تفسير سورة سورة فاطر من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
.
لمؤلفه
الإيجي محيي الدين
.
المتوفي سنة 905 هـ
سورة فاطر مكية
وهي خمس وأربعون آية وخمس ركوعات
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ الحمد لله فاطر ﴾ : مبدع،
﴿ السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا ﴾ : بينه وبين أنبيائه، قيل : بينه وبين خلقه بإيصال آثار صنعه إليهم،
﴿ أولي ﴾ : ذوي،
﴿ أجنحة ﴾ : متعددة،
﴿ مثنى وثلاث ورباع ﴾ : يسرعون نحو ما أمرهم الله به، صفات لأجنحة،
﴿ يزيد في الخلق ﴾ أي : في خلق الأجنحة، وغيرها كحسن الصوت والعقل،
﴿ ما يشاء ﴾، في الحديث :''رأى ليلة المعرج جبرائيل عليه السلام وله ستمائة جناح بين كل حين كما بين المشرق والمغرب''*،
﴿ إن الله على كل شيء قدير ﴾ :
﴿ ما يفتح الله ﴾ : ما يرسل ويطلق، ﴿ للناس من رحمة ﴾ : كهداية وزرق ومطر، ﴿ فلا ممسك لها ﴾ : يمنعها، ﴿ وما يمسك فلا مرسل له ﴾ : يطلقه لما فسر الشرطية في الأول بالرحمة لبيان رحمته وأبهم في الثاني أنث الضمير في الأول دون الثاني، ﴿ من بعده ﴾ : بعد إمساكه، ﴿ وهو العزيز ﴾ : الغالب، ﴿ الحكيم ﴾ : في أفعاله،
﴿ يا أيها الناس اذكروا ﴾ : احفظوا واشكروا، ﴿ نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله ﴾ أنكر أن يكون لغيره في النعم مدخل يستحق أن يشرك في الشكر، وقراءة رفع غير بأن يكون صفة تابعا للمحل، أو فاعل خالق، أو خبره، وخبر خالق محذوف على الأولين، ﴿ يرزقكم من السماء والأرض ﴾، كلام مبتدأ أو صفة بعد صفة، ﴿ لا إله إلا هو ﴾ : فهو الخالق الرازق وحده، ﴿ فأنى تؤفكون ﴾ : فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد ؟
﴿ وإن يكذبوك ﴾ : فليس ببدع، ﴿ فقد كذبت رسل ﴾ : عظام محترمون، ﴿ من قبلك ﴾ : فاصبر كما صبروا، ﴿ وإلى الله ترجع المأمور ﴾ فيجازي كلا بما يستحقه،
﴿ يا أيها الناس إن وعد الله ﴾ : بالحشر وغيره، ﴿ حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ﴾ : فيذهلنكم التلذذ بمنافعها عن العمل للآخرة، ﴿ ولا يغرنّكم بالله الغرور ﴾ : الشيطان، فيحثكم التلذذ المعاصي بإنكار الآخرة، وبوعد التوبة والمغفرة،
﴿ إن الشيطان لكم عدو ﴾ : من قديم الزمان، ﴿ فاتخذوه عدوا ﴾ : ولا تغتروا بأمانيه، ﴿ إنما يدعو حزبه ﴾ : أشياعه، ﴿ ليكونوا من أصحاب السعير ﴾ : لأن يشاركوه في المنزل والمنزلة،
﴿ الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير ﴾، بيان لحال موافقيه ومخالفيه.
﴿ أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا ﴾ : رأى الباطل حقا، ﴿ فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك ﴾ : لا تهلكها ﴿ عليهم ﴾، متعلق بلا تذهب، ﴿ حسرات ﴾، مفعول له وجواب ''أفمن زين'' ''محذوف تقديره كمن وفق فرأى الحق حقا والباطل باطلا، ويدل عليه قوله :﴿ فإن الله يضل ﴾ إلى آخره، أو تقديره ذهبت نفسك عليهم للحسرة، فيدل عليه قوله : فلا تذهب إلخ، ﴿ إن الله عليم بما يصنعون ﴾ : ليس بغافل عن صنيعهم، وهو الذي أراده فاصبر على مراد الله تعالى،
﴿ والله الذي أرسل الرياح فتثير ﴾، صيغة المضارع حكاية للحال الماضية استحضارا لتلك الصورة البديعة، ونعم ما قيل اختلاف الأفعال للدلالة على استمرار الفعل، ﴿ سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا ﴾، التفت إلى ما هو أدخل في الاختصاص لما فيهما من مزيد الصنع، ﴿ به ﴾ : بالمطر، وهو مفهوم من الكلام أو بالسحاب، فإنه السبب أيضا، ﴿ الأرض بعد موتها كذلك النشور ﴾، في الحديث ﴿ ينزل من تحت العرش مطر فيعم الأرض جميعا، وينبت الأجساد من قبورها كما ينبت الحب في الأرض ﴾،
﴿ من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ﴾ : فليطلبها منه بطاعته، فإن كلها له قال تعالى ﴿ واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا ﴾ [ مريم : ٨١ ]، ﴿ إليه ﴾ : إلى الله، ﴿ يصعد الكلم الطيب ﴾ : الذكر والدعاء والتلاوة، ﴿ والعمل الصالح ﴾ : أداء الفرائض، ﴿ يرفعه ﴾، أي : يرفع العمل الصالح الكلم الطيب، ويجعله في محل القبول ولولاه لم يقبل، أو يرفع الكلم الطيب العمل الصالح لا يقبل عمل بدون كلم التوحيد، أو العمل الصالح أي : الخالص الله يرفعه ﴿ والذين يمكرون ﴾ هم المراءون والمنافقون يوهمون أنهم في طاعة الله، وعن بعض نزل فيمن تشاور ومكر في حبس رسول الله، وإخراجه، وقتله، ﴿ السيئات ﴾ أي : المكرات والسيئات أو مفعول به لتضمين يمكرون معنى يعملون، ﴿ لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور ﴾ : يبطل، ويفسد ويظهر من يخسر عن قريب،
﴿ والله خلقكم من تراب ﴾ : بخلق آدم منه، ﴿ ثم من نطفة ﴾ : بخلق ذريته منها، ﴿ ثم جعلكم أزواجا ﴾ : ذكرانا وإناثا، ﴿ وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ﴾ : إلا معلومة لله حال من أنثى فاعل تحمل، ﴿ وما يعمر من معمر ﴾ : ما يمد في عمره من مصيره إلى الكبر، ﴿ ولا ينقص من عمره ﴾ : لغيره بأن يعطي لأحد عمر ناقص من عمر معمر، أو الضمير للمنقوص وإن لم يذكر لدلالة مقابله عليه أو الضمير للمعمر على التسامح المشهور اعتمادا على فهم السامع نحو : لك عندي درهم، ونصفه قيل : معناه لا يطول ولا يقصر عمر إنسان إلا في كتاب، فإنه مكتوب في اللوح : إن فلانا إذا حج - مثلا فعمره ستون مثلا وإلا فأربعون، وإذا حج فقد عمر، وإلا فقد نقص من عمره الذي هو الغاية وهو ستون، ﴿ إلا في كتاب ﴾ : صحيفة كتب في بطن أمه أو اللوح المحفوظ، ﴿ عن ذلك ﴾ : الحفظ، أو الزيادة والنقصان ﴿ على الله يسير ﴾
﴿ وما يستوي البحران ﴾، هذا بيان قدرة أخرى عظيمة، ﴿ هذا عذب فرات ﴾ : يكسر العطش، ﴿ سائغ ﴾ : مريء، ﴿ شرابه وهذا ملح أجاج ﴾ : يحرق بملوحته، ﴿ ومن كل ﴾ : من البحرين، ﴿ تأكلون لحما طريا ﴾ : السمك، ﴿ وتستخرجون حلية ﴾ : اللآلئ، ﴿ تلبسونها ﴾ : الحلية من الأجاج لا من العذب، ولا يلزم من عطف تستخرجون على تأكلون أن يكون الاستخراج من كل قيل : البحران مثلان للمؤمن، والكافر، ثم إن قوله ﴿ ومن كل ﴾ إلخ إما استطراد أو تتميم لتفصيل المشبه به على المشبه، ونظيره قوله :﴿ وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ﴾ [ البقرة : ٧٤ ]، ﴿ وترى الفلك فيه ﴾ : في كل ﴿ مواخر ﴾ : شواق للماء بجريها، ﴿ لتبتغوا ﴾، متعلق بمواخر، ﴿ من فضله ﴾ : من فضل الله بالتجارة، ﴿ ولعلكم تشكرون ﴾ : نعمه،
﴿ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ﴾ : يزيد من هذا في ذاك ومن ذاك في هذا، ﴿ وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ﴾ : إلى يوم القيامة، ﴿ ذلكم الله ربكم ﴾ أي : ذلك الموصوف بتلك الصفات المذكورة الله، ﴿ له الملك ﴾ : وحده، ﴿ والذين تدعون من دونه ﴾ : من ملك أو صنم، ﴿ ما يملكون من قطمير ﴾ : القشرة الرقيقة الملتفة على النواة،
﴿ إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ﴾ : فإنهم جماد، ﴿ ولو سمعوا ﴾ : على الفرض، ﴿ ما استجابوا لكم ﴾ : لعجزهم عن الإنفاع، ﴿ ويوم القيامة يكفرون بشرككم ﴾ : يتبرءون منكم قائلين : ما كنتم إيانا تعبدون، ﴿ ولا ينبئك مثل خبير ﴾ : لا يخبرك بالأمر مخبر مثل خبير عالم به، ولا عالم أعلم من الله وهو الذي أخبركم.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد ﴾، زيادة قيد الحميد ليعلم أنه جواد منعم فإن الغنى بدون الجود غير محمود،
﴿ إن يشأ يذهبكم ﴾ : فإنه غير محتاج إليكم، ﴿ ويأت بخلق جديد ﴾. غير عاصين مطيعين،
﴿ وما ذلك على الله بعزيز ﴾ : بعسير،
﴿ ولا تزر ﴾ : لا تحمل، ﴿ وازرة ﴾ : نفس آثمة، ﴿ وزر ﴾ : نفس، ﴿ أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها ﴾ أي : وإن تدع نفس أثقلتها أوزارها أحدا من الآحاد إلى أن يحمل بعض ما عليها، ﴿ لا يُحمل منه ﴾ : من وزره، ﴿ شيء ولو كان ﴾ : المدعو، ﴿ ذا قربى ﴾ : من أب وأم وابن وأخ وغيرهم، ﴿ إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ﴾ : غائبين عن الناس في السر، أو غائبين عن عذابه، أو حال عن المفعول، ﴿ وأقاموا الصلاة ﴾ : فهم المنتفعون بالإنذار، ﴿ ومن تزكى ﴾ : عن دنس المعاصي، ﴿ فإنما يتزكى ﴾ : يتطهر، ﴿ لنفسه ﴾ : نفعها لها، ﴿ وإلى الله المصير ﴾ : فيجزيه،
﴿ وما يستوي الأعمى ﴾ : الكافر، ﴿ والبصير ﴾ : المؤمن،
﴿ ولا الظلمات ﴾ : الباطل، ﴿ ولا النور ﴾ : الحق،
﴿ ولا الظل ﴾ : الثواب والجنة، ﴿ ولا الحرور ﴾ : العقاب والنار، والحرور : السموم، وتكرير لا على الشقين لمزيد التأكيد،
﴿ وما يستوي الأحياء ﴾ : المؤمنون، ﴿ ولا الأموات ﴾ : الكفار، تمثيل آخر لهما، وقيل المراد العلماء، والجهال، ﴿ إن الله يسمع من يشاء ﴾ : سماع قبول، ﴿ وما أنت بمسمع من في القبور ﴾ أي : الكفار المصرين فإنهم كالأموات في عدم الانتفاع بالموعظة،
﴿ إن أنت إلا نذير ﴾ : فما عليك إلا الإنذار،
﴿ إنا أرسلناك بالحق ﴾ أي : محقا أو محقين وقيل : إرسالا مصحوبا بالحق، ﴿ بشيرا ﴾ : للمؤمنين، ﴿ ونذيرا ﴾ : للكافرين، ﴿ وإن من أمة ﴾ : أهل كل عصر، ﴿ إلا خلا ﴾ : مضى، ﴿ فيها نذير ﴾ : نبي ينذرهم من عقاب الله، ومتى بقيت آثار النذارة صدق أن تلك الأمة لم تخل عن نذير، ولهذا لما اندرست آثار نذارة عيسى بعث الله سيد الكونين -عليهما الصلاة والسلام-
﴿ وإن يكذبوك ﴾ : فلا تحزن لأنه ليس ببدع، ﴿ فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم ﴾، من باب التنازع والعمل للثاني، ﴿ بالبينات وبالزبر ﴾ : الكتب، ﴿ وبالكتاب المنير ﴾ : الواضح المبين، العطف لتغاير الوصفين،
﴿ ثم أخذت ﴾ : أهلكت، ﴿ الذين كفروا فكيف كان نكير ﴾ : إنكاري، وتغييري لهم بالعقوبة.
﴿ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ﴾ : هيآتها كالصفرة والخضرة، أو أجناسها كالرمان والتفاح، ﴿ ومن الجبال جدد ﴾ أي : ذو جدد أي خطط، وطرائق جملة من مبتدأ وخبر، ﴿ بيض ﴾ : كالعروق، ﴿ وحمر ﴾ يعني : بعضها أبيض، وبعضها أحمر، ﴿ مختلف ألوانها ﴾ : أجناسها بالشدة والضعف، ﴿ وغرابيب سود ﴾ يقال : أسود غريب أي : شديد السواد عطف على بيض أصله سود غرابيب حذف الموصوف ثم فسر به، وعن عكرمة : هي الجبال الطوال السود،
﴿ ومن الناس والدواب والأنعام مختلفة ألوانه كذلك ﴾ أي : الأمر كذلك كما بين ولخص، أو مختلف ألوانه اختلافا كذلك أي : كاختلاف الثمار والجبال، ﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾، لما قال ألم تعلم إنزال المطر وآثاره، واختلاف هيئات الأجناس الذي هو من آثار صنع الله، أتبع ذلك كذلك ﴿ إنما يخشى الله ﴾ إلخ، كأنه قال الأمر كما ذكر لكن إنما ينجح الخطاب ويؤثر فيمن يخشى الله بالغيب، فوضع موضعه إنما يخشى الله من عباده العلماء تعريضا لجهل الكفرة، ومن يدعي العلم ولم يخش الله وتنويها برفع منزلة العلماء العاملين ويلزم من الجمع المحلى باللام المفيد للعموم أن من لم يخش لم يكن عالما قال مسروق : كفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار بالله جهلا، ﴿ إن الله عزيز ﴾ : فيتمكن من الانتقام، ﴿ غفور ﴾ : للعصاة فحقه أن يخشى ويرجى،
﴿ إن الذين يتلون كتاب الله ﴾ : يداومون قراءته أو متابعته، ﴿ وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ﴾ : في جميع أحوالهم، ﴿ يرجونتجارة ﴾ : طلب ثواب طاعة وهو خبر إن، ﴿ لن تبور ﴾ : لن تهلك بالخسران،
﴿ ليوفيهم ﴾ : على للتلاوة والإقامة والإنفاق، أو متعلق بلن تبور، ﴿ أجورهم ويزيدهم من فضله ﴾ : على الأجر مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ﴿ إنه غفور ﴾ : لفرطاتهم، ﴿ شكور ﴾ : لطاعاتهم،
﴿ والذي أوحينا إليك من الكتاب ﴾، من للتبيين يعني القرآن، ﴿ هو الحق مصدقا لما بين يديه ﴾ : من الكتب السماوية، ﴿ إن الله بعباده لخبير بصير ﴾ : عالم بالبواطن والظواهر، ولهذا اجتباك وأنزل عليك هذا الكتاب،
﴿ ثم أورثنا ﴾ : حكمنا بتوريثه منك أو عبر بالماضي عن المضارع لتحققه، ﴿ الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ﴾ : آلك وأصحابك ومن بعدهم من أمتك، ﴿ فمنهم ظالم لنفسه ﴾ : لتقصيرهم في العمل به، وهم يحبسون في طول المحشر حتى يصيبهم الهم الطويل، ثم يدخلون الجنة وفي الحديث ﴿ هم الذين يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾ ويدل على ما فسرنا الأحاديث الكثيرة، ﴿ ومنهم مقتصد ﴾ : لأنهم يعملون به في أغلب أحوالهم، وهم يحاسبون حسابا يسيرا، ﴿ ومنهم سابق بالخيرات ﴾ : بالطاعات هم الأولياء والأبرار، ﴿ بإذن الله ﴾ : بأمره، وإرادته وهم يدخلون الجنة من غير حساب، أخر السابقين لقلتهم، وللترقي من الأدنى، وعن عائشة حين سأل عقبة عن تلك الآيات ''يا بني كلهم في الجنة أمّا السابق فمن مضى على عهد رسول -الله صلى الله عليه وسلم- وشهد له بالجنة، وأما المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه، وأما الظالم فمثلي ومثلكم''، وهذا منها -رضي الله عنها- من باب التواضع، وهضم النفس وعن بعض الظالم لنفسه كافر أو منافق فحينئذ ضمير منهم للعباد لا للذين اصطفينا والأول أصح، ﴿ ذلك ﴾ : التوريث، وقيل السبق، ﴿ هو الفضل الكبير ﴾ : العظيم،
﴿ جنات عدن ﴾، مبتدأ ﴿ يدخلونها ﴾، والضمير للمصطفين، وفي الشواذ جنات بالنصب على شريطة التفسير، ﴿ يُحَلّوْنَ فيها ﴾، خبر بعد خبر، أو حال مقدرة من حلية المرأة إذا جعلت لها حليا، ﴿ من أساور ﴾ جمع سوار، ومن للتبعيض، ﴿ من ذهب ﴾، بيان لأساور، ﴿ ولؤلؤا ﴾ بالنصب عطف على محل من أساور، ﴿ ولباسهم فيها حرير ﴾
﴿ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ﴾ : هموم الدارين، ﴿ إنا ربنا لغفور ﴾ : للذنوب، ﴿ شكور ﴾ : للطاعة،
﴿ الذي أحلّنا دار المُقامة ﴾ : الإقامة، ﴿ من فضله ﴾ : إذ لا يجب عليه شيء، ﴿ لا يمسنا فيها نصب ﴾ : تعب، ﴿ ولا يمسّنا فيها لغوب ﴾ : كلال،
﴿ والذين كفروا ﴾، مقابل للذين اصطفينا، ﴿ لهم نار جهنم لا يُقضى عليهم ﴾ : بموت فيها، ﴿ فيموتوا ﴾، جواب النفي منصوب بإضمار أن، ﴿ ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك ﴾ : مثل ذلك الجزاء، ﴿ نجزي كل كفور ﴾ : مبالغ في الكفر أو الكفران،
﴿ وهم يصطرخون ﴾ من الصراخ وهو الصياح بجهد وشدة، ﴿ فيها ﴾ : قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا ﴾ أي : عملا صالحا، ﴿ غير الذي كنا نعمل ﴾، بدل أو صفة وفائدته التحسر، والاعتراف بالذنب، ﴿ أو لم نعمّركم ﴾، جواب من الله لهم، ﴿ ما يتذكر فيه من تذكر ﴾، ما موصولة، ومن فاعل يتذكر والأصح الذي يدل عليه الأحاديث أنه ستون سنة وعن زين العابدين : إنه سبع عشر سنة، وعن كثير : إنه أربعون، ﴿ وجاءكم ﴾، عطف على معنى أو لم نعمركم كأنه قال عمرناكم وجاءكم، ﴿ النذير ﴾ : الرسول، أو الشيب، ﴿ فذوقوا فما للظالمين من نصير ﴾.
﴿ إن الله عالم غيب السماوات والأرض ﴾ : فلا يخفى عليه أحوالهم، ﴿ إنه عليم بذات الصدور ﴾، تعليل له أي : إذا علم مضمرات الصدور فكيف يخفى عليه شيء آخر ؟ !
﴿ هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ﴾ جمع خليفة أي : خلفاء قوم آخرين أورثكم أرضهم وملككم مقاليد التصرف، وسلطكم فيها، ﴿ فمن كفر فعليه كفره ﴾ : لا يضر غيره، ﴿ ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ﴾ : أشد البغض، وهم يحسبون أن آلهتهم شفعاءهم، ﴿ ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ﴾ : وهم يحسبون أنهم على شيء إلا أنهم هم الخاسرون،
﴿ قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ﴾، بدل من أرأيتم أو تأكيد أرأيتم لأنه بمعنى أخبروني عن شركائكم، ﴿ ماذا خلقوا من الأرض ﴾ : هل استبدوا بخلق شيء حتى استحقوا العبادة ؟ ! ﴿ أم لهم شرك في السماوات ﴾ : شركة مع الله في خلقها، ﴿ أم آتيناهم ﴾ أي : الأصنام أو المشركين، ﴿ كتابا ﴾ : بأنهم شركائي، ﴿ فهم على بينة ﴾ : حجة واضحة، ﴿ منه ﴾ : من ذاك الكتاب، والظاهر أنه للترقي فإن الاستبداد بخلق جزء من الأرض أقل دلالة من أن يكونوا شركاء في خلق السماوات، ثم إيتاء كتاب من الله أدل وأدل، وأم منقطعة، ﴿ بل إن يعد الظالمون بعضهم ﴾، بدل من ''الظالمون''، ﴿ بعضا إلا غرورا ﴾، فإن الأخلاف والأتباع اعتمدوا على قول الرؤساء والأسلاف بأنهم شفعاء عند الله،
﴿ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ﴾أي : كراهة الزوال، أو يمنعها من الزوال أو يمنعها من الزوال فإن الإمساك منع، ﴿ ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ﴾، الجملة المنفية ساد مسد الجوابين، و ''من'' الأولى زائدة والثانية ابتدائية، ﴿ إنه كان حليما غفورا ﴾ : لا يعاجل بالعقوبة مع تلك القدرة التامة،
﴿ وأقسموا بالله ﴾ : قبل مبعث محمد عليه السلام، ﴿ جهد أيمانكم ﴾، مفعول مطلق أي قسما غليظا، ﴿ لئن جاءهم نذير ﴾ : نبي، ﴿ ليكونن أهدى من إحدى الأمم ﴾ : أي من الأمة التي هي إحدى الأمم أي : أفضلهم وأهداهم تقول : فلان واحد القوم وأوحدي العصر، ولهذا قال الضحاك : معناه من جميع الأمم الذين أرسل إليهم الرسل أو من اليهود والنصارى وغيرهم، ﴿ فلما جاءهم نذير ما زادهم ﴾ أي : مجيئه، ﴿ إلا نفورا ﴾ : عن الحق،
﴿ استكبارا ﴾، بدل من نفورا أو مفعول له قيل استكبروا استكبارا، ﴿ في الأرض ومكر السيئ ﴾، من إضافة الموصوف إلى الصفة بدليل قوله :﴿ ولا يحيق ﴾ : يحيط، ﴿ المكر السيئ إلا بأهله ﴾ : بالماكر، ﴿ فهل ينظرون ﴾ : ينتظرون، ﴿ إلا سنة الأولين ﴾ : سنة الله فيهم بتعذيب المكذبين جعل استقبالهم لذلك انتظارا له منهم، ﴿ فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ﴾ : فيصل العذاب البتة، ويصل إليهم لا إلى غيرهم،
﴿ أو لم يسيروا في الأرض فينظرون كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ﴾ : فإنه يشاهد آثار العذاب من آثارهم، ﴿ وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه ﴾ : ليسبقه، ويفوت عنه، ﴿ من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ﴾
﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها ﴾ : ظهر الأرض، ﴿ من دابة ﴾ : بشؤم معاصيهم، وقيل : المراد من الدابة الإنس وحده، ﴿ ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ﴾ : يوم القيامة أو إلى جهلهم المقدر المعين، ﴿ فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ﴾ : فيجازيهم على ما علم من عملهم.
اللهم عاملنا معاملة فضلك لا عدلك،
والحمد لله حق حمده.