ﰡ
٢٤١- طيبة النفس غير طيبة القلب، فقد يريد الإنسان بقلبه ما لا تطيب به نفسه، فإنه يريد الحجامة بقلبه، ولكن تكرهها نفسه، وإنما طيبة النفس أن تسمح نفسه : بالإبراء، لا عن ضرورة تقابله، حتى إذا رددت بين ضررين اختارت أهونهما، فهذه مصادرة على التحقيق بإكراه الباطن. [ الإحياء : ٣/٤٢١ ].
٢٤٢- تنبيها على أن حفظ العلم ممن يسفده ويضره أولى، وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق. [ نفسه : ١/٧٢ وميزان العمل : ٣٦٨ ].
٢٤٣- جعل ممارسة اليتيم في المال سببا، فيصير ملائما. وهذه مناسبة مع الملائمة في نهاية الضعف. [ شفاء الغليل : ١٥٠ ].
٢٤٤- ﴿ فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ﴾ نبه على أن من بلغ رشده في العم، فينبغي أن يبث إليه حقائق العلوم ويرقى من الجلي الظاهر إلى الدقيق الخفي الباطن.
فليس الظلم في منع المستحق بأقل من الظلم في إعطاء غير المستحق وقال المتقدم في مثل ذلك :
فمن منع الجهال علما أضاعه | ومن منع المستوجبين فقد ظلم |
٢٤٥- لا يسبق إلى الفهم من الأكل معنى الأكل، وإنما يسبق إلى معنى الاحتياج والتفويت للمال، حتى يعلم-على الارتياح، أو بأدنى تأمل- أن الظلم بهبة ماله واعتاقه والتبرع به، وإتلافه وإحراقه، وإلقائه في البحر وغير ذلك من وجوه الإتلاف كالظلم بالأكل، بل يكاد يصير الأكل كناية عن الإتلافات. [ شفاء الغليل : ٨٣-٨٤ ].
٢٤٦- قد يطلق الخاص، ونريد العام كقوله تعالى :﴿ إن الذين ياكلون أموال اليتامى ظلما ﴾، والمراد هو الإتلاف الذي هو أعم من الأكل، ولكن عبر بالأكل عنه... وقلنا كل إتلاف لمال اليتامى حرام. [ معيار العلم في المنطق : ١٩٦ ].
٢٤٧- فهم غير المنطوق بدلالة سياق الكلام ومقصوده... كفهم تحريم مال اليتيم وإحراقه وإهلاكه من قوله تعالى :﴿ إن الذين ياكلون أموال اليتامى ظلما ﴾. [ المستصفى من علم الأصول : ٢/١٩٠ ].
٢٤٨- خصصوا عموم آية المواريث برواية أبي هريرة :( أنه لا يرث القاتل والعبد ولا أهل ملتين )١. [ نفسه : ٢/١١٩ ].
﴿ وورثاه أبواه فلأمه الثلث ﴾.
٢٤٩- فمعقول هذا أن لأبيه الثلثين [ نفسه : ٢/٢٤٥ ].
﴿ فإن كان له إخوة فلأمه السدس ﴾.
٢٥٠- عقل ابن عباس رضي الله عنه من قوله :﴿ فإن كان له إخوة فلأمه السدس ﴾ أنه إن كان له أخوان فلأمه الثلث. [ نفسه : ٢/١٩٨ ]
٢٥١- قول أبي بكر لما سئل عن الكلالة : أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، الكلالة : ما عدا الوالد والولد. [ نفسه : ٢/٢٤٣ ].
٢٥٢- نسخ الحبس والأذى عن اللاتي يأتين الفاحشة بالجلد١ والرجم مع بقاء التلاوة. [ نفسه : ١/١٢٤ ].
٢٥٣- ومعناه عن قرب عهد بالخطيئة، بان يتندم عليها ويمحو أثرها بحسنة يردفها بها قبل أن يتراكم الرين على القلب فلا يقبل المحو، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :( أتبع السيئة الحسنة [ تمحها ]١ " ٢ ولذلك قال لقمان لابنه : يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة [ الإحياء : ٤/١٣ ].
٢ - عن أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [[اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن]] رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ حسن صحيح ن. أبواب البر والصلة ٣/ ٢٩٣ حديث رقم ٢٠٥٣..
٢٥٤- قال مجاهد في قوله تعالى :﴿ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ﴾ قال : إذا عاين الرسل، فعند ذلك تبدو له صفحة وجه ملك الموت، فلا تسأل عن طعم مرارة الموت وكربه عند ترادف سكرته. [ نفسه : ٤/٤٩١ ].
٢٥٥- يحمل على وطء الأب وعقده. [ المستصفى : ٢/٧١ ].
٢٥٦- يقتضي إضمار الوطء، أي : حرم عليكم وطء أمهاتكم، لأن الأمهات عبارة عن الأعيان، والأحكام لا تتعلق بالأعيان، بل لا يعقل تعلقها إلا بأفعال المكلفين، فاقتضى اللفظ فعلا، وصار ذلك هو الوطء من بين سائر الأفعال بعرف الاستعمال [ نفسه : ١/١٨٧ ].
٢٥٧- لم يجعل قوله تعالى :﴿ حرمت عليكم أمهاتكم ﴾ عاما في كل فعل، مع أنه لابد من إضمار فعل، فالحكم ههنا لا بد من إضماره لإضافة الرفع إليه كالفعل، ثم ينزل على ما يقتضي عرف الاستعمال وهو الذم والعقاب ههنا والوطء. [ نفسه : ١/٣٤٩ ].
﴿ وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ﴾.
٢٥٨- أراد به زمان الجاهلية، هذا ما ورد في التفسير. [ نفسه : ١/٣٩٤ ].
٢٥٩- ﴿ وأن تجمعوا بين الأختين ﴾ حرم عليه الجمع بين المملوكتين، وإنما يجوز له إذا قصد العمل بموجب الدليل الثاني، وهو قوله تعالى :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾١ كما قال عثمان : " أحلتهما آية وحرمتهما آية ". [ نفسه : ٢/٣٨١ ]
٢٦٠- من التعارض أن يتعارض عمومان، فيزيد أحدهما على الآخر من وجه وينقص عنه من وجه، مثاله :... قوله تعالى :﴿ وأن تجمعوا بين الأختين ﴾، فإنه يشمل جمع الأختين في ملك اليمين أيضا مع قوله :﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾٢ فإنه يحل الجمع بين الأختين في النكاح دون ملك اليمين، لعموم قوله ﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾ فهو على مذهب القاضي تعارض وتدافع بتقديم النسخ، ويشهد له قول علي وعثمان رضي الله عنهما لما سئلا عن هذه المسألة- أعني : جمع أختين في ملك اليمين- فقالا : حرمتهما آية وحللتهما آية.
أما على مذهبنا في حمله على البيان ما أمكن ليس أيضا أحدهما بأولى من الآخر ما لم يظهر ترجيح، وقد ظهر.
فنقول : عموم قوله :﴿ وأن تجمعوا بين الأختين ﴾ أولى المعنيين :
أحدهما : أنه عموم لم يتطرق إليه تخصيص متفق عليه فهو أقوى من عموم تطرق إليه التخصيص بالاتفاق، إذ قد استثني عن ملك اليمين المشركة والمستبرأة والمجوسية والأخت من الرضاع والنسب وسائر المحرمات، أما الجمع بين الأختين فحرام على العموم.
الثاني : أن قوله :﴿ وأن تجمعوا بين الأختين ﴾ سيق بعد ذكر المحرمات وعدها على الاستقصاء إلحاقا لمحرمات تعم الحرائر والإماء.
وقوله ﴿ أو ما ملكت أيمانكم ﴾ ما سيق لبيان المحللات قصدا ! بل في معرض الثناء على أهل التقوى الحافظين فروجهم من غير الزوجات والسراري، فلا يظهر منه قصد البيان. [ المستصفى : ٢/١٤٨ إلى ١٥١ ]
٢ - النساء : ٣..
٢٦١- روى أبو هريرة أن المرأة لا تنكح على عمتها وخالتها١ فخصصوا به قوله تعالى :﴿ وأحل لكم ما وراء ذلكم ﴾ [ المستصفى من علم الأصول : ٢/١١٩ ].
٢٦٢- يترتب الحكم على الفعل بفاء التعليل والتسبيب، فهو تنبيه على تعليل الحكم بالفعل الذي رتب عليه... كقوله تعالى :﴿ ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ﴾ فدل ذلك على أن سبب إباحة نكاح الإماء العجز. [ شفاء الغليل : ٢٨ ].
٢٦٣- فإن قيل : فقد قال تعالى :﴿ ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ﴾ الآية.
فهلا نزلت ذلك على تأثيره في الحكم بواسطة الفعل، مصيرا إلى أن الغالب : أن القادر على الحرة لا ينكح الأمة فيرق ولده، ويضيق على نفسه الاستمتاع ؟ ولما رددتم مذهب أبي حنيفة إذ صار إليه ؟.
قلنا : نظره ليس باطل، لأن الآية لا تحتمل هذا التأويل، ولكنه قد نعول على المعنى في تلك المسألة- وهو إرقاق الولد- وقد نعول على الآية ونبطل دليل الخصم على تأويله بالطرق المذكورة في تلك المسألة، فأما أصل التأويل فغير ممتنع في أصله. [ نفسه : ١٠٤ ]
﴿ فإذا أحصن فإن آتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ﴾.
٢٦٤- نقول في العبد : إنه رقيق، فينشطر حد الزنا في حقه كالأمة، ونقيس على الأمة، لأن النص وارد في حق الأمة، إذ قال تعالى :﴿ فإذا أحصن فإن آتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ﴾.
فيقال : وما الدليل على أن الرقة علة ؟
قلنا : هو أن التشطير يعدم بعدمه، فإنها لو عتقت لم ينشطر حدها [ شفاء الغليل : ٢٧٠ ]
٢٦٥- ﴿ فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ﴾ فالعبد في معناها [ المستصفى من علم الأصول : ٢/٢٨٣ ].
٢٦٦- عن عكرمة ومجاهد أنهما قالا في معنى قول :﴿ وخلق الإنسان ضعيفا ﴾ أنه لا يصبر على النساء. [ الإحياء : ٢/٣٢ ].
٢٦٧- أمر الله تعالى بأكل الطيب وهو الحلال، وقدم النهي عن الأكل بالباطل على القتل تفخيما لأمر الحرام وتعظيما لبركة الحلال [ نفسه : ٢/٤ ].
٢٦٨- أي لا تطلبوا حيلة للفراق [ نفسه : ٢/٦٢ ].
٢٦٩- جعل النية سبب التوفيق [ نفسه : ٤/٣٨٢ ].
٢٧٠- قيل : هي المرأة الصالحة. [ نفسه : ٢/٤٨ ].
٢٧١- الكتمان : كفران النعمة، وقد ذم الله عز وجل من كتم ما آتاه الله عز وجل وقرنه بالبخل. [ نفسه : ١/٢٢٩ ].
٢٧٢- ﴿ لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ﴾ قيل : سكارى من كثر الهم وقيل من حب الدنيا. وقال وهب١ : المراد به ظاهره، ففيه تنبيه على سكر الدنيا إذ بين فيه العلة فقال :﴿ حتى تعلموا ما تقولون ﴾ وكم من مصل لم يشرب خمرا وهو لا يعلم ما يقول في صلاته. [ نفسه : ١/١٧٨ ].
٢٧٣- تكليف السكران الذي لا يعقل محال كتكليف الساهي والمجنون، والذي لا يسمع ولا يفهم، بل السكران أسوأ حالا من النائم الذي يمكن تنبيهه، ومن المجنون الذي يفهم كثيرا من الكلام.
وأما نفوذ طلاقه ولزوم الغرم، فذلك من قبيل ربط الأحكام بالأسباب، وذلك مما لا ينكر، فإن قيل : فقد قال الله تعالى :﴿ لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ﴾ وهذا خطاب للسكران. قلنا : إذا ثبت بالبرهان استحالة خطابه وجب تأويل الآية ولها تأويلان :
أحدهما : أنه خطاب مع المنتشي الذي ظهر فيه مبادئ النشاط والطرب، ولم يزل عقله، فإنه قد يستحسن من اللعب والانبساط ما لا يستحسنه قبل ذلك، ولكنه عاقل وقوله تعالى :﴿ حتى تعلموا ما تقولون ﴾ معناه : حتى يسكن غضبك فيكمل علمك، وإن كان أصل عقله باقيا، وهذا لأنه لا يشتغل بالصلاة مثل هذا السكران، وقد يعسر عليه تصحيح مخارج وتمام الخشوع.
الثاني : أنه ورد الخطاب به في ابتداء الإسلام قبل تحريم الخمر، وليس المراد المنع من الصلاة بل المنع من إفراط الشرب في وقت الصلاة، كما يقال لا تقرب التهجد وأنت شبعان، ومعناه : لا تشبع فيثقل عليك التهجد. [ المستصفى : ١/ ٨٤-٨٥ ]
٢٧٤- ذهب الفقهاء إلى أنه مخاطب تمسكا بقوله تعالى :﴿ لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ﴾... وظاهر الآي لا يصادم المعقولات، ثم هو خطاب مع المنتشي الذي لم يزل عقله، بدليل أنه نزل في شارب خمر أم قوما، فقرأ " الفاتحة "، فتخبطت عليه سورة ﴿ قل يا أيها الكافرون ﴾ وكان معه من العقل ما يفهم به.
قلنا : جريان الأحكام عليه تغليظ، لأن السكر متشوف النفوس، وقد تعدى بالتسبب إليه، فلا يتوجه إليه الخطاب في حالة السكر أصلا.
والأحكام جارية، والصلاة تقضى بأمر جديد، ولو أمر به المجنون بعد الإفاقة، أو الحائض بعد الطهر بفعل الصوم لم يبعد، وسببه تعديه بالتسبب إليه مع كونه مجنونا حتى لو ردى نفسه من شاهق، فانخلعت قدماه، لا يجب القضاء، لأن النفس لا تتشوف إليه.
والخلاف آيل إلى عبارة، إن سلموا لنا استحالة تكليف ما لا يطاق، لأننا نسلم الأحكام وجريانها، وذلك لا يدل على التكليف، والسكران لا يفهم، ولا يقال له افهم، وهو شرط خطاب، وكذلك الناسي الذاهل حكمه حكم السكران في التكليف. [ المنخول من تعليقات الأصول : ٢٩-٣٠ ].
٢٧٥- ﴿ حتى تعلموا ما تقولون ﴾ تعليل لنهي السكران، وهو مطرد في الغافل المستغرق الهم بالوسواس وأفكار الدنيا. [ الإحياء : ١/ ١٨٥ ].
٢٧٦- ﴿ ولا جنبا إلا عابر سبيل حتى تغتسلوا ﴾... تنبيه على أن ما جعل غاية للحكم مؤثر في ارتباط. [ شفاء الغليل : ٤٨ ].
٢٧٧- يحمل قوله تعالى :﴿ أو لامستم النساء ﴾ على الوطء والمس جميعا، قلنا : هذا عندنا كاللفظ المشترك، وإن كان التعميم فيه أقرب قليلا، وقد نقل أن الشافعي رحمه الله قال : أحمل آية اللمس على المس والوطء جميعا، وإنما قلنا : هذا أقرب لأن المس مقدمة الوطء، والنكاح أيضا يراد للوطء، فهو مقدمته، ولأجله استعير للعقد اسم النكاح الذي وضعه للوطء، واستعير للوطء اسم اللمس، فلتعلق أحدهما بالآخر ربما لا يبعد أن يقصدا جميعا باللفظ المذكور مرة واحدة. لكن الأظهر عندنا أن ذلك أيضا على خلاف عادة العرب. [ المستصفى : ٢/٧٤ ].
٢٧٨- ﴿ فلم يجدوا ماء فتيمموا ﴾ فهو تنبيه على إضافة الإباحة إلى العدم، ولكن إلى العدم لعينه حتى يقتصر عليه، أو لمعنى يتضمنه، وهو : العجز الحاصل به، حتى يتعدى إلى من وجد ماء ومنعه منه حائل أو افتقر إليه السقية، أو افتقر في تحصيله إلى تفويت مال كثير وارتكاب خطر وغيره ؟ [ شفاء الغليل : ٦٤ ].
٢٧٩- أن يترتب الحكم على الفعل بفاء التعليل والتسبيب، فهو تنبيه على تعليل الحكم بالفعل الذي رتب عليه... كقوله تعالى :﴿ فلم يجدوا ماء فتيمموا ﴾ فدل ذلك على أن سبب جواز التيمم فقد الماء. [ نفسه : ٢٨ ]
٢٨٠- ﴿ أو لامستم النساء ﴾ حمله أبو حنيفة –رضي الله عنه- على المجامعة وحمله الشافعي على الجس باليد. [ الوسيط في المذهب : ١/٤٠٩-٤١٠ ].
٢٨١- يبيح التيمم :... العجز عن استعمال الماء لقوله تعالى :﴿ فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ﴾ [ نفسه : ١/٤٣١ ].
٢٨٢- ﴿ فلم تجدوا ماء فتيمموا ﴾ فإن ذلك في اللمس والغائط.
ونحن نطرد ذلك في البول والنوم والمذي والمني وجميع الجهات، لأنه فهم بالإيمان أن السبب فقد الماء، فاتبعنا السبب دون المحل. [ شفاء الغليل : ١١٦ ].
٢٨٣- قال الحسن في قوله تعالى :﴿ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ﴾ قال : تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرة، كلما أكلتهم قيل لهم : عودوا فيعودون كما كانوا [ الإحياء : ٤/٥٦٧ ].
٢٨٤- لما تلا قوله عز وجل :﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ﴾ وضع يده على سمعه وبصره فقال : " السمع أمانة والبصر أمانة " ١. [ نفسه : ١/٢٧٩-٢٨٠ ].
٢٨٥- ﴿ أطيعوا الله وأطيعوا أولي الأمر منكم ﴾ أما أولوا الأمر فإنما أراد بهم الولاة ؛ إذ أوجب طاعتهم كطاعة الله ورسوله، ولا يجب على المجتهد اتباع المجتهد.
فإن كان المراد بأولي الأمر الولاة فالطاعة على الرعية، وإن كان هم العلماء فالطاعة على العوام، ولا نفهم غير ذلك. [ المستصفى : ٢/٣٨٥-٣٨٦ ].
٢٨٦- ﴿ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ﴾ مفهومه١ إن اتفقتم فهو حق [ نفسه : ١/١٧٥ ].
٢٨٧- نفي الإيمان، وأقسم على من سخط قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكيف حال من سخط قضاء الله تعالى ؟ وروينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث قدسي عن رب العالمين :( من لم يرض بقضائي، ولم يصبر على بلائي ولم يشكر نعمائي فليتخذ إلها سوائي )١
٢٨٨- ﴿ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ﴾ نفى إيمانهم إلا بالقبول لأحكامه وأقضيته، فكيف بأصل رسالته وبعثته ؟ [ مدخل السلوك إلى منازل الملوك : ٤١ ].
٢٨٩- لما كتب عليهم القتال :﴿ قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ﴾ فقال تعالى :﴿ قل متاع الدنيا قليل ﴾ أي لستم تريدون البقاء إلا لمتاع الدنيا، فظهر عند ذلك الزاهدون وانكشف حال المنافقين [ الإحياء : ٤/٢٣١ ].
٢٩٠- إلى تعريف خساسة الدنيا الإشارة بقوله تعالى :﴿ قل متاع الدنيا قليل ﴾ [ نفسه : ٤/٢٣١ ].
٢٩١١- ﴿ ولا تظلمون فتيلا ﴾ اتفق أهل اللغة على أن فهم... ما وراء الفتيل... من المقدار الكثير أسبق إلى الفهم من نفس... الفتيل. [ المستصفى : ١/٣٣٥ ].
٢٩٣- معناه : التناقض والكذب الذي يدعيه الملحدة، أو الاختلاف من البلاغة واضطراب اللفظ الذي يتطرق إلى كلام البشر بسبب اختلاف أحواله من نظمه ونثره. وليس المراد بنفي الاختلاف في الأحكام، لأن جميع الشرائع والملل من عند الله، وهي مختلفة، والقرآن فيه أمر ونهي وإباحة ووعد ووعيد وأمثال ومواعظ، وهذه اختلافات. [ المستصفى من علم الأصول : ٢/٢٦١-٢٦٢ ].
٢٩٤- ﴿ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ﴾ المراد به : تناقض الكلمات في المتكلم الواحد، إذا تناقض كلامه فسد. [ فضائع الباطنية : ١٢٥ ].
٢٩٥- هذا يبعد حمله على الذي يليه، لأنه يؤدي إلى أن لا يتبع الشيطان بعض من لم يشمله فضل الله ورحمته، فقيل : إنه محمول على قوله :﴿ لعلمه الذين يستنبطونه منهم ﴾ إلا قليلا منهم، لتقصير وإهمال وغلط. وقيل : إنه يرجع إلى قوله :﴿ أذاعوا به ﴾ ولا يبعد أن يرجع إلى الأخير. ومعناه : ولولا فضل الله عليكم ورحمته ببعثة محمد عليه السلام لاتبعتم الشيطان إلا قليلا، قد كان تفضل عليهم بالعصمة من الكفر قبل البعثة كأويس القرني، وزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة وغيرهم ممن تفضل الله عليهم بتوحيده واتباع رسوله قبله. [ المستصفى من علم الأصول : ٢/١٧٩ ].
٢٩٦- ﴿ لو ردوه إلى الله وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ﴾ رد حكمه في الوقائع إلى استنباطهم، وألحق رتبتهم برتبة الأنبياء في كشف حكم الله. [ الإحياء : ١/١٥ ]
٢٩٧- ﴿ لعلمه الذين يستنبطونه منهم ﴾ فردهم عن النزاع إلى أهل الاستنباط. [ المستصفى : ١/١٨٢ ].
٢٩٨- ﴿ لعلمه الذين يستنبطونه منهم ﴾ أثبت لأهل العلم استنباطا. [ الإحياء : ١/٣٤٣ ].
٢٩٩- إلى العقل والشرع أشار بالفضل والرحمة بقوله تعالى :﴿ الذين يستنبطونه منهم ﴾ [ القسطاس المستقيم ضمن مجموعة رسائل الإمام الغزالي رقم ٣ ص : ١٥ ].
٣٠٠- إلى العقل والشرع أشار بالفضل والرحمة بقوله تعالى :﴿ ولو فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ﴾ وعنى بالقليل المصطفين الأخيار [ معارج القدس في مدارج معرفة النفس : ٥٩ ].
٣٠١- المقيت معناه : خالق الأقوات وموصلها إلى الأبدان وهي الأطعمة، وإلى القلوب وهي المعرفة، فيكون بمعنى الرازق إلا أنه أخص منه، إذ الرزق إلا أنه أخص منه، إذ الرزق يتناول القوت، وغير القوت، والقوت ما يكتفي به في قوام البدن.
وإما أن يكون بمعنى المتسولي على الشيء القادر عليه، والاستيلاء يتم بالقدرة والعلم، وعليه يدل قوله تعالى :﴿ وكان الله على كل شيء مقيتا ﴾ أي مطعما قادرا، فيكون معناه راجعا إلى القدرة والعلم... ويكون بهذا المعنى وصفه بالمقيت أتم من وصفه بالقادر وحده وبالعالم وحده، لأنه دال على اجتماع المعيين... وبذلك يخرج هذا الاسم عن الترادف. [ المقصد الأسني في شرح أسماء الله الحسنى : ١٠٢ ]
٣٠٢- قال ابن عباس رضي الله عنهما : من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه السلام وإن كان مجوسيا، إن الله تعالى يقول :﴿ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ﴾ وقال ابن عباس أيضا : لو قال لي فرعون خيرا لرددت عليه. [ الإحياء : ٣/١٢٩ ].
٣٠٣- ﴿ وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ﴾ استثنى الخطأ من العمد. [ المستصفى من علم الأصول : ٢/١٦٨ ].
٣٠٤- ﴿ من قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ إذ تجب على العامد عند الشافعي رحمه الله. [ نفسه : ٢/٢٠٣ ].
٣٠٥- ﴿ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا ﴾ يرجع إلى الأخير وهو الدية، لأن التصدق لا يؤثر في الإعتاق. [ نفسه : ٢/١٧٩ ].
٣٠٦- لما نزل قوله تعالى :﴿ لا يستوي القاعدون من المؤمنين ﴾ [ الآية. قال ابن أم مكتوم١ ما قال، وكان ضريرا، فنزل قوله تعالى :﴿ غير أولي الضرر ﴾ فشمل الضرير وغيره عموم لفظ المؤمنين. [ نفسه : ٢/٤٣ ].
٣٠٧- نزل قوله تعالى :﴿ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ﴾ في قوم من المسلمين كانوا يكثرون جماعة المشركين بالمخالطة. [ الإحياء : ٢/١٦٥ ].
٣٠٨- صلاة الخوف وردت في القرآن ناسخة لما ثبت في السنة من جواز تأخيرها إلى انجلاء القتال، حتى قال عليه السلام يوم " الخندق " وقد أخر الصلاة " حشا الله قبورهم نارا " ١ لحبسهم له عن الصلاة... [ المستصفى : ١/١٢٤ ].
٣٠٩- قال ابن عباس رضي الله عنهما : أي بالليل والنهار في البر والبحر والسفر والحضر والغنى والفقر والمرض والحضر والسر والعلانية. [ نفسه : ١/٣٥٠ ].
٣١٠- قد سمى الله عز وجل العلم فضلا في مواضع قال تعالى :﴿ وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ﴾ [ نفسه : ١/٢١٩ ].
٣١١- أعظم نعمة الله على عباده هو العلم وكشف الحق، والإيمان عبارة عن نوع كشف وعلم، ولذلك قال تعالى امتنانا على عبده :﴿ وكان فضل الله عليك عظيما ﴾ [ نفسه : ٤/٤٢٦ ].
٣١٢- ﴿ لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف ﴾ ومعناه : أن لا تتكلم فيما لا يعنيك، وتقتصر على المهم، ففيه النجاة. [ كتاب الأربعين في أصول الدين : ٨٣-٨٤ ].
٣١٣- إن ذلك يوجب اتباع سبيل المؤمنين، وهذا ما تمسك به الشافعي، وقد أطنبنا في كتاب " تهذيب الأصول " ١ في توجيه الأسئلة٢ على الآية ودفعها. والذي نراه : أن الآية ليست نصا في الغرض، بل الظاهر أن المراد بها أن من يقاتل الرسول ويشاققه ويتبع غير سبيل المؤمنين في مشايعته ونصره ودفع الأعداء عنه ﴿ نوله ما تولى ﴾ فكأنه لم يكتف بترك المشاقة حتى تنظم إليه متابعة سبيل المؤمنين في نصرته والذب عنه والانقياد له فيما يأمر وينهي، وهذا هو الظاهر السابق إلى الفهم، فإن لم يكن ظاهرا فهو محتمل، ولو فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية بذلك لقبل ولم يجعل ذلك رفعا للنص، كما لو فسر المشاقة بالموافقة واتباع سبيل المؤمنين بالعدول عن سبيلهم. [ [ المستصفى : ١/١٧٥ ].
٣١٤- تمسك الشافعي في إثبات كون الإجماع حجة بقوله :﴿ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ﴾ الآية : تواعد على ترك اتباع سبيل المومنين، فإذا أجمعوا على حكم فهو سبيلهم.
فإن قيل : تنطوي على السريرة، ولا اطلاع عليها، فما ندري أن الذين أجمعوا أهم المؤمنون الذين يجب اتباعهم أم لا ؟
قلنا : لم نكلف البحث عن الضمائر، وإنما أمرنا بناء الأمر على الظاهر، وإذا أجمعت الأمة على حكم يجب القضاء بأنهم هم المومنون.
إلا أن ينقدح حمل الآية على ترك الإيمان والمخالفة فيه، ويشهد له قوله قبله :﴿ ومن يشاقق الرسول ﴾ وهذا وإن لم نقطع به، فهو محتمل، والقطعيات لا تثبت بالمحتملات. [ المنخول : ٣٠٥ ].
٢ - في الأصل المطبوع الأسولة..
٣١٥- يعدهم التوبة، ويمنيهم المغفرة، فيهلكهم بإذن الله تعالى بهذه الحيل وما يجري مجراها. [ الإحياء : ٣/٥٢ ].
٣١٦- روي أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ ومن يعمل سوءا يجزيه ﴾ قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : كيف الفرح بعد هذه الآية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض ؟ ألست يصيبك الأذى ؟ ألست تحزن ؟ فهذا ما تجزون به )١ يعني أن جميع ما يصيبك يكون كفارة لذنوبك. [ نفسه : ٤/١٣٨ ].
٣١٧- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من كان له أمر أتان فمال إلى أحدهما دون الأخرى. وفي لفظ- ولم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل )١ وإنما عليه العدل في العطاء والمبيت، وأما في الحب والوقاع فذلك لا يدخل تحت الاختيار، قال تعالى :﴿ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ﴾ أي أن تعدلوا في شهوة القلب وميل النفس، ويتبع التفاوت في الوقاع. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدل بينهم في العطاء والبتوتة في الليالي ويقول :( اللهم هذا جهدي فيما أملك ولا طاقة لي فيما تملك ولا أملك )٢ يعني الحب وقد كانت عائشة رضي الله عنها أحب نسائه إليه، وسائر نسائه يعرفن ذلك. [ نفسه : ٢/٥٥ ]
٣١٨- ﴿ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل ﴾ فإن العدل بين المرأتين في المحبة والوقوف على درجة متوسطة لا ميل فيه إلى إحداهما، لا يدخل تحت الإمكان. [ المضنون به على غير أهله ضمن مجموعة رسائل الإمام الغزالي رقم ٤ ص : ١٥٨ ].
٢ - رواه أبو داود في سننه كتاب النكاح ٢/٢٤٢ حديث رقم ٢١٣٤ وابن ماجة كتاب النكاح ١/٦٣٣ حديث رقم ١٩٧١..
٣١٩- وذلك هو الأمر بالمعروف للوالدين والأقربين } [ الإحياء : ٢/٣٣٤ ].
٣٢٠- قال صلى الله عليه وسلم ( أعظم الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضا في الباطل )١ وإليه الإشارة بقوله ﴿ فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ﴾. [ نفسه : ٣/١٢٥ ].
٣٢١- ﴿ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ﴾ لأنهم جحدوا بعد علم. [ نفسه : ١/٧٤ ].
٣٢٢- الشكر قيد النعم، به تدوم وتبقى، وبتركه تزول وتحول... قال الله سبحانه وتعالى :﴿ ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتك وآمنتم ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم ( إن للنعم أوابد كأوابد الوحش فقيدوها بالشكر )١. [ منهاج العابدين إلى جنة العالمين : ٣١٧ ].
٣٢٣- شبهة لفظية١ وقعت لبعضهم، ظنا منه أن الكلمة حيثما أطلقت، يجب أن يكون المراد منها عين ما اصطلحوا عليه في أقانيمهم٢، لتصحيح ما يتعذر عليهم من إرادة ظاهره المتعددة بالذات.
وهذا وهم عظيم وعماية خيلت له أن هذا الاصطلاح الذي حملهم ما أشرنا إليه من الضرورة على أن ما قالوا به يجب أن يكون مرادا لأهل كل شريعة، فلذلك استدل على إلهية عيسى عليه السلام بما ورد في الكتاب العزيز وهو قوله عز من قائل ﴿ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم ﴾.
فأحببت أن أكشف غطاء هذه الشبهة ليكون الناظر في هذا النص آمنا من الشبهات المضلة فأقول :
المولود إنما يتكون مسببا في سببين :
أحدهما : في الاثنيين، وهو أحد نوعي القوة المولدة، وهي القوة التي يصير الدم فيها بحال يكون بها مستعدا لقبول قوة الحياة من واهب الصور.
الثاني : القوة الموجودة في المني، إذا انتقل إلى الرحم وانضمت إليه سائر الشرائط، بأن يكون ماء دافقا صحيحا قويا لا فساد فيه ولا ضعف، ويكون الرحم صحيحا لا علة به، ولم يحصل للمرأة عقب الجماع حركة مزعجة عنيفة يحصل بها زلق المني من الرحم، فحينئذ يستعد لقبول القوة المصورة من واهب الصور، فإذا صار عنها تشكيلات الأعضاء، كان ذلك كونا للصورة العضوية، وفسادا للصورة المنوية، فيستعد حينئذ لقبوله الروح من واهبها.
هذا هو السبب العادي في تكوين كل مولود، وإذا ثبت ذلك فنقول : إن كل شيء له سبب قريب وسبب بعيد، فالأكثر إضافته إلى سببه القريب فيقال منذ رؤية الرياض الخضر، أنظر إلى صنع المطر، والله هو الصانع الحقيقي ولو رؤي نبات نضر على صلد، والشمس في الأسد، لقيل انظر إلى صنع الإله ! ! فيصرح بالسبب الحقيقي لفوات السبب العادي ! !.
وإذا وضع هذان الأصلان نقول : السبب القريب في حق عيسى عليه السلام، لما دل الدليل على عدم وقوعه أضيف تكوينه إلى السبب البعيد وهو الكلمة، لأن كل أحد مخلوق بكلمة الله القائل بها لكل مخلوق :﴿ كن ﴾٣ فإذا هو كائن ! !
فلهذا السبب صرح في حقه بذلك، إشارة إلى انتفاء السبب القريب العادي، وأنه إنما كون الكلمة التي هي :﴿ كن ﴾٤ من غير مني ! ! ! يمكن إضافة التكوين إليه على ما شرح.
ثم أوضح ذلك بقوله :﴿ ألقاها إلى مريم ﴾ يريد أن الولد إنما يتكون من إلقاء المني إلى أمه، وهذا المولود لم يخلق إلا بإلقاء الكلمة إلى أمه التي هي عبارة عن الأم بالتكوين، فإذا الإلقاء مجازي.
وقد ورد مثل ذلك في حق آدم عليه السلام لما اشتركا في عدم التكوين عن الأسباب العادية حيث قال جل من قائل :﴿ ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ﴾٥ والله عز وجل لا يد له، وإنما المراد : خلقته بقدرتي، إشارة إلى أنه لم يكن من مني، وإنما كون بقدرته، يشير بذلك إلى فوات السبب العادي، وإذا فات السبب العادي أضيف إلى السبب البعيد المشبه بالحقيقي، وهو كلمة الله عز وجل، وقد أتى بالمماثلة صريحا فقال عز من قائل :﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ﴾٦ وكذلك قوله :﴿ وروح منه ﴾ أي : وهو روح تكونها صادر عنه، منفكا عن الأسباب العادية التي يضاف إليها المسبب عادة، فالصلة في مكان الصفة للروح.
فإن قيل : تمام هذه الحجة فرع لكون الكلمة سببا، وسببها فرع لردها لقاعدة الشرط وما يترتب عليه من الجواب، وذلك ممتنع لما يلزم من عدم المغايرة بين المسبب وسببه.
قال الفارسي٧ لو جاز أن يكون مثل ذلك جوابا لكان قوله تعالى :﴿ كن فيكون ﴾٨ منزلا منزلة القائل : اذهب فيذهب.
وممتنع ذلك، إذ يصير تقدير الكلام بالرد إلى قاعدة الشرط : إن تكن تكن وإن تذهب تذهب، فيكون حينئذ السبب عن المسبب.
ولذلك أجمع القراء على الرفع فيما وقع الاحتجاج به من الآية السالفة، ولم يتابع الكسائي٩ ابن عامر١٠ إلا فيما أمكن أن يكون انتصابه، لا من جهة الجواب، بل من جهة العطف، وتلك المتابعة محصورة في آيتين :
الأولى قوله جل من قائل :﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾١١
والثانية : قوله تعالى :﴿ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقوله له كن فيكون ﴾١٢
وإذا كان الجواب ممتنعا فيما قرئ منصوبا ومرفوعا سقط الاحتجاج بالآية، وامتنع كون الآية سببا.
فأقول والله الموفق : إن هذه المباحثة عربية، وأهل العربية يجرون الأجوبة تارة على الألفاظ باعتبار معانيها، وتارة على صور الألفاظ المجردة عن معانيها، مثل ذلك قوله تعالى :﴿ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا ﴾١٣ وقع الجواب رتبا على صورة لفظ الاستفهام مجردا عن معناه. ومعنى الكلام : أنهم ساروا فنظروا، وذلك خبر محض ليس من الاستفهام في شيء.
فإن ظن أن إلغاء عاطفة لصلاحيتها مع حذف النون للعطف والجواب فكيف تجعل للجواب مع هذا الاحتمال ؟، مع دفع ذلك بما لا لبسة في كونه جوابا، وهو قوله جل من قائل " :﴿ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب ﴾١٤.
وإذا وضح ذلك ردت مسألتنا إلى هذه القاعدة، وكان الجواب جاريا على صيغة الأمر فقط، من غير تعرض لمعناه.
قال سيبويه : " شبهة ترتب الأمور على صيغة لفظ الأمر في العرف، بترتب المقدور على تأثير القدرة فيه، إذ أهل العرف يقضون على أن من أمر شخصا بالقيام، فأوجده عند أمره أن قيامه مسبب عن صيغة لفظ الأمر، وأن لفظ الأمر سبب لقيامه، وهو في الحقيقة مسبب عن الإرادة التي دلت صيغة الأمر عليها.
يدل على ذلك : أن السيد إذا أمر عبده أن يفعل فعلا، وعلم العبد أن السيد لا يريد منه فعل ما أمره به، فإذا فعله العبد عد مخالفا للسيد ملوما من جهته، فإن للمأمور سببان :
أحدهما حقيقي : وهو الإرادة، وهو السبب البعيد، والثاني : صيغة الأمر في العرف الدالة على الإرادة.
فتعود- حينئذ- القاعدة نفسها في إحالة الحكم على السبب القريب، فقد ثبت حينئذ –بما ذكرناه- أن أهل العرف يعدون الكلمة المأمور بها سببا ويحيلون الحكم عليها، ويجعلون ما يقع بعدها مسببا عنها، وإن كان له أسباب حقيقية أبعد منها، وذلك عين ما بيناه أولا.
وإنما تعلق مورد هذا الإشكال بصناعة عربية، وقد أمكن رد ذلك إلى قواعدها، فحينئذ يسقط الإشكال يقينا، ويسقط خيال من ظن أن قراءة " ابن عامر " فيما تتمحص الفاء فيه جوابا عسرة الرد إلى الأصول العربية وقواعدها، كقوله عز وجل سبحانه :﴿ وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ﴾١٥ ونظائر ذلك مما انفرد بقراءته منصوبا، بل القراءة محجوبون من جهة بقوله تعالى :﴿ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب ﴾١٦ ولا وجه لإجماعهم على النصب، وجعل الفاء جوابا إلا إحالة على وجود صيغة الاستفهام فقط من غير نظر إلى معناها كما تقدم، وبهذا التقدير والإلزام لا يتجه على ابن عامر إشكال البتة ! !.
فليتأمل الناظر حسن هذا الإعراب والإغراب، معظما هذه الشريعة المحمدية المؤيدة بأفصح الأنبياء لهجة وأصدقهم حجة.
إذا نطقت جاءت بكل غريبة | وإن سكتت جاءت بكل غريب |
٢ - الأقانيم : الأصول، واحدها أقنوم، قال الجوهري: وأحسبها رومية. ن اللسان (قنم)..
٣ - آل عمران: ٥٩..
٤ -آل عمران : ٥٩..
٥ -ص : ٧٥..
٦ - آل عمران : ٥٩..
٧ - هو نصر بن عبد العزيز بن أحمد بن نوح أبو الحسين الفارسي الشيرازي شيخ محقق، إمام مسند ثقة عدل، له كتاب "الجامع في القراءات العشر" مقري الديار المصرية ومسندها وألف فيهما كتاب الجامع، توفي سنة ٤٦١هـ. ن طبقات القراء: ٢/ ٣٣٦-٣٣٧..
٨ - آل عمران: ٥٩- والنحل: ٤٠ ويس ٨٢..
٩ - هو أبوا لحسن علي بن حمزة الكوفي بالكسائي أحد القراء السبعة وإمام الكوفيين في النحو واللغة، أخذ القراءة عن حمزة ثم اختار لنفسه قراءة، وأخذ النحو عن معاذ ثم عن الخليل، وأخذ عنه القراءات (ت١٨٩هـ) انظر: طبقات القراء: ١/٥٣٥ وبغية الوعاة ٢/١٠٢..
١٠ - هو عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم إمام أهل الشام في القراءة، والذي انتهت إليه مشيخة الإقراء بها، كان في زمن عمر بن عبد العزيز توفي بدمشق ١١٨هـ. انظر طبقات القراء ١/٤٢٣- ٤٢٤ وسير أعلام النبلاء ٥/ ٦٢..
١١ - يس : ٨٢..
١٢ - النحل : ٤٠..
١٣ - الحج : ٤٦..
١٤ - الحج : ٤٦..
١٥ - البقرة : ١١٧..
١٦ - الحج : ٤٦..
[ الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل : ١٦٤-١٧١ ].
٣٢٤- أعظم الحكمة كلام الله تعالى، ومن جملة كلامه القرآن خاصة، فيكون منزلة آيات القرآن عند عين العقل منزلة نور الشمس عند العين الظاهرة، إذ به يتم الإبصار. فالحري أن يسمى القرآن نورا كما يسمى نور الشمس نورا، فمثال القرآن نور الشمس، ومثال العقل نور العين، وبهذا يفهم معنى قوله تعالى :﴿ يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا ﴾ [ مشكاة الأنوار ضمن مجموعة الرسائل رقم ٤ ص : ١٢ ].
٣٢٥- قال ابن عباس رضي الله عنهما : الأخوات لا يرثن مع الأولاد لقوله تعالى :﴿ إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ﴾ فإنه لما جعل لها النصف دل على انتفائه عند وجود الولد. [ المستصفى : ٢/١٩٨ ]