تفسير سورة فاطر

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة فاطر من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
سورة فاطر --- سورة الملائكة
آيها خمس وأربعون
هي مكية نزلت بعد سورة الفرقان.
ومناسبتها لما قبلها : إنه لما ذكر سبحانه في آخر سابقتها هلاك المشركين وإنزالهم منازل العذاب- لزم المؤمنين حمده تعالى وشكره كما جاء في قوله :( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين( ( الأنعام : ٤٥ ).

بسم الله الرحمن الرحيم

( الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير( ( فاطر : ١ ).
تفسير المفردات :
فطر الشيء : أوجده على غير مثال سابق، رسلا : أي وسائط بينه وبين أنبيائه يبلغون عنه رسالاته، مثنى وثلاث ورباع : أي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة.
الإيضاح :
( الحمد لله فاطر السماوات والأرض( أي له سبحانه الشكر، فقد أبدع خلق السماوات والأرض وما بينهما على غير مثال سابق وأحكم تدبيرهما على أتم نظام، كما قيل ليس في الإمكان أبدع مما كان.
( جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع( أي جاعل الملائكة وسائط بينه وبين أنبيائه يبلغون إليهم رسالاته- ذوي أجنحة إما اثنين اثنين، وإما ثلاثة ثلاثة، وإما أربعة أربعة.
والأجنحة في العالم المادي تساعد على الطيران وكثرتها تومئ إلى السرعة، وهي في عالم الأرواح ترشد إلى القدرة على السرعة في تنفيذ أوامر الله وتبليغ رسالات ربهم إلى أنبيائه.
وفي هذا إيماء إلى أن الملائكة تتفاوت أقدارهم وقواهم عند الله تعالى بحسب استعدادهم الروحي. وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح " وفي هذا رمز إلى قوة استعداده الروحي وقربه من الملأ الأعلى وسرعة تنفيذه ما يؤمر به.
( يزيد في الخلق ما يشاء( أي يزيد في خلق الأجنحة ما يشاء، كما يزيد في أرجل الحيوان ما يشاء حتى لقد تبلغ فوق العشرين أحيانا، وهكذا يزيد في تفاوت العقول والنفوس والقوى المادية والمعنوية كما قيل :
والناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عنا
ثم ذكر ما هو كالدليل لما سبق بقوله :
( إن الله على كل شيء قدير( فيزيد كل ما هو أهل للزيادة وما هو مستعد لها، حسية كانت أو معنوية، فلا يمتنع عليه فعل شيء أراده، لما له من القدرة والسلطان على كل شيء.
( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم( ( فاطر : ٢ ).
المعنى الجملي : بعد أن وصف سبحانه نفسه بالقدرة الكاملة والإرادة النافذة- أيد ذلك بما يشاهده كل أحد في نفسه من الضيق حينا والسعة حينا آخر، مع العجز عن دفع البؤس إن وجد، وجلب النعمة لو أراد.
تفسير المفردات :
يفتح : يعطي، ورحمة : أي نعمة حسية كانت أو معنوية، كرزق وصحة وأمن وعلم وحكمة، إلى نحو ذلك مما لا يحاط به.
الإيضاح :
مفاتيح الخير ومغاليقه كلها بيده سبحانه، فما يعط من خير فلا يستطيع أحد منعه ولا إمساكه، وأي خير يمسكه فلا يبسطه ولا يفتحه لهم فاتح، لأن الأمور كلها بيده، ومنه البذل والعطاء، والمنع والإمساك.
وهو الغالب على كل ما يشاء من الأمور التي منها الفتح والإمساك، وهو الحكيم الذي يفعل كل ما يفعل بحسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
وفي الآية عظة للناس بالإقبال إلى ربهم والتوجه إليه في قضاء حاجاتهم، والتوكل عليه في جميع مآربهم، والإعراض عما سواه من جميع خلقه.
ونحو الآية قوله :( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله( ( يونس : ١٠٧ ).
روى أحمد بن المغيرة بن شعبة أنه قال :" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا انصرف من الصلاة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ".
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول :" سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد اللهم أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد : اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ".
وأخرج ابن المنذر عن عامر بن عبد قيس قال : أربع آيات من كتاب الله إذا قرأتهن فما أبالي ما أصبح عليه وأمسي :( ١ ) ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده( ( ٢ ) ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله( ( يونس : ١٠٧ )، ( ٣ ) ( سيجعل الله بعد عسر يسرا( ( الطلاق : ٧ ). ( ٤ ) ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها( ( هود : ٦ ).
( يأيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون( ( فاطر : ٣ ).
المعنى الجملي : بعد أن أبان سبحانه أنه وحده هو المنعم بما يشاهده كل أحد في نفسه- أمر بذكر نعمه بالاعتراف بها والشكر عليها.
تفسير المفردات : أنى تؤفكون : أي كيف تصرفون عن توحيد الخالق، مع الاعتراف بأنه وحده هو الرازق. وتشركون المنحوت : بمن له الملك والملكوت.
الإيضاح : أيها الناس راعوا نعم الله، واحفظوها بمعرفة حقها والاعتراف بها، وخصوا خالقها بالعبادة والطاعة فهو الذي بيده أرزاقكم وأقواتكم، فإلي أي وجه تصرفون عنه بعد أن استبان الحق، ووضح السبيل.
والخلاصة : احفظوا نعم الله وأدوا حقها، ولا تشركوا به سواه من الأصنام والأوثان، بعد وضوح الدليل وسطوع البرهان.
( وإن يكذبوك فقد كذبت رسل مكن قبلك وإلى الله ترجع الأمور٤ يأيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور٥ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير( ( فاطر : ٤-٦ )
المعنى الجملي : بعد أن ذكر الأصل الأول وهو التوحيد- ثنى بذكر الأصل الثاني وهو الرسالة وسلى رسوله على تكذيب قومه له بأنه ليس ببدع بين الرسل فقد كذب كثير منهم قبله، فعليه أن يتأسى بهم ويصبر على أذاهم- ثم ذكر الأصل الثالث وهو البعث والنشور مع بيان أنه حق لا شك فيه، وأنه لا ينبغي أن يقبلوا فيه وساوس الشيطان، فإنه عدو لبني آدم ولا يرشدهم إلا إلى الذنوب والآثام التي توصلهم إلى عذاب النار، وبئس القرار.
الإيضاح :
( وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور( أي وإن استمر قومك على تكذيبك فيما بلغته إليهم من الحق المبين، بعد أن أقمت لهم الحجج وضربت الأمثال، فتأس بمن سبقك من الرسل فقد صبروا على ما أوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلماتنا.
وإلى الله مرجع أمرك وأمرهم فيجازيك وإياهم على الصبر والتكذيب.
( وإن يكذبوك فقد كذبت رسل مكن قبلك وإلى الله ترجع الأمور٤ يأيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور٥ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير( ( فاطر : ٤-٦ )
المعنى الجملي : بعد أن ذكر الأصل الأول وهو التوحيد- ثنى بذكر الأصل الثاني وهو الرسالة وسلى رسوله على تكذيب قومه له بأنه ليس ببدع بين الرسل فقد كذب كثير منهم قبله، فعليه أن يتأسى بهم ويصبر على أذاهم- ثم ذكر الأصل الثالث وهو البعث والنشور مع بيان أنه حق لا شك فيه، وأنه لا ينبغي أن يقبلوا فيه وساوس الشيطان، فإنه عدو لبني آدم ولا يرشدهم إلا إلى الذنوب والآثام التي توصلهم إلى عذاب النار، وبئس القرار.
الإيضاح :
ثم ذكر أن البعث آت لا ريب فيه فقال :
( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور( أي إن وعد الله بالحشر والجزاء حق لا شك فيه، فلا تغرنكم الحياة الدنيا فيذهلنكم التمتع بمتاعها، ولا يلهينكم التلهي بزخارفها عن تدارك ما ينفعكم يوم حلول الميعاد اتباعا لوساوس الشيطان.
والخلاصة : إنكم لا تغتروا بالحياة الدنيا، وتتركوا فعل ما أمرتم به، وتفعلوا ما نهيتم عنه.
ثم ذكر العلة في عدم الاغترار بالشيطان فقال :( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا(.
( وإن يكذبوك فقد كذبت رسل مكن قبلك وإلى الله ترجع الأمور٤ يأيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور٥ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير( ( فاطر : ٤-٦ )
المعنى الجملي : بعد أن ذكر الأصل الأول وهو التوحيد- ثنى بذكر الأصل الثاني وهو الرسالة وسلى رسوله على تكذيب قومه له بأنه ليس ببدع بين الرسل فقد كذب كثير منهم قبله، فعليه أن يتأسى بهم ويصبر على أذاهم- ثم ذكر الأصل الثالث وهو البعث والنشور مع بيان أنه حق لا شك فيه، وأنه لا ينبغي أن يقبلوا فيه وساوس الشيطان، فإنه عدو لبني آدم ولا يرشدهم إلا إلى الذنوب والآثام التي توصلهم إلى عذاب النار، وبئس القرار.
الإيضاح :
( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا( أي إن الشيطان معلن عداوته لكم بوسوسته، فعادوه أنتم أشد العداوة، وخالفوه وكذبوه فيما يغركم به.
ثم ذكر أعماله ودعوته أتباعه إلى الغواية والضلالة فقال :
( إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير( أي ما غرضه من دعوة شيعته إلى اتباع الهوى والركون إلى لذات الدنيا إلا إضلالهم وإلقاؤهم في العذاب الدائم من حيث لا يشعرون.
( الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير٧ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون( ( فاطر : ٧-٨ ).
المعنى الجملي : بعد أن أبان أن الشيطان يضل أتباعه ويدعوهم إلى النار- ذكر هنا أن حزب الشيطان له العذاب الشديد، وأن حزب الله له المغفرة والأجر الكبير، ثم بين أن الضلالة والهداية بيد الله بحسب ما يعلم من الاستعداد وصفاء النفوس وقبول الهداية، أو تدسيتها وارتكابها الإجرام والمعاصي، فلا تحزن على ما ترى من ضلال قومك وإتباعهم لوساوس الشيطان، والله عليم بحالهم وسيجازيهم بما يستحقون.
أخرج جويبر عن الضحاك أن الآية نزلت في عمر رضي الله عنه وأبي جهل حيث هدى الله عمر وأضل أبا جهل.
الإيضاح :
( الذين كفروا لهم عذاب شديد( أي الذين كفروا بالله ورسوله لهم عذاب شديد في النار، من جراء كفرهم وإجابتهم دعوة الشيطان واتباعهم خطواته.
( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير( أي والذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بما أمرهم به وانتهوا عما نهاهم عنه- لهم مغفرة من الله لذنوبهم وأجر كبير كفاء ما ملئوا به قلوبهم من عامر الإيمان، وأخبتوا لربهم بصالح الأعمال.
ثم بين البعد ما بين الفريقين، واختلاف حال الفئتين فقال :( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا(.
( الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير٧ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون( ( فاطر : ٧-٨ ).
المعنى الجملي : بعد أن أبان أن الشيطان يضل أتباعه ويدعوهم إلى النار- ذكر هنا أن حزب الشيطان له العذاب الشديد، وأن حزب الله له المغفرة والأجر الكبير، ثم بين أن الضلالة والهداية بيد الله بحسب ما يعلم من الاستعداد وصفاء النفوس وقبول الهداية، أو تدسيتها وارتكابها الإجرام والمعاصي، فلا تحزن على ما ترى من ضلال قومك وإتباعهم لوساوس الشيطان، والله عليم بحالهم وسيجازيهم بما يستحقون.
أخرج جويبر عن الضحاك أن الآية نزلت في عمر رضي الله عنه وأبي جهل حيث هدى الله عمر وأضل أبا جهل.
تفسير المفردات : الحسرات : واحدها حسرة، وهي الغم على ما فات والندم عليه.
الإيضاح :
( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا( أي أفمن حسن له الشيطان سيء الأعمال من معاصي الله والكفر به وعبادة ما دونه من الآلهة والأوثان، فحسب سيء ذلك حسنا، وظن قبحه جميلا، ألك فيه حيلة ؟
ثم ذكر السبب في اتجاه كل من الفريقين إلى ما اتجه إليه فقال :
( فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء( أي فإن ذلك الإضلال بمشيئة الله تعالى التابعة لعلمه باستعداد النفوس للخير وللشر، وقد تقدم ذلك غيره مرة، فلا حاجة إلى الإطناب فيه.
ثم أتى بما هو كالنتيجة لما سلف فقال :
( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات( أي فلا تأسف على عدم إيمانهم وعدم إجابتهم دعوتك، فإن الله حكيم في قدره، فهو يضل من يضل من عباده ويهدي من يشاء لما له في ذلك من الحجة البالغة، والعلم التام باستعداد النفوس، إما بإخباتها لربها، وإنابتها إليه، وميلها إلى صالح العمل، وإما بتدسيتها وحبها لاجتراح السيئات، وارتكاب الموبقات.
ونحو الآية قوله :( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا( ( الكهف : ٦ ).
ثم هدد الكافرين على قبيح أعمالهم فقال :
( إن الله عليما بما يصنعون( أي إن الله عليم بما يصنعون من القبائح، فيجازيهم عليه بما يستحقون، وفي هذا وعيد تهد منه الجبال وتدك منه الأرض دكا.
( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور٩ من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور ١٠ والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير( ( فاطر : ٩-١١ ).
المعنى الجملي : بعد ان ذكر عز اسمه أن الكافرين لهم عذاب شديد يوم القيامة، وأن الذين يعملون الصالحات لهم أجر كبير عند ربهم في ذلك اليوم- أردف ذلك بيان أن هذا اليوم لا ريب فيه، وضرب المثل الذي يدل على تحققه لا محالة، ثم ذكر أن من يريد العزة فليطع الله ورسوله، ولا يتعزز بعبادة الأصنام والأوثان كما أخبر الله عنهم ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا( ( مريم : ٨١ ) وأن العمل الطيب يرفع إلى الله ويحفظ لديه ويجازي عليه، ثم أعقب ذلك بأن من يمكر بالمؤمنين ويريد خداعهم فالله يفسد عليه تدبيره ويجازيه بما عمل شر الجزاء، وبعد أن ذكر دليل البعث بما يشاهده في الآفاق من دلائل القدرة، ذكر دليلا عليه بما يرى في الأنفس من اختلاف أطوارها، فقد كانت ترابا ثم نطفة ثم وضعت في الأرحام إلى أن صارت بشرا سويا، ومنها ما يمد في عمرها، ومنها ما يخترم قبل ذلك، كما تدل عليه المشاهدة، وكل ذلك يسير على الله.
تفسير المفردات :
أرسل : أي أطلق وأوجد من العدم، تثير : أي تحرك، ميت وميّت : بمعنى قاله محمد بن زيد وأنشد :
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميّت الأحياء
إنما الميت من يعيش كئيبا كاسفا باله قليل الرجاء
ويرى بعضهم أن الميت بالتخفيف هو الذي مات، والميّت بالتشديد، والمائت هو الذي لم يمت بعد وأنشد :
ومن يك ذا روح فذلك ميّت وما الميت إلا من إلى القبر يحمل
والمراد أنه لا نبات فيه، والنشور : إحياء الأموات يقال نشر الله الميت وأنشره أي أحياه.
الإيضاح :
( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور( أي أفلا تتدبرون وتعقلون فتعلموا أن من أوجد الرياح بعد أن لم تكن، ثم جعلها تسير السحاب الثقال، فتنزل منها الغيث إلى الأرض الجرز التي لا نبات بها، فتحيا بعد أن كانت ميتة وتهتز وتربو وتنبت كل زوج بهيج- أفليس ذلك القادر الحكيم الذي أحيا ميت الأرض بقادر على أن يحي الموتى بعد بلاها، وبعد أن كانت عظاما نخرة ؟ إنه على كل شيء قدير.
وعن أبي رزين قال :" قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى ؟ وما آية ذلك في خلقه ؟ قال صلى الله عليه وسلم " يا أبا رزين أما مررت بوادي قومك ممحلا، ثم مررت به يهتز خضرا ؟ " قلت : بلى، قال صلى الله عليه وسلم :" فكذلك يحيي الله الموتى ".
( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور٩ من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور ١٠ والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير( ( فاطر : ٩-١١ ).
المعنى الجملي : بعد ان ذكر عز اسمه أن الكافرين لهم عذاب شديد يوم القيامة، وأن الذين يعملون الصالحات لهم أجر كبير عند ربهم في ذلك اليوم- أردف ذلك بيان أن هذا اليوم لا ريب فيه، وضرب المثل الذي يدل على تحققه لا محالة، ثم ذكر أن من يريد العزة فليطع الله ورسوله، ولا يتعزز بعبادة الأصنام والأوثان كما أخبر الله عنهم ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا( ( مريم : ٨١ ) وأن العمل الطيب يرفع إلى الله ويحفظ لديه ويجازي عليه، ثم أعقب ذلك بأن من يمكر بالمؤمنين ويريد خداعهم فالله يفسد عليه تدبيره ويجازيه بما عمل شر الجزاء، وبعد أن ذكر دليل البعث بما يشاهده في الآفاق من دلائل القدرة، ذكر دليلا عليه بما يرى في الأنفس من اختلاف أطوارها، فقد كانت ترابا ثم نطفة ثم وضعت في الأرحام إلى أن صارت بشرا سويا، ومنها ما يمد في عمرها، ومنها ما يخترم قبل ذلك، كما تدل عليه المشاهدة، وكل ذلك يسير على الله.
تفسير المفردات :
العزة : أي الشرف والمنعة من قولهم أرض عزاز : أي صلبة، والكلم الطيب : هو التوحيد أو الذكر أو قراءة القرآن، وصعوده إلى الله : قبوله والعمل الصالح : هو ما كان بإخلاص، يرفعه : أي يقبله، يمكرون : أي يعملون على وجه المكر والخديعة، والسيئات : المكرات السيئات كأن يراؤوا المؤمنين في أعمالهم يوهمونهم أنهم في طاعة الله، يبور : أي يفسد من البوار وهو الهلاك.
الإيضاح :
( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا( أي من كان يود أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى، فإن بها تنال العزة إذ الله العزة فيهما جميعا.
( إليه يصعد الكلم الطيب( أي إنه سبحانه يقبل طيب الكلام كالتوحيد والذكر وقراءة القرآن، ومن الذكر : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
( والعمل الصالح يرفعه( صلاح العمل بالإخلاص فيه، وما كان كذلك قبله الله وأثاب عليه، وما لا إخلاص فيه فلا ثواب عليه بل عليه العقاب، فالصلاة والزكاة وأعمال البر إذا فعلت مراءاة للناس لا يتقبلها الله كما قال سبحانه :( فويل للمصلين٤ الذين هم عن صلاتهم ساهون٥ الذين هم يراءون ٦ويمنعون الماعون( ( الماعون : ٤-٧ ).
وروي عن ابن عباس أنه قال : الكلام الطيب ذكر الله، والعمل الصالح أداء فرائضه. وعن الحسن وقتادة : لا يقبل الله قولا إلا بعمل، من قال وأحسن قبل الله منه.
والخلاصة : إن القول إذا لم يصحبه عمل لا يقبل، وأنشدوا :
لا ترض من رجل حلاوة قوله حتى يزين ما يقول فعال
وإذا وزنت فعاله بمقاله فتوازنا فإخاء ذاك جمال
وقال ابن المقفع : قول بلا عمل كثريد بلا دسم، وسحاب بلا مطر، وقوس بلا وتر.
وبعد أن ذكر أن العمل الصالح يصعد إلى الله، ذكر أن المرائين لا يتقبل منهم عمل، ولهم عذاب شديد عند ربهم قال :
( والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد( أي والذين يمكرون المكر السيء بالمسلمين، بأن يعملوا كل ما يكون سببا في ضعف الإسلام والحط من قدره حتى يمحي أثره من الوجود، كما فعلت قريش في دار الندوة، إذ تدارست الرأي في شان النبي صلى الله عليه وسلم بحبسه أو قتله أو إجلائه من مكة - لهم العذاب الشديد يوم القيامة.
( ومكر أولئك هو يبور( أي ومكر هؤلاء المفسدين يظهر زيفه عن قريب لأولي البصائر، فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فالمرائي لا يروج أمره ولا يتفق إلا على غبي، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم، بل ينكشف عن قريب، ويجازون عليه أشد الخزي والهوان.
( والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور٩ من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور ١٠ والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير( ( فاطر : ٩-١١ ).
المعنى الجملي : بعد ان ذكر عز اسمه أن الكافرين لهم عذاب شديد يوم القيامة، وأن الذين يعملون الصالحات لهم أجر كبير عند ربهم في ذلك اليوم- أردف ذلك بيان أن هذا اليوم لا ريب فيه، وضرب المثل الذي يدل على تحققه لا محالة، ثم ذكر أن من يريد العزة فليطع الله ورسوله، ولا يتعزز بعبادة الأصنام والأوثان كما أخبر الله عنهم ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا( ( مريم : ٨١ ) وأن العمل الطيب يرفع إلى الله ويحفظ لديه ويجازي عليه، ثم أعقب ذلك بأن من يمكر بالمؤمنين ويريد خداعهم فالله يفسد عليه تدبيره ويجازيه بما عمل شر الجزاء، وبعد أن ذكر دليل البعث بما يشاهده في الآفاق من دلائل القدرة، ذكر دليلا عليه بما يرى في الأنفس من اختلاف أطوارها، فقد كانت ترابا ثم نطفة ثم وضعت في الأرحام إلى أن صارت بشرا سويا، ومنها ما يمد في عمرها، ومنها ما يخترم قبل ذلك، كما تدل عليه المشاهدة، وكل ذلك يسير على الله.
تفسير المفردات :
أزواجا : أي أصنافا ذكرانا وإناثا، يعمر من معمر أي يمد في عمر أحد، في كتاب : أي في صحيفة المرء.
الإيضاح :
ثم ذكر دليلا على صحة البعث بما يرى في الأنفس فقال :
( والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا( أي والله خلق الناس من النطفة، والنطفة من الغذاء، والغذاء ينتهي آخرا إلى الماء والتراب، فهم من تراب صار نطفة، ثم جعلهم أصنافا ذكرانا وإناثا بقدر معلوم بحيث يكاد الفريقان يستويان عددا، ولو لم يكن كذلك لفني الإنسان والحيوان، إذ حفظ النوع لا يتم إلا بتلك المساواة على وجه التقريب، ولا تكون المساواة إلا بتدبير وعلم، وإلى ذلك أشار بقوله :
( وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه( أي ولا تحمل الأنثى ولا تضع إلا وهو عليم بذلك لا يخفى عليه، ولو لم يكن كذلك وكانت المصادفة العمياء هي صاحبة السلطان في هذا العالم، لم يتم التوازن في العدد بين الزوجين فيفنى الإنسان والحيوان.
ونحو الآية قوله :( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار٨ عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال( ( الرعد : ٨-٩ ).
( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب( أي لا أحد يقضى له بطول العمر إلا وهو بالغ ما قدر له، لا يزيد على ذلك ولا ينقص منه، ولا أحد مقدر له قصر العمر بزائد على ما قدر له في الكتاب الذي كتب له، وذلك لحفظ الموازين في الأرض حتى ينتظم العمران، ولو لم يكن على هذا النحو لاختلط الحابل بالنابل، وساء حال الكون، إذ يكثر الناس وتزدحم الأرض ويشتد الكرب، ومن ثم تفاوتت الأعمار في جميع الأمصار وكانت بمقدار، واعتدل النظام بالمرض والموت، والوباء والحرب.
( إن ذلك على الله يسير( أي إن ذلك النظام البديع للعالم- هين على الله لعلمه الشامل، وعدم خفاء شيء عليه.
( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون١٢ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل تجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير١٣ إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير( ( فاطر : ١٢-١٤ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر الأدلة على إثبات البعث وضرب المثل لذلك بإحياء الأرض الميتة بعد إنزال الغيث عليها- أردف هذا ذكر البراهين المختلفة على وحدانيته وعظيم قدرته بخلقه الأشياء المتحدة في الجنس المختلفة في المنافع، فهذا ماء عذب ذلال يجري في الأقاليم والأمصار، والبراري والقفار، يسقى منه الإنسان والحيوان وينبت النبات الذي فيه غذاء لهما، وهذا ماء ملح أجاج تسير فيه السفن الكبار ويستخرج منه اللؤلؤ والمرجان، ومن كل منهما تأكل لحما طريا فيه لذة للآكلين، وهذان ليل ونهار، ضياء وظلام، يدخل أحدهما في الآخر فيأخذ هذا من طول ذاك، ويزيد هذا في قصر ذاك فيعتدلان، ثم يتقارضان صيفا وشتاء، وسخر الشمس والقمر والنجوم الثوابت والسيارات، كل يجري بمقدار معين وعلى نهج ثابت لا يتغير، وكل ذلك بتقدير العزيز العليم.
أما ما تدعون من دونه من الأصنام والأوثان فلا يملكون شروى نقير، ولا يسمعون لكم دعاء، ولا يستجيبون لدعوة، ويوم القيامة يتبرؤون منكم إذا دعوتموهم واستشفعتم بهم، ولا ينبئك بهذا إلا الخبير وهو ربك العليم بما كان وما سيكون.
تفسير المفردات :
عذب : أي حلو لذيذ طعمه، فرات : أي كاسر للعطش مزيل له، سائغ : أي سهل انحداره لخلوه مما تعافه النفس، أجاج : أي شديد الملوحة والحرارة، حلية : أي لؤلؤا ومرجانا، مواخر : أي شاقات للماء حين جريانها.
الإيضاح :
( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج( أي وما يعتدل البحران فيستويان : أحدهما عذب سائغ شرابه يجري في الأنهار السارحة بين الناس من كبار وصغار بحسب الحاجة إليها في الأقاليم والأمصار. وثانيهما ملح ساكن تسير فيه السفن الكبار.
( ومن كل تأكلون لحما طريا( أي ومن كل البحار تأكلون السمك الغض الطري فضلا من الله ومنة.
( وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون( أي وتستخرجون الدر والمرجان من الملح الأجاج ومن العذب الفرات، وتجري السفن في كل منهما تشقه شقا بحيازيمها حين جريها، مقبلة مدبرة حاملة أقواتكم من بلد إلا آخر، فتدفع عنكم المخمصة وتسد العوز.
لعلكم تشكرونه سبحانه على تسخيرها لكم، تتصرفون فيها كيف شئتم، وتذهبون فيها إن أردتم.
ولما كان بين الفلك في البحر والشمس والقمر في مدارهما مناسبة، فإن كلا منهما سارح في تلك العوالم الشاسعة- أردفه ذكر الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر فقال :[ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل(.
( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون١٢ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل تجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير١٣ إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير( ( فاطر : ١٢-١٤ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر الأدلة على إثبات البعث وضرب المثل لذلك بإحياء الأرض الميتة بعد إنزال الغيث عليها- أردف هذا ذكر البراهين المختلفة على وحدانيته وعظيم قدرته بخلقه الأشياء المتحدة في الجنس المختلفة في المنافع، فهذا ماء عذب ذلال يجري في الأقاليم والأمصار، والبراري والقفار، يسقى منه الإنسان والحيوان وينبت النبات الذي فيه غذاء لهما، وهذا ماء ملح أجاج تسير فيه السفن الكبار ويستخرج منه اللؤلؤ والمرجان، ومن كل منهما تأكل لحما طريا فيه لذة للآكلين، وهذان ليل ونهار، ضياء وظلام، يدخل أحدهما في الآخر فيأخذ هذا من طول ذاك، ويزيد هذا في قصر ذاك فيعتدلان، ثم يتقارضان صيفا وشتاء، وسخر الشمس والقمر والنجوم الثوابت والسيارات، كل يجري بمقدار معين وعلى نهج ثابت لا يتغير، وكل ذلك بتقدير العزيز العليم.
أما ما تدعون من دونه من الأصنام والأوثان فلا يملكون شروى نقير، ولا يسمعون لكم دعاء، ولا يستجيبون لدعوة، ويوم القيامة يتبرؤون منكم إذا دعوتموهم واستشفعتم بهم، ولا ينبئك بهذا إلا الخبير وهو ربك العليم بما كان وما سيكون.
تفسير المفردات :
يولج : أي يدخل، والقطمير : لفافة النواة، وهي القشرة البيضاء الرقيقة التي تكون بين الثمرة والنواة.
الإيضاح :
( يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل( أي يدخل الليل في النهار فيكون النهار أطول من الليل ساعة فأكثر، ويدخل النهار في الليل فيكون الليل أطول من النهار كذلك.
( وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى( أي وأجري لكم الشمس والقمر، نعمة منه عليكم ورحمة بكم، لتعلموا عدد السنين والحساب، ولتسكنوا في الليل، وتبتغوا فضلا منه في النهار، ولا يزالان يجريان هكذا لأجل معلوم، لا يقصران دونه، ولا يتعديانه، وهو يوم القيامة.
( ذلكم الله ربكم له الملك( أي ذلك الذي يفعل هذه الأفعال هو معبودكم الذي لا تصلح العبادة إلا له، وهو ربكم الذي له الملك التام والسلطان المطلق والقهر والجبروت، وكل من في السماوات والأرض فهو عبد له وتحت قبضته وبطشه.
( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير( أي والذين تعبدونهم من الأصنام والأوثان لا يملكون شيئا ولو كان حقير، بل هم ملك لخالق القوى والقدر.
( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون١٢ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل تجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير١٣ إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير( ( فاطر : ١٢-١٤ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر الأدلة على إثبات البعث وضرب المثل لذلك بإحياء الأرض الميتة بعد إنزال الغيث عليها- أردف هذا ذكر البراهين المختلفة على وحدانيته وعظيم قدرته بخلقه الأشياء المتحدة في الجنس المختلفة في المنافع، فهذا ماء عذب ذلال يجري في الأقاليم والأمصار، والبراري والقفار، يسقى منه الإنسان والحيوان وينبت النبات الذي فيه غذاء لهما، وهذا ماء ملح أجاج تسير فيه السفن الكبار ويستخرج منه اللؤلؤ والمرجان، ومن كل منهما تأكل لحما طريا فيه لذة للآكلين، وهذان ليل ونهار، ضياء وظلام، يدخل أحدهما في الآخر فيأخذ هذا من طول ذاك، ويزيد هذا في قصر ذاك فيعتدلان، ثم يتقارضان صيفا وشتاء، وسخر الشمس والقمر والنجوم الثوابت والسيارات، كل يجري بمقدار معين وعلى نهج ثابت لا يتغير، وكل ذلك بتقدير العزيز العليم.
أما ما تدعون من دونه من الأصنام والأوثان فلا يملكون شروى نقير، ولا يسمعون لكم دعاء، ولا يستجيبون لدعوة، ويوم القيامة يتبرؤون منكم إذا دعوتموهم واستشفعتم بهم، ولا ينبئك بهذا إلا الخبير وهو ربك العليم بما كان وما سيكون.
تفسير المفردات :
يكفرون بشرككم أي يجحدون بإشراككم إياهم وعبادتكم لهم، ولا ينبئك مثل خبير : أي ولا يخبرك بالأمر مخبر مثل الخبير به.
الإيضاح :
ثم أكد ما سلف مبينا حقارة شأنهم وعظيم ضعفهم بقوله :( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم( أي وإن تدعوا هذه الآلهة من دون الله لا تسمع لكم دعاء، لأنهم جماد لا أرواح لهم ولا سمعوا ما قدروا أن ينفعوكم ويستجيبوا لشيء مما تطلبون.
والخلاصة : كيف تعبدون من لا ينفع ولا يضر، وتدعون من بيده النفع والضر، وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون.
وبعد أن نفى المقتضي للعبادة، وهو مجيء النفع والضر من قبلهم، ذكر المانع من عبادتهم وهو كفرهم بهم يوم القيامة فقال :
( ويوم القيامة يكفرون بشرككم( أي وهم يوم القيامة يتبرؤون منكم ويقولون : ما كنتم إيانا تعبدون، بل كنتم تعبدون أهواءكم وشهواتكم وما زينته لكم شياطينكم.
ونحو الآية قوله :( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا ٨١ كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا( ( مريم : ٨١-٨٢ ).
ثم أكد صدق ما حكاه عنهم من أحوالهم بقوله :
( ولا ينبئك مثل خبير( أي ولا يخبرك عن أمر هذه الآلهة وعن أمر عبدتها يوم القيامة إلا ذو خبرة بأمرها وأمرهم، وهو الله الذي لا يخفى عليه شيء كان أو سيكون في مستأنف الأزمان.
( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد١٥ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد١٦ وما ذالك على الله بعزيز١٧ ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربي إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير( ( فاطر : ١٥-١٨ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أن ملك السماوات والأرض له، وأن ما يدعون من دونه من الأصنام والأوثان لا يملك شيئا ولا يجلب نفعا ولا يدفع ضرا- أعقب هذا بما هو فذلكة لما تقدم وكالنتيجة له، بأنه لا افتقار إلا إليه ولا اتكال إلا عليه، فهو الذي تجب عبادته وحده، لأن النفع والضر بيده لا شريك له ثم بين أنه يوم القيامة لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا تستطيع دفع ضر عنها ولو كانت ذات قرابة منها، ثم أرشد إلى أن البشارة والإنذار إنما تجدي نفعا لدى من يخشى الله ويخاف عقابه، وأن من يتزكى فنفع ذلك عائد إليه، وإلى الله عاقبة الأمور كلها ومردها إليه.
الإيضاح :
( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد( أي أنتم أيها العباد أولوا الحاجة والفقر إلى خالقكم ورازقكم، فإياه فاعبدوا، وإلى رضاه فسارعوا، وهو الغني عن عبادتكم وعن غيرها، وهو المحمود على نعمه، فكل نعمة بكم وبسواكم فهي منه، فله الحمد والشكر على كل حال.
والخلاصة : أنتم في حاجة إليه وهو ذو الغنى وحده لا شريك له، والمحمود في جميع ما يقول ويفعل ويشرع لكم ولغيركم من الأحكام.
ثم أرشد إلى غناه وإلى قدرته الكاملة بقوله :[ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز(.
( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد١٥ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد١٦ وما ذالك على الله بعزيز١٧ ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربي إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير( ( فاطر : ١٥-١٨ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أن ملك السماوات والأرض له، وأن ما يدعون من دونه من الأصنام والأوثان لا يملك شيئا ولا يجلب نفعا ولا يدفع ضرا- أعقب هذا بما هو فذلكة لما تقدم وكالنتيجة له، بأنه لا افتقار إلا إليه ولا اتكال إلا عليه، فهو الذي تجب عبادته وحده، لأن النفع والضر بيده لا شريك له ثم بين أنه يوم القيامة لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا تستطيع دفع ضر عنها ولو كانت ذات قرابة منها، ثم أرشد إلى أن البشارة والإنذار إنما تجدي نفعا لدى من يخشى الله ويخاف عقابه، وأن من يتزكى فنفع ذلك عائد إليه، وإلى الله عاقبة الأمور كلها ومردها إليه.
الإيضاح :
( إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز( أي إن يشأ ربكم أن يهلككم أهلككم، لأنه هو الذي أنشأكم من غير حاجة به إليكم، ويأت بخلق سواكم يطيعونه ويأتمرون بأمره وينتهون عما نهاهم عنه، وما ذلك بصعب على الله الخالق لجميع عباده بل هو يسير هين عليه.
وليس بخاف ما في هذا من تهديد ووعيد، وزجر وتأنيب.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد١٥ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد١٦ وما ذالك على الله بعزيز١٧ ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربي إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير( ( فاطر : ١٥-١٨ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أن ملك السماوات والأرض له، وأن ما يدعون من دونه من الأصنام والأوثان لا يملك شيئا ولا يجلب نفعا ولا يدفع ضرا- أعقب هذا بما هو فذلكة لما تقدم وكالنتيجة له، بأنه لا افتقار إلا إليه ولا اتكال إلا عليه، فهو الذي تجب عبادته وحده، لأن النفع والضر بيده لا شريك له ثم بين أنه يوم القيامة لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا تستطيع دفع ضر عنها ولو كانت ذات قرابة منها، ثم أرشد إلى أن البشارة والإنذار إنما تجدي نفعا لدى من يخشى الله ويخاف عقابه، وأن من يتزكى فنفع ذلك عائد إليه، وإلى الله عاقبة الأمور كلها ومردها إليه.

الإيضاح :

( إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز( أي إن يشأ ربكم أن يهلككم أهلككم، لأنه هو الذي أنشأكم من غير حاجة به إليكم، ويأت بخلق سواكم يطيعونه ويأتمرون بأمره وينتهون عما نهاهم عنه، وما ذلك بصعب على الله الخالق لجميع عباده بل هو يسير هين عليه.
وليس بخاف ما في هذا من تهديد ووعيد، وزجر وتأنيب.

( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد١٥ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد١٦ وما ذالك على الله بعزيز١٧ ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربي إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير( ( فاطر : ١٥-١٨ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أن ملك السماوات والأرض له، وأن ما يدعون من دونه من الأصنام والأوثان لا يملك شيئا ولا يجلب نفعا ولا يدفع ضرا- أعقب هذا بما هو فذلكة لما تقدم وكالنتيجة له، بأنه لا افتقار إلا إليه ولا اتكال إلا عليه، فهو الذي تجب عبادته وحده، لأن النفع والضر بيده لا شريك له ثم بين أنه يوم القيامة لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا تستطيع دفع ضر عنها ولو كانت ذات قرابة منها، ثم أرشد إلى أن البشارة والإنذار إنما تجدي نفعا لدى من يخشى الله ويخاف عقابه، وأن من يتزكى فنفع ذلك عائد إليه، وإلى الله عاقبة الأمور كلها ومردها إليه.
تفسير المفردات :
ولا تزر : أي ولا تحمل، وازرة : أي نفس آثمة، وزر أخرى : أي إثم نفس أخرى، والمثقلة : النفس التي أثقلتها الذنوب والأوزار، ذا قربى : أي ذا قرابة من الداعي، بالغيب : أي غائبا عنهم وتزكى : أي تطهر من ندس الأوزار والذنوب، والمصير : المرجع والعاقبة.
الإيضاح :
ثم أخبر عن أحوال يوم القيامة وأهوالها وشدائدها بقوله :
( ولا تزر وازرة وزر أخرى( أي ولا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى، بل تحمل كل نفس وزرها فحسب، ولا تنافي بين هذا وما جاء في سورة العنكبوت من قوله سبحانه :( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم( ( العنكبوت : ١٣ ) فإن هذا في الضالين المضلين وهم يحملون إثم إضلالهم مع إثم ضلالهم، وكل ذلك آثامهم لا آثام غيرهم.
( وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى( أي وإن تسأل نفس ذات ثقل من الذنوب، من يحمل عنها ذنوبها ؟ لم تجد من يجيبها إلى ما تطلب ولو كان المدعو ذا قربة لها كأب أو ابن، إذ كل مشغول بنفسه، ولكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه.
ونحو الآية قوله :( لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا( ( لقمان : ٣٣ ) وقوله :( يوم يفر المرء من أخيه٣٤ وأمه وأبيه ٣٥وصاحبته وبنيه ٣٦لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه( ( عبس : ٣٤-٣٧ ).
قال عكرمة : إن الوالد ليتعلق بولده يوم القيامة فيقول يا بني : أي والد كنت لك ؟ فيثني خيرا فيقول له يا بني إني قد احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك ألجو بها مما ترى، فيقول له ولده : يا أبت ما أيسر ما طلبت، ولكني أتخوف مثل ما تتخوف، فلا أستطيع أن أعطيك شيئا، ثم يتعلق بزوجته فيقول يا فلانة : أي زوج كنت لك ؟ فنثني خيرا فيقول لها إني أطلب إليك حسنة واحدة تهبينها لي لعلي أنجو بها مما ترين، فتقول ما أيسر ما طلبت. ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا، إني أتخوف مثل الذي تتخوف.
ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم على عدم قبولهم دعوته وإصرارهم على عنادهم فقال :( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة( أي إنما يجدي النصح والإنذار لدى من يخشون الله ويخافون شديد عقابه يوم القيامة من غير معاينة منهم لذلك، بل إيمانهم بما أتيت به وتصديقهم لك فيما أنبأت به عن ربك، فهؤلاء هم الذين ينفعهم إنذارك ويتعظون بمواعظك، لا من طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون- إلى أنهم يؤدون الصلاة المفروضة عليهم ويقيمونها على ما رسمه الدين، فهي التي تطهر قلوبهم وتقربهم من ربهم حين مناجاتهم له كما جاء في الحديث :" اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
والخلاصة : إنه إنما ينفع إنذارك وتخويفك من يخشى بأس الله وشديد عقابه، دون من عداهم من أهل التمرد والعتاد.
ثم حث على الأعمال الصالحة وأبان أن فائدتها عائدة إليهم فقال :( ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير( أي ومن يتطهر من أدناس الشرك وأوضار الذنوب والمعاصي فنفع ذلك عائد إليه كما أن من يتدسى بالذنوب والآثام فضر ذلك راجع إليه، وإلى الله مصير كل عامل وهو مجازيه بما قدم من خير أو شر على ما جنى وأتل لنفسه.
( وما يستوي الأعمى والبصير١٩ ولا الظلمات ولا النور٢٠ ولا الظل ولا الحرور٢١ وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور٢٢ إن أنت إلا نذير٢٣ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير٢٤ وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير٢٥ ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير( ( فاطر : ١٩-٢٦ ).
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه طريق الهدى وطريق الضلالة وذكر أن المستعد للإيمان قد اهتدى بهدى النذير والجاحد المعاند قسا قلبه ولم يستفد من هديه- ضرب مثلا به تنجلي حاليهماّ، ثم ذكر أن الهداية بيد الله يمنحها من يشاء، وأن هؤلاء المشركين كالموتى لا يسمعون نصيحة ولا يهتدون بعظة، وأن الله لم يترك أمة سدى، بل أرسل الرسل، فمنهم من أجاب دعوة الداعي ونجا، ومنهم من استكبر وعصى، وكانت عاقبته الوبال والنكال في الدنيا والنار في العقبى.
الإيضاح :
( وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور( أي وما يستوي الأعمى عن دين الله الذي ابتعت به نبيه صلى الله عليه وسلم والبصير الذي قد أبصر فيه رشده فاتبع محمدا صلى الله عليه وسلم وصدقه وقبل عن الله ما ابتعثه به، وما تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان ولا الثواب والعقاب.
ثم ضرب مثلا آخر لهما فقال :( وما يستوي الأحياء ولا الأموات(.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:( وما يستوي الأعمى والبصير١٩ ولا الظلمات ولا النور٢٠ ولا الظل ولا الحرور٢١ وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور٢٢ إن أنت إلا نذير٢٣ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير٢٤ وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير٢٥ ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير( ( فاطر : ١٩-٢٦ ).
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه طريق الهدى وطريق الضلالة وذكر أن المستعد للإيمان قد اهتدى بهدى النذير والجاحد المعاند قسا قلبه ولم يستفد من هديه- ضرب مثلا به تنجلي حاليهماّ، ثم ذكر أن الهداية بيد الله يمنحها من يشاء، وأن هؤلاء المشركين كالموتى لا يسمعون نصيحة ولا يهتدون بعظة، وأن الله لم يترك أمة سدى، بل أرسل الرسل، فمنهم من أجاب دعوة الداعي ونجا، ومنهم من استكبر وعصى، وكانت عاقبته الوبال والنكال في الدنيا والنار في العقبى.

الإيضاح :

( وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور( أي وما يستوي الأعمى عن دين الله الذي ابتعت به نبيه صلى الله عليه وسلم والبصير الذي قد أبصر فيه رشده فاتبع محمدا صلى الله عليه وسلم وصدقه وقبل عن الله ما ابتعثه به، وما تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان ولا الثواب والعقاب.
ثم ضرب مثلا آخر لهما فقال :( وما يستوي الأحياء ولا الأموات(.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:( وما يستوي الأعمى والبصير١٩ ولا الظلمات ولا النور٢٠ ولا الظل ولا الحرور٢١ وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور٢٢ إن أنت إلا نذير٢٣ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير٢٤ وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير٢٥ ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير( ( فاطر : ١٩-٢٦ ).
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه طريق الهدى وطريق الضلالة وذكر أن المستعد للإيمان قد اهتدى بهدى النذير والجاحد المعاند قسا قلبه ولم يستفد من هديه- ضرب مثلا به تنجلي حاليهماّ، ثم ذكر أن الهداية بيد الله يمنحها من يشاء، وأن هؤلاء المشركين كالموتى لا يسمعون نصيحة ولا يهتدون بعظة، وأن الله لم يترك أمة سدى، بل أرسل الرسل، فمنهم من أجاب دعوة الداعي ونجا، ومنهم من استكبر وعصى، وكانت عاقبته الوبال والنكال في الدنيا والنار في العقبى.

الإيضاح :

( وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور( أي وما يستوي الأعمى عن دين الله الذي ابتعت به نبيه صلى الله عليه وسلم والبصير الذي قد أبصر فيه رشده فاتبع محمدا صلى الله عليه وسلم وصدقه وقبل عن الله ما ابتعثه به، وما تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان ولا الثواب والعقاب.
ثم ضرب مثلا آخر لهما فقال :( وما يستوي الأحياء ولا الأموات(.


تفسير المفردات :
الحرور : السموم إلا أن السموم يكون بالنهار والحرور بالليل والنهار.
( وما يستوي الأعمى والبصير١٩ ولا الظلمات ولا النور٢٠ ولا الظل ولا الحرور٢١ وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور٢٢ إن أنت إلا نذير٢٣ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير٢٤ وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير٢٥ ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير( ( فاطر : ١٩-٢٦ ).
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه طريق الهدى وطريق الضلالة وذكر أن المستعد للإيمان قد اهتدى بهدى النذير والجاحد المعاند قسا قلبه ولم يستفد من هديه- ضرب مثلا به تنجلي حاليهماّ، ثم ذكر أن الهداية بيد الله يمنحها من يشاء، وأن هؤلاء المشركين كالموتى لا يسمعون نصيحة ولا يهتدون بعظة، وأن الله لم يترك أمة سدى، بل أرسل الرسل، فمنهم من أجاب دعوة الداعي ونجا، ومنهم من استكبر وعصى، وكانت عاقبته الوبال والنكال في الدنيا والنار في العقبى.
الإيضاح :
( وما يستوي الأحياء ولا الأموات( أي وما يستوي أحياء القلوب بالإيمان بالله ورسوله ومعرفة كتابه وتنزيله، وأموات القلوب بغلبة الكفر عليها حتى صارت لا تعقل عن الله أمره ونهيه ولا تفرق بين الهدى والضلال، وكل هذه أمثال ضربها الله للمؤمن والإيمان والكافر والكفر.
ونحو الآية قوله :( أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها( ( الأنعام : ١٢٢ ) وقوله :( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا( ( هود : ٢٤ ).
والخلاصة : إن المؤمن بصير سميع نير القلب يمشي على صراط مستقيم في الدنيا والآخرة حتى يستقر به الحال في الجنات ذات الظلال والعيون، والكافر أعمى وأصم يمشي في ظلمات لا خروج له منها، فهو يتيه في غيه وضلاله في الدنيا والآخرة حتى يفضي به ذلك إلى حرور وسموم، وحميم وظل من يحموم، لا بارد ولا كريم.
ثم بين أن الهداية والتوفيق بيده سبحانه وحده فقال :( إن الله يسمع من يشاء ] أي إن الله يهدي من يشاء إلى سماع الحجة وقبولها بخلق الاستعداد فيه للهداية.
ثم ضرب مثلا لهؤلاء المشركين وجعلهم كالأموات لا يسمعون فقال :( وما أنت بمسمع من في القبور( أي فكما لا تقدر أن تسمع من في القبور كتاب الله، فتهديهم به إلى سبيل الرشاد، لا تقدر أن تنفع بمواعظ الله وحججه من كان ميت القلب لا يستطيع فهم كتابه ومعرفة مغازي الدين وأسراره.
والخلاصة : كما لا ينتفع الأموات بعد أن صاروا إلى قبورهم وهم كفار بالهداية والدعوة إليها- كذلك هؤلاء المشركون لا حيلة لك فيهم ولا تستطيع هدايتهم.
( وما يستوي الأعمى والبصير١٩ ولا الظلمات ولا النور٢٠ ولا الظل ولا الحرور٢١ وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور٢٢ إن أنت إلا نذير٢٣ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير٢٤ وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير٢٥ ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير( ( فاطر : ١٩-٢٦ ).
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه طريق الهدى وطريق الضلالة وذكر أن المستعد للإيمان قد اهتدى بهدى النذير والجاحد المعاند قسا قلبه ولم يستفد من هديه- ضرب مثلا به تنجلي حاليهماّ، ثم ذكر أن الهداية بيد الله يمنحها من يشاء، وأن هؤلاء المشركين كالموتى لا يسمعون نصيحة ولا يهتدون بعظة، وأن الله لم يترك أمة سدى، بل أرسل الرسل، فمنهم من أجاب دعوة الداعي ونجا، ومنهم من استكبر وعصى، وكانت عاقبته الوبال والنكال في الدنيا والنار في العقبى.
الإيضاح :
ثم بين عمل الرسول فقال :
( إن أنت إلا نذير( أي ما أنت إلا منذر عقاب الله لهؤلاء المشركين الذين طبع على قلوبهم، ولم تكلف هدايتهم وقبولهم ما جئتهم به، فإن ذلك بيده تعالى لا بيدك ولا بيد غيرك، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن هم لم يستجيبوا لك.
( وما يستوي الأعمى والبصير١٩ ولا الظلمات ولا النور٢٠ ولا الظل ولا الحرور٢١ وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور٢٢ إن أنت إلا نذير٢٣ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير٢٤ وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير٢٥ ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير( ( فاطر : ١٩-٢٦ ).
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه طريق الهدى وطريق الضلالة وذكر أن المستعد للإيمان قد اهتدى بهدى النذير والجاحد المعاند قسا قلبه ولم يستفد من هديه- ضرب مثلا به تنجلي حاليهماّ، ثم ذكر أن الهداية بيد الله يمنحها من يشاء، وأن هؤلاء المشركين كالموتى لا يسمعون نصيحة ولا يهتدون بعظة، وأن الله لم يترك أمة سدى، بل أرسل الرسل، فمنهم من أجاب دعوة الداعي ونجا، ومنهم من استكبر وعصى، وكانت عاقبته الوبال والنكال في الدنيا والنار في العقبى.
تفسير المفردات :
خلا : أي سلف ومضى، ونذير : أي منذر مخوف وهو النبي.
الإيضاح :
ثم بين سبحانه أنه ليس نذيرا من تلقاء نفسه، بل بإذن ربه وإرادته وأنه ما جاء إلا بالحق فقال :( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا( أي إنا أرسلناك أيها الرسول بالإيمان بي وحدي، وبالشرائع التي فرضتها على عبادي، مبشرا بالجنة من صدقك وقبل منك ما جئت به من عندي، ومنذرا بعقاب من كذبك ورد عليك ما أوحي به إليك.
ثم بين فضله سبحانه على عباده ورحمته بهم وأنه لم يتركهم دون أن يبين لهم طريق الهدى والضلال فقال :( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير( أي وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله إليهم النذر، وأزاح عنهم العلل، كما قال :( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل( ( النساء : ١٦٥ ) وقال :( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا( ( الإسراء : ١٥ ) وقال :( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة( ( النحل : ٣٦ ).
( وما يستوي الأعمى والبصير١٩ ولا الظلمات ولا النور٢٠ ولا الظل ولا الحرور٢١ وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور٢٢ إن أنت إلا نذير٢٣ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير٢٤ وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير٢٥ ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير( ( فاطر : ١٩-٢٦ ).
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه طريق الهدى وطريق الضلالة وذكر أن المستعد للإيمان قد اهتدى بهدى النذير والجاحد المعاند قسا قلبه ولم يستفد من هديه- ضرب مثلا به تنجلي حاليهماّ، ثم ذكر أن الهداية بيد الله يمنحها من يشاء، وأن هؤلاء المشركين كالموتى لا يسمعون نصيحة ولا يهتدون بعظة، وأن الله لم يترك أمة سدى، بل أرسل الرسل، فمنهم من أجاب دعوة الداعي ونجا، ومنهم من استكبر وعصى، وكانت عاقبته الوبال والنكال في الدنيا والنار في العقبى.
تفسير المفردات :
والبينات : أي المعجزات الدالة على صدقهم فيما يدعون، والزبر : واحدها زبور وهو الكتاب.
الإيضاح :
ثم سلى رسوله على ما يلاقيه من قومه من الإصرار على العناد والتكذيب وأبان له أنه ليس ببدع من بين الرسل فقال :( وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير( أي وإن يكذبوك أيها الرسول مشركو قومك فلا تبتئس بما يفعلون، فقد كذب الذين من قبلهم من الأمم رسلهم الذين جاؤوهم بالمعجزات الباهرة، والأدلة القاطعة، وبالكتب الواضحة كالتوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وزبور داود، وبعد أن سلاه هدد من خالفوه وعصوه بمثل ما فعل بمن قبلهم من الماضين فقال :( ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير(.
( وما يستوي الأعمى والبصير١٩ ولا الظلمات ولا النور٢٠ ولا الظل ولا الحرور٢١ وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور٢٢ إن أنت إلا نذير٢٣ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير٢٤ وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير٢٥ ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير( ( فاطر : ١٩-٢٦ ).
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه طريق الهدى وطريق الضلالة وذكر أن المستعد للإيمان قد اهتدى بهدى النذير والجاحد المعاند قسا قلبه ولم يستفد من هديه- ضرب مثلا به تنجلي حاليهماّ، ثم ذكر أن الهداية بيد الله يمنحها من يشاء، وأن هؤلاء المشركين كالموتى لا يسمعون نصيحة ولا يهتدون بعظة، وأن الله لم يترك أمة سدى، بل أرسل الرسل، فمنهم من أجاب دعوة الداعي ونجا، ومنهم من استكبر وعصى، وكانت عاقبته الوبال والنكال في الدنيا والنار في العقبى.
تفسير المفردات :
النكير : الإنكار بالعقوبة.
الإيضاح :
( ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير( أي وبعد أن أتاهم الرسل بما أتوهم كذبوهم فيما جاؤوهم به فأخذتهم بالعقاب والنكال، فانظر كيف كان شديد عقابي بهم وإنكاري عليهم، فإن تمادى قومك وأصروا على إنكارهم واستمروا في عمايتهم حل بهم مثل ما حل بأولئك : فتلك سنة الله لا تبديل لها ولا تغيير.
( سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا( ( الأحزاب : ٦٢ ).
ولا يخفى ما في هذا من شديد التهديد والوعيد.
( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود٢٧ ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور( ( فاطر : ٢٧-٢٨ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه دلائل وحدانيته وعظيم قدرته التي أعرض عنها المشركون عنادا واستكبارا- أردف ذلك ذكر ما يرونه من المشاهدات الكونية المختلفة الأشكال والألوان، لعل ذلك يعيد إليهم أحلامهم وينبه عقولهم إلى الاعتبار بما يرون ويشاهدون.
تفسير المفردات :
ألوانها : أي من أحمر إلى أصفر إلى أخضر إلى نحو ذلك، الجدد : واحدها جدة ( بالضم ) وهي الطريق المختلفة الألوان في الجبل ونحوه، والغرابيب : واحدها غربيب وهو شديد السواد، يقال أسود غربيب، وأبيض يقق، وأصفر فاقع، وأحمر قان، وفي الحديث :" إن الله يبغض الشيخ الغربيب " يعني الذي يخضب بالسواد، وقال امرؤ القيس في وصف فرسه :
العين طامحة واليد سابحة والرجل لافحة والوجه غربيب
الإيضاح :
( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها( يقول سبحانه منبها إلى كمال قدرته : ألم تشاهد أيها الرائي أنا خلقنا الأشياء المختلفة من الشيء الواحد، فأنزلنا الماء من السماء وأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها وطعومها وروائحها كما هو مشاهد من ألوان الثمار من أصفر إلى أحمر إلى أخضر إلى نحو ذلك.
ونحو الآية قوله :( وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون( ( الرعد : ٤ ).
( ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود( أي وخلقنا الجبال كذلك مختلفة الألوان من بيض إلى حمر إلى سود غرابيب كما هو مشاهد، وفي بعضها طرائق مختلفة الألوان أيضا.
( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود٢٧ ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور( ( فاطر : ٢٧-٢٨ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه دلائل وحدانيته وعظيم قدرته التي أعرض عنها المشركون عنادا واستكبارا- أردف ذلك ذكر ما يرونه من المشاهدات الكونية المختلفة الأشكال والألوان، لعل ذلك يعيد إليهم أحلامهم وينبه عقولهم إلى الاعتبار بما يرون ويشاهدون.
الإيضاح :
( ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك( أي وكذلك الناس والدواب والأنعام مختلفة الألوان في الجنس الواحد، بل الحيوان الواحد قد يكون فيه ألوان مختلفة، فتبارك الله أحسن الخالقين.
ونحو الآية قوله :( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم( ( الروم : ٢٢ ).
ولما عدد آياته وأعلام قدرته وآثار صنعه بين أنه لا يعرف ذلك حق المعرفة إلا العلماء بأسرار الكون، العالمون بدقائق صنعه تعالى، فهم الذين يفهمون ذلك حق الفهم، ويعلمون شديد بطشه وعظيم قهره فقال :( إنما يخشى الله من عباده العلماء( أي إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته- العالمون بعظيم قدرته على ما يشاء من الأشياء وأنه يفعل ما يريد، لأن من علم ذلك أيقن بعقابه على معصيته فخافه ورهبه خشية أن يعاقبه.
وقد أثر عن ابن عباس أنه قال : العالم بالرحمن من عباده، من لم يشرك به شيئا، وأحل حلاله، وحرم حرامه، وحفظ وصيته، وأيقن أنه ملاقيه ومحاسبه بعمله.
وقال الحسن البصري : العالم من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه ثم تلا الآية.
وعن عائشة قالت : صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فرخص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فخطب فحمد الله ثم قال :" ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية "، أخرجه البخاري ومسلم.
ثم بين سبب خشيتهم منه فقال :
( إن الله عزيز غفور( أي إن الله عزيز في انتقامه ممن كفر به، غفور لذنوب من آمن به وأطاعه، فهو قادر على عقوبة العصاة وقهرهم، وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم، ومن حق المعاقب والمثيب أن يخشى.
( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور٢٩ ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور( ( فاطر : ٢٩-٣٠ ).
المعنى الجملي : لما بين سبحانه أن العلماء هم الذين يخشون الله ويخافون عقابه- أردف ذلك ذكر حال العالمين بكتاب الله العاملين بما فرض فيه من أحكام كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في السر والعلم، وأبان أن هؤلاء يرجون ثوابا من ربهم كفاء أعمالهم، بل أضعاف ذلك فضلا من ربهم ورحمة، ويطمعون في غفران زلاتهم لأنه الغفور الشكور لهم على ما أحسنوا من عمل.
تفسير المفردات : يتلون : أي يتبعون من قولهم تلاه إذا تبعه، لأن التلاوة بلا عمل لا نفع فيها، وقد ورد :" رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه " والمراد من التجارة المعاملة مع الله لنيل الثواب، وتبور : أي تكسد.
الإيضاح :
إن الذين يتبعون كتاب الله ويعملون بما فرض فيه من فرائض فيؤدون الصلاة المفروضة لمواقيتها على ما رسمه الدين بإخلاص وخشية من ربهم، ويتصدقون مما أعطاهم من الأموال سرا وعلانية بلا بسط ولا إسراف- هؤلاء قد عاملوا ربهم راجين ربح تجارتهم بنيلهم عظيم ثوابه كفاء ما قدموا من عمل مع الإخبات والإنابة إليه، ويبتغون فضلا منه ورحمة فوق ذلك، وغفرانا لما فرط من زلاتهم، وما اجترحوا من سيئاتهم، فالله هو الغفور لما فرط من المطيعين من الزلات، الشكور لطاعاتهم، فمجازيهم عليها الجزاء الأولى.
ونحو الآية قوله :( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله( ( النساء : ١٧٣ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور٢٩ ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور( ( فاطر : ٢٩-٣٠ ).
المعنى الجملي : لما بين سبحانه أن العلماء هم الذين يخشون الله ويخافون عقابه- أردف ذلك ذكر حال العالمين بكتاب الله العاملين بما فرض فيه من أحكام كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في السر والعلم، وأبان أن هؤلاء يرجون ثوابا من ربهم كفاء أعمالهم، بل أضعاف ذلك فضلا من ربهم ورحمة، ويطمعون في غفران زلاتهم لأنه الغفور الشكور لهم على ما أحسنوا من عمل.
تفسير المفردات : يتلون : أي يتبعون من قولهم تلاه إذا تبعه، لأن التلاوة بلا عمل لا نفع فيها، وقد ورد :" رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه " والمراد من التجارة المعاملة مع الله لنيل الثواب، وتبور : أي تكسد.

الإيضاح :

إن الذين يتبعون كتاب الله ويعملون بما فرض فيه من فرائض فيؤدون الصلاة المفروضة لمواقيتها على ما رسمه الدين بإخلاص وخشية من ربهم، ويتصدقون مما أعطاهم من الأموال سرا وعلانية بلا بسط ولا إسراف- هؤلاء قد عاملوا ربهم راجين ربح تجارتهم بنيلهم عظيم ثوابه كفاء ما قدموا من عمل مع الإخبات والإنابة إليه، ويبتغون فضلا منه ورحمة فوق ذلك، وغفرانا لما فرط من زلاتهم، وما اجترحوا من سيئاتهم، فالله هو الغفور لما فرط من المطيعين من الزلات، الشكور لطاعاتهم، فمجازيهم عليها الجزاء الأولى.
ونحو الآية قوله :( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله( ( النساء : ١٧٣ ).

( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير٣١ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير٣٢ جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير٣٣ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور٣٤ الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب( ( فاطر : ٣١-٣٥ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن الذين يتلون كتاب الله يوفيهم أجرهم- أكد هذا وقرره بأن هذا الكتاب حق وصدق، وهو مصدق لما بين يديه من الكتب، فتاليه مستحق لهذا الأجر والثواب. ثم قسم هؤلاء الذين أورثوا الكتاب أقساما ثلاثة : ظالم لنفسه ومقتصد، وسابق بالخيرات، ثم ذكر جزاء هؤلاء السابقين، وأنهم يدخلون جنات تجري من تحتها الأنهار وأنهم يحلون فيها أساور الذهب واللؤلؤ، ويلبسون الحرير، ويقولون حينئذ : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور، ويقولون : إنه أحلنا دارا لا نصب فيها ولا تعب.
تفسير المفردات :
الكتاب : هو القرآن، مصدقا لما بين يديه : أي لما تقدمه من الكتب السماوية، خبير بصير : أي محيط ببواطن أمورهم وظواهرها.
الإيضاح :
( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه( أي إن القرآن الذي أنزلناه إليك هو الحق من ربك، وعليك وعلى أمتك أن تعمل به وتتبع ما فيه، دون غيره من الكتب التي أوحيت إلى غيرك، وهو مصدق لما مضى بين يديه مما أنزل إلى الرسل من قبله فصار إماما لها.
( إن الله بعباده لخبير بصير( أي إن الله خبير بأحوال عباده، بصير بما يصلح لهم، فيشرع لهم من الأحكام ما يناسب أحوال الناس في كل زمان ومكان، ويرسل من الرسل من هو حقيق بتبليغ ذلك للناس ( الله أعلم حيث يجعل رسالته( ( الأنعام : ١٢٤ ).
( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير٣١ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير٣٢ جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير٣٣ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور٣٤ الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب( ( فاطر : ٣١-٣٥ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن الذين يتلون كتاب الله يوفيهم أجرهم- أكد هذا وقرره بأن هذا الكتاب حق وصدق، وهو مصدق لما بين يديه من الكتب، فتاليه مستحق لهذا الأجر والثواب. ثم قسم هؤلاء الذين أورثوا الكتاب أقساما ثلاثة : ظالم لنفسه ومقتصد، وسابق بالخيرات، ثم ذكر جزاء هؤلاء السابقين، وأنهم يدخلون جنات تجري من تحتها الأنهار وأنهم يحلون فيها أساور الذهب واللؤلؤ، ويلبسون الحرير، ويقولون حينئذ : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور، ويقولون : إنه أحلنا دارا لا نصب فيها ولا تعب.
تفسير المفردات :
مقتصد : أي عامل به تارة، ومخالف له أخرى، سابق : أي متقدم إلى ثواب الله راج دخول جنته، بالخيرات : أي بسبب ما يعمل من الخيرات والأعمال الصالحة، بإذن الله : أي بتوفيقه وتيسيره.
الإيضاح :
( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله( أي أوحينا إليك القرآن ثم أورثناه من اصطفينا من عبادنا، وهم هذه الأمة التي هي خير الأمم بشهادة الكتاب ( كنتم خير أمة أخرجت للناس( ( آل عمران : ١١٠ )، وجعلناهم أقساما ثلاثة :
( ١ ) ظالم لنفسه، مفرط في فعل بعض الواجبات، مرتكب لبعض المحرمات.
( ٢ ) مقتصد مؤذ للواجبات، تارك للمحرمات، تقع منع تارة بعض الهفوات، وحينا يترك بعض المستحسنات.
( ٣ ) سابق بالخيرات بإذن الله، يقوم بأداء الواجبات والمستحبات، ويترك المحرمات والمكروهات وبعض المباحات.
والخلاصة : إن الأمة في العمل أقسام ثلاثة : مقصر في العمل بالكتاب مسرف على نفسه. ومتردد بين العمل به ومخالفته. ومتقدم إلى ثواب الله بعمل الخيرات وصالح الأعمال بتيسير الله وتوفيقه.
وقال الحسن : الظالم الذي ترجح سيئاته على حسناته، المقتصد الذي استوت حسناته وسيئاته، والسابق من رجحت حسناته على سيئاته.
( ذلك هو الفضل الكبير( أي ذلك الميراث والاصطفاء فضل عظيم من الله لا يقدر قدره.
( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير٣١ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير٣٢ جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير٣٣ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور٣٤ الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب( ( فاطر : ٣١-٣٥ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن الذين يتلون كتاب الله يوفيهم أجرهم- أكد هذا وقرره بأن هذا الكتاب حق وصدق، وهو مصدق لما بين يديه من الكتب، فتاليه مستحق لهذا الأجر والثواب. ثم قسم هؤلاء الذين أورثوا الكتاب أقساما ثلاثة : ظالم لنفسه ومقتصد، وسابق بالخيرات، ثم ذكر جزاء هؤلاء السابقين، وأنهم يدخلون جنات تجري من تحتها الأنهار وأنهم يحلون فيها أساور الذهب واللؤلؤ، ويلبسون الحرير، ويقولون حينئذ : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور، ويقولون : إنه أحلنا دارا لا نصب فيها ولا تعب.
الإيضاح :
وبعد أن ذكر سبحانه أحوال السابقين بين جزاؤهم ومآلهم بقوله :
( جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير( أي بساتين إقامة يدخلها هؤلاء الذين أورثناهم الكتاب واصطفيناهم من عبادنا يوم القيامة، ويحلون فيها أسورة من ذهب ولآليء ويكون لباسهم حريرا.
( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير٣١ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير٣٢ جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير٣٣ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور٣٤ الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب( ( فاطر : ٣١-٣٥ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن الذين يتلون كتاب الله يوفيهم أجرهم- أكد هذا وقرره بأن هذا الكتاب حق وصدق، وهو مصدق لما بين يديه من الكتب، فتاليه مستحق لهذا الأجر والثواب. ثم قسم هؤلاء الذين أورثوا الكتاب أقساما ثلاثة : ظالم لنفسه ومقتصد، وسابق بالخيرات، ثم ذكر جزاء هؤلاء السابقين، وأنهم يدخلون جنات تجري من تحتها الأنهار وأنهم يحلون فيها أساور الذهب واللؤلؤ، ويلبسون الحرير، ويقولون حينئذ : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور، ويقولون : إنه أحلنا دارا لا نصب فيها ولا تعب.
تفسير المفردات :
والحزن : هو الخوف من محذور يقع في المستقبل.
الإيضاح :
( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن( أي ويقولون حينئذ : الحمد لله الذي أذهب عنا الخوف من كل ما نحذر، وأراحنا مما كنا نتخوف من هموم الدنيا والآخرة.
ثم ذكر السبب في ذهاب الحزن عنهم فقال :
( إن ربنا لغفور شكور( أي إن ربنا لغفور لذنوب المذنبين، شكور للمطيعين، روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ".
والخلاصة : إنه أذهب عنهم الحزن من خوف العاقبة ومن أجل المعاش والوساوس الشيطانية.
ولما ذكر سرورهم وكرامتهم بتحليتهم بالحلى إدخالهم الجنات – ذكر سرورهم ببقائهم فيها وأعلمهم بدوامها فقال :[ الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب(.
( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير٣١ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير٣٢ جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير٣٣ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور٣٤ الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب( ( فاطر : ٣١-٣٥ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن الذين يتلون كتاب الله يوفيهم أجرهم- أكد هذا وقرره بأن هذا الكتاب حق وصدق، وهو مصدق لما بين يديه من الكتب، فتاليه مستحق لهذا الأجر والثواب. ثم قسم هؤلاء الذين أورثوا الكتاب أقساما ثلاثة : ظالم لنفسه ومقتصد، وسابق بالخيرات، ثم ذكر جزاء هؤلاء السابقين، وأنهم يدخلون جنات تجري من تحتها الأنهار وأنهم يحلون فيها أساور الذهب واللؤلؤ، ويلبسون الحرير، ويقولون حينئذ : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور، ويقولون : إنه أحلنا دارا لا نصب فيها ولا تعب.
تفسير المفردات :
دار المقامة : أي دار الإقامة التي لا انتقال عنها أبدا وهي الجنة، نصب : أي تعب، ولغوب : أي كلال وفتور.
الإيضاح :
( الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب( أي إن ربنا لغفور شكور، لأنه أنزلنا الجنة التي لا تحول عنها ولا نقلة، ولا يصيبنا فيها تعب ولا وجع ولا إعياء ولا فتور.
والخلاصة : إنهم أتعبوا أنفسهم في العبادة في دار الدنيا فاستراحوا راحة دائمة في الآخرة كما قال :( كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية( ( الحاقة : ٢٤ ).
وقيل للربيع بن خيثمة وقد كان يقوم ليله ويصوم نهاره ( أتعبت نفسك ) فقال : راحتها أطلب.
( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور٣٦ وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير( ( فاطر : ٣٦-٣٧ ).
المعنى الجملي : بعد أن بين ما لعباده الذين أورثوا الكتاب من النعمة في دار السرور التي قال في مثلها القائل :
علياء لا تنزل الأحزان ساحتها لو مسها حجر مسته سراء
أردف ذلك ذكر ما لأضدادهم من النقمة، زيادة في سرورهم بما قاسوا في الدنيا من تكبرهم عليهم وفخارهم بما أوتوا من نعيم زائل وحبور لا يدوم.
تفسير المفردات :
لا يقضي عليهم : أي لا يحكم عليهم بموت ثان.
الإيضاح :
( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها( أي والذين ستروا ما تدل عليه العقول من شموس الآيات وأنوار الدلالات، لهم نار جهنم لا يحكم عليهم فيها بموت ثان فيستريحوا من الآلام، ولا يخفف عنهم العذاب فيها، بل كلما خبث زيد سعيرها.
ونحو الآية قوله :( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون( ( الزخرف : ٧٧ ) وقوله :( إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون٧٤ لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون( ( الزخرف : ٧٤-٧٥ ) وقوله :( كلما خبث زدناهم سعيرا( ( الإسراء : ٩٧ ) وقوله :( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا( ( النبأ : ٣٠ ).
ثم بين أن هذا جزاء كل كافر بنعمة ربه، جاحد بوحدانيته فقال :
( كذلك نجزي كل كفور( أي وهكذا نكافئ كل جاحد لآلاء الله منكر لرسله، فندخله نار جهنم بما قدم من سيئات في الدنيا.
( والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور٣٦ وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير( ( فاطر : ٣٦-٣٧ ).
المعنى الجملي : بعد أن بين ما لعباده الذين أورثوا الكتاب من النعمة في دار السرور التي قال في مثلها القائل :
علياء لا تنزل الأحزان ساحتها لو مسها حجر مسته سراء
أردف ذلك ذكر ما لأضدادهم من النقمة، زيادة في سرورهم بما قاسوا في الدنيا من تكبرهم عليهم وفخارهم بما أوتوا من نعيم زائل وحبور لا يدوم.
تفسير المفردات :
يصطرخون : أي يصيحون أشد الصياح للاستغاثة، نعمركم : أي نمهلكم، للظالمين : أي للكافرين، نصير : أي معين يدفع عنهم العذاب.
الإيضاح :
( وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذين كنا نعمل( أي وهم يستغيثون ويضجون في النار يقولون ربنا أخرجنا منها، وأعدنا إلى دار الدنيا نطعك ونعمل غير الذي كنا نعمل من معصيتك، وقد علم منهم أنه لو ردهم إلى هذه الدار لعادوا على ما نهوا عنه.
وحينئذ يقال لهم تقريعا وتوبيخا.
( أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر( أي ما عشتم في الدنيا أعمارا لو كنتم ممن ينتفعون بالحق لانتفعتم به مدة عمركم ؟
ونحو الآية قوله تعالى حكاية عنهم :( هل إلى مرد من سبيل( ( الشورى : ٤٤ ).
والخلاصة : إنه تعالى لا يجيبكم إلى ما طلبتم، لأنكم كنتم عصاة، ولو رددتم لعدتم إلى ما نهيتم عنه.
روى أحمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لقد أعذر الله إلى عبد أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين، لقد أعذر الله تعالى إليه، لقد أعذر الله تعالى إليه ".
( وجاءكم النذير( أي وجاءكم الرسول ومعه كتاب الله، ينذركم بالعقاب إن خالفتم أمره وتركتم طاعته.
والخلاصة : إنه احتج عليهم بأمرين : طول الأمل، وإرسال الرسل.
ونحو الآية قوله :( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون٧٧ لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون( ( الزخرف : ٧٧-٧٨ ) وقوله :( كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير٨ قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير( ( الملك : ٨-٩ ).
وقد استبان مما تقدم أنهم لا يخرجون منها، ومن ثم قال :( فذوقوا فما للظالمين من نصير( أي فذوقوا عذاب النار جزاء مخالفتكم للأنبياء في حياتكم الدنيا، ولن تجدوا لكم ناصرا ينقذكم مما أنتم فيه من العذاب والسلاسل والأغلال.
( إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور٣٨ هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا( ( فاطر : ٣٨-٣٩ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر فيما سلف أنه ليس للظالمين من ينصرهم ويدفع العذاب عنهم- أردف ذلك بيان أنه محيط بالأشياء علما، فلو كان لهم نصير في وقت ما لعلمه.
إلى أنه تعالى لما نفى النصير على سبيل الاستمرار، وكان ذلك مظنة أن يقال كيف يخلدون في العذاب وقد ظلموا في أيام معدودات- أعقب ذلك بذكر أنه عليم بما انطوت عليه ضمائرهم، وأنهم صمموا على ما هم فيه من الضلال والكفر إلى الأبد، فمهما طالت أعمارهم فلن تتغير حالهم.
تفسير المفردات :
ذات الصدور : هي المعتقدات والظنون التي في النفوس.
الإيضاح :
( إن الله عالم غيب السماوات والأرض( أي إن الله عالم ما تخفون أيها المشركون في أنفسكم وما تضمرون، وما ستنوون أن تفعلوه، وما هو غائب عن أبصاركم في السماوات والأرض، فاتقوه أن يطلع عليكم وأنتم تضمرون الكيد لرسوله، وتريدون إطفاء دينه، وتنصرون آلهتكم التي لا تنفكم شيئا يوم القيامة.
ثم علل هذا بقوله :
( إنه عليم بذات الصدور( أي لأنه عليم بما تكنه السرائر، وما تنطوي عليه الضمائر، وسيجازي كل عامل بما عمل.
وفي هذا إيماء إلى أنه لو مد أعمارهم لم يرجعوا عن الكفر أبدا، فلا مطمع في صلاحهم ثم ذكر ما هو سبب آخر لعلمه بالغيب فقال :[ هو الذي جعلكم خلائف في الأرض(.
( إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور٣٨ هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا( ( فاطر : ٣٨-٣٩ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر فيما سلف أنه ليس للظالمين من ينصرهم ويدفع العذاب عنهم- أردف ذلك بيان أنه محيط بالأشياء علما، فلو كان لهم نصير في وقت ما لعلمه.
إلى أنه تعالى لما نفى النصير على سبيل الاستمرار، وكان ذلك مظنة أن يقال كيف يخلدون في العذاب وقد ظلموا في أيام معدودات- أعقب ذلك بذكر أنه عليم بما انطوت عليه ضمائرهم، وأنهم صمموا على ما هم فيه من الضلال والكفر إلى الأبد، فمهما طالت أعمارهم فلن تتغير حالهم.
تفسير المفردات :
والخلائف : واحدهم خليفة، وهو الذي يقوم بما كان قائما به سلفه، مقتا : أي بغضا واحتقارا، خسارا : أي خسارة، فالعمر كرأس مال إذا اشترى به صاحبه رضا الله ربح، وإذا اشترى به سخطه خسر.
الإيضاح :
( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض( أي هو الذي ألقى إليكم مقاليد التصرف والانتفاع بما في الأرض لتشكروه بالتوحيد والطاعة.
( فمن كفر فعليه كفره( أي فمن غمط مثل هذه النعمة العظيمة فإنما يعود وبال ذلك إلى نفسه دون غيره، لأنه هو المعاقب لا سواه.
ثم فصل ذلك وبينه بقوله :( ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا( أي وكلما استمروا في كفرهم أبغضهم ربهم وغضب عليهم.
( ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا( أي وكلما اطمأنوا إلى كفرهم خسروا أنفسهم يوم القيامة وحق عليهم سوء العذاب.
والتكرير للتنبيه إلى اقتضاء الكفر لكل من الأمرين القبيحين البغض والخسران على سبيل الاستقلال.
( قل أرأيتم شركاءكم الذي تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا٤٠ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا( ( فاطر : ٤٠-٤١ ).
المعنى الجملي : بعد أن أبان سبحانه أنه هو الذي استخلفهم في الأرض- أكد هذا بأمره صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم ما يضطرهم إلى الاعتراف بوحدانيته وعدم إشراك غيره معه.
تفسير المفردات :
أرأيتم : أي أخبروني، شرك : أي شركة.
الإيضاح :
﴿ قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض ﴾
أي أخبروني أيها المشركون عن شركائكم الذين تدعونهم من دون الله من الأصنام والأوثان- أروني أي جزء من الأرض أو من الأناسي والحيوان خلقوا حتى يستحقوا الإلهية والشركة.
والخلاصة : أعلمتم هذه الآلهة ما هي ؟ وعلى أي حال هي ؟ فإن كنتم تعلمون أنها عاجزة، فكيف تعبدونها، وإن كنتم توهمتم فيها القدرة فأروني أثرها ؟
( أم لهم شرك في السماوات( أي أم لهم شركة مع الله في خلق السماوات حتى يستحقوا ما زعمتم فيهم.
( أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه( أي أم هناك كتاب أوتوه ينطق بأنا اتخذناهم شركاء، فهم على حجة ظاهرة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة معنا.
وخلاصة ما تقدم : أخبروني عمن تعبدونهم من دون الله، هل استبدوا بخلق شيء من الأرض حتى يعبدوا كعبادة الله، أو لهم شركة معه في خلق السماوات، وآتيناهم برهانا بهذه الشركة ؟
والخلاصة : إن عبادة هؤلاء إما بدليل من العقل، ولا عقل يحكم بعبادة من لا يخلق شيئا، وإما بدليل من النقل، وإنا لم نؤت المشركين كتابا فيه الأمر بعبادة هؤلاء.
وبعد أن نفى ما نفى من الحجج أضرب عن ذلك وبين أن الذي حملهم على الشرك هو تقرير السلف للخلف، وإضلال الرؤساء للأتباع، وقولهم لهم : إن هؤلاء شفعاء يشفعون لكم عند الله إذا أنتم عبدتموهم، وإلى هذا أشار بقوله :( بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا( أي بل إنما اتبعوا في ذلك آراء أسلافهم وضلالهم، وما هي إلا غرور وأباطيل.
ولما أبان حقارة الأصنام أرشد إلى عظمته تعالى فقال :[ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا(.
( قل أرأيتم شركاءكم الذي تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا٤٠ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا( ( فاطر : ٤٠-٤١ ).
المعنى الجملي : بعد أن أبان سبحانه أنه هو الذي استخلفهم في الأرض- أكد هذا بأمره صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم ما يضطرهم إلى الاعتراف بوحدانيته وعدم إشراك غيره معه.
تفسير المفردات :
يمسك : أي يحفظ، وتزول : أي تضطرب وتنتقل من أماكنها.
الإيضاح :
( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا( أي إن الله يمنع السماوات أن تضطرب من أماكنها، فترتفع أو تنخفض ويمنع الأرض من مثل ذلك، ويحفظهما برباط خاص، وهو ما يسميه العلماء نظام الجاذبية، فجميع العوالم من الأرض والقمر والشمس والسيارات الأخرى تجري في مدارات خاصة بهذا النظام الذي وضع لها، ولولا ذلك لتحطمت هذه الكرات المشاهدة وزالت عن أماكنها، لكنها به ثبتت في مواضعها، واستقرت في مداراتها.
( ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده( أي وإن أشرفتا على الزوال ما استطاع أحد أن يمسكهما من بعد الله.
والخلاصة : إنه لا يقدر على دوامهما وبقائهما على هذا الوضع إلا اللطيف الخبير.
ونحو الآية قوله :( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه( ( الحج : ٦٥ ) وقوله :( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره( ( الروم : ٢٥ ).
( إنه كان حليما غفورا( ومن ثم حلم على المشركين وغفر لمن تاب منهم على عظيم جرمهم المقتضى تعجيل العقوبة لهم.
والخلاصة : إنه يحلم وينظر، ويؤجل ولا يعجل، ويستر ويغفر.
( وأقسموا بالله جهدا أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكون أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا٤٢ استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلم تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا( ( فاطر : ٤٢-٤٣ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه تكذيبهم للتوحيد بإشراكهم الأوثان والأصنام، وبكتهم على هذا أشد التبكيت وضرب لهم الأمثال، ليبين لهم سخف عقولهم، وقبح معتقداتهم، أردف ذلك ذكر إنكارهم للرسالة بعد أن كانوا مترقبين لها، ناعين على أهل الكتاب تكذيب بعضهم بعضا، فقالت اليهود : ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى : ليست اليهود على شيء، ثم هددهم بأن عاقبتهم ستكون الهلاك الذي لا محيص عنه، وتلك سنة الله في الأولين من قبلهم، وسنته لا تبديل فيها ولا تحويل.
تفسير المفردات :
وأقسموا : أي حلف المشركون، جهد أيمانهم : أي غاية اجتهادهم فيها، نذير : أي رسول منذر، أهدى من إحدى الأمم : المراد بها اليهود أو النصارى، نفورا : أي تباعدا عن الحق.
الإيضاح :
﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ﴾ أي وأقسم المشركون بالله أغلظ الأيمان، وبالغوا فيها أشد المبالغة : لئن جاءهم من الله رسول ينذرهم بأسه، ليكونن أسلك لطريق الحق وأشد قبولا له من أي أمة من الأمم التي خلت من قبلهم.
( فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السيئ( أي ولكن حين جاءهم الرسول انعكست الآية، فما زادهم مجيئه إلا بعدا من الإيمان بالله، وانصرافا عن الحق، واستكبارا عن اتباع آياته، ومكروا بالناس مكرا سيئا فصدوهم عن سبيله.
والخلاصة : إنه تبين أن لا عهد لهم مع ادعائهم أنهم أوفى الناس، ولا صدق لهم مع جزمهم بأنهم أصدق الخلق، وصار مثلهم مثل الإبل التي نفرت من ربها، فضلت عن الطريق، فدعاها فازدادت بدعائه نفرة، وصارت بحيث يتعذر أو يتعسر ردها.
ثم بين أن عاقبة مكرهم عادت عليهم بالوبال بقوله :[ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ].
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:( وأقسموا بالله جهدا أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكون أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا٤٢ استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلم تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا( ( فاطر : ٤٢-٤٣ ).
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه تكذيبهم للتوحيد بإشراكهم الأوثان والأصنام، وبكتهم على هذا أشد التبكيت وضرب لهم الأمثال، ليبين لهم سخف عقولهم، وقبح معتقداتهم، أردف ذلك ذكر إنكارهم للرسالة بعد أن كانوا مترقبين لها، ناعين على أهل الكتاب تكذيب بعضهم بعضا، فقالت اليهود : ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى : ليست اليهود على شيء، ثم هددهم بأن عاقبتهم ستكون الهلاك الذي لا محيص عنه، وتلك سنة الله في الأولين من قبلهم، وسنته لا تبديل فيها ولا تحويل.

تفسير المفردات :

وأقسموا : أي حلف المشركون، جهد أيمانهم : أي غاية اجتهادهم فيها، نذير : أي رسول منذر، أهدى من إحدى الأمم : المراد بها اليهود أو النصارى، نفورا : أي تباعدا عن الحق.

الإيضاح :

﴿ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ﴾ أي وأقسم المشركون بالله أغلظ الأيمان، وبالغوا فيها أشد المبالغة : لئن جاءهم من الله رسول ينذرهم بأسه، ليكونن أسلك لطريق الحق وأشد قبولا له من أي أمة من الأمم التي خلت من قبلهم.
( فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السيئ( أي ولكن حين جاءهم الرسول انعكست الآية، فما زادهم مجيئه إلا بعدا من الإيمان بالله، وانصرافا عن الحق، واستكبارا عن اتباع آياته، ومكروا بالناس مكرا سيئا فصدوهم عن سبيله.
والخلاصة : إنه تبين أن لا عهد لهم مع ادعائهم أنهم أوفى الناس، ولا صدق لهم مع جزمهم بأنهم أصدق الخلق، وصار مثلهم مثل الإبل التي نفرت من ربها، فضلت عن الطريق، فدعاها فازدادت بدعائه نفرة، وصارت بحيث يتعذر أو يتعسر ردها.
ثم بين أن عاقبة مكرهم عادت عليهم بالوبال بقوله :[ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ].


تفسير المفردات :
مكر السيئ : أي المكر السيئ الذي فيه خداع وكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يحيق : أي ولا يصيب ولا ينزل، سنة الأولين : أي سنة الله فيهم بتعذيب مكذبيهم، تبديلا : بوضع الرحمة موضع العذاب، تحويلا : بأن ينقل عذابه عن المكذبين إلى غيرهم.
الإيضاح :
( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله( أي ولا يعود وبال ذلك إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم.
روى الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا فإن الله يقول : ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ولا تبغوا ولا تعينوا باغيا فإن الله سبحانه يقول :( إنما بغيكم على أنفسكم( ( يونس : ٢٣ ) ولا تنكثوا ولا تعينوا ناكثا فإن الله يقول :( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه( ( الفتح : ١٠ ).
وقد وقع مثل هذا في كلام العرب فقد قالوا : من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا.
والعبرة في الأمور بالعواقب، والله يمهل ولا يمهل، ووراء الدنيا الآخرة، فإن لم يجاز الماكر في هذه الدار فسيلقى الجزاء في الآخرة ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون( ( الشعراء : ٢٢٧ ).
ثم هددهم بأن يحيل بهم مثل ما أحل بمن قبلهم من العذاب فقال.
( فهل ينظرون إلا سنة الأولين( أي فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك إلا أن أحل بهم من نقمتي على شركهم بي وتكذيبهم رسولي- مثل ما أحللت بمن قبلهم من أمثالهم الذين كذبوا رسلهم.
ثم علل انتظارهم للعذاب وتهديدهم به بقوله :
( فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا( أي وهذه سنة الله في كل مكذب، فلا تغير ولا تبدل، ولن يجعل الرحمة موضع العذاب، ولن يحول العذاب من نفس إلى أخرى كما قال :( ولا تزر وازرة وزر أخرى( ( الأنعام : ١٦٤ ).
( أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا٤٤ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا( ( فاطر : ٤٤-٤٥ ).
المعنى الجملي : بعد أن هدد المشركين بجريان سنته فيهم، بإهلاكهم كما أهلك المكذبين من قبلهم نبههم إلى ذلك بما يشاهدونه من آثارهم في رحلاتهم للتجارة في الشام والعراق واليمن، فقد خلت منهم منازلهم وسلبوا ما كانوا فيه من النعيم بعد كمال القوة وكثرة العدد والعدد، وكثرة المال والولد، وما أغنى ذلك عنهم شيئا ولا دفع عنهم من عذابه لما جاء أمره، لأنه لا يعجزه شيء إذا أراده.
ثم ذكر حلمه بعباده وأنه لو آخذهم بما اجترحوا من السيئات ما ترك على ظهر الأرض إنسانا يدب على وجهها، لكنه أخر عقابهم إلى يوم القيامة فيحاسبهم ويوفي كل عامل جزاء عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وهو البصير بحال عباده.
الإيضاح :
( أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة( أي أو لم يسر هؤلاء المشركون بالله في الأرض التي أهلكنا فيها أهلها، بكفرهم بنا وتكذيبهم، رسلنا أثناء رحلاتهم التي يسلكونها إلى طريق الشام في تجارتهم، فينظروا كيف كانت عاقبتهم- ألم نهلكهم ونخرب مساكنهم ونجعلهم مثلا لمن بعدهم، فيتعظوا بهم ويزدجروا عما هم عليه من الشرك بعبادتهم الآلهة من الأوثان والأصنام ؟
ثم بين أنهم إذا ساروا على تمردهم وعنادهم فهم لا يفلتون من عقابه فقال :
( وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض( أي ولن يعجز الله هؤلاء المشركون به المكذبون لرسوله، فيسبقوه هربا وينجوا من الهلاك إذا هو أراد ذلك بهم، لأنه لا يعجزه شيء يريده في السماوات ولا في الأرض.
وغير جاف ما في هذا من شديد الوعيد وعظيم التهديد لهم.
ثم علل عدم عجزه عن شيء فيهما بقوله :
( إنه كان عليما قديرا( أي إنه تعالى عليم بمن يستحق أن تعجل له العقوبة ومن قد تاب وأناب إلى ربه ورجع عن ضلالته، قدير على الانتقام ممن شاء منهم، وعلى توفيق من أراد الإيمان.
ولما كان المشركون يستعجلون بالوعيد استهزاء فيقولون :( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم( ( الأنفال : ٣٢ ) بين أنه لا يعاجلهم بالعقوبة على ما كسبوا، لعلهم ينيبون بعضهم إلى ربه، ويثوب إلى رشده فقال :( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة(.
( أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا٤٤ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا( ( فاطر : ٤٤-٤٥ ).
المعنى الجملي : بعد أن هدد المشركين بجريان سنته فيهم، بإهلاكهم كما أهلك المكذبين من قبلهم نبههم إلى ذلك بما يشاهدونه من آثارهم في رحلاتهم للتجارة في الشام والعراق واليمن، فقد خلت منهم منازلهم وسلبوا ما كانوا فيه من النعيم بعد كمال القوة وكثرة العدد والعدد، وكثرة المال والولد، وما أغنى ذلك عنهم شيئا ولا دفع عنهم من عذابه لما جاء أمره، لأنه لا يعجزه شيء إذا أراده.
ثم ذكر حلمه بعباده وأنه لو آخذهم بما اجترحوا من السيئات ما ترك على ظهر الأرض إنسانا يدب على وجهها، لكنه أخر عقابهم إلى يوم القيامة فيحاسبهم ويوفي كل عامل جزاء عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وهو البصير بحال عباده.
الإيضاح :
( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة( أي ولو يعاقب الله الناس ويكافئهم بما عملوا من الذنوب واجترحوا من الآثام ما ترك على ظهر الأرض نسمة تدب لشؤم المعاصي التي يفتنون فيها.
( ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى( أي ولكن يؤخر عقابهم ومؤاخذتهم بما كسبوا إلى أجل حدده عنده لا يقصرون دونه ولا يتجاوزونه إذا بلغوه.
( فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا( أي فإذا حل ذلك الأجل فإن الله يجازي المكلفين بما عملوا من خير أو شر، لا يخفى عليه شيء من أمرهم، دق أو جل، ظهر أو بطن.
اللهم أحسن أعمالنا ظواهرها وبواطنها، وتقبل منا ما نعمل مما يرضيك إنك أنت الخبير البصير.
Icon