تفسير سورة الطلاق

أوضح التفاسير
تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير .
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ أي مستقبلات لها. والمراد ألا تطلق المرأة إلا في طهر لم تجامع فيه، ثم تخلى
-[٦٩٤]- حتى تنقضي عدتها ﴿وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ﴾ اضبطوها؛ فلا تزيدوا عليها، ولا تنقصوا منها ﴿لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ﴾ حتى تنقضي عدتهن ﴿وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾ هي الزنا: تخرج من بيتها لحتفها تخرج لترجم؛ إذ ما فائدة إحصاء العدة مع زناها؟ فربما علقت من الزاني بها ﴿بِفَاحِشَةٍ﴾ الأوامر هي ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾ التي لا يجوز تجاوزها ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ بتعريضها للعقاب ﴿فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ أيها المطلق ﴿لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ﴾ الطلاق ﴿أَمْراً﴾ أي لعل الله - وهو مقلب القلوب - يقلب قلبك من بغضها إلى محبتها، ومن طلاقها إلى رجعتها؛ فتراجعها وهي في بيتك، وتحت كنفك
﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ أي قاربن انقضاء عدتهن ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ﴾ راجعوهن؛ إن أردتم ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ بغير قصد إلحاق الضرر بهن بتلك المراجعة ﴿وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ على المراجعة، أو الطلاق. هذا وقد أجمع الفقهاء على وقوع الطلاق بمجرد إرادته والنطق به. وقد جرى العمل على ذلك في صدر الإسلام؛ وبذلك يكون المراد بالإشهاد: الإشهاد على المراجعة دون الطلاق. وقد خالف الشيعة الإجماع، وزعموا أن الطلاق بدون إشهاد: لغو، لا يقع، ولا يعتد به. وقد رأى بعض مفكري هذا العصر: منع وقوع الطلاق إلا أمام القاضي؛ وهو رأي فاسد يأباه صريح القرآن، وما سار عليه السلف الصالح من الأمة؛ فالطلاق يقع - بلا قيد ولا شرط - متى رغب الزوج في إيقاعه؛ ولا تستطيع قوة على ظهر الأرض منعه من هذا الحق الذي جعله الله تعالى متنفساً للزوجين (انظر مبحث الطلاق بآخر الكتاب) ﴿وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾
أي أدوا الشهادة لوجهه تعالى؛ لا من أجل المطلق أو المطلقة ﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ﴾ أي تلك الأحكام يتعظ بها وينتفع ﴿مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ القيامة، وما فيها من حساب وجزاء ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ﴾ في أموره ﴿يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً﴾ من كرب الدنيا والآخرة
﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ أي من حيث لا يخطر بباله. أو المراد ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ﴾ في معاملة أزواجه، ويتبع ما أمره الله تعالى به؛ في طلاقهن. أو إمساكهن ﴿يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً﴾ بأن يقيم له اعواجاجها إذا أمسكها، أو يبدله خيراً منها إذا طلقها «ويرزقه» مهراً ونفقة ﴿مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ عن الصادق المصدوق صلوات الله تعالى وسلامه عليه «إني لأعرف آية لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم؛ وهي: ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب» ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ أي كافيه. قال: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير: تغدو خماصاً وتروح بطاناً» (انظر آية ٨١ من سورة النساء)
-[٦٩٥]- ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ منفذ أمره ومراده ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ شرعه؛ كالطلاق، والعدة ونحوهما ﴿قَدْراً﴾ زمناً لازماً؛ لا يجوز نقصانه
﴿وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ﴾ لكبر سنهن ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ أي إن شككتم في عدتهن، أو إن شككتم فيما ينزل منهن: أهو حيض، أم استحاضة؟ ﴿وَاللاَّتِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ لصغرهن؛ فعدتهن ثلاثة أشهر أيضاً ﴿وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ﴾ النساء الحوامل ﴿أَجَلُهُنَّ﴾ انتهاء عدتهن ﴿أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ أن يلدن؛ ولو بعد الطلاق بدقائق معدودات ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ﴾ في أموره كلها ﴿يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً﴾
فيهون عليه كل شيء أراده: زواجاً، أو طلاقاً، أو غير ذلك
﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ﴾ يمح ﴿وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً﴾ في الآخرة
﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم﴾ أي مثل سكناكم، أو مكاناً من نفس مسكنكم ﴿مِّن وُجْدِكُمْ﴾ أي وسعكم، وقدر طاقتكم ﴿وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ﴾ في المسكن ﴿لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ﴾ وليفتدين أنفسهن منكم ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ أي أنفقوا عليهن مدة الرضاع ﴿وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾ أي ليكن أمركم بينكم بالمعروف: في شأن النساء، وإرضاع الأولاد؛ فلا يأمر أحدكم بظلم المرضع المطلقة، وهضم حقوقها، والنيل منها؛ ومن كان متكلماً فليقل خيراً أو ليصمت. أو هو أمر للآباء والأمهات بأن يفعلوا ما يجب عليهم بما يليق بالسنة، وتقتضيه المروءَة؛ فيبذل الأب أعلى ما يستطيع، وتقبل الأم أدنى ما تستطيع؛ وذلك لأنهما شريكان في الرضيع ﴿وَإِن تَعَاسَرْتُمْ﴾ أي تشددتم؛ كأن تتغالى الأم في زيادة النفقة، أو يتغالى الأب في الشح بها ﴿فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ هذا منتهى العتاب للأم على المعاسرة؛ أي فستقبل امرأة أخرى أن ترضع الصغير؛ وهي ليست له بأم
﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ﴾ أي لينفق ذو غني من غناه، الذي وسع به عليه الله ﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ أي ضيق عليه ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا﴾ أي ما أعطاها من الرزق ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾ هو وعد من الله تعالى بالتيسير على من أنفق قدر طاقته ووسعه. كأن سائلاً سأل: ذاك الموسع عليه قد أنفق من سعته؛ فما بال من ضيق عليه يؤمر بالإنفاق؟ فجاءت الإجابة على هذا السؤال، من لدن ذي الجلال: إن الإنفاق ما هو إلا علاج للإملاق ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾ ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً﴾ (انظر الآيات ٢٦٧ - ٢٧٤ من سورة البقرة)
﴿وَكَأِيِّن مِّن قَرْيَةٍ﴾ وكم من قرية ﴿عَتَتْ﴾ تمردت ﴿وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً﴾ منكراً عظيماً
﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا﴾ أي ذاقت الهلاك؛ الذي هو عاقبة أمرها ﴿وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً﴾ أي خسراناً وهلاكاً
﴿يأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ يا ذوي العقول ﴿قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً﴾ هو القرآن الكريم ﴿رَّسُولاً﴾ أي
-[٦٩٦]- وأرسل إليكم رسولاً. ويجوز أن يكون المعنى ﴿قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً﴾ أي شرفاً عظيماً:
«رسولاً» من لدنه ﴿لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ من الكفر إلى الإيمان، ومن الجهل إلى العلم (انظر آية ١٧ من سورة البقرة) ﴿قَدْ أَحْسَنَ﴾ في الجنة ﴿فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
﴿يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ﴾ بالوحي والأرزاق، والإحياء والإفناء ﴿بَيْنَهُنَّ﴾ أي بين السموات والأرض
696
سورة التحريم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

696
Icon