إتلافهم لها بالمغامرات لنهب الأموال وما كان متصلا بها، وربما أدى ذلك إلى الفتن التي ربما كان آخرها القتل، قال:
(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يقتل بعضكم بعضا، وعبر بذلك للمبالغة فى الزجر، وللإشعار بتعاون الأمة وتكافلها ووحدتها، وقد جاء فى الحديث «المؤمنون كالنفس الواحدة» ولأن قتل الإنسان لغيره يفضى إلى قتله قصاصا أو ثأرا، فكأنه قتل نفسه.
وبهذا علمنا القرآن أن جناية الإنسان على غيره جناية على نفسه، وجناية على البشر جميعا، لا على المتصلين به برابطة الدين أو الجنس أو السياسة كما قال تعالى: «مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً» كما أنه أرشدنا باحترام نفوس الناس بعدّها كنفوسنا- إلى أن نحترم نفوسنا بالأولى فلا يباح بحال أن يقتل أحد نفسه، ليستريح من الغم وشقاء الحياة، فمهما اشتدت المصايب بالمؤمن، فعليه أن يصبر ويحتسب ولا ييأس من الفرج الإلهىّ، ومن ثم لا يكثر بخع النفس (الانتحار) إلا حيث يقل الإيمان ويفشو الكفر والإلحاد.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) أي إنه بنهيكم عن أكل الأموال بالباطل، وعن قتلكم أنفسكم، كان رحيما بكم، إذ حفظ دماءكم كما حفظ أموالكم التي عليها قوام المصالح واستمرار المنافع، وعلمكم أن تتراحموا وتتوادّوا ويكون كل منكم عونا للآخر، يحافظ على ما له ويدافع عن نفسه، إذا جد الجدّ، ودعت الحاجة إلى الدفاع عنه.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) العدوان هو التعدي على الحق، وهو يتعلق بالقصد بأن يتعمد الفاعل الفعل وهو عالم أنه قد تعدى الحق وجاوزه إلى الباطل، والظلم يتعلق بالفعل نفسه، بألا يتحرى الفاعل عمل ما يحل، فيفعل ما لا يحل والوعيد مقرون بالأمرين معا، فلا بد من قصد الفاعل العدوان، وأن يكون فعله ظلما حقا، فإذا وجد أحدهما دون الآخر لم يستحق الفاعل هذا التهديد الشديد، فإذا قتل الإنسان رجلا كان قد قتل أباه أو ابنه، فهنا قد وحد العدوان ولم يوجد الظلم، وإذا سلب
(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يقتل بعضكم بعضا، وعبر بذلك للمبالغة فى الزجر، وللإشعار بتعاون الأمة وتكافلها ووحدتها، وقد جاء فى الحديث «المؤمنون كالنفس الواحدة» ولأن قتل الإنسان لغيره يفضى إلى قتله قصاصا أو ثأرا، فكأنه قتل نفسه.
وبهذا علمنا القرآن أن جناية الإنسان على غيره جناية على نفسه، وجناية على البشر جميعا، لا على المتصلين به برابطة الدين أو الجنس أو السياسة كما قال تعالى: «مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً» كما أنه أرشدنا باحترام نفوس الناس بعدّها كنفوسنا- إلى أن نحترم نفوسنا بالأولى فلا يباح بحال أن يقتل أحد نفسه، ليستريح من الغم وشقاء الحياة، فمهما اشتدت المصايب بالمؤمن، فعليه أن يصبر ويحتسب ولا ييأس من الفرج الإلهىّ، ومن ثم لا يكثر بخع النفس (الانتحار) إلا حيث يقل الإيمان ويفشو الكفر والإلحاد.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) أي إنه بنهيكم عن أكل الأموال بالباطل، وعن قتلكم أنفسكم، كان رحيما بكم، إذ حفظ دماءكم كما حفظ أموالكم التي عليها قوام المصالح واستمرار المنافع، وعلمكم أن تتراحموا وتتوادّوا ويكون كل منكم عونا للآخر، يحافظ على ما له ويدافع عن نفسه، إذا جد الجدّ، ودعت الحاجة إلى الدفاع عنه.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) العدوان هو التعدي على الحق، وهو يتعلق بالقصد بأن يتعمد الفاعل الفعل وهو عالم أنه قد تعدى الحق وجاوزه إلى الباطل، والظلم يتعلق بالفعل نفسه، بألا يتحرى الفاعل عمل ما يحل، فيفعل ما لا يحل والوعيد مقرون بالأمرين معا، فلا بد من قصد الفاعل العدوان، وأن يكون فعله ظلما حقا، فإذا وجد أحدهما دون الآخر لم يستحق الفاعل هذا التهديد الشديد، فإذا قتل الإنسان رجلا كان قد قتل أباه أو ابنه، فهنا قد وحد العدوان ولم يوجد الظلم، وإذا سلب
19
امرؤ مال آخر ظانّا أنه ماله الذي كان قد سرقه أو اغتصبه ثم تبين له أن المال ليس ماله، وأن هذا الرجل لم يكن هو الذي أخذ ماله، فها هنا قد وجد الظلم دون العدوان (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) أي وكان ذلك الإصلاء فى النار يسيرا على الله، هينا لا يمنعه منه مانع، ولا يدفعه عنه دافع، ولا يشفع فيه إلا بإذنه شافع، فلا يغترنّ الظالمون المعتدون بحلمه عليهم فى الدنيا، وعدم معاجلتهم بالعقوبة، فيظنوا أنهم بمنجاة من عقابه فى الآخرة، ولا يكوننّ كأولئك المشركين الذين قالوا «نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ».
[سورة النساء (٤) : آية ٣١]
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١)
تفسير المفردات
الاجتناب: ترك الشيء جانبا، والكبائر واحدتها كبيرة، وهى المعصية العظيمة، والسيئات واحدتها سيئة، وهى الفعلة التي تسوء صاحبها عاجلا أو آجلا، والمراد بها هنا الصغيرة، ونكفر: نغفر ونمح، ومدخلا كريما: أي مكانا كريما وهو الجنة.
المعنى الجملي
بعد أن نهى سبحانه عن أكل أموال الناس بالباطل وعن قتل النفس، وهما أكبر الذنوب المتعلقة بحقوق العباد، وتوعد فاعل ذلك بأشد العقوبات- نهى عن جميع الكبائر التي يعظم ضررها، وتؤذن بضعف إيمان مرتكبها، ووعد من تركها بالمدخل الكريم.
[سورة النساء (٤) : آية ٣١]
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١)
تفسير المفردات
الاجتناب: ترك الشيء جانبا، والكبائر واحدتها كبيرة، وهى المعصية العظيمة، والسيئات واحدتها سيئة، وهى الفعلة التي تسوء صاحبها عاجلا أو آجلا، والمراد بها هنا الصغيرة، ونكفر: نغفر ونمح، ومدخلا كريما: أي مكانا كريما وهو الجنة.
المعنى الجملي
بعد أن نهى سبحانه عن أكل أموال الناس بالباطل وعن قتل النفس، وهما أكبر الذنوب المتعلقة بحقوق العباد، وتوعد فاعل ذلك بأشد العقوبات- نهى عن جميع الكبائر التي يعظم ضررها، وتؤذن بضعف إيمان مرتكبها، ووعد من تركها بالمدخل الكريم.
20
الإيضاح
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي إن تتركوا جانبا كبائر ما ينهاكم الله عن ارتكابه من الذنوب والآثام نمح عنكم صغائرها فلا نؤاخذكم بها.
وقد اختلف فى عدد الكبائر فقيل هى سبع لما
ورد فى الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هى يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولّى يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»
وفى رواية لهما عن أبى بكرة قال: قال رسول الله ﷺ «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين- وكان متكئا فجلس وقال- ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت».
وفيهما أيضا من
حديث ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قالوا وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه».
والأحاديث الصحيحة مختلفة فى عددها، ومجموعها يزيد على سبع، ومن ثم قال ابن عباس لما قال له رجل: الكبائر سبع: قال: هى إلى سبعين أقرب، إذ لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار، ومراده أن كل ذنب يرتكب لعارض يعرض على النفس من استشاطة غضب أو ثورة شهوة، وصاحبه متمكن من دينه، يخاف الله ولا يستحل محارمه، فهو من السيئات التي يكفرها الله تعالى، إذ لولا ذلك العارض القاهر للنفس لم يكن ليجترحه تهاونا بالدين، إذ هو بعد اجتراحه يندم ويتألم ويتوب ويرجع إلى الله تعالى، ويعزم على عدم العودة إلى اقتراف مثله، فهو إذ ذاك أهل لأن يتوب الله عليه، ويكفر عنه.
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي إن تتركوا جانبا كبائر ما ينهاكم الله عن ارتكابه من الذنوب والآثام نمح عنكم صغائرها فلا نؤاخذكم بها.
وقد اختلف فى عدد الكبائر فقيل هى سبع لما
ورد فى الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله ﷺ «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هى يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولّى يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»
وفى رواية لهما عن أبى بكرة قال: قال رسول الله ﷺ «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين- وكان متكئا فجلس وقال- ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت».
وفيهما أيضا من
حديث ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قالوا وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه».
والأحاديث الصحيحة مختلفة فى عددها، ومجموعها يزيد على سبع، ومن ثم قال ابن عباس لما قال له رجل: الكبائر سبع: قال: هى إلى سبعين أقرب، إذ لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار، ومراده أن كل ذنب يرتكب لعارض يعرض على النفس من استشاطة غضب أو ثورة شهوة، وصاحبه متمكن من دينه، يخاف الله ولا يستحل محارمه، فهو من السيئات التي يكفرها الله تعالى، إذ لولا ذلك العارض القاهر للنفس لم يكن ليجترحه تهاونا بالدين، إذ هو بعد اجتراحه يندم ويتألم ويتوب ويرجع إلى الله تعالى، ويعزم على عدم العودة إلى اقتراف مثله، فهو إذ ذاك أهل لأن يتوب الله عليه، ويكفر عنه.
21
وكل ذنب يرتكبه الإنسان مع التهاون بالأمر وعدم المبالاة بنظر الله إليه، ورؤيته إياه حيث نهاه، فهو مهما كان صغيرا فى صورته، أو فى ضرره، يعدّ كبيرا من حيث الإصرار والاستهتار، فتطفيف الكيل والميزان ولو حبّة لمن اعتاده، والهمز واللمز (عيب الناس والطعن فى أعراضهم) لمن تعوّده- كل ذلك كبيرة ولا شك.
وكان النبي ﷺ يذكر فى كل مقام ما تمس إليه الحاجة، ولم يرد الحصر والتحديد.
وقال بعض العلماء: الكبيرة كل ذنب رتّب عليه الشارع حدا أو صرح فيه بوعيد.
(وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً) أي وندخلكم مكانا لكم فيه الكرامة عند ربكم وهى الجنات التي تجرى من تحتها الأنهار، والعرب تقول: أرض كريمة، وأرض مكرمة، أي طيبة جيدة النبات، قال تعالى: «فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ».
[سورة النساء (٤) : آية ٣٢]
وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢)
تفسير المفردات
التمني: تشهى حصول الأمر المرغوب فيه، وحديث النفس بما يكون وما لا يكون.
من فضله: أي إحسانه ونعمه المتكاثرة:
المعنى الجملي
بعد أن نهى سبحانه عن أكل أموال الناس بالباطل، وعن القتل، وتوعد فاعلهما بالويل والثبور، وهما من أفعال الجوارح، ليصير الظاهر طاهرا عن المعاصي الوخيمة
وكان النبي ﷺ يذكر فى كل مقام ما تمس إليه الحاجة، ولم يرد الحصر والتحديد.
وقال بعض العلماء: الكبيرة كل ذنب رتّب عليه الشارع حدا أو صرح فيه بوعيد.
(وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً) أي وندخلكم مكانا لكم فيه الكرامة عند ربكم وهى الجنات التي تجرى من تحتها الأنهار، والعرب تقول: أرض كريمة، وأرض مكرمة، أي طيبة جيدة النبات، قال تعالى: «فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ».
[سورة النساء (٤) : آية ٣٢]
وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢)
تفسير المفردات
التمني: تشهى حصول الأمر المرغوب فيه، وحديث النفس بما يكون وما لا يكون.
من فضله: أي إحسانه ونعمه المتكاثرة:
المعنى الجملي
بعد أن نهى سبحانه عن أكل أموال الناس بالباطل، وعن القتل، وتوعد فاعلهما بالويل والثبور، وهما من أفعال الجوارح، ليصير الظاهر طاهرا عن المعاصي الوخيمة
22
العاقبة- نهى عن التمني، وهو التعرض لها بالقلب حسدا، لتطهر أعمالهم الباطنة، فيكون الباطن موافقا للظاهر، ولأن التمني قد يجرّ إلى الأكل، والأكل قد يقود إلى القتل، فإن من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
الإيضاح
(وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ، لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا، وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) أي إن الله كلف كلا من الرجال والنساء أعمالا، فما كان خاصا بالرجال لهم نصيب من أجره لا يشاركهم فيه النساء، وما كان خاصا بالنساء لهن نصيب من أجره لا يشاركهن فيه الرجال، وليس لأحدهما أن يتمنى ما هو مختص بالآخر وقد أراد الله أن يختص النساء بأعمال البيوت، والرجال بالأعمال الشاقة التي فى خارجها ليتقن كل منهما عمله، ويقوم بما يجب عليه مع الإخلاص.
وعلى كل منهما أن يسأل ربه الإعانة والقوّة على ما نيط به من عمل، ولا يجوز أن يتمنى ما نيط بالآخر، ويدخل فى هذا النهى تمنى كل ما هو من الأمور الخلقية كالعقل والجمال، إذ لا فائدة فى تمنيها لمن لم يعطها، ولا يدخل فيه ما يقع تحت قدرة الإنسان من الأمور الكسبية، إذ يحمد من الناس أن ينظر بعضهم إلى ما نال الآخرون ويتمنّوا لأنفسهم مثله أو خيرا منه بالسعي والجدّ.
والخلاصة- إنه تعالى طلب إلينا أن نوجه الأنظار إلى ما يقع تحت كسبنا، ولا نوجهها إلى ما ليس فى استطاعتنا، فإنما الفضل بالأعمال الكسبية، فلا تتمنوا شيئا بغير كسبكم وعملكم، قاله الأستاذ الإمام محمد عبده بتصرّف.
فعلى المسلم أن يعتمد على مواهبه وقواه فى كل مطالبه، بالجد والاجتهاد مع رجاء فضل الله فيما لا يصل إليه كسبه، إما للجهل به، وإما للعجز عنه، فالزارع يجتهد فى زراعته
الإيضاح
(وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ، لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا، وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) أي إن الله كلف كلا من الرجال والنساء أعمالا، فما كان خاصا بالرجال لهم نصيب من أجره لا يشاركهم فيه النساء، وما كان خاصا بالنساء لهن نصيب من أجره لا يشاركهن فيه الرجال، وليس لأحدهما أن يتمنى ما هو مختص بالآخر وقد أراد الله أن يختص النساء بأعمال البيوت، والرجال بالأعمال الشاقة التي فى خارجها ليتقن كل منهما عمله، ويقوم بما يجب عليه مع الإخلاص.
وعلى كل منهما أن يسأل ربه الإعانة والقوّة على ما نيط به من عمل، ولا يجوز أن يتمنى ما نيط بالآخر، ويدخل فى هذا النهى تمنى كل ما هو من الأمور الخلقية كالعقل والجمال، إذ لا فائدة فى تمنيها لمن لم يعطها، ولا يدخل فيه ما يقع تحت قدرة الإنسان من الأمور الكسبية، إذ يحمد من الناس أن ينظر بعضهم إلى ما نال الآخرون ويتمنّوا لأنفسهم مثله أو خيرا منه بالسعي والجدّ.
والخلاصة- إنه تعالى طلب إلينا أن نوجه الأنظار إلى ما يقع تحت كسبنا، ولا نوجهها إلى ما ليس فى استطاعتنا، فإنما الفضل بالأعمال الكسبية، فلا تتمنوا شيئا بغير كسبكم وعملكم، قاله الأستاذ الإمام محمد عبده بتصرّف.
فعلى المسلم أن يعتمد على مواهبه وقواه فى كل مطالبه، بالجد والاجتهاد مع رجاء فضل الله فيما لا يصل إليه كسبه، إما للجهل به، وإما للعجز عنه، فالزارع يجتهد فى زراعته
23
ويتبع السنن والأسباب التي سنها الله لعمله، ويسأل الله أن يمنع الآفات والجوائح عنه، ويرفع أثمان غلاته إلى نحو أولئك مما هو بيد الله.
روى عكرمة أن النساء سألن الجهاد فقلن: وددنا أن الله جعل لنا الغزو، فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال فنزلت.
(وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) أي لا تتمنوا نصيب غيركم، ولا تحسدوا من فضّل عليكم واسألوا الله من إحسانه وإنعامه، فإن خزائنه مملوءة لا تنفد،
روى أنه ﷺ قال: «سلوا الله من فضله، فالله يحب أن يسأل، وإن من أفضل العبادة انتظار الفرج».
(إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) وبذا فضّل بعض الناس على بعض بحسب مراتب استعدادهم، وتفاوت اجتهادهم فى معترك الحياة، ولا يزال العاملون يستزيدونه ولا يزال ينزل عليهم من جوده وكرمه ما يفضلون به القاعدين الكسالى حتى بلغ التفاوت بين الناس فى الفضل حدا بعيدا، وكاد التفاوت بين الشعوب يكون أبعد من التفاوت بين بعض الحيوان وبعض الإنسان.
[سورة النساء (٤) : آية ٣٣]
وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣)
تفسير المفردات
الموالي: من يحق لهم الاستيلاء على التركة، مما ترك أي وارثين مما ترك، والذين عقدت أيمانكم هم الأزواج، فإن كلا من الزوجين له حق الإرث بالعقد، والمتعارف عند الناس فى العقد أن يكون بالمصافحة باليدين، قاله أبو مسلم الأصفهانى.
روى عكرمة أن النساء سألن الجهاد فقلن: وددنا أن الله جعل لنا الغزو، فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال فنزلت.
(وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) أي لا تتمنوا نصيب غيركم، ولا تحسدوا من فضّل عليكم واسألوا الله من إحسانه وإنعامه، فإن خزائنه مملوءة لا تنفد،
روى أنه ﷺ قال: «سلوا الله من فضله، فالله يحب أن يسأل، وإن من أفضل العبادة انتظار الفرج».
(إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) وبذا فضّل بعض الناس على بعض بحسب مراتب استعدادهم، وتفاوت اجتهادهم فى معترك الحياة، ولا يزال العاملون يستزيدونه ولا يزال ينزل عليهم من جوده وكرمه ما يفضلون به القاعدين الكسالى حتى بلغ التفاوت بين الناس فى الفضل حدا بعيدا، وكاد التفاوت بين الشعوب يكون أبعد من التفاوت بين بعض الحيوان وبعض الإنسان.
[سورة النساء (٤) : آية ٣٣]
وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣)
تفسير المفردات
الموالي: من يحق لهم الاستيلاء على التركة، مما ترك أي وارثين مما ترك، والذين عقدت أيمانكم هم الأزواج، فإن كلا من الزوجين له حق الإرث بالعقد، والمتعارف عند الناس فى العقد أن يكون بالمصافحة باليدين، قاله أبو مسلم الأصفهانى.
24
المعنى الجملي
بعد أن نهى سبحانه عن أكل أموال الناس بالباطل، وعن تمنّى أحد ما فضل الله به غيرة عليه من المال، حتى لا يسوقه التمني إلى التعدي، وهو وإن كان نهيا عاما فالسياق يعين المراد منه، وهو المال، لأن أكثر التمني يتعلق به، ثم ذكر القاعدة العامة فى حيازة الثروة وهى الكسب- انتقل إلى نوع آخر تأتى به الحيازة، وهو الإرث.
الإيضاح
(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ) أي إن لكل من الرجال الذين لهم نصيب مما اكتسبوا، ومن النساء اللواتى لهن نصيب مما اكتسبن، موالى لهم حق الولاية على ما يتركون من كسبهم.
ثم بين هؤلاء الموالي فقال:
(الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) أي إن هؤلاء الموالي هم جميع الورثة من الأصول والفروع والحواشي والأزواج.
(فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أي فأعطوا هؤلاء الموالي نصيبهم المقدّر لهم ولا تنقصوهم منه شيئا.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) » أي إن الله رقيب شاهد على تصرفاتكم فى التركة وغيرها، فلا يطمعنّ من بيده المال أن يأكل من نصيب أحد الورثة شيئا، سواء أكان ذكرا أم أنثى، كبيرا أم صغيرا.
وجاءت هذه الآية لمنع طمع بعض الوارثين فى بعض.
بعد أن نهى سبحانه عن أكل أموال الناس بالباطل، وعن تمنّى أحد ما فضل الله به غيرة عليه من المال، حتى لا يسوقه التمني إلى التعدي، وهو وإن كان نهيا عاما فالسياق يعين المراد منه، وهو المال، لأن أكثر التمني يتعلق به، ثم ذكر القاعدة العامة فى حيازة الثروة وهى الكسب- انتقل إلى نوع آخر تأتى به الحيازة، وهو الإرث.
الإيضاح
(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ) أي إن لكل من الرجال الذين لهم نصيب مما اكتسبوا، ومن النساء اللواتى لهن نصيب مما اكتسبن، موالى لهم حق الولاية على ما يتركون من كسبهم.
ثم بين هؤلاء الموالي فقال:
(الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) أي إن هؤلاء الموالي هم جميع الورثة من الأصول والفروع والحواشي والأزواج.
(فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أي فأعطوا هؤلاء الموالي نصيبهم المقدّر لهم ولا تنقصوهم منه شيئا.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) » أي إن الله رقيب شاهد على تصرفاتكم فى التركة وغيرها، فلا يطمعنّ من بيده المال أن يأكل من نصيب أحد الورثة شيئا، سواء أكان ذكرا أم أنثى، كبيرا أم صغيرا.
وجاءت هذه الآية لمنع طمع بعض الوارثين فى بعض.
25
[سورة النساء (٤) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥)تفسير المفردات
يقال هذا قيّم المرأة وقوّامها إذا كان يقوم بأمرها ويهتم بحفظها، وما به الفضل قسمان: فطرىّ وهو قوة مزاج الرجل وكماله فى الخلقة، ويتبع ذلك قوة العقل وصحة النظر فى مبادئ الأمور وغاياتها، وكسبىّ وهو قدرته على الكسب والتصرف فى الأمور، ومن ثم كلف الرجال بالإنفاق على النساء والقيام برياسة المنزل، والقنوت: السكون والطاعة لله وللأزواج، والحافظات للغيب: أي اللاتي يحفظن ما يغيب عن الناس، ولا يقال إلا فى الخلوة بالمرأة، وتخافون: أي تظنون، ونشزت الأرض: ارتفعت عما حواليها، ويراد بها هنا معصية الزوج والترفع عليه، والبغي: الظلم وتجاوز الحد، والشقاق: الخلاف الذي يجعل كلّا من المختلفين فى شقّ: أي جانب، وخوفه توقع حصوله بظهور أسبابه، والحكم من له حق الحكم والفصل بين الخصمين، وبعث الحكمين: إرسالهما إلى الزوجين لينظرا فى شكوى كل منهما ويتعرفا ما يرجى أن يصلح بينهما:
المعنى الجملي
لما نهى سبحانه كلّا من الرجال والنساء عن تمنى ما فضل الله به بعضهم على بعض، وأرشدهم إلى الاعتماد فى أمر الرزق على كسبهم وأمرهم أن يؤتوا الوارثين
26
أنصبتهم، وفى هذه الأنصبة يستبين تفضيل الرجال على النساء- ذكر هنا أسباب التفضيل.
الإيضاح
(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) أي إن من شأن الرجال أن يقوموا على النساء بالحماية والرعاية، وتبع هذا فرض الجهاد عليهم دونهنّ، لأن ذلك من أخص شئون الحماية، والرعاية، وتبع هذا فرض الجهاد عليهم دونهنّ، لأن ذلك من أخص شئون الحماية، وجعل حظهم من الميراث أكثر من حظهن، لأن عليهم من النفقة ما ليس عليهن.
وسبب هذا أن الله فضّل الرجال على النساء فى الخلقة، وأعطاهم ما لم يعطهن من الحول والقوة، كما فضلهم بالقدرة على الإنفاق على النساء من أموالهم، فإن فى المهور تعويضا للنساء ومكافأة لهن على الدخول تحت رياسة الرجال وقبول القيامة عليهن، نظير عوض مالىّ يأخذونه كما قال تعالى: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ».
والمراد بالقيام الرياسة التي يتصرف فيها المرءوس بإرادة الرئيس واختياره، إذ لا معنى للقيام إلا الإرشاد والمراقبة فى تنفيذ ما يرشد إليه، وملاحظة أعماله، ومن ذلك حفظ المنزل وعدم مفارقته إلا بإذنه ولو لزيارة القربى، وتقدير النفقة فيه، فهو الذي يقدرها بحسب ميسرته، والمرأة هى التي تنفذ على الوجه الذي يرضيه، ويناسب حاله سعة وضيقا.
ولقيام الرجل بحماية المرأة وكفايتها مختلف شئونها، يمكنها أن تقوم بوظيفتها الفطرية، وهى الحمل والولادة وتربية الأطفال، وهى آمنة فى سربها، مكفيّة ما يهمها من أمور أرزاقها.
ثم فصل حال النساء فى الحياة المنزلية التي تكون المرأة فيها تحت رياسة الرجل فذكر أنها قسمان، وأشار إلى معاملتها فى كل حال منهما فقال:
الإيضاح
(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) أي إن من شأن الرجال أن يقوموا على النساء بالحماية والرعاية، وتبع هذا فرض الجهاد عليهم دونهنّ، لأن ذلك من أخص شئون الحماية، والرعاية، وتبع هذا فرض الجهاد عليهم دونهنّ، لأن ذلك من أخص شئون الحماية، وجعل حظهم من الميراث أكثر من حظهن، لأن عليهم من النفقة ما ليس عليهن.
وسبب هذا أن الله فضّل الرجال على النساء فى الخلقة، وأعطاهم ما لم يعطهن من الحول والقوة، كما فضلهم بالقدرة على الإنفاق على النساء من أموالهم، فإن فى المهور تعويضا للنساء ومكافأة لهن على الدخول تحت رياسة الرجال وقبول القيامة عليهن، نظير عوض مالىّ يأخذونه كما قال تعالى: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ».
والمراد بالقيام الرياسة التي يتصرف فيها المرءوس بإرادة الرئيس واختياره، إذ لا معنى للقيام إلا الإرشاد والمراقبة فى تنفيذ ما يرشد إليه، وملاحظة أعماله، ومن ذلك حفظ المنزل وعدم مفارقته إلا بإذنه ولو لزيارة القربى، وتقدير النفقة فيه، فهو الذي يقدرها بحسب ميسرته، والمرأة هى التي تنفذ على الوجه الذي يرضيه، ويناسب حاله سعة وضيقا.
ولقيام الرجل بحماية المرأة وكفايتها مختلف شئونها، يمكنها أن تقوم بوظيفتها الفطرية، وهى الحمل والولادة وتربية الأطفال، وهى آمنة فى سربها، مكفيّة ما يهمها من أمور أرزاقها.
ثم فصل حال النساء فى الحياة المنزلية التي تكون المرأة فيها تحت رياسة الرجل فذكر أنها قسمان، وأشار إلى معاملتها فى كل حال منهما فقال:
27
(فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ) أي فالنساء الصالحات مطيعات للأزواج حافظات لما يجرى بينهن وبينهم فى الخلوة من الرفث والشئون الخاصة بالزوجية، لا يطلعن أحدا عليها ولو قريبا، وبالأولى يحفظن العرض من يد تلمس، أو عين تبصر، أو أذن تسمع.
وقوله: بما حفظ الله، أي بسبب أمر الله بحفظه، فهن يطعنه ويعصين الهوى.
وفى الآية أكبر عظة وزجر لمن تتفكه من النساء بإفشاء الأسرار الزوجية ولا تحفظ الغيب فيها.
وكذلك عليهن أن يحفظن أموال الرجال وما يتصل بها من الضياع،
روى ابن جرير والبيهقي عن أبى هريرة قال «خير النساء التي إذا نظرت إليها سرّتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك فى مالك ونفسها، وقرأ الآية»
وهذا القسم من النساء ليس للرجال عليهن سلطان التأديب، إذ لا يوجد ما يدعو إليه وإنما سلطانهم على القسم الثاني الذي ذكره الله وذكر حكمه بقوله:
(وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) أي واللاتي تأنسون منهن الترفع وتخافون ألا يقمن بحقوق الزوجية على الوجه الذي ترضونه فعليكم أن تعاملوهن على النهج الآتي:
(١) أن تبدءوا بالوعظ الذي ترون أنه يؤثر فى نفوسهن، فمن النساء من يكفيها التذكير بعقاب الله وغضبه، ومنهن من يؤثر فى أنفسهن التهديد والتحذير من سوء العاقبة فى الدنيا كشماتة الأعداء، ومنعها بعض رغباتها كالثياب والحلي ونحو ذلك، وعلى الجملة فاللبيب لا تخفى عليه العظات التي لها المحل الأرفع فى قلب امرأته.
فإن لم يجد ذلك فله أن يجرّب:
(٢) الهجر والإعراض فى المضجع، ويتحقق ذلك بهجرها فى الفراش مع الإعراض والصدّ (وقد جرت العادة بأن الاجتماع فى المضجع يهيج شعور الزوجية،
وقوله: بما حفظ الله، أي بسبب أمر الله بحفظه، فهن يطعنه ويعصين الهوى.
وفى الآية أكبر عظة وزجر لمن تتفكه من النساء بإفشاء الأسرار الزوجية ولا تحفظ الغيب فيها.
وكذلك عليهن أن يحفظن أموال الرجال وما يتصل بها من الضياع،
روى ابن جرير والبيهقي عن أبى هريرة قال «خير النساء التي إذا نظرت إليها سرّتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك فى مالك ونفسها، وقرأ الآية»
وهذا القسم من النساء ليس للرجال عليهن سلطان التأديب، إذ لا يوجد ما يدعو إليه وإنما سلطانهم على القسم الثاني الذي ذكره الله وذكر حكمه بقوله:
(وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) أي واللاتي تأنسون منهن الترفع وتخافون ألا يقمن بحقوق الزوجية على الوجه الذي ترضونه فعليكم أن تعاملوهن على النهج الآتي:
(١) أن تبدءوا بالوعظ الذي ترون أنه يؤثر فى نفوسهن، فمن النساء من يكفيها التذكير بعقاب الله وغضبه، ومنهن من يؤثر فى أنفسهن التهديد والتحذير من سوء العاقبة فى الدنيا كشماتة الأعداء، ومنعها بعض رغباتها كالثياب والحلي ونحو ذلك، وعلى الجملة فاللبيب لا تخفى عليه العظات التي لها المحل الأرفع فى قلب امرأته.
فإن لم يجد ذلك فله أن يجرّب:
(٢) الهجر والإعراض فى المضجع، ويتحقق ذلك بهجرها فى الفراش مع الإعراض والصدّ (وقد جرت العادة بأن الاجتماع فى المضجع يهيج شعور الزوجية،
28
فتسكن نفس كل من الزوجين إلى الآخر، ويزول ما كان فى نفوسهما من اضطراب أثارته الحوادث قبل ذلك).
فإذا هو فعل ذلك دعاها هذا إلى السؤال عن أسباب الهجر والهبوط بها من نشز المخالفة إلى مستوى الموافقة، فإن لم يفد ذلك فله أن يجرب:
(٣) الضرب غير المبرّح: أي غير المؤذى إيذاء شديدا كالضرب باليد أو بعصا صغيرة.
وقد روى عن مقاتل فى سبب نزول الآية أن سعد بن الربيع- وكان من النقباء- نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن أبى زهير، فلطمها فانطلق أبوها معها إلى النبي ﷺ فقال: أفرشته كريمتى فلطمها، فقال النبي ﷺ «لتقتصّ من زوجها، فانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجعوا هذا جبرائيل أتانى وأنزل الله هذه الآية فتلاها ﷺ وقال: أردنا أمرا وأراد الله أمرا، والذي أراده الله خير».
وقد يستعظم بعض من قلد الإفرنج من المسلمين مشروعية ضرب المرأة الناشز، ولا يستعظمون أن تنشز وتترفع هى عليه، فتجعله وهو الرئيس مرءوسا محتقرا وتصرّ على نشوزها، فلا تلين لوعظه ونصحه، ولا تبالي بإعراضه وهجره، فإن كان قد ثقل ذلك عليهم فليعلموا أن الإفرنج أنفسهم يضربون نساءهم العالمات المهذبات، بل فعل هذا حكماؤهم وعلماؤهم وماوكهم وأمراؤهم، فهو ضرورة لا يستغنى عنها ولا سيما فى دين عام للبدو والحضر من جميع أصناف البشر، وكيف يستنكر هذا والعقل والفطرة يدعوان إليه إذا فسدت البيئة، وغلبت الأخلاق الفاسدة، ولم ير الرجل مناصا منه ولا ترجع المرأة عن نشوزها إلا به.
لكن إذا صلحت البيئة وصارت النساء يستجبن للنصيحة، أو يزدجرن بالهجر وجب الاستغناء عنه، إذ نحن مأمورون بالرفق بالنساء واجتناب ظلمهن، وإمساكهن بمعروف أو تسريحهن بمعروف.
والأخبار التي وردت فى الوصية بالنساء كثيرة، فمن ذلك ما
رواه البخاري ومسلم
فإذا هو فعل ذلك دعاها هذا إلى السؤال عن أسباب الهجر والهبوط بها من نشز المخالفة إلى مستوى الموافقة، فإن لم يفد ذلك فله أن يجرب:
(٣) الضرب غير المبرّح: أي غير المؤذى إيذاء شديدا كالضرب باليد أو بعصا صغيرة.
وقد روى عن مقاتل فى سبب نزول الآية أن سعد بن الربيع- وكان من النقباء- نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن أبى زهير، فلطمها فانطلق أبوها معها إلى النبي ﷺ فقال: أفرشته كريمتى فلطمها، فقال النبي ﷺ «لتقتصّ من زوجها، فانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجعوا هذا جبرائيل أتانى وأنزل الله هذه الآية فتلاها ﷺ وقال: أردنا أمرا وأراد الله أمرا، والذي أراده الله خير».
وقد يستعظم بعض من قلد الإفرنج من المسلمين مشروعية ضرب المرأة الناشز، ولا يستعظمون أن تنشز وتترفع هى عليه، فتجعله وهو الرئيس مرءوسا محتقرا وتصرّ على نشوزها، فلا تلين لوعظه ونصحه، ولا تبالي بإعراضه وهجره، فإن كان قد ثقل ذلك عليهم فليعلموا أن الإفرنج أنفسهم يضربون نساءهم العالمات المهذبات، بل فعل هذا حكماؤهم وعلماؤهم وماوكهم وأمراؤهم، فهو ضرورة لا يستغنى عنها ولا سيما فى دين عام للبدو والحضر من جميع أصناف البشر، وكيف يستنكر هذا والعقل والفطرة يدعوان إليه إذا فسدت البيئة، وغلبت الأخلاق الفاسدة، ولم ير الرجل مناصا منه ولا ترجع المرأة عن نشوزها إلا به.
لكن إذا صلحت البيئة وصارت النساء يستجبن للنصيحة، أو يزدجرن بالهجر وجب الاستغناء عنه، إذ نحن مأمورون بالرفق بالنساء واجتناب ظلمهن، وإمساكهن بمعروف أو تسريحهن بمعروف.
والأخبار التي وردت فى الوصية بالنساء كثيرة، فمن ذلك ما
رواه البخاري ومسلم
29
عن عبد الله بن زمعة قال: قال رسول الله ﷺ «أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ثم يضاجعها فى آخر اليوم»
يعنى أنه إذا لم يكن بدّ للرجل من هذا الاتصال الخاص بامرأته، وهو أقوى وأحكم اجتماع يكون بين اثنين من البشر وقد قضت به الفطرة، فكيف يليق به بعدئذ أن يجعل امرأته، وهى كنفسه مهينة كمهانة عبده يضربها بسوطه أو بيده، فالرجل الكريم يأبى عليه طبعه مثل هذا الجفاء.
والخلاصة- إن الضرب علاج مرّ قد يستغنى عنه الخيّر الكريم، ولكنه لا يزول من البيوت إلا إذا عم التهذيب الرجال والنساء، وعرف كلّ ماله من الحقوق وكان للدين سلطان على النفوس يجعلها تراقب الله فى السر والعلن وتخشى أمره ونهيه.
ثم رغب فى حسن المعاملة الزوجية فقال:
(فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) أي فإن أطعنكم بواحدة من هذه الخصال التأديبية فلا تبغوا ولا تتجاوزوا ذلك إلى غيرها، فابدءوا بما بدأ الله من الوعظ، فإن لم يجد فبالهجر، فإن لم يفد فبالضرب، فإذا لم يغن فليلجأ إلى التحكيم، ومتى استقام لكم الظاهر فلا تبحثوا عما فى السرائر.
ثم هدّد وتوعد من يظلم النساء ويبغى عليهن فقال:
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) يذكّر سبحانه عباده بقدرته وكبريائه عليهم، ليتعظوا ويخشوه فى معاملتهن، فكأنه يقول لهم: إن سلطانه عليكم فوق سلطانكم على نسائكم، فإذا بغيتم عليهن عاقبكم، وإن تجاوزتم عن هفواتهن كرما تجاوز عنكم وكفر عنكم سيئاتكم:
وليس بخاف أن الرجال الذين يستذلّون نساءهم إنما يلدون عبيدا لغيرهم، إذ هم يتربون على الظلم ويستسيغونه، ولا يكون فى نفوسهم شىء من الكرامة ولا من الشمم والإباء، وأمة تخرج أبناء كهؤلاء إنما تربى عبيدا أذلاء لا يقومون بنصرتها، ولا يغارون لكرامتها، فما أحراهم بأن يكونوا قطعانا من الغنم تزدجر من كل راع وتستجيب لكل ناعق!.
يعنى أنه إذا لم يكن بدّ للرجل من هذا الاتصال الخاص بامرأته، وهو أقوى وأحكم اجتماع يكون بين اثنين من البشر وقد قضت به الفطرة، فكيف يليق به بعدئذ أن يجعل امرأته، وهى كنفسه مهينة كمهانة عبده يضربها بسوطه أو بيده، فالرجل الكريم يأبى عليه طبعه مثل هذا الجفاء.
والخلاصة- إن الضرب علاج مرّ قد يستغنى عنه الخيّر الكريم، ولكنه لا يزول من البيوت إلا إذا عم التهذيب الرجال والنساء، وعرف كلّ ماله من الحقوق وكان للدين سلطان على النفوس يجعلها تراقب الله فى السر والعلن وتخشى أمره ونهيه.
ثم رغب فى حسن المعاملة الزوجية فقال:
(فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) أي فإن أطعنكم بواحدة من هذه الخصال التأديبية فلا تبغوا ولا تتجاوزوا ذلك إلى غيرها، فابدءوا بما بدأ الله من الوعظ، فإن لم يجد فبالهجر، فإن لم يفد فبالضرب، فإذا لم يغن فليلجأ إلى التحكيم، ومتى استقام لكم الظاهر فلا تبحثوا عما فى السرائر.
ثم هدّد وتوعد من يظلم النساء ويبغى عليهن فقال:
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) يذكّر سبحانه عباده بقدرته وكبريائه عليهم، ليتعظوا ويخشوه فى معاملتهن، فكأنه يقول لهم: إن سلطانه عليكم فوق سلطانكم على نسائكم، فإذا بغيتم عليهن عاقبكم، وإن تجاوزتم عن هفواتهن كرما تجاوز عنكم وكفر عنكم سيئاتكم:
وليس بخاف أن الرجال الذين يستذلّون نساءهم إنما يلدون عبيدا لغيرهم، إذ هم يتربون على الظلم ويستسيغونه، ولا يكون فى نفوسهم شىء من الكرامة ولا من الشمم والإباء، وأمة تخرج أبناء كهؤلاء إنما تربى عبيدا أذلاء لا يقومون بنصرتها، ولا يغارون لكرامتها، فما أحراهم بأن يكونوا قطعانا من الغنم تزدجر من كل راع وتستجيب لكل ناعق!.
30
ثم بين الطريق السوىّ الذي يتبع عند حدوث النزاع وخوف الشقاق فقال:
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما) هذا الخطاب عام يدخل فيه الزوجان وأقاربهما، فإن قاموا بذلك فذاك، وإلا وجب على من بلغه أمرهما من المسلمين أن يسعى فى إصلاح ذات بينهما، والخلاف بينهما قد يكون بنشوز المرأة، وقد يكون بظلم الرجل، فإن كان بالأول فعلى الرجل أن يعالجه بأقرب أنواع التأديب التي ذكرت فى الآية التي سلفت، وإن كان بالثاني وخيف من تمادى الرجل فى ظلمه أو عجز عن إنزالها عن نشوزها وخيف أن يحول الشقاق بينهما دون إقامتها لأركان الزوجية الثلاث: من السكون والمودة والرحمة، وجب على الزوجين وذوى القربى أن يبعثوا الحكمين، وعليهم أن يوجهوا إرادتهم إلى إصلاح ذات البين، ومتى صدقت الإرادة وصحت العزيمة فالله كفيل بالتوفيق.
بفضله وجوده.
وبهذا تعلم شدة عناية الله بأحكام نظام الاسر والبيوت، وكيف لم يذكر مقابل التوفيق وهو التفريق، لأنه يبغضه ولأنه يود أن يشعر المسلمين بأنه لا ينبغى أن يقع.
ولكن وأسفا لم يعمل المسلمون بهذه الوصية الجليلة إلا قليلا حتى دبّ الفساد فى البيوت، ونخر فيها سوس العداوة والبغضاء، ففتك بالأخلاق والآداب، وسرى من الوالدين إلى الأولاد.
ثم ذكر أن ما شرع من الأحكام جاء وفق الحكمة والمصلحة لأنه من حكيم خبير بأحوال عباده فقال:
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) أي إن هذه الأحكام التي شرعت لكم كانت من لدن عليم بأحوال العباد وأخلاقهم، خبير بما يقع بينهم وبأسبابه ما ظهر منها وما بطن، ولا يخفى عليه شىء من وسائل الإصلاح بينهما.
وفى الآية إرشاد إلى أن ما يقع بين الزوجين من خلاف وإن ظنّ أنه مستعص
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما) هذا الخطاب عام يدخل فيه الزوجان وأقاربهما، فإن قاموا بذلك فذاك، وإلا وجب على من بلغه أمرهما من المسلمين أن يسعى فى إصلاح ذات بينهما، والخلاف بينهما قد يكون بنشوز المرأة، وقد يكون بظلم الرجل، فإن كان بالأول فعلى الرجل أن يعالجه بأقرب أنواع التأديب التي ذكرت فى الآية التي سلفت، وإن كان بالثاني وخيف من تمادى الرجل فى ظلمه أو عجز عن إنزالها عن نشوزها وخيف أن يحول الشقاق بينهما دون إقامتها لأركان الزوجية الثلاث: من السكون والمودة والرحمة، وجب على الزوجين وذوى القربى أن يبعثوا الحكمين، وعليهم أن يوجهوا إرادتهم إلى إصلاح ذات البين، ومتى صدقت الإرادة وصحت العزيمة فالله كفيل بالتوفيق.
بفضله وجوده.
وبهذا تعلم شدة عناية الله بأحكام نظام الاسر والبيوت، وكيف لم يذكر مقابل التوفيق وهو التفريق، لأنه يبغضه ولأنه يود أن يشعر المسلمين بأنه لا ينبغى أن يقع.
ولكن وأسفا لم يعمل المسلمون بهذه الوصية الجليلة إلا قليلا حتى دبّ الفساد فى البيوت، ونخر فيها سوس العداوة والبغضاء، ففتك بالأخلاق والآداب، وسرى من الوالدين إلى الأولاد.
ثم ذكر أن ما شرع من الأحكام جاء وفق الحكمة والمصلحة لأنه من حكيم خبير بأحوال عباده فقال:
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) أي إن هذه الأحكام التي شرعت لكم كانت من لدن عليم بأحوال العباد وأخلاقهم، خبير بما يقع بينهم وبأسبابه ما ظهر منها وما بطن، ولا يخفى عليه شىء من وسائل الإصلاح بينهما.
وفى الآية إرشاد إلى أن ما يقع بين الزوجين من خلاف وإن ظنّ أنه مستعص
31
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ
ﰣ
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ
ﰤ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ
ﰥ
ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
ﰦ
يتعذر علاجه فقد يكون فى الواقع على غير ذلك من أسباب عارضة يسهل على الحكمين الخبيرين بدخائل الزوجين لقربهما منهما أن يمحّصا ما علق من أسبابه بقلوبهما، فيزيلاها متى حسنت النية وصحت العزيمة، ولتعلم أيها المؤمن أن رابطة الزوجية أقوى الروابط التي تربط بين اثنين من البشر، فبها يشعر كل من الزوجين بشركة مادّية ومعنوية، بها يؤاخذ كل منهما شريكه على أدق الأمور وأصغرها، فيحاسبه على فلتات اللسان، وبالظّنّة والوهم، وخفايا خلجات القلب، فيغريهما ذلك بالتنازع فى كل ما يقصر فيه أحدهما من الأمور المشتركة بينهما، وما أكثرها وأعسر التوقي منها! وكثيرا ما يفضى التنازع إلى التقاطع، والعتاب إلى الكره والبغضاء، فعليك أن تكون حكيما فى معاملة الزوجة، خبيرا بطباعها، وبذا تحسن العشرة بينكما.
وقد صرح علماء الاجتماع بأن السعادة الزوجية قلما تمتع بها زوجان، وإن كانت أمنية كل الأزواج، ومن ثم اكتفوا بالمودة العملية، واجتهدوا فى تربية رجالهم ونسائهم على الاحترام المتبادل جهد المستطاع.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٣٦ الى ٣٩]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨) وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩)
وقد صرح علماء الاجتماع بأن السعادة الزوجية قلما تمتع بها زوجان، وإن كانت أمنية كل الأزواج، ومن ثم اكتفوا بالمودة العملية، واجتهدوا فى تربية رجالهم ونسائهم على الاحترام المتبادل جهد المستطاع.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٣٦ الى ٣٩]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨) وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩)
32
تفسير المفردات
عبادة الله: الخضوع له والاستشعار بتعظيمه فى السر والعلن بالقلب والجوارح، والإخلاص له بالاعتراف بوحدانيته إذ لا يقبل عملا بدونها، والإحسان إلى الوالدين:
قصد البر بهما بالقيام بخدمتهما، والسعى فى تحصيل مطالبهما، والإنفاق عليهما بقدر الاستطاعة، وعدم الخشونة فى الكلام معهما، وذى القربى: صاحب القرابة من أخ وعمّ وخال وأولاد هؤلاء، والجار ذى القربى هو الجار القريب الجوار، والجار الجنب:
هو البعيد القرابة، والصاحب بالجنب: الرفيق فى السفر أو المنقطع إليك الراجي نفعك ورفدك، وابن السبيل هو المسافر أو الضيف، ما ملكت أيمانكم: عبيدكم وإماؤكم، والمختال: ذو الخيلاء والكبر، والفخور: الذي يعدد محاسنه تعاظما وتكبرا، أعتدنا:
هيأنا وأعددنا، والمهين: ذو الإهانة والذلة، ورئاء الناس: أي للمراءاة والفخر بما فعل، والقرين: الصاحب والخليل، وماذا عليهم: أي أىّ ضرر يحيق بهم لو آمنوا وأنفقوا؟
المعنى الجملي
كان الكلام من أول السورة فى وصايا ونصائح، كابتلاء اليتامى قبل تسليمهم أموالهم، والنهى عن إيتاء الأموال للسفهاء، وعن قتل النفس، والإرشاد إلى كيفية معاملة النساء، وطرق تأديبهن تارة بالموعظة الحسنة وأخرى بالقسوة والشدة مع مراقبة الله عز وجل فى كل ذلك.
فناسب بعدئذ التذكير بحسن معاملة الخالق بالإخلاص له فى الطاعة، وحسن معاملة الطوائف المختلفة من الناس، وعدم الضن عليهم بالمال فى أوقات الشدة، مع قصد التقرب إلى الله لا لقصد الفخر والخيلاء، لأن ذاك عمل من لا يرجو ثواب الله، ولا يخشى عقابه.
الإيضاح
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) عبادة الله هى الخضوع له وتمكين هيبته وعظمته من النفس، والخشوع لسلطانه فى السر والجهر، وأمارة ذلك العمل بما به أمر، وترك ما عنه نهى، وبذا تصلح جميع الأعمال من أقوال وأفعال.
عبادة الله: الخضوع له والاستشعار بتعظيمه فى السر والعلن بالقلب والجوارح، والإخلاص له بالاعتراف بوحدانيته إذ لا يقبل عملا بدونها، والإحسان إلى الوالدين:
قصد البر بهما بالقيام بخدمتهما، والسعى فى تحصيل مطالبهما، والإنفاق عليهما بقدر الاستطاعة، وعدم الخشونة فى الكلام معهما، وذى القربى: صاحب القرابة من أخ وعمّ وخال وأولاد هؤلاء، والجار ذى القربى هو الجار القريب الجوار، والجار الجنب:
هو البعيد القرابة، والصاحب بالجنب: الرفيق فى السفر أو المنقطع إليك الراجي نفعك ورفدك، وابن السبيل هو المسافر أو الضيف، ما ملكت أيمانكم: عبيدكم وإماؤكم، والمختال: ذو الخيلاء والكبر، والفخور: الذي يعدد محاسنه تعاظما وتكبرا، أعتدنا:
هيأنا وأعددنا، والمهين: ذو الإهانة والذلة، ورئاء الناس: أي للمراءاة والفخر بما فعل، والقرين: الصاحب والخليل، وماذا عليهم: أي أىّ ضرر يحيق بهم لو آمنوا وأنفقوا؟
المعنى الجملي
كان الكلام من أول السورة فى وصايا ونصائح، كابتلاء اليتامى قبل تسليمهم أموالهم، والنهى عن إيتاء الأموال للسفهاء، وعن قتل النفس، والإرشاد إلى كيفية معاملة النساء، وطرق تأديبهن تارة بالموعظة الحسنة وأخرى بالقسوة والشدة مع مراقبة الله عز وجل فى كل ذلك.
فناسب بعدئذ التذكير بحسن معاملة الخالق بالإخلاص له فى الطاعة، وحسن معاملة الطوائف المختلفة من الناس، وعدم الضن عليهم بالمال فى أوقات الشدة، مع قصد التقرب إلى الله لا لقصد الفخر والخيلاء، لأن ذاك عمل من لا يرجو ثواب الله، ولا يخشى عقابه.
الإيضاح
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) عبادة الله هى الخضوع له وتمكين هيبته وعظمته من النفس، والخشوع لسلطانه فى السر والجهر، وأمارة ذلك العمل بما به أمر، وترك ما عنه نهى، وبذا تصلح جميع الأعمال من أقوال وأفعال.
33
والعبادة هى الخضوع لسلطة غيبية وراء الأسباب المعروفة يرجى خيرها ويخشى شرها، وهذه السلطة لا تكون لغير الله، فلا يرجى غيره ولا يخشى سواه، فمن اعتقد أن غيره يشركه فيها كان مشركا، وإذا نهى الله عن إشراك غيره معه، فلأن ينهى عن إنكار وجوده وجحد ألوهيته أولى.
والإشراك ضروب مختلفة:
منها ما ذكره سبحانه عن مشركى العرب من عبادة الأصنام باتخاذهم أولياء وشفعاء عند الله يقربون المتوسل بهم إليه ويقضون الحاجات عنده، وقد جاء ذكر هذا فى آيات كثيرة كقوله: «وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ».
ومنها ما ذكره عن النصارى من أنهم عبدوا المسيح عليه السلام، قال تعالى:
«اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ».
وأقوى أنواعه ما سماه الله دعاء واستشفاعا، وهو التوسل بغيره له وتوسيطه بينه وبين الله، ولا ينفع مع هذا صلاة ولا صوم ولا أي عبادة أخرى، وقد فشا هذا النوع بين المسلمين فتراهم يستشفعون ويقولون (يا شيخ العرب- يا سيد يا بدوي، يا سيدى إبراهيم الدسوقى) إلى غير ذلك.
ويعتذر بعض الناس لمثل هؤلاء، وغاية ما تصل إليه المعذرة أن يحولوهم من شرك جلىّ واضح إلى شرك أقل منه وضوحا، ولكنه شرك على كل حال.
وبعد أن أمر الله بعبادته وحده لا شريك له أعقبه بالوصية بالوالدين فقال:
(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي أحسنوا بهما ولا تقصّروا فى شىء مما يطلبانه، لأنهما السبب الظاهر فى وجودكم وتربيتكم بالرحمة والإخلاص، وقد فصّلت هذه الوصية فى سورة الإسراء بقوله تعالى: «وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ
والإشراك ضروب مختلفة:
منها ما ذكره سبحانه عن مشركى العرب من عبادة الأصنام باتخاذهم أولياء وشفعاء عند الله يقربون المتوسل بهم إليه ويقضون الحاجات عنده، وقد جاء ذكر هذا فى آيات كثيرة كقوله: «وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ».
ومنها ما ذكره عن النصارى من أنهم عبدوا المسيح عليه السلام، قال تعالى:
«اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ».
وأقوى أنواعه ما سماه الله دعاء واستشفاعا، وهو التوسل بغيره له وتوسيطه بينه وبين الله، ولا ينفع مع هذا صلاة ولا صوم ولا أي عبادة أخرى، وقد فشا هذا النوع بين المسلمين فتراهم يستشفعون ويقولون (يا شيخ العرب- يا سيد يا بدوي، يا سيدى إبراهيم الدسوقى) إلى غير ذلك.
ويعتذر بعض الناس لمثل هؤلاء، وغاية ما تصل إليه المعذرة أن يحولوهم من شرك جلىّ واضح إلى شرك أقل منه وضوحا، ولكنه شرك على كل حال.
وبعد أن أمر الله بعبادته وحده لا شريك له أعقبه بالوصية بالوالدين فقال:
(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي أحسنوا بهما ولا تقصّروا فى شىء مما يطلبانه، لأنهما السبب الظاهر فى وجودكم وتربيتكم بالرحمة والإخلاص، وقد فصّلت هذه الوصية فى سورة الإسراء بقوله تعالى: «وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ
34
إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً، رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً»
والخلاصة- إن العبرة بما فى نفس الولد من قصد البر والإحسان والإخلاص فيه، بشرط ألا يحدّ الوالدان من حرية الولد واستقلاله فى شئونه الشخصية أو المنزلية ولا فى الأعمال الخاصة بدينه ووطنه، فإذا أراد أحدهما الاستبداد فى شىء من ذلك، فليس من البر العمل برأيهما اتباعا لهواهما.
(وَبِذِي الْقُرْبى) أي وأحسنوا معاملة أقرب الناس إليكم بعد الوالدين، وإذا أدى المرء حقوق الله فصحت عقيدته وصلحت أعماله، وقام بحقوق الوالدين، صلح البيت وحسن حال الأسرة، وإذا صلح البيت كان قوة كبيرة، فإذا عاون أهله ذوى القربى الذين ينسبون إليهم كان لكل منهم قوة أخرى تتعاون مع هذه الأسرة، وبذا تتعاون الأمة جمعاء، وتمدّ يد المعونة لمن هو فى حاجة إليها ممن ذكروا بعد فى قوله:
(وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) لأن اليتيم قد فقد الناصر والمعين وهو الأب، وقلّما تستطيع الأم مهما اتسعت معارفها أن تقوم بتربيته تربية كاملة، فعلى القادرين أن يعاونوا فى تربيته، وإلا كان وجوده جناية على الأمة لجهله وفساد أخلاقه وكان خطرا على من يعاشرهم من لداته وجرثومة فساد بينهم.
وكذلك المساكين لا ينتظم حال المجتمع إلا بالعناية بهم وصلاح حالهم، وإلا كانوا وبالا عليه.
وهم ضربان: مسكين معذور تجب مواساته، وهو من كان سبب عدمه الضعف والعجز أو نزول آفات سماوية ذهبت بماله، ومثل هذا يجب عونه بمساعدته بالمال الذي يسدّ عوزه ويستعين به على الكسب.
والخلاصة- إن العبرة بما فى نفس الولد من قصد البر والإحسان والإخلاص فيه، بشرط ألا يحدّ الوالدان من حرية الولد واستقلاله فى شئونه الشخصية أو المنزلية ولا فى الأعمال الخاصة بدينه ووطنه، فإذا أراد أحدهما الاستبداد فى شىء من ذلك، فليس من البر العمل برأيهما اتباعا لهواهما.
(وَبِذِي الْقُرْبى) أي وأحسنوا معاملة أقرب الناس إليكم بعد الوالدين، وإذا أدى المرء حقوق الله فصحت عقيدته وصلحت أعماله، وقام بحقوق الوالدين، صلح البيت وحسن حال الأسرة، وإذا صلح البيت كان قوة كبيرة، فإذا عاون أهله ذوى القربى الذين ينسبون إليهم كان لكل منهم قوة أخرى تتعاون مع هذه الأسرة، وبذا تتعاون الأمة جمعاء، وتمدّ يد المعونة لمن هو فى حاجة إليها ممن ذكروا بعد فى قوله:
(وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) لأن اليتيم قد فقد الناصر والمعين وهو الأب، وقلّما تستطيع الأم مهما اتسعت معارفها أن تقوم بتربيته تربية كاملة، فعلى القادرين أن يعاونوا فى تربيته، وإلا كان وجوده جناية على الأمة لجهله وفساد أخلاقه وكان خطرا على من يعاشرهم من لداته وجرثومة فساد بينهم.
وكذلك المساكين لا ينتظم حال المجتمع إلا بالعناية بهم وصلاح حالهم، وإلا كانوا وبالا عليه.
وهم ضربان: مسكين معذور تجب مواساته، وهو من كان سبب عدمه الضعف والعجز أو نزول آفات سماوية ذهبت بماله، ومثل هذا يجب عونه بمساعدته بالمال الذي يسدّ عوزه ويستعين به على الكسب.
35
ومسكين غير معذور فى تقصيره، وهو من عدم المال بإسرافه وتبذيره، ومثل هذا يبذل له النصح ويدل على طرق الكسب، فإن اتعظ وقبل النصح فبها، وإلا ترك أمره إلى أولى الأمر فهم أولى بتقويم معوجّه، وإصلاح ما فسد من أخلاقه.
(وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ) الجوار ضرب من ضروب القرابة فهو قرب بالمكان والسكن، وقد يأنس الإنسان بجاره القريب أكثر مما يأنس بالنسيب، فيحسن أن يتعاون الجاران، ويكون بينهما الرحمة والإحسان، فإذا لم يحسن أحدهما إلى الآخر فلا خير فيهما لسائر الناس، وقد حث الدين على الإحسان فى معاملة الجار ولو غير مسلم فقد عاد النبي ﷺ ابن جاره اليهودي، وذبح ابن عمر شاة فجعل يقول لغلامه: أهديت لجارنا اليهودي، أهديت لجارنا اليهودي، سمعت رسول الله ﷺ يقول «ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه»
وروى الشيخان أنه ﷺ قال «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره».
وحدد الحسن البصري الجوار بأربعين جارا من كل جانب من الجوانب الأربعة، والأولى عدم التحديد بالدور وجعل الجار من تجاوره ويتراءى وجهك ووجهه فى غدوك أو رواحك إلى دارك.
وإكرام الجار من شيم العرب قبل الإسلام وزاده الإسلام توكيدا بما جاء فى الكتاب والسنة، ومن إكرامه إرسال الهدايا إليه، ودعوته إلى الطعام، وتعاهده بالزيارة والعيادة إلى نحو ذلك.
(وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) روى عن ابن عباس أنه الرفيق فى السفر والمنقطع إليك يرجو نفعك ورفدك، وقيل من صاحبته وعرفته ولو وقتا قصيرا، فيشمل صاحب الحاجة الذي يمشى بجانبك، يستشيرك أو يستعين بك.
(وَابْنِ السَّبِيلِ) هو السائح الرّحالة فى غرض صحيح غير محرم، والأمر بالإحسان إليه يتضمن الترغيب فى السياحة والإعانة عليها، ويشمل اللقيط أيضا وهو أجدر بالعناية من
(وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ) الجوار ضرب من ضروب القرابة فهو قرب بالمكان والسكن، وقد يأنس الإنسان بجاره القريب أكثر مما يأنس بالنسيب، فيحسن أن يتعاون الجاران، ويكون بينهما الرحمة والإحسان، فإذا لم يحسن أحدهما إلى الآخر فلا خير فيهما لسائر الناس، وقد حث الدين على الإحسان فى معاملة الجار ولو غير مسلم فقد عاد النبي ﷺ ابن جاره اليهودي، وذبح ابن عمر شاة فجعل يقول لغلامه: أهديت لجارنا اليهودي، أهديت لجارنا اليهودي، سمعت رسول الله ﷺ يقول «ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه»
وروى الشيخان أنه ﷺ قال «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره».
وحدد الحسن البصري الجوار بأربعين جارا من كل جانب من الجوانب الأربعة، والأولى عدم التحديد بالدور وجعل الجار من تجاوره ويتراءى وجهك ووجهه فى غدوك أو رواحك إلى دارك.
وإكرام الجار من شيم العرب قبل الإسلام وزاده الإسلام توكيدا بما جاء فى الكتاب والسنة، ومن إكرامه إرسال الهدايا إليه، ودعوته إلى الطعام، وتعاهده بالزيارة والعيادة إلى نحو ذلك.
(وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) روى عن ابن عباس أنه الرفيق فى السفر والمنقطع إليك يرجو نفعك ورفدك، وقيل من صاحبته وعرفته ولو وقتا قصيرا، فيشمل صاحب الحاجة الذي يمشى بجانبك، يستشيرك أو يستعين بك.
(وَابْنِ السَّبِيلِ) هو السائح الرّحالة فى غرض صحيح غير محرم، والأمر بالإحسان إليه يتضمن الترغيب فى السياحة والإعانة عليها، ويشمل اللقيط أيضا وهو أجدر بالعناية من
36
اليتيم وأحق بالإحسان إليه، وقد عنى الأوروبيون بجمع اللقطاء وتربيتهم وتعليمهم، ولولا ذلك لاستطار شرهم، وعمّ ضرّهم، وقد كنا أحق بهذا الإحسان منهم، لأن الله قد جعل فى أموالنا حقا معلوما للسائل والمحروم.
(وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي وأحسنوا إلى ما ملكت أيمانكم من عبيدكم وإمائكم ويشمل هذا تحريرهم وعتقهم وهو أتم الإحسان وأكمله، ومساعدتهم على شراء أنفسهم دفعة واحدة أو نجوما وأقساطا، وحسن معاملتهم فى الخدمة بألا يكلفوا ما لا يطيقون ولا يؤذون بقول ولا بفعل، وقد روى الشيخان قوله ﷺ «هم إخوانكم وخولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه».
وقد أكد النبي ﷺ الوصية بهم فى مرض موته، وكان ذلك من آخر وصاياه،
فقد روى أحمد والبيهقي من حديث أنس قال: كانت عامة وصية رسول الله ﷺ حين حضره الموت «الصلاة وما ملكت أيمانكم».
وقد أوصانا سبحانه بهؤلاء حتى لا يظن أن استرقاقهم يجيز امتهانهم ويجعلهم كالحيوانات المسخرة.
ثم ذكر ما هو علة للأمر السابق فقال:
(إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً) المختال: المتكبر الذي تظهر آثار الكبر فى حركاته وأعماله، والفخور: المتكبر الذي تظهر آثار الكبر فى أقواله، فتجده يذكر ما يرى أنه ممتاز به عن الناس زهوا بنفسه، واحتقارا لغيره.
والمختال الفخور مبغوض عند الله، لأنه احتقر جميع الحقوق التي أوجبها للناس وأوجبها لنفسه من الشعور بعظمته وكبريائه، فهو كالجاحد لصفات الألوهية التي لا تليق إلا لها.
فالمختال لا يقوم بعبادة ربه حق القيام، لأن العبادة لا تكون إلا عن خشوع للقلب، ومن خشع قلبه خشعت جوارحه، ولا يقوم بحقوق الوالدين ولا ذوى القربى،
(وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي وأحسنوا إلى ما ملكت أيمانكم من عبيدكم وإمائكم ويشمل هذا تحريرهم وعتقهم وهو أتم الإحسان وأكمله، ومساعدتهم على شراء أنفسهم دفعة واحدة أو نجوما وأقساطا، وحسن معاملتهم فى الخدمة بألا يكلفوا ما لا يطيقون ولا يؤذون بقول ولا بفعل، وقد روى الشيخان قوله ﷺ «هم إخوانكم وخولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه».
وقد أكد النبي ﷺ الوصية بهم فى مرض موته، وكان ذلك من آخر وصاياه،
فقد روى أحمد والبيهقي من حديث أنس قال: كانت عامة وصية رسول الله ﷺ حين حضره الموت «الصلاة وما ملكت أيمانكم».
وقد أوصانا سبحانه بهؤلاء حتى لا يظن أن استرقاقهم يجيز امتهانهم ويجعلهم كالحيوانات المسخرة.
ثم ذكر ما هو علة للأمر السابق فقال:
(إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً) المختال: المتكبر الذي تظهر آثار الكبر فى حركاته وأعماله، والفخور: المتكبر الذي تظهر آثار الكبر فى أقواله، فتجده يذكر ما يرى أنه ممتاز به عن الناس زهوا بنفسه، واحتقارا لغيره.
والمختال الفخور مبغوض عند الله، لأنه احتقر جميع الحقوق التي أوجبها للناس وأوجبها لنفسه من الشعور بعظمته وكبريائه، فهو كالجاحد لصفات الألوهية التي لا تليق إلا لها.
فالمختال لا يقوم بعبادة ربه حق القيام، لأن العبادة لا تكون إلا عن خشوع للقلب، ومن خشع قلبه خشعت جوارحه، ولا يقوم بحقوق الوالدين ولا ذوى القربى،
37
لأنه لا يشعر بحق لغيره عليه، وبالأولى لا يشعر بحق لليتيم أو المسكين أو لجار قريب أو بعيد، فهو لا يرجى منه برّ ولا إحسان، وإنما يتوقع منه إساءة وكفران، ومن الكبر والخيلاء إطالة الثوب وجر الذيل بطرا ومرحا، قال تعالى: «وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا».
وليس من الكبر والخيلاء أن يكون المرء وقورا فى غير غلظة، عزيز النفس مع الأدب والرقة.
روى أبو داود والترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ «لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر» فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، فقال ﷺ «إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمص الناس»
بطر الحق: رده استخفافا وترفعا، وغمص الناس احتقارهم والازدراء بهم.
ثم بين المختال الفخور فقال:
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) روى ابن اسحق وابن جرير عن ابن عباس- كان جماعة من اليهود يأتون رجالا من الأنصار يتنصحون لهم، فيقولون: لا تنفقوا أموالكم، فإنا نخشى عليكم الفقر فى ذهابها ولا تسارعوا فى النفقة، فإنكم لا تدرون ما يكون، فأنزل الله تعالى: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ إلى قوله- وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً) :
والمراد بالبخل فى الآية البخل بالإحسان الذي أمر به فيما تقدم، فيشمل البخل بلين الكلام وإلقاء السلام والنصح فى التعليم وإنقاذ المشرف على التهلكة، وكتمان ما آتاهم الله من فضله يشمل كتمان المال وكتمان العلم.
ثم بين عاقبة أمرهم وعظيم نكالهم فقال:
(وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) أي وهيأنا لهؤلاء بكبرهم وبخلهم وعدم شكرهم عذابا يهيهم ويذلهم، فهو عذاب جامع بين الألم والذلة جزاء لهم على ما اقترفوا،
وليس من الكبر والخيلاء أن يكون المرء وقورا فى غير غلظة، عزيز النفس مع الأدب والرقة.
روى أبو داود والترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ «لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر» فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، فقال ﷺ «إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمص الناس»
بطر الحق: رده استخفافا وترفعا، وغمص الناس احتقارهم والازدراء بهم.
ثم بين المختال الفخور فقال:
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) روى ابن اسحق وابن جرير عن ابن عباس- كان جماعة من اليهود يأتون رجالا من الأنصار يتنصحون لهم، فيقولون: لا تنفقوا أموالكم، فإنا نخشى عليكم الفقر فى ذهابها ولا تسارعوا فى النفقة، فإنكم لا تدرون ما يكون، فأنزل الله تعالى: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ إلى قوله- وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً) :
والمراد بالبخل فى الآية البخل بالإحسان الذي أمر به فيما تقدم، فيشمل البخل بلين الكلام وإلقاء السلام والنصح فى التعليم وإنقاذ المشرف على التهلكة، وكتمان ما آتاهم الله من فضله يشمل كتمان المال وكتمان العلم.
ثم بين عاقبة أمرهم وعظيم نكالهم فقال:
(وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) أي وهيأنا لهؤلاء بكبرهم وبخلهم وعدم شكرهم عذابا يهيهم ويذلهم، فهو عذاب جامع بين الألم والذلة جزاء لهم على ما اقترفوا،
38
وسماهم الله كفارا للإيذان بأن هذه أخلاق وأعمال لا تصدر إلا من الكفور، لا من المؤمن الشكور.
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) الرئاء والرياء والمراءاة سواء، أي إن مانعى الإحسان من أهل الفخر والخيلاء فريقان: فريق يبخلون ويكتمون فضل الله عليهم، وفريق يبذل المال لا شكرا لله على نعمه ولا اعترافا لعباده بحق، بل ينفقونها مرائين الناس: أي يقصدون أن يروهم فيعظموا قدرهم ويحمدوا فعلهم.
والكبرياء كما تكون من شىء فى نفس الشخص، تكون أيضا بما يكون له من المال والنسب، والمرائى أقل شرا من البخيل، إذ هو يحمل الناس على قبول فخره واختياله فى مقابلة ما يبذله لهم من مال، فكأنه رأى لهم عليه حقا عوضا من التعظيم والثناء الذي يطلبه بريائه، وأما البخيل فقد بلغ من احتقاره للناس أنه لا يرى لهم عليه شيئا من الحقوق، فهو يكلفهم تعظيمه، وأمواله مدّخرة فى الصناديق.
والمرائى بخيل فى الحقيقة إذ هو إنما يبذل المال لمن لا حق لهم عنده، ويبخل على أرباب الحقوق كالزوجة والولد والخادم والأقربين كالوالدين، ولا يتحرى فى إنفاقه النفع العام ولا الخاص، وإنما يتحرى مواطن التعظيم والمدح، وإن كان الإنفاق ضارا كالمساعدة على فسق أو فتنة، فهو تاجر يشترى تعظيم الناس له وتسخيرهم للقيام بخدمته.
(وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي إن المؤمنين المرائين فى إنفاقهم يثقون بما عند الناس من المدح والثناء والتعظيم والإطراء، ولا يثقون بما أعد الله لعباده من الثواب والجزاء، ويفضلون التقرب إليهم على التقرب إليه، فالله فى نظرهم أهون من الناس، فمثل هؤلاء لا يعدّون مؤمنين إيمانا حقيقيا بالله ولا باليوم الآخر، بل إيمانهم ضرب من التخيل ليس له ما يؤيده من أثر فى القلب ولا إذعان للنفس، فهم لا يعرفون الله، وإنما يسمعون الناس يقولون قولا فيقلدونهم فيما يحفظونه منهم، فهم لا يعرفون أنه موجد الكائنات النافذ علمه وقدرته فيما فى الأرض والسموات، ولو كانوا مؤمنين باليوم الآخر وأن هناك حياة أبدية لما فضلوا عليها عرض هذه الحياة القصيرة.
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) الرئاء والرياء والمراءاة سواء، أي إن مانعى الإحسان من أهل الفخر والخيلاء فريقان: فريق يبخلون ويكتمون فضل الله عليهم، وفريق يبذل المال لا شكرا لله على نعمه ولا اعترافا لعباده بحق، بل ينفقونها مرائين الناس: أي يقصدون أن يروهم فيعظموا قدرهم ويحمدوا فعلهم.
والكبرياء كما تكون من شىء فى نفس الشخص، تكون أيضا بما يكون له من المال والنسب، والمرائى أقل شرا من البخيل، إذ هو يحمل الناس على قبول فخره واختياله فى مقابلة ما يبذله لهم من مال، فكأنه رأى لهم عليه حقا عوضا من التعظيم والثناء الذي يطلبه بريائه، وأما البخيل فقد بلغ من احتقاره للناس أنه لا يرى لهم عليه شيئا من الحقوق، فهو يكلفهم تعظيمه، وأمواله مدّخرة فى الصناديق.
والمرائى بخيل فى الحقيقة إذ هو إنما يبذل المال لمن لا حق لهم عنده، ويبخل على أرباب الحقوق كالزوجة والولد والخادم والأقربين كالوالدين، ولا يتحرى فى إنفاقه النفع العام ولا الخاص، وإنما يتحرى مواطن التعظيم والمدح، وإن كان الإنفاق ضارا كالمساعدة على فسق أو فتنة، فهو تاجر يشترى تعظيم الناس له وتسخيرهم للقيام بخدمته.
(وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي إن المؤمنين المرائين فى إنفاقهم يثقون بما عند الناس من المدح والثناء والتعظيم والإطراء، ولا يثقون بما أعد الله لعباده من الثواب والجزاء، ويفضلون التقرب إليهم على التقرب إليه، فالله فى نظرهم أهون من الناس، فمثل هؤلاء لا يعدّون مؤمنين إيمانا حقيقيا بالله ولا باليوم الآخر، بل إيمانهم ضرب من التخيل ليس له ما يؤيده من أثر فى القلب ولا إذعان للنفس، فهم لا يعرفون الله، وإنما يسمعون الناس يقولون قولا فيقلدونهم فيما يحفظونه منهم، فهم لا يعرفون أنه موجد الكائنات النافذ علمه وقدرته فيما فى الأرض والسموات، ولو كانوا مؤمنين باليوم الآخر وأن هناك حياة أبدية لما فضلوا عليها عرض هذه الحياة القصيرة.
39
ومن أمارات التفرقة بين المخلص والمرائى، أن الأول قلما يتذكر عمله أو يذكره إلا لمصلحة كترغيب بعض الناس في البذل كأن يقول إنى على ما بي من فقر قد أعطيت كذا درهما فى مصلحة كذا فاللائق بمثلك أن يبذل كذا وكذا درهما.
أما الثاني فهو يلتمس الفرص والمناسبات للفخر والتبجح بما أعطى وما فعل، كما لا يبذل المال ولا يعمل العمل الصالح إلا بقصد الرياء والسمعة، إذ ليس له وراء حظوظ الدنيا أمل ولا مطلب.
(وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ، لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) أي إن هؤلاء المتكبرين ما حملهم على ما فعلوا إلا وسوسة الشيطان وهو بئس الصاحب والخليل- والمقصد من هذا أن حالهم فى الشر كحال الشيطان.
وفى الآية إيماء إلى تأثير قرناء المرء فى سيرته وأن الواجب اختيار القرين الصالح على قرين السوء، وتعريض بتنفير الأنصار من معاشرة اليهود الذين كانوا ينهونهم عن الإنفاق فى سبيل الله، وبيان أنهم شياطين يعدون الفقر وينهون عن العرف.
أما القرين الصالح فهو عون على الخير مرغّب فيه، منفر بسيرته ونصحه عن الشر مبعد عنه، مذكر بالتقصير مبصر بالعيوب، وكم أصلح القرين الصالح فاسدا، وكم أفسد قرين السوء صالحا.
(وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ؟) أي وما الذي كان يصيبهم من الضرر لو آمنوا بالله إيمانا صحيحا يظهر أثره فى العمل؟ وفى هذا الأسلوب إثارة تعجيب الناس من حالهم، إذ هم لو أخلصوا لما فاتتهم منفعة الدنيا، ولفازوا مع ذلك بسعادة العقبى.
فكثيرا ما يفوت المرائى ما يرمى إليه من التقرّب إلى الناس وامتلاك قلوبهم، ويظفر بذلك المخلص الذي لم يكن من همه أن أحدا يعرف ما عمل، فيكون الأول قد رجع بخفّى حنين، بينما الثاني فاز بسعادة الدارين فجهله جدير بأن يتعجب منه، لأنه جهل بالله وجهل بأحوال الناس، ولو آمن وأخلص ووثق بوعد الله ووعيده لكان فى هذا سعادته، فالإيمان سلوى من كل
أما الثاني فهو يلتمس الفرص والمناسبات للفخر والتبجح بما أعطى وما فعل، كما لا يبذل المال ولا يعمل العمل الصالح إلا بقصد الرياء والسمعة، إذ ليس له وراء حظوظ الدنيا أمل ولا مطلب.
(وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ، لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) أي إن هؤلاء المتكبرين ما حملهم على ما فعلوا إلا وسوسة الشيطان وهو بئس الصاحب والخليل- والمقصد من هذا أن حالهم فى الشر كحال الشيطان.
وفى الآية إيماء إلى تأثير قرناء المرء فى سيرته وأن الواجب اختيار القرين الصالح على قرين السوء، وتعريض بتنفير الأنصار من معاشرة اليهود الذين كانوا ينهونهم عن الإنفاق فى سبيل الله، وبيان أنهم شياطين يعدون الفقر وينهون عن العرف.
أما القرين الصالح فهو عون على الخير مرغّب فيه، منفر بسيرته ونصحه عن الشر مبعد عنه، مذكر بالتقصير مبصر بالعيوب، وكم أصلح القرين الصالح فاسدا، وكم أفسد قرين السوء صالحا.
(وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ؟) أي وما الذي كان يصيبهم من الضرر لو آمنوا بالله إيمانا صحيحا يظهر أثره فى العمل؟ وفى هذا الأسلوب إثارة تعجيب الناس من حالهم، إذ هم لو أخلصوا لما فاتتهم منفعة الدنيا، ولفازوا مع ذلك بسعادة العقبى.
فكثيرا ما يفوت المرائى ما يرمى إليه من التقرّب إلى الناس وامتلاك قلوبهم، ويظفر بذلك المخلص الذي لم يكن من همه أن أحدا يعرف ما عمل، فيكون الأول قد رجع بخفّى حنين، بينما الثاني فاز بسعادة الدارين فجهله جدير بأن يتعجب منه، لأنه جهل بالله وجهل بأحوال الناس، ولو آمن وأخلص ووثق بوعد الله ووعيده لكان فى هذا سعادته، فالإيمان سلوى من كل
40
فائت، وفقده عرضة لليأس من كل خير، ومن ثم يكثر الانتحار من فاقدى الإيمان.
وأما المؤمن فأقل ما يؤتاه فى المصايب الصبر الذي يخفف وقعها على النفس، وأكثره رحمة الله التي بها تتحول النقمة إلى نعمة بما يستفيد من الاختبار والتمحيص وكمال العبرة والتهذيب.
وقد يبتلى الله المؤمن ويمتحن صبره فيعطيه إيمانه من الرجاء به ما تخالط حلاوته مرارة المصيبة حتى تغلبها، وقد يأنس أحيانا بها لعظم رجائه وصبره، وهذا وإن كان نادرا فهو واقع حاصل.
(وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً) فينبغى للمؤمن أن يكتفى بعلم الله فى إنفاقه ولا يبالى بعلم الناس، فهو الذي لا ينسى عمل العاملين ولا يظلمهم من أجرهم شيئا.
وفى هذه الآيات الكريمة الهداية الكافية فى معاملة الناس لربهم ولبعضهم بعضا ولكن المسلمين قصّروا فى اتباع هذه الأوامر، وأعرضوا عن مساعدة ذوى القربى والجيران واليتامى والمساكين، والشواهد على هذا كثيرة.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤٠ الى ٤٢]
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠) فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (٤٢)
تفسير المفردات
المثقال: أصله المقدار الذي له ثقل مهما قل، ثم أطلق على المعيار المخصوص للذهب وغيره، والذرة أصغر ما يدرك من الأجسام ومن ثم قالوا إنها النملة أو رأسها أو الخردلة أو الهباء (ما يظهر فى نور الشمس الداخل من الكوّة) ولذلك روى عن ابن عباس
وأما المؤمن فأقل ما يؤتاه فى المصايب الصبر الذي يخفف وقعها على النفس، وأكثره رحمة الله التي بها تتحول النقمة إلى نعمة بما يستفيد من الاختبار والتمحيص وكمال العبرة والتهذيب.
وقد يبتلى الله المؤمن ويمتحن صبره فيعطيه إيمانه من الرجاء به ما تخالط حلاوته مرارة المصيبة حتى تغلبها، وقد يأنس أحيانا بها لعظم رجائه وصبره، وهذا وإن كان نادرا فهو واقع حاصل.
(وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً) فينبغى للمؤمن أن يكتفى بعلم الله فى إنفاقه ولا يبالى بعلم الناس، فهو الذي لا ينسى عمل العاملين ولا يظلمهم من أجرهم شيئا.
وفى هذه الآيات الكريمة الهداية الكافية فى معاملة الناس لربهم ولبعضهم بعضا ولكن المسلمين قصّروا فى اتباع هذه الأوامر، وأعرضوا عن مساعدة ذوى القربى والجيران واليتامى والمساكين، والشواهد على هذا كثيرة.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤٠ الى ٤٢]
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠) فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (٤٢)
تفسير المفردات
المثقال: أصله المقدار الذي له ثقل مهما قل، ثم أطلق على المعيار المخصوص للذهب وغيره، والذرة أصغر ما يدرك من الأجسام ومن ثم قالوا إنها النملة أو رأسها أو الخردلة أو الهباء (ما يظهر فى نور الشمس الداخل من الكوّة) ولذلك روى عن ابن عباس
41
رضي الله عنهما أنه أدخل يده فى التراب ثم نفخ فيه فقال كل واحدة من هؤلاء ذرة، والظلم: النقص كما قال تعالى: «كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً» ومن لدنه: من عنده، والحديث الكلام.
المعنى الجملي
بعد أن بيّن عز اسمه صفات المتكبرين وسوء أحوالهم وتوعدهم على ذلك بأشد أنواع الوعيد- زاد الأمر توكيدا وتشديدا فذكر أنه لا يظلم أحدا من العاملين بوصاياه لا قليلا ولا كثيرا، بل يوفيه حقه بالقسطاس المستقيم، وفى هذا أعظم الترغيب لفاعلى البر والإحسان وحفز لهممهم على العمل، وفى معنى الآية قوله: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ».
الإيضاح
(إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) أي إنه تعالى لا ينقص أحدا من أجر عمله، والجزاء عليه شيئا ما وإن صغر كذرة الهباء بل يوفيه أجره، كما لا يعاقبه بغير استحقاق للعقوبة، إذ أن الثواب والعقاب تابعان لتأثير الأعمال فى النفس بتزكيتها أو تدسيتها، فالعمل يرفعها إلى أعلى عليين أو يهبط بها إلى أسفل سافلين، ولذلك درجات ومثاقيل مقدّرة فى نفسها لا يحيط بدقائقها إلا من أحاط بكل شىء علما.
والخلاصة- إن الظلم لا يقع من الله تعالى لأنه من النقص الذي يتنزه عنه وهو ذو الكمال المطلق والفضل العظيم، وقد خلق للناس مشاعر يدركون بها ما لا يدركه الحس، وشرع لهم من أحكام الدين وآدابه ما لا تستقل عقولهم بالوصول إلى مثله فى هدايتهم وحفظ مصالحهم، وهى تسوق إلى الخير وتصرف عن الشر وأيدها بالوعد والوعيد، فمن وقع بعد ذلك فيما يضره ويؤذيه كان هو الظالم لنفسه لأن الله لا يظلم أحدا.
المعنى الجملي
بعد أن بيّن عز اسمه صفات المتكبرين وسوء أحوالهم وتوعدهم على ذلك بأشد أنواع الوعيد- زاد الأمر توكيدا وتشديدا فذكر أنه لا يظلم أحدا من العاملين بوصاياه لا قليلا ولا كثيرا، بل يوفيه حقه بالقسطاس المستقيم، وفى هذا أعظم الترغيب لفاعلى البر والإحسان وحفز لهممهم على العمل، وفى معنى الآية قوله: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ».
الإيضاح
(إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) أي إنه تعالى لا ينقص أحدا من أجر عمله، والجزاء عليه شيئا ما وإن صغر كذرة الهباء بل يوفيه أجره، كما لا يعاقبه بغير استحقاق للعقوبة، إذ أن الثواب والعقاب تابعان لتأثير الأعمال فى النفس بتزكيتها أو تدسيتها، فالعمل يرفعها إلى أعلى عليين أو يهبط بها إلى أسفل سافلين، ولذلك درجات ومثاقيل مقدّرة فى نفسها لا يحيط بدقائقها إلا من أحاط بكل شىء علما.
والخلاصة- إن الظلم لا يقع من الله تعالى لأنه من النقص الذي يتنزه عنه وهو ذو الكمال المطلق والفضل العظيم، وقد خلق للناس مشاعر يدركون بها ما لا يدركه الحس، وشرع لهم من أحكام الدين وآدابه ما لا تستقل عقولهم بالوصول إلى مثله فى هدايتهم وحفظ مصالحهم، وهى تسوق إلى الخير وتصرف عن الشر وأيدها بالوعد والوعيد، فمن وقع بعد ذلك فيما يضره ويؤذيه كان هو الظالم لنفسه لأن الله لا يظلم أحدا.
42
(وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) أي إنه تعالى مع كونه لا ينقص أحدا من أجر عمله مثقال ذرة يزيد للمحسن فى حسناته، فالسيئات جزاؤها بقدرها، والحسنات يضاعف الله تعالى جزاءها عشرة أضعاف أو أضعافا كثيرة كما قال فى آية أخرى: «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» وقال: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً».
(وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) إي إنه تعالى لواسع فضله لا يكتفى بجزاء المحسنين على إحسانهم فحسب، بل يزيدهم من فضله ويعطيهم من لدنه عطاء كبيرا، وسمى هذا العطاء أجرا ولا مقابل له من الأعمال، لأنه لما كان تابعا للأجر على العمل سمى باسمه لمجاورته له. وفى ذلك إيماء إلى أنه لا يكون لغير المحسنين، إذ هو علاوة على أجور أعمالهم، فلا مطمع للمسيئين فيه.
(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً؟) أي إذا كان الله لا يضيع من عمل العاملين مثقال ذرة، فكيف يكون الناس إذا جمعهم الله وجاء بالشهداء عليهم وهم أنبياؤهم، فما من أمة إلا لها بشير ونذير.
وهذه الشهادة عبارة عن عرض أعمال الأمم على أنبيائهم (لا فرق بين اليهود والنصارى والمسلمين) ومقابلة عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم بعقائد الأنبياء وأعمالهم وأخلاقهم، فمن شهد لهم نبيهم بأنهم على ما جاء به وما أمر الناس بالعمل به فهم ناجون ومن تبرأ منهم أنبياؤهم لمخالفة أعمالهم وعقائدهم لما جاءوا به فأولئك هم الخاسرون وإن ادّعوا اتباعهم والانتماء إليهم.
وقوله: وجئنا بك على هؤلاء شهيدا، يراد به شهادة محمد ﷺ خاتم المرسلين على أمته كما قال تعالى:
«وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» أي إن هذه الأمة بحسن سيرتها تكون شهيدة على الأمم السالفة
(وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) إي إنه تعالى لواسع فضله لا يكتفى بجزاء المحسنين على إحسانهم فحسب، بل يزيدهم من فضله ويعطيهم من لدنه عطاء كبيرا، وسمى هذا العطاء أجرا ولا مقابل له من الأعمال، لأنه لما كان تابعا للأجر على العمل سمى باسمه لمجاورته له. وفى ذلك إيماء إلى أنه لا يكون لغير المحسنين، إذ هو علاوة على أجور أعمالهم، فلا مطمع للمسيئين فيه.
(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً؟) أي إذا كان الله لا يضيع من عمل العاملين مثقال ذرة، فكيف يكون الناس إذا جمعهم الله وجاء بالشهداء عليهم وهم أنبياؤهم، فما من أمة إلا لها بشير ونذير.
وهذه الشهادة عبارة عن عرض أعمال الأمم على أنبيائهم (لا فرق بين اليهود والنصارى والمسلمين) ومقابلة عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم بعقائد الأنبياء وأعمالهم وأخلاقهم، فمن شهد لهم نبيهم بأنهم على ما جاء به وما أمر الناس بالعمل به فهم ناجون ومن تبرأ منهم أنبياؤهم لمخالفة أعمالهم وعقائدهم لما جاءوا به فأولئك هم الخاسرون وإن ادّعوا اتباعهم والانتماء إليهم.
وقوله: وجئنا بك على هؤلاء شهيدا، يراد به شهادة محمد ﷺ خاتم المرسلين على أمته كما قال تعالى:
«وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» أي إن هذه الأمة بحسن سيرتها تكون شهيدة على الأمم السالفة
43
وحجة عليها فى انحرافها عن هدى المرسلين، والرسول ﷺ بسيرته وأخلاقه الغالية وسننه المرضية يكون حجة على من تركها وتساهل فى اتباعها، وعلى من تغالى فيها وابتدع البدع المحدثة من بعده.
روى البخاري والترمذي والنسائي وغيرهم من حديث ابن مسعود أنه قال: قال لى رسول الله ﷺ «اقرأ علىّ. قلت: يا رسول الله أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال نعم أحب أن أسمعه من غيرى فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) إلخ فقال (حسبك الآن) فإذا عيناه تذرفان».
فانظر كيف اعتبر بهذه الشهادة الشهيد الأعظم ﷺ فبكى لتذكر هذا اليوم، وهل نعتبر كما اعتبر ونستعد لهول ذلك اليوم باتباع سنته ونجتهد فى اجتناب البدع والتقاليد التي لم تكن فى عهده، وبذا نكون أمة وسطا لا تفريط عندها فى الدين ولا إفراط لا فى الشؤون الجسمية ولا فى الشؤون الروحية، أو نظل فى غوايتنا تقليدا للآباء فنكون كما قال الكافرون «إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ» (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) أي إذا جاء ذلك اليوم الذي نأتى فيه بشهيد على كل أمة، يتمنى الذين كفروا وعصوا الرسول فلم يتبعوا ما جاء، أن يصيروا ترابا تسوّى بهم الأرض فيكونوا وإياها سواء كما قال فى سورة النبأَ يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً».
(وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) أي إنهم يودون لو يكونون ترابا فتسوّى بهم الأرض ولا يكونون قد كتموا الله وكذبوا أمامه على أنفسهم بإنكار شركهم وضلالهم كما قال تعالى «وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ، انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ» أي فهم حينئذ يكذبون وينكرون شركهم إما اعتقادا منهم أنّ ما كانوا عليه ليس بشرك وإنما هو استشفاع
روى البخاري والترمذي والنسائي وغيرهم من حديث ابن مسعود أنه قال: قال لى رسول الله ﷺ «اقرأ علىّ. قلت: يا رسول الله أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال نعم أحب أن أسمعه من غيرى فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) إلخ فقال (حسبك الآن) فإذا عيناه تذرفان».
فانظر كيف اعتبر بهذه الشهادة الشهيد الأعظم ﷺ فبكى لتذكر هذا اليوم، وهل نعتبر كما اعتبر ونستعد لهول ذلك اليوم باتباع سنته ونجتهد فى اجتناب البدع والتقاليد التي لم تكن فى عهده، وبذا نكون أمة وسطا لا تفريط عندها فى الدين ولا إفراط لا فى الشؤون الجسمية ولا فى الشؤون الروحية، أو نظل فى غوايتنا تقليدا للآباء فنكون كما قال الكافرون «إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ» (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) أي إذا جاء ذلك اليوم الذي نأتى فيه بشهيد على كل أمة، يتمنى الذين كفروا وعصوا الرسول فلم يتبعوا ما جاء، أن يصيروا ترابا تسوّى بهم الأرض فيكونوا وإياها سواء كما قال فى سورة النبأَ يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً».
(وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) أي إنهم يودون لو يكونون ترابا فتسوّى بهم الأرض ولا يكونون قد كتموا الله وكذبوا أمامه على أنفسهم بإنكار شركهم وضلالهم كما قال تعالى «وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ، انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ» أي فهم حينئذ يكذبون وينكرون شركهم إما اعتقادا منهم أنّ ما كانوا عليه ليس بشرك وإنما هو استشفاع
44
وتوسل وإما مكابرة وظنا أن ذلك يجديهم ويدفع عنهم العذاب، فيشهد عليهم الأنبياء المرسلون أنهم لم يكونوا متبعين لهم فيما أحدثوا من شركهم، بل كانوا مبتدعين ذلك من عند أنفسهم، فقد قاسوا ربهم على ملوكهم الظالمين وأمرائهم المستبدين الذين يتركون عقاب بعض المسيئين بشفاعة المقربين، فإذا شهدوا عليهم تمنوا لو كانوا قد سوّيت بهم الأرض وما افتروا ذلك الكذب.
[سورة النساء (٤) : آية ٤٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣)
تفسير المفردات
الغائط: المنخفض من الأرض كالوادى، وأهل البادية والقرى الصغيرة يقصدونه عند قضاء الحاجة للستر والاستخفاء عن الناس، وملامسة النساء: الإفضاء إليهن، تيمموا: اقصدوا، والصعيد: وجه الأرض، والطيب: الطاهر، العفوّ: ذو العفو، والعفو عن الذنب: محوه وجعله كأن لم يكن، والغفور: ذو المغفرة، والمغفرة: ستر الذنوب بعدم الحساب عليها.
المعنى الجملي
بعد أن وصف سبحانه الوقوف بين يديه يوم العرض والأهوال التي تؤدى إلى تمنى الكافر العدم فيقول: يا ليتنى كنت ترابا، والتي تجعله لا يستطيع أن يكتم
[سورة النساء (٤) : آية ٤٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣)
تفسير المفردات
الغائط: المنخفض من الأرض كالوادى، وأهل البادية والقرى الصغيرة يقصدونه عند قضاء الحاجة للستر والاستخفاء عن الناس، وملامسة النساء: الإفضاء إليهن، تيمموا: اقصدوا، والصعيد: وجه الأرض، والطيب: الطاهر، العفوّ: ذو العفو، والعفو عن الذنب: محوه وجعله كأن لم يكن، والغفور: ذو المغفرة، والمغفرة: ستر الذنوب بعدم الحساب عليها.
المعنى الجملي
بعد أن وصف سبحانه الوقوف بين يديه يوم العرض والأهوال التي تؤدى إلى تمنى الكافر العدم فيقول: يا ليتنى كنت ترابا، والتي تجعله لا يستطيع أن يكتم
45
الله حديثا، وذكر أنه لا ينجو فى ذلك اليوم إلا من كان طاهر القلب والجوارح بالإيمان به والطاعة لرسوله- وصف فى هذه الآية الوقوف بين يديه فى مقام الأنس، وحضرة القدس، المنجى من هول الوقوف فى ذلك اليوم، وطلب فيه استكمال القوى العقلية وتوجيهها إلى جانب العلى الأعلى بألا تكون مشغولة بذكرى غيره، طاهرة من الأنجاس والأخباث، لتكون على أتم العدّة للوقوف فى ذلك الموقف الرهيب، مستشعرة تلك العظمة والجلال والكبرياء.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) أي لا تصلّوا حال السكر حتى تعلموا قبل الشروع فيها ما ستقرءونه وما ستعملونه، ذاك أن حال السكر لا يتأتى معها الخشوع والخضوع والحضور مع الله بمناجاته بكتابه وذكره ودعائه.
وهذا الخطاب موجه إلى المسلمين قبل السكر بأن يجتنبوه إذا ظنوا أنهم سيصلّون، ليحتاطوا فيجتنبوه فى أكثر الأوقات، وقد كان هذا تمهيدا لتحريم السكر تحريما باتا لا هوادة فيه، إذ من يتقى أن يجىء عليه وقت الصلاة وهو سكران يترك الشرب عامة النهار وأول الليل لتفرّق الصلوات الخمس فى هذه المدة. فلم يبق للسكر إلا وقت النوم من بعد العشاء إلى السحر فيقلّ الشراب لمزاحمة النوم له، وأول النهار من صلاة الفجر إلى وقت الظهيرة وقت الكسب والعمل لأكثر الناس، ويقل أن يسكر فيه إلا أصحاب البطالة والكسل.
وقد ورد أنهم كانوا بعد نزولها يشربون بعد العشاء فلا يصبحون إلا وقد زال السكر وصاروا يعلمون ما يقولون.
روى أبو داود والترمذي عن على كرم الله وجهه قال «صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت منا وحضرت الصلاة فقدّمونى فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون، فنزلت الآية.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) أي لا تصلّوا حال السكر حتى تعلموا قبل الشروع فيها ما ستقرءونه وما ستعملونه، ذاك أن حال السكر لا يتأتى معها الخشوع والخضوع والحضور مع الله بمناجاته بكتابه وذكره ودعائه.
وهذا الخطاب موجه إلى المسلمين قبل السكر بأن يجتنبوه إذا ظنوا أنهم سيصلّون، ليحتاطوا فيجتنبوه فى أكثر الأوقات، وقد كان هذا تمهيدا لتحريم السكر تحريما باتا لا هوادة فيه، إذ من يتقى أن يجىء عليه وقت الصلاة وهو سكران يترك الشرب عامة النهار وأول الليل لتفرّق الصلوات الخمس فى هذه المدة. فلم يبق للسكر إلا وقت النوم من بعد العشاء إلى السحر فيقلّ الشراب لمزاحمة النوم له، وأول النهار من صلاة الفجر إلى وقت الظهيرة وقت الكسب والعمل لأكثر الناس، ويقل أن يسكر فيه إلا أصحاب البطالة والكسل.
وقد ورد أنهم كانوا بعد نزولها يشربون بعد العشاء فلا يصبحون إلا وقد زال السكر وصاروا يعلمون ما يقولون.
روى أبو داود والترمذي عن على كرم الله وجهه قال «صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت منا وحضرت الصلاة فقدّمونى فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون، فنزلت الآية.
46
وروى ابن جرير عن علىّ أن الإمام كان يومئذ عبد الرحمن وأن الصلاة صلاة المغرب- وكان ذلك قبل أن تحرّم الخمر.
ويفترق المعنى بين الأسلوبين (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) ولا تقربوا الصلاة سكارى إذ الأول يتضمن النهى عن السكر الذي يخشى أن يمتد إلى وقت الصلاة فيفضى إلى أدائها فى أثنائه وخلاصة المعنى عليه احذروا أن يكون السكر وصفا لكم عند حضور الصلاة فتصلوا وأنتم سكارى، فامتثال هذا النهى إنما يكون بترك السكر فى وقت الصلاة وفيما يقرب منها، والثاني يتضمن النهى عن الصلاة حال السكر فحسب.
وأما نهيهم عن الصلاة جنبا فلا يتضمن نهيهم عن الجنابة قبل الصلاة، لأنها من سنن الفطرة وإنما ينهاهم عن الصلاة فى أثنائها حتى يغتسلوا ولهذا قال جنبا ولم يقل وأنتم جنب.
(وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) أي ولا تقربوا الصلاة جنبا فى أي حال إلا حال كونكم عابرى سبيل: أي مجتازين الطريق،
وقد روى أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم فى المسجد وكان يصيبهم الجنابة ولا يحدون ممرّا إلا فيه فرخّص لهم فى ذلك ولم يأمر النبي ﷺ بسد تلك الأبواب والكوى إلا فى آخر عمره الشريف ولم يستثن إلا خوخة أبى بكر رضي الله عنه (الخوخة الكوّة والباب الصغير).
(حَتَّى تَغْتَسِلُوا) أي لا تقربوا الصلاة جنبا إلى أن تغتسلوا، إلا ما رخص لكم فيه من عبور السبيل فى المسجد.
وحكمة الاغتسال من الجنابة أن الجنابة تحدث تهيجا فى الأعصاب فيتأثر البدن كله ويحدث فتور وضعف فيه يزيله الاغتسال بالماء، ومن ثم
ورد فى الحديث «إنما الماء من الماء» رواه مسلم:
والخلاصة- إن الذين طلب الصلاة حال العلم والفهم وتدبر القرآن والذكر، وذلك يتوقف على الصحو وترك السكر، كما طلب أن يكون الجسم نظيفا نشيطا وذلك لا يكون إلا بإزالة الجنابة.
ويفترق المعنى بين الأسلوبين (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) ولا تقربوا الصلاة سكارى إذ الأول يتضمن النهى عن السكر الذي يخشى أن يمتد إلى وقت الصلاة فيفضى إلى أدائها فى أثنائه وخلاصة المعنى عليه احذروا أن يكون السكر وصفا لكم عند حضور الصلاة فتصلوا وأنتم سكارى، فامتثال هذا النهى إنما يكون بترك السكر فى وقت الصلاة وفيما يقرب منها، والثاني يتضمن النهى عن الصلاة حال السكر فحسب.
وأما نهيهم عن الصلاة جنبا فلا يتضمن نهيهم عن الجنابة قبل الصلاة، لأنها من سنن الفطرة وإنما ينهاهم عن الصلاة فى أثنائها حتى يغتسلوا ولهذا قال جنبا ولم يقل وأنتم جنب.
(وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) أي ولا تقربوا الصلاة جنبا فى أي حال إلا حال كونكم عابرى سبيل: أي مجتازين الطريق،
وقد روى أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم فى المسجد وكان يصيبهم الجنابة ولا يحدون ممرّا إلا فيه فرخّص لهم فى ذلك ولم يأمر النبي ﷺ بسد تلك الأبواب والكوى إلا فى آخر عمره الشريف ولم يستثن إلا خوخة أبى بكر رضي الله عنه (الخوخة الكوّة والباب الصغير).
(حَتَّى تَغْتَسِلُوا) أي لا تقربوا الصلاة جنبا إلى أن تغتسلوا، إلا ما رخص لكم فيه من عبور السبيل فى المسجد.
وحكمة الاغتسال من الجنابة أن الجنابة تحدث تهيجا فى الأعصاب فيتأثر البدن كله ويحدث فتور وضعف فيه يزيله الاغتسال بالماء، ومن ثم
ورد فى الحديث «إنما الماء من الماء» رواه مسلم:
والخلاصة- إن الذين طلب الصلاة حال العلم والفهم وتدبر القرآن والذكر، وذلك يتوقف على الصحو وترك السكر، كما طلب أن يكون الجسم نظيفا نشيطا وذلك لا يكون إلا بإزالة الجنابة.
47
ولما كانت الصلاة فريضة موقوتة لا هوادة فيها لأنها تذكّر المرء ربه وتعدّه للتقوى، وكان الاغتسال من الجنابة يتعسر فى بعض الحالات ويتعذر فى بعضها الآخر، رخص سبحانه لنا فى ترك استعمال الماء والاستعاضة عنه بالتيمم، فقال:
(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) المراد بالمرض المرض الذي يخاف زيادته باستعمال الماء كبعض الأمراض الجلدية والقروح كالحصبة والجدرىّ أو نحو ذلك، والسفر يشمل الطويل والقصير، والمراد بالمجيء من الغائط الحدث الأصغر بخروج شىء من أحد السبيلين (القبل والدبر) وملامسة النساء: غشيانهن.
ففى هذه الحالات (المرض. السفر. فقد الماء عقب الحدث الأصغر الموجب للوضوء والحدث الأكبر الموجب للغسل) اقصدوا وتحروا صعيدا طيبا: أي وجها طاهرا من الأرض لا قذارة فيه ولا أوساخ، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ثم صلّوا.
والخلاصة- إن حكم المريض والمسافر إذا أرادا الصلاة كحكم المحدث حدثا أصغر أو ملامس النساء ولم يجد الماء فعلى كل هؤلاء التيمم فقط قاله الأستاذ الإمام.
لكن المعروف فى المذاهب الأربعة أن شرط التيمم فى السفر فقد الماء فلا يجوز مع وجوده، وهذا بخلاف ظاهر الآية.
ومن تأمل فى رخص السفر التي منها قصر الصلاة وإباحة الفطر فى رمضان لا يستنكر أن يرخص للمسافر فى ترك الغسل والوضوء مع وجود الماء وهما دون الصلاة والصيام فى نظر الدين، فالمشاهد أن الوضوء والغسل يشقان على المسافر الواجد للماء فى هذا الزمان الذي سهلت فيه وسائل السفر فى السكك الحديدية والبواخر، فكيف تكون المشقة للمسافرين على ظهور الإبل فى مفاوز الحجاز وجبالها، فأشق ما يشق فى السفر الغسل والوضوء وإن كان الماء حاضرا مستغنى عنه، ففى البواخر يوجد الماء وتوجد الحمامات للاغتسال بالماء الساخن والماء البارد ولكنها خاصة بالأغنياء الذين يركبون فى الدرجة
(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) المراد بالمرض المرض الذي يخاف زيادته باستعمال الماء كبعض الأمراض الجلدية والقروح كالحصبة والجدرىّ أو نحو ذلك، والسفر يشمل الطويل والقصير، والمراد بالمجيء من الغائط الحدث الأصغر بخروج شىء من أحد السبيلين (القبل والدبر) وملامسة النساء: غشيانهن.
ففى هذه الحالات (المرض. السفر. فقد الماء عقب الحدث الأصغر الموجب للوضوء والحدث الأكبر الموجب للغسل) اقصدوا وتحروا صعيدا طيبا: أي وجها طاهرا من الأرض لا قذارة فيه ولا أوساخ، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ثم صلّوا.
والخلاصة- إن حكم المريض والمسافر إذا أرادا الصلاة كحكم المحدث حدثا أصغر أو ملامس النساء ولم يجد الماء فعلى كل هؤلاء التيمم فقط قاله الأستاذ الإمام.
لكن المعروف فى المذاهب الأربعة أن شرط التيمم فى السفر فقد الماء فلا يجوز مع وجوده، وهذا بخلاف ظاهر الآية.
ومن تأمل فى رخص السفر التي منها قصر الصلاة وإباحة الفطر فى رمضان لا يستنكر أن يرخص للمسافر فى ترك الغسل والوضوء مع وجود الماء وهما دون الصلاة والصيام فى نظر الدين، فالمشاهد أن الوضوء والغسل يشقان على المسافر الواجد للماء فى هذا الزمان الذي سهلت فيه وسائل السفر فى السكك الحديدية والبواخر، فكيف تكون المشقة للمسافرين على ظهور الإبل فى مفاوز الحجاز وجبالها، فأشق ما يشق فى السفر الغسل والوضوء وإن كان الماء حاضرا مستغنى عنه، ففى البواخر يوجد الماء وتوجد الحمامات للاغتسال بالماء الساخن والماء البارد ولكنها خاصة بالأغنياء الذين يركبون فى الدرجة
48
الأولى والثانية، وهؤلاء الأغنياء منهم من يصيبه دوار شديد يتعذر معه الاغتسال، أو خفيف يشق معه الاغتسال ولا يتعذر، فإذا كانت هذه السفن التي يوجد فيها الماء على هذه الحال يتعسر فيها الاغتسال أو يتعذر فكيف يكون الاغتسال فى قطر السكك الحديدية أو فى قوافل الجمال والبغال؟.
روى أن هذه الآية نزلت فى بعض أسفار النبي ﷺ وقد انقطع عقد لعائشة، فأقام النبي ﷺ يلتمسه والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فلما نزلت وصلّوا بالتيمم جاء أسيد بن الحضير إلى مضرب عائشة فجعل يقول ٦ ما أكثر بركتكم يا آل أبى بكر!، وفى رواية: يرحمك الله يا عائشة ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله تعالى فيه للمسلمين فرجا.
ثم ذكر منشأ السهولة واليسر فقال:
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) العفو هنا التيسير والسهولة، ومنه قوله تعالى «خُذِ الْعَفْوَ»
وقوله ﷺ «قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق»
أي أسقطتها تيسيرا عليكم، ومن عفوه وتسهيله أن أسقط فى حال المرض والسفر وجوب الوضوء والغسل.
وفى ذلك إيماء إلى أن ما كان من الخطأ فى صلاة السكارى كقولهم: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون- مغفور لهم لا يؤاخذون عليه.
قال السيد حسن صديق خان فى شرحه ل [لروضة الندية] : قد كثر الاختباط فى تفسير هذه الآية: وإن كنتم مرضى أو على سفر إلخ، والحق أن قيد عدم وجود الماء راجع إلى قوله (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) فتكون الأعذار ثلاثة:
السفر والمرض وعدم وجود الماء فى الحضر، وهذا ظاهر على قول من يقول: إن القيد إذا وقع بعد جمل متصلة كان قيدا لآخرها، وأما على قول من يقول إنه يكون قيدا للجميع إلا أن يمنع مانع فكذلك أيضا لأنه قد وجد المانع هنا من تقييد السفر والمرض بعدم وجود الماء- وهو أن كل واحد منهما عذر مستقل فى غير هذا الباب
روى أن هذه الآية نزلت فى بعض أسفار النبي ﷺ وقد انقطع عقد لعائشة، فأقام النبي ﷺ يلتمسه والناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فلما نزلت وصلّوا بالتيمم جاء أسيد بن الحضير إلى مضرب عائشة فجعل يقول ٦ ما أكثر بركتكم يا آل أبى بكر!، وفى رواية: يرحمك الله يا عائشة ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله تعالى فيه للمسلمين فرجا.
ثم ذكر منشأ السهولة واليسر فقال:
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) العفو هنا التيسير والسهولة، ومنه قوله تعالى «خُذِ الْعَفْوَ»
وقوله ﷺ «قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق»
أي أسقطتها تيسيرا عليكم، ومن عفوه وتسهيله أن أسقط فى حال المرض والسفر وجوب الوضوء والغسل.
وفى ذلك إيماء إلى أن ما كان من الخطأ فى صلاة السكارى كقولهم: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون- مغفور لهم لا يؤاخذون عليه.
قال السيد حسن صديق خان فى شرحه ل [لروضة الندية] : قد كثر الاختباط فى تفسير هذه الآية: وإن كنتم مرضى أو على سفر إلخ، والحق أن قيد عدم وجود الماء راجع إلى قوله (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) فتكون الأعذار ثلاثة:
السفر والمرض وعدم وجود الماء فى الحضر، وهذا ظاهر على قول من يقول: إن القيد إذا وقع بعد جمل متصلة كان قيدا لآخرها، وأما على قول من يقول إنه يكون قيدا للجميع إلا أن يمنع مانع فكذلك أيضا لأنه قد وجد المانع هنا من تقييد السفر والمرض بعدم وجود الماء- وهو أن كل واحد منهما عذر مستقل فى غير هذا الباب
49
كالصوم، ويؤيد هذا أحاديث التيمم التي وردت مطلقة وغير مقيدة بالحضر اه.
ومنه تعلم أن رأيه كرأى الأستاذ الإمام من أن السفر وحده عذر كاف فى التيمم وجد الماء أو لم يوجد.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (٤٥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦)
تفسير المفردات
ألم تر: أي ألم تنظر، نصيبا: حظا، السبيل: الطريق القويم، وليا: أي يتولى شؤونكم، نصيرا: معينا يدفع شرهم عنكم، من الذين هادوا: هم اليهود، غير مسمع:
يحتمل أن يكون المعنى غير مسمع مكروها، وأن يكون غير مقبول منك ولا مجاب إلى ما تدعو إليه، وراعنا: إما بمعنى ارقبنا وانظرنا نكلمك، وإما بمعنى كلمة عبرانية كانوا يتسابون بها، وهى (راعينا). ليّا بألسنتهم: أي فتلا بها وتحريفا، طعنا فى الدين:
قدحا فيه، أقوم: أعدل وأسدّ، إلا قليلا: أي إلا قليلا من الإيمان لا يعبأ به.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر الله سبحانه فى سابق الآيات كثيرا من الأحكام الشرعية ووعد فاعلها بجزيل الثواب، وأوعد تاركها بشديد العقاب، انتقل هنا إلى ذكر حال بعض الأمم
ومنه تعلم أن رأيه كرأى الأستاذ الإمام من أن السفر وحده عذر كاف فى التيمم وجد الماء أو لم يوجد.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (٤٥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦)
تفسير المفردات
ألم تر: أي ألم تنظر، نصيبا: حظا، السبيل: الطريق القويم، وليا: أي يتولى شؤونكم، نصيرا: معينا يدفع شرهم عنكم، من الذين هادوا: هم اليهود، غير مسمع:
يحتمل أن يكون المعنى غير مسمع مكروها، وأن يكون غير مقبول منك ولا مجاب إلى ما تدعو إليه، وراعنا: إما بمعنى ارقبنا وانظرنا نكلمك، وإما بمعنى كلمة عبرانية كانوا يتسابون بها، وهى (راعينا). ليّا بألسنتهم: أي فتلا بها وتحريفا، طعنا فى الدين:
قدحا فيه، أقوم: أعدل وأسدّ، إلا قليلا: أي إلا قليلا من الإيمان لا يعبأ به.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر الله سبحانه فى سابق الآيات كثيرا من الأحكام الشرعية ووعد فاعلها بجزيل الثواب، وأوعد تاركها بشديد العقاب، انتقل هنا إلى ذكر حال بعض الأمم
50
الذين تركوا أحكام دينهم وحرّفوا كتابهم واشتروا الضلالة بالهدى، لينبه الذين خوطبوا بالأحكام المتقدمة إلى أن الله مهيمن عليهم كما هيمن على من قبلهم، فإذا هم قصّروا أخذهم بالعقاب الذي رتبه على ترك أحكام دينه فى الدنيا والآخرة، والمؤمنون بالله حقا بعد أن سمعوا الوعد والوعيد المتقدمين لا بد أن يأخذوا بهذه الأحكام على الوجه الموصّل إلى إصلاح الأنفس، وذلك هو الأثر المطلوب منها، ولن يكون ذلك إلا إذا أخذت بصورها ومعانيها، لا بأخذها بصورها الظاهرة فحسب.
وقد اكتفى بعض الأمم من الدين ببعض رسومه الظاهرة فقط كبعض اليهود الذين كانوا يكتفون ببعض القرابين وأحكام الدين الظاهرة، وهذا لا يكفى فى اتباع الدين والقيام به على الوجه المصلح للنفوس كما أراده الله.
فأرشدنا سبحانه إلى أن عمل الرسوم الظاهرة فى الدين كالغسل والتيمم لا يغنى عنهم شيئا إذا لم يطهروا القلوب حتى ينالوا مرضاته ويكونوا أهلا لكرامته، ولا يكون حالهم كحال بعض من سبقهم من الأمم.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) أي ألم تنظر إلى هؤلاء الذين أعطوا طائفة من الكتاب الإلهى، كيف حرموا هدايته واستبدلوا بها ضدها، فهم يختارون الضلالة لأنفسهم ويريدون أن تضلوا أيها المؤمنون طريق الحق القويم كما ضلوا هم، فهم دائبون على الكيد لكم، ليردوكم عن دينكم إن استطاعوا.
والتعبير بالشراء دون الاختيار للإيماء إلى أنهم كانوا فرحين بما عملوا، ظانين أن الخير كل الخير فيما صنعوا، والتعبير بالنصيب يدل على أنهم لم يحفظوا كتابهم كله، إذ هم لم يستظهروه زمن التنزيل كما حفظ القرآن ولم يكتبوا منه نسخا متعددة فى العصر الأول كما فعلنا حتى إذا ما فقد بعضها قام مقامه بعض آخر، بل كان عند اليهود نسخة
وقد اكتفى بعض الأمم من الدين ببعض رسومه الظاهرة فقط كبعض اليهود الذين كانوا يكتفون ببعض القرابين وأحكام الدين الظاهرة، وهذا لا يكفى فى اتباع الدين والقيام به على الوجه المصلح للنفوس كما أراده الله.
فأرشدنا سبحانه إلى أن عمل الرسوم الظاهرة فى الدين كالغسل والتيمم لا يغنى عنهم شيئا إذا لم يطهروا القلوب حتى ينالوا مرضاته ويكونوا أهلا لكرامته، ولا يكون حالهم كحال بعض من سبقهم من الأمم.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) أي ألم تنظر إلى هؤلاء الذين أعطوا طائفة من الكتاب الإلهى، كيف حرموا هدايته واستبدلوا بها ضدها، فهم يختارون الضلالة لأنفسهم ويريدون أن تضلوا أيها المؤمنون طريق الحق القويم كما ضلوا هم، فهم دائبون على الكيد لكم، ليردوكم عن دينكم إن استطاعوا.
والتعبير بالشراء دون الاختيار للإيماء إلى أنهم كانوا فرحين بما عملوا، ظانين أن الخير كل الخير فيما صنعوا، والتعبير بالنصيب يدل على أنهم لم يحفظوا كتابهم كله، إذ هم لم يستظهروه زمن التنزيل كما حفظ القرآن ولم يكتبوا منه نسخا متعددة فى العصر الأول كما فعلنا حتى إذا ما فقد بعضها قام مقامه بعض آخر، بل كان عند اليهود نسخة
51
من التوراة هى التي كتبها موسى عليه السلام ففقدت، ويؤيد هذا قوله تعالى «فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ».
والخلاصة- إنهم لم يأخذوا الكتاب كله، بل تركوا كثيرا من أحكامه لم يعملوا بها وزادوا عليها، والزيادة فيه كالنقص منه، فالتوراة تنهاهم عن الكذب وإيذاء الناس وأكل الربا وكانوا يفعلون ذلك، وزاد لهم علماؤهم ورؤساؤهم كثيرا من الأحكام والرسوم الدينية فتمسكوا بها وهى ليست من التوراة ولا مما يعرفونه عن موسى عليه السلام.
فالذى لم يعملوا به من التوراة قسمان: أحدهما ما أضاعوه ونسوه، وثانيهما ما حفظوا حكمه وتركوا العمل به، وهو كثير أيضا.
(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) أي والله أعلم منكم بمن هم أعداؤكم فأنتم تظنون فى المنافقين أنهم منكم وما هم منكم، فهم يكيدون لكم فى الخفاء ويغشّونكم فى الجهر، فيبرزون الخديعة فى معرض النصيحة، ويظهرون لكم الولاء والرغبة والنصرة، والله أعلم بما فى قلوبهم من العداوة والبغضاء.
(وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً) فهو الذي يرشدكم إلى ما فيه خيركم وفلا حكم، وهو الذي ينصركم على أعدائكم بتوفيقكم لصالح العمل والهداية لأسباب النصر من الاجتماع والتعاون وسائر الوسائل التي تؤدى إلى القوة، فلا تطلبوا الولاية من غيره ولا النصرة من سواه، وعليكم باتباع السنن التي وضعها فى هذه الحياة، ومنها عدم الاستعانة بالأعداء الذين لا يعملون إلا لمصالحهم الخاصة كاليهود وغيرهم.
(مِنَ الَّذِينَ هادُوا) هذا بيان للمراد من الذين أوتوا الكتاب بأنهم يهود ونصارى، وقوله (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) وقوله (وَكَفى بِاللَّهِ) جملتان معترضتان بين البيان والمبيّن.
ثم بين المراد من اشترائهم الضلالة بالهدى فقال:
(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) التحريف يطلق على معنيين: أحدهما تأويل القول بحمله على غير معناه الذي وضع له، كما يؤوّلون البشارات التي وردت فى النبي ﷺ ويؤولون ما ورد فى المسيح ويحملونه على شخص آخر ولا يزالون ينتظرونه
والخلاصة- إنهم لم يأخذوا الكتاب كله، بل تركوا كثيرا من أحكامه لم يعملوا بها وزادوا عليها، والزيادة فيه كالنقص منه، فالتوراة تنهاهم عن الكذب وإيذاء الناس وأكل الربا وكانوا يفعلون ذلك، وزاد لهم علماؤهم ورؤساؤهم كثيرا من الأحكام والرسوم الدينية فتمسكوا بها وهى ليست من التوراة ولا مما يعرفونه عن موسى عليه السلام.
فالذى لم يعملوا به من التوراة قسمان: أحدهما ما أضاعوه ونسوه، وثانيهما ما حفظوا حكمه وتركوا العمل به، وهو كثير أيضا.
(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) أي والله أعلم منكم بمن هم أعداؤكم فأنتم تظنون فى المنافقين أنهم منكم وما هم منكم، فهم يكيدون لكم فى الخفاء ويغشّونكم فى الجهر، فيبرزون الخديعة فى معرض النصيحة، ويظهرون لكم الولاء والرغبة والنصرة، والله أعلم بما فى قلوبهم من العداوة والبغضاء.
(وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً) فهو الذي يرشدكم إلى ما فيه خيركم وفلا حكم، وهو الذي ينصركم على أعدائكم بتوفيقكم لصالح العمل والهداية لأسباب النصر من الاجتماع والتعاون وسائر الوسائل التي تؤدى إلى القوة، فلا تطلبوا الولاية من غيره ولا النصرة من سواه، وعليكم باتباع السنن التي وضعها فى هذه الحياة، ومنها عدم الاستعانة بالأعداء الذين لا يعملون إلا لمصالحهم الخاصة كاليهود وغيرهم.
(مِنَ الَّذِينَ هادُوا) هذا بيان للمراد من الذين أوتوا الكتاب بأنهم يهود ونصارى، وقوله (وَاللَّهُ أَعْلَمُ) وقوله (وَكَفى بِاللَّهِ) جملتان معترضتان بين البيان والمبيّن.
ثم بين المراد من اشترائهم الضلالة بالهدى فقال:
(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) التحريف يطلق على معنيين: أحدهما تأويل القول بحمله على غير معناه الذي وضع له، كما يؤوّلون البشارات التي وردت فى النبي ﷺ ويؤولون ما ورد فى المسيح ويحملونه على شخص آخر ولا يزالون ينتظرونه
52
إلى اليوم. وثانيهما أخذ كلمة أو طائفة من الكلم من موضع من الكتاب ووضعها فى موضع آخر، وقد حصل هذا فى كتب اليهود، خلطوا ما يؤثر عن موسى بما كتب بعده بزمن طويل، وكذلك ما وقع فى كلام غيره من أنبيائهم. اعترف بهذا بعض العلماء من أهل الكتاب، وقد كانوا يقصدون بهذا التحريف الإصلاح فى زعمهم، وسبب هذا النوع من التحريف أنه وجدت عندهم قراطيس متفرقة من التوراة بعد فقد النسخة التي كتبها موسى عليه السلام وأرادوا أن يؤلفوا بينها فجاء فيها ذلك الخلط بالزيادة والتكرار، كما أثبت ذلك بعض الباحثين من المسلمين كالشيخ رحمة الله الهندي فى كتابه [إظهار الحق] وأورد له من الشواهد ما لا يحصى.
(وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا) أي ويقول هؤلاء اليهود للنبى صلى الله عليه وسلم: سمعنا قولك وعصينا أمرك، وقد روى عن مجاهد أنهم قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم، سمعنا قولك ولكن لا نطيعك، وكذلك كانوا يقولون له (اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) يدعون عليه، على معنى لا أسمعك الله، فى الموضع الذي يقول فيه المتأدبون للمخاطبين «لا سمعت أذى أو لا سمعت مكروها».
وكذلك كانوا يقولون له: راعنا، وقد روى أن اليهود كانوا يتسابون بكلمة (راعينا) العبرانية فسمعوا بعض المؤمنين يقولون للنبى صلى الله عليه وسلم: راعنا من المراعاة فافترصوها، وصاروا يلوون ألسنتهم بالكلمة ويصرفونها إلى المعنى الآخر.
(لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ) أي هم يلوون ألسنتهم فيجعلونها فى الظاهر راعنا وبلىّ اللسان وإمالته (راعينا) قصدا منهم للسّباب والشتم والسخرية، أو جعله راعيا من رعاة الغنم أو من الرعونة، ومن تحريف اللسان وليّه خطابهم للنبى ﷺ وتحيته بقولهم (السام- الموت- عليكم) يوهمون بفتل اللسان وجمجته أنهم يقولون له (السلام عليكم) وقد ثبت هذا فى صحيح الأحاديث، كما
ثبت أن النبي ﷺ بعد أن علم عنهم ذلك كان يحيهم بقوله (وعليكم)
أي كل أحد يموت.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ) أي ولو أنهم
(وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا) أي ويقول هؤلاء اليهود للنبى صلى الله عليه وسلم: سمعنا قولك وعصينا أمرك، وقد روى عن مجاهد أنهم قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم، سمعنا قولك ولكن لا نطيعك، وكذلك كانوا يقولون له (اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) يدعون عليه، على معنى لا أسمعك الله، فى الموضع الذي يقول فيه المتأدبون للمخاطبين «لا سمعت أذى أو لا سمعت مكروها».
وكذلك كانوا يقولون له: راعنا، وقد روى أن اليهود كانوا يتسابون بكلمة (راعينا) العبرانية فسمعوا بعض المؤمنين يقولون للنبى صلى الله عليه وسلم: راعنا من المراعاة فافترصوها، وصاروا يلوون ألسنتهم بالكلمة ويصرفونها إلى المعنى الآخر.
(لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ) أي هم يلوون ألسنتهم فيجعلونها فى الظاهر راعنا وبلىّ اللسان وإمالته (راعينا) قصدا منهم للسّباب والشتم والسخرية، أو جعله راعيا من رعاة الغنم أو من الرعونة، ومن تحريف اللسان وليّه خطابهم للنبى ﷺ وتحيته بقولهم (السام- الموت- عليكم) يوهمون بفتل اللسان وجمجته أنهم يقولون له (السلام عليكم) وقد ثبت هذا فى صحيح الأحاديث، كما
ثبت أن النبي ﷺ بعد أن علم عنهم ذلك كان يحيهم بقوله (وعليكم)
أي كل أحد يموت.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ) أي ولو أنهم
53
قالوا سمعنا قولك وأطعنا أمرك، لعلمهم بصدقك ولوجود الأدلة والبينات المتظاهرة على ذلك، وكذلك لو قالوا: اسمع منا ما نقول وانظرنا: أي أمهلنا وانتظرنا ولا تعجل علينا حتى نتفهم عنك ما تقول، لكان ذلك خيرا لهم وأصوب مما قالوه، لما فيه من الأدب والفائدة وحسن العاقبة.
ثم بين عاقبة أمرهم فقال:
(وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ) أي ولكن خذلهم الله وأبعدهم عن الطاعة بسبب كفرهم، إذا مضت سنة الله فى البشر بأن الكفر يمنع صاحبه من التفكر والتروّى والأدب فى الخطاب، ويجعله بعيدا من الخير والرحمة، فلا يمتّ إليهما بسبب، ولا يصل إليهما برحم ولا نسب.
(فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) أي فهم لا يؤمنون إلا إيمانا قليلا لا يعتدّ به، فهو لا يصلح عملا ولا يطهر نفسا ولا يرقى عقلا، ولو كان إيمانهم بنبيهم وكتابهم إيمانا كاملا لهداهم إلى التصديق بمن جاء مصدقا لما معهم من الكتاب، وبين لهم ما نسوا منه وما حرفوا فيه، كما جاءهم بمكارم الأخلاق والنظم الكاملة فى الاجتماع والتشريع، وبما إن اتبعوه كانوا على الهدى والرشاد، وعلى الحق والسداد.
[سورة النساء (٤) : آية ٤٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (٤٧)
تفسير المفردات
الكتاب: التوراة، الطمس: إزالة الأثر بمحوه أو إخفائه كما تطمس آثار الدار وأعلام الطرق، إما بأن تنقل حجارتها، وإما بأن تسفوها الرياح، ومنه الطمس على الأموال فى قوله «رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ» أي أزلها وأهلكها، والطمس على
ثم بين عاقبة أمرهم فقال:
(وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ) أي ولكن خذلهم الله وأبعدهم عن الطاعة بسبب كفرهم، إذا مضت سنة الله فى البشر بأن الكفر يمنع صاحبه من التفكر والتروّى والأدب فى الخطاب، ويجعله بعيدا من الخير والرحمة، فلا يمتّ إليهما بسبب، ولا يصل إليهما برحم ولا نسب.
(فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) أي فهم لا يؤمنون إلا إيمانا قليلا لا يعتدّ به، فهو لا يصلح عملا ولا يطهر نفسا ولا يرقى عقلا، ولو كان إيمانهم بنبيهم وكتابهم إيمانا كاملا لهداهم إلى التصديق بمن جاء مصدقا لما معهم من الكتاب، وبين لهم ما نسوا منه وما حرفوا فيه، كما جاءهم بمكارم الأخلاق والنظم الكاملة فى الاجتماع والتشريع، وبما إن اتبعوه كانوا على الهدى والرشاد، وعلى الحق والسداد.
[سورة النساء (٤) : آية ٤٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (٤٧)
تفسير المفردات
الكتاب: التوراة، الطمس: إزالة الأثر بمحوه أو إخفائه كما تطمس آثار الدار وأعلام الطرق، إما بأن تنقل حجارتها، وإما بأن تسفوها الرياح، ومنه الطمس على الأموال فى قوله «رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ» أي أزلها وأهلكها، والطمس على
54
الأعين فى قوله «وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ» إما إزالة نورها وإما محو حدقتها، والوجه تارة يراد به الوجه المعروف، وتارة وجه النفس وهو ما تتوجه إليه من المقاصد كما قال تعالى «أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ» وقال «وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ» وقال «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً» والأدبار واحدها دبر، وهو الخلف والقفا، والارتداد: هو الرجوع إلى الوراء، إما فى الحسيات وإما فى المعاني، ومن الأول الارتداد والفرار فى القتال، ومن الثاني قوله «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ» ونلعنهم: نهلكهم، كما لعنا أصحاب السبت، أي كما أهلكنا أصحاب السبت، وقيل مسخهم الله وجعلهم قردة وخنازير كما أخرجه ابن جرير عن الحسن.
المعنى الجملي
بعد أن نعى على أهل الكتاب فى الآية السالفة اشتراءهم الضلالة بالهدى بتحريفهم بعض الكتاب وإضاعة بعضه الآخر- ألزمهم هنا بالعمل بما عرفوا وحفظوا بأن يؤمنوا بالقرآن، ذلك أن إيمانهم بالتوراة يستدعى الإيمان بما يصدّقها، وحذّرهم من مخالفة ذلك، وتوعدهم بالويل والثبور، وعظائم الأمور.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) أي أيها اليهود والنصارى آمنوا بالكتاب الذي جاء مصدقا لما معكم، من تقرير التوحيد والابتعاد عن الشرك، وما يقوّى ذلك الإيمان من ترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتلك هى أصول الدين وأركانه، والمقصد الأسمى من إرسال جميع الرسل، ولا خلاف بينهم فى ذلك، وإنما الخلاف فى التفاصيل وطرق حمل الناس عليها، وهدايتهم بها، وترقيتهم فى معارج الفلاح بحسب السنن التي وضعها الله فى ارتقاء البشر، بتعاقب الأجيال، واختلاف الأزمان.
المعنى الجملي
بعد أن نعى على أهل الكتاب فى الآية السالفة اشتراءهم الضلالة بالهدى بتحريفهم بعض الكتاب وإضاعة بعضه الآخر- ألزمهم هنا بالعمل بما عرفوا وحفظوا بأن يؤمنوا بالقرآن، ذلك أن إيمانهم بالتوراة يستدعى الإيمان بما يصدّقها، وحذّرهم من مخالفة ذلك، وتوعدهم بالويل والثبور، وعظائم الأمور.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) أي أيها اليهود والنصارى آمنوا بالكتاب الذي جاء مصدقا لما معكم، من تقرير التوحيد والابتعاد عن الشرك، وما يقوّى ذلك الإيمان من ترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتلك هى أصول الدين وأركانه، والمقصد الأسمى من إرسال جميع الرسل، ولا خلاف بينهم فى ذلك، وإنما الخلاف فى التفاصيل وطرق حمل الناس عليها، وهدايتهم بها، وترقيتهم فى معارج الفلاح بحسب السنن التي وضعها الله فى ارتقاء البشر، بتعاقب الأجيال، واختلاف الأزمان.
55
انظر إلى الحكومات المختلفة المتعاقبة تجد أن رائدها العدل، ولكن الوسائل الموصلة إليه تختلف باختلاف الأمم والبيئة والزمان والمكان، فتغيير الحاكم الجديد لبعض ما كان عليه من قبله ليس ببدع ولا مستنكر إذا كان مقصده إقامة ميزان العدل فيما بين الناس، وحينئذ يسمى مصدقا لما قبله، لا مكذبا ولا مخالفا.
والقرآن قرر نبوة داود وسليمان وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام فيما جاءوا به ووبّخ المدعين اتباعهم على إضاعتهم بعض ما جاءوا به وتحريف بعضه الآخر، وعلى عدم الاهتداء والعمل بما هو محفوظ عندهم، حتى إن أكثرهم هدموا الأسس التي جاء بها الأنبياء، ومن أعظمها التوحيد، فاتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا.
(مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) أي آمنوا قبل أن يحل بكم العقاب من طمس الوجوه والرد على الأدبار: أي من قبل أن نطمس وجوه مقاصدكم التي توجهتم بها من كيد الإسلام، ونردها خاسرة إلى الوراء بإظهار الإسلام ونصره عليكم، وقد كان لهم عند نزول الآية شىء من المكانة والقوة والعلم والمعرفة.
وجعل بعضهم الرد على الأدبار حسيا فقال: نردهم على أدبارهم بالجلاء إلى فلسطين والشام، وهى بلادهم التي جاءوا منها.
وخلاصة المعنى- آمنوا قبل أن نعمّى عليكم السبيل بما نبصّر المؤمنين بشؤونكم ونغريهم بكم، فتردّوا على أدباركم بأن يكون سعيكم إلى غير الخير لكم.
(أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) أي آمنوا قبل أن تقعوا فى الخيبة والخذلان وذهاب العزة باستيلاء المؤمنين عليكم وإجلائكم من دياركم كما حدث لطائفة منكم، أو بالهلاك كما وقع بقتل طائفة أخرى وهلاكها.
ثم هددهم وتوعدهم فقال:
(وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) المراد من الأمر الأمر التكوينىّ المعبر عنه بقوله عز من قائل «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» أي إنما أمره بإيقاع شىء ما
والقرآن قرر نبوة داود وسليمان وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام فيما جاءوا به ووبّخ المدعين اتباعهم على إضاعتهم بعض ما جاءوا به وتحريف بعضه الآخر، وعلى عدم الاهتداء والعمل بما هو محفوظ عندهم، حتى إن أكثرهم هدموا الأسس التي جاء بها الأنبياء، ومن أعظمها التوحيد، فاتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا.
(مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) أي آمنوا قبل أن يحل بكم العقاب من طمس الوجوه والرد على الأدبار: أي من قبل أن نطمس وجوه مقاصدكم التي توجهتم بها من كيد الإسلام، ونردها خاسرة إلى الوراء بإظهار الإسلام ونصره عليكم، وقد كان لهم عند نزول الآية شىء من المكانة والقوة والعلم والمعرفة.
وجعل بعضهم الرد على الأدبار حسيا فقال: نردهم على أدبارهم بالجلاء إلى فلسطين والشام، وهى بلادهم التي جاءوا منها.
وخلاصة المعنى- آمنوا قبل أن نعمّى عليكم السبيل بما نبصّر المؤمنين بشؤونكم ونغريهم بكم، فتردّوا على أدباركم بأن يكون سعيكم إلى غير الخير لكم.
(أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) أي آمنوا قبل أن تقعوا فى الخيبة والخذلان وذهاب العزة باستيلاء المؤمنين عليكم وإجلائكم من دياركم كما حدث لطائفة منكم، أو بالهلاك كما وقع بقتل طائفة أخرى وهلاكها.
ثم هددهم وتوعدهم فقال:
(وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) المراد من الأمر الأمر التكوينىّ المعبر عنه بقوله عز من قائل «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» أي إنما أمره بإيقاع شىء ما
56
نافذ لا محالة، ومن هذا ما أوعدتم به، قال ابن عباس: يريد لا رادّ لحكمه ولا ناقض لأمره، فلا يتعذر عليه شىء يريد أن يفعله، كما تقول فى الشيء الذي لا شك فى حصوله:
هذا الأمر مفعول وإن لم يفعل بعد.
والخلاصة- إنه يقول لهم: أنتم تعلمون أن وعيد الله للأمم السالفة قد وقع ولا محالة، فاحترسوا وكونوا على حذر من وعيده لكم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤٨ الى ٥٠]
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠)
تفسير المفردات
يقال افترى فلان الكذب إذا اعتمله واختلقه، وأصله من الفري بمعنى القطع، وتزكية النفس مدحها، قال تعالى «فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى» والظلم النقص، والفتيل: ما يكون فى شق نواة التمر مثل الخيط، وبه يضرب المثل فى الشيء الحقير كما يضرب بمثقال الذرة، قال الراغب: الإثم والآثام اسم للأفعال المبطّئة عن الثواب: أي عن الخيرات التي يثاب المرء عليها، وقد يطلق الإثم على ما كان ضارّا.
المعنى الجملي
بعد أن هدد سبحانه اليهود على الكفر وتوعدهم عليه بأشد الوعيد كطمس الوجوه والرد على الأدبار، ثم بين أن ذلك الوعيد واقع لا محالة بقوله: وكان أمر الله مفعولا.
ذكر هنا أن هذا الوعيد وشديد التهديد إنما هو لجريمة الكفر، فأما سائر الذنوب سواه فالله قد يغفرها ويتجاوز عن زلاتها.
هذا الأمر مفعول وإن لم يفعل بعد.
والخلاصة- إنه يقول لهم: أنتم تعلمون أن وعيد الله للأمم السالفة قد وقع ولا محالة، فاحترسوا وكونوا على حذر من وعيده لكم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤٨ الى ٥٠]
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠)
تفسير المفردات
يقال افترى فلان الكذب إذا اعتمله واختلقه، وأصله من الفري بمعنى القطع، وتزكية النفس مدحها، قال تعالى «فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى» والظلم النقص، والفتيل: ما يكون فى شق نواة التمر مثل الخيط، وبه يضرب المثل فى الشيء الحقير كما يضرب بمثقال الذرة، قال الراغب: الإثم والآثام اسم للأفعال المبطّئة عن الثواب: أي عن الخيرات التي يثاب المرء عليها، وقد يطلق الإثم على ما كان ضارّا.
المعنى الجملي
بعد أن هدد سبحانه اليهود على الكفر وتوعدهم عليه بأشد الوعيد كطمس الوجوه والرد على الأدبار، ثم بين أن ذلك الوعيد واقع لا محالة بقوله: وكان أمر الله مفعولا.
ذكر هنا أن هذا الوعيد وشديد التهديد إنما هو لجريمة الكفر، فأما سائر الذنوب سواه فالله قد يغفرها ويتجاوز عن زلاتها.
57
أخرج ابن المنذر عن أبى مجلز قال: لما نزل قوله تعالى «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» قام النبي ﷺ على المنبر فتلاها على الناس، فقام إليه رجل فقال:
والشرك بالله، فسكت، ثم قام إليه فقال يا رسول الله والشرك بالله تعالى فسكت مرتين أو ثلاثا فنزلت هذه الآية.
الإيضاح
(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الشرك بالله ضربان:
١) شرك فى الألوهية، وهو الشعور بسلطة وراء الأسباب والسنن الكونية لغير الله تعالى.
٢) شرك فى الربوبية، وهو الأخذ بشىء من أحكام الدين بالتحليل والتحريم عن بعض البشر دون الوحى، وهذا ما أشار إليه الكتاب الكريم بقوله «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ» وقد فسر النبي ﷺ اتخاذهم أربابا بطاعتهم واتباعهم فى أحكام الحلال والحرام.
وقد سرى الشرك فى الألوهية والربوبية إلى بعض المسلمين منذ قرون كثيرة.
وفى الآية إيماء إلى تسمية أهل الكتاب بالمشركين، وكأنه يقول لهم: لا يغرّنكم انتماؤكم إلى الكتب والأنبياء، وقد هدمتم أساس الدين بالشرك الذي لا يغفره الله بحال.
والحكمة فى عدم مغفرة الشرك أن الدين إنما شرع لتزكية النفوس وتطهير الأرواح وترقية العقول، والشرك ينافى كل هذا، لأنه منتهى ما تهبط إليه العقول، ومنه تتولد سائر الرذائل التي تفسد الأفراد والجماعات، فبه يرفعون من دونهم أو من هم مثلهم إلى مرتبة التقديس والخضوع لهم، باعتبار أن السلطة العليا بأيديهم، وأن إرضاءهم وطاعتهم هو إرضاء لله وطاعة له.
والشرك بالله، فسكت، ثم قام إليه فقال يا رسول الله والشرك بالله تعالى فسكت مرتين أو ثلاثا فنزلت هذه الآية.
الإيضاح
(إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الشرك بالله ضربان:
١) شرك فى الألوهية، وهو الشعور بسلطة وراء الأسباب والسنن الكونية لغير الله تعالى.
٢) شرك فى الربوبية، وهو الأخذ بشىء من أحكام الدين بالتحليل والتحريم عن بعض البشر دون الوحى، وهذا ما أشار إليه الكتاب الكريم بقوله «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ» وقد فسر النبي ﷺ اتخاذهم أربابا بطاعتهم واتباعهم فى أحكام الحلال والحرام.
وقد سرى الشرك فى الألوهية والربوبية إلى بعض المسلمين منذ قرون كثيرة.
وفى الآية إيماء إلى تسمية أهل الكتاب بالمشركين، وكأنه يقول لهم: لا يغرّنكم انتماؤكم إلى الكتب والأنبياء، وقد هدمتم أساس الدين بالشرك الذي لا يغفره الله بحال.
والحكمة فى عدم مغفرة الشرك أن الدين إنما شرع لتزكية النفوس وتطهير الأرواح وترقية العقول، والشرك ينافى كل هذا، لأنه منتهى ما تهبط إليه العقول، ومنه تتولد سائر الرذائل التي تفسد الأفراد والجماعات، فبه يرفعون من دونهم أو من هم مثلهم إلى مرتبة التقديس والخضوع لهم، باعتبار أن السلطة العليا بأيديهم، وأن إرضاءهم وطاعتهم هو إرضاء لله وطاعة له.
58
وبالتوحيد يعتق المرء من رق العبودية لأحد من البشر أو لشىء من الأشياء السماوية أو الأرضية، ويكون حرا كريما لا يخضع إلا لمن خضعت لسننه الكائنات، بما أقامه من ربط الأسباب بالمسببات.
والخلاصة- إن أرواح الموحدين تكون راقية لا تهبط بها الذنوب إلى الحضيض الذي تهوى إليه أرواح المشركين، إذ مهما عمل المشرك من الطيبات، فإن روحه تبقى مظلمة بالعبودية والخضوع لغير الله، ومهما أذنب الموحدون، فإن ذنوبهم لا تحيط بأرواحهم، إذ خيرهم يغلب شرهم، ولا يبعد بهم الأمد وهم فى غفلة عن ربهم كما قال تعالى «إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» فهم يسرعون إلى التوبة ويتبعون السيئة بالحسنة حتى يذهب أثرها من النفس، وذلك هو غفرانها.
(وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) أي ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء من عباده الذين أذنبوا، ومشيئة الله تعالى تكون وفق حكمته، وعلى مقتضى سنته فى خليقته، وقد جرت سنته بألا يغفر الذنوب التي لا يتوب صاحبها، ولا يتبعها بالحسنات التي تزيل آثارها من نفس فاعلها.
وقصارى ذلك- إن الشرك لإفساده للنفوس يترتب عليه العقاب حتما فى الدنيا والآخرة، وما عداه لا يصل إلى درجته فى إفساد النفوس، فمغفرته ممكنة تتعلق بها المشيئة الإلهية، فمنه ما يكون تأثيره السيء فى النفوس قويا، ومنه ما يكون ضعيفا يغفر بالتأثير بصالح العمل.
(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) أي ومن يجعل لغير الله شركة مع الله قيّوم السموات والأرض- سواء أكانت الشركة بالإيجاد أو بالتحليل والتحريم- فقد اخترع ذنبا عظيم الضرر، تستصغر فى جنب عظمته جميع الذنوب والآثام، فهو جدير بألا يغفر، وما دونه قد يمحى بالغفران.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) أي انظر واعجب من الذين يدّعون أنهم أزكياء
والخلاصة- إن أرواح الموحدين تكون راقية لا تهبط بها الذنوب إلى الحضيض الذي تهوى إليه أرواح المشركين، إذ مهما عمل المشرك من الطيبات، فإن روحه تبقى مظلمة بالعبودية والخضوع لغير الله، ومهما أذنب الموحدون، فإن ذنوبهم لا تحيط بأرواحهم، إذ خيرهم يغلب شرهم، ولا يبعد بهم الأمد وهم فى غفلة عن ربهم كما قال تعالى «إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» فهم يسرعون إلى التوبة ويتبعون السيئة بالحسنة حتى يذهب أثرها من النفس، وذلك هو غفرانها.
(وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) أي ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء من عباده الذين أذنبوا، ومشيئة الله تعالى تكون وفق حكمته، وعلى مقتضى سنته فى خليقته، وقد جرت سنته بألا يغفر الذنوب التي لا يتوب صاحبها، ولا يتبعها بالحسنات التي تزيل آثارها من نفس فاعلها.
وقصارى ذلك- إن الشرك لإفساده للنفوس يترتب عليه العقاب حتما فى الدنيا والآخرة، وما عداه لا يصل إلى درجته فى إفساد النفوس، فمغفرته ممكنة تتعلق بها المشيئة الإلهية، فمنه ما يكون تأثيره السيء فى النفوس قويا، ومنه ما يكون ضعيفا يغفر بالتأثير بصالح العمل.
(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) أي ومن يجعل لغير الله شركة مع الله قيّوم السموات والأرض- سواء أكانت الشركة بالإيجاد أو بالتحليل والتحريم- فقد اخترع ذنبا عظيم الضرر، تستصغر فى جنب عظمته جميع الذنوب والآثام، فهو جدير بألا يغفر، وما دونه قد يمحى بالغفران.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) أي انظر واعجب من الذين يدّعون أنهم أزكياء
59
بررة عند الله، مع ما هم عليه من الكفر وعظيم الذنب، زعما منهم أن الله يكفر لهم ذنوبهم التي عملوها، والله لا يغفر لكافر شيئا من كفره ومعاصيه.
وتزكية النفس تارة تكون بالعمل الذي يجعلها زاكية طاهرة كثيرة الخير والبركة بتنمية فضائلها وكمالاتها، ولا يكون ذلك إلا بابتعادها عن الشرور والآثام التي تعوقها عن الخير وهذه التزكية محمودة، وهى التي عناها الله سبحانه بقوله: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها».
وتارة تكون بالقول بادعاء الكمال والزكاة، وقد اتفق العقلاء على استهجان تزكية المرء نفسه بالقول ولو حقا، ومصدر هذه التزكية الجهل والغرور، ومن آثاره السيئة الاستكبار عن قبول الحق، والانتفاع بالنصح.
روى ابن جرير عن الحسن أن الآية نزلت فى اليهود والنصارى حيث قالوا «نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ» وقالوا «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى» وقالت اليهود «لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً» وروى عن السدى أنه قال:
نزلت فى اليهود حيث قالوا: إنا نعلم أبناءنا التوراة صغارا فلا تكون لهم ذنوب، وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا، ما عملنا بالنهار كفّر عنا بالليل.
وقد رد الله عليهم دعواهم الزكاة والطهارة فقال:
(بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) أي لا عبرة بتزكيتكم أنفسكم بأن تقولوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وبأنكم لا تعذبون فى النار، لأنكم شعب الله المختار، وتتفاخروا بنسبكم وبدينكم، بل الله يزكى من يشاء من عباده، من أي شعب كان، ومن أي قبيلة كانت، فيهديهم إلى صحيح العقائد، وفاضل الآداب، وصالح الأعمال.
(وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) أي ولا ينقص الله هؤلاء الذين يزكون أنفسهم شيئا من الجزاء على أعمالهم.
فخذلانهم فى الدنيا بالعبودية لغيرهم، وفى الآخرة بالعذاب والحرمان من النعيم والثواب، ما كان بظلم من الله عز اسمه، بل كان بنقصان درجات أعمالهم، وعجزها
وتزكية النفس تارة تكون بالعمل الذي يجعلها زاكية طاهرة كثيرة الخير والبركة بتنمية فضائلها وكمالاتها، ولا يكون ذلك إلا بابتعادها عن الشرور والآثام التي تعوقها عن الخير وهذه التزكية محمودة، وهى التي عناها الله سبحانه بقوله: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها».
وتارة تكون بالقول بادعاء الكمال والزكاة، وقد اتفق العقلاء على استهجان تزكية المرء نفسه بالقول ولو حقا، ومصدر هذه التزكية الجهل والغرور، ومن آثاره السيئة الاستكبار عن قبول الحق، والانتفاع بالنصح.
روى ابن جرير عن الحسن أن الآية نزلت فى اليهود والنصارى حيث قالوا «نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ» وقالوا «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى» وقالت اليهود «لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً» وروى عن السدى أنه قال:
نزلت فى اليهود حيث قالوا: إنا نعلم أبناءنا التوراة صغارا فلا تكون لهم ذنوب، وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا، ما عملنا بالنهار كفّر عنا بالليل.
وقد رد الله عليهم دعواهم الزكاة والطهارة فقال:
(بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) أي لا عبرة بتزكيتكم أنفسكم بأن تقولوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وبأنكم لا تعذبون فى النار، لأنكم شعب الله المختار، وتتفاخروا بنسبكم وبدينكم، بل الله يزكى من يشاء من عباده، من أي شعب كان، ومن أي قبيلة كانت، فيهديهم إلى صحيح العقائد، وفاضل الآداب، وصالح الأعمال.
(وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) أي ولا ينقص الله هؤلاء الذين يزكون أنفسهم شيئا من الجزاء على أعمالهم.
فخذلانهم فى الدنيا بالعبودية لغيرهم، وفى الآخرة بالعذاب والحرمان من النعيم والثواب، ما كان بظلم من الله عز اسمه، بل كان بنقصان درجات أعمالهم، وعجزها
60
عن الصعود بأرواحهم إلى مستوى الرفعة والكرامة، لتزكيتهم إياها بالقول الباطل دون الفعل، فلم تصل بهم نفوسهم إلى مراتب الفوز والفلاح.
وفى الآية موضعان من العبرة:
١) أن الله يجزى عامل الخير بعمله ولو مشركا، لأن لعمله أثرا فى نفسه يكون مناط.
الجزاء، فيخفف عذابه عن عذاب غيره كما ورد فى الأحاديث، إن بعض المشركين يخفف عنهم العذاب بعمل لهم، فحاتم الطائي بكرمه، وأبو طالب بكفالته النبي ﷺ ونصره إياه، وأبو لهب لعتقه جاريته ثوبة حين بشرته بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.
٢) أن يحذر المسلمون الغرور بدينهم كما كان أهل الكتاب فى عصر التنزيل وما له، وأن يبتعدوا عن تزكية أنفسهم بالقول، واحتقار من عداهم من المشركين، وأن يعلموا أن الله لا يحابى فى نظم الخليقة أحدا لا مسلما ولا يهوديا ولا نصرانيا، ألا ترى أن خاتم النبيين قد شجّ رأسه، وكسرت سنّه، وردّى فى حفرة من جراء تقصير عسكره فيما يجب من اتباع أمر القائد وعدم مخالفته، وأن يهتدوا بكتاب الله وبسنته فى الأمم، وأن يتركوا وساوس الدجالين الذين يصرفونهم عن الاهتداء بهدى كتابهم، ويشغلونهم بما لم ينزل الله به عليهم سلطانا، فإنه ما زال ملكهم وما ذهب عزهم إلا بتركهم لهدى دينهم، واتباعهم لأولئك الدجالين والمشعوذين.
ثم أكد التعجيب من حالهم الذي فهم من الآية السابقة فقال:
(انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) أي انظر كيف يكذبون على الله بتزكية أنفسهم وزعمهم أن الله يعاملهم معاملة خاصة بهم، لا كما يعامل سائر عباده.
(وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً) أي إن تزكية النفس، والغرور بالدين والجنس، مما يبطّىء عن نافع العمل الذي يثاب عليه الناس، وكفى بهذا إثما ظاهرا، لأنه لا أثر له من حق، ولا سمة عليه من صواب، فالله لا يعامل شعبا معاملة خاصة تغاير سننه التي وضعها فى الخليقة، وما مصدر هذه الدعوى إلا الغرور والجهل، وكفى بذلك شرا مستطيرا.
وفى الآية موضعان من العبرة:
١) أن الله يجزى عامل الخير بعمله ولو مشركا، لأن لعمله أثرا فى نفسه يكون مناط.
الجزاء، فيخفف عذابه عن عذاب غيره كما ورد فى الأحاديث، إن بعض المشركين يخفف عنهم العذاب بعمل لهم، فحاتم الطائي بكرمه، وأبو طالب بكفالته النبي ﷺ ونصره إياه، وأبو لهب لعتقه جاريته ثوبة حين بشرته بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.
٢) أن يحذر المسلمون الغرور بدينهم كما كان أهل الكتاب فى عصر التنزيل وما له، وأن يبتعدوا عن تزكية أنفسهم بالقول، واحتقار من عداهم من المشركين، وأن يعلموا أن الله لا يحابى فى نظم الخليقة أحدا لا مسلما ولا يهوديا ولا نصرانيا، ألا ترى أن خاتم النبيين قد شجّ رأسه، وكسرت سنّه، وردّى فى حفرة من جراء تقصير عسكره فيما يجب من اتباع أمر القائد وعدم مخالفته، وأن يهتدوا بكتاب الله وبسنته فى الأمم، وأن يتركوا وساوس الدجالين الذين يصرفونهم عن الاهتداء بهدى كتابهم، ويشغلونهم بما لم ينزل الله به عليهم سلطانا، فإنه ما زال ملكهم وما ذهب عزهم إلا بتركهم لهدى دينهم، واتباعهم لأولئك الدجالين والمشعوذين.
ثم أكد التعجيب من حالهم الذي فهم من الآية السابقة فقال:
(انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) أي انظر كيف يكذبون على الله بتزكية أنفسهم وزعمهم أن الله يعاملهم معاملة خاصة بهم، لا كما يعامل سائر عباده.
(وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً) أي إن تزكية النفس، والغرور بالدين والجنس، مما يبطّىء عن نافع العمل الذي يثاب عليه الناس، وكفى بهذا إثما ظاهرا، لأنه لا أثر له من حق، ولا سمة عليه من صواب، فالله لا يعامل شعبا معاملة خاصة تغاير سننه التي وضعها فى الخليقة، وما مصدر هذه الدعوى إلا الغرور والجهل، وكفى بذلك شرا مستطيرا.
61
[سورة النساء (٤) : الآيات ٥١ الى ٥٥]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥)تفسير المفردات
الجبت: أصله الجبس، وهو الرديء الذي لا خير فيه، ويراد به هنا الأوهام والخرافات والدّجل، والطاغوت ما تكون عبادته والإيمان به سببا للطغيان والخروج من الحق، من مخلوق يعبد، ورئيس يقلّد، وهوى يتّبع، وروى عن عمر ومجاهد أنه الشيطان، والنقير: النقرة التي فى ظهر النواة، ومنها تنبت النخلة يضرب بها المثل فى الشيء الحقير التافه، كما يضرب المثل بالقطمير وهو القشرة الرقيقة التي على النواة بينها وبين التمرة، والحسد تمنى زوال النعمة عن صاحبها المستحق لها، والناس هنا محمد ﷺ ومن آمن معه، والفضل النبوة والكرامة فى الدين والدنيا، والكتاب العلم بظاهر الشريعة، والحكمة العلم بالأسرار المودعة فيها، والملك العظيم ما كان لأنبياء بنى إسرائيل كداود وسليمان عليهما السلام، وصدّ عن الشيء: أعرض عنه، ونار مسعرة: موقدة، ويقال أوقدت النار وأسعرتها.
62
المعنى الجملي
أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال: كان الذين حزّبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبنى قريظة، هم حيّ بن أخطب، وسلّام بن أبى الحقيق، وأبو عمارة، وهوذة بن قيس، وباقيهم من بنى النّضير، فلما قدموا على قريش قالوا هؤلاء أحبار اليهود وأهل العلم بالكتب الأولى، فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم فقالوا دينكم خير من دينه، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه، فأنزل الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ- إلى قوله- مُلْكاً عَظِيماً) قاله السيوطي فى لباب النقول.
وقد تكون هذه الآيات نزلت بعد غزوة الأحزاب أو فى أثنائها، إذ نقض اليهود عهد النبي ﷺ واتفقوا مع المشركين على استئصال شأفة المسلمين حتى لا يظهروا عليهم، ومن ثم فضلوهم على المؤمنين، كما أن هذا التفضيل ربما كان عند النداء بالنفير للحرب.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ؟) أي ألم تنظر إلى حال هؤلاء الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، كيف حرموا هدايته وهداية العقل والفطرة، وآمنوا بالدجل والخرافات، وصدقوا بالأصنام والأوثان، ونصروا أهلها من المشركين على المؤمنين المصدقين بنبوة أنبيائهم والمعترفين بحقية كتبهم؟.
(وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) أي ويقولون إن المشركين أرشد طريقة فى الدين من المؤمنين الذين اتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم.
قال ابن جرير: إن الله وصف الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من اليهود بتعظيمهم غير الله بالعبادة، والإذعان له بالطاعة فى الكفر بالله ورسوله ومعصيتهما، وأنهم قالوا إن أهل الكفر بالله أولى بالحق من أهل الإيمان به، وأن دين أهل التكذيب لله ورسوله أعدل وأصوب من دين أهل التصديق لله ورسوله اه.
أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس قال: كان الذين حزّبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبنى قريظة، هم حيّ بن أخطب، وسلّام بن أبى الحقيق، وأبو عمارة، وهوذة بن قيس، وباقيهم من بنى النّضير، فلما قدموا على قريش قالوا هؤلاء أحبار اليهود وأهل العلم بالكتب الأولى، فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم فقالوا دينكم خير من دينه، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه، فأنزل الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ- إلى قوله- مُلْكاً عَظِيماً) قاله السيوطي فى لباب النقول.
وقد تكون هذه الآيات نزلت بعد غزوة الأحزاب أو فى أثنائها، إذ نقض اليهود عهد النبي ﷺ واتفقوا مع المشركين على استئصال شأفة المسلمين حتى لا يظهروا عليهم، ومن ثم فضلوهم على المؤمنين، كما أن هذا التفضيل ربما كان عند النداء بالنفير للحرب.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ؟) أي ألم تنظر إلى حال هؤلاء الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، كيف حرموا هدايته وهداية العقل والفطرة، وآمنوا بالدجل والخرافات، وصدقوا بالأصنام والأوثان، ونصروا أهلها من المشركين على المؤمنين المصدقين بنبوة أنبيائهم والمعترفين بحقية كتبهم؟.
(وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) أي ويقولون إن المشركين أرشد طريقة فى الدين من المؤمنين الذين اتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم.
قال ابن جرير: إن الله وصف الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من اليهود بتعظيمهم غير الله بالعبادة، والإذعان له بالطاعة فى الكفر بالله ورسوله ومعصيتهما، وأنهم قالوا إن أهل الكفر بالله أولى بالحق من أهل الإيمان به، وأن دين أهل التكذيب لله ورسوله أعدل وأصوب من دين أهل التصديق لله ورسوله اه.
63
وروى عن عكرمة أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش فاستجاشهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وأمرهم أن يغزوه، وقال إنا معكم نقاتله، فقالوا إنكم أهل كتاب وهو صاحب كتاب، ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم، فإن أردت أن تخرج معنا فاسجد لهدين الصنمين وآمن بهما ففعل، ثم قالوا: نحن أهدى أم محمد؟ فنحن ننحر الكوماء (الناقة الضخمة السّنام) ونسقى اللبن على الماء، ونصل الرحم، ونقرى الضيف، ونطوف بهذا البيت، ومحمد قطع رحمه، وخرج من من بلده، فقال: بل أنتم خير وأهدى.
ثم بين عاقبة أمرهم وشديد نكالهم فقال:
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ) أي أولئك الذين اقتضت سنن الله فى خلقه أن يكونوا بعيدين عن رحمته، مطرودين من فضله وجوده.
(وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) أي ومن يبعده الله من رحمته فلن ينصره أحد من دونه، إذ لا سبيل لأحد إلى تغيير سننه تعالى فى خليقته، وهو قد جعل الخذلان نصيب من يؤمنون بالجبت والطاغوت، إذ هم قد تجاوزوا سنن الفطرة واتبعوا الخرافات والأوهام، لأنه إنما ينصر المؤمنين باجتنابهم ذلكَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ».
ثم انتقل من توبيخهم على الإيمان بالجبت والطاغوت، وتفضيلهم المشركين على المؤمنين، إلى توبيخهم على البخل والأثرة، وطمعهم فى أن يعود إليهم الملك فى آخر الزمان، وأنه سيخرج منهم من يجدد ملكهم ودولتهم ويدعو إلى دينهم فقال:
(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) أي إنهم لا حظ لهم من الملك، إذ هم فقدوه بظلمهم وطغيانهم، وإيمانهم بالجبت والطاغوت.
(فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) أي إنه لو كان لهم نصيب من الملك لا تبعوا طريق.
البخل والأثرة، وحصروا منافعه فى أنفسهم، فلا يعطون الناس منه نقيرا.
والخلاصة- إن اليهود ذوو أثرة وشحّ يشق عليهم أن ينتفع منهم غير اليهودي، فإذا صار لهم ملك حرصوا على منع الناس أدنى النفع وأحقره، ومن كانت هذه حاله
ثم بين عاقبة أمرهم وشديد نكالهم فقال:
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ) أي أولئك الذين اقتضت سنن الله فى خلقه أن يكونوا بعيدين عن رحمته، مطرودين من فضله وجوده.
(وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) أي ومن يبعده الله من رحمته فلن ينصره أحد من دونه، إذ لا سبيل لأحد إلى تغيير سننه تعالى فى خليقته، وهو قد جعل الخذلان نصيب من يؤمنون بالجبت والطاغوت، إذ هم قد تجاوزوا سنن الفطرة واتبعوا الخرافات والأوهام، لأنه إنما ينصر المؤمنين باجتنابهم ذلكَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ».
ثم انتقل من توبيخهم على الإيمان بالجبت والطاغوت، وتفضيلهم المشركين على المؤمنين، إلى توبيخهم على البخل والأثرة، وطمعهم فى أن يعود إليهم الملك فى آخر الزمان، وأنه سيخرج منهم من يجدد ملكهم ودولتهم ويدعو إلى دينهم فقال:
(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) أي إنهم لا حظ لهم من الملك، إذ هم فقدوه بظلمهم وطغيانهم، وإيمانهم بالجبت والطاغوت.
(فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) أي إنه لو كان لهم نصيب من الملك لا تبعوا طريق.
البخل والأثرة، وحصروا منافعه فى أنفسهم، فلا يعطون الناس منه نقيرا.
والخلاصة- إن اليهود ذوو أثرة وشحّ يشق عليهم أن ينتفع منهم غير اليهودي، فإذا صار لهم ملك حرصوا على منع الناس أدنى النفع وأحقره، ومن كانت هذه حاله
64
حرص أشد الحرص على ألا يظهر نبى من العرب يكون لأصحابه ملك يخضع لهم فيه بنو إسرائيل، ولا تزال هذه حالهم إلى اليوم، فإن تم لهم ما يسعون إليه من إعادة ملكهم إلى بيت المقدس وما حوله فإنهم يطردون المسلمين والنصارى من تلك الأرض المقدسة ولا يعطونهم منها نقيرا.
ولكن هل يعود الملك كما يريدون؟ ليس فى الآية ما يثبت ذلك ولا ما ينفيه، وإنما الذي فيها بيان طباعهم فيه لو حصل.
ثم انتقل من توبيخهم بالبخل إلى توبيخهم بالحسد فقال:
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي إن هؤلاء يريدون أن يضيق فضل الله بعباده، ولا يحبون أن يكون لأمة فضل أكثر مما لهم أو مثله، لما استحوذ عليهم من الغرور بنسبهم وتقاليدهم مع سوء حالهم.
وهم قد رأوا أن محمدا ﷺ بعد أن أعطى النبوة جعله الله كل يوم أقوى دولة وأعظم شوكة وأكثر أعوانا وأنصارا من أجل هذا حسدوه حسدا عظيما.
وبعد أن ذكر أن كثرة نعمه عليه صارت سببا لحسد هؤلاء اليهود، بين ما يدفع ذلك الحسد فقال:
(فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) أي إن يحسدوا محمدا على ما أوتى فقد أخطئوا، إذ ليس هذا ببدع منا، لأنا قد آتينا مثل هذا من قبل لآل إبراهيم والعرب منهم فإنهم من ذرية ولده إسماعيل، فلم لم تعجبوا مما آتى آل إبراهيم وتعجبون مما آتى محمدا صلى الله عليه وسلم؟ ولم لا يكون مستبعدا فى حق هؤلاء ومستبعدا فى حق محمد صلى الله عليه وسلم؟
وفى الآية رمز إلى أنه سيكون للمسلمين ملك عظيم يتبع النبوة والحكمة، وقد ظهرت تباشيره عند نزول الآيات بالمدينة، فقد قويت شوكتهم وأخذ أمرهم يعظم رويدا رويدا.
والخلاصة- إن اليهود إما مغرورون مخدوعون يظنون أن فضل الله لا يعدوهم، ورحمته تضيق بغيرهم، وإما حاسبون أن ملك الكون فى أيديهم، فهم لا يعطون
ولكن هل يعود الملك كما يريدون؟ ليس فى الآية ما يثبت ذلك ولا ما ينفيه، وإنما الذي فيها بيان طباعهم فيه لو حصل.
ثم انتقل من توبيخهم بالبخل إلى توبيخهم بالحسد فقال:
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) أي إن هؤلاء يريدون أن يضيق فضل الله بعباده، ولا يحبون أن يكون لأمة فضل أكثر مما لهم أو مثله، لما استحوذ عليهم من الغرور بنسبهم وتقاليدهم مع سوء حالهم.
وهم قد رأوا أن محمدا ﷺ بعد أن أعطى النبوة جعله الله كل يوم أقوى دولة وأعظم شوكة وأكثر أعوانا وأنصارا من أجل هذا حسدوه حسدا عظيما.
وبعد أن ذكر أن كثرة نعمه عليه صارت سببا لحسد هؤلاء اليهود، بين ما يدفع ذلك الحسد فقال:
(فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) أي إن يحسدوا محمدا على ما أوتى فقد أخطئوا، إذ ليس هذا ببدع منا، لأنا قد آتينا مثل هذا من قبل لآل إبراهيم والعرب منهم فإنهم من ذرية ولده إسماعيل، فلم لم تعجبوا مما آتى آل إبراهيم وتعجبون مما آتى محمدا صلى الله عليه وسلم؟ ولم لا يكون مستبعدا فى حق هؤلاء ومستبعدا فى حق محمد صلى الله عليه وسلم؟
وفى الآية رمز إلى أنه سيكون للمسلمين ملك عظيم يتبع النبوة والحكمة، وقد ظهرت تباشيره عند نزول الآيات بالمدينة، فقد قويت شوكتهم وأخذ أمرهم يعظم رويدا رويدا.
والخلاصة- إن اليهود إما مغرورون مخدوعون يظنون أن فضل الله لا يعدوهم، ورحمته تضيق بغيرهم، وإما حاسبون أن ملك الكون فى أيديهم، فهم لا يعطون
65
أحدا منه ولو حقيرا كالنقير، وإما حاسدون للعرب على ما أعطاهم الله من الكتاب والحكمة والملك الذي ظهرت مبادئه ومقدماته.
(فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) قوله به أي بمن تقدم من الأنبياء كإبراهيم وآله، أي إن أولئك الأنبياء مع ما اختصوا به من النبوة والملك لم تؤمن أممهم جميعا بهم بل منهم من آمن بهم ومنهم من بقي على كفره، فلا تعجب أيها الرسول مما عليه قومك فإن هذه حال جميع الأمم مع أنبيائهم.
وفى هذا تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم، ليكون أشد صبرا على ما يناله من قبلهم من الأذى والجحود والإنكار «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً».
(وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) أي إن انصرف عنهم بعض العذاب فى الدنيا فكفاهم ما أعدّ لهم من سعير جهنم فى العقبى، لأنهم آثروا اتباع الباطل والعمل بما يزينه لهم على اتباع الحق، ولا يزال ذلك دأبهم حتى يرديهم فى دار الشقاء والنكال وهى جهنم وبئس القرار.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧)
تفسير المفردات
نصليهم: نشويهم بالنار، يقال شاة مصلية، أي مشوية، ونضجت: احترقت وتهرأت وتلاشت، من قولهم نضج الثمر واللحم نضحا: إذا أدركا، ليذوقوا العذاب:
(فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) قوله به أي بمن تقدم من الأنبياء كإبراهيم وآله، أي إن أولئك الأنبياء مع ما اختصوا به من النبوة والملك لم تؤمن أممهم جميعا بهم بل منهم من آمن بهم ومنهم من بقي على كفره، فلا تعجب أيها الرسول مما عليه قومك فإن هذه حال جميع الأمم مع أنبيائهم.
وفى هذا تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم، ليكون أشد صبرا على ما يناله من قبلهم من الأذى والجحود والإنكار «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً».
(وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) أي إن انصرف عنهم بعض العذاب فى الدنيا فكفاهم ما أعدّ لهم من سعير جهنم فى العقبى، لأنهم آثروا اتباع الباطل والعمل بما يزينه لهم على اتباع الحق، ولا يزال ذلك دأبهم حتى يرديهم فى دار الشقاء والنكال وهى جهنم وبئس القرار.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧)
تفسير المفردات
نصليهم: نشويهم بالنار، يقال شاة مصلية، أي مشوية، ونضجت: احترقت وتهرأت وتلاشت، من قولهم نضج الثمر واللحم نضحا: إذا أدركا، ليذوقوا العذاب:
66
أي ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع كما تقول للعزيز: أعزك الله: أي أدام لك العز وزادك فيه والعزيز هو القادر الغالب على أمره، والحكيم: هو المدبر للأشياء وفق الحكمة والصواب، ومطهرة: أي من العيوب والأدناس الحسية والمعنوية، وقوله: ظلا ظليلا كقوله ليل أليل وصف للمبالغة والتأكيد فى المعنى: أي ظل وارف لا يصيب صاحبه حر ولا سموم، ودائم لا تنسخه الشمس، وقد يعبر بالظل عن العزة والمتعة والرفاهية فيقال «السلطان ظل الله فى أرضه». ولما كانت بلاد العرب غاية فى الحرارة كان الظل عندهم أعظم أسباب الراحة، وكان ذلك عندهم رمزا للنعيم المقيم، والآيات: الأدلة التي ترشد إلى أن هذا الدين حق، ومن أجلّها القرآن لأنه أول الدلائل وأظهر الآيات وأوضحها، والكفر بها يعم إنكارها والغفلة عن النظر فيها وإلقاء الشبهات والشكوك مع العلم بصحتها عنادا وحسدا، والخلود: الدوام، وقد أكده بقوله أبدا، ومطهرة: أي بريئات من المعايب الجسمانية والطباع الردية.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر عز اسمه فى الآية السالفة أن ممن دعوا إلى التصديق بالأنبياء فريقا نأى وأعرض عن اتباع الحق، ثم توعد من أعرض بسعير جهنم.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً) أي طن الله تعالى قد أعد لمن جحد بآياته التي أنزلها على أنبيائه نارا مسعرة تشويهم وتحرق أجسامهم حتى تفقدها الحس والإدراك.
(كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) أي كلما فقدت التماسك الحيوى وبعدت عن الحس والحياة بدلها جلودا أخرى حية تشعر بالألم وتحس بالعذاب.
قال الدكتور عبد العزيز إسماعيل باشا عليه سحائب الرحمة فى كتابه [الإسلام
المعنى الجملي
بعد أن ذكر عز اسمه فى الآية السالفة أن ممن دعوا إلى التصديق بالأنبياء فريقا نأى وأعرض عن اتباع الحق، ثم توعد من أعرض بسعير جهنم.
فصل هنا الوعيد بذكر أحوال الفريقين وما يلاقيه كل منهم من الجزاء يوم القيامة.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً) أي طن الله تعالى قد أعد لمن جحد بآياته التي أنزلها على أنبيائه نارا مسعرة تشويهم وتحرق أجسامهم حتى تفقدها الحس والإدراك.
(كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) أي كلما فقدت التماسك الحيوى وبعدت عن الحس والحياة بدلها جلودا أخرى حية تشعر بالألم وتحس بالعذاب.
قال الدكتور عبد العزيز إسماعيل باشا عليه سحائب الرحمة فى كتابه [الإسلام
67
والطب الحديث] والحكمة فى تبديل جلود الكفار، أن أعصاب الألم هى فى الطبقة الجلدية، وأما الأنسجة والعضلات والأعضاء الداخلية فالإحساس فيها ضعيف، ولذلك يعلم الطبيب أن الحرق البسيط الذي لا يتجاوز الجلد يحدث ألما شديدا، بخلاف الحرق الشديد الذي يتجاوز الجلد إلى الأنسجة، لأنه مع شدته وخطره لا يحدث ألما كثيرا، فالله يقول لنا إن النار كلما أكلت الجلد الذي فيه الأعصاب نجدده كى يستمر الألم بلا انقطاع، ويذوقوا العذاب الأليم، وهنا تظهر حكمة الله قبل أن يعرفها الإنسان، وكان الله عزيزا حكيما اه.
ثم ذكر السبب فيما تقدم فقال:
(لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) ليدوم لهم ذوق العذاب، لأن الإحساس يصل إلى النفس بواسطة الحياة فى الجلد، وفى هذا إزالة لوهم ربما يعرض لبعض الناس قياسا على ما يعهدون فى أنفسهم فى الدنيا من أن الذي يتعود الألم يقلّ شعوره به ويصير عاديا عنده، كما يشاهد فى كثير من الآلام والأمراض التي يطول أمدها.
وفى التعبير بيذوقوا إيماء إلى أن إحساسهم بذلك العذاب يكون كإحساس الذائق المذوق لا يدخل فيه نقصان ولا زوال بسبب ذلك الاحتراق.
ثم أكد سابق الكلام وبين علته فقال:
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) أي إنه تعالى عزيز قادر لا يمتنع عليه شىء مما توعد به أو وعد، حكيم يعاقب من يعاقبه وفق الحكمة، ومن حكمته أن ربط الأسباب بالمسببات فلا يستطيع أحد أن يغلبه على أمره فيبطل اطرادها، فهو كما جعل الكفر والمعاصي سببا للعذاب كما تقدم فى الآية، جعل الإيمان والعمل الصالح سببا للنعيم، وذلك ما بينه بقوله:
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي إن الذين آمنوا بالله وصدقوا برسوله سيدخلون جنات يتمتعون بنعيمها العظيم كفاء ما أخبتوا إلى ربهم وقدّموا من عمل صالح، لأن الإيمان وحده
ثم ذكر السبب فيما تقدم فقال:
(لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) ليدوم لهم ذوق العذاب، لأن الإحساس يصل إلى النفس بواسطة الحياة فى الجلد، وفى هذا إزالة لوهم ربما يعرض لبعض الناس قياسا على ما يعهدون فى أنفسهم فى الدنيا من أن الذي يتعود الألم يقلّ شعوره به ويصير عاديا عنده، كما يشاهد فى كثير من الآلام والأمراض التي يطول أمدها.
وفى التعبير بيذوقوا إيماء إلى أن إحساسهم بذلك العذاب يكون كإحساس الذائق المذوق لا يدخل فيه نقصان ولا زوال بسبب ذلك الاحتراق.
ثم أكد سابق الكلام وبين علته فقال:
(إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) أي إنه تعالى عزيز قادر لا يمتنع عليه شىء مما توعد به أو وعد، حكيم يعاقب من يعاقبه وفق الحكمة، ومن حكمته أن ربط الأسباب بالمسببات فلا يستطيع أحد أن يغلبه على أمره فيبطل اطرادها، فهو كما جعل الكفر والمعاصي سببا للعذاب كما تقدم فى الآية، جعل الإيمان والعمل الصالح سببا للنعيم، وذلك ما بينه بقوله:
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي إن الذين آمنوا بالله وصدقوا برسوله سيدخلون جنات يتمتعون بنعيمها العظيم كفاء ما أخبتوا إلى ربهم وقدّموا من عمل صالح، لأن الإيمان وحده
68
لا يكفى لتزكية النفس وإعدادها لهذا الجزاء، بل لا بد معه من عمل صالح يشعر به المرء بالقرب من ربه والشعور بهيبته وجلال سلطانه.
(لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) أي لهم أزواج مبرآت من العيوب الجسمانية والعيوب الخلقية، فليس فيهن ما يوحشهم منهن ولا ما يكدر صفوهم، وبذا تكمل سعادتهم ويتم سرورهم فى تلك الحياة التي لا نعرف كنهها، وإنما نفهمها على طريق التمثيل وقياس الغائب على الشاهد.
(وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا) أي ونجعلهم فى مكان لا حرّ فيه ولا قرّ.
وفى ذلك إيماء إلى تمام النعمة والتمتع برغد العيش وكمال الرفاهية.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٥٨ الى ٥٩]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩)
تفسير المفردات
الأمانة: الشيء الذي يحفظ ليؤدّى إلى صاحبه، ويسمى من يحفظها ويؤديها حفيظا وأمينا ووفيّا، ومن لا يحفظها ولا يؤديها خائنا، والعدل: إيصال الحق إلى صاحبه من أقرب الطرق إليه، والتأويل بيان المآل والعاقبة.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه فى الآية السابقة الأجر العظيم للذين آمنوا وعملوا الصالحات وكان من أجلّ تلك الأعمال أداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس- لا جرم أمر بهما فى هذه الآية.
(لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) أي لهم أزواج مبرآت من العيوب الجسمانية والعيوب الخلقية، فليس فيهن ما يوحشهم منهن ولا ما يكدر صفوهم، وبذا تكمل سعادتهم ويتم سرورهم فى تلك الحياة التي لا نعرف كنهها، وإنما نفهمها على طريق التمثيل وقياس الغائب على الشاهد.
(وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا) أي ونجعلهم فى مكان لا حرّ فيه ولا قرّ.
وفى ذلك إيماء إلى تمام النعمة والتمتع برغد العيش وكمال الرفاهية.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٥٨ الى ٥٩]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩)
تفسير المفردات
الأمانة: الشيء الذي يحفظ ليؤدّى إلى صاحبه، ويسمى من يحفظها ويؤديها حفيظا وأمينا ووفيّا، ومن لا يحفظها ولا يؤديها خائنا، والعدل: إيصال الحق إلى صاحبه من أقرب الطرق إليه، والتأويل بيان المآل والعاقبة.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه فى الآية السابقة الأجر العظيم للذين آمنوا وعملوا الصالحات وكان من أجلّ تلك الأعمال أداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس- لا جرم أمر بهما فى هذه الآية.
69
روى عن ابن عباس قال: لما فتح رسول الله ﷺ مكة دعا عثمان ابن طلحة، فلما أتاه قال أرنى المفتاح (مفتاح الكعبة) فلما بسط يده إليه قام العباس فقال: يا رسول الله بأبى أنت وأمي اجمعه لى مع السقاية، فكف عثمان يده فقال رسول الله ﷺ هات المفتاح يا عثمان، فقال هاك أمانة الله، فقام ففتح الكعبة ثم خرج فطاف بالبيت ثم نزل عليه جبريل برد المفتاح فدعا عثمان بن طلحة فأعطاه المفتاح ثم قال (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) حتى فرغ من الآية)
الإيضاح
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) الأمانة على أنواع:
١) أمانة العبد مع ربه، وهى ما عهد إليه حفظه من الائتمار بما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه، واستعمال مشاعره وجوارحه فيما ينفعه ويقرّبه من ربه، وقد ورد فى الأثر:
إن المعاصي كلها خيانة لله عز وجل.
٢) أمانة العبد مع الناس، ومن ذلك رد الودائع إلى أربابها وعدم الغش وحفظ السر ونحو ذلك مما يجب للأهل والأقربين وعامة الناس والحكام.
ويدخل فى ذلك عدل الأمراء مع الرعية وعدل العلماء مع العوام بأن يرشدوهم إلى اعتقادات وأعمال تنفعهم فى دنياهم وأخراهم من أمور التربية الحسنة وكسب الحلال، ومن المواعظ والأحكام التي تقوّى إيمانهم وتنقذهم من الشرور والآثام وترغبهم فى الخير والإحسان، وعدل الرجل مع زوجه بألا يفشى أحد الزوجين سرا للآخر ولا سيما السر الذي يختص بهما ولا يطلع عليه عادة سواهما.
٣) أمانة الإنسان مع نفسه، بألا يختار لنفسه إلا ما هو الأصلح والأنفع له فى الدين والدنيا، وألا يقدم على عمل يضره فى آخرته أو دنياه، ويتوقى أسباب الأمراض والأوبئة بقدر معرفته وما يعرف من الأطباء، وذلك يحتاج إلى معرفة علم الصحة ولا سيما فى أوقات انتشار الأمراض والأوبئة.
الإيضاح
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) الأمانة على أنواع:
١) أمانة العبد مع ربه، وهى ما عهد إليه حفظه من الائتمار بما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه، واستعمال مشاعره وجوارحه فيما ينفعه ويقرّبه من ربه، وقد ورد فى الأثر:
إن المعاصي كلها خيانة لله عز وجل.
٢) أمانة العبد مع الناس، ومن ذلك رد الودائع إلى أربابها وعدم الغش وحفظ السر ونحو ذلك مما يجب للأهل والأقربين وعامة الناس والحكام.
ويدخل فى ذلك عدل الأمراء مع الرعية وعدل العلماء مع العوام بأن يرشدوهم إلى اعتقادات وأعمال تنفعهم فى دنياهم وأخراهم من أمور التربية الحسنة وكسب الحلال، ومن المواعظ والأحكام التي تقوّى إيمانهم وتنقذهم من الشرور والآثام وترغبهم فى الخير والإحسان، وعدل الرجل مع زوجه بألا يفشى أحد الزوجين سرا للآخر ولا سيما السر الذي يختص بهما ولا يطلع عليه عادة سواهما.
٣) أمانة الإنسان مع نفسه، بألا يختار لنفسه إلا ما هو الأصلح والأنفع له فى الدين والدنيا، وألا يقدم على عمل يضره فى آخرته أو دنياه، ويتوقى أسباب الأمراض والأوبئة بقدر معرفته وما يعرف من الأطباء، وذلك يحتاج إلى معرفة علم الصحة ولا سيما فى أوقات انتشار الأمراض والأوبئة.
70
(وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) أمر الله بالعدل فى آيات كثيرة: منها هذه الآية، ومنها «اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى» وقوله «كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ» وقوله «فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» والحكم بين الناس له طرق: منها الولاية العامة والقضاء وتحكيم المتخاصمين لشخص فى قضية خاصة.
والحكم بالعدل يحتاج إلى أمور:
١) فهم الدعوى من المدّعى والجواب من المدّعى عليه، ليعرف موضوع التنازع والتخاصم بأدلته من الخصمين.
٢) خلوّ الحاكم من التحيز والميل إلى أحد الخصمين.
٣) معرفة الحاكم الحكم الذي شرعه الله ليفصل بين الناس على مثاله من الكتاب أو السنة أو إجماع الأمة.
٤) تولية القادرين على القيام بأعباء الأحكام.
وقد أمر المسلمون بالعدل فى الأحكام والأقوال والأفعال والأخلاق، قال تعالى «وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى».
ثم بين حسن العدل وأداء الأمانة فقال:
(إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) أي نعم الشيء الذي يعظكم به أداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس، إذ لا يعظكم إلا بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم فى الدارين.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) أي عليكم أن تعملوا بأمر الله ووعظه، فإنه أعلم منكم بالمسموعات والمبصرات، فإذا حكمتم بالعدل فهو سميع لذلك الحكم، وإن أديتم الأمانة فهو بصير بذلك.
وفى هذا وعد عظيم للمطيع، ووعيد شديد للعاصى، وإلى ذلك الإشارة بقوله عليه السلام «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» وفيه أيضا إيماء إلى الاهتمام بحكم القضاة والولاة لأنه قد فوض إليهم النظر فى مصالح العباد.
والحكم بالعدل يحتاج إلى أمور:
١) فهم الدعوى من المدّعى والجواب من المدّعى عليه، ليعرف موضوع التنازع والتخاصم بأدلته من الخصمين.
٢) خلوّ الحاكم من التحيز والميل إلى أحد الخصمين.
٣) معرفة الحاكم الحكم الذي شرعه الله ليفصل بين الناس على مثاله من الكتاب أو السنة أو إجماع الأمة.
٤) تولية القادرين على القيام بأعباء الأحكام.
وقد أمر المسلمون بالعدل فى الأحكام والأقوال والأفعال والأخلاق، قال تعالى «وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى».
ثم بين حسن العدل وأداء الأمانة فقال:
(إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) أي نعم الشيء الذي يعظكم به أداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس، إذ لا يعظكم إلا بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم فى الدارين.
(إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) أي عليكم أن تعملوا بأمر الله ووعظه، فإنه أعلم منكم بالمسموعات والمبصرات، فإذا حكمتم بالعدل فهو سميع لذلك الحكم، وإن أديتم الأمانة فهو بصير بذلك.
وفى هذا وعد عظيم للمطيع، ووعيد شديد للعاصى، وإلى ذلك الإشارة بقوله عليه السلام «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» وفيه أيضا إيماء إلى الاهتمام بحكم القضاة والولاة لأنه قد فوض إليهم النظر فى مصالح العباد.
71
وبعد أن أمر سبحانه برد الأمانات إلى أهلها، وبالحكم بين الناس بالعدل مخاطبا بذلك جمهور الأمة، أمر بطاعة الله والرسول وطاعة أولى الأمر، إذ لا تقوم المصالح العامة إلا بذلك، فقال:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أي أطيعوا الله واعملوا بكتابه، وأطيعوا الرسول لأنه يبين للناس ما نزل إليهم، فقد جرت سنة الله بأن يبلغ عنه شرعه رسل منهم تكفل بعصمتهم وأوجب علينا طاعتهم.
وأطيعوا أولى الأمر، وهم الأمراء والحكام والعلماء ورؤساء الجند وسائر الرؤساء والزعماء الذين يرجع إليهم الناس فى الحاجات والمصالح العامة، فهؤلاء إذا اتفقوا على أمر وحكم وجب أن يطاعوا فيه بشرط أن يكونوا أمناء وألا يخالفوا أمر الله ولا سنة رسوله التي عرفت بالتواتر، وأن يكونوا مختارين فى بحثهم فى الأمر واتفاقهم عليه.
وأما العبادات وما كان من قبيل الاعتقاد الديني فلا يتعلق به أمر أهل الحل والعقد بل إنما يؤخذ عن الله ورسوله فحسب، وليس لأحد رأى فيه إلا ما يكون فى فهمه.
فأهل الحل والعقد من المؤمنين إذا أجمعوا على أمر من مصالح الأمة ليس فيه نص عن الشارع وكانوا مختارين فى ذلك غير مكرهين بقوة أحد ولا نفوذه فطاعتهم واجبة، كما فعل عمر حين استشار أهل الرأى من الصحابة فى الديوان الذي أنشأه وفى غيره من لمصالح التي أحدثها برأى أولى الأمر من الصحابة ولم تكن فى زمن النبي ﷺ ولم يعترض عليه أحد من علمائهم فى ذلك.
(فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) أي فإذا لم يوجد نص على الحكم فى الكتاب ولا فى السنة ينظر أولو الأمر فيه، لأنهم هم الذين يوثق بهم، فإذا اتفقوا وأجمعوا وجب العمل بما أجمعوا عليه، وإن اختلفوا وتنازعوا وجب عرض ذلك على الكتاب والسنة وما فيهما من القواعد العامة، فما كان موافقا لهما علم أنه صالح لنا ووجب الأخذ به، وما كان مخالفا لهما علم أنه غير صالح ووجب تركه، وبذا يزول التنازع وتجتمع
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أي أطيعوا الله واعملوا بكتابه، وأطيعوا الرسول لأنه يبين للناس ما نزل إليهم، فقد جرت سنة الله بأن يبلغ عنه شرعه رسل منهم تكفل بعصمتهم وأوجب علينا طاعتهم.
وأطيعوا أولى الأمر، وهم الأمراء والحكام والعلماء ورؤساء الجند وسائر الرؤساء والزعماء الذين يرجع إليهم الناس فى الحاجات والمصالح العامة، فهؤلاء إذا اتفقوا على أمر وحكم وجب أن يطاعوا فيه بشرط أن يكونوا أمناء وألا يخالفوا أمر الله ولا سنة رسوله التي عرفت بالتواتر، وأن يكونوا مختارين فى بحثهم فى الأمر واتفاقهم عليه.
وأما العبادات وما كان من قبيل الاعتقاد الديني فلا يتعلق به أمر أهل الحل والعقد بل إنما يؤخذ عن الله ورسوله فحسب، وليس لأحد رأى فيه إلا ما يكون فى فهمه.
فأهل الحل والعقد من المؤمنين إذا أجمعوا على أمر من مصالح الأمة ليس فيه نص عن الشارع وكانوا مختارين فى ذلك غير مكرهين بقوة أحد ولا نفوذه فطاعتهم واجبة، كما فعل عمر حين استشار أهل الرأى من الصحابة فى الديوان الذي أنشأه وفى غيره من لمصالح التي أحدثها برأى أولى الأمر من الصحابة ولم تكن فى زمن النبي ﷺ ولم يعترض عليه أحد من علمائهم فى ذلك.
(فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) أي فإذا لم يوجد نص على الحكم فى الكتاب ولا فى السنة ينظر أولو الأمر فيه، لأنهم هم الذين يوثق بهم، فإذا اتفقوا وأجمعوا وجب العمل بما أجمعوا عليه، وإن اختلفوا وتنازعوا وجب عرض ذلك على الكتاب والسنة وما فيهما من القواعد العامة، فما كان موافقا لهما علم أنه صالح لنا ووجب الأخذ به، وما كان مخالفا لهما علم أنه غير صالح ووجب تركه، وبذا يزول التنازع وتجتمع
72
الكلمة، وهذا الرد واستنباط الفصل فى الخلاف من القواعد هو الذي يعبر عنه بالقياس والأول هو الإجماع الذي يعتدّ به.
ومما تقدم تعلم أن الآية مبينة لأصول الدين فى الحكومة الإسلامية، وهى:
١) الأصل الأول القرآن الكريم، والعمل به هو طاعة الله تعالى.
٢) الأصل الثاني سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل به طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
٣) الأصل الثالث إجماع أولى الأمر وهم أهل الحل والعقد الذين تثق بهم الأمة من العلماء والرؤساء فى الجيش والمصالح العامة كالتجار والصناع والزراع، ورؤساء العمال والأحزاب ومديرى الصحف ورؤساء تحريرها- وطاعتهم حينئذ هى طاعة أولى الأمر.
٤) الأصل الرابع عرض المسائل المتنازع فيها على القواعد والأحكام العامة المعلومة فى الكتاب والسنة، وذلك قوله: فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول.
فهذه الأربعة الأصول هى مصادر الشريعة، ولا بد من وجود جماعة يقومون بعرض المسائل المتنازع فيها على الكتاب والسنة ممن يختارهم أولو الأمر من علماء هذا الشأن.
ويجب على الحكام الحكم بما يقرّونه، وبذلك تكون الدولة الإسلامية مؤلفة من جماعتين: الأولى الجماعة المبينة للأحكام الذين يسمون الآن (الهيئة التشريعية) والجماعة الثانية جماعة الحاكمين والمنفذين وهم الذين يسمون (الهيئة التنفيذية).
وعلى الأمة أن تقبل هذه الأحكام وتخضع لها سرا وجهرا، وهى بذلك لا تكون خاضعة لأحد من البشر، لأنها لم تعمل إلا بحكم الله تعالى أو حكم رسوله ﷺ بإذنه، أو حكم نفسها الذي استنبطه لها جماعة أهل الحل والعقد والعلم والخبرة من أفرادها الذين وثقت بإخلاصهم وعدم اتفاقهم إلا على ما هو الأصلح لها.
(إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي ردوا الشيء المتنازع فيه إلى الله ورسوله بعرضه على الكتاب والسنة إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، فإن المؤمن لا يقدم شيئا على حكم الله، كما أنه يهتم باليوم الآخر أشد من اهتمامه بحظوظ الدنيا.
ومما تقدم تعلم أن الآية مبينة لأصول الدين فى الحكومة الإسلامية، وهى:
١) الأصل الأول القرآن الكريم، والعمل به هو طاعة الله تعالى.
٢) الأصل الثاني سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل به طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
٣) الأصل الثالث إجماع أولى الأمر وهم أهل الحل والعقد الذين تثق بهم الأمة من العلماء والرؤساء فى الجيش والمصالح العامة كالتجار والصناع والزراع، ورؤساء العمال والأحزاب ومديرى الصحف ورؤساء تحريرها- وطاعتهم حينئذ هى طاعة أولى الأمر.
٤) الأصل الرابع عرض المسائل المتنازع فيها على القواعد والأحكام العامة المعلومة فى الكتاب والسنة، وذلك قوله: فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول.
فهذه الأربعة الأصول هى مصادر الشريعة، ولا بد من وجود جماعة يقومون بعرض المسائل المتنازع فيها على الكتاب والسنة ممن يختارهم أولو الأمر من علماء هذا الشأن.
ويجب على الحكام الحكم بما يقرّونه، وبذلك تكون الدولة الإسلامية مؤلفة من جماعتين: الأولى الجماعة المبينة للأحكام الذين يسمون الآن (الهيئة التشريعية) والجماعة الثانية جماعة الحاكمين والمنفذين وهم الذين يسمون (الهيئة التنفيذية).
وعلى الأمة أن تقبل هذه الأحكام وتخضع لها سرا وجهرا، وهى بذلك لا تكون خاضعة لأحد من البشر، لأنها لم تعمل إلا بحكم الله تعالى أو حكم رسوله ﷺ بإذنه، أو حكم نفسها الذي استنبطه لها جماعة أهل الحل والعقد والعلم والخبرة من أفرادها الذين وثقت بإخلاصهم وعدم اتفاقهم إلا على ما هو الأصلح لها.
(إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي ردوا الشيء المتنازع فيه إلى الله ورسوله بعرضه على الكتاب والسنة إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، فإن المؤمن لا يقدم شيئا على حكم الله، كما أنه يهتم باليوم الآخر أشد من اهتمامه بحظوظ الدنيا.
73
وفى هذا دليل على أن من لا يقدم اتباع الكتاب والسنة على أهوائه وحظوظه فإنه لا يكون مؤمنا حقا.
(ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أي ذلك الردّ للشىء المتنازع فيه إلى الله ورسوله خير لكم، لأنه أقوى الأسس فى حكومتكم، والله أعلم منكم بما هو الخير لكم، ومن ثم لم يشرع لكم فى كتابه وعلى لسان رسوله إلا ما فيه مصالحكم ومنافعكم وما هو أحسن عاقبة لما فيه من قطع عرق التنازع وسد ذرائع الفتن.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٠ الى ٦٣]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢) أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (٦٣)
تفسير المفردات
الزعم فى أصل اللغة: القول حقا كان أو باطلا ثم كثر استعماله فى الكذب، قال الراغب: الزعم حكاية قول يكون مظنة للكذب، وقد جاء فى القرآن فى كل موضع ذم القائلين به كقوله «زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ» وقوله «قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا». والطاغوت: بمعنى الطغيان الكثير، ضلالا بعيدا: أي بعيدا صاحبه
(ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أي ذلك الردّ للشىء المتنازع فيه إلى الله ورسوله خير لكم، لأنه أقوى الأسس فى حكومتكم، والله أعلم منكم بما هو الخير لكم، ومن ثم لم يشرع لكم فى كتابه وعلى لسان رسوله إلا ما فيه مصالحكم ومنافعكم وما هو أحسن عاقبة لما فيه من قطع عرق التنازع وسد ذرائع الفتن.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٠ الى ٦٣]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢) أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (٦٣)
تفسير المفردات
الزعم فى أصل اللغة: القول حقا كان أو باطلا ثم كثر استعماله فى الكذب، قال الراغب: الزعم حكاية قول يكون مظنة للكذب، وقد جاء فى القرآن فى كل موضع ذم القائلين به كقوله «زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ» وقوله «قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا». والطاغوت: بمعنى الطغيان الكثير، ضلالا بعيدا: أي بعيدا صاحبه
74
عن الحق، إذ هو لا يهتدى إلى الطريق الموصلة إليه، صدودا: أي إعراضا متعمدا عن قبول حكمك، إحسانا: أي فى المعاملة بين الخصوم، وتوفيقا: أي بينهم وبين خصومهم بالصلح، فأعرض عنهم: أي اصرف وجهك عنهم، وعظهم: أي ذكرهم بالخير على الوجه الذي ترقّ له قلوبهم، قولا بليغا: أي يبلغ من نفوسهم الأثر الذي تريد أن تحدثه فيها.
المعنى الجملي
بعد أن أوجب سبحانه فى الآية السالفة على جميع المؤمنين طاعة الله وطاعة الرسول ذكر فى هذه الآية أن المنافقين والذين فى قلوبهم مرض لا يطيعون الرسول ولا يرضون بحكمه بل يريدون حكم غيره. أخرج الطبراني عن ابن عباس قال «كان أبو برزة الأسلمىّ كاهنا يقضى بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله تعالى: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا؟ - إلى قوله- إلا إحسانا وتوفيقا».
وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فقال اليهودي: أحاكمك إلى أهل دينك أو قال إلى النبي لأنه قد علم أنه لا يأخذ الرشوة فى الحكم فاختلفا ثم اتفقا على أن يأتيا كاهنا فى جهينة فنزلت.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) أي انظر إلى عجيب أمر هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بك وآمنوا بمن قبلك من الأنبياء ويأتون بما ينافى الإيمان، إذ الإيمان الصحيح بكتب الله ورسله يقتضى العمل بما شرعه الله على ألسنة أولئك الرسل وترك العمل مع الاستطاعة دليل على أن الإيمان غير راسخ فى نفس مدّعيه فكيف إذا عمل بضد ما شرعه الله؟ فهؤلاء المنافقون إذ هربوا من التحاكم إليك
المعنى الجملي
بعد أن أوجب سبحانه فى الآية السالفة على جميع المؤمنين طاعة الله وطاعة الرسول ذكر فى هذه الآية أن المنافقين والذين فى قلوبهم مرض لا يطيعون الرسول ولا يرضون بحكمه بل يريدون حكم غيره. أخرج الطبراني عن ابن عباس قال «كان أبو برزة الأسلمىّ كاهنا يقضى بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله تعالى: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا؟ - إلى قوله- إلا إحسانا وتوفيقا».
وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فقال اليهودي: أحاكمك إلى أهل دينك أو قال إلى النبي لأنه قد علم أنه لا يأخذ الرشوة فى الحكم فاختلفا ثم اتفقا على أن يأتيا كاهنا فى جهينة فنزلت.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) أي انظر إلى عجيب أمر هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بك وآمنوا بمن قبلك من الأنبياء ويأتون بما ينافى الإيمان، إذ الإيمان الصحيح بكتب الله ورسله يقتضى العمل بما شرعه الله على ألسنة أولئك الرسل وترك العمل مع الاستطاعة دليل على أن الإيمان غير راسخ فى نفس مدّعيه فكيف إذا عمل بضد ما شرعه الله؟ فهؤلاء المنافقون إذ هربوا من التحاكم إليك
75
وقبلوا التحاكم إلى مصدر الطغيان والضلال من أولئك الكهنة والمشعوذين- سواء أكان أبا برزة الأسلمى أم كعب بن الأشرف- دليل على أن الإيمان ليس له أثر فى نفوسهم، بل هى كلمات يقولونها بأفواههم لا تعبر عما تلجلج فى صدورهم، وكيف يزعمون الإيمان بك وكتابك المنزل عليك يأمرهم بالكفر بالجبت والطاغوت فى نحو قوله «وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» وقوله «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى» وهم يتحاكمون إليه؟ فألسنتهم تدّعى الإيمان بالله وبما أنزله على رسله، وأفعالهم تدلّ على كفرهم بالله وإيمانهم بالطاغوت وإيثارهم لحكمه.
ويدخل فى هؤلاء كل من يتحاكم إلى الدّجالين كالعرّافين وأصحاب المندل والرمل ومدّعى الكشف والولاية.
وفى الآية إيماء إلى أن من رد شيئا من أوامر الله أو أوامر الرسول ﷺ فهو خارج من الإسلام، سواء رده من جهة الشك أو من جهة التمرد، ومن أجل هذا حكم الصحابة بردّة الذين منعوا الزكاة وقتلهم وسبى ذراريهم.
(وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً) أي ويريد الشيطان أن يجعل بينهم وبين الحق مسافة بعيدة، فهم لشدة بعدهم عن الحق لا يهتدون إلى الطريق الموصلة إليه.
والخلاصة- إن الواجب على المسلمين ألا يقبلوا قول أحد ولا يعملوا برأيه فى شىء له حكم فى كتاب الله أو سنة رسوله، وما لا حكم له فيهما فالعمل فيه برأى أولى الأمر، لأنه أقرب إلى المصلحة.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) أي وإذا قيل لأولئك الزاعمين للإيمان الذين يريدون التحاكم إلى الطاغوت:
تعالوا إلى ما أنزل الله فى القرآن لنعمل به ونحكّمه فيما بيننا، وإلى الرسول ليحكم بيننا
ويدخل فى هؤلاء كل من يتحاكم إلى الدّجالين كالعرّافين وأصحاب المندل والرمل ومدّعى الكشف والولاية.
وفى الآية إيماء إلى أن من رد شيئا من أوامر الله أو أوامر الرسول ﷺ فهو خارج من الإسلام، سواء رده من جهة الشك أو من جهة التمرد، ومن أجل هذا حكم الصحابة بردّة الذين منعوا الزكاة وقتلهم وسبى ذراريهم.
(وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً) أي ويريد الشيطان أن يجعل بينهم وبين الحق مسافة بعيدة، فهم لشدة بعدهم عن الحق لا يهتدون إلى الطريق الموصلة إليه.
والخلاصة- إن الواجب على المسلمين ألا يقبلوا قول أحد ولا يعملوا برأيه فى شىء له حكم فى كتاب الله أو سنة رسوله، وما لا حكم له فيهما فالعمل فيه برأى أولى الأمر، لأنه أقرب إلى المصلحة.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) أي وإذا قيل لأولئك الزاعمين للإيمان الذين يريدون التحاكم إلى الطاغوت:
تعالوا إلى ما أنزل الله فى القرآن لنعمل به ونحكّمه فيما بيننا، وإلى الرسول ليحكم بيننا
76
بما أراه الله، رأيتهم يعرضون عنك ويرغبون عن حكمك إعراضا متعمدا منهم، وهذه الآية مؤكدة لما دلت عليه الآية التي قبلها من نفاق هؤلاء الذين يرغبون عن حكم الله وحكم رسوله إلى حكم الطاغوت من أصحاب الأهواء، لأن حكم الرسول لا يكون إلا حقا متى بينت الدعوى على وجهها وأما حكم غيره بشريعته فقد يقع فيه الخطأ بجهل القاضي بالحكم، أو بجهل تطبيقه على الدعوى.
وهى أيضا دالة على أن من أعرض عن حكم الله متعمدا، ولا سيما بعد دعوته إليه وتذكيره به، فإنه يكون منافقا لا يعتقد ما يزعمه من الإيمان، ولا ما يدّعيه من الإسلام.
(فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) أي فكيف يفعلون إذا أطلعك الله على شأنهم فى إعراضهم عن حكم الله وعن التحاكم إليك، وتبين أن عملهم يكذب دعواهم، وأن تلك الحال التي اختاروا فيها التحاكم إلى غير الرسول لا تدوم لهم، وأنه يوشك أن يقعوا فى مصاب بسبب ما قدمت أيديهم من هذه الأعمال وأمثالها، ثم اضطروا إلى الرجوع إليك لتكشفه عنهم، واعتذروا عن صدودهم بأنهم ما كانوا يريدون بالتحاكم إلى غير الرسول إلا إحسانا فى المعاملة وتوفيقا بينهم وبين خصومهم بالصلح أو بالجمع بين منفعة الخصمين ويحلفون بالله على ذلك وهم مخادعون.
وفى الآية وعيد شديد لهم على ما فعلوا، وأنهم سيندمون حين لا ينفعهم الندم، ويعتذرون ولا يغنى عنهم الاعتذار.
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) هذا أسلوب يستعمل فيما يعظم من خير أو شر، مسرة أو حزن، فيقول الرجل لمن يحبه ويحفظ وده: الله يعلم ما فى نفسى لك، أي إنه لكثرته وقوته لا يقدر على معرفته إلا الله تعالى، ويقول فى العدو الماكر المخادع:
الله يعلم ما فى قلبه، أي إن ما فى قلبه من الخبث والخديعة بلغ حدا كبيرا لا يعلمه إلا علام الغيوب.
وهى أيضا دالة على أن من أعرض عن حكم الله متعمدا، ولا سيما بعد دعوته إليه وتذكيره به، فإنه يكون منافقا لا يعتقد ما يزعمه من الإيمان، ولا ما يدّعيه من الإسلام.
(فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) أي فكيف يفعلون إذا أطلعك الله على شأنهم فى إعراضهم عن حكم الله وعن التحاكم إليك، وتبين أن عملهم يكذب دعواهم، وأن تلك الحال التي اختاروا فيها التحاكم إلى غير الرسول لا تدوم لهم، وأنه يوشك أن يقعوا فى مصاب بسبب ما قدمت أيديهم من هذه الأعمال وأمثالها، ثم اضطروا إلى الرجوع إليك لتكشفه عنهم، واعتذروا عن صدودهم بأنهم ما كانوا يريدون بالتحاكم إلى غير الرسول إلا إحسانا فى المعاملة وتوفيقا بينهم وبين خصومهم بالصلح أو بالجمع بين منفعة الخصمين ويحلفون بالله على ذلك وهم مخادعون.
وفى الآية وعيد شديد لهم على ما فعلوا، وأنهم سيندمون حين لا ينفعهم الندم، ويعتذرون ولا يغنى عنهم الاعتذار.
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) هذا أسلوب يستعمل فيما يعظم من خير أو شر، مسرة أو حزن، فيقول الرجل لمن يحبه ويحفظ وده: الله يعلم ما فى نفسى لك، أي إنه لكثرته وقوته لا يقدر على معرفته إلا الله تعالى، ويقول فى العدو الماكر المخادع:
الله يعلم ما فى قلبه، أي إن ما فى قلبه من الخبث والخديعة بلغ حدا كبيرا لا يعلمه إلا علام الغيوب.
77
فالمعنى هنا أن ما فى قلوبهم من الكفر والحقد والكيد وتربص الدوائر بالمؤمنين بلغ من الفظاعة مقدارا لا يحيط به إلا من يعلم السر وأخفى.
(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً) طلب إليه سبحانه أن يعاملهم بثلاثة أشياء.
١) الإعراض عنهم وعدم الإقبال عليهم بالبشاشة والتكريم، إذ هذا يحدث فى نفوسهم الهواجس والخوف من سوء العاقبة، وهم لم يكونوا على يقين من أسباب كفرهم ونفاقهم، وكانوا يحذرون أن تنزل عليه سورة تنبئهم بما فى قلوبهم، وإذا استمر هذا الإعراض عنهم ظنوا الظنون، وقالوا لعله عرف ما فى نفوسنا، لعله يريد أن يؤاخذنا بما فى بواطننا.
٢) النصح والتذكير بالخير على وجه ترقّ له قلوبهم ويبعثهم على التأمل فيما يلقى إليهم من العظات والزواجر.
٣) القول البليغ المؤثر فى النفس الذي يغتمون به ويستشعرون منه الخوف بأن يتوعدهم بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق، ويخبرهم بأن ما فى نفوسهم من مكنونات الشر والنفاق غير خاف على العليم بالسر والنجوى، وأنه لا فرق بينهم وبين الكفار، وإنما رفع الله عنهم السيف لأنهم أظهروا الإيمان وأسرّوا الكفر وأضمروه، فإن فعلوا ما ينكشف به غطاؤهم لم يبق إلا السيف، وفى الآية شهادة للنبى ﷺ بالقدرة على بليغ الكلام وتفويض أمر الوعظ والقول البليغ إليه، لأن لكل مقام مقالا، والكلام يختلف تأثيره باختلاف أفهام المخاطبين، كما أن فيها شهادة له بالحكمة ووضع الكلام فى مواضعه، وهذا نحو ما وصف الله به نبيه داود «وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ».
قال القاضي عياض فى كتابه [الشفاء] فى وصف بلاغته صلى الله عليه وسلم:
أما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان ﷺ من ذلك بالمحل
(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً) طلب إليه سبحانه أن يعاملهم بثلاثة أشياء.
١) الإعراض عنهم وعدم الإقبال عليهم بالبشاشة والتكريم، إذ هذا يحدث فى نفوسهم الهواجس والخوف من سوء العاقبة، وهم لم يكونوا على يقين من أسباب كفرهم ونفاقهم، وكانوا يحذرون أن تنزل عليه سورة تنبئهم بما فى قلوبهم، وإذا استمر هذا الإعراض عنهم ظنوا الظنون، وقالوا لعله عرف ما فى نفوسنا، لعله يريد أن يؤاخذنا بما فى بواطننا.
٢) النصح والتذكير بالخير على وجه ترقّ له قلوبهم ويبعثهم على التأمل فيما يلقى إليهم من العظات والزواجر.
٣) القول البليغ المؤثر فى النفس الذي يغتمون به ويستشعرون منه الخوف بأن يتوعدهم بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق، ويخبرهم بأن ما فى نفوسهم من مكنونات الشر والنفاق غير خاف على العليم بالسر والنجوى، وأنه لا فرق بينهم وبين الكفار، وإنما رفع الله عنهم السيف لأنهم أظهروا الإيمان وأسرّوا الكفر وأضمروه، فإن فعلوا ما ينكشف به غطاؤهم لم يبق إلا السيف، وفى الآية شهادة للنبى ﷺ بالقدرة على بليغ الكلام وتفويض أمر الوعظ والقول البليغ إليه، لأن لكل مقام مقالا، والكلام يختلف تأثيره باختلاف أفهام المخاطبين، كما أن فيها شهادة له بالحكمة ووضع الكلام فى مواضعه، وهذا نحو ما وصف الله به نبيه داود «وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ».
قال القاضي عياض فى كتابه [الشفاء] فى وصف بلاغته صلى الله عليه وسلم:
أما فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان ﷺ من ذلك بالمحل
78
الأرفع، والموضع الذي لا يجهل، قد أوتى جوامع الكلم، وحص ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب، يخاطب كل أمة بلسانها، ويحاورها بلغتها... حتى كان كثير من أصحابه يسألونه فى غير موضع عن شرح كلامه وتفسير قوله... وليس كلامه مع قريش والأنصار وأهل الحجاز ونحد ككلامه مع ذى المعشار الهمداني وطهفة النّهدى والأشعث بن قيس ووائل بن حجر الكندي وغيرهم من أقيال حضر موت وملوك اليمن اه.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٤ الى ٦٥]
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥)
تفسير المفردات
إذن الله: إعلامه الذي نطق به وحيه وطرق آذانكم- كقوله: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول- استغفروا الله: أي طلبوا مغفرته وندموا على ما فعلوا، واستغفر لهم الرسول: أي دعا الله أن يغفر لهم، يحكموك: يجعلوك حكما ويفوضوا الأمر إليك، وشجر: اختلف واختلط الأمر فيه، مأخوذ من التفاف الشجر، فإن الشجر تتداخل بعض أغصانه فى بعض، حرجا: ضيقا، قضيت: حكمت، التسليم: الانقياد والإذعان.
المعنى الجملي
بعد أن أوجب سبحانه فيما سلف طاعة الله وطاعة الرسول وشنع على من رغب عن التحاكم إلى الرسول وآثر عليه التحاكم إلى الطاغوت- ذكر هنا ما هو كالدليل على استحقاق الرسول للطاعة، وعلى استحقاق المنافقين الذين لم يقبلوا التحاكم للمقت والخذلان، لأنهم لم يرضوا بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٤ الى ٦٥]
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥)
تفسير المفردات
إذن الله: إعلامه الذي نطق به وحيه وطرق آذانكم- كقوله: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول- استغفروا الله: أي طلبوا مغفرته وندموا على ما فعلوا، واستغفر لهم الرسول: أي دعا الله أن يغفر لهم، يحكموك: يجعلوك حكما ويفوضوا الأمر إليك، وشجر: اختلف واختلط الأمر فيه، مأخوذ من التفاف الشجر، فإن الشجر تتداخل بعض أغصانه فى بعض، حرجا: ضيقا، قضيت: حكمت، التسليم: الانقياد والإذعان.
المعنى الجملي
بعد أن أوجب سبحانه فيما سلف طاعة الله وطاعة الرسول وشنع على من رغب عن التحاكم إلى الرسول وآثر عليه التحاكم إلى الطاغوت- ذكر هنا ما هو كالدليل على استحقاق الرسول للطاعة، وعلى استحقاق المنافقين الذين لم يقبلوا التحاكم للمقت والخذلان، لأنهم لم يرضوا بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم.
79
الإيضاح
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) أي إن سنتنا فى هذا الرسول كسنتنا فى الرسل قبله، فما نرسلهم إلا ليطاعوا بإذن الله، فمن خرج عن طاعتهم أو رغب عن حكمهم، خرج عن حكمنا وسنتنا وارتكب أكبر الآثام.
وجىء بقوله: بإذن الله، لبيان أن الطاعة الذاتية لا تكون إلا لله رب العالمين، لكنه قد أمر أن تطاع رسله فطاعتهم واجبة بإذنه وإيجابه.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) أي ولو أن أولئك القوم حين ظلموا أنفسهم ورغبوا عن حكمك إلى حكم الطاغوت- جاءوك فاستغفروا الله من ذنبهم وندموا على ما فرط منهم وتابوا توبة نصوحا ودعا لهم الرسول بالمغفرة، لتقبل الله توبتهم وغمرهم بإحسانه، فرحمته وسعت كل شىء.
وإنما قرن استغفار الرسول باستغفار الله، لأن ذنبهم لم يكن ظلما لأنفسهم فحسب بل تعدى إلى إيذاء الرسول من حيث إنهم أعرضوا عن حكمه وهو صاحب الحق فى الحكم وحده، فكان لا بد فى توبتهم وندمهم على ما فرط منهم أن يظهروا ذلك للرسول ليصفح عنهم، لأنهم اعتدوا على حقه، وليدعو لهم بالمغفرة، إذ أعرضوا عن حكمه.
وفى الآية إيماء إلى أن التوبة الصحيحة تقبل حتما إذا استكملت شرائطها، ومنها أن تكون عقب الذنب مباشرة، وقد سمى الله ترك طاعة الرسول ظلما للأنفس، أي إفسادا لها، لأن الرسول هو الهادي إلى مصالح الناس فى الدنيا والأخرى، وهذا الظلم شامل للاعتداء والبغي والتحاكم إلى الطاغوت وغير ذلك.
والاستغفار لا يكون مقبولا إلا إذا ناجى العبد ربه عازما على اجتناب الذنب وعدم العودة إليه مع الصدق والإخلاص لله فى ذلك- أما الاستغفار باللسان عقب
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) أي إن سنتنا فى هذا الرسول كسنتنا فى الرسل قبله، فما نرسلهم إلا ليطاعوا بإذن الله، فمن خرج عن طاعتهم أو رغب عن حكمهم، خرج عن حكمنا وسنتنا وارتكب أكبر الآثام.
وجىء بقوله: بإذن الله، لبيان أن الطاعة الذاتية لا تكون إلا لله رب العالمين، لكنه قد أمر أن تطاع رسله فطاعتهم واجبة بإذنه وإيجابه.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) أي ولو أن أولئك القوم حين ظلموا أنفسهم ورغبوا عن حكمك إلى حكم الطاغوت- جاءوك فاستغفروا الله من ذنبهم وندموا على ما فرط منهم وتابوا توبة نصوحا ودعا لهم الرسول بالمغفرة، لتقبل الله توبتهم وغمرهم بإحسانه، فرحمته وسعت كل شىء.
وإنما قرن استغفار الرسول باستغفار الله، لأن ذنبهم لم يكن ظلما لأنفسهم فحسب بل تعدى إلى إيذاء الرسول من حيث إنهم أعرضوا عن حكمه وهو صاحب الحق فى الحكم وحده، فكان لا بد فى توبتهم وندمهم على ما فرط منهم أن يظهروا ذلك للرسول ليصفح عنهم، لأنهم اعتدوا على حقه، وليدعو لهم بالمغفرة، إذ أعرضوا عن حكمه.
وفى الآية إيماء إلى أن التوبة الصحيحة تقبل حتما إذا استكملت شرائطها، ومنها أن تكون عقب الذنب مباشرة، وقد سمى الله ترك طاعة الرسول ظلما للأنفس، أي إفسادا لها، لأن الرسول هو الهادي إلى مصالح الناس فى الدنيا والأخرى، وهذا الظلم شامل للاعتداء والبغي والتحاكم إلى الطاغوت وغير ذلك.
والاستغفار لا يكون مقبولا إلا إذا ناجى العبد ربه عازما على اجتناب الذنب وعدم العودة إليه مع الصدق والإخلاص لله فى ذلك- أما الاستغفار باللسان عقب
80
الذنب دون أن يوجد هذا التوجه بالقلب فلا يكون استغفارا معتدّا به عند الله، إذ لا بد أن يشعر القلب أوّلا بألم المعصية وسوء مغبتها، وبالحاجة إلى التزكى من دنسها، مع العزم القوىّ على اجتناب هذا الدنس، ومتى أخلص الداعي أجاب الله دعاءه بإعطائه ما طلب أو بغيره من الأجر والثواب.
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أقسم سبحانه بربوبيته لرسوله بأن أولئك الذين رغبوا عن التحاكم إليك هم ومن ماثلهم من المنافقين، لا يؤمنون إيمانا حقا وهو إيمان الإذعان والانقياد إلا إذا كملت لهم ثلاث خصال:
(١) أن يحكموا الرسول فى القضايا التي يختصمون فيها ويشتجرون ولا يتبين لهم وجه الحق فيها (٢) ألا يجدوا حرجا وضيقا فيما يحكم به: أي أن تذعن نفوسهم لقضائه وحكمه فيما شجر بينهم بلا امتعاض من قبوله والعمل به، إذ المؤمن الكامل ينشرح صدره لحكم الرسول لأول وهلة، لأنه الحق وأن الخير والسعادة فى الإذعان له.
(٣) الانقياد والتسليم لذلك الحكم، فكثيرا ما يعرف الشخص أن الحكم حق، لكنه يتمرد عن قبوله عنادا أو يتردد فى ذلك.
وفى هذه الآية إشارة إلى شيئين:
(١) عصمة النبي ﷺ بمعنى أنه لا يحكم إلا بالحق المطابق لصورة الدعوى وظاهرها لا بحسب الواقع فى نفسه، إذ الحكم فى شريعته على الظاهر، والله يتولى السرائر،
وقد قال ﷺ «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلىّ فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هى قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها» رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن،
ومن ثم كانوا يسألونه إذا أمر بأمر لم يظهر لهم أنه الرأى، أعن وحي هو أم عن رأى؟ فإن كان عن وحي
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أقسم سبحانه بربوبيته لرسوله بأن أولئك الذين رغبوا عن التحاكم إليك هم ومن ماثلهم من المنافقين، لا يؤمنون إيمانا حقا وهو إيمان الإذعان والانقياد إلا إذا كملت لهم ثلاث خصال:
(١) أن يحكموا الرسول فى القضايا التي يختصمون فيها ويشتجرون ولا يتبين لهم وجه الحق فيها (٢) ألا يجدوا حرجا وضيقا فيما يحكم به: أي أن تذعن نفوسهم لقضائه وحكمه فيما شجر بينهم بلا امتعاض من قبوله والعمل به، إذ المؤمن الكامل ينشرح صدره لحكم الرسول لأول وهلة، لأنه الحق وأن الخير والسعادة فى الإذعان له.
(٣) الانقياد والتسليم لذلك الحكم، فكثيرا ما يعرف الشخص أن الحكم حق، لكنه يتمرد عن قبوله عنادا أو يتردد فى ذلك.
وفى هذه الآية إشارة إلى شيئين:
(١) عصمة النبي ﷺ بمعنى أنه لا يحكم إلا بالحق المطابق لصورة الدعوى وظاهرها لا بحسب الواقع فى نفسه، إذ الحكم فى شريعته على الظاهر، والله يتولى السرائر،
وقد قال ﷺ «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلىّ فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هى قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها» رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن،
ومن ثم كانوا يسألونه إذا أمر بأمر لم يظهر لهم أنه الرأى، أعن وحي هو أم عن رأى؟ فإن كان عن وحي
81
أطاعوا وسلموا، وإن كان عن رأى ذكروا ما عندهم، وربما يرجع إليهم كما حدث يوم بدر.
(٢) أنهم لا يكونون مؤمنين إيمانا صحيحا مستحقا للفوز بالثواب والنجاة من العقاب إلا إذا كانوا موقنين بقلوبهم مذعنين فى بواطنهم بصدق الرسول فى كل ما جاء به الدين.
ومن أمارة ذلك أن يحكّموه فيما شجر بينهم من خلاف، وألا يجدوا ضيقا وحرجا فى حكمه، إذ الضيق إنما يلازم قلب من لم يخضع، وأن ينقادوا انقيادا كاملا بلا تمرد ولا عناد فى قبوله.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٦ الى ٦٨]
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (٦٦) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨)
تفسير المفردات
كتبنا: أي فرضنا، ما يوعظون به: أي من الأوامر والنواهي المقرونة بذكر حكمها وأحكامها، والوعد لمن عمل بها، والوعيد لمن صدّ عنها، والتثبت: التقوية وجعل الشيء ثابتا راسخا.
المعنى الجملي
بعد أن بين عز اسمه فيما سلف أن الإيمان لا يتم إلا بتحكيم الرسول فيما شجر بينهم من خلاف مع التسليم والانقياد لحكمه- ذكر هنا قصور كثير من الناس فى ذلك، لوهن إسلامهم وضعف إيمانهم.
(٢) أنهم لا يكونون مؤمنين إيمانا صحيحا مستحقا للفوز بالثواب والنجاة من العقاب إلا إذا كانوا موقنين بقلوبهم مذعنين فى بواطنهم بصدق الرسول فى كل ما جاء به الدين.
ومن أمارة ذلك أن يحكّموه فيما شجر بينهم من خلاف، وألا يجدوا ضيقا وحرجا فى حكمه، إذ الضيق إنما يلازم قلب من لم يخضع، وأن ينقادوا انقيادا كاملا بلا تمرد ولا عناد فى قبوله.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٦ الى ٦٨]
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (٦٦) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨)
تفسير المفردات
كتبنا: أي فرضنا، ما يوعظون به: أي من الأوامر والنواهي المقرونة بذكر حكمها وأحكامها، والوعد لمن عمل بها، والوعيد لمن صدّ عنها، والتثبت: التقوية وجعل الشيء ثابتا راسخا.
المعنى الجملي
بعد أن بين عز اسمه فيما سلف أن الإيمان لا يتم إلا بتحكيم الرسول فيما شجر بينهم من خلاف مع التسليم والانقياد لحكمه- ذكر هنا قصور كثير من الناس فى ذلك، لوهن إسلامهم وضعف إيمانهم.
82
الإيضاح
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) أن اقتلوا أنفسكم: أي اقتلوها ببخع النفس (الانتحار) - كما أمر بنو إسرائيل بذلك ليتوبوا من عبادة العجل، وقوله أو اخرجوا من دياركم بالهجرة إلى بلاد أخرى، وقوله ما فعلوه: أي المأمور به من القتل والهجرة من الوطن.
بين الله لنا فى هذه الآية أن صادق الإيمان هو الذي يطيع الله فى كل ما يأمر به، فى السهل والصعب، والمحبوب والمكروه، ولو كان ذلك بقتل النفس والخروج من الديار (الجسم دار الروح والوطن دار الجسم) أما المنافق فيعبد الله على ما يوافق هواه وشهواته، فإن أصابه خير اطمأن به ورضى، وإن ناله أذى انقلب على وجهه وارتد على عقبه وباء بالخسران فى الدنيا والآخرة.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) أي ولو أنهم فعلوا ما أمروا به وتركوا ما نهوا عنه لكان ذلك خيرا لهم فى مصالحهم، وأشد تثبيتا لهم فى إيمانهم، إذ الأعمال هى التي تطبع الأخلاق والفضائل فى نفس العامل، وتبدد الأوهام والمخاوف من نفسه فبذل المال مثلا آية من آيات الإيمان وقربة من أعظم القرب، فمن فعله كان مؤمنا إيمانا صادقا، ومن آمن بذلك ولم يفعله كان علمه بمنافعه ومزاياه له وللأمة والدين علما ناقصا، فكلما دعا الداعي إلى البذل طاف به طائف البخل والإمساك، وعرض له شبح الفقر والإملاق، أو نقصان المال عن مال بعض الأقران، لكنه إذا اعتدل البذل صار السخاء خلقا له وسجية، وقلما امتنع عن فعله حين تدعو الحاجة إليه، إذ الطاعة تدعو إلى مثلها، فالمرء يطلب الخير أوّلا حتى إذا حصّله طلب أن يكون الحاصل ثابتا قويا.
(وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً، وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أي ولو أنهم فعلوا هذا الخير العظيم وامتثلوا ما أمروا به وأخلصوا العمل لأعطيناهم الثواب العظيم من عندنا، وكيف لا يكون عظيما وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم
بقوله «فيها ما لا عين رأت
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) أن اقتلوا أنفسكم: أي اقتلوها ببخع النفس (الانتحار) - كما أمر بنو إسرائيل بذلك ليتوبوا من عبادة العجل، وقوله أو اخرجوا من دياركم بالهجرة إلى بلاد أخرى، وقوله ما فعلوه: أي المأمور به من القتل والهجرة من الوطن.
بين الله لنا فى هذه الآية أن صادق الإيمان هو الذي يطيع الله فى كل ما يأمر به، فى السهل والصعب، والمحبوب والمكروه، ولو كان ذلك بقتل النفس والخروج من الديار (الجسم دار الروح والوطن دار الجسم) أما المنافق فيعبد الله على ما يوافق هواه وشهواته، فإن أصابه خير اطمأن به ورضى، وإن ناله أذى انقلب على وجهه وارتد على عقبه وباء بالخسران فى الدنيا والآخرة.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) أي ولو أنهم فعلوا ما أمروا به وتركوا ما نهوا عنه لكان ذلك خيرا لهم فى مصالحهم، وأشد تثبيتا لهم فى إيمانهم، إذ الأعمال هى التي تطبع الأخلاق والفضائل فى نفس العامل، وتبدد الأوهام والمخاوف من نفسه فبذل المال مثلا آية من آيات الإيمان وقربة من أعظم القرب، فمن فعله كان مؤمنا إيمانا صادقا، ومن آمن بذلك ولم يفعله كان علمه بمنافعه ومزاياه له وللأمة والدين علما ناقصا، فكلما دعا الداعي إلى البذل طاف به طائف البخل والإمساك، وعرض له شبح الفقر والإملاق، أو نقصان المال عن مال بعض الأقران، لكنه إذا اعتدل البذل صار السخاء خلقا له وسجية، وقلما امتنع عن فعله حين تدعو الحاجة إليه، إذ الطاعة تدعو إلى مثلها، فالمرء يطلب الخير أوّلا حتى إذا حصّله طلب أن يكون الحاصل ثابتا قويا.
(وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً، وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أي ولو أنهم فعلوا هذا الخير العظيم وامتثلوا ما أمروا به وأخلصوا العمل لأعطيناهم الثواب العظيم من عندنا، وكيف لا يكون عظيما وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم
بقوله «فيها ما لا عين رأت
83
ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»
ولهديناهم إلى طريق العمل الصالح على الوجه المرضى الموصل إلى الفوز بالسعادة فى الدنيا والآخرة، وهو صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين كما ذكر ذلك سبحانه بقوله:
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٩ الى ٧٠]
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (٧٠)
تفسير المفردات
الصدّيق: من غلب عليه الصدق، وقيل من صدق فى قوله واعتقاده كما قال (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) والشهيد: هو الذي يشهد بصحة الدين تارة بالحجة والبرهان، وأخرى بالسيف والسنان، والصالح: من صلحت نفسه وصلح عمله وغلبت حسناته سيئاته.
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه بطاعته وطاعة الرسول، ثم شنّع على الذين تحاكموا إلى الطاغوت وصدوا عن الرسول، ثم رغب فى تلك الطاعة بقوله: لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا، حث على الطاعة وشوّق إليها بذكر مزاياها وبيان حسن عواقبها وأنها منتهى ما تصل إليه الهمم، وأرفع ما تشرئبّ إليه الأعناق.
الإيضاح
(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) أي إن كل من يطيع الله ورسوله على الوجه المبين فى الآيات
ولهديناهم إلى طريق العمل الصالح على الوجه المرضى الموصل إلى الفوز بالسعادة فى الدنيا والآخرة، وهو صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين كما ذكر ذلك سبحانه بقوله:
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٩ الى ٧٠]
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (٧٠)
تفسير المفردات
الصدّيق: من غلب عليه الصدق، وقيل من صدق فى قوله واعتقاده كما قال (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) والشهيد: هو الذي يشهد بصحة الدين تارة بالحجة والبرهان، وأخرى بالسيف والسنان، والصالح: من صلحت نفسه وصلح عمله وغلبت حسناته سيئاته.
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه بطاعته وطاعة الرسول، ثم شنّع على الذين تحاكموا إلى الطاغوت وصدوا عن الرسول، ثم رغب فى تلك الطاعة بقوله: لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا، حث على الطاعة وشوّق إليها بذكر مزاياها وبيان حسن عواقبها وأنها منتهى ما تصل إليه الهمم، وأرفع ما تشرئبّ إليه الأعناق.
الإيضاح
(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) أي إن كل من يطيع الله ورسوله على الوجه المبين فى الآيات
84
السالفة ويفعل الأوامر ويترك النواهي يكون يوم القيامة مرافقا لأقرب عباد الله وأرفعهم درجات عنه، وهم الأصناف الأربعة الذين ذكروا فى الآية وهم صفوة الله من عباده، وقد وجدوا فى كل أمة، ومن أطاع الله ورسوله من هذه الأمة كان منهم وحشر يوم القيامة معهم.
(وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) أي إن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين يكونون كالرفقاء له من شدة محبتهم إياه وسرورهم برؤيته.
روى الطبراني وابن مردويه عن عائشة قالت «جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله إنك لأحب إلىّ من نفسى، وإنك لأحب إلىّ من ولدي، وإنى لأكون فى البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتى فانظر إليك، وإذا ذكرت موتى وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإنى إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك، فلم يردّ النبي ﷺ شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ) الآية».
وأخرج ابن أبى حاتم عن مسروق أن سبب نزولها قول الصحابة: يا رسول الله ما ينبغى لنا أن نفارقك فى الدنيا فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا ولم نرك. وقال الكلبي:
إن ثوبان مولى رسول الله ﷺ كان شديد الحب له قليل الصبر عنه، وقد نحل جسمه وتغير لونه خوف عدم رؤيته ﷺ بعد الموت، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ويؤيد هذه الروايات ما
رواه الطبراني مرفوعا «من أحب قوما حشره الله معهم»
وما
أخرجه الشيخان عن أنس «المرء مع من أحب»
وآية المحبة الطاعة كما قال تعالى «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ».
(ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ) أي إن هذا الذي ذكر من الجزاء لمن يطيع الله والرسول هو الفضل الذي لا يعلوه فضل، فإن السموّ إلى إحدى تلك المنازل فى الدنيا ومرافقة أهلها فى الآخرة هو منتهى ما يأمله المرء من السعادة، وبه يتفاضل الناس فيفضل بعضهم بعضا.
(وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) أي إن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين يكونون كالرفقاء له من شدة محبتهم إياه وسرورهم برؤيته.
روى الطبراني وابن مردويه عن عائشة قالت «جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله إنك لأحب إلىّ من نفسى، وإنك لأحب إلىّ من ولدي، وإنى لأكون فى البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتى فانظر إليك، وإذا ذكرت موتى وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإنى إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك، فلم يردّ النبي ﷺ شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ) الآية».
وأخرج ابن أبى حاتم عن مسروق أن سبب نزولها قول الصحابة: يا رسول الله ما ينبغى لنا أن نفارقك فى الدنيا فإنك إذا فارقتنا رفعت فوقنا ولم نرك. وقال الكلبي:
إن ثوبان مولى رسول الله ﷺ كان شديد الحب له قليل الصبر عنه، وقد نحل جسمه وتغير لونه خوف عدم رؤيته ﷺ بعد الموت، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ويؤيد هذه الروايات ما
رواه الطبراني مرفوعا «من أحب قوما حشره الله معهم»
وما
أخرجه الشيخان عن أنس «المرء مع من أحب»
وآية المحبة الطاعة كما قال تعالى «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ».
(ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ) أي إن هذا الذي ذكر من الجزاء لمن يطيع الله والرسول هو الفضل الذي لا يعلوه فضل، فإن السموّ إلى إحدى تلك المنازل فى الدنيا ومرافقة أهلها فى الآخرة هو منتهى ما يأمله المرء من السعادة، وبه يتفاضل الناس فيفضل بعضهم بعضا.
85
(وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً) أي كفى به سبحانه عليما بالعصاة والمطيعين، والمنافقين والمخلصين ومن يصلح لمرافقة هؤلاء ومن لا يصلح، فهو لا يعزب عن علمه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء.
وليحذر المنافقون المراءون لعلهم يتذكرون فيتوبوا، وليطمئن المؤمنون الصادقون لعلهم ينشطون ويزدادون فى الطاعة، ويبتعدون عن التقصير.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧١ الى ٧٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣)
تفسير المفردات
حذركم، الحذر والحذر كالمثل والمثل: الاحتراس والاستعداد لاتقاء شر العدو، النفر: الانزعاج عن الشيء وإلى الشيء كالنزوع عن الشيء وإلى الشيء، ومن الأول «وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً» ومن الثاني النفر إلى الحرب، والثبات: واحدها ثبة: وهى الجماعة المنفردة، والتبطؤ: يطلق على الإبطاء وعلى الحمل على البطء، والبطء: التأخر عن الانبعاث فى السير، مصيبة كقتل وهزيمة شهيدا: أي حاضرا معهم، فضل: كفتح وغنيمة.
وليحذر المنافقون المراءون لعلهم يتذكرون فيتوبوا، وليطمئن المؤمنون الصادقون لعلهم ينشطون ويزدادون فى الطاعة، ويبتعدون عن التقصير.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧١ الى ٧٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣)
تفسير المفردات
حذركم، الحذر والحذر كالمثل والمثل: الاحتراس والاستعداد لاتقاء شر العدو، النفر: الانزعاج عن الشيء وإلى الشيء كالنزوع عن الشيء وإلى الشيء، ومن الأول «وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً» ومن الثاني النفر إلى الحرب، والثبات: واحدها ثبة: وهى الجماعة المنفردة، والتبطؤ: يطلق على الإبطاء وعلى الحمل على البطء، والبطء: التأخر عن الانبعاث فى السير، مصيبة كقتل وهزيمة شهيدا: أي حاضرا معهم، فضل: كفتح وغنيمة.
86
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه فى هذه السورة كثيرا من الأمور الدينية من عبادته تعالى وعدم الشرك به، والمدنية كمعاملة ذوى القربى والجيران واليتامى والمساكين، والشخصية كأحكام الزواج والمصاهرة والمواريث، بيّن فى هذه الآيات بعض الأحكام الحربية والسياسية، ورسم لنا الطريق التي نسير عليها فى حفظ ملتنا وحكومتنا المبنية على تلك الأصول من الأعداء.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) أي احترسوا واستعدوا لاتقاء شر العدوّ، بأن تعرفوا حاله ومبلغ استعداده وقوته، وإذا كان لكم أعداء كثيرون فاعرفوا ما بينهم من وفاق وخلاف، واعرفوا الوسائل لمقاومتهم إذا هجموا، واعملوا بتلك الوسائل، ويدخل فى ذلك معرفة حال العدو ومعرفة أرضه وبلاده وأسلحته واستعمالها وما يتوقف على ذلك من معرفة الهندسة والكيمياء وجر الأثقال، وعلى الجملة اتخاذ أهبة الحرب المستعملة فيها من طيارات وقنابل ودبابات وبوارج مدرّعة ومدافع مضادة للطائرات إلى نحو ذلك حتى لا يهاجمكم على غرّة أو يهددكم فى دياركم، وحتى لا يعارضكم فى إقامة دينكم أو دعوتكم إليه.
وقد كان النبي ﷺ والصحابة على علم بأرض عدوهم، كما كان لهم عيون وجواسيس يأتونهم بالأخبار (قلم مخابرات) ولما أخبروه بنقض قريش للعهد (إخلالهم بشروط المعاهدة فى صلح الحديبية) استعد لفتح مكة ولم يفلح أبو سفيان فى تجديد العهد مرة أخرى، وقد كان يظن أن المسلمين لم يعلموا بنكثهم له.
وقد قال أبو بكر لخالد بن الوليد فى حرب اليمامة: حاربهم بمثل ما يحاربونك به، السيف بالسيف والرمح بالرمح.
بعد أن بين سبحانه فى هذه السورة كثيرا من الأمور الدينية من عبادته تعالى وعدم الشرك به، والمدنية كمعاملة ذوى القربى والجيران واليتامى والمساكين، والشخصية كأحكام الزواج والمصاهرة والمواريث، بيّن فى هذه الآيات بعض الأحكام الحربية والسياسية، ورسم لنا الطريق التي نسير عليها فى حفظ ملتنا وحكومتنا المبنية على تلك الأصول من الأعداء.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) أي احترسوا واستعدوا لاتقاء شر العدوّ، بأن تعرفوا حاله ومبلغ استعداده وقوته، وإذا كان لكم أعداء كثيرون فاعرفوا ما بينهم من وفاق وخلاف، واعرفوا الوسائل لمقاومتهم إذا هجموا، واعملوا بتلك الوسائل، ويدخل فى ذلك معرفة حال العدو ومعرفة أرضه وبلاده وأسلحته واستعمالها وما يتوقف على ذلك من معرفة الهندسة والكيمياء وجر الأثقال، وعلى الجملة اتخاذ أهبة الحرب المستعملة فيها من طيارات وقنابل ودبابات وبوارج مدرّعة ومدافع مضادة للطائرات إلى نحو ذلك حتى لا يهاجمكم على غرّة أو يهددكم فى دياركم، وحتى لا يعارضكم فى إقامة دينكم أو دعوتكم إليه.
وقد كان النبي ﷺ والصحابة على علم بأرض عدوهم، كما كان لهم عيون وجواسيس يأتونهم بالأخبار (قلم مخابرات) ولما أخبروه بنقض قريش للعهد (إخلالهم بشروط المعاهدة فى صلح الحديبية) استعد لفتح مكة ولم يفلح أبو سفيان فى تجديد العهد مرة أخرى، وقد كان يظن أن المسلمين لم يعلموا بنكثهم له.
وقد قال أبو بكر لخالد بن الوليد فى حرب اليمامة: حاربهم بمثل ما يحاربونك به، السيف بالسيف والرمح بالرمح.
87
وما رواه الحاكم عن عائشة «لا يغنى حدر من قدر» لا يناقض أخذ الحذر، لأن الأمر بالحذر داخل فى القدر، فالأمر به لندفع عنا شر الأعداء، لا لندفع القدر ونبطله، إذ القدر هو جريان الأمور بنظام تأتى فيه الأسباب على قدر المسببات، والحذر من جملة الأسباب فهو عمل بمقتضى القدر لا بما يضاده.
(فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) أي فانفروا جماعة إثر جماعة بأن تكونوا فصائل وفرقا- إذا كان الجيش كبيرا أو موقع العدو يستدعى ذلك- أو تنفر الأمة كلها جميعا إذا اقتضت الحال ذلك بحسب قوة العدو.
والخلاصة- إنكم إما أن تنفروا جماعات جماعات، وإما أن ينفر جميع المؤمنين على الإطلاق بحسب حال العدو.
وامتثال هذا الأمر يقتضى أن تكون الأمة على استعداد دائم للجهاد بأن يتعلم كل فرد من أفرادها فنون الحرب ويتمرن عليها، وأن تقتنى السلاح الذي تحتاج إليه فى هذا النضال، وتعلم كيفية استعماله فى كل زمان بما يناسبه.
ومن هذا تعلم أن الحكومة الإسلامية يجب عليها أن تقيم هذا الواجب بنفسها لا أن تبقى عالة على غيرها، وعلى الأمة أن تساعدها عليه، بل تلزمها إياه إذا قصرت فيه، بعكس ما نراه الآن من تراخى الأمم الإسلامية وضعفها وتوانيها فى ذلك، حتى طمعت فيها كل الدول التي تجاورها واجتاحتها من أطرافها واجتثت كثيرا من كورها وأقاليمها.
وقد شدد الدين أيما تشديد فى هذا الأمر فجاء مثل هذا فى قوله تعالى «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» وجاءت أحاديث كثيرة بهذا المعنى.
(وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) أي ليتثاقلن ويتأخرنّ عن الجهاد، والخطاب لجماعة المؤمنين بحسب الظاهر، ومنهم المنافقون وضعفة الإيمان والجبناء فالمنافقون يرغبون عن الحرب، لأنهم لا يحبون أن يبقى الإسلام وأهله ولا أن يدافعوا عنه، ويحموا بيضته
(فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) أي فانفروا جماعة إثر جماعة بأن تكونوا فصائل وفرقا- إذا كان الجيش كبيرا أو موقع العدو يستدعى ذلك- أو تنفر الأمة كلها جميعا إذا اقتضت الحال ذلك بحسب قوة العدو.
والخلاصة- إنكم إما أن تنفروا جماعات جماعات، وإما أن ينفر جميع المؤمنين على الإطلاق بحسب حال العدو.
وامتثال هذا الأمر يقتضى أن تكون الأمة على استعداد دائم للجهاد بأن يتعلم كل فرد من أفرادها فنون الحرب ويتمرن عليها، وأن تقتنى السلاح الذي تحتاج إليه فى هذا النضال، وتعلم كيفية استعماله فى كل زمان بما يناسبه.
ومن هذا تعلم أن الحكومة الإسلامية يجب عليها أن تقيم هذا الواجب بنفسها لا أن تبقى عالة على غيرها، وعلى الأمة أن تساعدها عليه، بل تلزمها إياه إذا قصرت فيه، بعكس ما نراه الآن من تراخى الأمم الإسلامية وضعفها وتوانيها فى ذلك، حتى طمعت فيها كل الدول التي تجاورها واجتاحتها من أطرافها واجتثت كثيرا من كورها وأقاليمها.
وقد شدد الدين أيما تشديد فى هذا الأمر فجاء مثل هذا فى قوله تعالى «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» وجاءت أحاديث كثيرة بهذا المعنى.
(وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) أي ليتثاقلن ويتأخرنّ عن الجهاد، والخطاب لجماعة المؤمنين بحسب الظاهر، ومنهم المنافقون وضعفة الإيمان والجبناء فالمنافقون يرغبون عن الحرب، لأنهم لا يحبون أن يبقى الإسلام وأهله ولا أن يدافعوا عنه، ويحموا بيضته
88
فهم يبطّئون عن القتال ويبطئون غيرهم عن النفر إليه، والجبناء وضعفة الإيمان يبطئون بأنفسهم عن القتال خورا وخوفا من صليل السيوف ومن الكرّ والفر ومقابلة العدو وهو شاكى السلاح.
ثم فصل أحوال هؤلاء الضعفاء فقال:
(فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) أي قال ذلك المبطّئ فرحا بما فعل حامدا رأيه شاكرا ربه، إذا أصابتكم المصيبة من قتل أو هزيمة- إن الله قد أنعم علىّ بالقعود فلم أكن حاضرا معهم فيصيبنى مثل ما أصابهم من البلاء والشدة.
(وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) أي ولئن منّ الله عليكم بالظفر وفتح البلاد فغنمتم وأخذتم السبايا والأسرى ليقولن قول من ليس منكم ومن لم تجمعه مودة بكم- ليتنى كنت معهم فأفوز كما فازوا، فهو قد نسى ما يجب عليه من مدّ يد المعونة إليكم وبذل كل ما يمكنه من نفس أو مال ليتمّ ذلك الظفر.
ولكن ضعف إيمانه أو جبنه منعه عن هذا، إذ هذا التمني بعد فوات الفرصة دليل على ضعف العقل وكونه ممن يشرى الحياة الدنيا بالآخرة، وفى قوله: كأن لم تكن بينكم وبينه مودة تقريع وتوبيخ بألطف القول وأرقّ العبارة، إذ أن قليلا من المودة كان ينبغى أن يمنع مثل هذا التمني وأن يعد هذا الإحجام نعمة، فهذا يشعر بأن صاحبه لا يرى نعمة الله على المؤمنين نعمة وفضلا عليه، ولا ما يصيبهم من جهد وبلاء كأنه يصيبه هو، مع أن القرآن يصرح بأن المؤمنين إخوة، والحديث يدل على أنهم كأعضاء الجسم الواحد وكالبنيان يشد بعضه بعضا.
ومن فوائد هذا الأسلوب أنه يؤثر فى نفس سامعه تأثيرا لا يدنو من مثله الطعن بهجر القول، إذ يدعو صاحبه إلى التأمل والتفكر فى حقيقة حاله ومعاتبة نفسه، والتوبة إلى ربه، والرجوع إلى أوامر دينه.
ثم فصل أحوال هؤلاء الضعفاء فقال:
(فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) أي قال ذلك المبطّئ فرحا بما فعل حامدا رأيه شاكرا ربه، إذا أصابتكم المصيبة من قتل أو هزيمة- إن الله قد أنعم علىّ بالقعود فلم أكن حاضرا معهم فيصيبنى مثل ما أصابهم من البلاء والشدة.
(وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) أي ولئن منّ الله عليكم بالظفر وفتح البلاد فغنمتم وأخذتم السبايا والأسرى ليقولن قول من ليس منكم ومن لم تجمعه مودة بكم- ليتنى كنت معهم فأفوز كما فازوا، فهو قد نسى ما يجب عليه من مدّ يد المعونة إليكم وبذل كل ما يمكنه من نفس أو مال ليتمّ ذلك الظفر.
ولكن ضعف إيمانه أو جبنه منعه عن هذا، إذ هذا التمني بعد فوات الفرصة دليل على ضعف العقل وكونه ممن يشرى الحياة الدنيا بالآخرة، وفى قوله: كأن لم تكن بينكم وبينه مودة تقريع وتوبيخ بألطف القول وأرقّ العبارة، إذ أن قليلا من المودة كان ينبغى أن يمنع مثل هذا التمني وأن يعد هذا الإحجام نعمة، فهذا يشعر بأن صاحبه لا يرى نعمة الله على المؤمنين نعمة وفضلا عليه، ولا ما يصيبهم من جهد وبلاء كأنه يصيبه هو، مع أن القرآن يصرح بأن المؤمنين إخوة، والحديث يدل على أنهم كأعضاء الجسم الواحد وكالبنيان يشد بعضه بعضا.
ومن فوائد هذا الأسلوب أنه يؤثر فى نفس سامعه تأثيرا لا يدنو من مثله الطعن بهجر القول، إذ يدعو صاحبه إلى التأمل والتفكر فى حقيقة حاله ومعاتبة نفسه، والتوبة إلى ربه، والرجوع إلى أوامر دينه.
89
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٤ الى ٧٦]
فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤) وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦)تفسير المفردات
سبيل الله: هى تأييد الحق والانتصار له، بإعلاء كلمة الدين ونشر دعوته، ودفاع الأعداء إذا هددوا أمتنا، أو أغاروا على أرضنا، أو نهبوا أموالنا، أو صدونا عن استعمال حقوقنا مع الناس، ويشرون: يبيعون كما جاء فى قوله «وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ» وقوله «وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ» وقوله «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ». والطاغوت: من الطغيان، وهو مجاوزة الحق والعدل والخير إلى الباطل والظلم والشر، والكيد: السعى فى الفساد على وجه الحيلة.
المعنى الجملي
بعد أن بين عز اسمه حال ضعفاء الإيمان الذين يبطئون عن القتال فى سبيله دلهم بهذه الآية على طريق تطهير نفوسهم من ذلك الذنب العظيم ذنب القعود عن القتال، وأمر به إيثارا لما عند الله من الأجر والثواب على ما فى الدنيا من نعيم زائل، وعرضي يفنى.
90
الإيضاح
(فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) أي فليقاتل فى سبيل الله من أراد أن يبيع الحياة الدنيا ويبذلها ويجعل الآخرة ثمنا لها وعوضا منها، لأنه يكون قد أعز دين الله وجعل كلمته هى العليا، وكلمة الذين كفروا هى السفلى، والله عزيز ذو انتقام.
ثم رغّب فى القتال بعد الأمر به بذكر الثواب عليه فقال:
(وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) أي ومن يقاتل فى سبيله فيظفر به عدوه أو يظفر هو بعدوه، فإن الله سيؤتيه أجرا عظيما من عنده خالدا أبدا فى دار الجزاء.
وفى الآية إيماء إلى شرف الجهاد، لأنه إنما كان فى سبيل الحق والعدل والخير لا فى سبيل الهوى والطمع، كما أن فيها إيماء إلى أنه ينبغى للمقاتل أن يوطن نفسه على أحد الأمرين: إما أن يقتله العدو ويكرم نفسه بالشهادة، وإما أن يظفر به فيعزّ كلمة الحق والدين، ولا يحدّث نفسه بالهرب بحال، لأنه إن فعل ذلك فما أسرع ما يقع فى ذلك الفخّ الذي نصبه لنفسه.
ثم زاد ترغيبا فيه فقال:
(وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي وأىّ عذر لكم يمنعكم أن تقاتلوا فى سبيل الله لتقيموا التوحيد مقام الشرك، وتحلّوا الخير محل الشر، وتضعوا العدل والرحمة موضع الظلم والقسوة.
(وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) أي وفى سبيل المستضعفين إخوانكم فى الدين الذين استذلهم أهل مكة الأقوياء الجبابرة وآذوهم أشد الإيذاء، ليمنعوهم من الهجرة ويفتنوهم عن دينهم ويردوهم فى ملتهم.
وقد جعل الله هؤلاء سبيلا لإثارة النخوة وهزّ الأريحية، وإيقاظ شعور الرحمة والأنفة، فوصفهم بما يجعل نفس الحر تشتعل حماسة وغيرة على إنقاذهم والسعى فى رفع الظلم عنهم فقال:
(فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) أي فليقاتل فى سبيل الله من أراد أن يبيع الحياة الدنيا ويبذلها ويجعل الآخرة ثمنا لها وعوضا منها، لأنه يكون قد أعز دين الله وجعل كلمته هى العليا، وكلمة الذين كفروا هى السفلى، والله عزيز ذو انتقام.
ثم رغّب فى القتال بعد الأمر به بذكر الثواب عليه فقال:
(وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) أي ومن يقاتل فى سبيله فيظفر به عدوه أو يظفر هو بعدوه، فإن الله سيؤتيه أجرا عظيما من عنده خالدا أبدا فى دار الجزاء.
وفى الآية إيماء إلى شرف الجهاد، لأنه إنما كان فى سبيل الحق والعدل والخير لا فى سبيل الهوى والطمع، كما أن فيها إيماء إلى أنه ينبغى للمقاتل أن يوطن نفسه على أحد الأمرين: إما أن يقتله العدو ويكرم نفسه بالشهادة، وإما أن يظفر به فيعزّ كلمة الحق والدين، ولا يحدّث نفسه بالهرب بحال، لأنه إن فعل ذلك فما أسرع ما يقع فى ذلك الفخّ الذي نصبه لنفسه.
ثم زاد ترغيبا فيه فقال:
(وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أي وأىّ عذر لكم يمنعكم أن تقاتلوا فى سبيل الله لتقيموا التوحيد مقام الشرك، وتحلّوا الخير محل الشر، وتضعوا العدل والرحمة موضع الظلم والقسوة.
(وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) أي وفى سبيل المستضعفين إخوانكم فى الدين الذين استذلهم أهل مكة الأقوياء الجبابرة وآذوهم أشد الإيذاء، ليمنعوهم من الهجرة ويفتنوهم عن دينهم ويردوهم فى ملتهم.
وقد جعل الله هؤلاء سبيلا لإثارة النخوة وهزّ الأريحية، وإيقاظ شعور الرحمة والأنفة، فوصفهم بما يجعل نفس الحر تشتعل حماسة وغيرة على إنقاذهم والسعى فى رفع الظلم عنهم فقال:
91
(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) أي إن هؤلاء المستضعفين فقدوا النصير والمعين، وتقطعت بهم أسباب الرجاء، فاستغاثوا بربهم ودعوه ليفرّج كربهم ويخرجهم من تلك القرية (مكة) لظلم أهلها لهم ويسخّر لهم بعنايته من يتولى أمرهم وينصرهم على من ظلمهم فيتمكنوا بذلك من الهجرة إليكم ويرتبطوا بكم بأقوى الروابط وهى رابطة الإيمان فهى أقوى من رابطة الأنساب والأوطان، وما كل أحد من المسلمين قدر على الهجرة، فقد كانوا يصدونهم عنها ويعذبون مريديها عذابا شديدا، وما شرع القتال إلا لعدم حرية الدين، وظلم المشركين للمسلمين، فالقتال قبيح ولا يجيزه العقل السليم إلا لإزالة قبيح أشد منه ضررا، والأمور بمقاصدها وغاياتها كما قال:
(الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) أي إن المؤمنين إنما يقاتلون لأجل إعلاء كلمة الحق، والكافرين إنما يقاتلون اتباعا لوسوسة الشيطان وتزيينا للكفر، فلو ترك المؤمنون القتال لغلب الطغيان وعم الفساد «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ».
ثم حث مرة أخرى على القتال وبين لهم ضعف عدوهم فقال:
(فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) أي فقاتلوا أيها المؤمنون أولياء الرحمن- أولياء الشيطان الذين زين لهم الشيطان بوسوسته وخداعه أن فى الظلم وإهلاك الحرث والنسل شرفا لهم أيّما شرف.
وقد جرت سنة الله أن الحق يعلو والباطل يسفل، وأن الذي يبقى هو الأصلح والأمثل فالذين يقاتلون فى سبيل الله يطلبون ما تقتضيه سنة العمران، والذين يقاتلون فى سبيل الشيطان يطلبون الانتقام والاستعلاء فى الأرض بغير الحق، وتسخير الناس لأغراضهم وشهواتهم، وسنن العمران تأبى ذلك فلا يكون لذلك قوة ولا بقاء، إلا لنومة أهل الحق عن حقهم، فإذا هم أفاقوا من غفوتهم تغلب الحق على الباطل ورده خاسئا محسورا
(الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) أي إن المؤمنين إنما يقاتلون لأجل إعلاء كلمة الحق، والكافرين إنما يقاتلون اتباعا لوسوسة الشيطان وتزيينا للكفر، فلو ترك المؤمنون القتال لغلب الطغيان وعم الفساد «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ».
ثم حث مرة أخرى على القتال وبين لهم ضعف عدوهم فقال:
(فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) أي فقاتلوا أيها المؤمنون أولياء الرحمن- أولياء الشيطان الذين زين لهم الشيطان بوسوسته وخداعه أن فى الظلم وإهلاك الحرث والنسل شرفا لهم أيّما شرف.
وقد جرت سنة الله أن الحق يعلو والباطل يسفل، وأن الذي يبقى هو الأصلح والأمثل فالذين يقاتلون فى سبيل الله يطلبون ما تقتضيه سنة العمران، والذين يقاتلون فى سبيل الشيطان يطلبون الانتقام والاستعلاء فى الأرض بغير الحق، وتسخير الناس لأغراضهم وشهواتهم، وسنن العمران تأبى ذلك فلا يكون لذلك قوة ولا بقاء، إلا لنومة أهل الحق عن حقهم، فإذا هم أفاقوا من غفوتهم تغلب الحق على الباطل ورده خاسئا محسورا
92
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ
ﱌ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ
ﱍ
ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙ
ﱎ
إلى أن الذين يقاتلون فى تأييد الحق تتوجه هممهم إلى إتمام الاستعداد ويكونون أجدر بالثبات والصبر، وفى ذلك من القوة ما ليس فى كثرة العدد والعدد.
وهذا فى الحروب الدينية التي قد تركها المسلمون منذ أزمان طويلة، ولو وجدت فى الأرض حكومة إسلامية تقيم القرآن وتحوط الدين وأهله بما أوجبه من إعداد العدّة للحرب لاتخذها أهل المدنية قدوة لهم وإماما فى أعمالهم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٧ الى ٧٩]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٧٩)
تفسير المفردات
كفوا أيديكم: أي عن القتال، كتب عليهم: أي أمروا به، يخشون الناس:
أي يخافون أن يقتلهم المشركون، كخشية الله: أي كما يخافون أن ينزل الله عليهم بأسه
وهذا فى الحروب الدينية التي قد تركها المسلمون منذ أزمان طويلة، ولو وجدت فى الأرض حكومة إسلامية تقيم القرآن وتحوط الدين وأهله بما أوجبه من إعداد العدّة للحرب لاتخذها أهل المدنية قدوة لهم وإماما فى أعمالهم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٧ الى ٧٩]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨) ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٧٩)
تفسير المفردات
كفوا أيديكم: أي عن القتال، كتب عليهم: أي أمروا به، يخشون الناس:
أي يخافون أن يقتلهم المشركون، كخشية الله: أي كما يخافون أن ينزل الله عليهم بأسه
93
وعذابه، لولا أخرتنا إلى أجل قريب: أي هلا تركتنا حتى نموت حتف أنوفنا بآجالنا القريبة، متاع الدنيا: ما يستمتعون به من لذاتها، قليل: أي سريع الزوال، أينما تكونوا يدرككم الموت: أي فى أي مكان كنتم يلحقكم الموت، البروج المشيدة:
القصور العالية المطلية بالشيّد، وهو الجص، أو الحصون والقلاع المتينة التي تعتصم فيها حامية الجند، حسنة: أي شىء يحسن عند صاحبه كالرضاء والخصب والظفر بالغنيمة، سيئة: هى ما تسوء صاحبها كالشدة والبأساء والضراء والهزيمة والجرح والقتل، يفقهون حديثا: يفهمون كلاما يوعظون به.
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه بأخذ الحذر والاستعداد للقتال والنفر له، وذكر حال المبطئين الذين ضعفت قلوبهم، وأمرهم بالقتال فى سبيله وفى سبيل إنقاذ المستضعفين.
ذكر هنا أن الإسلام كلفهم ترك ما كانوا عليه فى الجاهلية من تخاصم وتلاحم وحروب مستمرة ولا سيما بين قبيلتى الأوس والخزرج، فإن الحروب بينهم لم تنقطع إلا بمجىء الإسلام، وأمرهم بكف أيديهم عن القتال والعدوان على غيرهم، وطلب إليهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لما فيهما من تهذيب النفوس والعطف والرحمة حتى خمدت من نفوس كثير منهم حمية الجاهلية وحل محلها شريف العواطف الإنسانية، إلى أن اشتدت الحاجة إلى القتال للذود عن بيضة الإسلام ودفع العدوان من أولئك المشركين الذين آذوا المسلمين وأحبوا فتنتهم فى دينهم وردهم إلى ما كانوا عليه، ففرضه عليهم فكرهه المنافقون والضعفاء فنعى ذلك عليهم ووبخهم أشد التوبيخ.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) الخطاب لجماعة المسلمين وفيهم المنافقون والضعفاء، أي ألم تر إلى أولئك الذين أمرهم الله بحقن الدماء
القصور العالية المطلية بالشيّد، وهو الجص، أو الحصون والقلاع المتينة التي تعتصم فيها حامية الجند، حسنة: أي شىء يحسن عند صاحبه كالرضاء والخصب والظفر بالغنيمة، سيئة: هى ما تسوء صاحبها كالشدة والبأساء والضراء والهزيمة والجرح والقتل، يفقهون حديثا: يفهمون كلاما يوعظون به.
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه بأخذ الحذر والاستعداد للقتال والنفر له، وذكر حال المبطئين الذين ضعفت قلوبهم، وأمرهم بالقتال فى سبيله وفى سبيل إنقاذ المستضعفين.
ذكر هنا أن الإسلام كلفهم ترك ما كانوا عليه فى الجاهلية من تخاصم وتلاحم وحروب مستمرة ولا سيما بين قبيلتى الأوس والخزرج، فإن الحروب بينهم لم تنقطع إلا بمجىء الإسلام، وأمرهم بكف أيديهم عن القتال والعدوان على غيرهم، وطلب إليهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لما فيهما من تهذيب النفوس والعطف والرحمة حتى خمدت من نفوس كثير منهم حمية الجاهلية وحل محلها شريف العواطف الإنسانية، إلى أن اشتدت الحاجة إلى القتال للذود عن بيضة الإسلام ودفع العدوان من أولئك المشركين الذين آذوا المسلمين وأحبوا فتنتهم فى دينهم وردهم إلى ما كانوا عليه، ففرضه عليهم فكرهه المنافقون والضعفاء فنعى ذلك عليهم ووبخهم أشد التوبيخ.
الإيضاح
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) الخطاب لجماعة المسلمين وفيهم المنافقون والضعفاء، أي ألم تر إلى أولئك الذين أمرهم الله بحقن الدماء
94
وكف الأيدى من الاعتداء، وإقامة الصلاة والخشوع لله، وإيتاء الزكاة التي تمكّن الإيمان فى القلوب، وتشد أواصر التراحم بين الخلق، وقد كانوا من قبل ذوى إحن وأحقاد وتخاصم وتلاحم وحروب مستمرة، فلما جاء الإسلام أحبوا أن يكتب عليهم القتال ليسيروا على ما تعودوه، ولكن حين كتب عليهم كرهه الضعفاء منهم وخافوا أن يقاتلهم الكفار وينزلوا بهم النكال والوبال، كما خافوا أن ينزل الله بهم بأسه وعقابه بل رجح خوفهم من الناس على خوفهم من الله.
ثم بين شدة هلعهم من القتال فقال حكاية عنهم:
(وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) أي وقالوا ربنا لماذا كتبت علينا القتال فى هذا الوقت؟ هلا أخرتنا حينا من الدهر نموت حتف أنوفنا موتا طبيعيا، وربما لا يكونون قد قصدوا وقتا معينا بل قصدوا من ذلك الهرب والتفصى عن القتال كما تقول لمن يرهقك عسرا فى أمره: أمهلنى قليلا، أنظرنى إلى أجل.
وقد أمر الله رسوله أن يردّ عليهم شبهتهم فقال:
(قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى) أي إن طلبكم للإنظار إنما هو خشية الموت والرغبة فى متاع الدنيا ولذاتها، مع أن كل ما يتمتع به فى الدنيا فهو قليل بالنسبة إلى متاع الآخرة، لأنه محدود فان، ومتاع الآخرة كثير باق ولا يناله إلا من اتقى الله وابتعد عن الأسباب التي تدنس النفس بالشرك والأخلاق الذميمة، فحاسبوا أنفسكم واعلموا أنكم ستجزون بأعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
(وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) أي ولا تنقصون من الجزاء على أعمالكم مقدار فتيل- والفتيل ما يكون فى شق نواة التمر مثل الخيط، وبه يضرب المثل فى القلة والحقارة-.
ثم رغهم فى القتال وبين لهم أن الموت مصير كل شىء فقال:
(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) أي إن الموت أمر محتم لا مهرب منه، فهو لا بد أن يدرككم فى أي مكان ولو تحصنتم فى شواهق القصور التي يسكنها ذوو الثراء والنعمة أو فى القلاع والحصون التي تقطنها حامية الجند، وإذا كان الموت لا مفر منه، وكان المرء قد يقتحم غمار الوغى، ولا يصاب بالأذى، وقد يموت
ثم بين شدة هلعهم من القتال فقال حكاية عنهم:
(وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) أي وقالوا ربنا لماذا كتبت علينا القتال فى هذا الوقت؟ هلا أخرتنا حينا من الدهر نموت حتف أنوفنا موتا طبيعيا، وربما لا يكونون قد قصدوا وقتا معينا بل قصدوا من ذلك الهرب والتفصى عن القتال كما تقول لمن يرهقك عسرا فى أمره: أمهلنى قليلا، أنظرنى إلى أجل.
وقد أمر الله رسوله أن يردّ عليهم شبهتهم فقال:
(قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى) أي إن طلبكم للإنظار إنما هو خشية الموت والرغبة فى متاع الدنيا ولذاتها، مع أن كل ما يتمتع به فى الدنيا فهو قليل بالنسبة إلى متاع الآخرة، لأنه محدود فان، ومتاع الآخرة كثير باق ولا يناله إلا من اتقى الله وابتعد عن الأسباب التي تدنس النفس بالشرك والأخلاق الذميمة، فحاسبوا أنفسكم واعلموا أنكم ستجزون بأعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
(وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) أي ولا تنقصون من الجزاء على أعمالكم مقدار فتيل- والفتيل ما يكون فى شق نواة التمر مثل الخيط، وبه يضرب المثل فى القلة والحقارة-.
ثم رغهم فى القتال وبين لهم أن الموت مصير كل شىء فقال:
(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) أي إن الموت أمر محتم لا مهرب منه، فهو لا بد أن يدرككم فى أي مكان ولو تحصنتم فى شواهق القصور التي يسكنها ذوو الثراء والنعمة أو فى القلاع والحصون التي تقطنها حامية الجند، وإذا كان الموت لا مفر منه، وكان المرء قد يقتحم غمار الوغى، ولا يصاب بالأذى، وقد يموت
95
المعتصم فى البروج والحصون وهو فى غضارة العيش فلا عذر لكم أيها المثبطون المبطئون ولماذا تختارون لأنفسكم الحقير على العظيم؟ ولماذا لا تدافعون عن الحق وتمنعون الشر أن يفشو حتى تستحقوا مرضاة الله وسعادة الآخرة؟ ولماذا تكرهون القتال وتجبنون وتخافون الناس وتتمنون البقاء، أليس هذا بضعف فى الدين وركّة فى العقل وخور فى العزيمة تؤاخذون بها وتقوم عليكم بها الحجة.
ثم ذكر سبحانه شأنا آخر من شئونهم أشد دلالة على الحمق وضعف العقل ومرض القلب فقال (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ، قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي إن أصابهم رخاء ونعمة قالوا إن الله أكرمهم بها عناية بهم وليس لهداية الرسول أثر فى ذلك، وإن أصابهم شدة وجهد قالوا هذا من شؤم محمد علينا، وهذه مقالة اليهود والمنافقين حين قدم النبي ﷺ المدينة وأصابهم القحط والجدب، وهذا زعم باطل منهم، فكل من النعمة والبلية من عند الله خلقا وإيجادا يقع فى ملكه بحسب السنن التي وضعها والأسباب والمسببات التي أوجدها (فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) أي ماذا أصاب هؤلاء القوم وماذا دهاهم فى عقولهم؟ فهم لا يعقلون حقيقة ما يلقونه من الحديث ولا ما يلقى إليهم، وإنما يأخذون بما يطفو من المعنى بادىء الرأى دون تمحيص ولا تحقيق، وإذا كانوا قد حرموا هذا الفقه من كل حديث، فما أحراهم أن يحرموه من حديث يبلغه الرسول عن ربه فى الإخبار عن نظم الاجتماع وارتباط الأسباب بالمسببات، وعما أحاط الله به المصطفين الأخيار من وافر الفضل وخصهم به من جميل الرعاية، فتلك الحكم العالية لا تنال إلا بفضل الروية وطول الأناة والتدبير، ومن وصل إلى هذا القدر من الفهم لا يقول إن السيئة لا تقع بشؤم أحد، بل ينسب كل شىء إلى سببه.
وفى الآية إيماء إلى أن حصيف الرأى يجب أن يطلب فقه القول دون الأخذ بالجمل والظواهر، إذ من قنع بذلك بقي فى عماية ويظل طوال دهره غرّا جاهلا بما يحيط به من نظم هذا العالم.
ثم ذكر سبحانه شأنا آخر من شئونهم أشد دلالة على الحمق وضعف العقل ومرض القلب فقال (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ، قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي إن أصابهم رخاء ونعمة قالوا إن الله أكرمهم بها عناية بهم وليس لهداية الرسول أثر فى ذلك، وإن أصابهم شدة وجهد قالوا هذا من شؤم محمد علينا، وهذه مقالة اليهود والمنافقين حين قدم النبي ﷺ المدينة وأصابهم القحط والجدب، وهذا زعم باطل منهم، فكل من النعمة والبلية من عند الله خلقا وإيجادا يقع فى ملكه بحسب السنن التي وضعها والأسباب والمسببات التي أوجدها (فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) أي ماذا أصاب هؤلاء القوم وماذا دهاهم فى عقولهم؟ فهم لا يعقلون حقيقة ما يلقونه من الحديث ولا ما يلقى إليهم، وإنما يأخذون بما يطفو من المعنى بادىء الرأى دون تمحيص ولا تحقيق، وإذا كانوا قد حرموا هذا الفقه من كل حديث، فما أحراهم أن يحرموه من حديث يبلغه الرسول عن ربه فى الإخبار عن نظم الاجتماع وارتباط الأسباب بالمسببات، وعما أحاط الله به المصطفين الأخيار من وافر الفضل وخصهم به من جميل الرعاية، فتلك الحكم العالية لا تنال إلا بفضل الروية وطول الأناة والتدبير، ومن وصل إلى هذا القدر من الفهم لا يقول إن السيئة لا تقع بشؤم أحد، بل ينسب كل شىء إلى سببه.
وفى الآية إيماء إلى أن حصيف الرأى يجب أن يطلب فقه القول دون الأخذ بالجمل والظواهر، إذ من قنع بذلك بقي فى عماية ويظل طوال دهره غرّا جاهلا بما يحيط به من نظم هذا العالم.
96
(ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقصود منه من أرسل إليهم.
أي إن كل حسنة تصيبك أيها المؤمن فهى من فضل الله وجوده، فهو الذي سخر لك المنافع التي تتمتع بها وتحسن لديك، فقد سخر لك الهواء الذي يحفظ الحياة، والماء العذب الذي يمد كل الأحياء، وأزواج النبات والحيوان وغيرهما من موادّ الغذاء وأنعم عليك بوسائل الراحة والهناء، وكل سيئة تصيبك فهى من نفسك فإنك بما أوتيت من قدرة على العمل، واختيار فى درء المفاسد وجلب المنافع، وترجيح لبعض المقاصد على بعض، قد تخطىء فى معرفة ما يسوء وما ينفع، لأنك لا تضبط إرادتك وهواك، ولا تحيط علما بالسنن والأسباب، فأنت ترجح بعضا على بعض إما بالهوى أو قبل أن تحيط خبرا بمعرفة النافع والضار فتقع فيما يسوء.
والخلاصة- إن هاهنا شيئين لا بد من معرفتهما:
١) إن كل شىء من عند الله على معنى أنه خالق الأشياء وواضع النظم والسنن للوصول إلى هذه الأشياء بسعى الإنسان وكسبه، وكل شىء حسن بهذا الاعتبار لأنه مظهر الإبداع والنظام.
٢) إن الإنسان لا يقع فيما يسوءه إلا بتقصير منه فى معرفة السنن والأسباب، فالسوء إنما ينسب إلى الأشياء بتصرف الإنسان باعتبار أنها تسوءه وليس بذاتىّ لها، ومن ثم ينسب ذلك إلى الإنسان، فالمرض مثلا يسوءه، وهو إنما يكون بتقصيره فى السير على نهج الفطرة فى التغذية، فقد يكون من تخمة قادته إليها شهوته أو من إفراط فى تعب أو راحة أو من تعرض للبرد القارس أو للحر الشديد أو نحو أولئك من لأسباب التي ترجع كلها إلى سوء الاختيار، كما أن الأمراض الموروثة هى من جناية الإنسان على الإنسان فهى من نفسه أيضا، لا من أصل الفطرة والطبيعة التي هى محض خلق الله دون اختيار الإنسان لنفسه، فالوالدان قد يجنيان على المرء بتعريض أنفسهما
أي إن كل حسنة تصيبك أيها المؤمن فهى من فضل الله وجوده، فهو الذي سخر لك المنافع التي تتمتع بها وتحسن لديك، فقد سخر لك الهواء الذي يحفظ الحياة، والماء العذب الذي يمد كل الأحياء، وأزواج النبات والحيوان وغيرهما من موادّ الغذاء وأنعم عليك بوسائل الراحة والهناء، وكل سيئة تصيبك فهى من نفسك فإنك بما أوتيت من قدرة على العمل، واختيار فى درء المفاسد وجلب المنافع، وترجيح لبعض المقاصد على بعض، قد تخطىء فى معرفة ما يسوء وما ينفع، لأنك لا تضبط إرادتك وهواك، ولا تحيط علما بالسنن والأسباب، فأنت ترجح بعضا على بعض إما بالهوى أو قبل أن تحيط خبرا بمعرفة النافع والضار فتقع فيما يسوء.
والخلاصة- إن هاهنا شيئين لا بد من معرفتهما:
١) إن كل شىء من عند الله على معنى أنه خالق الأشياء وواضع النظم والسنن للوصول إلى هذه الأشياء بسعى الإنسان وكسبه، وكل شىء حسن بهذا الاعتبار لأنه مظهر الإبداع والنظام.
٢) إن الإنسان لا يقع فيما يسوءه إلا بتقصير منه فى معرفة السنن والأسباب، فالسوء إنما ينسب إلى الأشياء بتصرف الإنسان باعتبار أنها تسوءه وليس بذاتىّ لها، ومن ثم ينسب ذلك إلى الإنسان، فالمرض مثلا يسوءه، وهو إنما يكون بتقصيره فى السير على نهج الفطرة فى التغذية، فقد يكون من تخمة قادته إليها شهوته أو من إفراط فى تعب أو راحة أو من تعرض للبرد القارس أو للحر الشديد أو نحو أولئك من لأسباب التي ترجع كلها إلى سوء الاختيار، كما أن الأمراض الموروثة هى من جناية الإنسان على الإنسان فهى من نفسه أيضا، لا من أصل الفطرة والطبيعة التي هى محض خلق الله دون اختيار الإنسان لنفسه، فالوالدان قد يجنيان على المرء بتعريض أنفسهما
97
للمرض الذي ينتقل إلى نسلهما بالوراثة، كما يجنيان عليه فى صغره بعدم وقايته من أسبابه حين يكون اختيارهما له تاما قائما مقام اختياره لنفسه.
وأحيانا تسند الأشياء جميعها إلى الله ويقال إنها من عنده بمعنى أنه هو الخالق لها والواضع لسنن الأسباب والمسببات فيها.
ويسند إلى الإنسان منها كل ماله فيه كسب وعمل اختياري سواء كان من الحسنات والسيئات، وقد مضى بهذا كلام الناس وأيدته نصوص الكتاب والسنة كقوله تعالى «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ».
وبهذا الاعتبار يقال إصابة الحسنة من فضل الله تعالى مطلقا، وإصابة السيئة من نفس الإنسان مطلقا، ولكل من الإطلاقين مقام يقال فيه، والمقام الذي سيقت له الآية فى بيان نفى الشؤم والتطير وإبطالهما، ليعلم الناس أن ما يصيبهم من السيئات لا يكون بشؤم أحد، وكانوا يتشاءمون ويتطيرون فى الجاهلية، وقد أبطل ذلك الإسلام لكنه لا يزال فاشيا إلى الآن.
وينبغى للإنسان حينما تصيبه سيئة أن يبحث عن سببها من نفسه، لأنها إنما تصيبه لجهله بالسنن التي وضعها الله من التماس المنافع من أسبابها، واتقاء المضار بالبعد عن أسبابها، بترجيحه فعل ما ينفع على فعل ما يضر.
وقد تضافرت الآثار على أن طاعة الله من أسباب النعم، وأن عصيانه مما يجلب النقم وطاعته إنما تكون باتباع سنته وصرف ما وهب من الوسائل فيما وهب لأجله، وهذه الآية أصل من أصول الاجتماع وعلم النفس، وفيها شفاء للناس من خرافات الوثنية، وارتفاع وتكريم للنفس الإنسانية.
(وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا) والرسول ليس عليه إلا البلاغ، وليس له دخل فيما يصيب الناس من الحسنات والسيئات، لأنه لم يرسل إلا للتبليغ والهداية، لا للتصرف فى نظم الكون وتحويل سنن الاجتماع أو تبديلها، فما زعمه أولئك الجاهلون من أن السيئة
وأحيانا تسند الأشياء جميعها إلى الله ويقال إنها من عنده بمعنى أنه هو الخالق لها والواضع لسنن الأسباب والمسببات فيها.
ويسند إلى الإنسان منها كل ماله فيه كسب وعمل اختياري سواء كان من الحسنات والسيئات، وقد مضى بهذا كلام الناس وأيدته نصوص الكتاب والسنة كقوله تعالى «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ».
وبهذا الاعتبار يقال إصابة الحسنة من فضل الله تعالى مطلقا، وإصابة السيئة من نفس الإنسان مطلقا، ولكل من الإطلاقين مقام يقال فيه، والمقام الذي سيقت له الآية فى بيان نفى الشؤم والتطير وإبطالهما، ليعلم الناس أن ما يصيبهم من السيئات لا يكون بشؤم أحد، وكانوا يتشاءمون ويتطيرون فى الجاهلية، وقد أبطل ذلك الإسلام لكنه لا يزال فاشيا إلى الآن.
وينبغى للإنسان حينما تصيبه سيئة أن يبحث عن سببها من نفسه، لأنها إنما تصيبه لجهله بالسنن التي وضعها الله من التماس المنافع من أسبابها، واتقاء المضار بالبعد عن أسبابها، بترجيحه فعل ما ينفع على فعل ما يضر.
وقد تضافرت الآثار على أن طاعة الله من أسباب النعم، وأن عصيانه مما يجلب النقم وطاعته إنما تكون باتباع سنته وصرف ما وهب من الوسائل فيما وهب لأجله، وهذه الآية أصل من أصول الاجتماع وعلم النفس، وفيها شفاء للناس من خرافات الوثنية، وارتفاع وتكريم للنفس الإنسانية.
(وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا) والرسول ليس عليه إلا البلاغ، وليس له دخل فيما يصيب الناس من الحسنات والسيئات، لأنه لم يرسل إلا للتبليغ والهداية، لا للتصرف فى نظم الكون وتحويل سنن الاجتماع أو تبديلها، فما زعمه أولئك الجاهلون من أن السيئة
98
تصيبهم بشؤمه، محض خرافة لا مستند لها من عقل أو نقل ومخالف لما بينه الله تعالى من وظيفة الرسل.
(وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً) أنك أرسلت للناس كافة بشيرا ونذيرا لا مسيطرا ولا جبارا ولا مغيّرا لنظم الكون وتحويل سنن الاجتماع أو تبديلها «فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا».
[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٠ الى ٨٢]
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (٨٠) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٨١) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢)
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه فيما تقدم بطاعة الله وطاعة الرسول وبين جزاء المطيع وأحوال الناس فى هذه الطاعة بحسب قوة الإيمان وضعفه، ثم أمر بالقتال وبين مراتب الناس فى الامتثال له، أعاد هنا الأمر بالطاعة وبين أنها أولا وبالذات لله، ولغيره بالتبع، وبين ضروب مراوغة الضعفاء والمنافقين.
الإيضاح
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ) أي إن من أطاع الرسول فقد أطاع الله لأنه الآمر والناهي فى الحقيقة، والرسول إنما هو مبلّغ للأمر والنهى فليست الطاعة له
(وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً) أنك أرسلت للناس كافة بشيرا ونذيرا لا مسيطرا ولا جبارا ولا مغيّرا لنظم الكون وتحويل سنن الاجتماع أو تبديلها «فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا».
[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٠ الى ٨٢]
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (٨٠) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٨١) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢)
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه فيما تقدم بطاعة الله وطاعة الرسول وبين جزاء المطيع وأحوال الناس فى هذه الطاعة بحسب قوة الإيمان وضعفه، ثم أمر بالقتال وبين مراتب الناس فى الامتثال له، أعاد هنا الأمر بالطاعة وبين أنها أولا وبالذات لله، ولغيره بالتبع، وبين ضروب مراوغة الضعفاء والمنافقين.
الإيضاح
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ) أي إن من أطاع الرسول فقد أطاع الله لأنه الآمر والناهي فى الحقيقة، والرسول إنما هو مبلّغ للأمر والنهى فليست الطاعة له
99
بالذات وإنما هى لمن بلغ عنه، إذ قد جرت سنته سبحانه ألا يأمر الناس ولا ينهاهم إلا بواسطة رسل منهم يفهمون عنهم ما يوحيه إليهم ليبلغوه عنه.
أما ما يقوله الرسول من تلقاء نفسه وما يأمر به مما يستحسنه باجتهاده ورأيه من أمور المعيشة كتأبير النخل (تلقيحه بطلع الذكر) ونحوه مما يسميه العلماء أمر إرشاد، فطاعته فيه ليست من الفرائض التي فرضها الله، لأنه ليس دينا ولا شرعا عنه تعالى، فقد أمر النبي ﷺ بكيل الطعام كالقمح وغيره من الحبوب عند طحنه وعند عجنه وهو من التدبير والاقتصاد فى البيوت، وأكثر المسلمين أهملوه إلا من تعوّد منهم التدبير وحسن التقدير فى المنازل، وكذلك أمر بأكل الزيت والادّهان به.
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا شكّوا فى الأمر أمن عند الله هو أم من رأى الرسول واجتهاده؟ وكان لهم فى ذلك رأى آخر سألوه، فإن أجابهم بأنه من الله أطاعوه بلا تردّد، وإن قال إنه من رأيه ذكروا رأيهم، وربما رجع النبي ﷺ عن رأيه إلى رأيهم كما فعل فى بدر وأحد.
روى مقاتل أن النبي ﷺ كان يقول «من أحبنى فقد أحب الله ومن أطاعنى فقد أطاع الله، فقال المنافقون: ألا تسمعون إلى ما يقول هذا الرجل؟ لقد قارف الشرك، قد نهى أن نعبد غير الله ويريد أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى، فأنزل الله هذه الآية».
فالمؤمن حقا لا يكون خاضعا إلا لخالقه وحده دون أحد من خلقه، والخروج عن ذلك شرك، وهو نوعان:
١) أن ترى لبعض المخلوقات سلطة غيبية وراء الأسباب العادية، ومن ثم ترجو نفعها وتخاف ضرها وتدعوها وتذل لها، وذلك هو الشرك فى الألوهية.
٢) أن ترى لبعض المخلوقين حق التشريع والتحليل والتحريم، كما فسر النبىّ ﷺ قوله تعالى «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ» بطاعتهم فيما يحللون ويحرمون، وذلك هو الشرك فى الربوبية.
أما ما يقوله الرسول من تلقاء نفسه وما يأمر به مما يستحسنه باجتهاده ورأيه من أمور المعيشة كتأبير النخل (تلقيحه بطلع الذكر) ونحوه مما يسميه العلماء أمر إرشاد، فطاعته فيه ليست من الفرائض التي فرضها الله، لأنه ليس دينا ولا شرعا عنه تعالى، فقد أمر النبي ﷺ بكيل الطعام كالقمح وغيره من الحبوب عند طحنه وعند عجنه وهو من التدبير والاقتصاد فى البيوت، وأكثر المسلمين أهملوه إلا من تعوّد منهم التدبير وحسن التقدير فى المنازل، وكذلك أمر بأكل الزيت والادّهان به.
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا شكّوا فى الأمر أمن عند الله هو أم من رأى الرسول واجتهاده؟ وكان لهم فى ذلك رأى آخر سألوه، فإن أجابهم بأنه من الله أطاعوه بلا تردّد، وإن قال إنه من رأيه ذكروا رأيهم، وربما رجع النبي ﷺ عن رأيه إلى رأيهم كما فعل فى بدر وأحد.
روى مقاتل أن النبي ﷺ كان يقول «من أحبنى فقد أحب الله ومن أطاعنى فقد أطاع الله، فقال المنافقون: ألا تسمعون إلى ما يقول هذا الرجل؟ لقد قارف الشرك، قد نهى أن نعبد غير الله ويريد أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى، فأنزل الله هذه الآية».
فالمؤمن حقا لا يكون خاضعا إلا لخالقه وحده دون أحد من خلقه، والخروج عن ذلك شرك، وهو نوعان:
١) أن ترى لبعض المخلوقات سلطة غيبية وراء الأسباب العادية، ومن ثم ترجو نفعها وتخاف ضرها وتدعوها وتذل لها، وذلك هو الشرك فى الألوهية.
٢) أن ترى لبعض المخلوقين حق التشريع والتحليل والتحريم، كما فسر النبىّ ﷺ قوله تعالى «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ» بطاعتهم فيما يحللون ويحرمون، وذلك هو الشرك فى الربوبية.
100
ذاك أن المؤمن يحب أن يكون أعز الناس نفسا وأعظمهم كرامة، فلا يرضى أن يستعبده سلطان ظالم ولا حاكم مستعبد، إذ هو يعلم علم اليقين أن الكل عبيد مسخرون لله تعالى يخضعون لأمره، وأن ذلك منتهى سعادتهم فى الدارين.
(وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) أي ومن أعرض عن طاعتك التي هى طاعة الله فليس لك أن تكرهه عليها، لأنك ما أرسلت إلا مبشرا ونذيرا ولم ترسل مسيطرا أو رقيبا تحفظ على الناس أفعالهم وأقوالهم، فالإيمان والطاعة إنما يكونان بالاختيار بعد الإقناع والاختبار.
(وَيَقُولُونَ طاعَةٌ) أي ويقول ذلك الفريق الذين أخبر الله عنهم أنهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية، إذا أمرهم النبي ﷺ بأمر: أمرك طاعة- أي أمرك مطاع، إظهارا لكمال الانقياد والخضوع.
(فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) البراز- بفتح الباء- الأرض الفضاء، والتبييت ما يدبر فى الليل من رأى ونية وعزم على عمل، ومنه تبييت العدو للإيقاع به ليلا، أي إذا خرجوا من المكان الذي يكونون معك فيه إلى البراز وهم منصرفون إلى بيوتهم، دبر جماعة منهم ليلا غير الذي قالوا لك وأظهروه من الطاعة نهارا.
روى ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: هم ناس يقولون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمنا بالله ورسوله ليأمنوا على دمائهم وأموالهم، وإذا برزوا من عند رسول الله ﷺ خالفوا إلى غير ما قالوا عنده فعاتبهم الله على ذلك.
(وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) أي يبينه لك فى كتابه ويفضحهم بمثل هذه الآيات، وفى هذا من التهديد الشيء الكثير.
(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) ولا تهتمّ بما يبيتون ولا تؤاخذهم بما أسروا ولم يعلنوا.
(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) أي فوّض الأمر إليه، وثق به فى جميع أمورك، فإن الله يكفيك شرهم وينتقم لك منهم.
(وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) أي ومن أعرض عن طاعتك التي هى طاعة الله فليس لك أن تكرهه عليها، لأنك ما أرسلت إلا مبشرا ونذيرا ولم ترسل مسيطرا أو رقيبا تحفظ على الناس أفعالهم وأقوالهم، فالإيمان والطاعة إنما يكونان بالاختيار بعد الإقناع والاختبار.
(وَيَقُولُونَ طاعَةٌ) أي ويقول ذلك الفريق الذين أخبر الله عنهم أنهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية، إذا أمرهم النبي ﷺ بأمر: أمرك طاعة- أي أمرك مطاع، إظهارا لكمال الانقياد والخضوع.
(فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) البراز- بفتح الباء- الأرض الفضاء، والتبييت ما يدبر فى الليل من رأى ونية وعزم على عمل، ومنه تبييت العدو للإيقاع به ليلا، أي إذا خرجوا من المكان الذي يكونون معك فيه إلى البراز وهم منصرفون إلى بيوتهم، دبر جماعة منهم ليلا غير الذي قالوا لك وأظهروه من الطاعة نهارا.
روى ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: هم ناس يقولون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمنا بالله ورسوله ليأمنوا على دمائهم وأموالهم، وإذا برزوا من عند رسول الله ﷺ خالفوا إلى غير ما قالوا عنده فعاتبهم الله على ذلك.
(وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) أي يبينه لك فى كتابه ويفضحهم بمثل هذه الآيات، وفى هذا من التهديد الشيء الكثير.
(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) ولا تهتمّ بما يبيتون ولا تؤاخذهم بما أسروا ولم يعلنوا.
(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) أي فوّض الأمر إليه، وثق به فى جميع أمورك، فإن الله يكفيك شرهم وينتقم لك منهم.
101
(وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا) لمن توكل عليه، فهو قادر على إيقاع الجزاء بهم، وعليم بمقدار ما يستحقون منه، لا يعجزه منه شىء.
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) أصل التدبر التأمل فى أدبار الأمور وعواقبها، ثم استعمل فى كل تأمل سواء كان نظرا فى حقيقة الشيء وأجزائه، أو سوابقه وأسبابه، أو لواحقه وأعقابه، وتدبر الكلام هو النظر والتفكر فى غاياته ومقاصده التي يرمى إليها، وعاقبة من يعمل به ومن يخالفه.
أي أجهل هؤلاء القوم حقيقة الرسالة وكنه هذه الهداية فلا يتدبرون القرآن الذي يدل على حقيقتها؟ ولو تدبروه لعرفوا أنه الحق من ربهم وأن ما وعد به المتقين الصادقين وما أنذر به الكافرين والمنافقين واقع لا محالة، فهو إذ صدق فى الإخبار عما يبيتون فى أنفسهم من القول يصدق كذلك فيما أخبر عن سوء مصيرهم والوبال والنكال فى عاقبتهم.
(وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) أي ولو كان من عندك لا من عند الله الذي أرسله به لوجدوا فيه اختلافا كثيرا لأسباب كثيرة:
١) أن أي مخلوق لا يستطيع تصوير الحقائق كما صورها القرآن بلا اختلاف ولا تفاوت فى شىء منها.
٢) أنه حكى عن الماضي الذي لم يشاهده محمد ﷺ ولم يقف على تاريخه، وعن الآتي فوقع كما أنبأ به، وعن الحاضر فأخبر عن خبايا الأنفس ومكنونات الضمائر كما أخبر عما بيتته هذه الطائفة مخالفا لما تقول للرسول أو ما يقوله لها فتقبله فى حضرته وترفضه فى غيبته.
٣) أن أحدا لا يستطيع أن يأتى بمثله فى بيان أصول العقائد وقواعد الشرائع وسياسة الشعوب والقبائل مع عدم الاختلاف والتفاوت فى شىء من ذلك.
٤) أن أحدا لا يستطيع أن يأتى بمثله فى سنن الاجتماع ونواميس العمران وطبائع الملل والأقوام مع إيراد الشواهد وضرب الأمثال وتكرار القصة الواحدة بالعبارات
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) أصل التدبر التأمل فى أدبار الأمور وعواقبها، ثم استعمل فى كل تأمل سواء كان نظرا فى حقيقة الشيء وأجزائه، أو سوابقه وأسبابه، أو لواحقه وأعقابه، وتدبر الكلام هو النظر والتفكر فى غاياته ومقاصده التي يرمى إليها، وعاقبة من يعمل به ومن يخالفه.
أي أجهل هؤلاء القوم حقيقة الرسالة وكنه هذه الهداية فلا يتدبرون القرآن الذي يدل على حقيقتها؟ ولو تدبروه لعرفوا أنه الحق من ربهم وأن ما وعد به المتقين الصادقين وما أنذر به الكافرين والمنافقين واقع لا محالة، فهو إذ صدق فى الإخبار عما يبيتون فى أنفسهم من القول يصدق كذلك فيما أخبر عن سوء مصيرهم والوبال والنكال فى عاقبتهم.
(وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) أي ولو كان من عندك لا من عند الله الذي أرسله به لوجدوا فيه اختلافا كثيرا لأسباب كثيرة:
١) أن أي مخلوق لا يستطيع تصوير الحقائق كما صورها القرآن بلا اختلاف ولا تفاوت فى شىء منها.
٢) أنه حكى عن الماضي الذي لم يشاهده محمد ﷺ ولم يقف على تاريخه، وعن الآتي فوقع كما أنبأ به، وعن الحاضر فأخبر عن خبايا الأنفس ومكنونات الضمائر كما أخبر عما بيتته هذه الطائفة مخالفا لما تقول للرسول أو ما يقوله لها فتقبله فى حضرته وترفضه فى غيبته.
٣) أن أحدا لا يستطيع أن يأتى بمثله فى بيان أصول العقائد وقواعد الشرائع وسياسة الشعوب والقبائل مع عدم الاختلاف والتفاوت فى شىء من ذلك.
٤) أن أحدا لا يستطيع أن يأتى بمثله فى سنن الاجتماع ونواميس العمران وطبائع الملل والأقوام مع إيراد الشواهد وضرب الأمثال وتكرار القصة الواحدة بالعبارات
102
لبليغة تنويعا للعبرة وتلوينا للموعظة، واتفاق كل ذلك وتواطئه على الصدق، وبراءته من الاختلاف والتناقض.
٥) أن أحدا لا يستطيع أن يأتى بمثله فيما جاء به من فنون القول وألوان العبر فى أنواع المخلوقات فى الأرض أو فى السموات، فقد تكلم على الخلق والتكوين ووصف جميع الكائنات كالكواكب ونظامها والرياح والبحار والحيوان والنبات وما فيها من الحكم والآيات، وكان فى كل ذلك يؤيد بعضه بعضا لا تفاوت فيه، ولا اختلاف بين معانيه.
٦) أنه أخبر عن عالم الغيب والدار الآخرة وما فيها من الحساب على الأعمال والجزاء العادل، وكان فى كل ذلك جاريا على سنة الله تعالى فى تأثير الأعمال الاختيارية فى الأرواح، مع الالتئام بين الآيات الكثيرة، وهو غاية الغايات فى ذلك عند من أوتى الحكمة وفصل الخطاب.
هذا إلى أنه نزل منجما بحسب الوقائع والأحوال، وكان النبي ﷺ عند نزول الآية أو الآيات يأمر بأن توضع فى محلها من سورة كذا، وهو يحفظه حفظا، وقد جرت العادة بأن من يأتى بكلام من عنده فى مناسبات مختلفة لا يتذكر جميع ما سبق له فى السنين الطوال ولا يستحضره حتى يجعل الآخر موافقا للأول مع أن بعض الآيات كان ينزل فى أيام المحن والكروب، وبعضها عند تنازع الأقوام حين الخصام.
إلى أنّ كر الغداة ومر العشى لا يزيده إلا جدّة، ولا يزيد أحكامه إلا ثباتا ورسوخا، وكلما اتسعت دائرة العلوم والمعارف ونمت أحوال العمران زاد إيمان الناس به، إذ تتوثق روابط الصلة بين الدين والعلم وتتظاهر أحكامه مع نواميس الاجتماع وشؤون الكون.
والخلاصة- إن تدبر القرآن وتأمل ما امتاز به هو طريق الهداية القويم، وصراط الحق المستقيم، فإنه يرشد إلى كونه من عند الله، وإلى وجوب الاهتداء به،
٥) أن أحدا لا يستطيع أن يأتى بمثله فيما جاء به من فنون القول وألوان العبر فى أنواع المخلوقات فى الأرض أو فى السموات، فقد تكلم على الخلق والتكوين ووصف جميع الكائنات كالكواكب ونظامها والرياح والبحار والحيوان والنبات وما فيها من الحكم والآيات، وكان فى كل ذلك يؤيد بعضه بعضا لا تفاوت فيه، ولا اختلاف بين معانيه.
٦) أنه أخبر عن عالم الغيب والدار الآخرة وما فيها من الحساب على الأعمال والجزاء العادل، وكان فى كل ذلك جاريا على سنة الله تعالى فى تأثير الأعمال الاختيارية فى الأرواح، مع الالتئام بين الآيات الكثيرة، وهو غاية الغايات فى ذلك عند من أوتى الحكمة وفصل الخطاب.
هذا إلى أنه نزل منجما بحسب الوقائع والأحوال، وكان النبي ﷺ عند نزول الآية أو الآيات يأمر بأن توضع فى محلها من سورة كذا، وهو يحفظه حفظا، وقد جرت العادة بأن من يأتى بكلام من عنده فى مناسبات مختلفة لا يتذكر جميع ما سبق له فى السنين الطوال ولا يستحضره حتى يجعل الآخر موافقا للأول مع أن بعض الآيات كان ينزل فى أيام المحن والكروب، وبعضها عند تنازع الأقوام حين الخصام.
إلى أنّ كر الغداة ومر العشى لا يزيده إلا جدّة، ولا يزيد أحكامه إلا ثباتا ورسوخا، وكلما اتسعت دائرة العلوم والمعارف ونمت أحوال العمران زاد إيمان الناس به، إذ تتوثق روابط الصلة بين الدين والعلم وتتظاهر أحكامه مع نواميس الاجتماع وشؤون الكون.
والخلاصة- إن تدبر القرآن وتأمل ما امتاز به هو طريق الهداية القويم، وصراط الحق المستقيم، فإنه يرشد إلى كونه من عند الله، وإلى وجوب الاهتداء به،
103
وإلى أنه معقول فى نفسه موافق للفطرة ملائم للمصلحة، وفيه سعادة الخلق فى الدنيا والآخرة.
ولو تدبر المسلمون القرآن واهتدوا به فى كل زمان لما فسدت أخلاقهم وآدابهم، ولما ظلم واستبد حكامهم، ولما زال ملكهم وسلطانهم، ولما صاروا عالة فى معايشهم على سواهم.
وهذا التدبر لا يمنع أن يستنبط أولو الأمر الأحكام العامة فى السياسة والقضاء والإدارة، وتتبعهم فيها سائر الأمة.
[سورة النساء (٤) : آية ٨٣]
وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣)
تفسير المفردات
أذاع الشيء وأذاع به. نشره وأشاعه بين الناس، وردّ الشيء: أرجعه وأعاده، والاستنباط: استخراج ما كان مستترا عن الأبصار، فضل الله: هو هدايتكم بطاعة الرسول، إلا قليلا: أي قليلا منكم ممن أوتوا صفاء الفطرة وسلامتها.
المعنى الجملي
قال ابن جرير: إن هذه الآية نزلت فى الطائفة التي كانت تبيّت غير ما يقول لها الرسول أو تقول له اه. ولا يبعد أن تكون فى جمهور المسلمين بلا تعيين، لأن المشاهد فى أحوال الناس أن الإذاعة بمثل أخبار الأمن والخوف لا تكون من دأب المنافقين خاصة، بل هى مما يلهج به الناس فى مختلف البيئات بحسب المناسبات وإن كانت
ولو تدبر المسلمون القرآن واهتدوا به فى كل زمان لما فسدت أخلاقهم وآدابهم، ولما ظلم واستبد حكامهم، ولما زال ملكهم وسلطانهم، ولما صاروا عالة فى معايشهم على سواهم.
وهذا التدبر لا يمنع أن يستنبط أولو الأمر الأحكام العامة فى السياسة والقضاء والإدارة، وتتبعهم فيها سائر الأمة.
[سورة النساء (٤) : آية ٨٣]
وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣)
تفسير المفردات
أذاع الشيء وأذاع به. نشره وأشاعه بين الناس، وردّ الشيء: أرجعه وأعاده، والاستنباط: استخراج ما كان مستترا عن الأبصار، فضل الله: هو هدايتكم بطاعة الرسول، إلا قليلا: أي قليلا منكم ممن أوتوا صفاء الفطرة وسلامتها.
المعنى الجملي
قال ابن جرير: إن هذه الآية نزلت فى الطائفة التي كانت تبيّت غير ما يقول لها الرسول أو تقول له اه. ولا يبعد أن تكون فى جمهور المسلمين بلا تعيين، لأن المشاهد فى أحوال الناس أن الإذاعة بمثل أخبار الأمن والخوف لا تكون من دأب المنافقين خاصة، بل هى مما يلهج به الناس فى مختلف البيئات بحسب المناسبات وإن كانت
104
تختلف نياتهم، فالمنافق قد يذيع ما يذيعه لأجل الضرر، وضعيف الإيمان قد يذيع استشفاء مما فى صدره من الإحن والبغضاء، وغيرهما قد يذيع رغبة فى كشف الأسرار وابتلاء الأخبار، وهذا أمر معتاد بين الناس وهو كثير الضرر إذا شغلوا به عن أعمالهم، وضرره أكثر إذا أذاعوه وعلمه جواسيس العدوّ، لما يكون لذلك من العواقب الوخيمة.
على الأمة، ومثل ذلك سائر الأمور السياسية والشؤون العامة التي لا ينبغى أن تعدو الخاصة وتصل إلى العامة.
الإيضاح
(وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) أي إن هؤلاء الضعفة من المسلمين الذين لا خبرة لهم بالشئون العامة قد بلغ من طيشهم وخفة أحلامهم أن كل خير يصل إليهم يستفزهم ويطلق ألسنتهم بالكلام فيه وإذاعته بين الناس، سواء أكان من ناحية الجيش الذي يغزو ويقاتل العدو، أو من ناحية المركز العام للسلطة، ولا ينبغى أن تشيع العامة أخبار الحرب وأسرارها، ولا أن تخوض فى السياسة العامة للدولة، لأن ذلك مضرّة لها ومفسدة لشؤونها ومرافقها العامة وعلاقاتها مع غيرها من الأمم إلى أن فى ذلك مشغلة لهم عن شؤونهم الخاصة وضياع زمن كانوا فيه أحوج إلى العمل بما يفيدهم ويفيد الأمة.
وهذا بيان لجناية ضعفاء الإيمان إثر بيان جناية المنافقين.
ثم بين ما ينبغى أن يفعل فى مثل هذه الحال فقال:
(وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي ولو أن أولئك المذيعين فوضوا الكلام فى الأمور العامة إلى الرسول وهو الإمام الأعظم والقائد العام فى الحرب، وإلى أولى الأمر من أهل الحل والعقد ورجال الشّورى، لوجدوا علم ذلك عندهم، لأنهم هم الذين يستنبطون مثله، ويستخرجون خفاياه بدقة نظرهم، إذ لكل طائفة منهم استعداد للإحاطة ببعض المسائل المتعلقة بسياسة الأمة دون بعض
على الأمة، ومثل ذلك سائر الأمور السياسية والشؤون العامة التي لا ينبغى أن تعدو الخاصة وتصل إلى العامة.
الإيضاح
(وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) أي إن هؤلاء الضعفة من المسلمين الذين لا خبرة لهم بالشئون العامة قد بلغ من طيشهم وخفة أحلامهم أن كل خير يصل إليهم يستفزهم ويطلق ألسنتهم بالكلام فيه وإذاعته بين الناس، سواء أكان من ناحية الجيش الذي يغزو ويقاتل العدو، أو من ناحية المركز العام للسلطة، ولا ينبغى أن تشيع العامة أخبار الحرب وأسرارها، ولا أن تخوض فى السياسة العامة للدولة، لأن ذلك مضرّة لها ومفسدة لشؤونها ومرافقها العامة وعلاقاتها مع غيرها من الأمم إلى أن فى ذلك مشغلة لهم عن شؤونهم الخاصة وضياع زمن كانوا فيه أحوج إلى العمل بما يفيدهم ويفيد الأمة.
وهذا بيان لجناية ضعفاء الإيمان إثر بيان جناية المنافقين.
ثم بين ما ينبغى أن يفعل فى مثل هذه الحال فقال:
(وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي ولو أن أولئك المذيعين فوضوا الكلام فى الأمور العامة إلى الرسول وهو الإمام الأعظم والقائد العام فى الحرب، وإلى أولى الأمر من أهل الحل والعقد ورجال الشّورى، لوجدوا علم ذلك عندهم، لأنهم هم الذين يستنبطون مثله، ويستخرجون خفاياه بدقة نظرهم، إذ لكل طائفة منهم استعداد للإحاطة ببعض المسائل المتعلقة بسياسة الأمة دون بعض
105
فهذا أخصائي فى المسائل المالية، وذاك فى الأمور القضائية، وذاك فى بناء القناطر والجسور ورابع فى شؤون الحرب، وكل هذه المسائل يدرسها رجال الشورى [مجلس الوزراء بالاصطلاح العصرى] ويستنبطون منها ما يكون فيه المصلحة للدولة وينفذونه، ولا ينبغى أن تذيعه العامة لما فى ذلك من الضرر بها من سائر الوجوه والاعتبارات.
ثم امتنّ سبحانه على صادقى الإيمان من عباده فقال:
(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا) أي ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم، إذ هداكم لطاعته وطاعة رسوله ظاهرا وباطنا، ورد الأمور العامة إلى الرسول وإلى أولى الأمر منكم، لاتبعتم وسوسة الشيطان كما اتبعته تلك الطائفة التي تقول للرسول: طاعة لك وتبيت غير ذلك، والتي تذيع أمر الأمن والخوف وتفسد على الأمة سياستها، ولأخذتم بآراء المنافقين فيما تأتون وما تذرون، ولم تهتدوا إلى الصواب، إلا قليلا منكم ممن استنارت عقولهم بنور الإيمان وعرفوا الأحكام بالاقتباس من مشكاة النبوة كأبى بكر وعمر وعثمان وعلى، فهى كقوله تعالى «وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً».
[سورة النساء (٤) : آية ٨٤]
فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤)
تفسير المفردات
التحريض: الحث على الشيء بتزيينه وتسهيل الأمر فيه، والبأس القوة، وكان بأس الكافرين متجها إلى إذلال المؤمنين لإيمانهم، والتنكيل: معاقبة المجرم بما يكون فيه عبرة ونكال لغيره بحيث يمنعه أن يفعل مثل فعله.
ثم امتنّ سبحانه على صادقى الإيمان من عباده فقال:
(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا) أي ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم، إذ هداكم لطاعته وطاعة رسوله ظاهرا وباطنا، ورد الأمور العامة إلى الرسول وإلى أولى الأمر منكم، لاتبعتم وسوسة الشيطان كما اتبعته تلك الطائفة التي تقول للرسول: طاعة لك وتبيت غير ذلك، والتي تذيع أمر الأمن والخوف وتفسد على الأمة سياستها، ولأخذتم بآراء المنافقين فيما تأتون وما تذرون، ولم تهتدوا إلى الصواب، إلا قليلا منكم ممن استنارت عقولهم بنور الإيمان وعرفوا الأحكام بالاقتباس من مشكاة النبوة كأبى بكر وعمر وعثمان وعلى، فهى كقوله تعالى «وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً».
[سورة النساء (٤) : آية ٨٤]
فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤)
تفسير المفردات
التحريض: الحث على الشيء بتزيينه وتسهيل الأمر فيه، والبأس القوة، وكان بأس الكافرين متجها إلى إذلال المؤمنين لإيمانهم، والتنكيل: معاقبة المجرم بما يكون فيه عبرة ونكال لغيره بحيث يمنعه أن يفعل مثل فعله.
106
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه بالجهاد ورغب فيه أشد الترغيب، وذكر قلة رغبة المنافقين فيه، وسعيهم فى تثبيط المسلمين عنه، عاد هنا إلى الأمر به مرة أخرى.
الإيضاح
(فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) أي وإذا أردت الفوز والظفر على الأعداء فقاتل فى سبيل الله امتثالا لأمره، وأنت لا تكلف إلا أفعال نفسك دون أفعال الذين قالوا: لم كتبت علينا القتال؟ والذين يقولون: لك طاعة ويبيتون غير ذلك، فمن أطاع الله لا يضيره عصيان من عصاه، وعليك أن تحث غيرك على القتال وتحرضه عليه، لا أن تلزمه ذلك بالقهر والجبروت.
وفى الآية إيماء إلى أنه ﷺ كلّف قتال الكافرين الذين قاوموا دعوته بقوتهم وبأسهم وإن كان وحده، كما أنها تدل على أنه ﷺ أعطى من الشجاعة ما لم يعط أحد من العالمين، وفى سيرته الشريفة أصدق الأدلة على ذلك، فقد تصدى لمقاومة الناس جميعا بدعوتهم إلى ترك ما هم عليه من الضلال، وحين قاتلوه قاتلهم، وقد انهزم عنه أصحابه فى أحد فبقى ثابتا كالجبل لا يتزلزل.
(عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) عسى هنا للتهيئة والإعداد فهى بمعنى الخبر والوعد، وخبره تعالى حق فإنه لا يخلف الميعاد.
والمعنى- إن تحريض النبي للمؤمنين على القتال معه هو الذي يحملهم بباعث الإيمان والإذعان النفسي على الاستعداد له وتوطين النفس عليه، بينما هو يعدّ الكافرين لترك الاعتداء على المؤمنين وكف بأسهم عنهم، إذ لا شىء أدعى إلى ترك القتال من الاستعداد للقتال كما قال أبو تمام:
لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩)
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه كثيرا من عيوب المنافقين ومفاسدهم لإقامة الحجة عليهم، وحذّر المؤمنين من مثل أعمالهم وأخلاقهم كما قال: «وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ».
بين هنا حكم الجهر بالسوء من القول وإبداء الخير وإخفائه، حتى لا يستدل المؤمنون بذكر عيوب المنافقين والكافرين فى القرآن على استحباب الجهر بالسوء من القول أو مشروعيته إذا كان حقا على الإطلاق فيفشو ذلك، وفى هذا من الضرر ما سنذكره.
المعنى الجملي
بين سبحانه فى هذه الآيات أن للإيمان ركنين يبنى عليهما ما عداهما، ولا يقبل الإيمان بدونهما، وهما الإيمان به وبجميع رسله بدون تفرقة بين رسول وآخر. ومن أنكرهما أو أحدهما فقد كفر وعاقبته العذاب الأليم فى جهنم وبئس القرار.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا. أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) ليس المراد أنهم يصرحون بالكفر بل هو ما تقتضيه آراؤهم ومذاهبهم، وقوله:
نؤمن ببعض ونكفر ببعض، بيان لتفريقهم بين الله ورسله.
والخلاصة- إن الكافرين بالرسل فريقان: فريق لا يؤمن بأحد منهم، لإنكارهم النبوات وزعمهم أن ما أتى به الأنبياء من الهدى والشرائع هو من عند أنفسهم لا من عند الله، وأكثر الملحدين فى هذا العصر من ذلك الفريق. وفريق آخر يؤمن ببعض الرسل دون بعض كقول اليهود نؤمن بموسى ونكفر بعيسى ومحمد فهما ليسا برسولين، وقول النصارى نؤمن بموسى وعيسى ونكفر بمحمد، والفريقان كافرون مستحقون للعذاب، ولا عبرة بما يدعونه إيمانا.
(وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) أي وأعددنا لكل كافر سواء أكان منهم
تفسير المفردات
الغلوّ: مجاوزة الحد، وكلمته: أي لأنه حدث بكلمة «كن» من غير مادة معتادة، ألقاها إلى مريم: أي أوصلها وأبلغها إياها، وروح منه: أي لأنه خلق بنفخ من روح الله، وهو جبريل، الاستنكاف: الامتناع عن الشيء أنفة وكبرا، والاستكبار أن يجعل الإنسان نفسه كبيرة فوق ما هى عليه غرورا وإعجابا بها.
المعنى الجملي
بعد أن انتهى من محاجة اليهود وإقامة الحجة عليهم، وهم قد غلوا فى تحقير عيسى وإهانته وكفروا به- ذكر هنا محاجة النصارى خاصة ودحض شبهاتهم، وهم قد غلوا فى تعظيم عيسى وتقديسه، كما دحض شبهات اليهود فيما سلف.
المعنى الجملي
بعد أن تكلم فى أول السورة فى أحكام الأموال، ختم آخرها بذلك ليكون الآخر مشاكلا للأول، والوسط مشتمل على المناظرة مع فرق المخالفين للدين.
روى أحمد والشيخان وأصحاب السنن عن جابر بن عبد الله قال: «دخل علىّ رسول الله ﷺ وأنا مريض لا أعقل فتوضأ ثم صبّ علىّ فعقلت، فقلت إنه لا يرثنى إلا كلالة فكيف الميراث؟ فنزلت آية الميراث (يريد هذه الآية) ».
وروى ابن عبد الرزاق وابن جرير عن ابن سيرين قال نزلت (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) والنبي ﷺ فى مسير له وإلى جنبه حذيفة بن اليمان فبلغها النبىّ ﷺ حذيفة، وبلغها حذيفة عمر بن الخطاب وهو يسير خلفه، فلما استخلف عمر سأل عنها حذيفة ورجا أن يكون عنده تفسيرها، فقال له حذيفة:
والله إنك لعاجز إن ظننت أن إمارتك تحملني على أن أحدثك ما لم أحدّثك يومئذ فقال عمر لم أرد هذا رحمك الله»
قال الخطابي: أنزل الله فى الكلالة آيتين إحداهما فى الشتاء وهى التي فى أول سورة النساء وفيها إجمال وإبهام لا يكاد يتبين المعنى من ظاهرها، ثم أنزل الآية الأخرى فى الصيف وهى التي فى آخرها وفيها من زيادة البيان ما ليس فى آية الشتاء، فأحال السائل عليها ليتبين المراد بالكلالة المذكورة فيها اه.
بعد أن أمر سبحانه بالجهاد ورغب فيه أشد الترغيب، وذكر قلة رغبة المنافقين فيه، وسعيهم فى تثبيط المسلمين عنه، عاد هنا إلى الأمر به مرة أخرى.
الإيضاح
(فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) أي وإذا أردت الفوز والظفر على الأعداء فقاتل فى سبيل الله امتثالا لأمره، وأنت لا تكلف إلا أفعال نفسك دون أفعال الذين قالوا: لم كتبت علينا القتال؟ والذين يقولون: لك طاعة ويبيتون غير ذلك، فمن أطاع الله لا يضيره عصيان من عصاه، وعليك أن تحث غيرك على القتال وتحرضه عليه، لا أن تلزمه ذلك بالقهر والجبروت.
وفى الآية إيماء إلى أنه ﷺ كلّف قتال الكافرين الذين قاوموا دعوته بقوتهم وبأسهم وإن كان وحده، كما أنها تدل على أنه ﷺ أعطى من الشجاعة ما لم يعط أحد من العالمين، وفى سيرته الشريفة أصدق الأدلة على ذلك، فقد تصدى لمقاومة الناس جميعا بدعوتهم إلى ترك ما هم عليه من الضلال، وحين قاتلوه قاتلهم، وقد انهزم عنه أصحابه فى أحد فبقى ثابتا كالجبل لا يتزلزل.
(عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) عسى هنا للتهيئة والإعداد فهى بمعنى الخبر والوعد، وخبره تعالى حق فإنه لا يخلف الميعاد.
والمعنى- إن تحريض النبي للمؤمنين على القتال معه هو الذي يحملهم بباعث الإيمان والإذعان النفسي على الاستعداد له وتوطين النفس عليه، بينما هو يعدّ الكافرين لترك الاعتداء على المؤمنين وكف بأسهم عنهم، إذ لا شىء أدعى إلى ترك القتال من الاستعداد للقتال كما قال أبو تمام:
وأخافكم كى تغمدوا أسيافكم | إن الدم المغبرّ يحرسه الدم |
قد تخللّت مسلك الروح منى | وبذا سمى الخليل خليلا |
163
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه فى الآيات السالفة أن الشيطان يعدهم ويمنيهم، ويدخل فى تلك الأمانى ما كان يمنّيه أهل الكتاب من الغرور بدينهم، إذ كانوا يرون أنهم شعب الله الخاص، ويقولون: إنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات، وقد سرى لهم هذا الغرور من اتكالهم على الشفاعات وزعمهم أن فضلهم على غيرهم من البشر بمن بعث فيهم من الأنبياء، فهم يدخلون الجنة بكرامتهم لا بأعمالهم.
حذّرنا فى هذه الآيات الكريمات أن نكون مثلهم، وكانت هذه الأمانى قد دبّت إلى المسلمين فى عصر النبي ﷺ كما دل على ذلك قوله «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ» الآية، فلضعفاء الإيمان من المسلمين فى الصدر الأول ولأمثالهم فى كل زمان أنزلت هذه الموعظة، ولو تدبروها لما كان لهذه الأمانى عليهم من سلطان.
أخرج ابن أبى شيبة عن الحسن موقوفا. «ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر فى القلب وصدّقه العمل»
وقال الحسن: إن قوما غرّتهم المغفرة فخرجوا من الدنيا وهم مملوءون بالذنوب، ولو صدقوا لأحسنوا العمل.
وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن السدّى قال «التقى ناس من المسلمين واليهود والنصارى فقال اليهود للمسلمين: نحن خير منكم، ديننا قبل دينكم وكتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ونحن على دين إبراهيم ولن يدخل الجنة إلا من كان هودا. وقالت النصارى مثل ذلك، فقال المسلمون: كتابنا بعد كتابكم ونبينا بعد نبيكم، وقد أمرتم أن تتبعونا وتتركوا أمركم، فنحن خير منكم، نحن على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق
بعد أن بين سبحانه فى الآيات السالفة أن الشيطان يعدهم ويمنيهم، ويدخل فى تلك الأمانى ما كان يمنّيه أهل الكتاب من الغرور بدينهم، إذ كانوا يرون أنهم شعب الله الخاص، ويقولون: إنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات، وقد سرى لهم هذا الغرور من اتكالهم على الشفاعات وزعمهم أن فضلهم على غيرهم من البشر بمن بعث فيهم من الأنبياء، فهم يدخلون الجنة بكرامتهم لا بأعمالهم.
حذّرنا فى هذه الآيات الكريمات أن نكون مثلهم، وكانت هذه الأمانى قد دبّت إلى المسلمين فى عصر النبي ﷺ كما دل على ذلك قوله «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ» الآية، فلضعفاء الإيمان من المسلمين فى الصدر الأول ولأمثالهم فى كل زمان أنزلت هذه الموعظة، ولو تدبروها لما كان لهذه الأمانى عليهم من سلطان.
أخرج ابن أبى شيبة عن الحسن موقوفا. «ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر فى القلب وصدّقه العمل»
وقال الحسن: إن قوما غرّتهم المغفرة فخرجوا من الدنيا وهم مملوءون بالذنوب، ولو صدقوا لأحسنوا العمل.
وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن السدّى قال «التقى ناس من المسلمين واليهود والنصارى فقال اليهود للمسلمين: نحن خير منكم، ديننا قبل دينكم وكتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ونحن على دين إبراهيم ولن يدخل الجنة إلا من كان هودا. وقالت النصارى مثل ذلك، فقال المسلمون: كتابنا بعد كتابكم ونبينا بعد نبيكم، وقد أمرتم أن تتبعونا وتتركوا أمركم، فنحن خير منكم، نحن على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق
164
ولن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا، فأنزل الله ليس بأمانيكم إلخ الآية» فأفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان الأخرى.
الإيضاح
(لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) أي ليس فضل الدين وشرفه ولا نجاة أهله به أن يقول القائل منهم: إن دينى أفضل وأكمل، بل عليه أن يعمل بما يهديه إليه، فإن الجزاء إنما يكون على العمل، لا على التمني والغرور: فليس أمر نجاتكم ولا أمر نجاة أهل الكتاب منوطا بالأمانى فى الدين، فالأديان لم تشرع للتفاخر والتباهي، ولا تحصل فائدتها بالانتساب إليها دون العمل بها.
ثم أكد ذلك وبيّنه بقوله:
(مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) أي إن من يعمل سوءا يلق جزاءه، لأن الجزاء بحسب سننه تعالى أثر طبيعى للعمل، لا يتخلف فى اتباع بعض الأنبياء وينزل بغيرهم كما يتوهم أصحاب الأمانى والظنون، فعلى الصادق فى دينه أن يحاسب نفسه على العمل بما هداه إليه كتابه ورسوله، ويجعل ذلك المعيار فى سعادته، لا أن يجعل تكأته أن هذا الكتاب أكمل، ولا أن ذلك الرسول أفضل.
روى «أنه لما نزل قوله (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) راع ذلك أبا بكر وأخافه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من ينج مع هذا يا رسول الله؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما تحزن، أما تمرض، أما يصيبك البلاء؟ قال بلى يا رسول الله قال هو ذاك».
وأخرج مسلم وغيره عن أبى هريرة قال: لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين وبلغت منهم ما شاء الله تعالى فشكوا ذلك إلى رسول الله ﷺ فقال: «سدّدوا وقاربوا، فإن فى كل ما أصاب المسلم كفارة حتى الشوكة يشاكها والنّكبة ينكبها»
والأحاديث بهذا المعنى كثيرة، ومن ثم يرى عامة العلماء أن الأمراض والأسقام ومصايب الدنيا وهمومها يكفر الله بها الخطايا.
الإيضاح
(لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) أي ليس فضل الدين وشرفه ولا نجاة أهله به أن يقول القائل منهم: إن دينى أفضل وأكمل، بل عليه أن يعمل بما يهديه إليه، فإن الجزاء إنما يكون على العمل، لا على التمني والغرور: فليس أمر نجاتكم ولا أمر نجاة أهل الكتاب منوطا بالأمانى فى الدين، فالأديان لم تشرع للتفاخر والتباهي، ولا تحصل فائدتها بالانتساب إليها دون العمل بها.
ثم أكد ذلك وبيّنه بقوله:
(مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) أي إن من يعمل سوءا يلق جزاءه، لأن الجزاء بحسب سننه تعالى أثر طبيعى للعمل، لا يتخلف فى اتباع بعض الأنبياء وينزل بغيرهم كما يتوهم أصحاب الأمانى والظنون، فعلى الصادق فى دينه أن يحاسب نفسه على العمل بما هداه إليه كتابه ورسوله، ويجعل ذلك المعيار فى سعادته، لا أن يجعل تكأته أن هذا الكتاب أكمل، ولا أن ذلك الرسول أفضل.
روى «أنه لما نزل قوله (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) راع ذلك أبا بكر وأخافه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من ينج مع هذا يا رسول الله؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما تحزن، أما تمرض، أما يصيبك البلاء؟ قال بلى يا رسول الله قال هو ذاك».
وأخرج مسلم وغيره عن أبى هريرة قال: لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين وبلغت منهم ما شاء الله تعالى فشكوا ذلك إلى رسول الله ﷺ فقال: «سدّدوا وقاربوا، فإن فى كل ما أصاب المسلم كفارة حتى الشوكة يشاكها والنّكبة ينكبها»
والأحاديث بهذا المعنى كثيرة، ومن ثم يرى عامة العلماء أن الأمراض والأسقام ومصايب الدنيا وهمومها يكفر الله بها الخطايا.
165
ويرى بعضهم أن المصايب لا تكفّر إلا إذا أثرت فى النفس تأثيرا صالحا وكانت سببا فى قوة الإيمان وترك السوء والتوبة منه والرغبة فى صالح العمل بما تحدثه من العبرة فتكون مربّية لعقله ونفسه، أما إذا ضاعفت الذنوب كالمصايب التي تحمل صاحبها على الجزع ومهانة النفس وضعف الإيمان إلى ذنوب أخرى لم يكونوا ليقترفوها لولا المصيبة فلا تكفر شيئا من الخطايا بل تزيدها.
(وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) أي من يعمل السوء ويستحق العقاب عليه لا يجد له وليا غير الله يتولى أمره ويدفع الجزاء عنه، ولا نصيرا ينصره وينقذه مما يحلّ به لا من الأنبياء الذين تفاخر بهم ولا من غيرهم من المخلوقات التي اتخذها بعض البشر آلهة وأربابا، فكل تلك الأمانى تكون أضغاث أحلام، وإنما يكون المدار فى ذلك على الإيمان والأعمال كما قال:
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) أي ومن يعمل كل ما يستطيع عمله من الأعمال التي تصلح بها النفوس فى أخلاقها وآدابها وأحوالها الاجتماعية، سواء كان العامل ذكرا أو أنثى وهو مطمئن القلب بالإيمان- فأولئك العاملون المؤمنون بالله واليوم الآخر يدخلون الجنة بزكاء أنفسهم وطهارة أرواحهم ولا يظلمون من أجور أعمالهم شيئا ولو حقيرا كالنقير.
وفى هذه الآية وما قبلها من العبرة والموعظة ما يهدم صروح الأمانى التي يأوى إليها الكسالى وذوو الجهالة من المسلمين الذين يظنون أن الله يحابى من يسمى نفسه مسلما ويفضله على اليهودي والنصراني لأجل هذا اللقب، فالذين يفخرون بالانتساب إليه وقد نبذوه وراء ظهورهم وجرموا الاهتداء بهديه، هم فى ضلال مبين.
وبعد أن بين سبحانه أن النجاة والسعادة منوطان بصالح الأعمال مع الإيمان أردف ذلك ذكر درجات الكمال فقال:
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي لا أحد أحسن ممن جعل قلبه خالصا لله وحده، فلا يتوجه إلى غيره فى دعاء ولا رجاء، ولا يجعل بينه وبينه حجابا
(وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) أي من يعمل السوء ويستحق العقاب عليه لا يجد له وليا غير الله يتولى أمره ويدفع الجزاء عنه، ولا نصيرا ينصره وينقذه مما يحلّ به لا من الأنبياء الذين تفاخر بهم ولا من غيرهم من المخلوقات التي اتخذها بعض البشر آلهة وأربابا، فكل تلك الأمانى تكون أضغاث أحلام، وإنما يكون المدار فى ذلك على الإيمان والأعمال كما قال:
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) أي ومن يعمل كل ما يستطيع عمله من الأعمال التي تصلح بها النفوس فى أخلاقها وآدابها وأحوالها الاجتماعية، سواء كان العامل ذكرا أو أنثى وهو مطمئن القلب بالإيمان- فأولئك العاملون المؤمنون بالله واليوم الآخر يدخلون الجنة بزكاء أنفسهم وطهارة أرواحهم ولا يظلمون من أجور أعمالهم شيئا ولو حقيرا كالنقير.
وفى هذه الآية وما قبلها من العبرة والموعظة ما يهدم صروح الأمانى التي يأوى إليها الكسالى وذوو الجهالة من المسلمين الذين يظنون أن الله يحابى من يسمى نفسه مسلما ويفضله على اليهودي والنصراني لأجل هذا اللقب، فالذين يفخرون بالانتساب إليه وقد نبذوه وراء ظهورهم وجرموا الاهتداء بهديه، هم فى ضلال مبين.
وبعد أن بين سبحانه أن النجاة والسعادة منوطان بصالح الأعمال مع الإيمان أردف ذلك ذكر درجات الكمال فقال:
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي لا أحد أحسن ممن جعل قلبه خالصا لله وحده، فلا يتوجه إلى غيره فى دعاء ولا رجاء، ولا يجعل بينه وبينه حجابا
166
من الوسطاء والشفعاء، ولا يرى فى الوجود إلا هو، ويعتقد أنه سبحانه ربط الأسباب بالمسببات، فلا يطلب شيئا إلا من خزائن رحمته، ولا يأتى بيوت هذه الخزائن إلا من مسالكها، وهى السنن والأسباب التي سنها فى الخليقة.
وهو مع هذا الإيمان الكامل والتوحيد الخالص، محسن للعمل متحلّ بأحسن الأخلاق والفضائل.
وقد عبر عن توجه القلب بإسلام الوجه، لأن الوجه أعظم مظهر لما فى النفس من إقبال وإعراض، وسرور وكآبة، وما فيه هو الذي يدل على ما فى السريرة.
(وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) أي واتبع إبراهيم فى حنيفيته التي كان عليها، بميله عن الوثنية وأهلها، وتبريه مما كان عليه أبوه وقومه منها، قال تعالى: «وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ. إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ. وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ».
(وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا) أي اصطفاه الله لإقامة دينه فى بلاد غلبت عليها الوثنية، وأفسد الشرك عقول أهلها، وقد بلغ من الزلفى عند ربه ما صح به أن يسمى خليلا، فقد اختصه بكرامة ومنزلة تشبه الخليل لدى خليله، ومن كانت له هذه المنزلة كان جديرا أن تتّبع ملّته وتأتسي طريقته.
والخلاصة- إنه منّ عليه بسلامة الفطرة وقوة العقل وصفاء الروح وكمال المعرفة وفنائه فى التوحيد.
ثم ذكر ما هو كالعلة لما سبق بقوله:
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي إن كل ما فى السموات والأرض ملك له ومن خلقه، مهما اختلفت صفات المخلوقات، فجميعها مملوكة عابدة له خاضعة لأمره.
(وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) إحاطة قهر وتسخير، وإحاطة علم وتدبير، وإحاطة وجود، لأن هذه الموجودات ليس وجودها من ذاتها ولا هى ابتدعت نفسها بل وجودها
وهو مع هذا الإيمان الكامل والتوحيد الخالص، محسن للعمل متحلّ بأحسن الأخلاق والفضائل.
وقد عبر عن توجه القلب بإسلام الوجه، لأن الوجه أعظم مظهر لما فى النفس من إقبال وإعراض، وسرور وكآبة، وما فيه هو الذي يدل على ما فى السريرة.
(وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) أي واتبع إبراهيم فى حنيفيته التي كان عليها، بميله عن الوثنية وأهلها، وتبريه مما كان عليه أبوه وقومه منها، قال تعالى: «وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ. إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ. وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ».
(وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا) أي اصطفاه الله لإقامة دينه فى بلاد غلبت عليها الوثنية، وأفسد الشرك عقول أهلها، وقد بلغ من الزلفى عند ربه ما صح به أن يسمى خليلا، فقد اختصه بكرامة ومنزلة تشبه الخليل لدى خليله، ومن كانت له هذه المنزلة كان جديرا أن تتّبع ملّته وتأتسي طريقته.
والخلاصة- إنه منّ عليه بسلامة الفطرة وقوة العقل وصفاء الروح وكمال المعرفة وفنائه فى التوحيد.
ثم ذكر ما هو كالعلة لما سبق بقوله:
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي إن كل ما فى السموات والأرض ملك له ومن خلقه، مهما اختلفت صفات المخلوقات، فجميعها مملوكة عابدة له خاضعة لأمره.
(وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) إحاطة قهر وتسخير، وإحاطة علم وتدبير، وإحاطة وجود، لأن هذه الموجودات ليس وجودها من ذاتها ولا هى ابتدعت نفسها بل وجودها
167
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ
ﱾ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ
ﱿ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ
ﲀ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ
ﲁ
مستمد من ذلك الوجود الأعلى، فالوجود الإلهى هو المحيط بكل موجود، فوجب أن يخلص له الخلق، ويتوجه إليه العباد.
وقد جاءت هذه الآية خاتمة لما تقدم لفوائد:
١) بيان الدليل على أنه المستحق وحده لإسلام الوجه له والتوجه إليه فى كل حال لأنه هو المالك لكل شىء، وغيره لا تملك لنفسه شيئا.
٢) نفى ما يتوهم فى اتخاذ الله إبراهيم حليلا من أن هناك شيئا من المقاربة فى حقيقة الذات والصفات.
٣) التذكير بقدرته تعالى على إنجاز وعده ووعيده فى الآيات التي قبلها، إذ من له ما فى السموات والأرض خلقا وملكا فهو أكرم من وعد.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٢٧ الى ١٣٠]
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧) وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (١٣٠)
وقد جاءت هذه الآية خاتمة لما تقدم لفوائد:
١) بيان الدليل على أنه المستحق وحده لإسلام الوجه له والتوجه إليه فى كل حال لأنه هو المالك لكل شىء، وغيره لا تملك لنفسه شيئا.
٢) نفى ما يتوهم فى اتخاذ الله إبراهيم حليلا من أن هناك شيئا من المقاربة فى حقيقة الذات والصفات.
٣) التذكير بقدرته تعالى على إنجاز وعده ووعيده فى الآيات التي قبلها، إذ من له ما فى السموات والأرض خلقا وملكا فهو أكرم من وعد.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٢٧ الى ١٣٠]
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧) وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (١٣٠)
168
تفسير المفردات
يستفتونك: أي يطلبون منك الفتيا، يفتيكم: يبين لكم ما أشكل عليكم، يقال:
أفتاء إفتاء وفتيا وفتوى، وأفتيت فلانا رؤياه عبّرتها له، ما كتب لهن: أي ما فرض لهن من الميراث، وأن تقوموا: أي تعنوا عناية خاصة، بالقسط: أي بالعدل، خافت:
أي توقعت ما تكره بوقوع بعض أسبابه، أو ظهور بعض أماراته، نشوزا: ترفعا وتكبرا، إعراضا: ميلا وانحرافا، فلا جناح: أي لا إثم ولا حرج، أحضرت الأنفس الشحّ: أي إن الشح حاضر لها لا يغيب عنها، المعلّقة التي ليست مطلّقة ولا ذات بعل، من سعته: من غناه، واسعا: غنيّا.
المعنى الجملي
كان الكلام أول السورة فى الأحكام المتعلقة بالنساء واليتامى والقرابة، ومن قوله:
واعبدوا الله إلى هنا فى أحكام عامة فى أسس الدين وأصوله وأحوال أهل الكتاب والمنافقين والقتال- ثم عاد الكلام هنا إلى أحكام النساء لشعور الناس بالحاجة إلى زيادة البيان فى تلك الأحكام، فالآيات السالفة أوجبت مراعاة حقوق الضعيفين: المرأة واليتيم وجعلت للنساء حقوقا مؤكدة فى المهر والإرث، وحرمت ظلمهن، وأباحت تعدد الزوجات وحددت العدد الذي يحل منهنّ حين الخوف من عدم الظلم، ولكن ربما يحدث لهم الاشتباه فى بعض الوقائع المتعلقة بها كأن يقع الاشتباه فى حقيقة العدل الواجب بين النساء، هل يدخل العدل فى الحب أو فى لوازمه من زيادة الإقبال على المحبوبة والتبسط فى الاستمتاع بها أولا، وهل يحل للرجل أن يمنع اليتيمة ما كتب الله لها من الإرث حين يرغب فى نكاحها؟ وبماذا يصالح امرأته إذا أرادت أن تفتدى منه؟ - كل هذا مما تشتد الحاجة إلى معرفته بعد العمل بتلك الأحكام، فمن ثم جاءت هذه الآيات مبينة أتم البيان لذلك.
يستفتونك: أي يطلبون منك الفتيا، يفتيكم: يبين لكم ما أشكل عليكم، يقال:
أفتاء إفتاء وفتيا وفتوى، وأفتيت فلانا رؤياه عبّرتها له، ما كتب لهن: أي ما فرض لهن من الميراث، وأن تقوموا: أي تعنوا عناية خاصة، بالقسط: أي بالعدل، خافت:
أي توقعت ما تكره بوقوع بعض أسبابه، أو ظهور بعض أماراته، نشوزا: ترفعا وتكبرا، إعراضا: ميلا وانحرافا، فلا جناح: أي لا إثم ولا حرج، أحضرت الأنفس الشحّ: أي إن الشح حاضر لها لا يغيب عنها، المعلّقة التي ليست مطلّقة ولا ذات بعل، من سعته: من غناه، واسعا: غنيّا.
المعنى الجملي
كان الكلام أول السورة فى الأحكام المتعلقة بالنساء واليتامى والقرابة، ومن قوله:
واعبدوا الله إلى هنا فى أحكام عامة فى أسس الدين وأصوله وأحوال أهل الكتاب والمنافقين والقتال- ثم عاد الكلام هنا إلى أحكام النساء لشعور الناس بالحاجة إلى زيادة البيان فى تلك الأحكام، فالآيات السالفة أوجبت مراعاة حقوق الضعيفين: المرأة واليتيم وجعلت للنساء حقوقا مؤكدة فى المهر والإرث، وحرمت ظلمهن، وأباحت تعدد الزوجات وحددت العدد الذي يحل منهنّ حين الخوف من عدم الظلم، ولكن ربما يحدث لهم الاشتباه فى بعض الوقائع المتعلقة بها كأن يقع الاشتباه فى حقيقة العدل الواجب بين النساء، هل يدخل العدل فى الحب أو فى لوازمه من زيادة الإقبال على المحبوبة والتبسط فى الاستمتاع بها أولا، وهل يحل للرجل أن يمنع اليتيمة ما كتب الله لها من الإرث حين يرغب فى نكاحها؟ وبماذا يصالح امرأته إذا أرادت أن تفتدى منه؟ - كل هذا مما تشتد الحاجة إلى معرفته بعد العمل بتلك الأحكام، فمن ثم جاءت هذه الآيات مبينة أتم البيان لذلك.
169
أخرج ابن جرير قال: كان لا يرث إلا الرجل الذي قد بلغ أن يقوم فى المال ويعمل فيه، ولا يرث الصغير ولا المرأة شيئا، فلما نزلت آيات المواريث فى سورة النساء شق ذلك على الناس وقالوا: أيرث الصغير الذي لا يقوم فى المال والمرأة التي هى كذلك فيرثان كما يرث الرجل، فرجوا أن يأتى فى ذلك حدث من السماء فانتظروا، فلما رأوا أنه لا يأتى حدث قالوا لئن تم هذا إنه لواجب ما عنه بدّ، ثم قالوا سلوا، فسألوا النبي ﷺ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
الإيضاح
(وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) أي يطلبون منك الفتيا فى شأنهن ببيان ما غمض وأشكل من أحكامهن، من جهة حقوقهن المالية والزوجية، كالعدل فى المعاملة حين العشرة، وحين الفرقة والنشوز.
(قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) بما يوحيه إليك من الأحكام فى كتابه.
(وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ) أي ويفتيكم فى شأنهن ما يتلى عليكم فى الكتاب مما نزل قبل هذا الاستفتاء فى أحكام معاملة يتامى النساء اللاتي قد جرت عادتكم ألا تعطوهن ما كتب لهن من الإرث إذا كان فى أيديكم، لولايتكم عليهن وترغبون فى أن تنكحوهن لجمالهن والتمتع بأموالهن، أو عن أن تنكحوهن لدمامتهن فلا تنكحوهن ولا تنكحونهن غيركم حتى يبقى ما لهن فى أيديكم، وقد كان الرجل منهم يضم اليتيمة ومالها إلى نفسه، فإن كانت جميلة تزوجها وأكل المال، وإن كانت دميمة عضلها عن التزوج حتى تموت فيرثها، وما يتلى عليكم أيضا فى شأن المستضعفين من الولدان الذين لا تعطونهم نصيبهم من الميراث، وقد كانوا إنما يورّثون الرجال دون الأطفال والنساء.
والخلاصة- إن الذي يتلى عليهم فى الضعيفين: المرأة واليتيم هو ما تقدم فى أول
الإيضاح
(وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) أي يطلبون منك الفتيا فى شأنهن ببيان ما غمض وأشكل من أحكامهن، من جهة حقوقهن المالية والزوجية، كالعدل فى المعاملة حين العشرة، وحين الفرقة والنشوز.
(قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) بما يوحيه إليك من الأحكام فى كتابه.
(وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ) أي ويفتيكم فى شأنهن ما يتلى عليكم فى الكتاب مما نزل قبل هذا الاستفتاء فى أحكام معاملة يتامى النساء اللاتي قد جرت عادتكم ألا تعطوهن ما كتب لهن من الإرث إذا كان فى أيديكم، لولايتكم عليهن وترغبون فى أن تنكحوهن لجمالهن والتمتع بأموالهن، أو عن أن تنكحوهن لدمامتهن فلا تنكحوهن ولا تنكحونهن غيركم حتى يبقى ما لهن فى أيديكم، وقد كان الرجل منهم يضم اليتيمة ومالها إلى نفسه، فإن كانت جميلة تزوجها وأكل المال، وإن كانت دميمة عضلها عن التزوج حتى تموت فيرثها، وما يتلى عليكم أيضا فى شأن المستضعفين من الولدان الذين لا تعطونهم نصيبهم من الميراث، وقد كانوا إنما يورّثون الرجال دون الأطفال والنساء.
والخلاصة- إن الذي يتلى عليهم فى الضعيفين: المرأة واليتيم هو ما تقدم فى أول
170
السورة وأن الله يذكرهم بتلك الآيات المفصلة ليتدبروها ويتأملوا معانيها ثم يعملوا بها، إذ قد جرت طباع البشر أن يتغافلوا عن دقائق الأحكام والعظات التي ترجعهم عن أهوائهم وتؤنبهم على اتباع شهواتهم.
(وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) أي يفتيكم أن تقوموا لليتامى من هؤلاء النساء والولدان المستضعفين بالقسط، بأن تهتموا بهم اهتماما خاصا وتعنوا بشأنهم ويجرى العدل فى معاملتهم على أكمل الوجوه وأتمها، فإن ذلك هو الواجب الذي لا هوادة فيه، ولا خيرة فى شأنه.
ثم رغبهم فى العمل بما فيه فائدة لليتامى، وحبب إليهم النّصفة فقال:
(وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً) أي وما تفعلوه من الخير لليتامى فهو مما لا يعزب عن علمه، وهو مجازيكم به ولا يضيع عنده شىء منه.
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) أي وإن توقعت من بعلها نشوزا وترفعا عليها بما لاح لها من مخايل ذلك وأماراته، بأن منعها نفسه ونفقته والمودة والرحمة التي تكون بين الرجل والمرأة، أو آذاها بسبّ أو ضرب أو نحو ذلك، أو إعراضا عنها بأن قلل من محادثتها ومؤانستها لبعض أسباب من طعن فى سن أو دمامة أو شىء فى الأخلاق أو الخلق أو ملال لها أو طموح إلى غيرها أو نحو ذلك.
والواجب عليها أن تتثبت فيما تراه من أمارات الإعراض فربما كان الذي شغله عن مسامرتها والرغبة عن مباعلتها، مسائل من مشاكل الحياة الدنيوية أو الدينية، وهى أسباب خارجية لا دخل له فيها، ولا تعلق لها بكراهتها والجفوة عنها، وحينئذ عليها أن تعذره، وتصبر على ما لا تحب من ذلك، أما إذا استبان لها أن ذلك لكراهته إياها ورغبته عنها.
(فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) أي فلا بأس بهما فى أن يصلحا بينهما صلحا كأن تسمح له ببعض حقها عليه فى النفقة أو المبيت معها، أو بحقها كله فيهما أو فى أحدهما، لتبقى فى عصمته مكرّمة، أو تسمح له ببعض المهر ومتعة الطلاق أو بكل
(وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) أي يفتيكم أن تقوموا لليتامى من هؤلاء النساء والولدان المستضعفين بالقسط، بأن تهتموا بهم اهتماما خاصا وتعنوا بشأنهم ويجرى العدل فى معاملتهم على أكمل الوجوه وأتمها، فإن ذلك هو الواجب الذي لا هوادة فيه، ولا خيرة فى شأنه.
ثم رغبهم فى العمل بما فيه فائدة لليتامى، وحبب إليهم النّصفة فقال:
(وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً) أي وما تفعلوه من الخير لليتامى فهو مما لا يعزب عن علمه، وهو مجازيكم به ولا يضيع عنده شىء منه.
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) أي وإن توقعت من بعلها نشوزا وترفعا عليها بما لاح لها من مخايل ذلك وأماراته، بأن منعها نفسه ونفقته والمودة والرحمة التي تكون بين الرجل والمرأة، أو آذاها بسبّ أو ضرب أو نحو ذلك، أو إعراضا عنها بأن قلل من محادثتها ومؤانستها لبعض أسباب من طعن فى سن أو دمامة أو شىء فى الأخلاق أو الخلق أو ملال لها أو طموح إلى غيرها أو نحو ذلك.
والواجب عليها أن تتثبت فيما تراه من أمارات الإعراض فربما كان الذي شغله عن مسامرتها والرغبة عن مباعلتها، مسائل من مشاكل الحياة الدنيوية أو الدينية، وهى أسباب خارجية لا دخل له فيها، ولا تعلق لها بكراهتها والجفوة عنها، وحينئذ عليها أن تعذره، وتصبر على ما لا تحب من ذلك، أما إذا استبان لها أن ذلك لكراهته إياها ورغبته عنها.
(فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) أي فلا بأس بهما فى أن يصلحا بينهما صلحا كأن تسمح له ببعض حقها عليه فى النفقة أو المبيت معها، أو بحقها كله فيهما أو فى أحدهما، لتبقى فى عصمته مكرّمة، أو تسمح له ببعض المهر ومتعة الطلاق أو بكل
171
ذلك ليطلقها كما جاء فى قوله تعالى: «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» وإنما يحل له ذلك إذا كان برضاها، لاعتقادها أن فى ذلك الخير لها بلا ظلم لها ولا إهانة.
وقد روى أن امرأة أراد زوجها أن يطلقها لرغبته عنها وكان لها منه ولد فقالت له:
لا تطلقنى ودعنى أقوم على ولدي وتقسم لى فى كل شهرين، فقال إن كان هذا يصلح فهو أحبّ إلىّ، فأقرها على ما طلبت.
(وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) من التسريح والفراق، لأن رابطة الزوجية من أعظم الروابط وأحقها بالحفظ، وميثاقها من أغلظ المواثيق.
وعروض الخلاف بين الزوجين وما يترتب عليه من نشوز وإعراض وسوء معاشرة من الأمور الطبيعية التي لا يمكن زوالها من البشر.
وأجمل ما جاء فى الإسلام لمنعه هو المساواة بينهما فى كل شىء إلا القيام برياسة الأسرة، لأنه أقوى من المرأة بدنا وعقلا وأقدر على الكسب وعليه النفقة كما جاء فى قوله «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ».
فيجب على الرجل أن يعاشرها بالمعروف وأن يتحرى العدل بقدر المستطاع.
(وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ) أي إن النفوس عرضة له، فإذا عرض لها داع من دواعى البذل ألمّ بها الشح والبخل ونهاها أن تبذل ما ينبغى بذله لأجل الصلح، فالنساء حريصات على حقوقهن فى القسم والنفقة وحسن العشرة، والرجال حريصون على أموالهم أيضا، فينبغى أن يكون التسامح بينهما كاملا، إذ هما قد ارتبطا ارتباطا وثيقا بذلك الميثاق العظيم وأفضى بعضهما إلى بعض.
ثم رغب فى بقاء الرابطة الزوجية جهد المستطاع فقال:
(وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) أي وإن تحسنوا العشرة فيما بينكم وتتقوا أسباب النشوز والإعراض وما يترتب عليهما من الشقاق، فإن الله كان خبيرا بذلك لا يخفى عليه شىء منه، فهو يجازى من أحسن الحسنى ويثيبه على ذلك.
ثم بين أن العدل بين النساء فى حكم المستحيل، فعلى الرجل أن يعمل جهد المستطاع قال
وقد روى أن امرأة أراد زوجها أن يطلقها لرغبته عنها وكان لها منه ولد فقالت له:
لا تطلقنى ودعنى أقوم على ولدي وتقسم لى فى كل شهرين، فقال إن كان هذا يصلح فهو أحبّ إلىّ، فأقرها على ما طلبت.
(وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) من التسريح والفراق، لأن رابطة الزوجية من أعظم الروابط وأحقها بالحفظ، وميثاقها من أغلظ المواثيق.
وعروض الخلاف بين الزوجين وما يترتب عليه من نشوز وإعراض وسوء معاشرة من الأمور الطبيعية التي لا يمكن زوالها من البشر.
وأجمل ما جاء فى الإسلام لمنعه هو المساواة بينهما فى كل شىء إلا القيام برياسة الأسرة، لأنه أقوى من المرأة بدنا وعقلا وأقدر على الكسب وعليه النفقة كما جاء فى قوله «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ».
فيجب على الرجل أن يعاشرها بالمعروف وأن يتحرى العدل بقدر المستطاع.
(وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ) أي إن النفوس عرضة له، فإذا عرض لها داع من دواعى البذل ألمّ بها الشح والبخل ونهاها أن تبذل ما ينبغى بذله لأجل الصلح، فالنساء حريصات على حقوقهن فى القسم والنفقة وحسن العشرة، والرجال حريصون على أموالهم أيضا، فينبغى أن يكون التسامح بينهما كاملا، إذ هما قد ارتبطا ارتباطا وثيقا بذلك الميثاق العظيم وأفضى بعضهما إلى بعض.
ثم رغب فى بقاء الرابطة الزوجية جهد المستطاع فقال:
(وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) أي وإن تحسنوا العشرة فيما بينكم وتتقوا أسباب النشوز والإعراض وما يترتب عليهما من الشقاق، فإن الله كان خبيرا بذلك لا يخفى عليه شىء منه، فهو يجازى من أحسن الحسنى ويثيبه على ذلك.
ثم بين أن العدل بين النساء فى حكم المستحيل، فعلى الرجل أن يعمل جهد المستطاع قال
172
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) أي مهما حرصتم على العدل والمساواة بين المرأتين، حتى لا يقع ميل إلى إحداهما ولا زيادة ولا نقص، فلن تستطيعوا ذلك ولو قدرتم عليه لما قدرتم على إرضائها به، ومن ثم رفع الله ذلك عنكم وما كلفكم إلا العدل فيما تستطيعون بشرط أن تبذلوا فيه وسعكم، لأن الباعث على الكثير من هذا الميل هو الوجدان النفسي والميل القلبي الذي لا يملكه المرء ولا يحيط به اختياره ولا يملك آثاره الطبيعية، ولهذا خفف الله ذلك عنكم وبين أن العدل الكامل غير مستطاع ولا يتعلق به تكليف.
(فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) أي وإذا كان ذلك غير مستطاع فعليكم ألا تميلوا كل الميل إلى من تحبون منهن وتعرضوا عن الأخرى.
(فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) أي فتجعلوها كأنها ليست بالمتزوجة ولا بالمطلقة، فإن الذي يغفره لكم من الميل هو ما لا يدخل فى اختياركم ولا يكون فيه تعمد التقصير أو الإهمال، أما ما يقع تحت اختياركم فعليكم أن تقوموا به، إذ لا هوادة فيه.
(وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) أي وإن تصلحوا فى معاملة النساء وتتقوا ظلمهن وتفضيل بعضهن على بعض فيما يدخل فى اختياركم كالقسم والنفقة فإن الله يغفر لكم ما دون ذلك مما لا يدخل فى اختياركم كالحب وزيادة الإقبال وغير ذلك.
وفى الآية عظة وعبرة لمن يتأملها من عبّاد الشهوات الذين لا يقصدون من الزوجية إلا التمتع باللذات الحيوانية دون مراعاة أهم أسس الحياة الزوجية التي ذكرها الله فى قوله:
«وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» ولا يلاحظون أمر النسل وإصلاح الذرية، هؤلاء السفهاء الذوّاقون الذين يكثرون من الزواج ما استطاعوا، ولا باعث لهم إلا حب التنقل والملل من السابقة، ولا يخطر لهم أمر العدل فى بال- عليهم أن يتقوا الله ويكفروا فى ميثاق الزوجية وفى حقوقها المؤكدة وفى عاقبة نسلهم وشؤون ذريتهم وفى حال أمتهم التي تتألف من هذه البيوت المبنية على أسس الشهوات والأهواء وفى حال ذريتهم التي تنشأ بين أمهات متعاديات.
(فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) أي وإذا كان ذلك غير مستطاع فعليكم ألا تميلوا كل الميل إلى من تحبون منهن وتعرضوا عن الأخرى.
(فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) أي فتجعلوها كأنها ليست بالمتزوجة ولا بالمطلقة، فإن الذي يغفره لكم من الميل هو ما لا يدخل فى اختياركم ولا يكون فيه تعمد التقصير أو الإهمال، أما ما يقع تحت اختياركم فعليكم أن تقوموا به، إذ لا هوادة فيه.
(وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) أي وإن تصلحوا فى معاملة النساء وتتقوا ظلمهن وتفضيل بعضهن على بعض فيما يدخل فى اختياركم كالقسم والنفقة فإن الله يغفر لكم ما دون ذلك مما لا يدخل فى اختياركم كالحب وزيادة الإقبال وغير ذلك.
وفى الآية عظة وعبرة لمن يتأملها من عبّاد الشهوات الذين لا يقصدون من الزوجية إلا التمتع باللذات الحيوانية دون مراعاة أهم أسس الحياة الزوجية التي ذكرها الله فى قوله:
«وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» ولا يلاحظون أمر النسل وإصلاح الذرية، هؤلاء السفهاء الذوّاقون الذين يكثرون من الزواج ما استطاعوا، ولا باعث لهم إلا حب التنقل والملل من السابقة، ولا يخطر لهم أمر العدل فى بال- عليهم أن يتقوا الله ويكفروا فى ميثاق الزوجية وفى حقوقها المؤكدة وفى عاقبة نسلهم وشؤون ذريتهم وفى حال أمتهم التي تتألف من هذه البيوت المبنية على أسس الشهوات والأهواء وفى حال ذريتهم التي تنشأ بين أمهات متعاديات.
173
ثم بين أن الفراق قد يكون فيه الخير إذا لم يمكن الوفاق فقال:
(وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) أي وإن يتفرق الزوجان اللذان يخافان ألا يقيما حدود الله، بأن كره الرجل امرأته لدمامتها أو كبرها وأراد أن يتزوج غيرها أو كان عنده زوجان ولم يقدر على العدل بينهما- يغن الله كلا منهما عن صاحبه بسعة فضله ووافر إحسانه وجوده، فقد يسخّر للمرأة رجلا خيرا منه، كما يهيىء له امرأة أخرى تحصنه وترضيه وتقوم بشؤون بيته وأولاده، ولن يكون كل منهما جديرا بعناية الله وإغنائه عن الآخر، إلا إذا التزما حدود الله، بأن اجتهدا فى الوفاق والصلح وظهر لهما بعد التفكير والتروّى فى الأسباب أنه غير مستطاع، فافترقا وهما حافظان لكرامتهما عما يجعلهما عرضة للنقد ونهش العرض، فإن ذلك مما يرغب الناس فيهما، لما يرونه فيهما من الأخلاق الفاضلة وعدم التلاحي والتنابذ والتهاجى واختلاق الأكاذيب، فالرجل ذو الخلق الكريم إذا علم أن امرأة اختلفت مع بعلها لأنها لم تقبل أن تعيش مع من يعرض عنها أو يترفع عليها بل أحبت أن تعيش معه بطريق عادلة- رأى فيها أفضل صفات الزوجية.
وكذلك كرائم النساء وأولياؤهن يرغبون فى الرجل إذا علموا أنه يمسك المرأة بمعروف أو يسرحها بإحسان ولا يلجئه إلى الطلاق إلا الخوف من عدم إقامة حدود الله.
(وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً) أي وكان الله ولا يزال واسع الفضل والرحمة، حكيما فيما شرعه من الأحكام التي جعلها وفق مصالح العباد.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣١ الى ١٣٤]
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (١٣١) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٣٢) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (١٣٣) مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (١٣٤)
(وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) أي وإن يتفرق الزوجان اللذان يخافان ألا يقيما حدود الله، بأن كره الرجل امرأته لدمامتها أو كبرها وأراد أن يتزوج غيرها أو كان عنده زوجان ولم يقدر على العدل بينهما- يغن الله كلا منهما عن صاحبه بسعة فضله ووافر إحسانه وجوده، فقد يسخّر للمرأة رجلا خيرا منه، كما يهيىء له امرأة أخرى تحصنه وترضيه وتقوم بشؤون بيته وأولاده، ولن يكون كل منهما جديرا بعناية الله وإغنائه عن الآخر، إلا إذا التزما حدود الله، بأن اجتهدا فى الوفاق والصلح وظهر لهما بعد التفكير والتروّى فى الأسباب أنه غير مستطاع، فافترقا وهما حافظان لكرامتهما عما يجعلهما عرضة للنقد ونهش العرض، فإن ذلك مما يرغب الناس فيهما، لما يرونه فيهما من الأخلاق الفاضلة وعدم التلاحي والتنابذ والتهاجى واختلاق الأكاذيب، فالرجل ذو الخلق الكريم إذا علم أن امرأة اختلفت مع بعلها لأنها لم تقبل أن تعيش مع من يعرض عنها أو يترفع عليها بل أحبت أن تعيش معه بطريق عادلة- رأى فيها أفضل صفات الزوجية.
وكذلك كرائم النساء وأولياؤهن يرغبون فى الرجل إذا علموا أنه يمسك المرأة بمعروف أو يسرحها بإحسان ولا يلجئه إلى الطلاق إلا الخوف من عدم إقامة حدود الله.
(وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً) أي وكان الله ولا يزال واسع الفضل والرحمة، حكيما فيما شرعه من الأحكام التي جعلها وفق مصالح العباد.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣١ الى ١٣٤]
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (١٣١) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٣٢) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (١٣٣) مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (١٣٤)
174
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه بالعدل والإحسان إلى اليتامى والمساكين، بين أنه ما أمر بهذه الأشياء لاحتياجه إلى أعمال العباد، لأن كل ما فى السموات والأرض ملكه فهو مستغن عنهم وقادر على إثابتهم على طاعته فيما شرعه لخيرهم ومصلحتهم، بل ليزدادوا بتدبرها إيمانا يحملهم على العمل بها والوقوف عند حدودها.
الإيضاح
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا، فهو وحده مدبر الأكوان، فلا يتعذر عليه الإغناء بعد الفقر ولا الإيناس بعد الوحشة إلى نحو هذا مما ينبىء بعظيم القدرة وكمال الجود والإحسان.
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) أي ولقد أمرنا من قبلكم من اليهود والنصارى وغيرهم من سالف الأمم كما أمرناكم بتقوى الله فى إقامة سننه وإقامة شريعته، فبالأولى ترقى معارفكم، وبالثانية تزكو نفوسكم وتنتظم مصالحكم الدينية والدنيوية.
(وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي وإن تكفروا أنعم الله وتجحدوا فضله وإحسانه فاعلموا أنه سبحانه مالك الملك والملكوت لا يضره كفركم ومعاصيكم كما لا ينفعه شكركم وتقواكم، وقد وصاكم وإياهم بهما لرحمته لا لحاجته.
ثم زاد ما سلف توكيدا فقال:
(وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً) أي وكان الله غنيا عن كل شىء بذاته. محمودا بذاته
بعد أن أمر سبحانه بالعدل والإحسان إلى اليتامى والمساكين، بين أنه ما أمر بهذه الأشياء لاحتياجه إلى أعمال العباد، لأن كل ما فى السموات والأرض ملكه فهو مستغن عنهم وقادر على إثابتهم على طاعته فيما شرعه لخيرهم ومصلحتهم، بل ليزدادوا بتدبرها إيمانا يحملهم على العمل بها والوقوف عند حدودها.
الإيضاح
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا، فهو وحده مدبر الأكوان، فلا يتعذر عليه الإغناء بعد الفقر ولا الإيناس بعد الوحشة إلى نحو هذا مما ينبىء بعظيم القدرة وكمال الجود والإحسان.
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) أي ولقد أمرنا من قبلكم من اليهود والنصارى وغيرهم من سالف الأمم كما أمرناكم بتقوى الله فى إقامة سننه وإقامة شريعته، فبالأولى ترقى معارفكم، وبالثانية تزكو نفوسكم وتنتظم مصالحكم الدينية والدنيوية.
(وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي وإن تكفروا أنعم الله وتجحدوا فضله وإحسانه فاعلموا أنه سبحانه مالك الملك والملكوت لا يضره كفركم ومعاصيكم كما لا ينفعه شكركم وتقواكم، وقد وصاكم وإياهم بهما لرحمته لا لحاجته.
ثم زاد ما سلف توكيدا فقال:
(وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً) أي وكان الله غنيا عن كل شىء بذاته. محمودا بذاته
175
وكمال صفاته، فهو لا يحتاج إلى شكركم لتكميل نفسه «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ»
وفى الحديث القدسي «يا عبادى إنّكم لن تبلغوا ضرّى فتضرونى، ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيئا، يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك فى ملكى شيئا، يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا فى صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل فى البحر، يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفّيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه» رواه مسلم.
ثم أعاد ما سلف لزيادة التوكيد فقال:
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا) أي له سبحانه ما فيهما خلقا وملكا يتصرف فيهما كيفما شاء إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة، وكفى به قيّما وكفيلا يوكّل به أمر العباد فى أرزاقهم وأقواتهم وسائر شؤونهم.
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) أي إن يرد إفناءكم واستئصالكم من الوجود وإيجاد قوم آخرين من البشر يحلون محلكم فى الحكم والتصرف فهو قادر على ذلك، لأن كل ما فى السموات والأرض فهو تحت قبضته وخاضع لسلطانه.
والخلاصة- إن إبقاءكم على ما أنتم عليه من العصيان إنما هو لكمال غناه عن طاعتكم، ولأن مشيئته لم تتعلق بهذا الإفناء لحكم ومصالح أرادها سبحانه، لا لعجز عن ذلك، تعالى الله علوا كبيرا.
ومثل هذه الآية قوله تعالى «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ» وقوله «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ».
وفى هذه الآيات تهديد للمشركين الذين كانوا يؤذون النبي ﷺ ويقاومون دعوته، وتنبيه للناس إلى التأمل فى سنن الله التي جرت فى حياة الأمم وموتها، وإن هذه السنن إذا تعلقت بها المشيئة وقعت لا محالة.
وفى الحديث القدسي «يا عبادى إنّكم لن تبلغوا ضرّى فتضرونى، ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيئا، يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك فى ملكى شيئا، يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا فى صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل فى البحر، يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفّيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه» رواه مسلم.
ثم أعاد ما سلف لزيادة التوكيد فقال:
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا) أي له سبحانه ما فيهما خلقا وملكا يتصرف فيهما كيفما شاء إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة، وكفى به قيّما وكفيلا يوكّل به أمر العباد فى أرزاقهم وأقواتهم وسائر شؤونهم.
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) أي إن يرد إفناءكم واستئصالكم من الوجود وإيجاد قوم آخرين من البشر يحلون محلكم فى الحكم والتصرف فهو قادر على ذلك، لأن كل ما فى السموات والأرض فهو تحت قبضته وخاضع لسلطانه.
والخلاصة- إن إبقاءكم على ما أنتم عليه من العصيان إنما هو لكمال غناه عن طاعتكم، ولأن مشيئته لم تتعلق بهذا الإفناء لحكم ومصالح أرادها سبحانه، لا لعجز عن ذلك، تعالى الله علوا كبيرا.
ومثل هذه الآية قوله تعالى «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ» وقوله «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ».
وفى هذه الآيات تهديد للمشركين الذين كانوا يؤذون النبي ﷺ ويقاومون دعوته، وتنبيه للناس إلى التأمل فى سنن الله التي جرت فى حياة الأمم وموتها، وإن هذه السنن إذا تعلقت بها المشيئة وقعت لا محالة.
176
(وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً) أي وكان الله قديرا على ذلك الإفناء وإيجاد خلق آخر، إذ بيده ملكوت كل شىء، لكنه لحكم يعلمها لم تتعلق إرادته بذلك.
(مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي من يرد منكم بسعيه وجهاده فى حياته نعيم الدنيا بالمال والجاه ونحوهما، فعند الله ثواب الدارين معا بما أعطاكم من العقل والشعور وهداية الحواس، فعليكم أن تطلبوهما معا، ولا تكتفوا بما هو أدناهما وهو ما يفنى وتتركوا أغلاهما وهو ما يبقى، مع أن الجمع بينهما هيّن ميسور لكم وهو تحت قدرتكم وسلطانكم، فمن خطل الرأى أن تتركوا ذلك وترغبوا عنه، بل عليكم أن تقولوا- ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار-.
وفى الآية إيماء إلى أن الدين يهدى أهله إلى السعادتين، وإلى أن ثواب الدنيا والآخرة من فضله تعالى ورحمته.
(وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً) أي وكان الله سميعا لأقوال عباده حين مخاطباتهم ومناجاتهم، بصيرا بجميع أمورهم فى سائر حالاتهم، فعليهم أن يراقبوه فى الأقوال والأفعال، وبذا تزكو نفوسهم وتقف عند حدود الفضيلة التي بها تستقيم أمورهم فى دنياهم ويستعدون لحياة أبدية فى آخرتهم يكون فيها نعيمهم وثوابهم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٥ الى ١٣٦]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٣٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١٣٦)
(مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي من يرد منكم بسعيه وجهاده فى حياته نعيم الدنيا بالمال والجاه ونحوهما، فعند الله ثواب الدارين معا بما أعطاكم من العقل والشعور وهداية الحواس، فعليكم أن تطلبوهما معا، ولا تكتفوا بما هو أدناهما وهو ما يفنى وتتركوا أغلاهما وهو ما يبقى، مع أن الجمع بينهما هيّن ميسور لكم وهو تحت قدرتكم وسلطانكم، فمن خطل الرأى أن تتركوا ذلك وترغبوا عنه، بل عليكم أن تقولوا- ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار-.
وفى الآية إيماء إلى أن الدين يهدى أهله إلى السعادتين، وإلى أن ثواب الدنيا والآخرة من فضله تعالى ورحمته.
(وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً) أي وكان الله سميعا لأقوال عباده حين مخاطباتهم ومناجاتهم، بصيرا بجميع أمورهم فى سائر حالاتهم، فعليهم أن يراقبوه فى الأقوال والأفعال، وبذا تزكو نفوسهم وتقف عند حدود الفضيلة التي بها تستقيم أمورهم فى دنياهم ويستعدون لحياة أبدية فى آخرتهم يكون فيها نعيمهم وثوابهم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٥ الى ١٣٦]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٣٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١٣٦)
177
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه بالقسط فى اليتامى والنساء فى سياق الاستفتاء فيهن، لأن حقهن آكد وضعفهن معهود- عمم الأمر هنا بالقسط بين الناس، لأن قوام أمور الاجتماع لا يكون إلا بالعدل، وحفظ النظام لا يتم إلا به وبما فيه من الشهادة لله بالحق ولو على النفس والوالدين والأقربين وعدم محاباة أحد لغناه أو لفقره، لأن العدل مقدم على حقوق النفس وحقوق القرابة وغيرها، وقد كانت سنة الجاهلية محاباة ذوى القربى، لأنه يعتزّ بهم كما كانوا يظلمون النساء واليتامى لضعفن وعدم الاعتزاز بهن.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) القوام: هو المبالغ فى القيام بالشيء والإتيان به مستوفيا تاما لا نقص فيه، وقد أمر الله بإقامة الصلاة وإقامة الشهادة وإقامة الوزن بالقسط تأكيدا للعناية بهذه الأشياء. أي فلتجعلوا العناية بإقامة القسط على وجهه صفة ثابتة لكم راسخة فى نفوسكم، والعدل كما يكون فى الحكم بين الناس ممن يوليه السلطان أو يحكّمه الناس فيما بينهم، يكون فى العمل كالقيام بما يجب بين الزوجات والأولاد من النّصفة والمساواة بينهم، ولو سار المسلمون على هدى القرآن لكانوا أعدل الأمم وأقومهم بالقسط، وقد كانوا كذلك ردحا من الدهر حين كانوا مهتدين بهديه، ولكن قد خلف من بعدهم خلف نبذوا تلك الهداية وراء ظهورهم فصارت تضرب بهم الأمثال فى ظلم حكامهم وسوء أحوالهم.
(شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) أي كونوا شهداء لله بأن تتحرّوا الحق الذي يرضاه ويأمر به من غير مراعاة أحد ولا محاباته، ولو كانت الشهادة على أنفسكم بأن يثبت بها الحق عليكم (ومن أقر على نفسه بحق فقد شهد عليها،
بعد أن أمر سبحانه بالقسط فى اليتامى والنساء فى سياق الاستفتاء فيهن، لأن حقهن آكد وضعفهن معهود- عمم الأمر هنا بالقسط بين الناس، لأن قوام أمور الاجتماع لا يكون إلا بالعدل، وحفظ النظام لا يتم إلا به وبما فيه من الشهادة لله بالحق ولو على النفس والوالدين والأقربين وعدم محاباة أحد لغناه أو لفقره، لأن العدل مقدم على حقوق النفس وحقوق القرابة وغيرها، وقد كانت سنة الجاهلية محاباة ذوى القربى، لأنه يعتزّ بهم كما كانوا يظلمون النساء واليتامى لضعفن وعدم الاعتزاز بهن.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) القوام: هو المبالغ فى القيام بالشيء والإتيان به مستوفيا تاما لا نقص فيه، وقد أمر الله بإقامة الصلاة وإقامة الشهادة وإقامة الوزن بالقسط تأكيدا للعناية بهذه الأشياء. أي فلتجعلوا العناية بإقامة القسط على وجهه صفة ثابتة لكم راسخة فى نفوسكم، والعدل كما يكون فى الحكم بين الناس ممن يوليه السلطان أو يحكّمه الناس فيما بينهم، يكون فى العمل كالقيام بما يجب بين الزوجات والأولاد من النّصفة والمساواة بينهم، ولو سار المسلمون على هدى القرآن لكانوا أعدل الأمم وأقومهم بالقسط، وقد كانوا كذلك ردحا من الدهر حين كانوا مهتدين بهديه، ولكن قد خلف من بعدهم خلف نبذوا تلك الهداية وراء ظهورهم فصارت تضرب بهم الأمثال فى ظلم حكامهم وسوء أحوالهم.
(شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) أي كونوا شهداء لله بأن تتحرّوا الحق الذي يرضاه ويأمر به من غير مراعاة أحد ولا محاباته، ولو كانت الشهادة على أنفسكم بأن يثبت بها الحق عليكم (ومن أقر على نفسه بحق فقد شهد عليها،
178
لأن الشهادة إظهار الحق) أو على والديكم وأقرب الناس إليكم كأولادكم وإخوتكم، إذ ليس من بر الوالدين ولا من صلة ذوى الرحم أن يعانوا على ما ليس لهم بحق الإعراض عن الشهادة عليهم أوليّها والتحريف فيها، بل البر والصلة فى الحق والمعروف.
وليس من شك فى أن الحياة قصاص، فالذين يتعاونون على الظلم وهضم حقوق الناس، يتعاون الناس على ظلمهم وهضم حقوقهم، فتكون المحاباة من أسباب فشوّ الظلم والعدوان والمفاسد التي لا يؤمن شرها.
(إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما) أي إن يكن المشهود عليه من الأقارب أو غيرهم غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، وشرعه أحق أن يتبع فيهما، فحذار أن تحابوا غنيا طمعا فى برّه، ولا خوفا من أذاه وشره، ولا فقيرا عطفا عليه وشفقة به، فمرضاة كل منهما ليست خيرا لكم ولا لهما من مرضاة الله، ولستم أعلم بمصلحتهما من ربهما، ولولا أنه يعلم أن العدل وإقامة الشهادة بالحق خير للشاهد والمشهود عليه لما شرع ذلك ولا أوجبه.
وروى ابن جرير عن السّدى فى سبب نزول الآية: أن رجلين فقيرا وغنيا اختصما إلى النبي ﷺ فكان حلفه (ميله القلبي) مع الفقير، يرى أن الفقير لا يظلم الغنى، فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط فى الغنى والفقير.
وقال قتادة فى هذه الآية: هذا فى الشهادة، فأقم الشهادة يا ابن آدم ولو على نفسك أو الوالدين أو على ذوى قرابتك وأشراف قومك، فإنما الشهادة لله وليست للناس، والعدل ميزان الله فى الأرض، به يرد الله من الشديد على الضعيف، ومن الصادق على الكاذب، ومن المبطل على المحق اه.
(فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) أي فلا تتبعوا الهوى لئلا تعدلوا عن الحق إلى الباطل، إذ فى الهوى الزلل.
(وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) أي وإن تلووا ألسنتكم بالشهادة وتحرّفوها أو تعرضوا عنها فلا تؤدوها فالله خبير بأعمالكم لا يخفى عليه قصدكم فهو مجازيكم بما تعملون.
وليس من شك فى أن الحياة قصاص، فالذين يتعاونون على الظلم وهضم حقوق الناس، يتعاون الناس على ظلمهم وهضم حقوقهم، فتكون المحاباة من أسباب فشوّ الظلم والعدوان والمفاسد التي لا يؤمن شرها.
(إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما) أي إن يكن المشهود عليه من الأقارب أو غيرهم غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، وشرعه أحق أن يتبع فيهما، فحذار أن تحابوا غنيا طمعا فى برّه، ولا خوفا من أذاه وشره، ولا فقيرا عطفا عليه وشفقة به، فمرضاة كل منهما ليست خيرا لكم ولا لهما من مرضاة الله، ولستم أعلم بمصلحتهما من ربهما، ولولا أنه يعلم أن العدل وإقامة الشهادة بالحق خير للشاهد والمشهود عليه لما شرع ذلك ولا أوجبه.
وروى ابن جرير عن السّدى فى سبب نزول الآية: أن رجلين فقيرا وغنيا اختصما إلى النبي ﷺ فكان حلفه (ميله القلبي) مع الفقير، يرى أن الفقير لا يظلم الغنى، فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط فى الغنى والفقير.
وقال قتادة فى هذه الآية: هذا فى الشهادة، فأقم الشهادة يا ابن آدم ولو على نفسك أو الوالدين أو على ذوى قرابتك وأشراف قومك، فإنما الشهادة لله وليست للناس، والعدل ميزان الله فى الأرض، به يرد الله من الشديد على الضعيف، ومن الصادق على الكاذب، ومن المبطل على المحق اه.
(فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) أي فلا تتبعوا الهوى لئلا تعدلوا عن الحق إلى الباطل، إذ فى الهوى الزلل.
(وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) أي وإن تلووا ألسنتكم بالشهادة وتحرّفوها أو تعرضوا عنها فلا تؤدوها فالله خبير بأعمالكم لا يخفى عليه قصدكم فهو مجازيكم بما تعملون.
179
وعبر بالخبير ولم يعبر بالعليم، لأن الخبرة العلم بدقائق الأمور وخفاياها، والشهادة يكثر فيها الغشّ والاحتيال حتى لقد يغش الإنسان فيها نفسه ويلتمس المعاذير فى كتمان الشهادة أو تحريفها.
فليتدبر المسلمون ذلك، وليعملوا بهدى كتابهم، ويقيموا الشهادة بالحق، ففى ذلك فلاحهم فى دينهم ودنياهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) هذا خطاب لمؤمنى اليهود
فقد روى عن ابن عباس «أن هذه الآية نزلت فى عبد الله بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب وثعلبة بن قيس وسلام بن أخت عبد الله بن سلام ويامين بن يامين، إذ أتوا رسول الله ﷺ وقالوا نؤمن بك وبكتابك وبموسى وبالتوراة وعزير ونكفر بما سوى ذلك من الكتب والرسل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- بل آمنوا بالله ورسوله محمد وكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله- فقالوا لا نفعل، فنزلت، قال فآمنوا كلهم»
وقيل: إن الخطاب فيها للمؤمنين كافة، والمعنى ازدادوا فى الإيمان طمأنينة ويقينا وآمنوا برسوله خاتم النبيين وبالقرآن الذي نزّله عليه وبالكتب التي نزّلها على رسله من قبله، فإنه لم يترك عباده فى زمن ما محرومين من البينات والهدى.
وبعد أن أمر بالإيمان بما ذكر توعد من كفر بذلك فقال:
(وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً) أي ومن يكفر بالله أو بملائكته أو ببعض كتبه أو رسله أو اليوم الآخر (وهى أسس الدين وأركانه) فقد ضل عن صراط الحق الذي ينجّى صاحبه فى الآخرة من العذاب الأليم، ويمتعه بالنعيم المقيم.
ومن فرّق بين كتب الله ورسله فآمن ببعض وكفر ببعض كاليهود والنصارى
فليتدبر المسلمون ذلك، وليعملوا بهدى كتابهم، ويقيموا الشهادة بالحق، ففى ذلك فلاحهم فى دينهم ودنياهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) هذا خطاب لمؤمنى اليهود
فقد روى عن ابن عباس «أن هذه الآية نزلت فى عبد الله بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب وثعلبة بن قيس وسلام بن أخت عبد الله بن سلام ويامين بن يامين، إذ أتوا رسول الله ﷺ وقالوا نؤمن بك وبكتابك وبموسى وبالتوراة وعزير ونكفر بما سوى ذلك من الكتب والرسل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- بل آمنوا بالله ورسوله محمد وكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله- فقالوا لا نفعل، فنزلت، قال فآمنوا كلهم»
وقيل: إن الخطاب فيها للمؤمنين كافة، والمعنى ازدادوا فى الإيمان طمأنينة ويقينا وآمنوا برسوله خاتم النبيين وبالقرآن الذي نزّله عليه وبالكتب التي نزّلها على رسله من قبله، فإنه لم يترك عباده فى زمن ما محرومين من البينات والهدى.
وبعد أن أمر بالإيمان بما ذكر توعد من كفر بذلك فقال:
(وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً) أي ومن يكفر بالله أو بملائكته أو ببعض كتبه أو رسله أو اليوم الآخر (وهى أسس الدين وأركانه) فقد ضل عن صراط الحق الذي ينجّى صاحبه فى الآخرة من العذاب الأليم، ويمتعه بالنعيم المقيم.
ومن فرّق بين كتب الله ورسله فآمن ببعض وكفر ببعض كاليهود والنصارى
180
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ
ﲈ
ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﲉ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ
ﲊ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ
ﲋ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﲌ
فلا يعتدّ بإيمانه، لأنه إما يتبع الهوى، أو يقلد عن جهل وعمى، ذاك أن سر الرسالة هى الهداية ولم يكن بعض النبيين فيها بأكمل من بعض، فإذا كفر ببعض الكتب أو الرسل كان كفره بها دليلا على أنه لم يؤمن بشىء منها إيمانا صحيحا مبنيا على فهم حقيقتها والبصر بحكمتها، وكل ذلك من الضلال البعيد عن طرق الهداية.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٧ الى ١٤١]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (١٣٧) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (١٣٩) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (١٤١)
المعنى الجملي
ذكر الله تعالى فى هذه الآيات حال قوم من أهل الضلال البعيد- آمنوا فى الظاهر نفاقا وكان الكفر قد استحوذ على قلوبهم ولم يجعل فيها مكانا للاستعداد للفهم، ومن ثم لم يمنعهم ذلك من الرجوع إلى الكفر مرة بعد أخرى، إذ هم لم يفقهوا
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٧ الى ١٤١]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (١٣٧) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (١٣٩) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (١٤١)
المعنى الجملي
ذكر الله تعالى فى هذه الآيات حال قوم من أهل الضلال البعيد- آمنوا فى الظاهر نفاقا وكان الكفر قد استحوذ على قلوبهم ولم يجعل فيها مكانا للاستعداد للفهم، ومن ثم لم يمنعهم ذلك من الرجوع إلى الكفر مرة بعد أخرى، إذ هم لم يفقهوا
181
حقيقة الإيمان ولا ذاقوا حلاوته، ولا أشربت قلوبهم حبه، ولا عرفوا فضائله ومناقبه.
ثم أوعد بعدئذ المنافقين بالعذاب الأليم وذكر أنهم أنصار الكافرين على المؤمنين، فلا ينبغى للمؤمنين أن يتخذوا منهم أولياء، ولا أن يبتغوا عندهم جاها ولا منزلة.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) أي إن هؤلاء قد استبان من ذبذبتهم واضطراب أحوالهم من إيمان إلى كفر، ثم من كفر إلى إيمان وهكذا دواليك- أنهم قد فقدوا الاستعداد لفهم حقيقة الإيمان وفقه مزاياه وفضائله ومثلهم لا يرجى لهم- بحسب سنن الله فى خليقته- أن يهتدوا إلى الخير ولا أن يسترشدوا إلى نافع ولا أن يسلكوا سبيل الله، فجدير بهم أن يمنع الله عنهم رحمته ورضوانه، ومغفرته وإحسانه، لأن أرواحهم قد دنّست، وقلوبهم قد عميت، فلم تكن محلا للمغفرة ولا للرجاء فى ثواب.
والله أرحم الراحمين واسع المغفرة لم يكن ليحرم أحدا المغفرة والهداية بمحض الخلق والمشيئة، وإنما مشيئته مقترنة بحكمته، وقد جرت سنة الله وحكمته الأزلية بأن يكون كسب البشر لعلومهم وأعمالهم مؤثرا فى نفوسهم، فمن طال عليه أمد التقليد حجب عن عقله نور الدليل، ومن طال عليه عهد الفسوق والعصيان حرم من أسباب الغفران التي ذكرها سبحانه فى قوله «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى».
ولا شك أن المغفرة وهى محو أثر الذنب من النفس إنما تكون بتأثير التوبة والعمل الصالح الذي يزيل ما علق فى النفس من تلك الآثام كما قال تعالى «إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ».
(بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) البشارة لا تستعمل غالبا إلا فى سارّ الأخبار، إذ هى مأخوذة من انبساط بشرة الوجه، فاستعمالها فى الأخبار السيئة يكون من باب
ثم أوعد بعدئذ المنافقين بالعذاب الأليم وذكر أنهم أنصار الكافرين على المؤمنين، فلا ينبغى للمؤمنين أن يتخذوا منهم أولياء، ولا أن يبتغوا عندهم جاها ولا منزلة.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) أي إن هؤلاء قد استبان من ذبذبتهم واضطراب أحوالهم من إيمان إلى كفر، ثم من كفر إلى إيمان وهكذا دواليك- أنهم قد فقدوا الاستعداد لفهم حقيقة الإيمان وفقه مزاياه وفضائله ومثلهم لا يرجى لهم- بحسب سنن الله فى خليقته- أن يهتدوا إلى الخير ولا أن يسترشدوا إلى نافع ولا أن يسلكوا سبيل الله، فجدير بهم أن يمنع الله عنهم رحمته ورضوانه، ومغفرته وإحسانه، لأن أرواحهم قد دنّست، وقلوبهم قد عميت، فلم تكن محلا للمغفرة ولا للرجاء فى ثواب.
والله أرحم الراحمين واسع المغفرة لم يكن ليحرم أحدا المغفرة والهداية بمحض الخلق والمشيئة، وإنما مشيئته مقترنة بحكمته، وقد جرت سنة الله وحكمته الأزلية بأن يكون كسب البشر لعلومهم وأعمالهم مؤثرا فى نفوسهم، فمن طال عليه أمد التقليد حجب عن عقله نور الدليل، ومن طال عليه عهد الفسوق والعصيان حرم من أسباب الغفران التي ذكرها سبحانه فى قوله «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى».
ولا شك أن المغفرة وهى محو أثر الذنب من النفس إنما تكون بتأثير التوبة والعمل الصالح الذي يزيل ما علق فى النفس من تلك الآثام كما قال تعالى «إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ».
(بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) البشارة لا تستعمل غالبا إلا فى سارّ الأخبار، إذ هى مأخوذة من انبساط بشرة الوجه، فاستعمالها فى الأخبار السيئة يكون من باب
182
التهكم والتوبيخ، أي بشر المنافقين بالعذاب المؤلم الذي لا يقدر قدره، ولا يحيط بكنهه إلا علام الغيوب.
ثم بين بعض صفاتهم التي تستوجب الذم فقال:
(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أي هؤلاء المنافقون هم الذين يتخذون الكافرين المعادين للمؤمنين أولياء وأنصارا، ويتجاوزون ولاية المؤمنين ويتركونها، ويمالئون الكافرين عليهم، اعتقادا منهم أن الدّولة ستكون لهم، فيجعلون لهم يدا عندهم ثم وبخهم على ما فعلوا فقال:
(أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ؟ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) العزة: القوة والمنعة: أي إن كانوا هم بذلك يطلبون عندهم الغلبة والمنعة، فإن العزة لله يؤتيها من يشاء، فعليهم أن يطلبوها منه تعالى بصادق إيمانهم واتباعهم هدايته التي أرشد إليها أنبياءه، وبيّنوا لهم أسبابها، وقد آتاها المؤمنين حينما اهتدوا بكتابه، وساروا على سننه ونهجوا نهجه، فلما أعرضوا عن هذه الهداية التي اعتز بها أسلافهم ذلوا وخنعوا لعدوهم وصار منهم منافقون يوالون الكافرين يبتغون عندهم عزة وشرفا وما هم لها بمدركين.
وبعدئذ نهى المؤمنين أن يجلسوا مع من يتنقص الدين ويزدرى بأحكامه فقال:
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) الخطاب موجه إلى كل من يظهر الإيمان سواء أكان مؤمنا حقا أم منافقا، وما نزله فى الكتاب هو قوله فى سورة الأنعام المكية «وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» وقد كان بعض المسلمين يجلسون مع المشركين وهم يخوضون فى الكفر وذم الإسلام والاستهزاء بالقرآن ولا يستطيعون الإنكار عليهم لضعفهم وقوة المشركين، فأمروا بالإعراض عنهم وعدم الجلوس معهم فى هذه الحال.
ثم إن يهود المدينة كانوا يفعلون فعل مشركى مكة، وكان المنافقون يجلسون معهم ويستمعون إليهم فنهى الله المؤمنين عن ذلك.
ثم بين بعض صفاتهم التي تستوجب الذم فقال:
(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أي هؤلاء المنافقون هم الذين يتخذون الكافرين المعادين للمؤمنين أولياء وأنصارا، ويتجاوزون ولاية المؤمنين ويتركونها، ويمالئون الكافرين عليهم، اعتقادا منهم أن الدّولة ستكون لهم، فيجعلون لهم يدا عندهم ثم وبخهم على ما فعلوا فقال:
(أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ؟ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) العزة: القوة والمنعة: أي إن كانوا هم بذلك يطلبون عندهم الغلبة والمنعة، فإن العزة لله يؤتيها من يشاء، فعليهم أن يطلبوها منه تعالى بصادق إيمانهم واتباعهم هدايته التي أرشد إليها أنبياءه، وبيّنوا لهم أسبابها، وقد آتاها المؤمنين حينما اهتدوا بكتابه، وساروا على سننه ونهجوا نهجه، فلما أعرضوا عن هذه الهداية التي اعتز بها أسلافهم ذلوا وخنعوا لعدوهم وصار منهم منافقون يوالون الكافرين يبتغون عندهم عزة وشرفا وما هم لها بمدركين.
وبعدئذ نهى المؤمنين أن يجلسوا مع من يتنقص الدين ويزدرى بأحكامه فقال:
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) الخطاب موجه إلى كل من يظهر الإيمان سواء أكان مؤمنا حقا أم منافقا، وما نزله فى الكتاب هو قوله فى سورة الأنعام المكية «وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» وقد كان بعض المسلمين يجلسون مع المشركين وهم يخوضون فى الكفر وذم الإسلام والاستهزاء بالقرآن ولا يستطيعون الإنكار عليهم لضعفهم وقوة المشركين، فأمروا بالإعراض عنهم وعدم الجلوس معهم فى هذه الحال.
ثم إن يهود المدينة كانوا يفعلون فعل مشركى مكة، وكان المنافقون يجلسون معهم ويستمعون إليهم فنهى الله المؤمنين عن ذلك.
183
والخلاصة- إنكم إذا سمعتم الكلام الذي يتضمن جعل الآيات فى موضع السخرية والاحتقار فابتعدوا عنهم، ولا ترجعوا إليهم حتى يعودوا إلى حديث آخر.
وفى الآية دليل على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله بما يدل على التنقص والاستهزاء بالأدلة الشرعية والأحكام الدينية كما يقع من أسراء التقليد الذين استبدلوا آراء العلماء بالكتاب والسنة ولم يبق فى أيديهم إلا قال إمام مذهبنا كذا وقال فلان من أتباعه كذا، وإذا استدل أحد بآية قرآنية أو بحديث نبوى سخروا منه وظنوا أنه قد جاء بخطب شنيع، وجعلوا رأى إمامهم مقدما على ما نطق به الكتاب، وأرشدت إليه السنة.
(إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) أي إنكم إن قعدتم معهم تكونوا شركاء لهم فى الكفر، لأنكم رضيتم به ووافقتموهم عليه.
وفى الآية إيماء إلى أن من يقر المنكر ويسكت عليه يقع فى الإثم، وإلى أن إنكار الشيء يمنع من انتشاره بين الناس.
وقد وقع فى هذا المنكر كثير من المسلمين، فإنهم يرون الملحدين فى البلاد يخوضون فى آيات الله ويستهزئون بالدين وهم يسكتون عن ذلك ولا يبدون إنكارا، ولا اشمئزازا ولا صدا ولا إعراضا.
(إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) أي إنهم كما اجتمعوا على الاستهزاء بآيات الله فى الدنيا سيجتمعون فى العقاب يوم القيامة.
ولا يخفى ما فى هذا من الوعيد للكفار والمنافقين ثم بين بعض أحوال المنافقين فقال:
(الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) يتربصون ينتظرون ما يحدث من خير أو شر: أي إن هؤلاء المنافقين ينتظرون ما يحدث لكم من كسر أو نصر، وشر أو خير.
(فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ؟) أي فإن نصركم الله وفتح عليكم ادّعوا أنهم كانوا معكم فيستحقون مشاركتكم فى النعمة وإعطاءهم من الغنيمة.
(وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا: أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الاستحواذ: الاستيلاء على الشيء والتمكن من تسخيره أو التصرف فيه: أي وإن كان
وفى الآية دليل على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله بما يدل على التنقص والاستهزاء بالأدلة الشرعية والأحكام الدينية كما يقع من أسراء التقليد الذين استبدلوا آراء العلماء بالكتاب والسنة ولم يبق فى أيديهم إلا قال إمام مذهبنا كذا وقال فلان من أتباعه كذا، وإذا استدل أحد بآية قرآنية أو بحديث نبوى سخروا منه وظنوا أنه قد جاء بخطب شنيع، وجعلوا رأى إمامهم مقدما على ما نطق به الكتاب، وأرشدت إليه السنة.
(إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) أي إنكم إن قعدتم معهم تكونوا شركاء لهم فى الكفر، لأنكم رضيتم به ووافقتموهم عليه.
وفى الآية إيماء إلى أن من يقر المنكر ويسكت عليه يقع فى الإثم، وإلى أن إنكار الشيء يمنع من انتشاره بين الناس.
وقد وقع فى هذا المنكر كثير من المسلمين، فإنهم يرون الملحدين فى البلاد يخوضون فى آيات الله ويستهزئون بالدين وهم يسكتون عن ذلك ولا يبدون إنكارا، ولا اشمئزازا ولا صدا ولا إعراضا.
(إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) أي إنهم كما اجتمعوا على الاستهزاء بآيات الله فى الدنيا سيجتمعون فى العقاب يوم القيامة.
ولا يخفى ما فى هذا من الوعيد للكفار والمنافقين ثم بين بعض أحوال المنافقين فقال:
(الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) يتربصون ينتظرون ما يحدث من خير أو شر: أي إن هؤلاء المنافقين ينتظرون ما يحدث لكم من كسر أو نصر، وشر أو خير.
(فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ؟) أي فإن نصركم الله وفتح عليكم ادّعوا أنهم كانوا معكم فيستحقون مشاركتكم فى النعمة وإعطاءهم من الغنيمة.
(وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا: أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الاستحواذ: الاستيلاء على الشيء والتمكن من تسخيره أو التصرف فيه: أي وإن كان
184
للكافرين نصيب من الظفر منّوا عليهم بأنهم كانوا عونا لهم على المؤمنين، بتخذيلهم والتواني فى الحرب معهم وإلقاء الكلام الذي تخور به عزائمهم عن قتالكم، فاعرفوا لنا هذا الفضل وهاتوا نصيبنا مما أصبتم.
والسر فى التعبير عن ظفر المؤمنين بالفتح وأنه من الله، وعن ظفر الكافرين بالنصيب- الإيماء إلى أن العاقبة للحق دائما، وأن الباطل ينهزم أمامه مهما كان له أول أمره من صولة ودولة، وقد يقع أثناء ذلك نصيب من الظفر للباطل ولكن تنتهى بغلبة الحق عليه كما قالَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ»
مادام أهله متبعين لسنة الله بأخذ الأهبة وإعداد العدّة كما أمر بذلك الكتاب العزيز بقوله «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ».
وإنما غلب المسلمون فى هذه العصور على أمرهم وفتح الكافرون بلادهم التي فتحوها من قبل بقوة إيمانهم، لأنهم تركوا أخذ الأهبة وإعداد العدة، وقام أعداؤهم بكل ما تستدعيه الحروب الحاضرة فأنشئوا البوارج والمدافع والدبابات المدرعة، والغواصات المهلكة، والطائرات المنقضّة، إلى نحو ذلك من آلات التدمير والهلاك فى البر والبحر والجور ووسائل ذلك من علوم طبيعية أو آلية (ميكانيكية) أو رياضية.
(فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي فالله يحكم بين المؤمنين الصادقين والمنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر حكما يليق بشأن كل من الثواب والعقاب، فيثيب أحباءه ويعاقب أعداءه، أما فى الدنيا فأنتم وهم سواء فى عصمة الأنفس والأموال كما
جاء فى الحديث «فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم».
(وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) أي إن المؤمنين ما داموا مستمسكين بدينهم متبعين لأمره ونهيه قائمين بعمل ما يستدعيه الدفاع عن بيضة الدين من أخذ الأهبة وإعداد العدّة لن يغلبهم الكافرون، ولن يكون لهم عليهم سلطان، وما غلب المسلمون على أمرهم إلا بتركهم هدى كتابهم وتركهم أوامر دينهم وراءهم
والسر فى التعبير عن ظفر المؤمنين بالفتح وأنه من الله، وعن ظفر الكافرين بالنصيب- الإيماء إلى أن العاقبة للحق دائما، وأن الباطل ينهزم أمامه مهما كان له أول أمره من صولة ودولة، وقد يقع أثناء ذلك نصيب من الظفر للباطل ولكن تنتهى بغلبة الحق عليه كما قالَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ»
مادام أهله متبعين لسنة الله بأخذ الأهبة وإعداد العدّة كما أمر بذلك الكتاب العزيز بقوله «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ».
وإنما غلب المسلمون فى هذه العصور على أمرهم وفتح الكافرون بلادهم التي فتحوها من قبل بقوة إيمانهم، لأنهم تركوا أخذ الأهبة وإعداد العدة، وقام أعداؤهم بكل ما تستدعيه الحروب الحاضرة فأنشئوا البوارج والمدافع والدبابات المدرعة، والغواصات المهلكة، والطائرات المنقضّة، إلى نحو ذلك من آلات التدمير والهلاك فى البر والبحر والجور ووسائل ذلك من علوم طبيعية أو آلية (ميكانيكية) أو رياضية.
(فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي فالله يحكم بين المؤمنين الصادقين والمنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر حكما يليق بشأن كل من الثواب والعقاب، فيثيب أحباءه ويعاقب أعداءه، أما فى الدنيا فأنتم وهم سواء فى عصمة الأنفس والأموال كما
جاء فى الحديث «فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم».
(وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) أي إن المؤمنين ما داموا مستمسكين بدينهم متبعين لأمره ونهيه قائمين بعمل ما يستدعيه الدفاع عن بيضة الدين من أخذ الأهبة وإعداد العدّة لن يغلبهم الكافرون، ولن يكون لهم عليهم سلطان، وما غلب المسلمون على أمرهم إلا بتركهم هدى كتابهم وتركهم أوامر دينهم وراءهم
185
ظهريّا، فذلوا بعد عزة، وأجلب الكفار عليهم بخيلهم ورجلهم ودخلوا عليهم فى عقر دارهم، وامتلكوا بلادهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٢ الى ١٤٣]
إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (١٤٣)
تفسير المفردات
الخداع: إيهام غيرك أن الشيء على ما يحب ويريد بتزيينك له وهو على غير ذلك.
كسالى: واحدهم كسلان، وهو المتثاقل المتباطئ، المراءاة: من الرؤية، وهى أن يكون من يرائيك بحيث تراه كما يراك، فالمرائى يريهم عمله وهم يرونه استحسان ذلك العمل الذبذبة: حكاية صوت الحركة للشىء المعلق ثم استعملت فى كل اضطراب وحركة.
المعنى الجملي
لا يزال الحديث فى المنافقين وبيان أحوالهم بعد أن ذكر طرفا منها قبل ذلك.
الإيضاح
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ)
أي يخادعون رسول الله فيظهرون له الإيمان ويبطنون الكفر، ونسب ذلك إلى الله من جهة أن معاملة الرسول بذلك كمعاملة الله به كما قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ».
وفى جعل ذلك خداعا لله تنبيه إلى شيئين، فظاعة فعلهم فيما تحرّوه من الخديعة،
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٢ الى ١٤٣]
إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (١٤٣)
تفسير المفردات
الخداع: إيهام غيرك أن الشيء على ما يحب ويريد بتزيينك له وهو على غير ذلك.
كسالى: واحدهم كسلان، وهو المتثاقل المتباطئ، المراءاة: من الرؤية، وهى أن يكون من يرائيك بحيث تراه كما يراك، فالمرائى يريهم عمله وهم يرونه استحسان ذلك العمل الذبذبة: حكاية صوت الحركة للشىء المعلق ثم استعملت فى كل اضطراب وحركة.
المعنى الجملي
لا يزال الحديث فى المنافقين وبيان أحوالهم بعد أن ذكر طرفا منها قبل ذلك.
الإيضاح
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ)
أي يخادعون رسول الله فيظهرون له الإيمان ويبطنون الكفر، ونسب ذلك إلى الله من جهة أن معاملة الرسول بذلك كمعاملة الله به كما قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ».
وفى جعل ذلك خداعا لله تنبيه إلى شيئين، فظاعة فعلهم فيما تحرّوه من الخديعة،
186
إذ هم بمخادعتهم للرسول إنما يخادعون الله، وعظم شأن المقصود بالخداع، وهو الرسول ﷺ وأن معاملته بذلك كمعاملة الله به.
(وَهُوَ خادِعُهُمْ)
أي مجازيهم على خداعهم، وسمى ذلك مخادعة مشاكلة للفظ الأول، ونظيره «وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ» وإنما جعل كذلك لأنه قد استعمل فى المعاني المذمومة التي تتضمن الكذب أو تدل على ضعف صاحبها وعجزه غالبا.
وخلاصة المعنى- إنه عبر عن سنة الله فى عاقبة أمرهم فى العاجل والآجل من حيث إنها جاءت على غير ما يحبون بلفظ مأخوذ من المخادعة، إذ أنهم بمخادعتهم للرسول والمؤمنين يسيرون فى طريق يضلّون فيه وينتهون إلى الخزي والوبال من حيث هم يطلبون السلامة والنجاة، فمخادعتهم لأنفسهم بسوء اختيارهم لها هو مخادعة الله لهم، إذ جرت سنته تعالى فيمن يعمل مثل عملهم أن يلاقى الخزي فى الدنيا والنكال فى الآخرة، وهكذا حال المنافقين فى كل أمة وملة يخادعون ويكذبون، ويكيدون ويغشّون، ويتولون أعداء أمتهم يبتغون بذلك يدا عندهم يمتون بها إليهم إذا دالت دولتهم، وكتب التاريخ ملأى بأخبار هؤلاء الأشرار، ويكثر عددهم فى الأمم فى أطوار الضعف وقوة الأعداء، إذ هم طلاب منافع يلتمسونها من كل فج، ويسلكون لها كل طريق، ولو فيما يضر أمتهم والناس أجمعين، وقد روى عن ابن عباس أنه قال: خداعه تعالى لهم أن يعطيهم نورا يوم القيامة يمشون به مع المسلمين فإذا وصلوا إلى الصراط انطفأ نورهم وبقوا فى ظلمة، ودليله قوله تعالى «كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ».
(وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى)
أي متباطئين متثاقلين ليست لديهم رغبة تبعثهم على عمل، ولا نشاط يدفعهم على فعل، لأنهم لا يرجون ثوابا فى الآخرة، ولا يخشون عقابا إذ لا إيمان لهم، وإنما يخشون الناس، فإذا كانوا بمعزل عن المؤمنين
(وَهُوَ خادِعُهُمْ)
أي مجازيهم على خداعهم، وسمى ذلك مخادعة مشاكلة للفظ الأول، ونظيره «وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ» وإنما جعل كذلك لأنه قد استعمل فى المعاني المذمومة التي تتضمن الكذب أو تدل على ضعف صاحبها وعجزه غالبا.
وخلاصة المعنى- إنه عبر عن سنة الله فى عاقبة أمرهم فى العاجل والآجل من حيث إنها جاءت على غير ما يحبون بلفظ مأخوذ من المخادعة، إذ أنهم بمخادعتهم للرسول والمؤمنين يسيرون فى طريق يضلّون فيه وينتهون إلى الخزي والوبال من حيث هم يطلبون السلامة والنجاة، فمخادعتهم لأنفسهم بسوء اختيارهم لها هو مخادعة الله لهم، إذ جرت سنته تعالى فيمن يعمل مثل عملهم أن يلاقى الخزي فى الدنيا والنكال فى الآخرة، وهكذا حال المنافقين فى كل أمة وملة يخادعون ويكذبون، ويكيدون ويغشّون، ويتولون أعداء أمتهم يبتغون بذلك يدا عندهم يمتون بها إليهم إذا دالت دولتهم، وكتب التاريخ ملأى بأخبار هؤلاء الأشرار، ويكثر عددهم فى الأمم فى أطوار الضعف وقوة الأعداء، إذ هم طلاب منافع يلتمسونها من كل فج، ويسلكون لها كل طريق، ولو فيما يضر أمتهم والناس أجمعين، وقد روى عن ابن عباس أنه قال: خداعه تعالى لهم أن يعطيهم نورا يوم القيامة يمشون به مع المسلمين فإذا وصلوا إلى الصراط انطفأ نورهم وبقوا فى ظلمة، ودليله قوله تعالى «كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ».
(وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى)
أي متباطئين متثاقلين ليست لديهم رغبة تبعثهم على عمل، ولا نشاط يدفعهم على فعل، لأنهم لا يرجون ثوابا فى الآخرة، ولا يخشون عقابا إذ لا إيمان لهم، وإنما يخشون الناس، فإذا كانوا بمعزل عن المؤمنين
187
تركوها، وإذا كانوا معهم سايروهم بالقيام بها، ومن كانت هذه حاله وقع عمله على وجه الكسل والفتور.
(يُراؤُنَ النَّاسَ)
بها، أي يبتغون بذلك أن يراهم المؤمنون فيعدوهم منهم.
(وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)
أي لا يصلّون إلا قليلا، فإذا لم يرهم أحد لم يصلوا وإذا كانوا مع الناس راءوهم وصلّوا معهم.
(مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) أي مضطربين مائلين تارة إلى المؤمنين، وتارة إلى الكافرين، لا يخلصون إلى أحد الفريقين، لأنهم طلاب منافع، ولا يدرون لمن تكون العاقبة، فمتى ظهرت الغلبة لأحدهما ادعوا أنهم منه كما بين الله ذلك فيما سلف.
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا) أي ومن قضت سنته أن يكون ضالا عن الحق موغلا فى الباطل، بما قدم من عمل، وتخلق به من خلق، فلن تجد له سبيلا للهداية باجتهادك والمبالغة فى إقناعه بالحجة والدليل، فإن سنة الله لا تتبدل ولا تتحول.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٤ الى ١٤٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦) ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧)
(يُراؤُنَ النَّاسَ)
بها، أي يبتغون بذلك أن يراهم المؤمنون فيعدوهم منهم.
(وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)
أي لا يصلّون إلا قليلا، فإذا لم يرهم أحد لم يصلوا وإذا كانوا مع الناس راءوهم وصلّوا معهم.
(مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) أي مضطربين مائلين تارة إلى المؤمنين، وتارة إلى الكافرين، لا يخلصون إلى أحد الفريقين، لأنهم طلاب منافع، ولا يدرون لمن تكون العاقبة، فمتى ظهرت الغلبة لأحدهما ادعوا أنهم منه كما بين الله ذلك فيما سلف.
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا) أي ومن قضت سنته أن يكون ضالا عن الحق موغلا فى الباطل، بما قدم من عمل، وتخلق به من خلق، فلن تجد له سبيلا للهداية باجتهادك والمبالغة فى إقناعه بالحجة والدليل، فإن سنة الله لا تتبدل ولا تتحول.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٤ الى ١٤٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦) ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧)
188
المعنى الجملي
بعد أن ذم سبحانه المنافقين بأنهم مذبذبون لا يستقر لهم قرار، فهم تارة مع المؤمنين، وأخرى مع الكافرين، حذر المؤمنين أن يفعلوا فعلهم وأن يوالى بعض ضعفائهم الكافرين دون المؤمنين، يبتغون عندهم العزة ويرجون منهم المنفعة كما فعل حاطب بن أبى بلتعة، إذ كتب إلى كفار قريش يخبرهم بما عزم عليه النبي ﷺ فى شأنهم لأنه كان له عندهم أهل ومال.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) المراد بالولاية هنا النصرة بالقول أو بالفعل بما يكون فيه ضرر للمسلمين، وهذا كقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ».
أما استخدام الذميين منهم فى الحكومة الإسلامية فليس بمحظور، والصحابة رضوان الله عليهم استخدموهم فى الدواوين الأميرية، وأبو إسحاق الصابي جعل وزيرا فى الدولة العباسية.
(أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) السلطان: الحجة والبرهان، والمبين هنا بمعنى البين فى نفسه.
والمعنى- أتريدون أن تجعلوا لله عليكم حجة بينة فى استحقاقكم للعقاب إذا اتخذتموهم أولياء من دون المؤمنين؟ فإن عملا كهذا لا يصدر إلا من منافق.
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) الدرك والدرك بالسكون والتحريك:
الطبقة أسفل من الأخرى، فإذا كانت أعلى منها كانت درجة، والنار سبع دركات سميت بذلك لأنها متداركة متتابعة، وفى الآية إشارة إلى أن دار العذاب فى الآخرة ذات دركات بعضها أسفل من بعض، كما أن دار النعيم درجات بعضها أعلى من بعض.
بعد أن ذم سبحانه المنافقين بأنهم مذبذبون لا يستقر لهم قرار، فهم تارة مع المؤمنين، وأخرى مع الكافرين، حذر المؤمنين أن يفعلوا فعلهم وأن يوالى بعض ضعفائهم الكافرين دون المؤمنين، يبتغون عندهم العزة ويرجون منهم المنفعة كما فعل حاطب بن أبى بلتعة، إذ كتب إلى كفار قريش يخبرهم بما عزم عليه النبي ﷺ فى شأنهم لأنه كان له عندهم أهل ومال.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) المراد بالولاية هنا النصرة بالقول أو بالفعل بما يكون فيه ضرر للمسلمين، وهذا كقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ».
أما استخدام الذميين منهم فى الحكومة الإسلامية فليس بمحظور، والصحابة رضوان الله عليهم استخدموهم فى الدواوين الأميرية، وأبو إسحاق الصابي جعل وزيرا فى الدولة العباسية.
(أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) السلطان: الحجة والبرهان، والمبين هنا بمعنى البين فى نفسه.
والمعنى- أتريدون أن تجعلوا لله عليكم حجة بينة فى استحقاقكم للعقاب إذا اتخذتموهم أولياء من دون المؤمنين؟ فإن عملا كهذا لا يصدر إلا من منافق.
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) الدرك والدرك بالسكون والتحريك:
الطبقة أسفل من الأخرى، فإذا كانت أعلى منها كانت درجة، والنار سبع دركات سميت بذلك لأنها متداركة متتابعة، وفى الآية إشارة إلى أن دار العذاب فى الآخرة ذات دركات بعضها أسفل من بعض، كما أن دار النعيم درجات بعضها أعلى من بعض.
189
وإنما كان المنافقون فى الدرك الأسفل من النار، لأنهم شر أهلها، إذ هم جمعوا بين الكفر والنفاق ومخادعة الرسول والمؤمنين وغشهم، فأرواحهم أسفل الأرواح، ونفوسهم أحط النفوس، ومن ثم كانوا أجدر الناس بالدرك الأسفل منها.
أما أكثر الكفار فقد غلب عليهم الجهل بحقيقة التوحيد، فهم مع إيمانهم بالله يشركون به غيره، من صنم أو وثن يتخذونه شفيعا عنده ووسيطا بينه وبينه، وقد قاسوا ذلك على معاملة الملوك المستبدين، والأمراء الظالمين.
(وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) ينقذهم من ذلك العذاب أو يخففه عنهم فيرفعهم من الطبقة السفلى إلى ما فوقها.
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) أي هذا الجزاء الشديد الذي أعده الله للمنافقين لا يكون للذين تابوا من النفاق والكفر وندموا على ما فرط منهم وأتبعوا ذلك بأمور ثلاثة:
(١) اجتهادهم فى صالح الأعمال التي تغسل أدران النفاق، بأن يلتزموا الصدق فى القول والعمل مع الأمانة والوفاء بالوعد، ويخلصوا النصح لله ورسوله، ويقيموا الصلاة مع الخشوع والخضوع ومراقبة الله فى السر والعلن.
(٢) اعتصامهم بالله بأن يكون غرضهم من التوبة وصلاح العمل مرضاة الله، مع التمسك بكتابه، والتخلق بآدابه، والاعتبار بمواعظه، والرجاء فى وعده، والخوف من وعيده، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، كما قال تعالى: «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً».
(٣) إخلاصهم لله بأن يدعوه وحده ولا يدعوا من دونه أحدا لكشف ضر ولا لجلب نفع، بل يكون كل ما يتعلق بالدين والعبادة خالصا له وحده كما قال:
أما أكثر الكفار فقد غلب عليهم الجهل بحقيقة التوحيد، فهم مع إيمانهم بالله يشركون به غيره، من صنم أو وثن يتخذونه شفيعا عنده ووسيطا بينه وبينه، وقد قاسوا ذلك على معاملة الملوك المستبدين، والأمراء الظالمين.
(وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) ينقذهم من ذلك العذاب أو يخففه عنهم فيرفعهم من الطبقة السفلى إلى ما فوقها.
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) أي هذا الجزاء الشديد الذي أعده الله للمنافقين لا يكون للذين تابوا من النفاق والكفر وندموا على ما فرط منهم وأتبعوا ذلك بأمور ثلاثة:
(١) اجتهادهم فى صالح الأعمال التي تغسل أدران النفاق، بأن يلتزموا الصدق فى القول والعمل مع الأمانة والوفاء بالوعد، ويخلصوا النصح لله ورسوله، ويقيموا الصلاة مع الخشوع والخضوع ومراقبة الله فى السر والعلن.
(٢) اعتصامهم بالله بأن يكون غرضهم من التوبة وصلاح العمل مرضاة الله، مع التمسك بكتابه، والتخلق بآدابه، والاعتبار بمواعظه، والرجاء فى وعده، والخوف من وعيده، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، كما قال تعالى: «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً».
(٣) إخلاصهم لله بأن يدعوه وحده ولا يدعوا من دونه أحدا لكشف ضر ولا لجلب نفع، بل يكون كل ما يتعلق بالدين والعبادة خالصا له وحده كما قال:
190
«إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» وكما جاء فى قوله: «فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ».
(فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) أي فأولئك التائبون يكونون مع المؤمنين، لأنهم يؤمنون كإيمانهم ويعملون كعملهم فيجزون جزاءهم.
(وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) أي وسوف يعطيهم الله الأجر العظيم الذي لا يقدر قدره، كما قال تعالى: «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ».
ثم بين أن تعذيبهم إنما كان لكفرهم بأنعم الله عليهم فقال:
(ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ؟) الاستفهام للإنكار. أي إنه تعالى لا يعذب أحدا من خلقه انتقاما منه، ولا طلبا لنفع ولا دفعا لضر، لأنه تعالى غنى عن كل أحد، منزه عن جلب منفعة له، وعن دفع مضرة عنه، بل ذلك جزاء كفرهم بأنعم الله عليهم، فهو قد أنعم عليهم بالعقل والحواس والجوارح والوجدان، لكنهم استعملوها فى غير ما خلقت لأجله من الاهتداء بها لتكميل نفوسهم بالفضائل والعلوم والمعارف، كما كفروا بخالق هذه القوى فاتخذوا له شركاء، ولا ينفعهم تسميتهم شفعاء أو وسطاء، حتى فسدت فطرتهم، ودنست أرواحهم، ولو آمنوا وشكروا لطهرت أرواحهم، وظهرت آثار ذلك فى عقولهم وسائر أعمالهم التي تصلحهم فى معاشهم ومعادهم، واستحقوا بذلك رضوان الله «وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ».
(وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً) أي يجعل ثواب المؤمنين الشاكرين بحسب علمه بأحوالهم، ونيلهم من الدرجات أكثر مما يستحقون، جزاء على شكرهم وإيمانهم كما قال: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ
(فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) أي فأولئك التائبون يكونون مع المؤمنين، لأنهم يؤمنون كإيمانهم ويعملون كعملهم فيجزون جزاءهم.
(وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) أي وسوف يعطيهم الله الأجر العظيم الذي لا يقدر قدره، كما قال تعالى: «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ».
ثم بين أن تعذيبهم إنما كان لكفرهم بأنعم الله عليهم فقال:
(ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ؟) الاستفهام للإنكار. أي إنه تعالى لا يعذب أحدا من خلقه انتقاما منه، ولا طلبا لنفع ولا دفعا لضر، لأنه تعالى غنى عن كل أحد، منزه عن جلب منفعة له، وعن دفع مضرة عنه، بل ذلك جزاء كفرهم بأنعم الله عليهم، فهو قد أنعم عليهم بالعقل والحواس والجوارح والوجدان، لكنهم استعملوها فى غير ما خلقت لأجله من الاهتداء بها لتكميل نفوسهم بالفضائل والعلوم والمعارف، كما كفروا بخالق هذه القوى فاتخذوا له شركاء، ولا ينفعهم تسميتهم شفعاء أو وسطاء، حتى فسدت فطرتهم، ودنست أرواحهم، ولو آمنوا وشكروا لطهرت أرواحهم، وظهرت آثار ذلك فى عقولهم وسائر أعمالهم التي تصلحهم فى معاشهم ومعادهم، واستحقوا بذلك رضوان الله «وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ».
(وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً) أي يجعل ثواب المؤمنين الشاكرين بحسب علمه بأحوالهم، ونيلهم من الدرجات أكثر مما يستحقون، جزاء على شكرهم وإيمانهم كما قال: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ
191
عَذابِي لَشَدِيدٌ»
فهو يجزى بيسير الطاعات، رفيع الدرجات، ويعطى بالعمل فى أيام معدودة، نعما فى الآخرة غير محدودة.
وفقنا الله لصالح العمل، وجعلنا من المؤمنين الشاكرين.
وصلى الله على محمد وصحبه وسلم.
وكان الفراغ من كتابة مسوّدة هذا الجزء فى اليوم الثاني من المحرم سنة اثنتين وستين وثلاثمائة بعد الألف، بمدينة حلوان من أرباض القاهرة بالديار المصرية.
فهو يجزى بيسير الطاعات، رفيع الدرجات، ويعطى بالعمل فى أيام معدودة، نعما فى الآخرة غير محدودة.
وفقنا الله لصالح العمل، وجعلنا من المؤمنين الشاكرين.
وصلى الله على محمد وصحبه وسلم.
وكان الفراغ من كتابة مسوّدة هذا الجزء فى اليوم الثاني من المحرم سنة اثنتين وستين وثلاثمائة بعد الألف، بمدينة حلوان من أرباض القاهرة بالديار المصرية.
192
فهرس أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء
الصفحة المبحث ٥ جاء الإحصان فى القرآن لعدة معان ٧ الاسترقاق المعروف الآن فى بلاد الحجاز، والسودان، وبلاد الجراكسة ليس بشرعى ٨ نكاح المتعة (النكاح المؤقت) حرام كالنكاح بنية الطلاق.
١٠ كان الزنا فى الجاهلية قسمين سرّى وعلنى كما هو الآن فى كثير من البلاد الإفرنجية ومن قلدهم فى البلاد الإسلامية.
١٧ مال الفرد مال الأمة مع احترام الحيازة والملكية، ولا يباح للمحتاج أن يأخذه إلا بإذن صاحبه.
١٨ مدار حل التجارة على التراضي فلا ينبغى أن يكون فيها غش ولا تدليس.
١٩ الدين قد جعل قتل غيرك قتلا لنفسك.
٢٧ أسباب قوامة الرجال على النساء.
٢٨ النهج القويم فى معاملة المرأة.
٣٠ الرجال الذين يستذلون نساءهم يلدون عبيدا لغيرهم.
٣١ علاج الشقاق بين الزوجين إرسال حكمين حكم من أهله وحكم من أهلها.
٣٧ أمرنا بحسن معاملة الخادم والمولى.
الصفحة المبحث ٥ جاء الإحصان فى القرآن لعدة معان ٧ الاسترقاق المعروف الآن فى بلاد الحجاز، والسودان، وبلاد الجراكسة ليس بشرعى ٨ نكاح المتعة (النكاح المؤقت) حرام كالنكاح بنية الطلاق.
١٠ كان الزنا فى الجاهلية قسمين سرّى وعلنى كما هو الآن فى كثير من البلاد الإفرنجية ومن قلدهم فى البلاد الإسلامية.
١٧ مال الفرد مال الأمة مع احترام الحيازة والملكية، ولا يباح للمحتاج أن يأخذه إلا بإذن صاحبه.
١٨ مدار حل التجارة على التراضي فلا ينبغى أن يكون فيها غش ولا تدليس.
١٩ الدين قد جعل قتل غيرك قتلا لنفسك.
٢٧ أسباب قوامة الرجال على النساء.
٢٨ النهج القويم فى معاملة المرأة.
٣٠ الرجال الذين يستذلون نساءهم يلدون عبيدا لغيرهم.
٣١ علاج الشقاق بين الزوجين إرسال حكمين حكم من أهله وحكم من أهلها.
٣٧ أمرنا بحسن معاملة الخادم والمولى.
193
الصفحة المبحث ٣٩ المرائى بخيل فى الحقيقة- الفارق بينه وبين المخلص فى عمله.
٤٠ القرين الصالح عون على الخير.
٤٤ يوم القيامة يود الكافر لو تسوى به الأرض ويكون ترابا.
٤٧ حكمة الاغتسال من الجنابة.
٥١ أهل الكتاب اشتروا الضلالة بالهدى فحرفوا الكلم عن مواضعه.
٥٥ اتفق الرسل جميعا فى أسس الدين واختلفوا فى التفاصيل.
٥٨ ضروب الشرك- الحكمة فى عدم مغفرته.
٦١ تحذير المسلمين من الغرور بدينهم كما فعل أهل الكتاب.
٦٥ هل يعود الملك إلى اليهود؟.
٦٨ الحكمة فى تبديل جلود الكفار- رأى الطلب فى ذلك.
٦٩ أزواج الجنة مبرآت من العيوب الجسمية والنفسية.
٧٠ الأمانة ضروب وأنواع.
٧٣ الأصول التي بنى عليها التشريع فى الإسلام.
٧٦ التحاكم إلى الدجالين وأصحاب المندل والرمل ومدعى الكشف والولاية ٧٧ المنافقون يصدون عن التحاكم إلى الرسول.
٨٣ صادق الإيمان من يطيع الله فى المحبوب والمكروه.
٩٢ جرت سنة الله أن الحق يعلو على الباطل وأن البقاء للأصلح.
٩٧ كل شىء من عند الله، فهو خالق الأشياء وواضع نظمها.
٩٨ طاعة الله من أسباب النعم، وعصيانه مما يجلب النقم.
١٠٢ لو كان القرآن من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
١١٧ الناس فى عصر التنزيل كانوا ثلاث فرق بالنسبة إلى هذا الدين ١٢٣ للعلماء فى توبة قاتل المؤمن عمدا آراء ثلاثة.
٤٠ القرين الصالح عون على الخير.
٤٤ يوم القيامة يود الكافر لو تسوى به الأرض ويكون ترابا.
٤٧ حكمة الاغتسال من الجنابة.
٥١ أهل الكتاب اشتروا الضلالة بالهدى فحرفوا الكلم عن مواضعه.
٥٥ اتفق الرسل جميعا فى أسس الدين واختلفوا فى التفاصيل.
٥٨ ضروب الشرك- الحكمة فى عدم مغفرته.
٦١ تحذير المسلمين من الغرور بدينهم كما فعل أهل الكتاب.
٦٥ هل يعود الملك إلى اليهود؟.
٦٨ الحكمة فى تبديل جلود الكفار- رأى الطلب فى ذلك.
٦٩ أزواج الجنة مبرآت من العيوب الجسمية والنفسية.
٧٠ الأمانة ضروب وأنواع.
٧٣ الأصول التي بنى عليها التشريع فى الإسلام.
٧٦ التحاكم إلى الدجالين وأصحاب المندل والرمل ومدعى الكشف والولاية ٧٧ المنافقون يصدون عن التحاكم إلى الرسول.
٨٣ صادق الإيمان من يطيع الله فى المحبوب والمكروه.
٩٢ جرت سنة الله أن الحق يعلو على الباطل وأن البقاء للأصلح.
٩٧ كل شىء من عند الله، فهو خالق الأشياء وواضع نظمها.
٩٨ طاعة الله من أسباب النعم، وعصيانه مما يجلب النقم.
١٠٢ لو كان القرآن من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
١١٧ الناس فى عصر التنزيل كانوا ثلاث فرق بالنسبة إلى هذا الدين ١٢٣ للعلماء فى توبة قاتل المؤمن عمدا آراء ثلاثة.
194
الصفحة المبحث ١٣١ لا تقبل مسايرة أهل البدع والأهواء خوفا من الأذى ١٣٣ إذا لم يستطع الرجل إقامة دينه فى بلد وجبت عليه الهجرة منه إلى بلد آخر.
١٣٥ من سافر لأمر فيه ثواب كطلب علم وحج ومات قبل الوصول إلى مقصده كتب له أجر فعل ذلك.
١٣٦ السبب فى شرع الهجرة فى صدر الإسلام.
١٣٩ صلاة القصر فى السفر وشرطها.
١٤٤ الحكمة فى توقيت الصلاة.
١٤٨ لا ينبغى أن يظهر الميل الفطري أو الديني فى مجلس القضاء.
١٤٩ من شأن العاصين أن يستتروا من الناس حين اجتراح السيئات، ولا يستحيون من الله.
١٥٣ النجوى مظنة الشر ولا خير فيها إلا فى الأمر بصدقة أو معروف.
أو إصلاح بين الناس.
١٥٥ من يرتد عن الإسلام بعد ما ظهرت له الهداية على لسان رسله فمأواه جهنم وبئس المصير.
١٥٧ لا يغفر الله الشرك لأحد ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
١٥٩ الشرك أصناف.
١٦١ من يتبع وساوس الشيطان فقد خسر خسرانا مبينا.
١٦٢ وعد الشيطان غرور من القول وزور.
١٦٥ كل ما أصاب المسلم كفارة له حتى الشوكة يشاكها.
١٦٦ النجاة والسعادة فى الآخرة منوطان بصالح العمل مع الإيمان.
١٧٠ فى الكتاب ما يجب من معاملة الضعيفين المرأة واليتيم.
١٣٥ من سافر لأمر فيه ثواب كطلب علم وحج ومات قبل الوصول إلى مقصده كتب له أجر فعل ذلك.
١٣٦ السبب فى شرع الهجرة فى صدر الإسلام.
١٣٩ صلاة القصر فى السفر وشرطها.
١٤٤ الحكمة فى توقيت الصلاة.
١٤٨ لا ينبغى أن يظهر الميل الفطري أو الديني فى مجلس القضاء.
١٤٩ من شأن العاصين أن يستتروا من الناس حين اجتراح السيئات، ولا يستحيون من الله.
١٥٣ النجوى مظنة الشر ولا خير فيها إلا فى الأمر بصدقة أو معروف.
أو إصلاح بين الناس.
١٥٥ من يرتد عن الإسلام بعد ما ظهرت له الهداية على لسان رسله فمأواه جهنم وبئس المصير.
١٥٧ لا يغفر الله الشرك لأحد ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
١٥٩ الشرك أصناف.
١٦١ من يتبع وساوس الشيطان فقد خسر خسرانا مبينا.
١٦٢ وعد الشيطان غرور من القول وزور.
١٦٥ كل ما أصاب المسلم كفارة له حتى الشوكة يشاكها.
١٦٦ النجاة والسعادة فى الآخرة منوطان بصالح العمل مع الإيمان.
١٧٠ فى الكتاب ما يجب من معاملة الضعيفين المرأة واليتيم.
195
الصفحة المبحث ١٧١ إذا خافت المرأة من الزوج نشوزا وإعراضا فلا بأس فى أن تتسامح فى بعض.
حقوقها عليه أو كلها لتبقى فى عصمته.
١٧٢ العدل غير مستطاع بين الأزواج فيجب مراعاته على قدر الإمكان.
١٧٣ ميثاق الزوجية ميثاق مؤكد يجب احترامه.
١٧٤ إذا افترق الزوجان وراعيا حدود الله يسر الله لهما من فضله وجوده خير العوض من صاحبه.
١٧٨ تحرى الحق والعدل فى الشهادة ولو على النفس أو الوالدين والأقربين.
١٨٢ المغفرة إنما تكون بتأثير التوبة والعمل الصالح فى النفس حتى يزيل ما علق بها من الآثام.
١٨٣ نهينا عن الجلوس فى الأماكن التي فيها ذم الإسلام والاستهزاء بالقرآن.
١٨٥ ما غلب المسلمون فى هذه العصور ولا فتح الكفار بلادهم إلا بترك الأهبة.
وإعداد العدة.
١٨٥ لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ما داموا مستمسكين بدينهم متبعين لأوامره.
١٨٧ المنافقون فى كل أمة وملة يخادعون ويكذبون ويتولون أعداء أمتهم يبتغون بذلك يدا عندهم.
١٩٠ المنافق إذا تاب واجتهد فى صالح الأعمال واعتصم بالله وأخلص له العمل يعفو الله عنه.
١٩١ العذاب جزاء على الجرائم التي تصدر عن الفاعل لها.
حقوقها عليه أو كلها لتبقى فى عصمته.
١٧٢ العدل غير مستطاع بين الأزواج فيجب مراعاته على قدر الإمكان.
١٧٣ ميثاق الزوجية ميثاق مؤكد يجب احترامه.
١٧٤ إذا افترق الزوجان وراعيا حدود الله يسر الله لهما من فضله وجوده خير العوض من صاحبه.
١٧٨ تحرى الحق والعدل فى الشهادة ولو على النفس أو الوالدين والأقربين.
١٨٢ المغفرة إنما تكون بتأثير التوبة والعمل الصالح فى النفس حتى يزيل ما علق بها من الآثام.
١٨٣ نهينا عن الجلوس فى الأماكن التي فيها ذم الإسلام والاستهزاء بالقرآن.
١٨٥ ما غلب المسلمون فى هذه العصور ولا فتح الكفار بلادهم إلا بترك الأهبة.
وإعداد العدة.
١٨٥ لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ما داموا مستمسكين بدينهم متبعين لأوامره.
١٨٧ المنافقون فى كل أمة وملة يخادعون ويكذبون ويتولون أعداء أمتهم يبتغون بذلك يدا عندهم.
١٩٠ المنافق إذا تاب واجتهد فى صالح الأعمال واعتصم بالله وأخلص له العمل يعفو الله عنه.
١٩١ العذاب جزاء على الجرائم التي تصدر عن الفاعل لها.
196
الجزء السادس
[تتمة سورة النساء]
تفسير المراغي تأليف صاحب الفضيلة الأستاذ الكبير المرحوم أحمد مصطفى المراغي أستاذ الشريعة الإسلامية واللغة العربية بكلية دار العلوم سابقا الجزء السادس
[تتمة سورة النساء]
تفسير المراغي تأليف صاحب الفضيلة الأستاذ الكبير المرحوم أحمد مصطفى المراغي أستاذ الشريعة الإسلامية واللغة العربية بكلية دار العلوم سابقا الجزء السادس
1
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٨ الى ١٤٩]لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩)
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه كثيرا من عيوب المنافقين ومفاسدهم لإقامة الحجة عليهم، وحذّر المؤمنين من مثل أعمالهم وأخلاقهم كما قال: «وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ».
بين هنا حكم الجهر بالسوء من القول وإبداء الخير وإخفائه، حتى لا يستدل المؤمنون بذكر عيوب المنافقين والكافرين فى القرآن على استحباب الجهر بالسوء من القول أو مشروعيته إذا كان حقا على الإطلاق فيفشو ذلك، وفى هذا من الضرر ما سنذكره.
3
الإيضاح
(لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) حب الله لشىء هو الرضا به والإثابة عليه، والجهر يقابل السر والإخفاء، والسوء من القول ما يسوء من يقال فيه كذكر عيوبه.
ومساويه التي تؤذى كرامته.
والمعنى- أنه تعالى لا يحب من عباده أن يجهروا فيما بينهم بذكر العيوب والسيئات لما فى ذلك من المفاسد الكثيرة التي أهمها:
١) إنه مجلبة للعداوة والبغضاء بين من يجهر بالسوء ومن ينسب إليه هذا السوء، وقد يصل الأمر إلى هضم الحقوق وسفك الدماء.
٢) إنه يؤثر فى نفوس السامعين تأثيرا ضارا بهم، فقد جرت العادة بأن الناس يقتدى بعضهم ببعض، فمن رأى إنسانا يسبّ آخر لضغائن بينه وبينه، أو لكراهته إياه قلده فى ذلك، ولا سيما إذا كان من الأحداث الذين يغلب عليهم التقليد أو من طبقة دون طبقته، إذ عامة الناس يقلدون خواصهم، فإذا ظهرت المنكرات فى الخاصة لا تلبث أن تصل إلى العامة وتفشو بينهم. ومن تميل نفسه إلى منكر أو فاحشة يجترئ على ارتكابهما إذا علم أن له سلفا وقدوة فيهما، فسماع السوء كعمل السوء فذاك يؤثر فى نفس السامع وهذا يؤثر فى نفس الرائي والناظر، وأقل هذه الأضرار أنه يضعف فى النفس استقباحه واستبشاعه خصوصا إذا تكرر السماع أو النظر.
وكثير من الناس يجهل مبلغ تأثير الكلام فى القلوب، فلا ينزهون ألسنتهم عن السوء من القول ولا أسماعهم عن الإصغاء إليه.
والخلاصة- إن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول ولا الإسرار به، إذ هو قد نهى عن النجوى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، لكنه خص الجهر هنا بالذكر لمناسبة بيان مفاسد الكفار والمنافقين فى هذا السياق.
(لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) حب الله لشىء هو الرضا به والإثابة عليه، والجهر يقابل السر والإخفاء، والسوء من القول ما يسوء من يقال فيه كذكر عيوبه.
ومساويه التي تؤذى كرامته.
والمعنى- أنه تعالى لا يحب من عباده أن يجهروا فيما بينهم بذكر العيوب والسيئات لما فى ذلك من المفاسد الكثيرة التي أهمها:
١) إنه مجلبة للعداوة والبغضاء بين من يجهر بالسوء ومن ينسب إليه هذا السوء، وقد يصل الأمر إلى هضم الحقوق وسفك الدماء.
٢) إنه يؤثر فى نفوس السامعين تأثيرا ضارا بهم، فقد جرت العادة بأن الناس يقتدى بعضهم ببعض، فمن رأى إنسانا يسبّ آخر لضغائن بينه وبينه، أو لكراهته إياه قلده فى ذلك، ولا سيما إذا كان من الأحداث الذين يغلب عليهم التقليد أو من طبقة دون طبقته، إذ عامة الناس يقلدون خواصهم، فإذا ظهرت المنكرات فى الخاصة لا تلبث أن تصل إلى العامة وتفشو بينهم. ومن تميل نفسه إلى منكر أو فاحشة يجترئ على ارتكابهما إذا علم أن له سلفا وقدوة فيهما، فسماع السوء كعمل السوء فذاك يؤثر فى نفس السامع وهذا يؤثر فى نفس الرائي والناظر، وأقل هذه الأضرار أنه يضعف فى النفس استقباحه واستبشاعه خصوصا إذا تكرر السماع أو النظر.
وكثير من الناس يجهل مبلغ تأثير الكلام فى القلوب، فلا ينزهون ألسنتهم عن السوء من القول ولا أسماعهم عن الإصغاء إليه.
والخلاصة- إن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول ولا الإسرار به، إذ هو قد نهى عن النجوى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، لكنه خص الجهر هنا بالذكر لمناسبة بيان مفاسد الكفار والمنافقين فى هذا السياق.
4
والجهر بالسوء أشد ضرارا من الإسرار به، لأن ضرره وفساده يفشو فى جمهرة الناس ويعم سائر الطبقات.
(إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) أي لكن من ظلمه ظالم فجهر بالشكوى من ظلمه شارحا ظلامته لحاكم أو غيره ممن ترجى نجدته ومساعدته على إزالة هذا الظلم فلا حرج عليه فى ذلك، فإن الله لا يحب لعباده أن يسكتوا على الظلم، ولا أن يخضعوا للضيم، بل يحب لهم العزة والإباء.
فها هنا تعارضت مفسدتان: مفسدة الجهر بالشكوى من الظلم بقول السوء، ومفسدة السكوت على الظلم وهو مدعاة فشوّه والتمادي فيه، وذاك مما يؤدى إلى هلاك الأمم وخراب العمران، وكانت ثانيتهما أخف الضررين فأجيزت للضرورة التي تقدّر بقدرها وإذا فلا يجوز للمظلوم أن يتمادى فى الجهر بالسوء بما لا دخل له فى دفع الظلم
وفى الحديث «إن لصاحب الحق مقالا» رواه الإمام أحمد.
(وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً) فلا يفوته قول من أقوال من يجهر بالسوء ولا يعزب عن علمه البواعث التي أدت إليه، إذ لا يخفى عليه شىء من أقوال العباد ولا من أفعالهم ونياتهم فيها، فمن جهر بالسوء الذي لا يحبه الله لعباده لضرره ومفسدته لظلم وقع عليه فالله لا يؤاخذه، بل ربما أثابه على ذلك لإراحة الناس من شر فاعله، فإن الظالم إن لم يؤاخذ على ظلمه يزدد فيه ضراوة وإصرارا.
(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) أي إن فاعلى الخير سرا وجهرا والعافين عمن يسىء إليهم يجزيهم ربهم من جنس ما عملوا، فيعفو عن سيئاتهم ويجزل مثوبتهم، والله من شأنه العفو وهو القدير الذي لا يعجزه الثواب الكثير على العمل القليل.
(إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) أي لكن من ظلمه ظالم فجهر بالشكوى من ظلمه شارحا ظلامته لحاكم أو غيره ممن ترجى نجدته ومساعدته على إزالة هذا الظلم فلا حرج عليه فى ذلك، فإن الله لا يحب لعباده أن يسكتوا على الظلم، ولا أن يخضعوا للضيم، بل يحب لهم العزة والإباء.
فها هنا تعارضت مفسدتان: مفسدة الجهر بالشكوى من الظلم بقول السوء، ومفسدة السكوت على الظلم وهو مدعاة فشوّه والتمادي فيه، وذاك مما يؤدى إلى هلاك الأمم وخراب العمران، وكانت ثانيتهما أخف الضررين فأجيزت للضرورة التي تقدّر بقدرها وإذا فلا يجوز للمظلوم أن يتمادى فى الجهر بالسوء بما لا دخل له فى دفع الظلم
وفى الحديث «إن لصاحب الحق مقالا» رواه الإمام أحمد.
(وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً) فلا يفوته قول من أقوال من يجهر بالسوء ولا يعزب عن علمه البواعث التي أدت إليه، إذ لا يخفى عليه شىء من أقوال العباد ولا من أفعالهم ونياتهم فيها، فمن جهر بالسوء الذي لا يحبه الله لعباده لضرره ومفسدته لظلم وقع عليه فالله لا يؤاخذه، بل ربما أثابه على ذلك لإراحة الناس من شر فاعله، فإن الظالم إن لم يؤاخذ على ظلمه يزدد فيه ضراوة وإصرارا.
(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) أي إن فاعلى الخير سرا وجهرا والعافين عمن يسىء إليهم يجزيهم ربهم من جنس ما عملوا، فيعفو عن سيئاتهم ويجزل مثوبتهم، والله من شأنه العفو وهو القدير الذي لا يعجزه الثواب الكثير على العمل القليل.
5
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥٠ الى ١٥٢]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢)المعنى الجملي
بين سبحانه فى هذه الآيات أن للإيمان ركنين يبنى عليهما ما عداهما، ولا يقبل الإيمان بدونهما، وهما الإيمان به وبجميع رسله بدون تفرقة بين رسول وآخر. ومن أنكرهما أو أحدهما فقد كفر وعاقبته العذاب الأليم فى جهنم وبئس القرار.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا. أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) ليس المراد أنهم يصرحون بالكفر بل هو ما تقتضيه آراؤهم ومذاهبهم، وقوله:
نؤمن ببعض ونكفر ببعض، بيان لتفريقهم بين الله ورسله.
والخلاصة- إن الكافرين بالرسل فريقان: فريق لا يؤمن بأحد منهم، لإنكارهم النبوات وزعمهم أن ما أتى به الأنبياء من الهدى والشرائع هو من عند أنفسهم لا من عند الله، وأكثر الملحدين فى هذا العصر من ذلك الفريق. وفريق آخر يؤمن ببعض الرسل دون بعض كقول اليهود نؤمن بموسى ونكفر بعيسى ومحمد فهما ليسا برسولين، وقول النصارى نؤمن بموسى وعيسى ونكفر بمحمد، والفريقان كافرون مستحقون للعذاب، ولا عبرة بما يدعونه إيمانا.
(وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) أي وأعددنا لكل كافر سواء أكان منهم
6
أم من غيرهم عذابا فيه ذل وإهانة لهم جزاء كفرهم الذي ظنوا فيه العزة والكرامة.
ذاك أن من يؤمن بالله ولا يؤمن بوحيه إلى رسله لا يكون إيمانه صحيحا ولا يهتدى إلى ما يجب له من الشكر ولا يعرف كيف يعبده على الوجه الذي يرضيه، ومن ثم نرى أمثال هؤلاء ماديين لاتهمهم إلا شهواتهم كما أن من يؤمنون ببعض الرسل ويكفرون.
ببعض كأهل الكتاب لا يعتدّ بقولهم، لأن الإيمان بالرسالة على الوجه الحق إنما يكون بفهمها وفهم صفات الرسل ووظائفهم وتأثير هدايتهم.
ومن فهم هذا حق الفهم علم أن صفات الرسل قد ظهرت بأكملها فى محمد صلى الله عليه وسلم، فهو قد جاء بكتاب حوى ما لم يحوه كتاب آخر مع أنه نشأ بين قوم أميين، ونقل كتابه وأصول دينه بالتواتر القطعي والأسانيد المتصلة دون غيره من الكتب.
وبعد أن ذكر حال الفريقين السالفى الذكر ذكر حال فريق ثالث فقال:
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) أي والذين آمنوا بالله وجميع الرسل وعملوا بشريعة آخرهم، علما منهم بأن جميعهم مرسل من عند الله، وما مثلهم إلا مثل ولاة يرسلهم السلطان إلى البلاد ومثل الكتب التي جاءوا بها مثل القوانين التي يصدر السلطان مراسيم للعمل بها، فكل وال منهم إنما ينفذ أوامر السلطان وكل قانون يعمل به لأنه منه، وكل قانون جديد ينسخ ما قبله ويمنع العمل به. وأولئك يؤتيهم الله أجورهم بحسب حالهم فى العمل، لأنهم وقد صح إيمانهم به وبرسله يهديهم إلى العمل الصالح، إذ هو الأثر اللازم لذلك الإيمان الصحيح.
ولم يقل فى هؤلاء إنهم هم المؤمنون حقا كما قال فى أولئك هم الكافرون حقا، لئلا يدور بخلد أحد أن كمال الإيمان يوجد بدون العمل الصالح فيغتر بذلك ويترك العمل النافع وهذا مما لا يتلاءم مع نصوص الدين، فلقد وصف الله المؤمنين حقا بقوله: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ».
ذاك أن من يؤمن بالله ولا يؤمن بوحيه إلى رسله لا يكون إيمانه صحيحا ولا يهتدى إلى ما يجب له من الشكر ولا يعرف كيف يعبده على الوجه الذي يرضيه، ومن ثم نرى أمثال هؤلاء ماديين لاتهمهم إلا شهواتهم كما أن من يؤمنون ببعض الرسل ويكفرون.
ببعض كأهل الكتاب لا يعتدّ بقولهم، لأن الإيمان بالرسالة على الوجه الحق إنما يكون بفهمها وفهم صفات الرسل ووظائفهم وتأثير هدايتهم.
ومن فهم هذا حق الفهم علم أن صفات الرسل قد ظهرت بأكملها فى محمد صلى الله عليه وسلم، فهو قد جاء بكتاب حوى ما لم يحوه كتاب آخر مع أنه نشأ بين قوم أميين، ونقل كتابه وأصول دينه بالتواتر القطعي والأسانيد المتصلة دون غيره من الكتب.
وبعد أن ذكر حال الفريقين السالفى الذكر ذكر حال فريق ثالث فقال:
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) أي والذين آمنوا بالله وجميع الرسل وعملوا بشريعة آخرهم، علما منهم بأن جميعهم مرسل من عند الله، وما مثلهم إلا مثل ولاة يرسلهم السلطان إلى البلاد ومثل الكتب التي جاءوا بها مثل القوانين التي يصدر السلطان مراسيم للعمل بها، فكل وال منهم إنما ينفذ أوامر السلطان وكل قانون يعمل به لأنه منه، وكل قانون جديد ينسخ ما قبله ويمنع العمل به. وأولئك يؤتيهم الله أجورهم بحسب حالهم فى العمل، لأنهم وقد صح إيمانهم به وبرسله يهديهم إلى العمل الصالح، إذ هو الأثر اللازم لذلك الإيمان الصحيح.
ولم يقل فى هؤلاء إنهم هم المؤمنون حقا كما قال فى أولئك هم الكافرون حقا، لئلا يدور بخلد أحد أن كمال الإيمان يوجد بدون العمل الصالح فيغتر بذلك ويترك العمل النافع وهذا مما لا يتلاءم مع نصوص الدين، فلقد وصف الله المؤمنين حقا بقوله: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ».
7
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ
ﲘ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ
ﲙ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ
ﲚ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮ
ﲛ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ
ﲜ
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ
ﲝ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ
ﲞ
(وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) أي وكان الله غفورا لهفوات من صح إيمانه ولم يشرك بربه أحدا، ولم يفرّق بين أحد من رسله، رحيما به يعامله بالإحسان ويضاعف حسناته ويزيد على ما وعد تفضلا منه ورحمة.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥٣ الى ١٥٩]
يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧)
بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩)
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥٣ الى ١٥٩]
يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥٥) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧)
بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩)
8
المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه فى سابق الآيات حال الذين يكفرون بالله ورسله ويفرقون بين الله ورسله فيقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض وهم أهل الكتاب، بين فى هذه الآيات بعض حوادث لليهود تدل على شديد تعنتهم وجهلهم بحقيقة الدين.
الإيضاح
(يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) فقد قالوا إن موسى عليه السلام جاء بالألواح من عند الله فائتنا بألواح من عنده تكون بخط سماوى يشهد أنك رسول الله إلينا.
أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: إن اليهود قالوا لمحمد ﷺ لن نبايعك على ما تدعونا إليه حتى تأتينا بكتاب من عند الله يكون فيه (من الله تعالى إلى فلان إنك رسول الله وإلى فلان إنك رسول الله، وهكذا ذكروا أسماء معينة من أحبارهم، وما مقصدهم من ذلك إلا التعنت والتحكم لا طلب الحجة لأجل الاقتناع) وقال الحسن لو سألوه ذلك استرشادا لأعطاهم ما سألوا (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً) أي عيانا ننظر إليه ونشاهده: أي لا تعجب أيها الرسول من سؤالهم وتستنكره فقد سألوا موسى أكبر من ذلك، وكل من السؤالين يدل على جهل أو عناد.
ذاك أن سؤال الرؤية جهرة دليل على الجهل بالله، إذ هم ظنوا أن الله جسم محدود تدركه الأبصار، وأما سؤال إنزال الكتاب فهو دليل إما على العناد لأنهم اقترحوا ما اقترحوا تعجيزا ومراوغة، وإما على الجهل بمعنى النبوة والرسالة مع ما ظهر فيهم من أنبياء، إذ هم لا يميزون بين الآيات الصحيحة التي يؤيد الله بها رسله وبين الشعوذة وحيل السحرة المخالفة للعادة، وكتبهم قد بينت لهم أنه يقوم فيهم أنبياء كذبة وأن النبي
بعد أن بين سبحانه فى سابق الآيات حال الذين يكفرون بالله ورسله ويفرقون بين الله ورسله فيقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض وهم أهل الكتاب، بين فى هذه الآيات بعض حوادث لليهود تدل على شديد تعنتهم وجهلهم بحقيقة الدين.
الإيضاح
(يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) فقد قالوا إن موسى عليه السلام جاء بالألواح من عند الله فائتنا بألواح من عنده تكون بخط سماوى يشهد أنك رسول الله إلينا.
أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: إن اليهود قالوا لمحمد ﷺ لن نبايعك على ما تدعونا إليه حتى تأتينا بكتاب من عند الله يكون فيه (من الله تعالى إلى فلان إنك رسول الله وإلى فلان إنك رسول الله، وهكذا ذكروا أسماء معينة من أحبارهم، وما مقصدهم من ذلك إلا التعنت والتحكم لا طلب الحجة لأجل الاقتناع) وقال الحسن لو سألوه ذلك استرشادا لأعطاهم ما سألوا (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً) أي عيانا ننظر إليه ونشاهده: أي لا تعجب أيها الرسول من سؤالهم وتستنكره فقد سألوا موسى أكبر من ذلك، وكل من السؤالين يدل على جهل أو عناد.
ذاك أن سؤال الرؤية جهرة دليل على الجهل بالله، إذ هم ظنوا أن الله جسم محدود تدركه الأبصار، وأما سؤال إنزال الكتاب فهو دليل إما على العناد لأنهم اقترحوا ما اقترحوا تعجيزا ومراوغة، وإما على الجهل بمعنى النبوة والرسالة مع ما ظهر فيهم من أنبياء، إذ هم لا يميزون بين الآيات الصحيحة التي يؤيد الله بها رسله وبين الشعوذة وحيل السحرة المخالفة للعادة، وكتبهم قد بينت لهم أنه يقوم فيهم أنبياء كذبة وأن النبي
9
يعرف بدعوته إلى التوحيد والحق لا بمجرد أعجوبة يعملها كما نصت على ذلك التوراة فى سفر تثنية الاشتراع وغيره.
وأيا ما كان فلا فائدة فى إجابتهم إلى ما طلبوا كما قال تعالى: «وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ».
ونسب سؤال موسى إليهم والذين سألوا إنما هم سلفهم، لأن الخلف والسلف سواسية فى الأخلاق والصفات، فالأبناء يرثون الآباء ولا سيما اليهود الذين يأبون مصاهرة الغرباء، ولأن سنة القرآن قد جرت على أن الأمة تعد كالشخص الواحد فى اتباع خلفها لسلفها، فينسب إلى المتأخر ما فعله المتقدم كما سبق هذا فى سورة البقرة فى مخاطبة اليهود وغيرهم.
(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) الصواعق نيران جوية تنشأ من اتحاد الكهرباء الموجبة بالكهرباء السالبة، وقوله بظلمهم: أي بسبب ظلمهم: أي إن الله تعالى عاقبهم على جهلهم بإنزال الصاعقة عليهم عذابا لهم، إذ شبهوا الخالق بالمخلوق ورفعوا أنفسهم فوق أقدارها كما قال تعالى «وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ».
(ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ) تقدم هذا فى سورة البقرة: أي وبعد أن جاءتهم المعجزات على يد موسى عليه السلام من قلب العصا حية واليد بيضاء وفلق البحر وغيرها، اتخذوا العجل إلها وعبدوه، فعفونا عن ذلك الذنب حين تابوا، فتوبوا أنتم مثلهم حتى نعفو عنكم مثلهم.
(وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) السلطان هنا بمعنى السلطة: أي إننا أعطيناه سلطة ظاهرة فأخضعناهم له على تمردهم وعنادهم حتى فى قتل أنفسهم.
وفى هذا بشارة للنبى ﷺ بأن هؤلاء الكفار وإن كانوا يعاندون فإنك ستتغلب عليهم آخرا وتقهرهم.
ثم حكى عز اسمه عنهم سائر جهالاتهم وإصرارهم على أباطيلهم وقد تقدم بعضها فى سورة البقرة فقال:
وأيا ما كان فلا فائدة فى إجابتهم إلى ما طلبوا كما قال تعالى: «وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ».
ونسب سؤال موسى إليهم والذين سألوا إنما هم سلفهم، لأن الخلف والسلف سواسية فى الأخلاق والصفات، فالأبناء يرثون الآباء ولا سيما اليهود الذين يأبون مصاهرة الغرباء، ولأن سنة القرآن قد جرت على أن الأمة تعد كالشخص الواحد فى اتباع خلفها لسلفها، فينسب إلى المتأخر ما فعله المتقدم كما سبق هذا فى سورة البقرة فى مخاطبة اليهود وغيرهم.
(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) الصواعق نيران جوية تنشأ من اتحاد الكهرباء الموجبة بالكهرباء السالبة، وقوله بظلمهم: أي بسبب ظلمهم: أي إن الله تعالى عاقبهم على جهلهم بإنزال الصاعقة عليهم عذابا لهم، إذ شبهوا الخالق بالمخلوق ورفعوا أنفسهم فوق أقدارها كما قال تعالى «وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ».
(ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ) تقدم هذا فى سورة البقرة: أي وبعد أن جاءتهم المعجزات على يد موسى عليه السلام من قلب العصا حية واليد بيضاء وفلق البحر وغيرها، اتخذوا العجل إلها وعبدوه، فعفونا عن ذلك الذنب حين تابوا، فتوبوا أنتم مثلهم حتى نعفو عنكم مثلهم.
(وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) السلطان هنا بمعنى السلطة: أي إننا أعطيناه سلطة ظاهرة فأخضعناهم له على تمردهم وعنادهم حتى فى قتل أنفسهم.
وفى هذا بشارة للنبى ﷺ بأن هؤلاء الكفار وإن كانوا يعاندون فإنك ستتغلب عليهم آخرا وتقهرهم.
ثم حكى عز اسمه عنهم سائر جهالاتهم وإصرارهم على أباطيلهم وقد تقدم بعضها فى سورة البقرة فقال:
10
(وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ) الطور الجبل المعروف رفع فوقهم كأنه ظلة وقد كانوا فى واديه، وقوله بميثاقهم: أي بسبب ميثاقهم أن يأخذوا ما أنزل إليهم بقوة ويعملوا به مخلصين ثم امتنعوا من العمل بما جاء به فرفع عليهم الجبل فخافوا وقبلوا العمل به.
(وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) الباب هو باب المدينة وهى بيت المقدس وقيل أريحا، وقوله سجدا: أي خاضعى الرءوس مائلى الأعناق ذلة وانكسارا لعظمته: أي وقلنا لهم على لسان يوشع عليه السلام ادخلوا باب هذه القرية بذلة وانكسار.
(وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) والاعتداء تجاوز الحد، والاعتداء فى السبت هو اصطياد الحيتان فيه: أي وقلنا لهم على لسان داود عليه السلام لا تتجاوزوا حدود الله فيه بالعمل الدنيوي، وقد خالفوا فى السبت وفى دخول الباب.
(وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) الميثاق الغليظ العهد المؤكد: أي وأخذنا منهم عهدا مؤكدا ليأخذنّ التوراة بقوة، وليقيمنّ حدود الله ولا يتعدونها، ويتبع ذلك البشارة بعيسى ومحمد عليهما السلام وهو موجود إلى الآن فى الفصل التاسع والعشرين وما بعده من سفر تثنية الاشتراع وهو آخر التوراة التي بأيديهم.
(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) أي فبسبب نقض أهل الكتاب للميثاق الذي واثقهم الله به فأحلوا ما حرمه وحرموا ما أحله، وكفرهم بآياته وحججه الدالة على صدق أنبيائه، وقتل الأنبياء الذين أرسلوا لهدايتهم كزكريا ويحيى عليهما السلام.
(وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ) جمع أغلف وهو ما عليه غلاف: أي لا ينفذ إليها شىء مما جاء به الرسول ولا يؤثر فيها وهذا كقوله حكاية عن المشركين «وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ» وغير ذلك من سيئاتهم التي ستذكر بعد- فعلنا بهم ما فعلنا من لعن إلى غضب إلى ضرب الذلة والمسكنة وإزالة الملك والاستقلال، لأن هذه الذنوب فرقت شملهم وذهبت بقوتهم وأفسدت أخلاقهم إلى غير ذلك من أنواع البلاء التي سببها الكفر والعصيان.
(وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) الباب هو باب المدينة وهى بيت المقدس وقيل أريحا، وقوله سجدا: أي خاضعى الرءوس مائلى الأعناق ذلة وانكسارا لعظمته: أي وقلنا لهم على لسان يوشع عليه السلام ادخلوا باب هذه القرية بذلة وانكسار.
(وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) والاعتداء تجاوز الحد، والاعتداء فى السبت هو اصطياد الحيتان فيه: أي وقلنا لهم على لسان داود عليه السلام لا تتجاوزوا حدود الله فيه بالعمل الدنيوي، وقد خالفوا فى السبت وفى دخول الباب.
(وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) الميثاق الغليظ العهد المؤكد: أي وأخذنا منهم عهدا مؤكدا ليأخذنّ التوراة بقوة، وليقيمنّ حدود الله ولا يتعدونها، ويتبع ذلك البشارة بعيسى ومحمد عليهما السلام وهو موجود إلى الآن فى الفصل التاسع والعشرين وما بعده من سفر تثنية الاشتراع وهو آخر التوراة التي بأيديهم.
(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) أي فبسبب نقض أهل الكتاب للميثاق الذي واثقهم الله به فأحلوا ما حرمه وحرموا ما أحله، وكفرهم بآياته وحججه الدالة على صدق أنبيائه، وقتل الأنبياء الذين أرسلوا لهدايتهم كزكريا ويحيى عليهما السلام.
(وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ) جمع أغلف وهو ما عليه غلاف: أي لا ينفذ إليها شىء مما جاء به الرسول ولا يؤثر فيها وهذا كقوله حكاية عن المشركين «وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ» وغير ذلك من سيئاتهم التي ستذكر بعد- فعلنا بهم ما فعلنا من لعن إلى غضب إلى ضرب الذلة والمسكنة وإزالة الملك والاستقلال، لأن هذه الذنوب فرقت شملهم وذهبت بقوتهم وأفسدت أخلاقهم إلى غير ذلك من أنواع البلاء التي سببها الكفر والعصيان.
11
(بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) طبع الله عليها جعلها كالسكة المطبوعة (الدراهم مثلا) فى قساوتها وجعلها بوضع خاص لا تقبل غيره: أي ليس ما وصفوا به قلوبهم هو الحق الواقع، بل لأن الله ختم عليها بسبب كفرهم الكسبي وماله من الأثر القبيح فى أعمالهم وأخلاقهم، فهم باستمرارهم على ذلك الكفر لا ينظرون فى شىء آخر نظر استدلال واعتبار، مع أنه من الأمور التي يصل إليها اختيارهم، ولكنهم لا يختارون إلا ما ألفوا وتعودوا.
(فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) أي إلا قليلا من الإيمان لا يعتد به، لأنه تفريق بين الله ورسله، فالكفر ببعضهم كالكفر بجميعهم، وهم قد كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام.
(وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) المراد بالكفر هنا الكفر بعيسى عليه السلام بدليل ما بعده، وبالكفر الذي قبله الكفر بمحمد ﷺ بقرينة قوله: وقالوا قلوبنا غلف، والبهتان: الكذب الذي يبهت من يقال فيه: أي يدهشه ويحيّره لبعده وغرابته، والمراد به هنا رميها بالفاحشة.
والمعنى- إن الله طبع على قلوبهم بكفرهم بعيسى وأمه ورميهم إياها بالكذب العظيم، وأي بهتان تبهت به العذراء التقية أعظم من هذا؟.
والخلاصة- إن هذا الكفر والبهتان من أسباب ما حل بهم من غضب الله.
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) أي وبسبب قولهم هذا القول المؤذن بالجرأة على الباطل والاستهزاء بآيات الله.
وذكروه بوصف الرسالة تهكما واستهزاء بدعوته، بناء على أنه إنما ادعى النبوة والرسالة فيهم لا الألوهية كما ادعت النصارى، إذ جاء فى إنجيل يوحنا (وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته).
(وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) أي والحال أنهم ما قتلوه كما ادعوا، وما صلبوه كما زعموا وشاع بين الناس، ولكن وقع لهم الشبه فظنوا أنهم صلبوا عيسى
(فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) أي إلا قليلا من الإيمان لا يعتد به، لأنه تفريق بين الله ورسله، فالكفر ببعضهم كالكفر بجميعهم، وهم قد كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام.
(وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) المراد بالكفر هنا الكفر بعيسى عليه السلام بدليل ما بعده، وبالكفر الذي قبله الكفر بمحمد ﷺ بقرينة قوله: وقالوا قلوبنا غلف، والبهتان: الكذب الذي يبهت من يقال فيه: أي يدهشه ويحيّره لبعده وغرابته، والمراد به هنا رميها بالفاحشة.
والمعنى- إن الله طبع على قلوبهم بكفرهم بعيسى وأمه ورميهم إياها بالكذب العظيم، وأي بهتان تبهت به العذراء التقية أعظم من هذا؟.
والخلاصة- إن هذا الكفر والبهتان من أسباب ما حل بهم من غضب الله.
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ) أي وبسبب قولهم هذا القول المؤذن بالجرأة على الباطل والاستهزاء بآيات الله.
وذكروه بوصف الرسالة تهكما واستهزاء بدعوته، بناء على أنه إنما ادعى النبوة والرسالة فيهم لا الألوهية كما ادعت النصارى، إذ جاء فى إنجيل يوحنا (وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته).
(وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) أي والحال أنهم ما قتلوه كما ادعوا، وما صلبوه كما زعموا وشاع بين الناس، ولكن وقع لهم الشبه فظنوا أنهم صلبوا عيسى
12
وهم إنما صلبوا غيره، ومثل هذا الشبه يحدث كثيرا فى كل زمان وتحكى عنه نوادر وحوادث غاية فى الغرابة لكنها قد وقعت فعلا.
فقد ذكر بعض المؤلفين فى الطب الشرعي من الإنجليز حادثة وقعت سنة ١٥٣٩ فى فرنسا استحضر فيها ١٥٠ شخصا لمعرفة شخص يدعى (مارتين جير) جزم أربعون منهم بأنه هو هو وقال خمسون انه غيره والباقون ترددوا ولم يمكنهم أن يبدوا رأيا ثم اتضح من التحقيق أن هذا الشخص كان غير مارتين جير وانخدع به هؤلاء الشهود المثبتون وعاش مع زوجته مارتين محوطا بأقاربه وأصحابه ومعارفه ثلاث سنوات وكلهم مصدق أنه مارتين، ولما حكمت المحكمة عليه بظهور كذبه بالدلائل القاطعة استأنف الحكم فى محكمة أخرى فأحضر ثلاثون شاهدا أقسم عشرة منهم بأنه هو مارتين، وقال سبعة إنه غيره وتردد الباقون.
على أن هذا الحادث من خوارق العادات التي أيد الله بها نبيه عيسى بن مريم وأنقذه من أعدائه فألقى شبهه على غيره وغيّر شكله، فخرج من بينهم وهم لا يشعرون، وفى أناجيلهم وكتبهم نصوص متفرقة تؤيد هذا الوجه وإذا قال قائل: وإذا كان المسيح قد نجا من أعدائه فأين ذهب؟ والجواب أنا إذا قلنا إنه رفع بروحه وجسده إلى السماء فلا ترد هذه الشبهة، وإذا قلنا إن الله توفاه فى الدنيا ثم رفعه إليه كما رفع إدريس عليهما السلام فلا غرابة فى ذلك، فإن أخاه موسى عليه السلام قد انفرد عن قومه فى مكان لم يعرفه أحد منهم، وكانوا ألوفا عدة خاضعين لأمره ونهيه، فكيف يستغرب أن يفرّ عيسى عليه السلام من قوم هم أعداء له، لا ولى له فيهم ولا نصير إلا أفراد من الضعفاء قد انفضّوا من حوله وقت الشدة، وقد أنكره أمثلهم بطرس الحوارى ثلاث مرات؟.
(وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) قال فى لسان العرب: الشك ضد اليقين، فالشك فى صلب المسيح هو التردد فيه أهو المصلوب أم غيره؟
فقد ذكر بعض المؤلفين فى الطب الشرعي من الإنجليز حادثة وقعت سنة ١٥٣٩ فى فرنسا استحضر فيها ١٥٠ شخصا لمعرفة شخص يدعى (مارتين جير) جزم أربعون منهم بأنه هو هو وقال خمسون انه غيره والباقون ترددوا ولم يمكنهم أن يبدوا رأيا ثم اتضح من التحقيق أن هذا الشخص كان غير مارتين جير وانخدع به هؤلاء الشهود المثبتون وعاش مع زوجته مارتين محوطا بأقاربه وأصحابه ومعارفه ثلاث سنوات وكلهم مصدق أنه مارتين، ولما حكمت المحكمة عليه بظهور كذبه بالدلائل القاطعة استأنف الحكم فى محكمة أخرى فأحضر ثلاثون شاهدا أقسم عشرة منهم بأنه هو مارتين، وقال سبعة إنه غيره وتردد الباقون.
على أن هذا الحادث من خوارق العادات التي أيد الله بها نبيه عيسى بن مريم وأنقذه من أعدائه فألقى شبهه على غيره وغيّر شكله، فخرج من بينهم وهم لا يشعرون، وفى أناجيلهم وكتبهم نصوص متفرقة تؤيد هذا الوجه وإذا قال قائل: وإذا كان المسيح قد نجا من أعدائه فأين ذهب؟ والجواب أنا إذا قلنا إنه رفع بروحه وجسده إلى السماء فلا ترد هذه الشبهة، وإذا قلنا إن الله توفاه فى الدنيا ثم رفعه إليه كما رفع إدريس عليهما السلام فلا غرابة فى ذلك، فإن أخاه موسى عليه السلام قد انفرد عن قومه فى مكان لم يعرفه أحد منهم، وكانوا ألوفا عدة خاضعين لأمره ونهيه، فكيف يستغرب أن يفرّ عيسى عليه السلام من قوم هم أعداء له، لا ولى له فيهم ولا نصير إلا أفراد من الضعفاء قد انفضّوا من حوله وقت الشدة، وقد أنكره أمثلهم بطرس الحوارى ثلاث مرات؟.
(وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) قال فى لسان العرب: الشك ضد اليقين، فالشك فى صلب المسيح هو التردد فيه أهو المصلوب أم غيره؟
13
والمعنى- وإن الذين اختلفوا فى شأن عيسى من أهل الكتاب لفى تردد من حقيقة أمره، إذ ليس لهم به من علم قطعىّ الثبوت، وإنما هم يتبعون الظن والقرائن التي ترجح بعض الآراء على بغض، وقد جاء فى بعض الأناجيل التي يعوّلون عليها أنه قال لتلاميذه (كلكم تشكّون فى هذه الليلة) أي الليلة التي يطلب فيها للقتل (إنجيل متى من ٢٦- ٣١ ومرقس من ١٤- ٢٧).
وإذا كانت أناجيلهم تنطق بأنه أخبر تلاميذه أو عرف الناس له بأنهم سيشكون فيه فى ذلك الوقت، وخبره صادق قطعا، فهل من العجيب اشتباه غيرهم وشكّ من دونهم فى أمره؟.
(وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) أي وما قتلوا عيسى بن مريم وهم متيقنون أنه هو بعينه، إذ هم لم يكونوا يعرفونه حق المعرفة، والأناجيل التي يعوّل عليها صريحة فى أن الذي أسلمه إلى الجند هو يهوذا الاسخريوطي وقد جعل لهم علامة أن من قبله يكون هو المسيح فلما قبّله قبضوا عليه، وإنجيل برنابا يصرح بأن الجنود أخذوا يهوذا الاسخريوطي نفسه ظنا أنه هو المسيح، لأنه ألقى عليه شبهه، ومن هذا تعلم أن الجند ما كانوا يعرفون شخص المسيح معرفة يقينية.
والخلاصة- إن روايات المسلمين جميعها متفقة على أن عيسى عليه السلام نجا من أعدائه ومريدى قتله فقتلوا آخر ظنا منهم أنه هو.
(بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) هذه الآية كآية آل عمران «إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا» وقد روى عن ابن عباس أنه فسر التوفى بالإماتة، وعن ابن جريج تفسيره بالأخذ والقبض والمراد منه ومن الرفع إنقاذه من الذين كفروا بعناية من الله بعد أن اصطفاه إليه وقربه.
وقال ابن جرير نقلا عن ابن جريج: فرفعه إياه توفيه إياه وتطهيره من الذين كفروا أي فليس المراد الرفع إلى السماء بالروح والجسد ولا بالروح فقط، وفى تفسير ابن عباس
وإذا كانت أناجيلهم تنطق بأنه أخبر تلاميذه أو عرف الناس له بأنهم سيشكون فيه فى ذلك الوقت، وخبره صادق قطعا، فهل من العجيب اشتباه غيرهم وشكّ من دونهم فى أمره؟.
(وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) أي وما قتلوا عيسى بن مريم وهم متيقنون أنه هو بعينه، إذ هم لم يكونوا يعرفونه حق المعرفة، والأناجيل التي يعوّل عليها صريحة فى أن الذي أسلمه إلى الجند هو يهوذا الاسخريوطي وقد جعل لهم علامة أن من قبله يكون هو المسيح فلما قبّله قبضوا عليه، وإنجيل برنابا يصرح بأن الجنود أخذوا يهوذا الاسخريوطي نفسه ظنا أنه هو المسيح، لأنه ألقى عليه شبهه، ومن هذا تعلم أن الجند ما كانوا يعرفون شخص المسيح معرفة يقينية.
والخلاصة- إن روايات المسلمين جميعها متفقة على أن عيسى عليه السلام نجا من أعدائه ومريدى قتله فقتلوا آخر ظنا منهم أنه هو.
(بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) هذه الآية كآية آل عمران «إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا» وقد روى عن ابن عباس أنه فسر التوفى بالإماتة، وعن ابن جريج تفسيره بالأخذ والقبض والمراد منه ومن الرفع إنقاذه من الذين كفروا بعناية من الله بعد أن اصطفاه إليه وقربه.
وقال ابن جرير نقلا عن ابن جريج: فرفعه إياه توفيه إياه وتطهيره من الذين كفروا أي فليس المراد الرفع إلى السماء بالروح والجسد ولا بالروح فقط، وفى تفسير ابن عباس
14
معنى الرفع رفع الروح، ولكن المشهور بين جمهرة المفسرين وغيرهم أن الله تعالى رفعه بروحه وجسده إلى السماء بدليل حديث المعراج، إذ أن النبي ﷺ رآه هو وابن خالته يحيى فى السماء الثانية، وأنت ترى أنه لا دليل لهم فى ذلك إذ لو دل هذا على ما يقولون لدل على رفع يحيى وسائر من رآهم من الأنبياء فى سائر السموات ولا قائل بذلك.
وقال الرازي- المعنى رافعك إلى محل كرامتى، وجعله رفعا للتفخيم والتعظيم كقوله حكاية عن إبراهيم «إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي» وهو إنما ذهب من العراق إلى الشام، والمراد رفعه إلى مكان لا يملك الحكم فيه عليه إلا الله اه.
(وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) أي إن الله عزيز يغلب ولا يغلب، وبهذه العزة أنقذ عبده ورسوله من اليهود الماكرين وحكام الروم الظالمين، وبحكمته جازى كل عامل بعمله، ومن ثم أحل باليهود ما أحل بهم من الذلة والمسكنة والتشريد فى الأرض، وسيوفيهم جزاءهم يوم القيامة «يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ».
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) أي وإن كل أحد من أهل الكتاب عند ما يدركه الموت ينكشف له الحق فى أمر عيسى وسواه من أمور الدين فيؤمن بعيسى إيمانا حقا لا زيغ فيه ولا ضلال، فاليهودى يعلم أنه رسول صادق فى رسالته ليس بالكذاب، والنصراني يعلم أنه عبد الله ورسوله وليس بإله وليس هو بابن لله.
وفائدة إخبارهم بذلك- بيان أنه لا ينفعهم حينئذ فعليهم أن يبادروا به قبل أن يضطرّوا إليه مع عدم الجدوى والفائدة.
(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) أي ويوم القيامة يشهد عيسى عليهم بما تظهر به حقيقة حاله معهم كما حكى الله عنه من قوله: «ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ» فهو يشهد
وقال الرازي- المعنى رافعك إلى محل كرامتى، وجعله رفعا للتفخيم والتعظيم كقوله حكاية عن إبراهيم «إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي» وهو إنما ذهب من العراق إلى الشام، والمراد رفعه إلى مكان لا يملك الحكم فيه عليه إلا الله اه.
(وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) أي إن الله عزيز يغلب ولا يغلب، وبهذه العزة أنقذ عبده ورسوله من اليهود الماكرين وحكام الروم الظالمين، وبحكمته جازى كل عامل بعمله، ومن ثم أحل باليهود ما أحل بهم من الذلة والمسكنة والتشريد فى الأرض، وسيوفيهم جزاءهم يوم القيامة «يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ».
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) أي وإن كل أحد من أهل الكتاب عند ما يدركه الموت ينكشف له الحق فى أمر عيسى وسواه من أمور الدين فيؤمن بعيسى إيمانا حقا لا زيغ فيه ولا ضلال، فاليهودى يعلم أنه رسول صادق فى رسالته ليس بالكذاب، والنصراني يعلم أنه عبد الله ورسوله وليس بإله وليس هو بابن لله.
وفائدة إخبارهم بذلك- بيان أنه لا ينفعهم حينئذ فعليهم أن يبادروا به قبل أن يضطرّوا إليه مع عدم الجدوى والفائدة.
(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) أي ويوم القيامة يشهد عيسى عليهم بما تظهر به حقيقة حاله معهم كما حكى الله عنه من قوله: «ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ» فهو يشهد
15
للمؤمنين منهم بالإيمان حال التكليف والاختيار وعلى الكافر بالكفر، إذ هو مرسل إليهم وكل نبى شهيد على قومه كما قال تعالى (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) وقد ورد فى الآثار ما يدل على اطلاع الناس قبل موتهم على منازلهم من الآخرة، فيبشّرون برضوان الله أو بعذابه وعقوبته،
روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله ﷺ «إن المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله وكرامته، وإن الكافر إذا حضر (حضره الموت) بشر بعذاب الله وعقوبته»
وروى ابن مردويه عن ابن عباس «ما من نفس تفارق الدنيا حتى ترى مقعدها من الجنة أو النار».
وهذا يؤيد ما روى عن ابن عباس فى تفسير الآية من أن الملائكة تخاطب من يموت من أهل الكتاب قبل خروج روحه بحقيقة أمر المسيح، مع الإنكار الشديد والتقبيح.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٠ الى ١٦٢]
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢)
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه فضائح اليهود وقبيح أعمالهم، ذكر هنا تشديده عليهم فى الدنيا والآخرة، أما فى الدنيا فبتحريم طيبات كانت محللة لهم، وأما فى الآخرة فبما
روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله ﷺ «إن المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله وكرامته، وإن الكافر إذا حضر (حضره الموت) بشر بعذاب الله وعقوبته»
وروى ابن مردويه عن ابن عباس «ما من نفس تفارق الدنيا حتى ترى مقعدها من الجنة أو النار».
وهذا يؤيد ما روى عن ابن عباس فى تفسير الآية من أن الملائكة تخاطب من يموت من أهل الكتاب قبل خروج روحه بحقيقة أمر المسيح، مع الإنكار الشديد والتقبيح.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٠ الى ١٦٢]
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢)
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه فضائح اليهود وقبيح أعمالهم، ذكر هنا تشديده عليهم فى الدنيا والآخرة، أما فى الدنيا فبتحريم طيبات كانت محللة لهم، وأما فى الآخرة فبما
16
بينه الله بقوله (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ثم بين أن فريقا منهم آمنوا إيمانا صادقا وعملوا الصالحات فأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وتوعدهم بالأجر العظيم يوم القيامة
الإيضاح
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) أي فبسبب ظلمهم استحقوا تحريم طيبات كانت محلّلة لهم ولمن قبلهم عقوبة وتربية لهم، لعلهم يرجعون عن ظلمهم، وكانوا كلما ارتكبوا معصية يحرم عليهم نوع من الطيبات وهم مع ذلك كانوا يفترون على الله الكذب، ويقولون لسنا بأول من حرمت عليه، بل كانت محرمة على نوح وإبراهيم فكذبهم الله فى مواضع كثيرة كقوله: «كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ».
أما الطيبات التي حرمها عليهم فهى ما بيّن فى قوله عز اسمه «وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ» الآية. وقد أبهمها الله هنا، لأن الغرض من السياق العبرة بكونها عقوبة، لا بيانها فى نفسها، كما أبهم الظلم الذي كان سببا فى العقوبة، ليعلم أن أىّ نوع منه يكون سببا للعقاب فى الدنيا قبل الآخرة.
والعقاب إما دنيوى كالتكاليف الشاقة زمن التشريع، والجزاء الوارد فى الكتب على الجرائم كالحد والتعزير وما اقتضته السنن التي سنها الله فى نظم الاجتماع من كون الظلم سببا لضعف الأمم وفساد عمرانها واستيلاء الأمم الأخرى عليها، وإما أخروىّ وهو ما بيّنه فى الكتاب الكريم من العذاب فى النار.
ثم بين هذا الظلم وفصله بعد ذكره إجمالا، ليكون أوقع فى النفس، وأبلغ فى الموعظة.
(وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً) الصدّ والصدود: المنع، وهو يشمل صدهم أنفسهم عن سبيل الله بما كانوا يعصون به موسى ويعاندونه مرارا، وصدّهم الناس عن سبيل الله بسوء القدوة، أو بالأمر بالمنكر والنهى عن المعروف.
الإيضاح
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) أي فبسبب ظلمهم استحقوا تحريم طيبات كانت محلّلة لهم ولمن قبلهم عقوبة وتربية لهم، لعلهم يرجعون عن ظلمهم، وكانوا كلما ارتكبوا معصية يحرم عليهم نوع من الطيبات وهم مع ذلك كانوا يفترون على الله الكذب، ويقولون لسنا بأول من حرمت عليه، بل كانت محرمة على نوح وإبراهيم فكذبهم الله فى مواضع كثيرة كقوله: «كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ».
أما الطيبات التي حرمها عليهم فهى ما بيّن فى قوله عز اسمه «وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ» الآية. وقد أبهمها الله هنا، لأن الغرض من السياق العبرة بكونها عقوبة، لا بيانها فى نفسها، كما أبهم الظلم الذي كان سببا فى العقوبة، ليعلم أن أىّ نوع منه يكون سببا للعقاب فى الدنيا قبل الآخرة.
والعقاب إما دنيوى كالتكاليف الشاقة زمن التشريع، والجزاء الوارد فى الكتب على الجرائم كالحد والتعزير وما اقتضته السنن التي سنها الله فى نظم الاجتماع من كون الظلم سببا لضعف الأمم وفساد عمرانها واستيلاء الأمم الأخرى عليها، وإما أخروىّ وهو ما بيّنه فى الكتاب الكريم من العذاب فى النار.
ثم بين هذا الظلم وفصله بعد ذكره إجمالا، ليكون أوقع فى النفس، وأبلغ فى الموعظة.
(وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً) الصدّ والصدود: المنع، وهو يشمل صدهم أنفسهم عن سبيل الله بما كانوا يعصون به موسى ويعاندونه مرارا، وصدّهم الناس عن سبيل الله بسوء القدوة، أو بالأمر بالمنكر والنهى عن المعروف.
17
(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) أي وبسبب أخذهم الربا وقد نهوا عنه على ألسنة أنبيائهم، والتوراة التي بين أيديهم إنما تصرح بتحريم أخذهم الربا من شعبهم ومن إخوتهم دون الأجانب، فقد جاء فى سفر الخروج (إن أقرضت فضة لشعبى الفقير الذي عندك فلا تكن له كالمرابى، لا تضعوا عليه ربا) وفى سفر تثنية الاشتراع (لا تقرض أخاك بربا، ربا فضة أو ربا شىء ما مما يقرض بربا، للأجنبى تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا) وهذه عبارة التوراة التي كتبت بعد السبي، وثبت تحريفها بالشواهد الكثيرة، أما النسخة التي كتبها موسى فقد فقدت باتفاق اليهود والنصارى.
وبعض أنبيائهم قد نهوا عن الربا إطلاقا فلم يقيدوه بشعب إسرائيل كقول داود فى المزمور الخامس عشر: فضته لا يعطيها بالربا، ولا يأخذ الرشوة من البريء، وقول سليمان فى سفر الأمثال (المكثر ماله بالربا والمرابحة، فلن يرحم الفقراء بجمعه) (وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) أي بالرشوة والخيانة ونحوهما مما أخذ فيه المال بلا مقابل يعتدّ به.
ونحو الآية قوله تعالى: «سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ» والسحت:
الكسب الحرام فقد كانوا يأخذون أثمان الكتب التي يكتبونها بأيديهم ثم يقولون هى من عند الله.
وبعد أن ذكر وجوه الذنوب التي اقترفوها، والجرائم التي ارتكبوها، بين جزاءهم عليها فى الآخرة فقال:
(وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) أي وأعددنا للذين كفروا منهم برسل الله عذابا مؤلما فى نار جهنم خالدين فيها أبدا.
وبعد أن بين فى هذا السياق سوء حال اليهود وكفرهم وعصيانهم وأطلق القول فى ذلك، وكان هذا مما يوهم أنه شامل لكل أفرادهم، جاء الاستدراك عقبه ببيان حال خيارهم الذين لم يذهب عمى التقليد بنور عقولهم فقال:
(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ
وبعض أنبيائهم قد نهوا عن الربا إطلاقا فلم يقيدوه بشعب إسرائيل كقول داود فى المزمور الخامس عشر: فضته لا يعطيها بالربا، ولا يأخذ الرشوة من البريء، وقول سليمان فى سفر الأمثال (المكثر ماله بالربا والمرابحة، فلن يرحم الفقراء بجمعه) (وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) أي بالرشوة والخيانة ونحوهما مما أخذ فيه المال بلا مقابل يعتدّ به.
ونحو الآية قوله تعالى: «سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ» والسحت:
الكسب الحرام فقد كانوا يأخذون أثمان الكتب التي يكتبونها بأيديهم ثم يقولون هى من عند الله.
وبعد أن ذكر وجوه الذنوب التي اقترفوها، والجرائم التي ارتكبوها، بين جزاءهم عليها فى الآخرة فقال:
(وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) أي وأعددنا للذين كفروا منهم برسل الله عذابا مؤلما فى نار جهنم خالدين فيها أبدا.
وبعد أن بين فى هذا السياق سوء حال اليهود وكفرهم وعصيانهم وأطلق القول فى ذلك، وكان هذا مما يوهم أنه شامل لكل أفرادهم، جاء الاستدراك عقبه ببيان حال خيارهم الذين لم يذهب عمى التقليد بنور عقولهم فقال:
(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ
18
قَبْلِكَ)
أي لكن أهل العلم الصحيح بالدين منهم المستبصرون فيه غير التابعين للظن الذين لا يشترون به ثمنا قليلا من المال والجاه، والمؤمنون من أمتك إيمان إذعان لا إيمان عصبية وجدل، يؤمنون بما أنزل إليك من البينات والهدى وما أنزل على موسى وعيسى وغيرهما من الرسل، ولا يفرقون بين الله ورسله بهوى ولا عصبية.
روى ابن إسحق والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس أن الآية نزلت فى عبد الله بن سلام وأسيد بن سعية وثعلبة بن سعية حين فارقوا يهود وأسلموا.
(وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) أي وأخص منهم المقيمين الصلاة الذين يؤدونها على وجه الكمال، فهم أجدر المؤمنين بالرسوخ فى الإيمان، إذ إقامتها بإتمام أركانها علامة كمال الإيمان واطمئنان النفس به.
(وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر مثل المقيمين الصلاة فى استحقاق المدح بالتبع، إذ إقامتها تستدعى إيتاء الزكاة، فإن الذي يقيمها على الوجه الذي طلبه الدين لا يمنع الزكاة، إذ هى مما تزكى النفس وتعلى الهمة وتهوّن على النفس المال، قال تعالى: «إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ» الآية.
(أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) أي هؤلاء الذين وصفوا بما ذكر كله سنعطيهم أجرا عظيما لا يدرك وصفه إلا علّام الغيوب.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٣ الى ١٦٦]
إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٦٥) لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (١٦٦)
أي لكن أهل العلم الصحيح بالدين منهم المستبصرون فيه غير التابعين للظن الذين لا يشترون به ثمنا قليلا من المال والجاه، والمؤمنون من أمتك إيمان إذعان لا إيمان عصبية وجدل، يؤمنون بما أنزل إليك من البينات والهدى وما أنزل على موسى وعيسى وغيرهما من الرسل، ولا يفرقون بين الله ورسله بهوى ولا عصبية.
روى ابن إسحق والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس أن الآية نزلت فى عبد الله بن سلام وأسيد بن سعية وثعلبة بن سعية حين فارقوا يهود وأسلموا.
(وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) أي وأخص منهم المقيمين الصلاة الذين يؤدونها على وجه الكمال، فهم أجدر المؤمنين بالرسوخ فى الإيمان، إذ إقامتها بإتمام أركانها علامة كمال الإيمان واطمئنان النفس به.
(وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر مثل المقيمين الصلاة فى استحقاق المدح بالتبع، إذ إقامتها تستدعى إيتاء الزكاة، فإن الذي يقيمها على الوجه الذي طلبه الدين لا يمنع الزكاة، إذ هى مما تزكى النفس وتعلى الهمة وتهوّن على النفس المال، قال تعالى: «إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ» الآية.
(أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) أي هؤلاء الذين وصفوا بما ذكر كله سنعطيهم أجرا عظيما لا يدرك وصفه إلا علّام الغيوب.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٣ الى ١٦٦]
إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٦٥) لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (١٦٦)
19
المعنى الجملي
لا يزال الحديث مع أهل الكتاب، فإنه ذكر عنهم أوّلا أنهم يفرقون بين الله ورسله فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، ثم انتقل إلى ذكر شىء من عنادهم وإعناتهم للنبى ﷺ وطلبهم أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وبيّن أنه لا غرابة فى ذلك فقد شاغبوا موسى من قبله وسألوه ما هو أكبر من ذلك، ثم ذكر كفرهم بعيسى عليه السلام وبهتهم أمّه ومحاولتهم قتله وصلبه، وفى كل هذا دليل على تأصل العناد فيهم، ولولا ذلك لما شاغبوك، فإن الدليل على نبوتك أوضح مما يدّعون الإيمان بمثله ممن قبلك- وهنا ختم الكلام فى محاجتهم ببيان أن الوحى جنس واحد، ولو كان إيمانهم بالرسل السابقين صحيحا لما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
الإيضاح
(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) الوحى لغة: الإيماء والإشارة كما قال تعالى: «فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا» والإلهام الذي يقع فى النفس كما قال: «وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ» وما يكون غريزة دائمة كما قال: «وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ» والإعلام فى خفاء بأن تعلم إنسانا بأمر تخفيه على غيره كما قال:
«شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ».
ووحي الله إلى أنبيائه عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قبل الله بواسطة أو بغير واسطة، والأول بصوت يتمثل لسمعه أو بغير صوت، ويفرق بينه
لا يزال الحديث مع أهل الكتاب، فإنه ذكر عنهم أوّلا أنهم يفرقون بين الله ورسله فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، ثم انتقل إلى ذكر شىء من عنادهم وإعناتهم للنبى ﷺ وطلبهم أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وبيّن أنه لا غرابة فى ذلك فقد شاغبوا موسى من قبله وسألوه ما هو أكبر من ذلك، ثم ذكر كفرهم بعيسى عليه السلام وبهتهم أمّه ومحاولتهم قتله وصلبه، وفى كل هذا دليل على تأصل العناد فيهم، ولولا ذلك لما شاغبوك، فإن الدليل على نبوتك أوضح مما يدّعون الإيمان بمثله ممن قبلك- وهنا ختم الكلام فى محاجتهم ببيان أن الوحى جنس واحد، ولو كان إيمانهم بالرسل السابقين صحيحا لما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم.
الإيضاح
(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) الوحى لغة: الإيماء والإشارة كما قال تعالى: «فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا» والإلهام الذي يقع فى النفس كما قال: «وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ» وما يكون غريزة دائمة كما قال: «وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ» والإعلام فى خفاء بأن تعلم إنسانا بأمر تخفيه على غيره كما قال:
«شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ».
ووحي الله إلى أنبيائه عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قبل الله بواسطة أو بغير واسطة، والأول بصوت يتمثل لسمعه أو بغير صوت، ويفرق بينه
20
وبين الإلهام بأن الإلهام وجدان تستيقنه النفس وتنساق إلى ما يطلب على غير شعور منها من أين أتى؟ وهو أشبه بوجدان الجوع والعطش والحزن والسرور.
والمعنى- إنا قد أوحينا إليك هذا القرآن كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ممن يؤمن بهم، والله لم ينزل على أحد منهم كتابا من السماء كما سألوك للتعجيز والعناد، لأن الوحى ضرب من الإعلام السريع الخفىّ، وليس هو بالأمر المشاهد الحسىّ.
وقد بدأ سبحانه بذكر نوح لأنه أقدم الأنبياء، وقصص بعثته فى سفر التكوين وهو أحد الأسفار الخمسة التي تتضمنها التوراة.
(وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ). الأسباط واحدهم سبط، وهو ولد الولد، وأسباط بنى إسرائيل اثنا عشر سبطا، وهم أبناء يعقوب العشرة وولدا ابنه يوسف، والأسباط فى بنى إسرائيل كالقبائل فى ولد إسماعيل.
(وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) الزبور: الكتاب وكل كتاب زبور، وهو هنا اسم للكتاب المنزل على داود، وقد أفرد بالذكر لأن له شأنا خاصا عند أهل الكتاب.
(وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) أي وأرسلنا غير هؤلاء رسلا آخرين قد قصصناهم عليك من قبل تنزيل هذه السورة، وهم الذين ذكرت أسماؤهم فى السور المكية كقوله فى سورة الأنعام فى سياق الكلام عن إبراهيم «وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ».
وأجمع السور لقصص الأنبياء هود والشعراء.
والمعنى- إنا قد أوحينا إليك هذا القرآن كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ممن يؤمن بهم، والله لم ينزل على أحد منهم كتابا من السماء كما سألوك للتعجيز والعناد، لأن الوحى ضرب من الإعلام السريع الخفىّ، وليس هو بالأمر المشاهد الحسىّ.
وقد بدأ سبحانه بذكر نوح لأنه أقدم الأنبياء، وقصص بعثته فى سفر التكوين وهو أحد الأسفار الخمسة التي تتضمنها التوراة.
(وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ). الأسباط واحدهم سبط، وهو ولد الولد، وأسباط بنى إسرائيل اثنا عشر سبطا، وهم أبناء يعقوب العشرة وولدا ابنه يوسف، والأسباط فى بنى إسرائيل كالقبائل فى ولد إسماعيل.
(وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) الزبور: الكتاب وكل كتاب زبور، وهو هنا اسم للكتاب المنزل على داود، وقد أفرد بالذكر لأن له شأنا خاصا عند أهل الكتاب.
(وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) أي وأرسلنا غير هؤلاء رسلا آخرين قد قصصناهم عليك من قبل تنزيل هذه السورة، وهم الذين ذكرت أسماؤهم فى السور المكية كقوله فى سورة الأنعام فى سياق الكلام عن إبراهيم «وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ».
وأجمع السور لقصص الأنبياء هود والشعراء.
21
(وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) كالذين أرسلوا إلى الأمم المجهول تاريخها عند قومك وعند أهل الكتاب المجاورين لبلادك كالصين واليابان والهند وأوروبا وأمريقا.
وإنما لم يقص الله علينا خبرهم لأن القصد من القصص العبرة والتثبيت والذكرى والاحتجاج على نبوته ﷺ كما أشار إلى ذلك فى قوله تعالى: «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ» وقوله: «وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» وكل هذا يثبت بذكر من قصهم الله علينا من الرسل، وعلينا أن نعلم أن الله أرسل رسلا فى كل الأمم فكانت رحمته بهم عامة لا مختصة بشعب معين كما يزعم أهل الكتاب، يرشد إلى ذلك قوله تعالى: «وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» وقوله: «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ» وهذه حقيقة دل عليها الدين السماوىّ ولم يكن يعلمها أهل الكتاب الذين يزعمون أن القرآن مقتبس من كتبهم، وكم فيه من حقائق جلّاها للناظرين بجميل بيانه، واهتدى العلم الصحيح بعد قرون خلت إلى معرفتها، وما كان العقل وحده يكشف عنها لولا أن هدى إليها الكتاب الكريم.
(وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً) خاصا له ميزه عن غيره من ضروب الوحى العام لأولئك النبيين، وليس لنا أن نخوض فى معرفة حقيقته، لأنا لم نكن من أهله، على أنا لا نعرف حقيقة كلام بعضنا بعضا، وكيف تحمل ذرّات الهواء الأصوات إلى الآذان فضلا عن أن نعرف حقيقة كلام الباري.
والوحى إلى الأنبياء يسمى تكليما، والتكليم لهم يسمى وحيا كما قال تعالى:
«وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ».
والحكمة فى الحجاب الاستعداد بالتوجه إلى شىء واحد تتحد فيه هموم النفس وأهواؤها المتفرقة كما كان شأن موسى إذ رأى النار فى الشجرة
وإنما لم يقص الله علينا خبرهم لأن القصد من القصص العبرة والتثبيت والذكرى والاحتجاج على نبوته ﷺ كما أشار إلى ذلك فى قوله تعالى: «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ» وقوله: «وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» وكل هذا يثبت بذكر من قصهم الله علينا من الرسل، وعلينا أن نعلم أن الله أرسل رسلا فى كل الأمم فكانت رحمته بهم عامة لا مختصة بشعب معين كما يزعم أهل الكتاب، يرشد إلى ذلك قوله تعالى: «وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» وقوله: «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ» وهذه حقيقة دل عليها الدين السماوىّ ولم يكن يعلمها أهل الكتاب الذين يزعمون أن القرآن مقتبس من كتبهم، وكم فيه من حقائق جلّاها للناظرين بجميل بيانه، واهتدى العلم الصحيح بعد قرون خلت إلى معرفتها، وما كان العقل وحده يكشف عنها لولا أن هدى إليها الكتاب الكريم.
(وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً) خاصا له ميزه عن غيره من ضروب الوحى العام لأولئك النبيين، وليس لنا أن نخوض فى معرفة حقيقته، لأنا لم نكن من أهله، على أنا لا نعرف حقيقة كلام بعضنا بعضا، وكيف تحمل ذرّات الهواء الأصوات إلى الآذان فضلا عن أن نعرف حقيقة كلام الباري.
والوحى إلى الأنبياء يسمى تكليما، والتكليم لهم يسمى وحيا كما قال تعالى:
«وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ».
والحكمة فى الحجاب الاستعداد بالتوجه إلى شىء واحد تتحد فيه هموم النفس وأهواؤها المتفرقة كما كان شأن موسى إذ رأى النار فى الشجرة
22
والرسول الذي يرسله الله فيوحى بإذنه ما يشاء هو ملك الوحى المعبر عنه بالروح الأمين.
(رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) أي أرسلنا رسلا قد قصصنا بعضهم عليك ولم نقصص بعضا آخر، ليكونوا مبشرين من آمن وعمل صالحا بالثواب العظيم، وينذروا من كفر وأجرم بالعذاب الأليم، إذ لو لم يرسلهم لكان للناس أن يحتجوا إذا هم أجرموا أو كفروا بأنهم ما فعلوا ذلك إلا لجهلهم ما يجب من الإيمان والعمل الصالح كما قال تعالى: «وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى» وقال «وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا».
والخلاصة- إن من حكمة إرسال الرسل قطع حجة الناس واعتذارهم بالجهل عند ما يحاسبهم الله ويقضى بعقابهم، فلولا إرسالهم لكان لهم أن يحتجوا فى الآخرة على عذابهم فيها وعلى عذاب الدنيا الذي كان قد أصابهم بظلمهم.
والدّين وضع إلهىّ لا يستقل العقل بالوصول إليه ولا يعرف إلا بالوحى وهو موافق لسنن الفطرة فى تزكية النفوس وإعدادها للحياة الأبدية فى عالم القدس، ويترتب على العمل به أو تركه جزاء حدده الله فى الدنيا والآخرة، ولن يكون هذا الجزاء إلا لمن بلغته الدعوة على الوجه الصحيح.
(وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) أي وكان الله عزيزا لا يغالب فى أمر يريده، ومن عزته ألا يجاب المتعنت إلى مطلوبه، حكيما فى جميع أفعاله، وحكمته تقضى هذا الامتناع عن الإجابة لأنه يعلم أنه لو فعل ذلك لأصرّوا على لجاجهم كما فعلوا مع موسى بعد أن جاءهم بما طلبوا.
(لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) هذا استدراك على ما علم من السياق من إنكارهم نبوته ﷺ وعدم شهادتهم بها، وهى واضحة عندهم فى مرتبة المشهود به، لكنهم استبدلوا المباهتة والمكابرة بالشهادة والإيمان، فسألوه أن
(رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) أي أرسلنا رسلا قد قصصنا بعضهم عليك ولم نقصص بعضا آخر، ليكونوا مبشرين من آمن وعمل صالحا بالثواب العظيم، وينذروا من كفر وأجرم بالعذاب الأليم، إذ لو لم يرسلهم لكان للناس أن يحتجوا إذا هم أجرموا أو كفروا بأنهم ما فعلوا ذلك إلا لجهلهم ما يجب من الإيمان والعمل الصالح كما قال تعالى: «وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى» وقال «وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا».
والخلاصة- إن من حكمة إرسال الرسل قطع حجة الناس واعتذارهم بالجهل عند ما يحاسبهم الله ويقضى بعقابهم، فلولا إرسالهم لكان لهم أن يحتجوا فى الآخرة على عذابهم فيها وعلى عذاب الدنيا الذي كان قد أصابهم بظلمهم.
والدّين وضع إلهىّ لا يستقل العقل بالوصول إليه ولا يعرف إلا بالوحى وهو موافق لسنن الفطرة فى تزكية النفوس وإعدادها للحياة الأبدية فى عالم القدس، ويترتب على العمل به أو تركه جزاء حدده الله فى الدنيا والآخرة، ولن يكون هذا الجزاء إلا لمن بلغته الدعوة على الوجه الصحيح.
(وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) أي وكان الله عزيزا لا يغالب فى أمر يريده، ومن عزته ألا يجاب المتعنت إلى مطلوبه، حكيما فى جميع أفعاله، وحكمته تقضى هذا الامتناع عن الإجابة لأنه يعلم أنه لو فعل ذلك لأصرّوا على لجاجهم كما فعلوا مع موسى بعد أن جاءهم بما طلبوا.
(لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) هذا استدراك على ما علم من السياق من إنكارهم نبوته ﷺ وعدم شهادتهم بها، وهى واضحة عندهم فى مرتبة المشهود به، لكنهم استبدلوا المباهتة والمكابرة بالشهادة والإيمان، فسألوه أن
23
ينزل عليهم كتابا من السماء يثبت دعواه، ويكون شاهدا له، فكأنه تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: إنهم مع وضوح نبوتك لا يشهدون بما أنزل إليك، لكن الله يشهد به.
ثم أكد هذه الشهادة فقال:
(أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أي فإنه أنزله بعلمه الخاص الذي لم تكن تعلمه أنت ولا قومك بتأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان، وبما فيه من العلوم الإلهية والأدبية والسياسية والاجتماعية، ومن علوم الأنبياء والرسل والأمم، وبما له من السلطان على الأرواح بهدايته، وبما فيه من أنباء الغيب عن الماضي والحاضر والمستقبل وهو بهذه المزايا مثبت لشهادة الله به وأنه وحي من عنده.
والخلاصة- كأن الله تعالى يقول لنبيه إن جحود هؤلاء اليهود وعدم شهادتهم لك لا يضرك بشىء، فالله يشهد بما أنزل إليك من الوحى وأنت على يقين منه، وقد أيد الله شهادته لك بما أودعه فيه مما عجز عنه البشر فكان بذلك مثبتا لكونه أنزل عليك من لدنه، كما أيده بتصديق ما أنزله فيه من الوعد بالفلاح والنصر لمن اتبعك والوعيد لمن عاداك بالخذلان والخسران.
(وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) أي والملائكة يشهدون بذلك أيضا، لأن الذي نزل به إليك هو الروح الأمين، وهو منهم كما يؤيدك بجند منهم يثبّتونك ويثبّتون المؤمنين فى القتال كما فى غزوة بدر، قال تعالى: «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ».
(وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً) على ما شهد به لك، حيث نصب الدليل، وأوضح السبيل، فشهادته أصدق، وقوله الحق «قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً؟ قُلِ: اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ».
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٧ الى ١٧٠]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (١٦٩) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠)
ثم أكد هذه الشهادة فقال:
(أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أي فإنه أنزله بعلمه الخاص الذي لم تكن تعلمه أنت ولا قومك بتأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان، وبما فيه من العلوم الإلهية والأدبية والسياسية والاجتماعية، ومن علوم الأنبياء والرسل والأمم، وبما له من السلطان على الأرواح بهدايته، وبما فيه من أنباء الغيب عن الماضي والحاضر والمستقبل وهو بهذه المزايا مثبت لشهادة الله به وأنه وحي من عنده.
والخلاصة- كأن الله تعالى يقول لنبيه إن جحود هؤلاء اليهود وعدم شهادتهم لك لا يضرك بشىء، فالله يشهد بما أنزل إليك من الوحى وأنت على يقين منه، وقد أيد الله شهادته لك بما أودعه فيه مما عجز عنه البشر فكان بذلك مثبتا لكونه أنزل عليك من لدنه، كما أيده بتصديق ما أنزله فيه من الوعد بالفلاح والنصر لمن اتبعك والوعيد لمن عاداك بالخذلان والخسران.
(وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) أي والملائكة يشهدون بذلك أيضا، لأن الذي نزل به إليك هو الروح الأمين، وهو منهم كما يؤيدك بجند منهم يثبّتونك ويثبّتون المؤمنين فى القتال كما فى غزوة بدر، قال تعالى: «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ».
(وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً) على ما شهد به لك، حيث نصب الدليل، وأوضح السبيل، فشهادته أصدق، وقوله الحق «قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً؟ قُلِ: اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ».
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٧ الى ١٧٠]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (١٦٩) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠)
24
المعنى الجملي
بعد أن أزال سبحانه فى الآيات السالفة ما كان لليهود من شبهة، فى نبوة محمد ﷺ بشهادة الله بما أنزل عليه مما لم يستطع البشر أن يأتوا بمثله- أنذر فى هذه الآيات من يصرّ منهم على الكفر، ويستمر على الإعراض والظلم، وبيّن لهم سوء العاقبة.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً) أي إن الذين كفروا بمحمد ﷺ والقرآن، وصدوا غيرهم عن سبيل الله بإلقاء الشبهات فى قلوبهم كقولهم: لو كان رسولا لأتى بكتابه دفعة واحدة من السماء كما نزلت التوراة على موسى، وقولهم: إن الله تعالى ذكر فى التوراة أن شريعة موسى لا تبدل ولا تنسخ إلى يوم القيامة، قد ضلوا ضلالا بعيدا، لأن أشد الناس ضلالا من كان ضالّا ويعتقد فى نفسه أنه محق، ويتوسل بذلك الضلال إلى اكتساب المال، فهو قد سار فى سبيل الشيطان، وبعد عن سبيل الله، فلم يعد يفقه أنها هى الموصلة إلى خير العاقبة.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) أي إن الذين كفروا بما أنزل إليك، وظلموا أنفسهم بإعراضهم عن الطريق الموصل إلى الخير والسعادة وظلموا غيرهم بإغوائهم إياهم بزخرف قولهم، وسوء سيرتهم، وصدهم عن الصراط المستقيم-
بعد أن أزال سبحانه فى الآيات السالفة ما كان لليهود من شبهة، فى نبوة محمد ﷺ بشهادة الله بما أنزل عليه مما لم يستطع البشر أن يأتوا بمثله- أنذر فى هذه الآيات من يصرّ منهم على الكفر، ويستمر على الإعراض والظلم، وبيّن لهم سوء العاقبة.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً) أي إن الذين كفروا بمحمد ﷺ والقرآن، وصدوا غيرهم عن سبيل الله بإلقاء الشبهات فى قلوبهم كقولهم: لو كان رسولا لأتى بكتابه دفعة واحدة من السماء كما نزلت التوراة على موسى، وقولهم: إن الله تعالى ذكر فى التوراة أن شريعة موسى لا تبدل ولا تنسخ إلى يوم القيامة، قد ضلوا ضلالا بعيدا، لأن أشد الناس ضلالا من كان ضالّا ويعتقد فى نفسه أنه محق، ويتوسل بذلك الضلال إلى اكتساب المال، فهو قد سار فى سبيل الشيطان، وبعد عن سبيل الله، فلم يعد يفقه أنها هى الموصلة إلى خير العاقبة.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) أي إن الذين كفروا بما أنزل إليك، وظلموا أنفسهم بإعراضهم عن الطريق الموصل إلى الخير والسعادة وظلموا غيرهم بإغوائهم إياهم بزخرف قولهم، وسوء سيرتهم، وصدهم عن الصراط المستقيم-
25
ليس من سنته تعالى أن يغفر لهم ذلك الكفر والظلم يوم الحساب والجزاء، لأن الكفر والظلم قد أفسدا فطرتهم وأثرا فى نفوسهم وأعميا قلوبهم وجعلاها تستمرئ قبيح الأفعال، وتهوى شر الخلال والأعمال- ولا يزول هذا إلا إذا اتجهت نفوسهم إلى ما يضادّ ذلك، من إيمان صحيح وعمل صالح يزكى النفوس مما ران عليها ويطهرها وينشئها نشأة أخرى، ولا سبيل إلى ذلك يوم الجزاء والحساب، ومن ثم قال تعالى.
(وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) أي وليس من شأنه أن يهدى أمثالهم طريقا يوصلهم إلى الجزاء على أعمالهم إلا طريق جهنم، فهى الطريق التي ينتهى إليها من دسى نفسه بالكفر والظلم، وأوغل فى السير فيها طول عمره، واستمرأ الشرور والمفاسد، حتى هوت به إلى واد سحيق.
فانتظار المغفرة ودخول الجنات لأمثال هؤلاء انتظار لإبطال نظام العالم ونقضى لسنن الله وحكمته فى خلق الإنسان.
(خالِدِينَ فِيها أَبَداً) الخلود بقاء الشيء مدة طويلة على حال واحدة لا يطرأ عليه فيها تغيير ولا فناء، والأبد: الزمن الممتد، وتأبد الشيء: بقي أبدا وأبد بالمكان أبودا:
أقام به ولم يبرحه، أي يدخلونها ويذوقون عذابها حال كونهم خالدين فيها أبدا لا يخرجون منها.
(وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) أي وكان ذلك الجزاء سهلا على الله دون غيره، لأنه مقتضى حكمته وسننه، وليس بالعزيز على قدرته.
وفى هذا تحقير لأمرهم وبيان لأن الله لا يعبأ بهم ولا يبالى بشأنهم.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) بعد أن أقام سبحانه الحجة على أهل الكتاب وردّ شبهاتهم واقتراحهم ما اقترحوا تعنتا وعنادا- خاطب جميع الناس وأمرهم بالإيمان وشفعه بالوعد على عمل الخير والوعيد على عمل الشر، للإيماء إلى أن
(وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) أي وليس من شأنه أن يهدى أمثالهم طريقا يوصلهم إلى الجزاء على أعمالهم إلا طريق جهنم، فهى الطريق التي ينتهى إليها من دسى نفسه بالكفر والظلم، وأوغل فى السير فيها طول عمره، واستمرأ الشرور والمفاسد، حتى هوت به إلى واد سحيق.
فانتظار المغفرة ودخول الجنات لأمثال هؤلاء انتظار لإبطال نظام العالم ونقضى لسنن الله وحكمته فى خلق الإنسان.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها | إن السفينة لا تجرى على اليبس |
أقام به ولم يبرحه، أي يدخلونها ويذوقون عذابها حال كونهم خالدين فيها أبدا لا يخرجون منها.
(وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) أي وكان ذلك الجزاء سهلا على الله دون غيره، لأنه مقتضى حكمته وسننه، وليس بالعزيز على قدرته.
وفى هذا تحقير لأمرهم وبيان لأن الله لا يعبأ بهم ولا يبالى بشأنهم.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) بعد أن أقام سبحانه الحجة على أهل الكتاب وردّ شبهاتهم واقتراحهم ما اقترحوا تعنتا وعنادا- خاطب جميع الناس وأمرهم بالإيمان وشفعه بالوعد على عمل الخير والوعيد على عمل الشر، للإيماء إلى أن
26
المحجة قد وضحت، والحجة قد لزمت، فلم تبق معذرة فى الإعراض والصدّ عن اتباع الدعوة وقبول الحق من هذا الرسول الكريم، وقد كان اليهود ينتظرون من الله مسيحا ونبيّا بشر بهما أنبياؤهم، فقد جاء فى الفصل الأوّل من إنجيل يوحنا- أنهم أرسلوا بعض الكهنة والأحبار إلى يوحنا (يحي عليه السلام) ليسألوه من هو؟ وكانت قد ظهرت عليه أمارات النبوة- فسألوه أأنت المسيح؟ قال: لا، قالوا: أأنت النبي؟
قال: لا- من هذا تعلم أن يهود العرب ونصاراهم لما سمعوا هذه الآية زمن التنزيل فهموا أن المراد به الرسول الذي بشرهم به موسى ﷺ فى التوراة فى سفر تثنية الاشتراع، وعيسى فى الإنجيل وغيرهما من الأنبياء.
(فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) أي فآمنوا يكن الإيمان خيرا لكم، لأنه يزكيكم ويطهركم من الدنس والرجس ويؤهلكم للسعادة الأبدية.
(وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي وإن تكفروا فإن الله غنىّ عن إيمانكم وقادر على جزائكم بما يقتضيه كفركم وسوء عملكم، فإن له ما فى السموات والأرض ملكا وخلقا، وكلهم عبيده ينقادون لحكمه طوعا أو كرها، فعبادة الكره وعدم الاختيار تكون بالخضوع لقدرته وسننه فى الأكوان، وهى عامة فى جميع الخلق سواء منها العاقل وغيره، وعبادة الاختيار خاصة بالمؤمنين الأخيار والملائكة الأبرار.
(وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) أي وكان شأنه تعالى العلم المحيط والحكمة الكاملة فى جميع أفعاله وأحكامه، فهو لا يخفى عليه أمركم فى إيمانكم وكفركم وسائر أحوالكم، ومن حكمته أن يجازيكم على ما تجترحون من الآثام والموبقات، فإنه لم يخلقكم عبثا ولن يترككم سدى، فطوبى لمن نهى النفس عن الهوى، وآثر الآخرة على الدنيا، وويل لمن أعرض عن ذكر ربه، وأعرض عن أمره ونهيه، وحالف الشيطان وحزبه.
قال: لا- من هذا تعلم أن يهود العرب ونصاراهم لما سمعوا هذه الآية زمن التنزيل فهموا أن المراد به الرسول الذي بشرهم به موسى ﷺ فى التوراة فى سفر تثنية الاشتراع، وعيسى فى الإنجيل وغيرهما من الأنبياء.
(فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) أي فآمنوا يكن الإيمان خيرا لكم، لأنه يزكيكم ويطهركم من الدنس والرجس ويؤهلكم للسعادة الأبدية.
(وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي وإن تكفروا فإن الله غنىّ عن إيمانكم وقادر على جزائكم بما يقتضيه كفركم وسوء عملكم، فإن له ما فى السموات والأرض ملكا وخلقا، وكلهم عبيده ينقادون لحكمه طوعا أو كرها، فعبادة الكره وعدم الاختيار تكون بالخضوع لقدرته وسننه فى الأكوان، وهى عامة فى جميع الخلق سواء منها العاقل وغيره، وعبادة الاختيار خاصة بالمؤمنين الأخيار والملائكة الأبرار.
(وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) أي وكان شأنه تعالى العلم المحيط والحكمة الكاملة فى جميع أفعاله وأحكامه، فهو لا يخفى عليه أمركم فى إيمانكم وكفركم وسائر أحوالكم، ومن حكمته أن يجازيكم على ما تجترحون من الآثام والموبقات، فإنه لم يخلقكم عبثا ولن يترككم سدى، فطوبى لمن نهى النفس عن الهوى، وآثر الآخرة على الدنيا، وويل لمن أعرض عن ذكر ربه، وأعرض عن أمره ونهيه، وحالف الشيطان وحزبه.
27
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ
ﲪ
ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ
ﲫ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ
ﲬ
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٧١ الى ١٧٣]
يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣)تفسير المفردات
الغلوّ: مجاوزة الحد، وكلمته: أي لأنه حدث بكلمة «كن» من غير مادة معتادة، ألقاها إلى مريم: أي أوصلها وأبلغها إياها، وروح منه: أي لأنه خلق بنفخ من روح الله، وهو جبريل، الاستنكاف: الامتناع عن الشيء أنفة وكبرا، والاستكبار أن يجعل الإنسان نفسه كبيرة فوق ما هى عليه غرورا وإعجابا بها.
المعنى الجملي
بعد أن انتهى من محاجة اليهود وإقامة الحجة عليهم، وهم قد غلوا فى تحقير عيسى وإهانته وكفروا به- ذكر هنا محاجة النصارى خاصة ودحض شبهاتهم، وهم قد غلوا فى تعظيم عيسى وتقديسه، كما دحض شبهات اليهود فيما سلف.
28
الإيضاح
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) أي لا تتجاوزوا الحدود التي حدها الله، فإن الزيادة فى الدين كالنقص فيه، ولا تعتقدوا إلا القول الحق الثابت بنصّ دينىّ متواتر، أو برهان عقلىّ قاطع، وليس لكم على ما زعمتم من دعوى الاتحاد والحلول واتخاذ الصاحبة والولد شىء منها.
(إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ) إلى بنى إسرائيل، وقد أمرهم بأن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئا، وزهدهم فى الدنيا، وحثهم على التقوى، وبشرهم بمحمد خاتم النبيين، وأرشدهم إلى الاعتدال فى كل شىء، فهداهم إلى الجمع بين حقوق الأبدان وحقوق الأديان.
(وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) وهو مكوّن بكلمته وأمره الذي هو «كن» من غير وساطة أب ولا نطفة، فإنه لما أرسل إليها الروح الأمين جبريل بشرها بأنه مأمور بأن يهب لها غلاما زكيا، فاستنكرت ذلك، إذ هى عذراء لم تتزوج فقال لها:
«كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» فكلمة (كن) هى الكلمة الدالة على التكوين بمحض القدرة عند إرادة خلق الشيء وإيجاده.
وهو أيضا مؤيد بروح منه كما قال تعالى: «وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» وكما قال فى صفات المؤمنين «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ».
وآية الله فى خلق عيسى بكلمته وجعله بشرا سويّا بما نفخ فيه من روحه كآيته فى خلق آدم بكلمته وما نفخ فيه من روحه، فخلقهما كان بغير السنة العامة فى خلق الناس من ذكر وأنثى «إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ».
وزعم بعض النصارى أن كلمة (منه) تدل على أن عيسى جزء من الله بمعنى أنه ابنه، فقد نقل بعض المفسرين أن طبيبا نصرانيا للرشيد ناظر على بن حسين الواقدي
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) أي لا تتجاوزوا الحدود التي حدها الله، فإن الزيادة فى الدين كالنقص فيه، ولا تعتقدوا إلا القول الحق الثابت بنصّ دينىّ متواتر، أو برهان عقلىّ قاطع، وليس لكم على ما زعمتم من دعوى الاتحاد والحلول واتخاذ الصاحبة والولد شىء منها.
(إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ) إلى بنى إسرائيل، وقد أمرهم بأن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئا، وزهدهم فى الدنيا، وحثهم على التقوى، وبشرهم بمحمد خاتم النبيين، وأرشدهم إلى الاعتدال فى كل شىء، فهداهم إلى الجمع بين حقوق الأبدان وحقوق الأديان.
(وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) وهو مكوّن بكلمته وأمره الذي هو «كن» من غير وساطة أب ولا نطفة، فإنه لما أرسل إليها الروح الأمين جبريل بشرها بأنه مأمور بأن يهب لها غلاما زكيا، فاستنكرت ذلك، إذ هى عذراء لم تتزوج فقال لها:
«كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» فكلمة (كن) هى الكلمة الدالة على التكوين بمحض القدرة عند إرادة خلق الشيء وإيجاده.
وهو أيضا مؤيد بروح منه كما قال تعالى: «وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» وكما قال فى صفات المؤمنين «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ».
وآية الله فى خلق عيسى بكلمته وجعله بشرا سويّا بما نفخ فيه من روحه كآيته فى خلق آدم بكلمته وما نفخ فيه من روحه، فخلقهما كان بغير السنة العامة فى خلق الناس من ذكر وأنثى «إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ».
وزعم بعض النصارى أن كلمة (منه) تدل على أن عيسى جزء من الله بمعنى أنه ابنه، فقد نقل بعض المفسرين أن طبيبا نصرانيا للرشيد ناظر على بن حسين الواقدي
29
المروزي ذات يوم فقال له: إن فى كتابكم ما يدل على أن عيسى عليه السلام جزء منه تعالى وتلا الآية، فقرأ له الواقدىّ قوله تعالى «وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ» فلئن صح ما تقول لزم أن تكون جميع هذه الأشياء جزءا منه تبارك وتعالى- فأفحم النصراني وأسلم ففرح بذلك الرشيد ووصل الواقدىّ بصلة عظيمة وقد جاء فى إنجيل متى (أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا، لما كانت أمه مريم مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس). وفى إنجيل لوقا تفصيل لظهور الملك جبريل لها وتبشيره إياها بولد ومحاورتهما فى ذلك، ومنها أنها سألته عن كيفية ذلك فقال لها (الروح القدس يحلّ عليك).
وفى هذا الفصل أن اليصابات أم يحيى امتلأت من الروح القدس، وبذلك حملت بيحيى، وكانت عاقرا، وأن زكريا أباه امتلأ من الروح القدس.
ومن هذا تعلم أن روح القدس عندهم وعندنا واحد وهو ملك من ملائكة الله الذين لا يحصى عددهم، وأن عيسى خلق بوساطته، وكذلك يحيى، وكان خلقه من وجه آخر، إذ كان أبوه شيخا كبيرا وأمه عاقرا ولكن الواسطة والسبب واحد، وهو الملك المسمى بروح القدس، أيدهم الله به رجالا ونساء، فلا يستفاد إذا من قوله: وروح منه، أنه جزء من الله، تعالى الله عن التركيب والتجزؤ والحلول والاتحاد بخلقه.
(فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) أي فآمنوا بالله إيمانا يليق به، وهو أنه واحد أحد تنزه عن صفات الحوادث، وأن كل ما فى الكون مخلوق له، وهو الخالق له، وأن الأرض فى مجموع ملكه أقل من حبة رمل بالنسبة إلى اليابس منها، ومن نقطة ماء بالنسبة إلى بحارها وأنهارها، وآمنوا برسله كلهم إيمانا يليق بشأنهم وهو أنهم عبيد له خصهم بضروب من التكريم والتعظيم، وألهمهم بضرب من العلم والهداية بالوحى ليعلموا الناس كيف يوحّدون ربهم ويعبدونه ويشكرونه، ولا تقولوا: الآلهة ثلاثة:
وفى هذا الفصل أن اليصابات أم يحيى امتلأت من الروح القدس، وبذلك حملت بيحيى، وكانت عاقرا، وأن زكريا أباه امتلأ من الروح القدس.
ومن هذا تعلم أن روح القدس عندهم وعندنا واحد وهو ملك من ملائكة الله الذين لا يحصى عددهم، وأن عيسى خلق بوساطته، وكذلك يحيى، وكان خلقه من وجه آخر، إذ كان أبوه شيخا كبيرا وأمه عاقرا ولكن الواسطة والسبب واحد، وهو الملك المسمى بروح القدس، أيدهم الله به رجالا ونساء، فلا يستفاد إذا من قوله: وروح منه، أنه جزء من الله، تعالى الله عن التركيب والتجزؤ والحلول والاتحاد بخلقه.
(فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) أي فآمنوا بالله إيمانا يليق به، وهو أنه واحد أحد تنزه عن صفات الحوادث، وأن كل ما فى الكون مخلوق له، وهو الخالق له، وأن الأرض فى مجموع ملكه أقل من حبة رمل بالنسبة إلى اليابس منها، ومن نقطة ماء بالنسبة إلى بحارها وأنهارها، وآمنوا برسله كلهم إيمانا يليق بشأنهم وهو أنهم عبيد له خصهم بضروب من التكريم والتعظيم، وألهمهم بضرب من العلم والهداية بالوحى ليعلموا الناس كيف يوحّدون ربهم ويعبدونه ويشكرونه، ولا تقولوا: الآلهة ثلاثة:
30
الآب والابن وروح القدس، أو الله ثلاثة أقانيم كل منها عين الآخر، وكل منها إله كامل، ومجموعها إله واحد.
فإن فى هذا تركا للتوحيد الذي هو ملة إبراهيم وسائر الأنبياء، واتباعا لعقيدة الوثنيين، والجمع بين التثليث والتوحيد تناقض تحيله العقول، ولا يقبله أولو الألباب.
(انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) أي انتهوا عنه وقولوا قولا آخر خيرا لكم منه، وهو قول جميع النبيين والمرسلين الذين جاءوا بتوحيد الله وتنزيهه، فإن المسيح الذي سميتموه إلها يقول كما فى إنجيل يوحنا (وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته).
(إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ) بالذات منزه عن التعدد، فليس له أجزاء ولا أقانيم، ولا هو مركب ولا متحد بشىء من المخلوقات.
(سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) أي تقدس عن أن يكون له ولد كما قلتم فى المسيح إنه ابنه، أو إنه هو عينه، فإنه تبارك وتعالى ليس له مماثل فيكون له منه زوج يتزوجها فتلد له ولدا.
والتعبير بالولد دون الابن الذي يعبرون به فى كلامهم، لبيان أنهم إذا كانوا يريدون الابن الحقيقي الذي يفهم من هذا اللفظ فلا بد أن يكون ولدا أي مولودا من تلقيح أبيه لأمه، وهذا محال على الله تعالى، وإن أرادوا الابن المجازى لا الحقيقي فلا خصوصية لعيسى فى ذلك، لأنه قد أطلق فى كتب العهد العتيق والعهد الجديد على إسرائيل وداود وغيرهما من الأخيار.
(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي إنه ليس له ولد يصح أن يسمى ابنا له حقيقة، بل له كل ما فى السموات وما فى الأرض خلقا وملكا، والمسيح من جملتها كما قال تعالى: «إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً».
ولا فرق فى هذا بين الملائكة والنبيين، ولا بين من خلقه ابتداء من غير أب
فإن فى هذا تركا للتوحيد الذي هو ملة إبراهيم وسائر الأنبياء، واتباعا لعقيدة الوثنيين، والجمع بين التثليث والتوحيد تناقض تحيله العقول، ولا يقبله أولو الألباب.
(انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) أي انتهوا عنه وقولوا قولا آخر خيرا لكم منه، وهو قول جميع النبيين والمرسلين الذين جاءوا بتوحيد الله وتنزيهه، فإن المسيح الذي سميتموه إلها يقول كما فى إنجيل يوحنا (وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته).
(إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ) بالذات منزه عن التعدد، فليس له أجزاء ولا أقانيم، ولا هو مركب ولا متحد بشىء من المخلوقات.
(سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) أي تقدس عن أن يكون له ولد كما قلتم فى المسيح إنه ابنه، أو إنه هو عينه، فإنه تبارك وتعالى ليس له مماثل فيكون له منه زوج يتزوجها فتلد له ولدا.
والتعبير بالولد دون الابن الذي يعبرون به فى كلامهم، لبيان أنهم إذا كانوا يريدون الابن الحقيقي الذي يفهم من هذا اللفظ فلا بد أن يكون ولدا أي مولودا من تلقيح أبيه لأمه، وهذا محال على الله تعالى، وإن أرادوا الابن المجازى لا الحقيقي فلا خصوصية لعيسى فى ذلك، لأنه قد أطلق فى كتب العهد العتيق والعهد الجديد على إسرائيل وداود وغيرهما من الأخيار.
(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي إنه ليس له ولد يصح أن يسمى ابنا له حقيقة، بل له كل ما فى السموات وما فى الأرض خلقا وملكا، والمسيح من جملتها كما قال تعالى: «إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً».
ولا فرق فى هذا بين الملائكة والنبيين، ولا بين من خلقه ابتداء من غير أب
31
ولا أمّ كالملائكة وآدم، ومن خلقه من أصل واحد كحواء وعيسى، ومن خلق من الزوجين الذكر والأنثى، فكل هؤلاء عبيده يحتاجون إلى فضله وكرمه وجوده، وهو يتصرف فيهم كما يشاء.
(وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا) أي كفى به حافظا ووكيلا إذا وكلوا أمورهم إليه، فهو غنى عن الولد، فإن الولد إنما يحتاج إليه أبوه ليعينه فى حياته، ويقوم مقامه بعد وفاته، والله تعالى منزه عن كل ذلك.
عقيدة التثليث- منشؤها
اعلم أن عقيدة التثليث وثنية نقلها الوثنيون المتنصرون إلى النصرانية واعتمدوا فيها على بعض ألفاظ فى الكتب اليهودية جعلوها تكأة لهم على ما أرادوا وحرّفوا فيها وأوّلوا، لتفيد ما ادّعوا، وبذا هدموا آيات التوحيد، وقد فصل ذلك علماء أوروبا وأتوا عليه بشواهد كثيرة من الآثار القديمة والتاريخ، فقال البحاثة موريس فى كتابه (الآثار الهندية القديمة) كان عند أكثر الأمم البائدة تعاليم دينية جاء فيها القول باللاهوت الثلاثي أو الثالوثى.
وقال مستر فابر فى كتابه (أصل الوثنية) كما نجد عند الهنود ثالوثا مؤلفا من برهما وفشنو وسيفا، نجد عند البوذيين ثالوثا فإنهم يقولون إن (بوذه) إله ثلاثة أقانيم كما تقول الهنود.
وقال مستر دوان فى كتابه (خرافات التوراة) وكان قسيسو هيكل منفيس بمصر يعبرون عن الثالوث المقدس فى تعليمهم المبتدئين بقولهم إن الأول خلق الثاني وهما خلقا الثالث، وبذلك تم الثالوث المقدس، وسأل توليسو ملك مصر الكاهن تنيشوكى- هل كان قبله أحد أعظم منه؟ وهل يكون بعده أحد أعظم منه؟ فأجابه الكاهن:
نعم يوجد من هو أعظم وهو الله قبل كل شىء ثم الكلمة ومعهما روح القدس، ولهذه الثلاثة طبيعة واحدة وهم واحد بالذات وعنهم صدرت القوة الأبدية، فاذهب يا فانى، يا صاحب الحياة القصيرة، ثم قال المؤلف: لا ريب أن تسمية الأقنوم الثاني من الثالوث المقدس (كلمة) هو من أصل وثنى مصرى دخل فى غيره من الديانات المسيحية و (أبولوّ)
(وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا) أي كفى به حافظا ووكيلا إذا وكلوا أمورهم إليه، فهو غنى عن الولد، فإن الولد إنما يحتاج إليه أبوه ليعينه فى حياته، ويقوم مقامه بعد وفاته، والله تعالى منزه عن كل ذلك.
عقيدة التثليث- منشؤها
اعلم أن عقيدة التثليث وثنية نقلها الوثنيون المتنصرون إلى النصرانية واعتمدوا فيها على بعض ألفاظ فى الكتب اليهودية جعلوها تكأة لهم على ما أرادوا وحرّفوا فيها وأوّلوا، لتفيد ما ادّعوا، وبذا هدموا آيات التوحيد، وقد فصل ذلك علماء أوروبا وأتوا عليه بشواهد كثيرة من الآثار القديمة والتاريخ، فقال البحاثة موريس فى كتابه (الآثار الهندية القديمة) كان عند أكثر الأمم البائدة تعاليم دينية جاء فيها القول باللاهوت الثلاثي أو الثالوثى.
وقال مستر فابر فى كتابه (أصل الوثنية) كما نجد عند الهنود ثالوثا مؤلفا من برهما وفشنو وسيفا، نجد عند البوذيين ثالوثا فإنهم يقولون إن (بوذه) إله ثلاثة أقانيم كما تقول الهنود.
وقال مستر دوان فى كتابه (خرافات التوراة) وكان قسيسو هيكل منفيس بمصر يعبرون عن الثالوث المقدس فى تعليمهم المبتدئين بقولهم إن الأول خلق الثاني وهما خلقا الثالث، وبذلك تم الثالوث المقدس، وسأل توليسو ملك مصر الكاهن تنيشوكى- هل كان قبله أحد أعظم منه؟ وهل يكون بعده أحد أعظم منه؟ فأجابه الكاهن:
نعم يوجد من هو أعظم وهو الله قبل كل شىء ثم الكلمة ومعهما روح القدس، ولهذه الثلاثة طبيعة واحدة وهم واحد بالذات وعنهم صدرت القوة الأبدية، فاذهب يا فانى، يا صاحب الحياة القصيرة، ثم قال المؤلف: لا ريب أن تسمية الأقنوم الثاني من الثالوث المقدس (كلمة) هو من أصل وثنى مصرى دخل فى غيره من الديانات المسيحية و (أبولوّ)
32
المدفون فى (دهلى) يدعى الكلمة، وفى علم اللاهوت الإسكندرى الذي كان يعلمه (بلاتو) قبل المسيح بسنين عدة (الكلمة هى الإله الثاني) ويدعى أيضا ابن الله البكر وقال هيجين فى كتابه (الانكلوسكسون) كان الفرس يسمون (متروسا) الكلمة والوسيط ومخلص الفرس، وقال دوان: كان الفرس يعبدون إلها مثلث الأقانيم مثل الهنود ويسمون الأقانيم (أو زمرد مترات. أهرمن). فأوزمرد الخلاق ومترات ابن الله المخلص والوسيط. وأهرمن الملك، والمشهور عن مجوس الفرس التثنية دون التثليث فكانوا يقولون بإله هو مصدر النور والخير وإله هو مصدر الظلمة والشر.
وقال صاحب كتاب (ترقى الأفكار الدينية) إن اليونانيين كانوا يقولون إن الإله مثلث الأقانيم وكان قساوستهم إذا شرعوا فى تقديم الذبائح يرشّون المذبح بالماء المقدس ثلاث مرات (إشارة إلى الثالوث) ويرشون المجتمعين حول المذبح ثلاث مرات، ويأخذون البخور من المبخرة بثلاث أصابع، ويعتقدون أن الحكماء قالوا إنه يجب أن تكون جميع الأشياء المقدسة مثلثة، ولهم اعتناء بهذا العدد فى جميع شعائرهم الدينية.
وقد اقتبست الكنيسة بعد دخول نصرانية قسطنطين فيهم هذه الشعائر كلها، ونسخت بها شريعة المسيح التي هى التوراة، وظلموا المسيح بنسبتها إليه.
والخلاصة- إن الديانة النصرانية بنيت على أساس التوحيد الخالص، فحوّلها الكهنة إلى ديانة وثنية تقول بتثليث غير معقول أخذوه من تثليث اليونان والرومان المقتبس من تثليث المصريين والبراهمة اقتباسا مشوّها، ونسخوا شريعة سماوية برمّتها، واستبدلوا بها بدعا وتقاليد غريبة عنها، فقد كانت ديانة زهد وتواضع، فجعلوها ديانة طمع وجشع وكبرياء وترف وأثرة واستعباد للبشر، ديانة نسبوها إلى المسيح وليس عندهم نص فيها يدل على التثليث، بل عندهم نصوص من كلامه تدل على التوحيد وإبطال التثليث، ولو لم يكن عندهم من النصوص فى هذه العقيدة إلا ما رواه يوحنا فى إنجيله لكفى من قوله عليه السلام (وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحيققى
وقال صاحب كتاب (ترقى الأفكار الدينية) إن اليونانيين كانوا يقولون إن الإله مثلث الأقانيم وكان قساوستهم إذا شرعوا فى تقديم الذبائح يرشّون المذبح بالماء المقدس ثلاث مرات (إشارة إلى الثالوث) ويرشون المجتمعين حول المذبح ثلاث مرات، ويأخذون البخور من المبخرة بثلاث أصابع، ويعتقدون أن الحكماء قالوا إنه يجب أن تكون جميع الأشياء المقدسة مثلثة، ولهم اعتناء بهذا العدد فى جميع شعائرهم الدينية.
وقد اقتبست الكنيسة بعد دخول نصرانية قسطنطين فيهم هذه الشعائر كلها، ونسخت بها شريعة المسيح التي هى التوراة، وظلموا المسيح بنسبتها إليه.
والخلاصة- إن الديانة النصرانية بنيت على أساس التوحيد الخالص، فحوّلها الكهنة إلى ديانة وثنية تقول بتثليث غير معقول أخذوه من تثليث اليونان والرومان المقتبس من تثليث المصريين والبراهمة اقتباسا مشوّها، ونسخوا شريعة سماوية برمّتها، واستبدلوا بها بدعا وتقاليد غريبة عنها، فقد كانت ديانة زهد وتواضع، فجعلوها ديانة طمع وجشع وكبرياء وترف وأثرة واستعباد للبشر، ديانة نسبوها إلى المسيح وليس عندهم نص فيها يدل على التثليث، بل عندهم نصوص من كلامه تدل على التوحيد وإبطال التثليث، ولو لم يكن عندهم من النصوص فى هذه العقيدة إلا ما رواه يوحنا فى إنجيله لكفى من قوله عليه السلام (وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحيققى
33
وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته) فهذا نص واضح فى أنه هو الإله وحده وأنه هو رسوله.
وقال مرقص فى الفصل الثاني عشر من إنجيله: إن أحد الكتبة سأل يسوع عن أول الوصايا فأجابه، أول الوصايا: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد إلخ، فقال له الكاتب (جيدا) يا معلّم بالحق قلت، لأنه واحد وليس آخر سواه، فلما رأى يسوع أنه أجاب بعقل قال له (لست بعيدا عن ملكوت السموات) ومن هذا النص يعلم أن التوحيد الخالص هو العقيدة المعقولة التي تؤخذ على ظاهرها بلا تأويل «١».
َنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)
أي لن يأنف المسيح ولن يترفع عن أن يكون عبد الله لعلمه بعظمة الله وما يجب له من العبودية والشكر، ولا الملائكة المقربون يستنكف أحد منهم أن يكون عبدا له.
ومن هذه الآية يفهم أن الملائكة أعظم من المسيح خلقا وأفعالا، ومنهم روح القدس الذي بنفخة منه خلق المسيح، ومن ثم استدل بها كثير من العلماء على تفصيل الملائكة المقربين على الأنبياء. إذ السياق فى ردّ غلوّ النصارى فى المسيح باتخاذه إلها ورفعه عن مقام العبودية فالرد عليهم يقتضى الترقي من الرفيع إلى الأرفع كما تقول إن فلانا التقى لا يستنكف من تقبيل يد الوزير ولا الأمير، فإذا بدأت بذكر الأمير لم يعد لذكر الوزير فائدة، بل يكون لغوا لأنه يندمج فى الأول بالطريق الأولى.
وقال آخرون إن الآية لا تدل على ذلك لأنها فى معرض تفضيل هؤلاء الملائكة فى عظم الخلق والقدرة على الأعمال العظيمة وهو المناسب للرد على من استكبروا خلق المسيح من غير أب وصدور بعض الآيات عنه فجعلوه إلها، مع أن الملائكة خلقوا من غير أب ولا أم ويعملون ما هو أعظم من آيات المسيح فهم بهذا أفضل منه وأعظم.
وقال مرقص فى الفصل الثاني عشر من إنجيله: إن أحد الكتبة سأل يسوع عن أول الوصايا فأجابه، أول الوصايا: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد إلخ، فقال له الكاتب (جيدا) يا معلّم بالحق قلت، لأنه واحد وليس آخر سواه، فلما رأى يسوع أنه أجاب بعقل قال له (لست بعيدا عن ملكوت السموات) ومن هذا النص يعلم أن التوحيد الخالص هو العقيدة المعقولة التي تؤخذ على ظاهرها بلا تأويل «١».
َنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)
أي لن يأنف المسيح ولن يترفع عن أن يكون عبد الله لعلمه بعظمة الله وما يجب له من العبودية والشكر، ولا الملائكة المقربون يستنكف أحد منهم أن يكون عبدا له.
ومن هذه الآية يفهم أن الملائكة أعظم من المسيح خلقا وأفعالا، ومنهم روح القدس الذي بنفخة منه خلق المسيح، ومن ثم استدل بها كثير من العلماء على تفصيل الملائكة المقربين على الأنبياء. إذ السياق فى ردّ غلوّ النصارى فى المسيح باتخاذه إلها ورفعه عن مقام العبودية فالرد عليهم يقتضى الترقي من الرفيع إلى الأرفع كما تقول إن فلانا التقى لا يستنكف من تقبيل يد الوزير ولا الأمير، فإذا بدأت بذكر الأمير لم يعد لذكر الوزير فائدة، بل يكون لغوا لأنه يندمج فى الأول بالطريق الأولى.
وقال آخرون إن الآية لا تدل على ذلك لأنها فى معرض تفضيل هؤلاء الملائكة فى عظم الخلق والقدرة على الأعمال العظيمة وهو المناسب للرد على من استكبروا خلق المسيح من غير أب وصدور بعض الآيات عنه فجعلوه إلها، مع أن الملائكة خلقوا من غير أب ولا أم ويعملون ما هو أعظم من آيات المسيح فهم بهذا أفضل منه وأعظم.
(١) كل ما تقدم فى هذا الفصل مقتبس من تفسير المنار.
34
وأيا كان فالتفاضل فى هذا من الرجم بالغيب، إذ لا يعلم إلا بنص مع أنه ليس له فائدة فى إيمان ولا عملَ مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً)
. أي ومن يترفع عن عبادته تعالى أنفة وكبرا فيرى أنه لا يليق به ذلك فسيجزيه أشد الجزاء، إذ يحشر الناس جميعا للجزاء، المستنكفين منهم والمستكبرين مع غيرهم فى صعيد واحد كما ورد فى الحديث ثم يحاسبهم ويجزيهم على أعمالهم.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي فهؤلاء الذين عملوا الصالحات سيعطيهم أجورهم وافية كاملة على إيمانهم وعملهم الصالح بحسب سنته سبحانه فى ترتيب الجزاء على مقدار تأثير الإيمان والعمل الصالح فى النفس وتزكيتها وطهارتها من أدران الشرور والآثام.
(وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً) أي فهؤلاء يعذبون عذابا مؤلما يستحقونه بحسب سنته أيضا، لكن لا يزيدهم على ما يستحقون شيئا لأن رحمته سبقت غضبه، فهو يجازى المحسن على إحسانه بالعدل والفضل، ويجازى المسيء على إساءته بالعدل.
(وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) أي ولا يجدون لهم من غير الله تعالى وليا يلى أمورهم ويدبر مصالحهم، ولا نصيرا ينصرهم من بأسه ويرفع عنهم العذاب، إذ لا عاصم اليوم من أمر الله «يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ».
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٧٤ الى ١٧٥]
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥)
. أي ومن يترفع عن عبادته تعالى أنفة وكبرا فيرى أنه لا يليق به ذلك فسيجزيه أشد الجزاء، إذ يحشر الناس جميعا للجزاء، المستنكفين منهم والمستكبرين مع غيرهم فى صعيد واحد كما ورد فى الحديث ثم يحاسبهم ويجزيهم على أعمالهم.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي فهؤلاء الذين عملوا الصالحات سيعطيهم أجورهم وافية كاملة على إيمانهم وعملهم الصالح بحسب سنته سبحانه فى ترتيب الجزاء على مقدار تأثير الإيمان والعمل الصالح فى النفس وتزكيتها وطهارتها من أدران الشرور والآثام.
(وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً) أي فهؤلاء يعذبون عذابا مؤلما يستحقونه بحسب سنته أيضا، لكن لا يزيدهم على ما يستحقون شيئا لأن رحمته سبقت غضبه، فهو يجازى المحسن على إحسانه بالعدل والفضل، ويجازى المسيء على إساءته بالعدل.
(وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) أي ولا يجدون لهم من غير الله تعالى وليا يلى أمورهم ويدبر مصالحهم، ولا نصيرا ينصرهم من بأسه ويرفع عنهم العذاب، إذ لا عاصم اليوم من أمر الله «يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ».
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٧٤ الى ١٧٥]
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥)
35
المعنى الجملي
بعد أن حاجّ أهل الزيغ والضلال جميعا، فحاجّ النصارى فى الآية السابقة، وحاج اليهود فى الآية التي قبلها، وحاج المنافقين والمشركين أثناء السورة وفى سور كثيرة غيرها، وأقام الحجة عليهم جميعا وظهرت نبوة محمد ﷺ ظهور الشمس فى رائعة النهار- نادى الناس كافة ودعاهم إلى اتباع برهانه والاهتداء بنوره.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي قد جاءكم من قبل ربكم برهان جلىّ يبين لكم حقيقة الإيمان به وبجميع ما أنتم فى حاجة إليه من أمر دينكم مؤيد بالدلائل والبينات، ألا وهو النبي الأمى الذي هو برهان على حقية ما جاء به بسيرته العملية، ودعوته التشريعية، فإن أمّيّا لم يتعلم فى مدرسة ولم يعن فى طفولته بما كان يسمى عند قومه علما كالشعر والنسب وأيام العرب بل ترك ولدان المشركين وشأنهم ولم يحضر سمّار قومه ولا معاهد لهوهم، ولم يحظ من التربية المنزلية والتأديب الاجتماعى فى أول نشأته ما يؤهله للمنصب الذي تصدّى له فى كهولته، وهو تربية الأمم تربية دينية اجتماعية سياسية حربية، وهو مع هذا قد قام به على أتم وجه وأكمل طريق- لهو برهان على عناية الله به، وتأييده إياه بوحيه وهديه.
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) أي وأنزلنا إليكم بما أوحينا إليه كتابا هو كالنور فى الهداية للناس، مبينا لكل ما أنزل لبيانه من توحيد الله وربوبيته وهو المقصد الأعلى الذي بعث به جميع الرسل وكان كل منهم يدعو أمته إليه ويستجيب له الناس بقدر استعدادهم لفهم حقيقته، ثم لا يلبثون أن يشوّهوه بالشرك وضروب الوثنية التي تدنس النفوس وتهبط بها من أوج العزة والكرامة إلى المهانة والذلة بالخضوع لبعض مخلوقات من جنسهم أو من أجناس أخرى.
بعد أن حاجّ أهل الزيغ والضلال جميعا، فحاجّ النصارى فى الآية السابقة، وحاج اليهود فى الآية التي قبلها، وحاج المنافقين والمشركين أثناء السورة وفى سور كثيرة غيرها، وأقام الحجة عليهم جميعا وظهرت نبوة محمد ﷺ ظهور الشمس فى رائعة النهار- نادى الناس كافة ودعاهم إلى اتباع برهانه والاهتداء بنوره.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي قد جاءكم من قبل ربكم برهان جلىّ يبين لكم حقيقة الإيمان به وبجميع ما أنتم فى حاجة إليه من أمر دينكم مؤيد بالدلائل والبينات، ألا وهو النبي الأمى الذي هو برهان على حقية ما جاء به بسيرته العملية، ودعوته التشريعية، فإن أمّيّا لم يتعلم فى مدرسة ولم يعن فى طفولته بما كان يسمى عند قومه علما كالشعر والنسب وأيام العرب بل ترك ولدان المشركين وشأنهم ولم يحضر سمّار قومه ولا معاهد لهوهم، ولم يحظ من التربية المنزلية والتأديب الاجتماعى فى أول نشأته ما يؤهله للمنصب الذي تصدّى له فى كهولته، وهو تربية الأمم تربية دينية اجتماعية سياسية حربية، وهو مع هذا قد قام به على أتم وجه وأكمل طريق- لهو برهان على عناية الله به، وتأييده إياه بوحيه وهديه.
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) أي وأنزلنا إليكم بما أوحينا إليه كتابا هو كالنور فى الهداية للناس، مبينا لكل ما أنزل لبيانه من توحيد الله وربوبيته وهو المقصد الأعلى الذي بعث به جميع الرسل وكان كل منهم يدعو أمته إليه ويستجيب له الناس بقدر استعدادهم لفهم حقيقته، ثم لا يلبثون أن يشوّهوه بالشرك وضروب الوثنية التي تدنس النفوس وتهبط بها من أوج العزة والكرامة إلى المهانة والذلة بالخضوع لبعض مخلوقات من جنسهم أو من أجناس أخرى.
36
ولما تغلغلت الوثنية فى جميع الأديان المعروفة وأفسدتها على أهلها، أنزل الله لهداية البشر هذا النور المبين وهو القرآن، فبين لمن يفهم لغته حقيقة التوحيد بالدلائل والبراهين الكونية والعقلية مع ضرب الأمثال وذكر شىء من القصص لكشف ما ران على هذه العقيدة من شهات المضلين وأوهام الضالين التي مزجتها بالشرك.
هذا البيان الذي جاء به القرآن لتقرير التوحيد واجتثاث جذور الوثنية لم يكن معهودا مثله من الحكماء ولا من الأنبياء، فمن ثم وجب أن يكون من رب العالمين «وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ».
والخلاصة- إن محمدا النبي الأمى ﷺ كان برهانا على حقية دينه، وكتابه القرآن أنزل من العلم الإلهى ولم يكن لعلمه الكسبي أن يأتى بمثله، وأنزل نورا مبيّنا لجميع الناس ما هم فى حاجة إليه فى معاشهم ومعادهم ليتدبروا آياته ويسعدوا به فى حياتهم الدنيا وينالوا به الخير فى العقبى.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ) الاعتصام التمسك بما يعصم ويحفظ، أي فأما الذين يعتصمون بهذا القرآن فيدخلهم الله فى رحمة خاصة منه لا يدخل فيها سواهم، وفضل خاصّ لا يتفضل به على غيرهم، ولكنه يختص من يشاء بما شاء من أنواعهما. وقال ابن عباس: الرحمة الجنة، والفضل ما يتفضل به عليهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
(وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أي ويهديهم طريقا قويما وهداية خاصة تبلّغهم السعادة فى الدنيا بالعزة والكرامة وفى الآخرة بالجنة والرضوان، وهذا الصراط المستقيم لا يهدى إليه إلا الاعتصام بالقرآن الكريم واتباع سنة سيد المرسلين، والمراد أنه يوقفهم ويثبّتهم على تلك الهداية إلى الصراط المستقيم وسكت عن القسم الآخر المقابل لهؤلاء المؤمنين المعتصمين للإيذان بأنه بعد ظهور البرهان لا ينبغى أن يوجد، وإن وجد لا يؤبه له ولا يهتمّ بشأنه.
هذا البيان الذي جاء به القرآن لتقرير التوحيد واجتثاث جذور الوثنية لم يكن معهودا مثله من الحكماء ولا من الأنبياء، فمن ثم وجب أن يكون من رب العالمين «وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ».
والخلاصة- إن محمدا النبي الأمى ﷺ كان برهانا على حقية دينه، وكتابه القرآن أنزل من العلم الإلهى ولم يكن لعلمه الكسبي أن يأتى بمثله، وأنزل نورا مبيّنا لجميع الناس ما هم فى حاجة إليه فى معاشهم ومعادهم ليتدبروا آياته ويسعدوا به فى حياتهم الدنيا وينالوا به الخير فى العقبى.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ) الاعتصام التمسك بما يعصم ويحفظ، أي فأما الذين يعتصمون بهذا القرآن فيدخلهم الله فى رحمة خاصة منه لا يدخل فيها سواهم، وفضل خاصّ لا يتفضل به على غيرهم، ولكنه يختص من يشاء بما شاء من أنواعهما. وقال ابن عباس: الرحمة الجنة، والفضل ما يتفضل به عليهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
(وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) أي ويهديهم طريقا قويما وهداية خاصة تبلّغهم السعادة فى الدنيا بالعزة والكرامة وفى الآخرة بالجنة والرضوان، وهذا الصراط المستقيم لا يهدى إليه إلا الاعتصام بالقرآن الكريم واتباع سنة سيد المرسلين، والمراد أنه يوقفهم ويثبّتهم على تلك الهداية إلى الصراط المستقيم وسكت عن القسم الآخر المقابل لهؤلاء المؤمنين المعتصمين للإيذان بأنه بعد ظهور البرهان لا ينبغى أن يوجد، وإن وجد لا يؤبه له ولا يهتمّ بشأنه.
37
[سورة النساء (٤) : آية ١٧٦]
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦)المعنى الجملي
بعد أن تكلم فى أول السورة فى أحكام الأموال، ختم آخرها بذلك ليكون الآخر مشاكلا للأول، والوسط مشتمل على المناظرة مع فرق المخالفين للدين.
روى أحمد والشيخان وأصحاب السنن عن جابر بن عبد الله قال: «دخل علىّ رسول الله ﷺ وأنا مريض لا أعقل فتوضأ ثم صبّ علىّ فعقلت، فقلت إنه لا يرثنى إلا كلالة فكيف الميراث؟ فنزلت آية الميراث (يريد هذه الآية) ».
وروى ابن عبد الرزاق وابن جرير عن ابن سيرين قال نزلت (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) والنبي ﷺ فى مسير له وإلى جنبه حذيفة بن اليمان فبلغها النبىّ ﷺ حذيفة، وبلغها حذيفة عمر بن الخطاب وهو يسير خلفه، فلما استخلف عمر سأل عنها حذيفة ورجا أن يكون عنده تفسيرها، فقال له حذيفة:
والله إنك لعاجز إن ظننت أن إمارتك تحملني على أن أحدثك ما لم أحدّثك يومئذ فقال عمر لم أرد هذا رحمك الله»
قال الخطابي: أنزل الله فى الكلالة آيتين إحداهما فى الشتاء وهى التي فى أول سورة النساء وفيها إجمال وإبهام لا يكاد يتبين المعنى من ظاهرها، ثم أنزل الآية الأخرى فى الصيف وهى التي فى آخرها وفيها من زيادة البيان ما ليس فى آية الشتاء، فأحال السائل عليها ليتبين المراد بالكلالة المذكورة فيها اه.
38
الإيضاح
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) الكلالة: ما عدا الوالد والولد من القرابة وقيل الإخوة من الأم، قال فى لسان العرب- وهو المستعمل- والمعنى يطلبون منك أيها النبي الفتيا فيمن يورث كلالة كجابر بن عبد الله ليس له والد ولا ولد وله أخوات من العصبة لم يفرض لهم شىء فى التركة من قبل، وإنما فرض للإخوة من الأم، السدس للواحد منهم والثلث لما زاد على الواحد وهم شركاء فيه مهما كثروا لأنه ميراث أمهم ليس لها سواه، فقل لهم جوابا عما سألتم عنه.
(إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) هلك مات- أي إن هلك امرؤ غير ذى ولد والحال أن له أختا من أبويه معا أو من أبيه فقط فلها نصف ما ترك.
(وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) أي والأخ يرث أخته إذا ماتت إن لم يكن لها ولد ذكر ولا أنثى، ولا والد يحجبه عن إرثها، وإنما أطلق الإرث ولم يبين النصيب لأن الأخ ليس صاحب فرض معين بحيث لا يزيد ولا ينقص بل هو عصبة يحوز كل التركة عند عدم وجود أحد من أصحاب الفروض، وعند وجود أحد منهم يرث هو معه كلالة جميع ما بقي.
(فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) فإن كان من يرث بالأخوّة أختين فلهما الثلثان مما ترك أخوهما كلالة، وكذا إن كن أكثر من ثنتين كأخوات جابر فقد كن سبعا أو تسعا والباقي لمن يوجد من العصبة إن لم يكن هناك أحد من أصحاب الفروض كالزوجة وإلا أخذ كل ذى فرض فرضه أوّلا.
(وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) أي وإن كان من يرثون بالأخوّة كلالة ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين كما هى القاعدة
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) الكلالة: ما عدا الوالد والولد من القرابة وقيل الإخوة من الأم، قال فى لسان العرب- وهو المستعمل- والمعنى يطلبون منك أيها النبي الفتيا فيمن يورث كلالة كجابر بن عبد الله ليس له والد ولا ولد وله أخوات من العصبة لم يفرض لهم شىء فى التركة من قبل، وإنما فرض للإخوة من الأم، السدس للواحد منهم والثلث لما زاد على الواحد وهم شركاء فيه مهما كثروا لأنه ميراث أمهم ليس لها سواه، فقل لهم جوابا عما سألتم عنه.
(إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) هلك مات- أي إن هلك امرؤ غير ذى ولد والحال أن له أختا من أبويه معا أو من أبيه فقط فلها نصف ما ترك.
(وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) أي والأخ يرث أخته إذا ماتت إن لم يكن لها ولد ذكر ولا أنثى، ولا والد يحجبه عن إرثها، وإنما أطلق الإرث ولم يبين النصيب لأن الأخ ليس صاحب فرض معين بحيث لا يزيد ولا ينقص بل هو عصبة يحوز كل التركة عند عدم وجود أحد من أصحاب الفروض، وعند وجود أحد منهم يرث هو معه كلالة جميع ما بقي.
(فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) فإن كان من يرث بالأخوّة أختين فلهما الثلثان مما ترك أخوهما كلالة، وكذا إن كن أكثر من ثنتين كأخوات جابر فقد كن سبعا أو تسعا والباقي لمن يوجد من العصبة إن لم يكن هناك أحد من أصحاب الفروض كالزوجة وإلا أخذ كل ذى فرض فرضه أوّلا.
(وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) أي وإن كان من يرثون بالأخوّة كلالة ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين كما هى القاعدة
39
فى كل صنف اجتمع منه أفراد فى درجة واحدة إلا أولاد الأم فإنهم شركاء فى سدس أمهم لحلولهم محلها، ولولا ذلك لم يرثوا، إذ هم ليسوا من عصبة الميت.
(يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) أي يبين الله لكم أمور دينكم التي من أولها تفصيل هذه الأحكام كراهة أن تضلوا: أي لتتقوا بمعرفتها الضلال فى قسمة التركات وغيرها.
(وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فهو لم يشرع لكم من الأحكام إلا ما علم أن فيه الخير لكم لصلاح أنفسكم، وذلك شأنه فى جميع أفعاله وأحكامه، فكلها موافقة للحكمة، دالة على واسع العلم وعظيم الرحمة.
(يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) أي يبين الله لكم أمور دينكم التي من أولها تفصيل هذه الأحكام كراهة أن تضلوا: أي لتتقوا بمعرفتها الضلال فى قسمة التركات وغيرها.
(وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فهو لم يشرع لكم من الأحكام إلا ما علم أن فيه الخير لكم لصلاح أنفسكم، وذلك شأنه فى جميع أفعاله وأحكامه، فكلها موافقة للحكمة، دالة على واسع العلم وعظيم الرحمة.
40