تفسير سورة الفرقان

تفسير البغوي
تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب معالم التنزيل المعروف بـتفسير البغوي .
لمؤلفه البغوي . المتوفي سنة 516 هـ

عبيد [١] اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ [أَبِي] [٢] شيبة حدثنا محمد بن أحمد [٣] الْكَرَابِيسِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ تَوْبَةَ [٤] أبو داود الأنصاري أنا محمد بن إبراهيم الشامي ثنا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] [٥] قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُنْزِلُوا النِّسَاءَ الْغُرَفَ، وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ الْكِتَابَةَ وَعَلِّمُوهُنَّ الغزل، وسورة النور».
تفسير سورة الفرقان
مكية [وهي سبع وسبعون آية] [٦]
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢)
تَبارَكَ، تَفَاعَلَ، مِنَ البركة، وعن ابْنِ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ جَاءَ بِكُلِّ بَرَكَةٍ، دَلِيلُهُ قَوْلُ الْحَسَنِ: مَجِيءُ الْبَرَكَةِ مِنْ قِبَلِهِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تَعَظَّمَ، الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ، أَيْ الْقُرْآنَ، عَلى عَبْدِهِ، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً، أَيْ: لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ. قِيلَ: النَّذِيرُ هُوَ الْقُرْآنُ. وَقِيلَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ صِفَةُ الْمَخْلُوقِ، فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً، فَسَوَّاهُ وَهَيَّأَهُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ لَا خَلَلَ فِيهِ وَلَا تَفَاوُتَ، وَقِيلَ: قَدَّرَ لِكُلِّ شَيْءٍ تَقْدِيرًا مِنَ الْأَجَلِ وَالرِّزْقِ، فَجَرَتِ الْمَقَادِيرُ عَلَى مَا خلق. قوله عزّ وجلّ:
- وأخرجه الحاكم ٢/ ٣٩٦ والبيهقي في «الشعب» ٢٤٥٣ من طريق عبد الوهاب بن الضحاك عن شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة.
- وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: بل موضوع، وآفته عبد الوهّاب بن الضحاك قال أبو حاتم: كذاب.
- وورد من حديث ابن عباس أخرجه ابن عدي ٢/ ١٥٣ ومن طريقه ابن الجوزي ٢/ ٢٦٨ وفيه جعفر بن نصر أعله ابن عدي به، وقال: حدّث عن الثقات بالبواطيل، وله أحاديث موضوعات عليهم.
(١) في المطبوع «عبد».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) تصحف في المطبوع «إبراهيم».
(٤) زيد في المطبوع «حدثنا».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيد في المطبوع وحده، ويشبه أن يكون من عمل النساخ أو بعض من علق على الكتاب قديما، والله أعلم.

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٣ الى ٨]

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (٣) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٦) وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧)
أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٨)
وَاتَّخَذُوا، يَعْنِي عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ، مِنْ دُونِهِ آلِهَةً، يَعْنِي: الْأَصْنَامَ، لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً، أَيْ دَفْعَ ضُرٍّ وَلَا جَلْبَ نَفْعٍ، وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً، أَيْ إِمَاتَةً وَإِحْيَاءً، وَلا نُشُوراً، أَيْ بَعْثًا بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا، يَعْنِي النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَأَصْحَابَهُ، إِنْ هَذا، مَا هَذَا الْقُرْآنُ، إِلَّا إِفْكٌ، كَذِبٌ، افْتَراهُ، اخْتَلَقَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الْيَهُودَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ عُبَيْدُ بْنُ الْخِضْرِ الْحَبَشِيُّ الْكَاهِنُ. وَقِيلَ: جَبْرٌ وَيَسَارٌ وَعَدَّاسُ بْنُ عُبَيْدٍ، كَانُوا بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَزَعَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ، قَالَ الله تعالى: فَقَدْ جاؤُ، يَعْنِي قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ، ظُلْماً وَزُوراً، أَيْ بِظُلْمٍ وَزُورٍ. فَلَمَّا حَذَفَ الْبَاءَ انْتُصِبَ، يَعْنِي جَاؤُوا شِرْكًا وَكَذِبًا بِنِسْبَتِهِمْ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى الْإِفْكِ وَالِافْتِرَاءِ.
وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها، يَعْنِي النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِمَّا سَطَّرَهُ الْأَوَّلُونَ مِثْلَ حَدِيثِ رُسْتُمَ وَإِسْفِنْدِيَارَ، اكْتَتَبَهَا انْتَسَخَهَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَبْرٍ وَيَسَارٍ وَعَدَّاسٍ، وَمَعْنَى اكْتَتَبَ يَعْنِي طَلَبَ أَنْ يُكْتَبَ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَكْتُبُ، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ، يَعْنِي تُقْرَأُ عَلَيْهِ لِيَحْفَظَهَا لَا لِيَكْتُبَهَا، بُكْرَةً وَأَصِيلًا، غُدْوَةً وَعَشِيًّا. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَدًّا عَلَيْهِمْ:
قُلْ أَنْزَلَهُ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ، يَعْنِي الْغَيْبَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.
وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ، يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَأْكُلُ الطَّعامَ، كَمَا نَأْكُلُ نَحْنُ، وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ، يَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا نَمْشِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْتَازَ عَنَّا بِالنُّبُوَّةِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُ لَسْتَ أَنْتَ بملك [ولا يملك] [١]، لِأَنَّكَ تَأْكُلُ وَالْمَلَكِ لَا يَأْكُلُ، وَلَسْتَ بِمَلِكٍ لِأَنَّ الْمَلِكَ لَا يَتَسَوَّقُ، وَأَنْتَ تَتَسَوَّقُ وَتَتَبَذَّلُ.
وَمَا قَالُوهُ فَاسِدٌ لِأَنَّ أَكْلَهُ الطَّعَامَ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا وَمَشْيَهُ فِي الْأَسْوَاقِ لِتَوَاضُعِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ صِفَةٌ لَهُ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُنَافِي النبوة. لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ، فَيُصَدِّقُهُ، فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً، دَاعِيًا.
أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ، أَيْ: يُنْزَلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ مِنَ السَّمَاءِ يُنْفِقُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى التَّرَدُّدِ وَالتَّصَرُّفِ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ، أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ [أي] [٢] بُسْتَانٌ، يَأْكُلُ مِنْها، قَرَأَ حَمْزَةٌ وَالْكِسَائِيُّ «نَأْكُلُ» بِالنُّونِ أَيْ نَأْكُلُ نَحْنُ مِنْهَا، وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً، مَخْدُوعًا. وقيل: مصروفا عن الحق.
(١) سقط من المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٩ الى ١٤]

انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣)
لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤)
انْظُرْ، يَا مُحَمَّدُ، كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ، يَعْنِي الْأَشْبَاهَ، فَقَالُوا: مَسْحُورٌ مُحْتَاجٌ وَغَيْرُهُ، فَضَلُّوا، عَنِ الْحَقِّ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا، إِلَى الْهُدَى وَمَخْرَجًا عَنِ الضَّلَالَةِ.
تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ، الَّذِي قَالُوا أَوْ أَفْضَلَ مِنَ الْكَنْزِ وَالْبُسْتَانِ الَّذِي ذَكَرُوا، وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَعْنِي خَيْرًا مِنَ الْمَشْيِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالتَّمَاسِ الْمَعَاشِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ الْخَيْرَ فَقَالَ: جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً، بُيُوتًا مُشَيَّدَةً، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ بَيْتٍ مُشَيَّدٍ قَصْرًا، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ بِرِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَيَجْعَلُ بِرَفْعِ اللَّامِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِجَزْمِهَا عَلَى مَحَلُّ الْجَزَاءِ في قوله: إن شاء الله جَعْلَ لَكَ.
«١٥٥٢» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ [أَحْمَدَ] [١] بْنِ الْحَارِثِ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ [٢] اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَرْضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا فَقُلْتُ: لَا يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أشبع يوما وأجوع يوما،- أو قال ثَلَاثًا- أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ».
«١٥٥٣» حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عبيد الله الفارسي أنا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصالحاني أنا
١٥٥٢- إسناده ضعيف جدا. عبيد الله بن زحر وثقه قوم وضعفه آخرون، وعلي بن يزيد متروك الحديث، القاسم بن عبد الرحمن ضعفه أحمد وغيره، وقد ورد بهذا الإسناد أحاديث كثيرة واهية.
- وهو في «شرح السنة» ٣٩٣٩ بهذا الإسناد.
- وهو في «الزهد ابن المبارك» بإثر ١٩٦ «زيادات نعيم بن حماد» عن يحيى بن أيوب بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٢٣٤٧ وابن سعد ١/ ٢٨٩ وأبو الشيخ في «أخلاق النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ٨٣٧ من طرق عن ابن المبارك به.
- وأخرجه أبو الشيخ ٨٣٦ من طريق مُطَّرِحِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ الله بن زحر به.
١٥٥٣- صدره إلى «الكعبة» دون «جاءني مالك» ضعيف، وباقي الحديث له شواهد يصح بها إن شاء الله.
- إسناده ضعيف لضعف أبي معشر، واسمه نجيح السندي، وبخاصة في المقبري، وقال أبو حاتم الرازي لم يسمع سعيد من عائشة. سعيد المقبري هو ابن أبي سعيد.
- وهو في «شرح السنة» ٣٥٧٧ بهذا الإسناد.
- وهو في «مسند أبي يعلى» ٤٩٢٠ عن محمد بن بكار بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو الشيخ ٦١٠ عن أبي يعلى بهذا الإسناد.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» ٩/ ١٩ وقال: رواه أبو يعلى وإسناده حسن.
(١) زيادة من المخطوط.
(٢) زيادة من المخطوط. [.....]
436
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ المعروف بأبي الشيخ أنا أبو يعلى ثنا محمد بن بكار ثنا أَبُو مِعْشَرٍ عَنْ سَعِيدِ يَعْنِي الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «يا عائشة لَوْ شِئْتُ لَسَارَتْ مَعِيَ جِبَالُ الذَّهَبِ جَاءَنِي مَلَكٌ إِنَّ حُجْزَتَهُ لَتُسَاوِي الْكَعْبَةَ، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ إِنْ شِئْتَ نَبِيًّا عَبْدًا، وَإِنْ شِئْتَ نَبِيًّا مَلِكًا فَنَظَرْتُ إِلَى جِبْرِيلَ فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنْ ضَعْ نَفْسَكَ، [وفي رواية ابن عباس: فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير له فأشار جبريل بيده أن تواضع] [١]، فقلت: نبيا عبدا» قالت [٢] : فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَأْكُلُ مُتَّكِئًا يَقُولُ: «آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ العبد».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ، بِالْقِيَامَةِ، وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً، نَارًا مُسْتَعِرَةً.
إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ، قَالَ الْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ: مِنْ مَسِيرَةِ عَامٍ. وَقِيلَ: مِنْ مَسِيرَةِ مِائَةِ سَنَةٍ.
وقيل: خمسمائة سنة.
«١٥٥٤» روي [٣] عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْنَ عَيْنَيْ جَهَنَّمَ مَقْعَدًا».
قَالُوا: وَهَلْ لَهَا مِنْ عَيْنَيْنِ؟ قَالَ: «نَعَمْ ألم تسمعوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ».
وَقِيلَ: إِذَا رَأَتْهُمْ زَبَانِيَتُهَا. سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً، غَلَيَانًا كَالْغَضْبَانِ إِذَا غَلَى صَدْرُهُ مِنَ الْغَضَبِ.
وَزَفِيراً صَوْتًا فَإِنْ قيل: كيف يستمع التَّغَيُّظَ؟ قِيلَ: مَعْنَاهُ رَأَوْا وَعَلِمُوا أَنَّ لَهَا تَغَيُّظًا وَسَمِعُوا لَهَا زفيرا، كما قال الشاعر:
- كذا قال رحمه الله والصواب أن إسناده ضعيف. قال الذهبي في «الميزان» ٤/ ٢٤٦ قال ابن معين: ليس بقوي، وضعفه علي المديني، وقال: كان يحدث عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب بأحاديث صالحة، وكان يحدث عن المقبري ونافع بأحاديث منكرة، وضعفه النسائي والدارقطني، وقال البخاري وغيره: منكر الحديث.
١٥٥٤- ضعيف جدا. أخرجه الطبري ٢٦٢٨٧ عن خالد بن دريك عن رجل من الصحابة، وإسناده ضعيف فيه أصبغ بن زيد ضعفه ابن سعد، ووثقه ابن معين، وله علة ثانية: خالد بن دريك روايته عن الصحابة، مرسلة، فالخبر واه، وتواتر لفظ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مقعده من النار». والوهن في تمام الحديث مع لفظ «عينيّ جهنم».
(١) تنبيه: ما بين المعقوفتين أي رواية ابن عباس هي عند المصنف في «شرح السنة» ٣٥٧٨ وأبي الشيخ في «أخلاق النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ٦١١ وإسناده لين من أجل مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الله بن عباس، فإنه مقبول، لكن يصلح حديثه في الشواهد.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» ٣٥٧٨ من طريق مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس عن أبيه.
- وللحديث شواهد منها:
- وحديث أبي أمامة وهو الحديث المتقدم، إلا أنه شديد الضعف، فلا فائدة منه.
- وحديث أبي هريرة أخرجه أحمد ٢/ ٢٣١ وأبو يعلى ٦١٠٥ والبزار ٦٤٦٢ وابن حبان ٦٣٦٥ وإسناده صحيح وذكره الهيثمي في «المجمع» ٩/ ١٨ وقال: ورجاله رجال الصحيح.
- وحديث ابن عمر أخرجه الطبراني ١٣٣٠٩ وإسناده ضعيف، لضعف يحيى بن عبد الله البابلتي كما في «المجمع» ٨/ ٣٣٢ لكن يصلح شاهدا.
- ومرسل الزهري أخرجه ابن سعد ١/ ٢٨٨.
- ومرسل محمد بن عمير أخرجه المصنف في «شرح السنة» ٣٥٧٥.
- الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده دون صدره إلى قوله «لتساوي الكعبة».
(٢) في المطبوع «قال».
(٣) في المطبوع «ثبت».
437
وَرَأَيْتُ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا
أَيْ وَحَامِلًا رُمْحًا. وَقِيلَ: سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا أَيْ: صَوْتَ التَّغَيُّظِ مِنَ التَّلَهُّبِ وَالتَّوَقُّدِ. قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: تَزْفُرُ جَهَنَّمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ زَفْرَةً فَلَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلَّا خَرَّ لِوَجْهِهِ.
وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً، قَالَ ابن عباس: يضيق عليهم الزُّجُّ فِي الرُّمْحِ، مُقَرَّنِينَ، مُصَفَّدِينَ قَدْ قُرِنَتْ أَيْدِيهِمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ فِي الْأَغْلَالِ. وَقِيلَ: مُقَرَّنِينَ مَعَ الشَّيَاطِينِ فِي السَّلَاسِلِ، دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَيْلًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هَلَاكًا.
«١٥٥٥» وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى حُلَّةً مِنَ النَّارِ إِبْلِيسُ، فَيَضَعُهَا عَلَى حَاجِبَيْهِ وَيَسْحَبُهَا مِنْ خَلْفِهِ وَذُرِّيَّتُهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا ثُبُورَاهُ، وَهُمْ يُنَادُونَ يَا ثُبُورَهُمْ حتى يقفوا على النار فينادي [١] يا ثبوراه وينادون [٢] يَا ثُبُورَهُمْ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤)، قِيلَ: أَيْ هَلَاكُكُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تَدْعُوا مَرَّةً واحدة فادعوا أدعية كثيرة.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١٥ الى ١٧]
قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ أَذلِكَ، يَعْنِي الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ صِفَةِ النَّارِ وَأَهْلِهَا، خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً، ثَوَابًا، وَمَصِيراً، مَرْجِعًا.
لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا (١٦)، مطلوبا، ذلك أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ سَأَلُوا رَبَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حِينَ قَالُوا رَبَّنَا وَآتِنَا ما وعدتنا على رسلك، يَقُولُ: كَانَ أَعْطَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ جَنَّةَ خُلْدٍ وَعْدًا وَعَدَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا وَمَسْأَلَتُهُمْ إياه ذلك. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: الطَّلَبُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ [غَافِرِ: ٨].
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَحَفْصٌ «يَحْشُرُهُمْ»
بِالْيَاءِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنُّونِ، وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَعِيسَى وَعُزَيْرٍ. وقال
١٥٥٥- ضعيف، أخرجه أحمد ٣/ ١٥٢ و١٥٤ و٢٤٩ وابن أبي شيبة ١٣/ ١٦٨ والبزار ٣٤٩٥ «الكشف» والطبري ٢٦٢٩٤ والخطيب ١١/ ٢٥٣ والواحدي في «الوسيط» ٣/ ٣٣٦ وأبو نعيم ٦/ ٢٥٦ من حديث أنس.
وإسناده ضعيف، لضعف علي بن زيد، وقد تفرد به.
وصححه السيوطي في «الدر» ٥/ ١١٧ فلم يصب.
وقال الهيثمي في «المجمع» ١٨٦١١ رجاله رجال الصحيح، غير علي بن زيد، وقد وثق.
وفيما قاله نظر، إذ كان عليه أن يضعف علي بن زيد وقد ضعفه الجمهور، وهو الذي استقر عليه ابن حجر في «التقريب» حيث قال: ضعيف، وعبارة الهيثمي توهم أنه لم يضعف، وقد وثقه بعضهم.
(١) في المطبوع «فينادون».
(٢) في المطبوع «وينادي».
عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْأَصْنَامَ ثُمَّ يُخَاطِبُهُمْ [١]، فَيَقُولُ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِالنُّونِ وَالْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ، أخطأوا الطريق.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١٨ الى ٢٠]
قالُوا سُبْحانَكَ مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠)
قالُوا سُبْحانَكَ، نَزَّهُوا اللَّهَ مِنْ أن يكون معه آلهة، مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ، يَعْنِي مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُوَالِيَ أَعْدَاءَكَ بَلْ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ. وَقِيلَ: مَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْمُرَهُمْ بِعِبَادَتِنَا وَنَحْنُ نَعْبُدُكَ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ «أَنْ نُتَّخَذَ» بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْخَاءِ فَتَكُونُ «مِنْ» الثَّانِي صِلَةٌ، وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ، فِي الدُّنْيَا بِطُولِ الْعُمْرِ وَالصِّحَّةِ وَالنِّعْمَةِ، حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ، تَرَكُوا الْمَوْعِظَةَ وَالْإِيمَانَ بِالْقُرْآنِ. وَقِيلَ: تَرَكُوا ذِكْرَكَ وَغَفَلُوا عَنْهُ، وَكانُوا قَوْماً بُوراً، يَعْنِي هَلْكَى غَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءُ وَالْخِذْلَانُ، رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ بَائِرٌ، وَقَوْمٌ بُورٌ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْبَوَارِ وَهُوَ الْكَسَادُ وَالْفَسَادُ، وَمِنْهُ بَوَارُ السِّلْعَةِ وَهُوَ كَسَادُهَا. وَقِيلَ هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ كَالزُّورِ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكِّرُ وَالْمُؤَنَّثُ.
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ، هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، أَيْ: كَذَّبَكُمُ الْمَعْبُودُونَ، بِما تَقُولُونَ، إِنَّهُمْ آلِهَةٌ، فَما تَسْتَطِيعُونَ، قَرَأَ حَفْصٌ بِالتَّاءِ يَعْنِي الْعَابِدِينَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ يَعْنِي: الْآلِهَةُ. صَرْفاً يعني صرف الْعَذَابِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلا نَصْراً يَعْنِي وَلَا نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ. وَقِيلَ: وَلَا نَصْرَكُمْ أَيُّهَا الْعَابِدُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ بِدَفْعِ الْعَذَابِ عَنْكُمْ وَقِيلَ الصَّرْفُ الْحِيلَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ: إِنَّهُ لِيَصْرِفَ أَيْ يَحْتَالُ، وَمَنْ يَظْلِمْ، يُشْرِكْ، مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، يَا مُحَمَّدُ، إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ.
«١٥٥٦» رَوَى الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا عَيَّرَّ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ.
يَعْنِي مَا أَنَا إِلَّا رَسُولٌ وَمَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ، وَهُمْ كَانُوا بَشَرًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا قِيلَ لَهُمْ مِثْلَ هَذَا أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ، وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً، أَيْ بَلِيَّةً فَالْغَنِيُّ فِتْنَةً لِلْفَقِيرِ، يَقُولُ الْفَقِيرَ مَا لِي لَمْ أَكُنْ مَثَلَهُ، وَالصَّحِيحُ فِتْنَةً لِلْمَرِيضِ، وَالشَّرِيفُ فِتْنَةً لِلْوَضِيعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ جَعَلْتُ بَعْضَكُمْ بَلَاءً لِبَعْضٍ لِتَصْبِرُوا عَلَى مَا تَسْمَعُونَ مِنْهُمْ، وَتَرَوْنَ مِنْ خِلَافِهِمْ [٢]، وَتَتْبَعُوا الْهُدَى.
١٥٥٦- ضعيف جدا. أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» ٦٥٥ من طريق جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عباس مطوّلا.
وجويبر متروك، والضحاك لم يلق ابن عباس.
(١) في المخطوط «يخاطبها».
(٢) في المخطوط «أخلاقكم».
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي ابْتِلَاءِ الشَّرِيفِ بِالْوَضِيعِ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرِيفَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ فَرَأَى الْوَضِيعَ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ أَنِفَ، وَقَالَ أُسْلِمُ بَعْدَهُ فَيَكُونُ لَهُ عَلَيَّ السَّابِقَةَ وَالْفَضْلَ، فَيُقِيمُ عَلَى كُفْرِهِ وَيَمْتَنِعُ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَذَلِكَ افْتِتَانُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْكَلْبِيِّ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَالْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ وَالنَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا أَبَا ذَرٍّ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَعَمَّارًا وَبِلَالًا وَصُهَيْبًا وَعَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ وَذَوِيهِمْ قَالُوا نُسْلِمُ فَنَكُونُ مِثْلَ هَؤُلَاءِ [١].
وقال مقاتل: نَزَلَتْ فِي ابْتِلَاءِ فُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُسْتَهْزِئِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، كَانُوا يَقُولُونَ انْظُرُوا إِلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا مُحَمَّدًا مِنْ مَوَالِينَا وَأَرَاذِلِنَا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ: أَتَصْبِرُونَ يعني على هذه الحال مِنَ الْفَقْرِ وَالشِّدَّةِ وَالْأَذَى، وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً، بِمَنْ صَبَرَ وَبِمَنْ جَزِعَ.
«١٥٥٧» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ [الْحِيرِيُّ] [٢] أَنَا أبو العباس الأصم ثنا زكريا بن يحيى المروزي ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُبَلِّغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْجِسْمِ فَلْيَنْظُرْ إلى من [هو] [٣] دونه في المال والجسم».
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٢١ الى ٢٣]
وَقالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لَا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣)
وَقالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا، أَيْ لَا يَخَافُونَ الْبَعْثَ، قَالَ الْفَرَّاءُ: الرَّجَاءُ بِمَعْنَى الْخَوْفِ لُغَةُ تِهَامَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) [نُوحٍ: ١٣] أَيْ: لَا تَخَافُونَ لِلَّهِ عظمة. لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ، فيخبرونا [٤] أَنَّ مُحَمَّدًا صَادِقٌ، أَوْ نَرى رَبَّنا، فَيُخْبِرُنَا بِذَلِكَ، لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا، أَيْ تَعَظَّمُوا. فِي أَنْفُسِهِمْ، بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً. قَالَ مجاهد: عتوا طغوا [قال مقاتل: عتوا غلوا] [٥] في القول والعتو أَشَدُّ الْكُفْرِ وَأَفْحَشُ الظُّلْمِ، وَعُتُوُّهُمْ طَلَبُهُمْ رُؤْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يُؤْمِنُوا به.
١٥٥٧- صحيح، إسناده حسن، زكريا بن يحيى صدوق حسن الحديث، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
- وهو في «شرح السنة» ٣٩٩٥ بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٢٤٣ وابن حبان ٧١٤ من طريق سفيان بن عيينة بنحوه.
- وأخرجه البخاري ٦٤٩٠ ومسلم ٢٩٦٣ ج ٨ يقين عن أبي الزناد به.
- وأخرجه مسلم ٢٩٦٣ وعبد الرزاق ٧١٤ وأحمد ٢/ ٣١٤ وابن حبان ٧١٢ من طريق معمر عن همام عن أبي هريرة بلفظ: «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضّل عليه».
وانظر الحديث المتقدم في سورة الحجر عند آية: ٨٨.
(١) عزاه المصنف لمقاتل، وإسناده إليه أول الكتاب، وهو معضل، ومقاتل إن كان ابن حبان ففيه ضعف، وإن كان ابن سليمان فهو كذاب، وبكل حال الخبر غير حجة.
(٢) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «فتخبرنا».
(٥) زيادة عن المخطوط.
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: فِي الْقِيَامَةِ. لَا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ، لِلْكَافِرِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُبَشِّرُونَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَقُولُونَ لِلْكُفَّارِ لَا بُشْرَى لَكُمْ، هَكَذَا قَالَ عَطِيَّةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُشْرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُجْرِمِينَ، أَيْ لَا بِشَارَةَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، كَمَا يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُونَ. وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً، قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، إِلَّا مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِذَا خَرَجَ الْكُفَّارُ مِنْ قُبُورِهِمْ قَالَتْ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ: حَرَامًا مُحَرَّمًا عَلَيْكُمْ أن تكون لَكُمُ الْبُشْرَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا قَوْلُ الْكُفَّارِ لِلْمَلَائِكَةِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا نَزَلَتْ بهم شدة ورأوا مَا يَكْرَهُونَ، قَالُوا حِجْرًا مَحْجُورًا، فَهُمْ يَقُولُونَهُ إِذَا عَايَنُوا الْمَلَائِكَةَ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي عَوْذًا مُعَاذًا يَسْتَعِيذُونَ بِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
وَقَدِمْنا، وَعَمَدْنَا، إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً، أَيْ باطلا لا ثواب له، لأنهم [١] لَمْ يَعْمَلُوهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْهَبَاءِ قَالَ عَلَيٌّ: هُوَ مَا يُرَى فِي الْكُوَّةِ إِذَا وَقَعَ ضَوْءُ الشَّمْسِ فِيهَا كالغبار [فلا] [٢] يَمَسُّ بِالْأَيْدِي، وَلَا يْرَى فِي الظِّلِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ ومجاهد، والمنثور:
والمفرّق، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ مَا تَسَفِّيهِ الرِّيَاحُ وَتَذْرِيهِ مِنَ التُّرَابِ وَحُطَامِ الشَّجَرِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ مَا يَسْطَعُ مِنْ حَوَافِرِ الدَّوَابِّ عِنْدَ السَّيْرِ. وَقِيلَ: الْهَبَاءُ الْمَنْثُورُ مَا يرى في الكوة والهباء الْمُنْبَثُّ هُوَ مَا تُطَيِّرُهُ الرِّيَاحُ من سنابك الخيل.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٢٤ الى ٢٩]
أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨)
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا أَيْ: مِنْ هؤلاء المشركين المستكبرين وَأَحْسَنُ مَقِيلًا، مَوْضِعَ قَائِلَةٍ يَعْنِي [أن] [٣] أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَمُرُّ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا قَدْرَ النَّهَارِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى وَقْتِ الْقَائِلَةِ حَتَّى يَسْكُنُوا مَسَاكِنَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا يَنْتَصِفُ النَّهَارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقِيلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ، وَقَرَأَ «ثُمَّ إن مقيلهم لا إلى الْجَحِيمِ» [٤] هَكَذَا كَانَ يَقْرَأُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْحِسَابُ ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي أَوَّلِهِ. وَقَالَ الْقَوْمُ: حِينَ قَالُوا فِي مَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: القيلولة والمقيل الِاسْتِرَاحَةُ نِصْفَ النَّهَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ ذَلِكَ نَوْمٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَأَحْسَنُ مَقِيلًا وَالْجَنَّةُ لَا نَوْمَ فِيهَا. وَيُرْوَى أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقْصَرُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يَكُونَ كَمَا بَيْنَ العصر إلى غروب الشمس.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ، أَيْ عَنِ الْغَمَامِ الْبَاءُ وَعَنْ يَتَعَاقَبَانِ كَمَا يُقَالُ رميت عن
(١) في المطبوع «فهم».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط «الجنة».
441
القوس بالقوس وَتَشَقَّقُ بِمَعْنَى تَتَشَقَّقُ، أَدْغَمُوا إِحْدَى التاءين في الأخرى، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَأَهْلُ الْكُوفَةِ بِتَخْفِيفِ الشِّينِ هَاهُنَا، وَفِي سُورَةِ «ق» [٤٤] بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَقَرَأَ الآخرون بالتشديد، أي تنشق بِالْغَمَامِ وَهُوَ غَمَامٌ أَبْيَضٌ رَقِيقٌ مِثْلُ الضَّبَابَةِ، وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تِيهِهِمْ. وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «وننزل» بِنُونَيْنِ خَفِيفٌ وَرَفْعُ اللَّامِ، «الْمَلَائِكَةَ» نصب.
قال ابن عباس: تنشقق السَّمَاءُ الدُّنْيَا فَيَنْزِلُ أَهْلُهَا وَهُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الجن والإنس، ثم تنشقق السَّمَاءُ الثَّانِيَةُ فَيَنْزِلُ أَهْلُهَا وَهُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَمِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، ثُمَّ كَذَلِكَ حتى تنشقق السَّمَاءُ السَّابِعَةُ وَأَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ يَزِيدُونَ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ الَّتِي قبلها، ثم ينزل الكروبيون [سادة الملائكة وهم المقربون] [١] ثُمَّ حَمَلَةُ الْعَرْشِ.
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ أَيْ الْمُلْكُ الَّذِي هُوَ الْمُلْكُ الْحَقُّ حَقًّا مُلْكُ الرَّحْمَنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا مُلْكَ يُقْضَى غَيْرُهُ. وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً، شَدِيدًا فَهَذَا الْخِطَابُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يكون على المؤمنين [٢] عَسِيرًا.
«١٥٥٨» وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ يُهَوِّنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهِمْ أَخَفَّ مِنْ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ صَلَّوْهَا فِي الدُّنْيَا».
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ أَرَادَ بِالظَّالِمِ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مَعِيطٍ.
«١٥٥٩» وَذَلِكَ أَنَّ عُقْبَةَ كَانَ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا صَنَعَ طَعَامًا فَدَعَا إِلَيْهِ أَشْرَافَ قَوْمِهِ، وَكَانَ يُكْثِرُ مُجَالَسَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ سَفَرٍ فَصَنَعَ طعاما فدعا الناس [على عادته] [٣] وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَرَّبَ الطَّعَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنَا بِآكِلٍ طَعَامَكَ حَتَّى تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» فَقَالَ عُقْبَةُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَعَامِهِ، وَكَانَ عُقْبَةُ صَدِيقًا لِأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ فَلَمَّا أَخْبَرَ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ قَالَ لَهُ: يَا عُقْبَةُ صَبَأْتَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا صَبَأْتُ وَلَكِنْ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ طَعَامِي إِلَّا أَنْ أَشْهَدَ لَهُ [أنه رسول الله] [٤] فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِي وَلَمْ يَطْعَمْ فَشَهِدَتُ لَهُ فَطَعَمَ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِالَّذِي أَرْضَى عَنْكَ أَبَدًا إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُ فتبرق فِي وَجْهِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عُقْبَةُ فقال عليه السلام:
١٥٥٨- يأتي في سورة المعارج عند آية: ٤ إن شاء الله.
١٥٥٩- أخرجه أبو نعيم في «الدلائل» ٤٠١ من طريق الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابن عباس.. فذكره مطوّلا.
والكلبي كذاب متهم وأبو صالح ضعيف.
- وأخرجه الطبري ٢٦٣٥١ عن مجاهد في قوله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ قال:
دعا عقبة بن أبي معيط النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى طعام صنعه إلى قوله.. فشهدت له، والشهادة ليست في نفسي.
- وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٦٥٧ و «الوسيط» ٣/ ٣٣٩ بدون إسناد.
الخلاصة: الخبر واه، وتخصيص الآية بواحد من بدع التأويل، بل «أل» في «الظالم» لاستغراق الجنس، فالآية تعم كل ظالم كافر، وعقبة داخل في العموم، ومثله أبي بن خلف، وغيرهما.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «المؤمن».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
442
«لَا أَلْقَاكَ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ إِلَّا عَلَوْتُ رَأْسَكَ بِالسَّيْفِ» فَقُتِلَ عُقْبَةُ يَوْمَ بَدْرٍ صَبْرًا وَأَمَّا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ فَقَتْلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ بِيَدِهِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَمَّا بَزَقَ عُقْبَةُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ بُزَاقُهُ فِي وَجْهِهِ فَاحْتَرَقَ خَدَّاهُ، وَكَانَ أَثَرُ ذَلِكَ فِيهِ حَتَّى الْمَوْتِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مَعِيطٍ خَلِيلَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فَأَسْلَمَ عُقْبَةُ فَقَالَ أُمَيَّةُ وَجْهِي مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ أَنْ بَايَعْتَ مُحَمَّدًا، فَكَفَرَ وَارْتَدَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ يَعْنِي عُقْبَةَ بن أبي معيط بْنِ [أُمَيَّةَ بْنِ] [١] عَبْدِ شَمْسٍ بْنِ مَنَافٍ عَلَى يَدَيْهِ نَدَمًا وَأَسَفًا عَلَى مَا فَرَّطَ فِي جَنْبِ اللَّهِ، وَأَوْبَقَ نَفْسَهُ بِالْمَعْصِيَةِ وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ بِطَاعَةِ خَلِيلِهِ الَّذِي صَدَّهُ عَنْ سَبِيلِ رَبِّهِ.
قَالَ عَطَاءٌ: يَأْكُلُ يَدَيْهِ حَتَّى تَبْلُغَ مرفقيه ثم تنبتان ثم يأكلهما [٢] هكذا كلما نبتت يداه أكلهما [٣] تَحَسُّرًا عَلَى مَا فَعَلَ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ، فِي الدُّنْيَا، مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، لَيْتَنِي اتَّبَعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّخَذْتُ مَعَهُ سَبِيلًا إِلَى الْهُدَى، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو «يَا لَيْتَنِيَ اتَّخَذْتُ» بِفَتْحِ الياء، والآخرون بإسكانها.
يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (٢٨)، يَعْنِي أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ.
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ، عَنِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ، بَعْدَ إِذْ جاءَنِي يَعْنِي الذَّكَرَ مَعَ الرَّسُولِ، وَكانَ الشَّيْطانُ، وَهُوَ كُلُّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَكُلُّ مَنْ صَدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَيْطَانٌ.
لِلْإِنْسانِ خَذُولًا، أَيْ تَارِكًا يَتْرُكُهُ وَيَتَبَرَّأُ مِنْهُ عِنْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ والعذاب، وحكم هذه الآيات عَامٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُتَحَابِّينَ اجتمعا على معصية اللَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] [٤].
«١٥٦٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل ثنا محمد بن العلاء أنا أبو أسامة عن بريد [٥] عن أبي برة عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا تجد منه ريحا خبيثة».
١٥٦٠- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو أسامة حماد بن أسامة، بريد هو ابن عبد الله بن أبي بردة الأشعري، أبو بردة، قيل اسمه عامر، وقيل: الحارث.
- وهو في «شرح السنة» ٣٣٧٧ بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» ٥٥٣٤ عن محمد بن العلاء بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٦٢٨ وابن حبان ٥٦ والقضاعي ١٣٨٠ من طرق عن محمد بن العلاء به.
- وأخرجه البخاري ٢١٠١ من طريق عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنِ بريد به.
- وأخرجه مسلم ٢٦٢٨ وأحمد ٤/ ٤٠٤ و٤٠٥، وابن حبان ٥٧٩ والقضاعي ١٣٨٠ من طرق عن سفيان بن عيينة به. [.....]
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «يأكل».
(٣) في المطبوع «يده أكلها» وكذا في «الوسيط» ٣/ ٣٣٩ والمثبت عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) تصحف في المطبوع «يزيد».
443
«١٥٦١» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ [أَنْبَأَنَا] [١] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حيوة بْنِ شُرَيْحٍ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ غَيْلَانَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ قَيْسٍ التُّجِيبِيَّ [٢] أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ- قَالَ سَالِمٌ أَوْ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ».
«١٥٦٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٣] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن أشكاب [٤] النيسابوري أنا أبو العباس الأصم ثنا حميد بن عياش الرملي أنا مؤمل بن إسماعيل ثنا زهير بن محمد الخراساني ثنا مُوسَى بْنُ وَرْدَانٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ».
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٣٠ الى ٣٦]
وَقالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦)
١٥٦١- إسناده حسن لأجل الوليد بن قيس، فقد وثقه ابن حبان والعجلي، وقد روى عنه غير واحد.
- وهو «شرح السنة» ٣٣٧٨ بهذا الإسناد.
- وهو في «زهد ابن الْمُبَارَكِ» ١٢٤ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ٤٨٣٢ والترمذي ٢٣٩٥ والطيالسي ٢٢١٣ وأحمد ٣/ ٣٨ وابن حبان ٥٥٤ و٥٥٥ و٥٦٠ من طرق عن ابن المبارك به.
- وأخرجه الدارمي ٢/ ١٠٣ والحاكم ٤/ ١٢٨ من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ عن حيوة بن شريح به.
- وأخرجه ابن حبان ٥٦٠ عن طريق ابن وهب به.
١٥٦٢- حسن، إسناده حسن في المتابعات، مؤمل بن إسماعيل صدوق كثير الخطأ، وقد ضعفه بعضهم، لكن تابعه غير واحد. وموسى بن وردان فيه لين وقد توبع بإسناد ضعيف.
- وهو في «شرح السنة» ٣٣٨٠ بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٣٠٣ من طريق مؤمل بن إسماعيل بهذا الإسناد.
- أخرجه أبو داود ٤٨٣٣ والترمذي ٢٣٧٨ كلاهما عن محمد بن بشار عن أبي عامر، وأبو داود قالا: حدثنا زهير بن محمد بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٣٣٤ والطيالسي ٢١٠٧ والقضاعي ١٨٧ والبيهقي في «الأدب» ٢٨٥ من طريقين عن زهير بن محمد به.-
وأخرجه الحاكم ٤/ ١٧١ من طريق أبي عامر عن زهير عن موسى بن هارون أنه سمع أبا هريرة به مرفوعا سكت عليه الحاكم! والذهبي! والظاهر أنه إسناد مقلوب، موسى بن هارون لم أجد له ترجمة والأشبه أنه موسى بن وردان لكن انقلب اسم أبيه.
- وأخرجه الحاكم ٤/ ١٧١ من طريق آخر عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أبي هريرة به، وصححه ووافقه الذهبي! وليس كما قالا، فيه صدقة بن عبد الله، وهو ضعيف وشيخه إبراهيم بن محمد الأنصاري قال عنه الذهبي في «الميزان» : ذو مناكير.
الخلاصة: هو حديث حسن بطريقه الأخير.
(١) في المطبوع «و».
(٢) تصحف في المطبوع «النجيبي».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) تصحف في المطبوع «كساب».
444
وَقالَ الرَّسُولُ، يَعْنِي: وَيَقُولُ الرَّسُولُ في ذلك اليوم: يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً، يعني مَتْرُوكًا فَأَعْرَضُوا عَنْهُ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِمَا فِيهِ.
وَقِيلَ: جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ الْهَجْرِ وَهُوَ الهذيان، والقول السيئ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ شِعْرٌ وَسِحْرٌ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيُّ وَمُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: قَالَ الرَّسُولُ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يشكو قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ: يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مهجورا فعزّاه الله تعالى [في الأمم السالفة] [١] فقال:
وَكَذلِكَ جَعَلْنا، يَعْنِي كَمَا جَعَلَنَا لَكَ أَعْدَاءً مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ كَذَلِكَ جَعْلَنَا، لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ. قَالَ مقاتل: يقول لا يكبرون عَلَيْكَ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَكَ قَدْ لقوا هَذَا مِنْ قَوْمِهِمْ فَاصْبِرْ لِأَمْرِي كَمَا صَبَرُوا فَإِنِّي نَاصِرُكَ وَهَادِيكَ، وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً، كَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى وَالْإِنْجِيلُ عَلَى عِيسَى وَالزَّبُورُ عَلَى داود، قال الله سبحانه وتعالى: كَذلِكَ، فعلنا، لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ، يعني أنزلناه مفرقا لِيَقْوَى بِهِ قَلْبُكَ فَتَعِيهِ وَتَحْفَظَهُ فَإِنَّ الْكُتُبَ أُنْزِلَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ يكتبون ويقرؤون، وَأَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ عَلَى نَبِيٍّ أُمِّيٍّ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ، وَلِأَنَّ مِنَ الْقُرْآنِ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، ومنه ما هو جواب إن سَأَلَ عَنْ أُمُورٍ فَفَرَّقْنَاهُ لِيَكُونَ أَوْعَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْسَرَ عَلَى الْعَامِلِ بِهِ. وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَيَّنَّاهُ بَيَانًا، وَالتَّرْتِيلُ التَّبْيِينُ في ترتل وَتَثَبُّتٍ [٢]. وَقَالَ السُّدِّيُّ: فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بَعْضُهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحُسْنُ [وَقَتَادَةُ] [٣] فَرَّقْنَاهُ تَفْرِيقًا آيَةً بَعْدَ آيَةٍ.
وَلا يَأْتُونَكَ، يَا مُحَمَّدُ يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، بِمَثَلٍ، يَضْرِبُونَهُ فِي إِبْطَالِ أَمْرِكَ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ، يَعْنِي بِمَا تَرُدُّ بِهِ مَا جاؤوا به من المثل وتبطله [عليهم] [٤]، فسمي ما يردون مِنَ الشُّبَهِ مَثَلًا، وَسُمِّي مَا يَدْفَعُ بِهِ الشُّبَهَ حَقًّا، وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً، يعني بيانا وتفصيلا، والتفسير تَفْعِيلٌ مِنَ الْفَسْرِ وَهُوَ كَشْفُ مَا قَدْ غُطِّيَ، ثُمَّ ذَكَرَ ما لهؤلاء الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ:
الَّذِينَ، أَيْ: هُمُ الَّذِينَ، يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ، فَيُسَاقُونَ وَيُجَرُّونَ، إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً، أَيْ مَكَانَةً وَمَنْزِلَةً، وَيُقَالُ مَنْزِلًا وَمَصِيرًا، وَأَضَلُّ سَبِيلًا، أَخْطَأُ طَرِيقًا.
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) [أي] مُعِيَنًا وَظَهِيرًا.
فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا، يَعْنِي الْقِبْطَ، فَدَمَّرْناهُمْ، فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ:
فكذبوهما فدمرناهم، تَدْمِيراً، [أي] أهلكناهم إهلاكا.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «ترتيل وتثبيت».
(٣) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٤) زيادة عن المخطوط.
445

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٣٧ الى ٤٠]

وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠)
وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ، أَيْ: الرَّسُولَ، وَمَنْ كَذَبَ رَسُولًا وَاحِدًا فَقَدْ كَذَّبَ جَمِيعَ الرُّسُلِ، فَلِذَلِكَ ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ. أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً، أي لِمَنْ بَعْدَهُمْ عِبْرَةٌ، وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ، فِي الْآخِرَةِ، عَذاباً أَلِيماً، سِوَى ما حل بهم مِنْ عَاجِلِ الْعَذَابِ. وَعاداً وَثَمُودَ، أَيْ وَأَهْلَكْنَا عَادًا وَثَمُودَ، وَأَصْحابَ الرَّسِّ، اخْتَلَفُوا فِيهِمْ.
قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانُوا أَهْلَ بِئْرٍ قعودا عليها وأصحاب مواش يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ فَوَجَّهَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ شُعَيْبًا يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَمَادَوْا في طغيانهم [وانكبابهم على عبادة الأوثان] وَفِي أَذَى شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فبينما هم حوالي البئر في منازلهم فانهارت بهم البئر فخسف الله بِهِمْ وَبِدِيَارِهِمْ وَرِبَاعِهِمْ، فَهَلَكُوا جَمِيعًا، والرس: الْبِئْرُ وَكُلُّ رَكِيَّةٍ لَمْ تُطْوَ بِالْحِجَارَةِ وَالْآجُرِّ فَهُوَ رَسٌّ.
وَقَالَ قتادة والكلبي: الرس بئر بأرض الْيَمَامَةِ قَتَلُوا نَبِيَّهُمْ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
هُمْ بقية ثمود وقوم صَالِحٍ، وَهُمْ أَصْحَابُ الْبِئْرِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ [الْحَجِّ: ٤٥]. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ لَهُمْ نَبِيٌّ يُقَالُ لَهُ حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ فَقَتَلُوهُ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ كَعْبٌ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: الرس [اسم] بئر بأنطاكية قتلوا فيها حبيب النَّجَّارَ، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي سُورَةِ يس.
وَقِيلَ: هُمْ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، وَالرَّسُّ هُوَ الْأُخْدُودُ الذي حفروه [وأوقدوا فيه نارا وكانوا يلقون فيه من آمن بالله.] وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُمْ قَوْمٌ رَسُّوا نبيهم في بئر [فمات فأهلكهم الله]. وَقِيلَ: الرَّسُّ الْمَعْدِنُ وَجَمْعُهُ رِسَاسٌ، وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً، أَيْ وَأَهْلَكْنَا قُرُونًا كَثِيرًا بَيْنَ عَادٍ وَأَصْحَابِ الرَّسِّ.
وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ، أَيْ الْأَشْبَاهُ فِي إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ نُهْلِكْهُمْ إِلَّا بَعْدَ الْإِنْذَارِ، وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً، أَيْ أَهْلَكْنَا إِهْلَاكًا. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: كَسَّرْنَا تَكْسِيرًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ شَيْءٍ كَسَّرْتُهُ وَفَتَّتُّهُ فَقَدْ تَبَّرْتُهُ.
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ، يَعْنِي الْحِجَارَةَ وَهِيَ قَرْيَاتُ قَوْمِ لُوطٍ وَكَانَتْ خَمْسُ قُرًى فَأَهْلَكَ اللَّهُ أَرْبَعًا منها نجت [١] وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَصْغَرُهَا وَكَانَ أَهْلُهَا لَا يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ الْخَبِيثَ، أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها، إذا مَرُّوا بِهِمْ فِي أَسْفَارِهِمْ فَيَعْتَبِرُوا ويتفكروا [إنما فعل بهم] [٢] لِأَنَّ مَدَائِنَ قَوْمِ لُوطٍ كَانَتْ على طريقهم عن طريقهم مَمَرِّهِمْ إِلَى الشَّامِ، بَلْ كانُوا لَا يَرْجُونَ، لَا يَخَافُونَ، نُشُوراً بعثا.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٤١ الى ٤٥]
وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥)
(١) في المطبوع «بقيت».
(٢) زيادة عن المخطوط.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ، يَعْنِي: مَا يَتَّخِذُونَكَ، إِلَّا هُزُواً، يعني مَهْزُوءًا بِهِ، نَزَلَتْ فِي أَبِي جهل كان إذا مَرَّ بِأَصْحَابِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُسْتَهْزِئًا أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا.
إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا، يعني قَدْ قَارَبَ أَنْ يُضِلَّنَا، عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها، يعني لَوْ لَمْ نَصْبِرْ عَلَيْهَا لَصُرِفْنَا عَنْهَا، وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا، مَنْ أَخْطَأُ طَرِيقًا.
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَانَ يَعْبُدُ الْحَجَرَ فَإِذَا رَأَى حَجَرًا أَحْسَنَ مِنْهُ طرح الأول وأخذ الآخر، فعبدوه.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ مَنْ تَرَكَ عِبَادَةَ اللَّهِ وَخَالِقَهُ ثُمَّ هوى حجرا فعبدوه مَا حَالُهُ عِنْدِي، أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا، يعني حَافِظًا يَقُولُ أَفَأَنْتَ عَلَيْهِ كَفِيلٌ تمنعه [١] من اتباع هواه وعبادة ما يَهْوَى مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيْ لَسْتَ كَذَلِكَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ.
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ مَا تَقُولُ سَمَاعَ طَالِبِ [٢] الْإِفْهَامِ، أَوْ يَعْقِلُونَ، مَا يُعَايِنُونَ مِنَ الْحُجَجِ وَالْإِعْلَامِ، إِنْ هُمْ، مَا هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا، لِأَنَّ الْبَهَائِمَ تَهْتَدِي لِمَرَاعِيهَا وَمَشَارِبِهَا وَتَنْقَادُ لِأَرْبَابِهَا الَّذِينَ يَتَعَهَّدُونَهَا، وَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ لَا يَعْرِفُونَ طَرِيقَ الْحَقِّ وَلَا يُطِيعُونَ رَبَّهُمُ الَّذِي خَلَقَهُمْ، وَرَزَقَهُمْ، وَلِأَنَّ الْأَنْعَامَ تَسْجُدُ وَتُسَبِّحُ لِلَّهِ وهؤلاء الكفار لا يفعلون [شيئا من ذلك بل يؤثرون السجود إلى ما ينحتونه من الأحجار على السجود لله الواحد القهار] [٣].
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ، مَعْنَاهُ أَلَمْ تَرَ إِلَى مَدِّ رَبِّكَ الظِّلَّ وَهُوَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، جَعَلَهُ مَمْدُودًا لِأَنَّهُ ظِلٌّ لَا شَمْسَ مَعَهُ، كَمَا قَالَ: «فِي ظِلِّ الْجَنَّةِ»، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) [الْوَاقِعَةِ: ٣٠] لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَمْسٌ. وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً، أي: دَائِمًا ثَابِتًا لَا يَزُولُ وَلَا تُذْهِبُهُ الشَّمْسُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الظِّلُّ مَا نَسَخَتْهُ الشَّمْسُ. وَهُوَ بالغداة، والفيء مَا نَسَخَ الشَّمْسَ، وَهُوَ بَعْدُ الزَّوَالِ، سُمِّيَ فَيْئًا لِأَنَّهُ فَاءَ مِنْ جَانِبٍ الْمَشْرِقِ إِلَى جَانِبٍ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا، يعني عَلَى الظِّلِّ وَمَعْنَى دَلَالَتِهَا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ لَمَا عُرِفَ الظِّلُّ وَلَوْلَا النُّورُ لَمَا عُرِفَتِ الظُّلْمَةُ، وَالْأَشْيَاءُ تُعَرَفُ بأضدادها.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٤٦ الى ٤٨]
ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨)
ثُمَّ قَبَضْناهُ، يَعْنِي الظِّلَّ، إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً، بِالشَّمْسِ الَّتِي تَأْتِي عليه، والقبض جَمْعُ الْمُنْبَسِطِ مِنَ الشَّيْءِ مَعْنَاهُ أَنَّ الظِّلَّ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَرْضِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَبَضَ اللَّهُ الظِّلَّ جُزْءًا فَجُزْءًا قَبْضًا يَسِيرًا أَيْ خَفِيًّا.
(١) في المطبوع «تحفظه».
(٢) في المخطوط «طلب».
(٣) زيادة عن المخطوط.
447
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً، أَيْ سِتْرًا تَسْتَتِرُونَ بِهِ، يُرِيدُ أَنَّ ظُلْمَتَهُ تَغْشَى كُلَّ شَيْءٍ، كَاللِّبَاسِ الَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَى لَابِسِهُ، وَالنَّوْمَ سُباتاً، رَاحَةً لِأَبْدَانِكُمْ وَقَطْعًا لِعَمَلِكُمْ، وَأَصْلُ السَّبْتِ الْقَطْعُ، وَالنَّائِمُ مَسْبُوتٌ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَحَرَكَتُهُ. وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً، أَيْ يَقِظَةً وَزَمَانًا تَنْتَشِرُونَ فِيهِ لِابْتِغَاءِ الرزق وتنشرون لِأَشْغَالِكُمْ.
وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، يَعْنِي الْمَطَرَ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُوراً، والطّهور هو الطَّاهِرُ فِي نَفْسِهِ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ، فَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ كَالسَّحُورِ اسْمٌ لِمَا يُتَسَحَّرُ بِهِ وَالْفَطُورُ اسْمٌ لِمَا يُفْطَرُ بِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا:
«١٥٦٣» رَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ».
وَأَرَادَ بِهِ الْمُطَهِّرَ فَالْمَاءُ مُطَهِّرٌ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْحَدَثِ وَالنَّجَاسَةِ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:
وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ [الْأَنْفَالِ: ١١] فَثَبَتَ بِهِ أَنَّ التَّطْهِيرَ يَخْتَصُّ بِالْمَاءِ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الطَّاهِرُ حَتَّى جَوَّزُوا إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعَاتِ الطاهرة، كالخل [١] وَمَاءِ الْوَرْدِ وَالْمَرَقِ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ جَازَ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهَا لَجَازَ إِزَالَةُ الْحَدَثِ بِهَا.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الطَّهُورَ مَا يَتَكَرَّرُ مِنْهُ التَّطْهِيرُ كَالصَّبُورِ اسْمٌ لِمَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الصَّبْرُ وَالشَّكُورُ اسْمٌ لِمَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الشُّكْرُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ حَتَّى جَوَّزَ [٢] الْوُضُوءَ بالماء الذي توضأ به مَرَّةً.
وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ شَيْءٌ غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ هَلْ تَزُولُ طَهُورِيَّتَهُ أم لا نَظَرٌ؟ إِنْ كَانَ الْوَاقِعُ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ كَالطِّينِ وَالتُّرَابِ وَأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ لَا يزول فَيَجُوزُ الطِّهَارَةُ بِهِ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ لِطُولِ الْمُكْثِ فِي قَرَارِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ فِيهِ مَا لَا يُخَالِطُهُ كَالدُّهْنِ يَصُبُّ فِيهِ فَيَتَرَوَّحُ الْمَاءُ بِرَائِحَتِهِ يَجُوزُ الطِّهَارَةُ به، لأن تغيره للمجاوزة لَا لِلْمُخَالَطَةِ.
وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ مِنْهُ وَيُخَالِطُهُ كالخل والزعفران ونحوهما يزول طهوريته ولا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ.
وَإِنْ لَمْ يتغير أحد أوصافه نظر [٣] إِنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِيهِ شَيْئًا طاهرا لا يزول طَهُورِيَّتُهُ فَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِيهِ شَيْئًا نجسا نظر [فيه] [٤] فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَقَلَّ مِنَ الْقُلَّتَيْنِ يَنْجُسُ الْمَاءُ.
وَإِنْ كان قدر قلتين فأكثر [ولا تغير به] [٥] فَهُوَ طَاهِرٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، والقلتان خمس قرب ووزنها [٦] خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا:
١٥٦٣- تقدم في تفسير سورة المائدة عن آية: ٩٦ وهو قوي.
(١) في المطبوع «مثل الخل».
(٢) في المخطوط. «جوزوا».
(٣) في المطبوع «ينظر».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «ووزنه».
448
«١٥٦٤» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرحيم بن المنيب أنا جَرِيرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه مِنَ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ فَقَالَ: «إِذَا كان الماء قلتين لم يَحْمِلُ الْخَبَثَ».
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَاءَ إِذَا بَلَغَ هذا الحدّ فلا يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ مَا لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ لَا يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ [وبه قال
١٥٦٤- حسن، إسناده ضعيف، ابن منيب مجهول، وفيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس، لكن صرح بالتحديث عند الدارقطني، وقد توبع، وللحديث شواهد.
- وهو في «شرح السنة» ٢٨٢ بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ٦٤ والترمذي ٦٧ وابن ماجه ٥١٧ وأحمد ٢/ ٢٧ وابن أبي شيبة ١/ ١٤٤ والدارقطني ١/ ١٩ و٢١ وابن الجارود ٤٥ والدارمي ١/ ١٨٦- ١٨٧ والطحاوي في «المعاني» ١/ ١٥ والحاكم ١/ ١٣٣ والبيهقي ١/ ٢٦١ من طرق عن محمد بن إسحاق به وصرّح ابن إسحاق بالتحديث عند الدارقطني فقط.
- وأخرجه أبو داود ٦٣ والنسائي ١/ ٤٦ وابن أبي شيبة ١/ ١٤٤ وابن الجارود ٤٥ والدارقطني ١/ ١٤ و١٥ وابن حبان ١٢٤٩ والحاكم ١/ ١٣٢ والبيهقي ١/ ٢٦٠ و٢٦١ من طرق عن أبي أسامة حدثنا الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير أن عبد الله بن عبد الله حدثهم أن أباه عبد الله بن عمر حدثهم.... فذكره.
وهذا إسناد حسن.
- وأخرجه النسائي ١/ ١٧٥ وابن خزيمة ٩٢ والدارمي ١/ ١٨٧ والطحاوي ١/ ١٥ من طرق عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، ورجاله ثقات.
رجاله ثقات.
- وأخرجه أبو داود ٦٥ وابن ماجه ٥١٨ وأحمد ٢/ ٣ وابن الجارود ٤٦ والحاكم ١/ ١٣٤ والبيهقي ١/ ٢٦٢ من طرق عن حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عمر، وقال البوصيري في «الزوائد» إسناده صحيح رجاله ثقات.
- وأخرجه ابن الجارود ٤٤ وابن حبان ١٢٥٣ والحاكم ١/ ١٣٣ والبيهقي ١/ ٢٦٢ من طريق أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عمر عن أبيه.
- وقال الحافظ في «تلخيص الحبير» ١/ ١٦- ١٩ ما ملخصه: صححه الحاكم على شرطهما، وقال ابن منده: على شرط مسلم، وقال ابن معين وقد سئل عن عاصم بن المنذر: إسناده جيد، قيل له، فابن علية لم يرفعه، قال: وإن لم يحفظه ابن علية، فالإسناد جيد.
- وقال ابن عبد البر في «التمهيد» : ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين مذهب ضعيف من جهة النظر، غير ثابت من جهة الأثر، وقال في «الاستذكار» : حديث معلول.
- وقال الطحاوي: إنما لم نقل به لأن مقدار القلتين لم يثبت.
- وقال عبد الحق: قد صححه بعضهم اهـ.
- وأعله الزيلعي في «نصب الراية» ١/ ١٠٤ من جهة الإسناد والمتن.
- وأعلنه ابن القيم في «شرح سنن أبي داود» ١/ ٦٢ ونقل عن ابن تيمية والمزي أنهما رجحا الوقف.
- الخلاصة: هو حديث حسن لاختلاف الأئمة فيه ما بين مصحح له ومضعف، حيث جاء بأسانيد بعضها صحيح وبعضها حسن إلا أنه أعل من عامة طرقه، وانظر «أحكام القرآن» ١٦٥١ و «تفسير القرطبي» ٤٦٨٢ و «العدة شرح العمدة» ص ٢١ بتخريجي. [.....]
449
مالك] [١] وَاحْتَجُّوا بِمَا:
«١٥٦٥» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ [٢] أَنَا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ محمد الطاهري ثنا أبو
١٥٦٥- صحيح، رجاله ثقات مشاهير سوى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن رافع، فقد وثقه ابن حبان، وقد روى عنه جمع من الثقات، وقال الحافظ: مستور، وقال ابن القطان: لا يعرف حاله، وقال ابن منده: مجهول.
- وهو في «شرح السنة» ٢٨٣ بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي ١/ ١٧٤ وأحمد ٣/ ٣١ من طريقين عن أبي أسامة بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ٦٦ والترمذي ٦٦ وأحمد ٣/ ٣١ والدارقطني ١/ ٣٠ والبيهقي ١/ ٥- ٥ من طرق عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن كعب عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبي سعيد الخدري به.
- قال الترمذي: حديث حسن، جود أبو أسامة هذا الحديث.
وقال أبو داود. وقال بعضهم عبد الرحمن بن رافع.
- قال البخاري كما في «التهذيب» هذا وهم أي الصواب عبيد الله بن عبد الرحمن.
- وأخرجه أبو داود ٦٧ وأحمد ٣/ ٨٦ والبيهقي ١/ ٢٥٧ من طريقين عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع عن أبي سعيد الخدري به.
- وأخرجه الدارقطني ١/ ٣٠ من طريق محمد بن إسحاق عن سليط بن أيوب عن عبد الرحمن بن رافع عن أبي سعيد الخدري وسليط مجهول.
قال الدارقطني: خالفه إبراهيم بن سعد رواه عن أبي إسحاق عن سليط فقال: عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع قاله يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه.
- وأخرجه النسائي ١/ ١٧٤ وأحمد ٣/ ١٥- ١٦ من طريق مطرف عن خالد بن أبي نوف عن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه به، وخالد هذا مجهول.
- وبكل حال مدار الطرق المتقدمة على عبيد الله بن عبد الرحمن، وتقدم أنه مجهول.
- وورد من وجه آخر عن طريق ابن سفيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا.
- وأخرجه الطيالسي ٢١٥٥ وإسناده ضعيف لضعف طريف بن سفيان، وعنه قيس بن الربيع ضعيف أيضا، لكن يصلح هذا الطريق للاعتبار.
- وورد من طريق شريك عن طريف عن أبي نضرة عن أبي سعيد أو جابر، أخرجه الطحاوي ١/ ١٢، وأخرجه ابن ماجه ٥٢٠ من هذا الوجه عن جابر، والصواب أنه عن أبي سعيد فالحديث حديثه.
- وقد توبع قيس في هذه الرواية فانحصرت العلة في طريف لكن يصلح للاعتبار بحديثه.
- فقد قال عنه ابن عدي، روى عنه الثقات، وإنما أنكر عليه في متون الأحاديث أشياء لم يأت بها غيره، وأما أسانيده فهي مستقيمة.
- قلت: وهذا مما لم ينفرد به.
- وفي الباب عن سهلة بن سعد، أخرجه الطحاوي في «معاني الآثار» ١/ ١٢ وإسناده لا بأس به وأخرجه الدارقطني ١/ ٢٩ بسياق آخر.
- وورد عن عمر موقوفا ما يشهد للأحاديث المتقدمة، أخرجه الدارقطني ١/ ٣٢ وإسناده قوي.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده، وحسنه الترمذي، وصححه أحمد وابن معين وابن حزم انظر «تلخيص الحبير» ١/ ١٢- ١٣.
فائدة: قال الخطابي في «معالم السنن» ٦١: قد يتوهم بعض الناس أنهم كانوا يغفلون هذا قصدا، والصواب أن بئر بضاعة كانت في منحدر الأرض، وكانت السيول تكسح هذه الأقذار من الطرق، وتحملها إليه، وكانت لكثرة مائها لا يؤثر فيها ذلك فلا تتغير اهـ بتصرف واختصار.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) تصحف في المطبوع «الحنفي».
450
محمد الحسين [١] بن محمد بن حليم [٢] ثنا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو بن الموجه [٣] ثنا صدقة بن الفضل أنا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القرظي عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ؟ وَهِيَ بِئْرٌ يلقى فيها الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنِ، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا ينجسه شيء».
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٤٩ الى ٥٤]
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِنُحْيِيَ بِهِ، أَيْ: بِالْمَطَرِ، بَلْدَةً مَيْتاً، وَلَمْ يَقُلْ مَيِّتَةً لِأَنَّهُ رَجَعَ بِهِ إِلَى الْمَوْضِعِ وَالْمَكَانِ، وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً [أَيْ] نُسْقِي مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ أَنْعَامًا، وَأَناسِيَّ كَثِيراً، أَيْ بَشَرًا كَثِيرًا، وَالْأَنَاسِيُّ جَمْعُ أُنْسِيُّ، وَقِيلَ جَمَعُ إِنْسَانٍ، وَأَصْلُهُ أَنَاسِينُ مِثْلُ بُسْتَانٍ وَبَسَاتِينٍ، فَجَعَلَ الْيَاءَ عِوَضًا عَنِ النُّونِ.
وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ، يَعْنِي الْمَطَرَ مَرَّةً بِبَلْدَةٍ وَمَرَّةً بِبَلَدٍ آخَرٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا مِنْ عَامٍ بِأَمْطَرَ مِنْ عَامٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُصَرِفُّهُ فِي الْأَرْضِ. وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَهَذَا:
«١٥٦٦» كَمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أو نهار إلا والسماء تُمْطِرُ فِيهَا يُصَرِّفُهُ اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ».
«١٥٦٧» وَذِكْرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ جريج ومقاتل وبلغوا به، وابن مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ قَالَ: «لَيْسَ مِنْ سَنَةٍ بِأَمْطَرَ مِنْ أُخْرَى وَلَكِنَّ اللَّهَ قَسَّمَ هَذِهِ الْأَرْزَاقَ فَجَعَلَهَا فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي هَذَا الْقَطْرِ يَنْزِلُ مِنْهُ كُلُّ سَنَةٍ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، وَإِذَا عَمِلَ قَوْمٌ بِالْمَعَاصِي حَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَإِذَا عَصَوْا جَمِيعًا صَرَّفَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَى الْفَيَافِي وَالْبِحَارِ». وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ تَصْرِيفِ الْمَطَرِ تَصْرِيفُهُ وَابِلًا وَطَلًّا وَرَذَاذًا وَنَحْوَهَا. وَقِيلَ: التَّصْرِيفُ رَاجِعٌ إِلَى الرِّيحِ. لِيَذَّكَّرُوا أَيْ لِيَتَذَكَّرُوا وَيَتَفَكَّرُوا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً، جُحُودًا، وَكُفْرَانُهُمْ هُوَ أَنَّهُمْ إِذَا مُطِرُوا قَالُوا مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وكذا [معتقدين أن النوء هو الفعال] [٤].
١٥٦٦- لم أقف عليه، وأمارة الوضع لائحة عليه، ففي فصل الصيف، ربما ينقطع القطر أياما فلا تمطر السماء.
١٥٦٧- لا أصل له بهذا التمام، لم أره مسندا، وهو باطل وإن أهل الغرب يعصون الله كثيرا، ومع ذلك يعطون من الخيرات والنعيم والأمطار ما لا يؤتاه أهل الإسلام، فهو باطل بهذا التمام.
- وصدره أخرجه ابن الديلمي في «زهر الفردوس» ٤/ ٢٩ عن ابن مسعود مرفوعا وإسناده ضعيف فيه علي بن حميد وهو مجهول، واستغربه الذهبي في «الميزان» ٣/ ١٢٦ جدا بعد أن أسنده من طريق ابن عساكر، وورد عن ابن عباس موقوفا، أخرجه الحاكم ٢/ ٤٠٣ وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي، وهو أصح من المرفوع.
(١) تصحف في المطبوع «الحسن».
(٢) تصحف في المطبوع «حكيم».
(٣) تصحف في المخطوط «المرجه».
(٤) زيادة عن المخطوط.
«١٥٦٨» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أحمد أنا إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كِيسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي أَثَرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ» ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي، وَكَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ في مؤمن بالكواكب».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١)، رَسُولًا يُنْذِرُهُمْ، وَلَكِنْ بَعَثْنَاكَ إِلَى الْقُرَى كُلِّهَا وَحَمَّلْنَاكَ ثِقَلَ النِّذَارَةِ جميعها لتستوجب بصبرك على مَا أَعْدَدْنَا لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ.
فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ فِيمَا يَدْعُونَكَ إِلَيْهِ مِنْ مُوَافَقَتِهِمْ وَمُدَاهَنَتِهِمْ، وَجاهِدْهُمْ بِهِ أَيْ: بِالْقُرْآنِ، جِهاداً كَبِيراً [أي] [١] شَدِيدًا.
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ، أي: خَلَطَهُمَا وَأَفَاضَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ، وَقِيلَ: أَرْسَلَهُمَا فِي مَجَارِيهِمَا وَخَلَاهُمَا [٢] كَمَا يُرْسَلُ الْخَيْلُ فِي الْمَرَجِ، وَأَصْلُ الْمَرَجِ الْخَلْطُ وَالْإِرْسَالُ.
يُقَالُ: مَرَجْتُ الدَّابَّةَ وَأَمْرَجْتُهَا إِذَا أَرْسَلْتُهَا فِي الْمَرْعَى وَخَلَّيْتُهَا تَذْهَبُ حَيْثُ تَشَاءُ، هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ، شَدِيدُ العذوبة والفرات أَعْذَبُ الْمِيَاهِ، وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ، شَدِيدُ الْمُلُوحَةِ.
وَقِيلَ: أُجَاجٌ أَيْ مُرٌّ، وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً أَيْ: حَاجِزًا بِقُدْرَتِهِ لِئَلَّا يَخْتَلِطُ الْعَذْبُ بِالْمِلْحِ وَلَا الْمِلْحُ بِالْعَذْبِ، وَحِجْراً مَحْجُوراً أَيْ: سِتْرًا مَمْنُوعًا فَلَا يبغيان، فلا يُفْسِدُ الْمِلْحُ الْعَذْبَ.
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ، مِنَ النُّطْفَةِ، بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً أَيْ: جعله ذا نسب وذا صهر.
قِيلَ: النَّسَبُ مَا لَا يَحِلُّ نكاحه والصهر ما يحل نكاحه، فانسب مَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَالصِّهْرُ، مَا لا يوجبها.
وقيل: هو الصَّحِيحُ النَّسَبُ مِنَ الْقَرَابَةِ وَالصِّهْرُ الْخُلْطَةُ الَّتِي تُشْبِهُ الْقَرَابَةَ، وَهُوَ السبب المحرم للنكاح، وقد ذكرناه أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ بِالنَّسَبِ سَبْعًا وَبِالسَّبَبِ سَبْعًا فِي قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النِّسَاءَ: ٢٣]. وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٥٥ الى ٥٧]
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧)
١٥٦٨- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر.
- وهو في «شرح السنة» ١١٦٤ بهذا الإسناد.
- وهو في «الموطأ» ١/ ١٩٢ عن صالح بن كيسان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٨٤٦ و١٠٣٨ ومسلم ٧١ وأبو داود ٣٩٠٦ وأحمد ٤/ ١١٧ وأبو عوانة ١/ ٢٦ وابن حبان ١٨٨ وابن مندة ٥٠٣ من طرق عن مالك به.
- وأخرجه البخاري ٤١٤٧ و٧٥٠٣ والنسائي ٣/ ١٦٥ وعبد الرزاق ٢١٠٠٣ والحميدي ٨١٣ وابن مندة ٥٠٤ و٥٠٥ و٥٠٦ والطبراني ٥٢١٣- ٥٢١٦ وأبو عوانة ١/ ٢٧ من طرق عن صالح بن كيسان به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «وجدرانهما».
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، مَا لَا يَنْفَعُهُمْ، إِنْ عَبَدُوهُ، وَلا يَضُرُّهُمْ، إِنْ تَرَكُوهُ، وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً، أَيْ: مُعِينًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى ربه بالمعاصي. وقال الزَّجَّاجُ: أَيْ يُعَاوِنُ الشَّيْطَانُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ لِأَنَّ عِبَادَتَهُمُ الْأَصْنَامَ مُعَاوَنَةٌ لِلشَّيْطَانِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا أَيْ هينا ذليلا كما يقول [١] الرجل: جعلني بظهر [٢] أي جعلني هينا.
ويقال: ظهر بِهِ إِذَا جَعَلَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ.
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦)، أَيْ: مُنْذِرًا.
قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ، أي عَلَى تَبْلِيغِ الْوَحْيِ، مِنْ أَجْرٍ، فَتَقُولُوا إِنَّمَا يَطْلُبُ مُحَمَّدٌ أَمْوَالُنَا بِمَا يَدْعُونَا إِلَيْهِ فَلَا نَتَّبِعُهُ، إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا، هَذَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، مَجَازُهُ: لَكِنْ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سبيلا بإنفاق [٣] مَالِهِ فِي سَبِيلِهِ فَعَلَ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى: لَا أَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِي أَجْرًا وَلَكِنْ لَا أَمْنَعُ مِنْ إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي طَلَبِ مَرْضَاةِ اللَّهِ واتخاذ السبيل إلى جنته.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٥٨ الى ٦٠]
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (٦٠)
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ، أَيْ صَلِّ لَهُ شُكْرًا عَلَى نِعَمِهِ. وَقِيلَ: قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً، عالما بصغيرها وكبيرها فَيُجَازِيهِمْ بِهَا.
الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩)، أي: الرحمن.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَقُولُ فَاسْأَلِ الْخَبِيرَ بذلك يعني بما ذكرنا [٤] من خلق السموات وَالْأَرْضِ وَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ كَانَ مُصَدِّقًا بِهِ، وَالْمَعْنَى: أَيُّهَا الْإِنْسَانُ لَا تَرْجِعُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ بِهَذَا إِلَى غَيْرِي. وَقِيلَ: الْبَاءُ بِمَعْنَى عَنْ أَيْ: فَاسْأَلْ عَنْهُ خَبِيرًا وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ:
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ [أي] [٥] مَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إِلَّا رَحِمْنَ الْيَمَامَةِ، يَعْنُونَ مُسَيْلَمَةَ الْكَذَّابَ، كَانُوا يُسَمُّونَهُ رَحْمَنَ الْيَمَامَةِ. أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا.
قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «يَأْمُرُنَا» بِالْيَاءِ أَيْ لِمَا يَأْمُرُنَا مُحَمَّدٌ بِالسُّجُودِ لَهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ أَيْ لِمَا تَأْمُرُنَا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، وَزادَهُمْ يَعْنِي زَادَهُمْ قَوْلُ الْقَائِلِ لَهُمْ: اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ نُفُوراً، عن الدين والإيمان.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٦١ الى ٦٤]
تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢) وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤)
(١) في المطبوع «يقال».
(٢) في المطبوع «بظهير». [.....]
(٣) في المطبوع «بالإنفاق من».
(٤) في المخطوط «ذكر».
(٥) زيادة عن المخطوط.
453
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً، قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: الْبُرُوجُ [١] هِيَ النُّجُومُ الْكِبَارُ سُمِّيَتْ بُرُوجًا لِظُهُورِهَا.
وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: بُرُوجًا أَيْ قُصُورًا فِيهَا الْحَرَسُ، كَمَا قَالَ: وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النِّسَاءِ: ٧٨].
وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هِيَ الْبُرُوجُ الِاثْنَا عَشْرَ الَّتِي هِيَ مَنَازِلُ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ السَّيَّارَةِ، وَهِيَ الْحَمَلُ وَالثَّوْرُ وَالْجَوْزَاءُ وَالسَّرَطَانُ وَالْأَسَدُ وَالسُّنْبُلَةُ وَالْمِيزَانُ وَالْعَقْرَبُ وَالْقَوْسُ وَالْجَدْيُ وَالدَّلْوُ وَالْحُوتُ، فَالْحَمَلُ وَالْعَقْرَبُ بَيْتَا الْمِرِّيخِ، وَالثَّوْرُ وَالْمِيزَانُ بَيْتَا الزُّهَرَةِ، وَالْجَوْزَاءُ وَالسُّنْبُلَةُ بَيْتًا عُطَارِدِ، وَالسَّرَطَانُ بَيْتُ الْقَمَرِ، وَالْأَسَدُ بَيْتُ الشَّمْسِ، وَالْقَوْسُ وَالْحُوتُ بَيْتَا الْمُشْتَرَى، وَالْجَدْيُ وَالدَّلْوُ بَيْتَا زُحَلَ. وَهَذِهِ الْبُرُوجُ مَقْسُومَةٌ عَلَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ فَيَكُونُ نَصِيبُ كَلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثَلَاثَةَ بُرُوجٍ تُسَمَّى الْمُثَلَّثَاتُ، فَالْحَمَلُ وَالْأَسَدُ وَالْقَوْسُ مُثَلَّثَةٌ نَارِيَّةٌ، والثور والسنبلة والجدي مثلثة ترابية [٢] وَالْجَوْزَاءُ وَالْمِيزَانُ وَالدَّلْوُ مُثَلَّثَةٌ هَوَائِيَّةٌ، وَالسَّرَطَانُ وَالْعَقْرَبُ وَالْحُوتُ مُثَلَّثَةٌ مَائِيَّةٌ. وَجَعَلَ فِيها سِراجاً يَعْنِي الشَّمْسَ كَمَا قَالَ: وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً [نُوحٍ: ١٦] وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «سُرُجًا» بِالْجَمْعِ يَعْنِي النُّجُومَ. وَقَمَراً مُنِيراً، وَالْقَمَرُ قَدْ دَخَلَ فِي السُّرُجِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالْجَمْعِ، غَيْرَ أَنَّهُ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِنَوْعِ فَضِيلَةٍ، كَمَا قَالَ: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) [الرَّحْمَنِ: ٦٨]، خَصَّ النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِمَا فِي الفاكهة [لنوع شرف] [٣].
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً، اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي خَلَفًا وَعِوَضًا يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ صَاحِبِهِ، فَمَنْ فَاتَهُ عَمَلُهُ فِي أَحَدِهِمَا قَضَاهُ فِي الْآخَرِ.
قَالَ شَقِيقٌ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فقال فَاتَتْنِي الصَّلَاةُ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ أَدْرِكْ مَا فَاتَكَ مِنْ لَيْلَتِكَ فِي نَهَارِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ: جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي جَعْلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخَالِفًا لِصَاحِبِهِ فَجَعَلَ هَذَا أَسْوَدُ وَهَذَا أَبْيَضُ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُ يَعْنِي يَخْلُفُ أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ إِذَا ذَهَبَ أَحَدُهُمَا جَاءَ الْآخَرُ فهما يتعاقبان في الضياء والظلام [٤] وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ، قرأ حمزة بتخفيف الدال وَالْكَافِ وَضَمِّهَا مِنَ الذِّكْرِ، وَقَرَأَ الآخرون بتشديد هما أَيْ يَتَذَكَّرَ وَيَتَّعِظَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً، قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ شُكْرَ نعمة ربه عليه فيهما.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِبادُ الرَّحْمنِ، يعني أَفَاضِلُ الْعِبَادِ. وَقِيلَ: هَذِهِ الْإِضَافَةُ لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّفْضِيلِ، وَإِلَّا فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِبَادُ اللَّهِ. الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً، يعني بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ مُتَوَاضِعِينَ غَيْرَ أَشِرِينَ وَلَا مَرِحِينَ، وَلَا مُتَكَبِّرِينَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: عُلَمَاءٌ وَحُكَمَاءٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ:
أَصْحَابُ وَقَارٍ وَعِفَّةٍ لَا يُسَفِّهُونَ، وَإِنْ سُفِّهَ عَلَيْهِمْ حلموا، والهون فِي اللُّغَةِ الرِّفْقُ وَاللِّينُ، وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ، يَعْنِي السُّفَهَاءُ بِمَا يَكْرَهُونَ، قالُوا سَلاماً، قَالَ مُجَاهِدٌ: سَدَادًا مِنَ الْقَوْلِ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بن حيان: قولان يَسْلَمُونَ فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ جَهَلَ عَلَيْهِمْ جَاهِلٌ حَلُمُوا وَلَمْ يَجْهَلُوا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ منه السلام المعروف. وروي
(١) في المطبوع «النجوم».
(٢) في المطبوع «أرضية».
(٣) زيادة من المخطوط.
(٤) في المطبوع «الظلمة».
454
عَنِ الْحَسَنِ: مَعْنَاهُ سَلَّمُوا عَلَيْهِمْ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الْقَصَصِ: ٥٥]، قَالَ الْكَلْبِيُّ وَأَبُو العالية: هذا قبل أن يؤمروا [١] بِالْقِتَالِ، ثُمَّ نَسَخَتْهَا آيَةُ الْقِتَالِ.
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ: هَذَا وَصْفُ نَهَارِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤)، قَالَ: هَذَا وَصْفُ لَيْلِهِمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ، يُقَالُ لِمَنْ أَدْرَكَ اللَّيْلَ: بَاتَ نَامَ أَوْ لَمْ يَنَمْ، يُقَالُ: بَاتَ فُلَانٌ قَلِقًا، وَالْمَعْنَى يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ بِاللَّيْلِ فِي الصَّلَاةِ، سُجَّداً، عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَقِياماً عَلَى أَقْدَامِهِمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَقَدْ بَاتَ لِلَّهِ سَاجِدًا وقائما.
«١٥٦٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٢] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ [مُحَمَّدِ بْنِ] [٣] سَمْعَانَ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ ثَنَا أَبُو نعيم حدثنا سُفْيَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الْعَشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نصف ليلة، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ كان كقيام ليلة» [٤].
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٦٥ الى ٧٠]
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (٦٥) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٦٦) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (٦٧) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩)
إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٠)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (٦٥)، يعني
١٥٦٩- إسناده صحيح على شرط مسلم.
- أبو نعيم هو الفضل بن دكين، سفيان هو ابن سعيد الثوري.
- وهو في «شرح السنة» ٣٨٦ بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن حبان ٢٠٥٩ من طريق حميد بن زنجويه بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن خزيمة ١٤٧٣ وأبو عوانة ٢/ ٤ والبيهقي ١/ ٤٦٤ و٣/ ٦٠ و٦١ من طرق عن أبي نعيم به.
- وأخرجه مسلم ٦٥٦ وأبو داود ٥٥٥ والترمذي ٢٢١ وأحمد ١/ ٥٨ وعبد الرزاق ٢٠٠٨ وابن حبان ٢٠٥٨ وأبو عوانة ٢/ ٤ والبيهقي ٣/ ٦٠ و٦١ من طرق عن سفيان به.
- وأخرجه الطبراني ١٤٨ من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي عمرة عن أبيه عثمان.
- وأخرجه أحمد ١/ ٥٨ من طريق محمد بن إبراهيم عن عثمان بن عفان.
- وأخرجه مسلم ٦٥٦ وابن حبان ٢٠٦٠ وأبو عوانة ٢/ ٤ من طريق عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنِ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عثمان بن عفان.
(١) في المطبوع «يؤمر».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) لفظ هذا الحديث مثبت من المخطوطتين، و «شرح السنة»، ولفظ المطبوع و «صحيح مسلم» مختلف.
455
مُلِحًّا دَائِمًا لَازِمًا غَيْرَ مُفَارِقٍ مَنْ عُذِّبَ بِهِ مِنَ الْكُفَّارِ، وَمِنْهُ سُمِّي الْغَرِيمُ لِطَلَبِهِ حَقَّهُ والحاجة عَلَى صَاحِبِهِ وَمُلَازَمَتِهِ إِيَّاهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: سَأَلَ اللَّهُ الْكُفَّارَ ثَمَنَ نِعَمِهِ فَلَمْ يُؤَدُّوا فَأَغْرَمَهُمْ فِيهِ، فَبَقُوا فِي النار، وقال الْحَسَنُ: كُلُّ غَرِيمٍ يُفَارِقُ غَرِيمَهُ إلا جهنّم. والغرام الشَّرُّ اللَّازِمُ، وَقِيلَ: غَرَامًا هَلَاكًا.
إِنَّها، يعني جهنم، ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً، يعني بِئْسَ مَوْضِعُ قَرَارٍ وَإِقَامَةٍ.
وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ «يَقَتِّرُوا» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ، وَكُلُّهَا لُغَاتٌ صَحِيحَةٌ. يُقَالُ: أُقَتِّرُ وَقَتَّرَ بِالتَّشْدِيدِ، وَقَتَّرَ يُقَتِّرُ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْإِسْرَافِ وَالْإِقْتَارِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
الْإِسْرَافُ النَّفَقَةُ فِي معصية الله وإن قلّت، والإقتار مَنَعُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ جُرَيْجٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يُنْفِقُوا فِي مَعَاصِي اللَّهِ وَلَمْ يُمْسِكُوا عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ. وَقَالَ قَوْمٌ:
الْإِسْرَافُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الْإِنْفَاقِ، حَتَّى يدخل في حد التبذير والإقتار التَّقْصِيرُ عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، وهذا معنى قول إبراهيم [قال] [١] لَا يُجِيعُهُمْ وَلَا يُعَرِّيهِمْ وَلَا يُنْفِقُ نَفَقَةً يَقُولُ النَّاسُ قَدْ أَسْرَفَ، وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً، قَصْدًا وَسَطًا بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالْإِقْتَارِ، حسنة بين السيئتين.
وقال يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا [لَا] [٢] يَأْكُلُونَ طَعَامًا لِلتَّنَعُّمِ وَاللَّذَّةِ وَلَا يَلْبَسُونَ ثَوْبًا لِلْجَمَالِ، وَلَكِنْ كَانُوا يُرِيدُونَ مِنَ الطَّعَامِ مَا يسد عنهم الجوع ويقوبهم عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِمْ، وَمِنَ الثِّيَابِ مَا يَسْتُرُ عَوَرَاتِهِمْ وَيُكِنُّهُمْ مِنَ الحر والبرد [٣]. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: كَفَى سَرَفًا أَنْ لَا يَشْتَهِيَ الرَّجُلُ شيئا إلا اشتراه فأكله.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الْآيَةُ.
«١٥٧٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ [أَنَّ] [٤] ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: قَالَ يَعْلَى وهو ابن مُسْلِمٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وتدعوا إليه لحسن لو تخبرنا بأن لما علمناه [٥] كفارة، فنزل: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ، ونزل: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ
١٥٧٠- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- إبراهيم بن موسى هو التميمي، ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز.
- وهو في «صحيح البخاري» ٤٨١٠ عن إبراهيم بن موسى.
- وأخرجه مسلم ١٢٢ وأبو داود ٤٢٧٤ والنسائي في «التفسير» ٤٦٩ والحاكم في «المستدرك» ٢/ ٤٠٣ والبيهقي ٩/ ٩٨ والواحدي في «أسباب النزول» ٦٥٨ كلهم من طريق يعلى بن مسلم به.
- وأخرجه الطبري ٢٦٥١٢ من طريق منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير به.
(١) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «القر».
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) في المطبوع «بأن لنا عملنا».
456
أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزُّمَرِ: ٥٣].
«١٥٧١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا قتيبة بن سعيد ثنا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ [١] أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ»، قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَهَا: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨).
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ، أَيْ شَيْئًا مِنْ هذه الأفعال، يَلْقَ أَثاماً، يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّمَا يُرِيدُ جَزَاءَ الْإِثْمِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْآثَامُ الْعُقُوبَةُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْآثَامُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ.
«١٥٧٢» وَيُرْوَى فِي الْحَدِيثِ: «الْغَيُّ وَالْآثَامُ بِئْرَانِ يَسِيلُ فِيهِمَا صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ».
يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩)، قرأ ابن عمر وَأَبُو بَكْرٍ «يُضَاعَفُ» وَ «يَخْلُدُ» بِرَفْعِ الْفَاءِ وَالدَّالِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَشَدَّدَ ابْنُ عَامِرٍ «يُضَعِّفُ»، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِجَزْمِ الْفَاءِ وَالدَّالِ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ.
إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً، قَالَ قَتَادَةُ: إِلَّا مَنْ تَابَ [مِنْ ذَنْبِهِ] [٢] وَآمَنَ بِرَبِّهِ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ.
«١٥٧٣» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثنا [محمد بن] [٣] موسى بن محمد ثنا موسى بن هارون الحمال ثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ثنا عبد الله بن رجاء
١٥٧١- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، وتقدم في تفسير سورة النساء عند آية: ٣١.
١٥٧٢- ضعيف. أخرجه الطبري ٢٣٧٩٠ والبيهقي في «البعث» ٥٢٢ والطبراني في «مسند الشاميين» ١٥٨٩ وفي «الكبير» ٧٧٣١ من حديث أبي أمامة بأتم منه، وإسناده ضعيف، فيه محمد بن زياد عن شرقي بن القطامي، وهما مجهولان.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» ١٨٥٩١ وقال: فيه ضعفاء، وقد وثقهم ابن حبان، وقال يخطئوان اهـ.
- وقال ابن كثير ٣/ ١٦٣: غريب، ورفعه منكر اهـ.
١٥٧٣- إسناده ضعيف لضعف عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، فقد ضعفه الجمهور، وجزم الحافظ في «التقريب» بضعفه، وقد روى مناكير كثيرة.
- وشيخه يوسف بن مهران، وثقه أبو زرعة وابن حبان، وقال أحمد: لا يعرف.
- وأخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» ٩٧٢ والطبراني في «الكبير» ١٢٩٣٥ والواحدي ٣/ ٣٤٧ عن إبراهيم بن محمد الشافعي بهذا الإسناد.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» ٧/ ٨٤ وقال: رواه الطبراني من رواية علي بن زيد عن يوسف بن مهران، وقد وثقا، وفيهما ضعف، وبقية رجاله ثقات.
- كذا قال رحمه الله، وما ذكره لعله يصدق على يوسف بن مهران، فقد قال عنه الحافظ: لين الحديث. وأما علي بن زيد فضعيف.
(١) في المخطوط «مخافة».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
457
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ [١] عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَرَأْنَاهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَتَيْنِ: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الْآيَةَ، ثُمَّ نَزَلَتْ: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً، فَمًا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرِحَ بِشَيْءٍ قَطُّ كَفَرَحِهِ بِهَا وَفَرَحِهِ بِ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) [الْفَتْحِ:
١- ٢].
فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ هَذَا التَّبْدِيلَ فِي الدُّنْيَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَاكُ: يُبَدِّلُهُمُ اللَّهُ بِقَبَائِحِ أَعْمَالِهِمْ فِي الشِّرْكِ مَحَاسِنَ الْأَعْمَالِ فِي الْإِسْلَامِ، فَيُبَدِّلُهُمْ بِالشِّرْكِ إيمانا ويقتل الْمُؤْمِنِينَ قَتْلَ الْمُشْرِكِينَ، وَبِالزِّنَا عِفَّةً وَإِحْصَانًا. وَقَالَ قَوْمٌ: يُبَدِّلُ اللَّهُ سيآتهم الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الْإِسْلَامِ حَسَنَاتٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَمَكْحُولٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا:
«١٥٧٤» أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أحمد الخزاعي أنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ أَنَا أَبُو عيسى الترمذي ثنا أبو عمار الحسين بن حريث [٢] ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لِأَعْلَمُ آخِرَ رَجُلٍ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ، يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ:
اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وَيُخَبَّأُ عَنْهُ كِبَارُهَا، فَيُقَالُ [لَهُ] [٣] عَمِلْتَ يوم كذا كَذَا وَكَذَا وَهُوَ مُقِرٌّ لَا يُنْكِرُ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِهَا، فَيُقَالُ أَعْطُوهُ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ عَمَلِهَا حَسَنَةً، فَيَقُولُ: رَبِّ إِنَّ لِي ذُنُوبًا مَا أَرَاهَا هَاهُنَا»
، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْحُو بِالنَّدَمِ جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ، ثُمَّ يُثْبِتُ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حسنة.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٧١ الى ٧٧]
وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (٧١) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥)
خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧)
١٥٧٤- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وكيع هو ابن الجراح، الأعمش هو سليمان بن مهران.
- وهو في «شرح السنة» ٤٢٥٦ بهذا الإسناد.
- وهو في «شمائل الترمذي» ٢٢٩ عن أبي عمار بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٩٠ والترمذي ٢٥٩٦ وأحمد ٥/ ١٧٠ وابن حبان ٧٣٧٥ وأبو عوانة ١/ ١٦٩- ١٧٠ وابن مندة في «الإيمان» ٨٤٧- ٨٤٩ من طرق عن الأعمش به.
(١) تصحف في المطبوع «يزيد».
(٢) تحرف في المطبوع «فريت».
(٣) زيادة عن المخطوط. [.....]
458
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا فِي التَّوْبَةِ عَنْ غَيْرِ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنَ الْقَتْلِ وَالزِّنَا، يَعْنِي مَنْ تَابَ مِنَ الشِّرْكِ وَعَمِلَ صَالِحًا أَيْ: أَدَّى الْفَرَائِضَ مِمَّنْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَزْنِ، فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ، أَيْ يعود إليه بالموت مَتاباً، حَسَنًا يُفَضَّلُ بِهِ عَلَى غيره ممن قتل وزنا فَالتَّوْبَةُ الْأُولَى وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمَنْ تابَ رُجُوعٌ عَنِ الشِّرْكِ وَالثَّانِي رُجُوعٌ إِلَى اللَّهِ لِلْجَزَاءِ وَالْمُكَافَأَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا فِي التَّوْبَةِ عَنْ جَمِيعِ السَّيِّئَاتِ. وَمَعْنَاهُ: وَمَنْ أَرَادَ التَّوْبَةَ وَعَزَمَ عَلَيْهَا فَلْيَتُبْ لِوَجْهِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، أَيْ: لِيَتُبْ [١] إِلَى اللَّهِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ تَوْبَتَهُ وَمَصِيرَهُ إِلَى اللَّهِ.
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، قَالَ الضَّحَّاكُ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: يَعْنِي الشِّرْكَ. وَقَالَ عَلِيُّ بن [أبي] [٢] طَلْحَةَ: يَعْنِي شَهَادَةَ الزُّورِ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَجْلِدُ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً وَيَسْخَمُ وَجْهَهُ وَيَطُوفُ بِهِ فِي السُّوقِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَعْنِي الْكَذِبَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي أَعْيَادَ الْمُشْرِكِينَ. وَقِيلَ النوح وقال قَتَادَةُ: لَا يُسَاعِدُونَ أَهْلَ الْبَاطِلِ عَلَى بَاطِلِهِمْ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الحنفية لا يشهدون اللهو والغنا.
وقال ابْنُ مَسْعُودٍ: الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الزَّرْعَ. وَأَصْلُ الزُّورِ تَحْسِينُ الشَّيْءِ وَوَصْفُهُ بِخِلَافِ صِفَتِهِ، فَهُوَ تَمْوِيهُ الْبَاطِلِ بِمَا يُوهِمُ أَنَّهُ حَقٌّ، وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً، قَالَ مُقَاتِلٌ:
إِذَا سَمِعُوا مِنَ الْكُفَّارِ الشَّتْمَ وَالْأَذَى أَعْرَضُوا وَصَفَحُوا، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عن مجاهد. ونظيره قَوْلُهُ: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [الْقَصَصِ: ٥٥]، قَالَ السُّدِّيُّ: وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ. قَالَ الْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ: اللَّغْوُ الْمَعَاصِي كُلُّهَا يَعْنِي إذا مروا بمجالس [٣] اللَّهْوِ وَالْبَاطِلِ مَرُّوا كِرَامًا مُسْرِعِينَ مُعْرِضِينَ. يُقَالُ: تَكَّرَمَ فَلَانٌ عَمَّا يَشِينُهُ إِذَا تَنَزَّهَ وَأَكْرَمَ [٤] نَفْسَهُ عَنْهُ.
وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا، لَمْ يَقَعُوا وَلَمْ يَسْقُطُوا، عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً، كَأَنَّهُمْ صُمٌّ عُمْيٌ بَلْ يَسْمَعُونَ مَا يُذَكَّرُونَ بِهِ فَيَفْهَمُونَهُ وَيَرَوْنَ الْحَقَّ فِيهِ فَيَتَّبِعُونَهُ. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: لَمْ يَتَغَافَلُوا عَنْهَا كَأَنَّهُمْ صُمٌّ لَمْ يَسْمَعُوهَا وَعُمْيٌ لَمْ يَرَوْهَا.
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا، قَرَأَ بِغَيْرِ ألف أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ عَلَى الجمع، قُرَّةَ أَعْيُنٍ، يعني أَوْلَادًا أَبْرَارًا أَتْقِيَاءَ، يَقُولُونَ اجْعَلْهُمْ صَالِحِينَ فَتَقَرَّ أَعْيُنُنَا بِذَلِكَ.
قَالَ الْقُرَظِيُّ: لَيْسَ شَيْءٌ أَقَرَّ لِعَيْنِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَرَى زَوْجَتَهُ وَأَوْلَادَهُ مُطِيعِينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَهُ [٥] الْحَسَنُ، وَوَحَّدَ الْقُرَّةَ لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ وَأَصْلُهَا مِنَ الْبَرْدِ [٦] لِأَنَّ الْعَرَبَ تَتَأَذَّى مِنَ الْحَرِّ وَتَسْتَرْوِحُ إِلَى الْبَرْدِ وَتُذْكَرُ قُرَّةُ الْعَيْنِ عِنْدَ السُّرُورِ وَسُخْنَةُ الْعَيْنِ عِنْدَ الْحُزْنِ، وَيُقَالُ: دَمْعُ الْعَيْنِ عِنْدَ السُّرُورِ بَارِدٌ، وَعِنْدَ الْحُزْنِ حَارٌّ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَى قُرَّةِ الْأَعْيُنِ أَنْ يُصَادِفَ قَلْبُهُ مَنْ يَرْضَاهُ فَتَقَرُّ عَيْنُهُ بِهِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى غَيْرِهِ.
وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً، يعني أَئِمَّةً يَقْتَدُونَ فِي الْخَيْرِ بِنَا وَلَمْ يَقُلْ أَئِمَّةً. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: نَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
[الشُّعَرَاءِ: ١٦]، وَقِيلَ: أَرَادَ أَئِمَّةً كَقَوْلِهِ: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي [الشعراء: ٧٧] يعني أَعْدَاءٌ، وَيُقَالُ أَمِيرُنَا هَؤُلَاءِ أَيْ أُمَرَاؤُنَا وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ كَالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، يُقَالُ أَمَّ إِمَامًا كَمَا يُقَالُ قَامَ قِيَامًا وَصَامَ صِيَامًا. قال
(١) في المخطوط «تب».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «بمجلس».
(٤) في المطبوع «وأكره».
(٥) تصحف في المخطوط. «وقال».
(٦) في المطبوع «القر».
459
الْحَسَنُ: نَقْتَدِي بِالْمُتَّقِينَ وَيَقْتَدِي بِنَا الْمُتَّقُونَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اجْعَلْنَا أَئِمَّةً هُدَاةً، كَمَا قَالَ: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [الأنبياء: ٧٣]، وَلَا تَجْعَلْنَا أَئِمَّةَ ضَلَالَةٍ كَمَا قَالَ: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [الْقَصَصِ: ٤١]، وَقِيلَ: هَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ [١] يَعْنِي وَاجْعَلِ الْمُتَّقِينَ لَنَا إِمَامًا وَاجْعَلْنَا مُؤْتَمِّينَ مُقْتَدِينَ بِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ.
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ، يعني ينالون، الْغُرْفَةَ، يعني الدرجة الرفيعة في الجنة والغرفة كُلُّ بِنَاءٍ مُرْتَفِعٍ عَالٍ وَقَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ غُرَفَ الدُّرِّ وَالزَّبَرْجَدِ [وَالْيَاقُوتِ] [٢] فِي الْجَنَّةِ، بِما صَبَرُوا، عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَاعَتِهِ. وَقِيلَ: عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ. وَقِيلَ: عَنِ الشَّهَوَاتِ وَيُلَقَّوْنَ فِيها، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ كَمَا قَالَ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مَرْيَمَ: ٥٩]. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ كَمَا قَالَ: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً [الْإِنْسَانِ: ١١]، وَقَوْلُهُ: تَحِيَّةً، أَيْ مُلْكًا وَقِيلَ بَقَاءً دَائِمًا، وَسَلاماً أَيْ: يُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يُحَيِّي بَعْضُهُمْ [بَعْضًا] [٣] بِالسَّلَامِ، وَيُرْسِلُ الرَّبُّ إِلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ. وَقِيلَ: سَلَامًا أَيْ سَلَامَةً مِنَ الْآفَاتِ.
خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦)، أَيْ: مَوْضِعَ قَرَارٍ وَإِقَامَةٍ.
قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي، قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ: أَيْ مَا يَصْنَعُ وَمَا يَفْعَلُ بِكُمْ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُقَالُ: مَا عَبَأْتُ بِهِ شَيْئًا أَيْ لَمْ أَعُدَّهُ، فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ، مَجَازُهُ: أَيُّ وَزْنٍ وَأَيُّ مقدار لكم عنده، لَوْلا دُعاؤُكُمْ إِيَّاهُ، وَقِيلَ: لَوْلَا إِيمَانُكُمْ، وَقِيلَ: لَوْلَا عِبَادَتُكُمْ، وَقِيلَ: لَوْلَا دُعَاؤُهُ إِيَّاكُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِذَا آمَنْتُمْ ظَهَرَ لَكُمْ قَدْرٌ. وَقَالَ قوم: معناه قُلْ مَا يَعْبَأُ بِخَلْقِكُمْ رَبِّي لَوْلَا عِبَادَتُكُمْ وَطَاعَتُكُمْ إِيَّاهُ يَعْنِي إِنَّهُ خَلَقَكُمْ لِعِبَادَتِهِ، كَمَا قَالَ: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) [الذَّارِيَاتِ: ٥٦]. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ.
وَقَالَ قَوْمٌ: قُلْ ما يعبأ [بكم ربي] [٤] ما يبالي بمغفرتكم لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ مَعَهُ آلِهَةً، أَوْ مَا يَفْعَلُ بِعَذَابِكُمْ لَوْلَا شِرْكُكُمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النِّسَاءِ: ١٤٧] وَقِيلَ: مَا يَعْبَأُ بِعَذَابِكُمْ لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ إِيَّاهُ فِي الشَّدَائِدِ، كَمَا قَالَ: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ [الْعَنْكَبُوتِ: ٦٥]، وَقَالَ: فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ [الْأَنْعَامِ: ٤٢]. وَقِيلَ: قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ، أيها يَقُولُ مَا خَلَقْتُكُمْ وَلِي إِلَيْكُمْ حَاجَةٌ إِلَّا أَنْ تَسْأَلُونِي فَأُعْطِيَكُمْ وَتَسْتَغْفِرُونِي فَأَغْفِرَ لَكُمْ. فَقَدْ كَذَّبْتُمْ، أَيُّهَا الْكَافِرُونَ يُخَاطِبُ أَهْلَ مَكَّةَ يَعْنِي إِنِ اللَّهَ دَعَاكُمْ بِالرَّسُولِ إِلَى تَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ فَقَدْ كَذَّبْتُمُ الرَّسُولَ وَلَمْ تُجِيبُوهُ. فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً، هذا تهديد [٥] لَهُمْ أَيْ يَكُونُ تَكْذِيبُكُمْ لِزَامًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَوْتًا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هَلَاكًا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: قِتَالًا. وَالْمَعْنَى: يَكُونُ التَّكْذِيبُ لَازِمًا لِمَنْ كَذَّبَ فَلَا يُعْطَى التَّوْبَةَ حَتَّى يُجَازَى بِعَمَلِهِ. وَقَالَ ابن جريج [٦] عذابا دائما وَهَلَاكًا مُقِيمًا يُلْحِقُ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ قَوْمٌ:
هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَأُسِرَ سَبْعُونَ. وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُجَاهِدٍ وَمُقَاتِلٍ، يَعْنِي أَنَّهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَاتَّصَلَ بِهِمْ عذاب الآخرة لازما لهم.
(١) في المطبوع «المقرب».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «تهذيبه».
(٦) في المطبوع «جرير».
460
Icon