تفسير سورة ص

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
تفسير سورة سورة ص من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم .
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لمَّا قال:﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا ﴾[الصافات: ١٧١] إلى آخره، وهدد أعداءه، أقسم على وقوع الانتقام منهم كما انتقم ممن قبلهم فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * صۤ ﴾: كما مر ﴿ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ ﴾: البيان لكل شيء أو الشرف وجوابه أن الأمر ليس كما زعم قريش ﴿ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ ﴾: استكبار ﴿ وَشِقَاقٍ ﴾: خلاف عظيمين عن الحق ﴿ كَمْ ﴾: أي: كثيرا ﴿ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ ﴾: من المخالفين لأنبيائهم ﴿ فَنَادَواْ ﴾: استغاثة حينئذ ﴿ وَّلاَ ﴾: مشبهة بليس ﴿ تَ ﴾: زائدو مبالغة كثمة، أي ليس الحين ﴿ حِينَ مَنَاصٍ ﴾: مفر ﴿ وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ ﴾: من أنفسهم، هو محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ ﴾: أي: قالوا ﴿ هَـٰذَا سَاحِرٌ ﴾: في معجزاته ﴿ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً ﴾: بأمره بقول: لا إله إلا الله ﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾: بليغ في العجب ﴿ وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ ﴾: الأشراف ﴿ مِنْهُمْ ﴾: من قريش بعدما أمرهم به قائلين بعضهم لبعض: ﴿ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ ﴾: عبادة ﴿ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـٰذَا ﴾: الذي يدعيه من النبوة والترفع ﴿ لَشَيْءٌ يُرَادُ ﴾: يريده كل أحد ولا يصل إليه ﴿ مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا ﴾: المدعى ﴿ فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ ﴾: ملة عيسى إذ النصاري كانوا يثلثون ﴿ إِنْ ﴾: ما ﴿ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ ﴾: كذب ﴿ أَ ﴾: و ﴿ ءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ ﴾: الوحي ﴿ مِن بَيْنِنَا ﴾: وليس بأشرفنا ﴿ بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي ﴾: القرآن أنه حق أم لا، فقولهم: إن هذا... إلى آخره تفوه بلا اعتقاد ﴿ بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ ﴾: بعد، فإذا ذاقوه زال شكهم ﴿ أَمْ ﴾: بل، أ ﴿ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ ﴾: من النبوة وغيرها فيردونها ممن شاءوا ﴿ أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾: فإن كان كذلك ﴿ فَلْيَرْتَقُواْ ﴾: فليصعدوا ﴿ فِى ٱلأَسْبَابِ ﴾: الموصلة إلى السماء ليأتوا بالوحي إلى من شاءوا، هم ﴿ جُندٌ مَّا ﴾: صلة أي: حقير ﴿ هُنَالِكَ ﴾: في تكذيبهم لك ﴿ مَهْزُومٌ ﴾: مكسور عما قريب ﴿ مِّن ﴾: جنس ﴿ ٱلأَحَزَابِ ﴾: المتحزبين على الأنبياء فيهلكون كما أهلكوا ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ ﴾: كان له أوتاد يعذب أو يلعب بها ﴿ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ ﴾: قوم شعيب كما مر ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾: هم ﴿ ٱلأَحْزَابُ ﴾: المذكورة ﴿ إِن ﴾: أي: ما ﴿ كُلٌّ ﴾: منهم ﴿ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ ﴾: إذ مكذب أحدهم كمكذب كلهم ﴿ فَحَقَّ ﴾: وجب ﴿ عِقَابِ ﴾: عليهم ﴿ وَمَا يَنظُرُ ﴾: ينتظر ﴿ هَـٰؤُلآءِ ﴾: الكفرة ﴿ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ﴾: نفخة الفزع ﴿ مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ ﴾: رجوع، أي: لاتثنى، أو بضم الفاء توقف قدر ما بين الحلبتين، وبفتحها الإفاقة ﴿ وَقَالُواْ ﴾: استهزاء يا ﴿ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا ﴾: قسطنا من العذاب أو صحيفة أعمالنا من قطه: قطعه ﴿ قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ * ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ ﴾: لهم ﴿ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ ﴾: القوة في الطاعة، أي: قصته تعظيما للمعصية في نظرهم ﴿ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾: رجاع إلى الله تعالى ﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ ﴾: بتسبيحه ﴿ بِٱلْعَشِيِّ ﴾: وقت العشاء ﴿ وَٱلإِشْرَاقِ ﴾: وقت صلاة الضحى وهو أن تشرق الشمس أي: يتناهى ضوءها وشروقها طلوعها هذا بفهم مداومتهن عليه، والأول موافقتهن فيه ﴿ وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً ﴾: مجتمعه إليه من الجوانب ﴿ كُلٌّ ﴾: منها ﴿ لَّهُ أَوَّابٌ ﴾: رجاع إلى التسبيح بتسبيحه ﴿ وَشَدَدْنَا ﴾: قوينا ﴿ مُلْكَهُ ﴾: بالهيبة وكثرة الجنود ﴿ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ ﴾: النبوة ﴿ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ ﴾: البيان الشافي للمخاطب ﴿ وَهَلْ ﴾: استفهام تعجب مما بعده ﴿ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ﴾: تحاكم ﴿ ٱلْخَصْمِ ﴾: ملكين جاءا في صورة رجلين في غير يوم القضاء فمنعها الحرس ﴿ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ ﴾: فصعدوا سور مسجده، جمع لأن الاثنين أقل الجمع ﴿ إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ ﴾: نحن ﴿ خَصْمَانِ بَغَىٰ ﴾: ظلم ﴿ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾: قالاه تعريضا له إذ كان ﴿ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ﴾: أنثى الضأن، وقد يكنى بها عن المرأة ﴿ وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا ﴾: ملكنيها أو اجعلها كفلي أي: نصيبي ﴿ وَعَزَّنِي ﴾: غَلبني ﴿ فِي ٱلْخِطَابِ ﴾: من خاطبنى في المرأة أي: خطبها على خطبتي وتزوج بها ﴿ قَالَ ﴾: داود: ﴿ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ ﴾: مضافةً ﴿ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ ﴾: الشركاء ﴿ لَيَبْغِيۤ ﴾: ليظلم ﴿ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا ﴾: صلة ﴿ هُمْ ﴾: فقالا: قضى على نفسه وصعدا إلى السماء ﴿ وَظَنَّ ﴾: علم ﴿ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ﴾: ابتليناه بمحبتها، وأما قصة أوريا فإفْكٌ، حكم عليٌّ رضي الله تعالى عنه على من حدث بها بمائة وستين جلدة. وغاية ما في الآية أنه صلى الله عليه وسلم وَدّ أن يكون له ما لغيره، وكان له أمثاله ﴿ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ ﴾: أربعين يوما ﴿ وَخَرَّ رَاكِعاً ﴾: ساجدا أو مصليا ركعتي الاستغفار ﴿ وَأَنَابَ ﴾: رجع إلى الله تعالى ﴿ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ ﴾: لقربه ﴿ وَحُسْنَ مَـآبٍ ﴾: مرجع ﴿ يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ ﴾: على الملك ﴿ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ ﴾: هوى النفس ﴿ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾: دلائله المنصوبة على الحق ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ ﴾: أي: بنسيانهم ﴿ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ ﴾: فلم يعلموا له
﴿ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾: خلقا ﴿ بَاطِلاً ﴾: بل لحكم بالغة ﴿ ذَلِكَ ﴾: خلقهن باطلا ﴿ ظَنُّ ﴾: أي: مظنون ﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: أي: لهم ﴿ مِنَ ٱلنَّارِ * أَمْ ﴾: بل ﴿ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ ﴾: دينهم بالكفر ﴿ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ ﴾: من المؤمنين رد بقولهم نعطى في الآخرة مثل ما تعطون، هذا ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ ﴾: ليتفكروا ﴿ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ ﴾: ليتعظ به ﴿ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ ﴾: ذوو العقول السليمة ﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ ﴾: سليمان ﴿ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾: رجع إلى الله تعالى ﴿ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ ﴾: لأجل القراءة ﴿ بِٱلْعَشِيِّ ﴾: بعد الزوال ﴿ ٱلصَّافِنَاتُ ﴾: الخيول التي تقف علي ثلاثة قوائم وتقيم الأخرى على طرف الحافر ﴿ ٱلْجِيَادُ ﴾: المسرعات جرياً، جمع جواد أو جود، كانت ألفا فشغله عرضها عليه عن صلاة العصر ﴿ فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ ﴾: آثرت ﴿ حُبَّ ٱلْخَيْرِ ﴾: المال ﴿ عَن ﴾: على ﴿ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ ﴾: الشمس الدال عليها العشي ﴿ بِٱلْحِجَابِ ﴾: بحجابها، أي: غربت ﴿ رُدُّوهَا ﴾: أي: الصافنات ﴿ عَلَيَّ فَطَفِقَ ﴾: جعل يمسح بالسيف ﴿ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ ﴾: جمع ساق ﴿ وَٱلأَعْنَاقِ ﴾: منها، وتصدق بلحمها فعوضه الله سبحانه بالريح أو كواها في الموضعين وسبلها كفارة ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا ﴾: ابتلينا ﴿ سُلَيْمَانَ ﴾: بنزع ملكه أياما بشؤم امرأته التي عبدت صنما في غيبته مع توابعها أربعين يوما بغير علمه إلا أنه أمر باتخاذه على صورة أبيها لتسكن إليه فأخبره آصف بذلك فكسره وضربها واستغفر وتضرع وخطيئته تغافله عن أهله ﴿ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ ﴾: ملكه ﴿ جَسَداً ﴾: أصله جسم بلا روح، والمراد جنيٌّ اسمه صخرٌ لأنه تمثل بما لم يكن كذلك، إذ جاء في صورته، وهو في الخلاء وأخذ خاتمه الذي فيه ملكه من يد أمينته فملك ونفذ حكمه في كل إلانسائه وتغير سليمان عن هيئته حتى أنها طردته حين طلب الخاتم منها وبقي يتكفف على البيوت أربعين يوما كفارة للأربعين الماضية، وكان يتضرع ويستغفر الله تعالى إلى أن طار الجني وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة فوقعت في يده، ووجد الخاتم فيها فخر ساجدا ﴿ ثُمَّ أَنَابَ ﴾: رجع إلى ملكه، وفسر الآية في الحديث بأنه قوله " لأطوفن بسبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله، وما استثنى، فطاف ولم تحمل إلَّا واحدة بشقّ ولد، ولو استثنى لجاهدوا فرسانا " ﴿ قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي ﴾: ذنبي ﴿ وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي ﴾: لا يكون ﴿ لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ ﴾: لتكون معجزة لي، أو لا يسلب عني بعد هذا السلب، أو هو ملك الآخرة، وقدم الاستغفار اهتماماً بالدين وتقديما للوسيلة ﴿ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً ﴾: لينة بلا تزعزع ﴿ حَيْثُ أَصَابَ ﴾: أي: قصد ﴿ وَ ﴾: سخرنا له ﴿ ٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ ﴾: للمحاريب ﴿ وَغَوَّاصٍ ﴾: لاستخراج اللآليء ﴿ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ ﴾: مشدودين ﴿ فِي ٱلأَصْفَادِ ﴾: القيود، قائلين: ﴿ هَـٰذَا ﴾: الملك ﴿ عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ ﴾: أعط ﴿ أَوْ أَمْسِكْ ﴾: امنع من شئت ﴿ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾: عليك فيهما ﴿ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ ﴾: قربة عظيمة ﴿ وَحُسْنَ مَآبٍ ﴾: الجنة ﴿ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ ﴾: بن عِيْص بن رَعْويل بن عيصو بن إسحاق ﴿ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي ﴾: بأني ﴿ مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ ﴾: بتعب ﴿ وَعَذَابٍ ﴾: نسبه إليه أدبا، ابتلى ثماني عشر سنة بما له وولده وجسده ولم يبق منه سليم إلا لسانه وقلبه، فألقوة في مزبلة وما بقي معه إلا امرأته ليا بنت يعقوب، او رحمة بنت إفرائيم بن يوسف فقيل له: ﴿ ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ ﴾: الأرض فضرب فنبعث فقيل له ﴿ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾: فاغتسل وشرب فبرئ ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ ﴾: كما مر ﴿ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ ﴾: عظة ﴿ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ﴾: ليصبروا ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً ﴾: صغير حزمة الحشيش ﴿ فَٱضْرِب بِّهِ ﴾: امرأتك إذ حلف ليضربنها مائة ضربة لإبطائها عليه يوما، وهذا الحكم باق ﴿ وَلاَ تَحْنَثْ ﴾: بترك ضربها ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً ﴾: وشكواه إلى الله تعالى لا تقدح فيه فإنها إما من وسوسة الشيطان أو كقول يعقوب: " إنما اشكوا بثي " إلى آخره مع قوله: " فصبر جميل " ﴿ نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ ﴾: هو ﴿ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾: مقبل بكليته إلينا ﴿ وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي ٱلأَيْدِي ﴾: القوة في الطاعة ﴿ وَٱلأَبْصَارِ ﴾: البصائر في الحقائق ﴿ إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ ﴾: جعلناهم خالصين لنا ﴿ بِخَالِصَةٍ ﴾: من الخصال هي ﴿ ذِكْرَى ﴾: تذكر ﴿ ٱلدَّارِ ﴾: الآخرة بالعمل لها وبالإضافة بمعنى الخلوص وفي الخبر: " أن الخالصة كتب منزلة فيها ذكرى الدار "، وأفاد بالإطلاق أنها الدار الحقيقية والدنيا معبر ﴿ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ﴾: المختارين من الخلق ﴿ ٱلأَخْيَارِ ﴾: جمع خير أو خير ﴿ وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ ﴾: ابن أخطوب كان خليفة إلياس ثم بعث ﴿ وَذَا ٱلْكِفْلِ ﴾: ابن عنه أو بشر بن أيوم كما مر ﴿ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ * هَـٰذَا ﴾: المذمور ﴿ ذِكْرٌ ﴾: شرف لهم ﴿ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ ﴾: أبوابها ﴿ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ﴾: مرسر الاقتصاد عليها ﴿ وَشَرَابٍ * وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ ﴾: على أزواجهن ﴿ أَتْرَابٌ ﴾: لدات لهم أو متساويات الأعمار، بنات ثلاث وثلاثين ﴿ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ﴾: لأجل يوم ﴿ ٱلْحِسَابِ ﴾: فإن الحساب علة الوصول ﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا ﴾: رزقناهم ﴿ مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ ﴾: انقطاع الأمر
﴿ هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ﴾: يدخلونها ﴿ فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ ﴾: الفرش هي ﴿ هَـٰذَا ﴾: العذاب ﴿ فَلْيَذُوقُوهُ ﴾: هو ﴿ حَمِيمٌ ﴾: ماء محرق ﴿ وَغَسَّاقٌ ﴾: ما يغسق أي: يسيل من صديد أهل النار ﴿ وَ ﴾: عذاب ﴿ آخَرُ مِن شَكْلِهِ ﴾: مثله ﴿ أَزْوَاجٌ ﴾: أصناف خبر لآخر، ويقال لقادتهم عند دخولهم النار ﴿ هَـٰذَا فَوْجٌ ﴾: جمع ﴿ مُّقْتَحِمٌ ﴾: داخل فيها ﴿ مَّعَكُمْ ﴾: فيقول القادة ﴿ لاَ مَرْحَباً ﴾: أي: سعة ﴿ بِهِمْ ﴾: دعاء بالضيق ﴿ إِنَّهُمْ صَالُواْ ﴾: داخلوا ﴿ ٱلنَّارِ * قَالُواْ ﴾: الفوج: ﴿ بَلْ أَنتُمْ ﴾: أيها القادة ﴿ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ ﴾: العذاب ﴿ لَنَا ﴾: بإغوائكم ﴿ فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ ﴾: المقر جهنم ﴿ قَالُواْ ﴾: الفوج: يا ﴿ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ﴾: مضاعفا ﴿ فِي ٱلنَّارِ * وَقَالُواْ ﴾: الكفار فيها: ﴿ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ ﴾: هم فقراء المسلمين، كعمار وبلال ﴿ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً ﴾: وهم المعظمون حقيقة فلم يدخلوها ﴿ أَمْ ﴾: دخلوها.
﴿ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَار ﴾: فلم نرهم ف " أم " معادلة لـ " ما لنا " ﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾: المذكور ﴿ لَحَقٌّ ﴾: هو ﴿ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ * قُلْ ﴾: للمشركين: ﴿ إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ ﴾: لخلقه ﴿ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلْعَزِيزُ ﴾: في عقابه ﴿ ٱلْغَفَّارُ ﴾: لأوليائه ﴿ قُلْ هُوَ ﴾: القرآن أو الخبر الآتي ﴿ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ * مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾: يتقاولون في أمر آدم مع أني أمي فإنما هو بالوحي ﴿ إِن ﴾: ما ﴿ يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * إِذْ ﴾: بدل من " إنْ ": عدلت خلقه ﴿ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ ﴾: عدلت خلقه ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ ﴾: خروا ﴿ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾: تكريما ﴿ فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ ﴾: صار ﴿ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ * قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾: أي: بلا واسطة كأب وأم والتثنية لمزيد القدرة فيه، وظاهره أنه ليست اليدان من الصفات الذات كمذهب السلف ﴿ أَسْتَكْبَرْتَ ﴾: الآن ﴿ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ ﴾: المتكبرين ﴿ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ ﴾: لطيفة ﴿ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾: كثيف ﴿ قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا ﴾: من السموات ﴿ فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ﴾: مطرود ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ ﴾: أي: لعنة الدنيا، ثم يدخل في قوله تعالى:﴿ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ ﴾[الأعراف: ٤٤] إلى آخره ﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ ﴾: أمهلني ﴿ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ ﴾: القيامة ﴿ قَالَ ﴾: إبليس لما أمهلتني ﴿ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ ﴾: أي: أولاده ﴿ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾: كما مر ﴿ قَالَ ﴾: الله تعالى: ﴿ فَٱلْحَقُّ ﴾: قسمي وبالنصب بحذف حرفه ﴿ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ ﴾: جوابه: ﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ ﴾: من جنسك ﴿ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ * قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ ﴾: أي: على التبليغ ﴿ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ ﴾: بتقول القرآن ﴿ إِنْ ﴾: أي: ما ﴿ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ ﴾: عِظةٌ ﴿ لِّلْعَالَمِينَ * وَ ﴾: الله ﴿ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ ﴾: صدقه ﴿ بَعْدَ حِينِ ﴾: أي: الموت أو القيامة أو ظهور الإسلام، والله تعالى أعلم بالصّواب، وإليْهِ المرجعُ والمآب.
Icon