تفسير سورة سورة النساء من كتاب تأويلات أهل السنة
المعروف بـتفسير الماتريدي
.
لمؤلفه
أبو منصور المَاتُرِيدي
.
المتوفي سنة 333 هـ
ﰡ
سُورَةُ النِّسَاءِ
قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ)
في كل ما كان الخطاب للكفرة: ذكر اللَّه - سبحانه وتعالى - على أثره حُجج وحدانيته، ودلائل ربوبيته؛ لأنهم لم يعرفوا ربهم، من نحو ما ذكر: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ...) الآية، وكقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ...) الآية، وكقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)، ونحوه كثير: ذكر الحجج والدلائل التي بها يوصل إلى معرفة الصانع وتوحيده؛ لينظروا فيها وليتفكروا؛ فيعرفوا بها خالقهم وإلههم.
وفي كل ما كان الخطابُ للمؤمنين: لم يذكر حجج الوحدانية، ولا دلائل الربوبية؛ لأنهم قد عرفوا ربهم قبل الخطاب، ولكن ذكر على أثره نعمه التي أنعمها عليهم، وثوابه الذي وعد لهم، نحو قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا...) إلى آخر ما ذكر، ذكر نعمه التي أنعمها عليهم، وكقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ...) كذا إلى آخر ما ذكر؛ على هذا يخرج الخطاب في الأغلب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اتَّقُوا رَبَّكُمُ).
قيل: اتقوا عذابه ونقمته.
وقيل: اتقوا عصيانه في أمره ونهيه.
وقيل: اتقوا اللَّه بحقه في أمره ونهيه.
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)
أضاف خلقنا إلى آدم؛ إذ صورة الإنسان في النطفة.
قال: دلت إضافة خلقنا من آدم -وإن لم تكن أنفسنا مستخرجة منه- على أمرين:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ)
في كل ما كان الخطاب للكفرة: ذكر اللَّه - سبحانه وتعالى - على أثره حُجج وحدانيته، ودلائل ربوبيته؛ لأنهم لم يعرفوا ربهم، من نحو ما ذكر: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ...) الآية، وكقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ...) الآية، وكقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)، ونحوه كثير: ذكر الحجج والدلائل التي بها يوصل إلى معرفة الصانع وتوحيده؛ لينظروا فيها وليتفكروا؛ فيعرفوا بها خالقهم وإلههم.
وفي كل ما كان الخطابُ للمؤمنين: لم يذكر حجج الوحدانية، ولا دلائل الربوبية؛ لأنهم قد عرفوا ربهم قبل الخطاب، ولكن ذكر على أثره نعمه التي أنعمها عليهم، وثوابه الذي وعد لهم، نحو قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا...) إلى آخر ما ذكر، ذكر نعمه التي أنعمها عليهم، وكقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ...) كذا إلى آخر ما ذكر؛ على هذا يخرج الخطاب في الأغلب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اتَّقُوا رَبَّكُمُ).
قيل: اتقوا عذابه ونقمته.
وقيل: اتقوا عصيانه في أمره ونهيه.
وقيل: اتقوا اللَّه بحقه في أمره ونهيه.
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)
أضاف خلقنا إلى آدم؛ إذ صورة الإنسان في النطفة.
قال: دلت إضافة خلقنا من آدم -وإن لم تكن أنفسنا مستخرجة منه- على أمرين:
3
أحدهما: جوازُ إضافة الشيء إلى الأصل الذي إليه المرجع، وإنْ بَعُدَ ذلك عن الراجع إليه؛ على التوالد والتتابع.
والثاني: أنا لم نكن بأبداننا فيه، وإن أضيف خلقنا إليه؛ إذ لو كنا فيه لكُنا منه بحق الإخراج لا بحق الخلق منه. وذلك يبطل قول من يجعل صورة الإنسان في النطفة مع الإحالة أن يكون معنانا في التراب أو النطفة؛ إذ هما من الموات الخارج من احتمال الدرك، ونحن أحياء داركون، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)
أي: فرق، ونشر، وأظهر منهما أولادًا كثيرًا: ذكورا وإناثًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)
قوله: (تَسَاءَلُونَ بِهِ)، أي: اتقوا اللَّه الذي تساءلون بعضكم من بعض، أي: يسأل بعضكم من بعض الحوائج والحقوق به، يقول: أسألك بوجه اللَّه، وبحق اللَّه، وباللَّه.
ويسأل بعضكم من بعض بالرحم، يقول الرجل لآخر: أسألك بالرَّحم وبالقرابة أن تعطيني.
وقوله: (وَالْأَرْحَامَ)، روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ)، واتقوا في الأرحام وصلوها.
وقرئ بالنصب والخفض: (وَالْأَرْحَامَ): فمن قرأ بالنصب يقول: اتقوا اللَّه فلا تعصوه، واتقوه الأرحام فلا تقطعوها.
ومن قرأ بالخفض يقول: اتقوا اللَّه الذي تساءلون به والأرحام.
وروي في الخبر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " اتقُوا اللهَ وَصِلُوا الأَرْحَامَ؛ فَإِنَّهُ أَتْقَى لكُم فِي الدُّنْيَا، وَخَيرٌ لكُمْ فِي الْآخِرَةِ ". والآية في الظاهر على العظة والتنبيه.
وكذلك قوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
هو على التنبيه والاتعاظ.
والثاني: أنا لم نكن بأبداننا فيه، وإن أضيف خلقنا إليه؛ إذ لو كنا فيه لكُنا منه بحق الإخراج لا بحق الخلق منه. وذلك يبطل قول من يجعل صورة الإنسان في النطفة مع الإحالة أن يكون معنانا في التراب أو النطفة؛ إذ هما من الموات الخارج من احتمال الدرك، ونحن أحياء داركون، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)
أي: فرق، ونشر، وأظهر منهما أولادًا كثيرًا: ذكورا وإناثًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)
قوله: (تَسَاءَلُونَ بِهِ)، أي: اتقوا اللَّه الذي تساءلون بعضكم من بعض، أي: يسأل بعضكم من بعض الحوائج والحقوق به، يقول: أسألك بوجه اللَّه، وبحق اللَّه، وباللَّه.
ويسأل بعضكم من بعض بالرحم، يقول الرجل لآخر: أسألك بالرَّحم وبالقرابة أن تعطيني.
وقوله: (وَالْأَرْحَامَ)، روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ)، واتقوا في الأرحام وصلوها.
وقرئ بالنصب والخفض: (وَالْأَرْحَامَ): فمن قرأ بالنصب يقول: اتقوا اللَّه فلا تعصوه، واتقوه الأرحام فلا تقطعوها.
ومن قرأ بالخفض يقول: اتقوا اللَّه الذي تساءلون به والأرحام.
وروي في الخبر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " اتقُوا اللهَ وَصِلُوا الأَرْحَامَ؛ فَإِنَّهُ أَتْقَى لكُم فِي الدُّنْيَا، وَخَيرٌ لكُمْ فِي الْآخِرَةِ ". والآية في الظاهر على العظة والتنبيه.
وكذلك قوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
هو على التنبيه والاتعاظ.
4
قوله تعالى: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣)
قوله - تعالى -: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) يحتمل هذا وجهين:
أحدهما: احفظوا أموالهم إلى أن يخرجوا من اليتم، فإذا خرجوا من اليتم أعطوهم أموالهم.
ويحتمل قوله: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)، أي: أنفقوا عليهم من أموالهم، ووسعوا عليهم النفقة ولا تضيقوها لينظروا إلى أموال غيرهم.
(وَآتُوا)، بمعنى: آتوا لوقت الخروج من اليتم، أي: احفظوا؛ لتؤتوا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)
أي: لا تأخذوا الخبيث فتتركوا لهم ما وعد لكم في الآخرة بحفظ أموالهم.
وقيل: لا تأخذوا الجياد من ماله وتعطي الدون من ماله؛ فذلك تبديل الخبيث بالطيب.
وقيل: لا تأكلوا الخبيث: وهو أموال اليتامى، وتذروا الطيب: وهو أموالكم؛ إشفاقًا على أموالكم أن تفنى.
وقيل: لا تأكلوا الحرام مكان الحلال؛ لأن أكل مال اليتيم حرامٌ، وأكل ماله حلال؛
قوله - تعالى -: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) يحتمل هذا وجهين:
أحدهما: احفظوا أموالهم إلى أن يخرجوا من اليتم، فإذا خرجوا من اليتم أعطوهم أموالهم.
ويحتمل قوله: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)، أي: أنفقوا عليهم من أموالهم، ووسعوا عليهم النفقة ولا تضيقوها لينظروا إلى أموال غيرهم.
(وَآتُوا)، بمعنى: آتوا لوقت الخروج من اليتم، أي: احفظوا؛ لتؤتوا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)
أي: لا تأخذوا الخبيث فتتركوا لهم ما وعد لكم في الآخرة بحفظ أموالهم.
وقيل: لا تأخذوا الجياد من ماله وتعطي الدون من ماله؛ فذلك تبديل الخبيث بالطيب.
وقيل: لا تأكلوا الخبيث: وهو أموال اليتامى، وتذروا الطيب: وهو أموالكم؛ إشفاقًا على أموالكم أن تفنى.
وقيل: لا تأكلوا الحرام مكان الحلال؛ لأن أكل مال اليتيم حرامٌ، وأكل ماله حلال؛
5
فنهي أن يبدلوا الخبيث بالطيب.
ويحتمل: لا تأخذ ماله -وهو خبيث- ليؤخذ منك الذي لك وهو طيب.
ويحتمل: لا تأكلوا ذلك؛ إبقاء لأموالكم التي طيبها اللَّه - تعالى - لكم، بما جعل اللَّه لكم خبيثًا.
ويحتمل: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ) في الدنيا؛ فتكون هي نارا تأكلونها؛ فتتركون الموعود لكم في إبقاء الخبيث؛ كقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا...) الآية.
وقوله: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)
يحتمل هذا - واللَّه أعلم - وجهين:
يحتمل قوله: (أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)، أي: مع أموالكم، أي: لا تخلطوا أموالهم مع أموالكم فتأكلوها؛ ففيه نهي عن الخلط والجمع.
ويحتمل: (أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)، أي: بأموالكم؛ ففيه النهي عن أكل أموالهم بأموال أنفسهم تبعًا؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
وقوله - تعالى -: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)، بمعنى: لا تجمعوها إليها فتأكلونهما معًا.
ويحتمل: مع أموالكم، واللَّه أعلم.
وقوله - جل وعز -: (إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)
قيل: جورًا.
وقيل: الحوب: الإثم، وهو واحد.
وقيل: خطأ.
وقِيل: ذنبًا كبيرًا.
ويحتمل: لا تأخذ ماله -وهو خبيث- ليؤخذ منك الذي لك وهو طيب.
ويحتمل: لا تأكلوا ذلك؛ إبقاء لأموالكم التي طيبها اللَّه - تعالى - لكم، بما جعل اللَّه لكم خبيثًا.
ويحتمل: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ) في الدنيا؛ فتكون هي نارا تأكلونها؛ فتتركون الموعود لكم في إبقاء الخبيث؛ كقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا...) الآية.
وقوله: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)
يحتمل هذا - واللَّه أعلم - وجهين:
يحتمل قوله: (أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)، أي: مع أموالكم، أي: لا تخلطوا أموالهم مع أموالكم فتأكلوها؛ ففيه نهي عن الخلط والجمع.
ويحتمل: (أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)، أي: بأموالكم؛ ففيه النهي عن أكل أموالهم بأموال أنفسهم تبعًا؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
وقوله - تعالى -: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)، بمعنى: لا تجمعوها إليها فتأكلونهما معًا.
ويحتمل: مع أموالكم، واللَّه أعلم.
وقوله - جل وعز -: (إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)
قيل: جورًا.
وقيل: الحوب: الإثم، وهو واحد.
وقيل: خطأ.
وقِيل: ذنبًا كبيرًا.
6
وقيل إثمًا؛ وكذلك روي عن ابن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ (٣)
اختلف في تأويله:
فقيل: إنهم كانوا يخافون من أموال اليتامى ويتحرجون منها؛ لكثرة ما جاء من الوعيد فيها؛ فنزل هذا: (وَإِنْ خِفْتُمْ) وتحرجتم من أموال اليتامى؛ فكذا فتحرجوا من الزنا: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ...) الآية.
عن عائشة - رضي اللَّه عنها - أنها قالت: نزلت في يتامى من يتامى النساء كُنَّ عند الرجال؛ فتكون اليتيمة الشوهاء عند الرجل -وهي ذات مال- فلا ينكحها؛ لشوهتها، ولا يُنْكِحُهَا؛ ضنًّا بمالها؛ لتموتَ فيرثَها، وإن نكحها أمسكها على غير عدل منه في أداء حقها إليها، ولا ولي لها سواه يطالبه بحقها؛ فأنزل اللَّه - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) فذروهن، ولا تنكحوهن، (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ).
وروي عنها -أيضًا- أنها سئلت عن هذه الآية؟ فقالت: نزلت في اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في جمالها ومالها، وينقص من صداقها؛ فنهوا عن نكاحهن، إلا أن يقسطوا في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء.
قالت عائشة - رضي اللَّه عنها -: واستفتى الناس رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك؛ فأنزل اللَّه: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ...) إلى قوله: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) فأنزل اللَّه - تعالى - لهم في هذه الآية: أن اليتيمة إذا كانت ذات جمالٍ ومال رغبوا فيها -في نكاحها- وسنتها في إكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبًا عنها في شوهتها، وقلة
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ (٣)
اختلف في تأويله:
فقيل: إنهم كانوا يخافون من أموال اليتامى ويتحرجون منها؛ لكثرة ما جاء من الوعيد فيها؛ فنزل هذا: (وَإِنْ خِفْتُمْ) وتحرجتم من أموال اليتامى؛ فكذا فتحرجوا من الزنا: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ...) الآية.
عن عائشة - رضي اللَّه عنها - أنها قالت: نزلت في يتامى من يتامى النساء كُنَّ عند الرجال؛ فتكون اليتيمة الشوهاء عند الرجل -وهي ذات مال- فلا ينكحها؛ لشوهتها، ولا يُنْكِحُهَا؛ ضنًّا بمالها؛ لتموتَ فيرثَها، وإن نكحها أمسكها على غير عدل منه في أداء حقها إليها، ولا ولي لها سواه يطالبه بحقها؛ فأنزل اللَّه - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) فذروهن، ولا تنكحوهن، (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ).
وروي عنها -أيضًا- أنها سئلت عن هذه الآية؟ فقالت: نزلت في اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في جمالها ومالها، وينقص من صداقها؛ فنهوا عن نكاحهن، إلا أن يقسطوا في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء.
قالت عائشة - رضي اللَّه عنها -: واستفتى الناس رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك؛ فأنزل اللَّه: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ...) إلى قوله: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) فأنزل اللَّه - تعالى - لهم في هذه الآية: أن اليتيمة إذا كانت ذات جمالٍ ومال رغبوا فيها -في نكاحها- وسنتها في إكمال الصداق، وإذا كانت مرغوبًا عنها في شوهتها، وقلة
7
مالها؛ تركوها وأخذوا غيرها من النساء.
قالت: فكما تتركونها حين ترغبون عنها؛ فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق.
وقيل: لما أنزل اللَّه - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا...) الآية ترك المؤمنون مخالطة اليتامى، وتنزهوا عنها؛ فشق ذلك عليهم؛ فاستفتوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في مخالطتهم، وكان يكون عند الرجل عدد من النساء ثم لا يعدل ببنهن؛ فأنزل اللَّه - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ) الجور في مخالطة اليتامى؛ فكذلك خافوا جمع النساء وترك التسوية بينهن في النفقة والجماع.
ثم من الناس من يبيح نكاح التسع بقوله تعالى: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) فذلك تسع.
وأما عندنا: فإنه لا يحتمل ذلك؛ لأن معنى قوله - تعالى -: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ): مثنى أو ثلاث أو رباع؛ لأنه قال: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً): استثنى الواحدة إذا خاف ألا يعدل بينهن، فلو كان ما ذكر؛ لكان لا معنى لاستثناء واحدة منهن، ولكن يقول: وإن خفتم ألا تعدلوا " بين التسع؛ فثمان، أو سبع، أو ست؛ فلما لم يستثن إلا واحدة دل أن التأويل ما ذكرنا: مثنى أو ثلاث أو رباع، على الانفراد.
قالت: فكما تتركونها حين ترغبون عنها؛ فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق.
وقيل: لما أنزل اللَّه - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا...) الآية ترك المؤمنون مخالطة اليتامى، وتنزهوا عنها؛ فشق ذلك عليهم؛ فاستفتوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في مخالطتهم، وكان يكون عند الرجل عدد من النساء ثم لا يعدل ببنهن؛ فأنزل اللَّه - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ) الجور في مخالطة اليتامى؛ فكذلك خافوا جمع النساء وترك التسوية بينهن في النفقة والجماع.
ثم من الناس من يبيح نكاح التسع بقوله تعالى: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) فذلك تسع.
وأما عندنا: فإنه لا يحتمل ذلك؛ لأن معنى قوله - تعالى -: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ): مثنى أو ثلاث أو رباع؛ لأنه قال: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً): استثنى الواحدة إذا خاف ألا يعدل بينهن، فلو كان ما ذكر؛ لكان لا معنى لاستثناء واحدة منهن، ولكن يقول: وإن خفتم ألا تعدلوا " بين التسع؛ فثمان، أو سبع، أو ست؛ فلما لم يستثن إلا واحدة دل أن التأويل ما ذكرنا: مثنى أو ثلاث أو رباع، على الانفراد.
8
والثاني: ما ذكر في القصة: أنه كان عند الرجل عدد من النساء عشر أو أكثر أو أقل، فخرج ذلك على بيان ما يحل من العدد، وذلك أربعة.
وروي أن رجلا أسلم وتحته ثماني نسوة، فأسلمن، فقال له رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " اختَر مِنْهُنَّ أَرْبعًا، وفَارِقِ الْبَوَاقِي ".
والخبر في بيان منتهى ما يحل من العدد دون وجه الحل؛ فاحتمل أن يختار أربعًا على استقبال النكاح.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى...) الآية: قيل فيه بوجوه:
أحدها: أنه قال: إذا خفتم الجور في كفالة اليتامى فاتقيتموها؛ فخافوا في كفالة النساء؛ فلا تكثروا منهن.
والثاني: أنكم إذا خفتم في أموال اليتامى؛ فتحرجتم ضم أموالهم إليكم؛ إشفاقا على أنفسكم أن تأكلوا منها - فخافوا النساء مواقعتهن من وجهٍ يحرم عليكم؛ فانكحوهن.
والثالث: أنه إذا خفتم الجور في يتامى النساء لو تزوجتموهن من حيث ليس معهن من يمنعكم من ظلمهن، فانكحوهن من غيرهن ممن إذا جرْتُمْ فيهن مُنِعْتُمْ من ذلك.
وروي أن رجلا أسلم وتحته ثماني نسوة، فأسلمن، فقال له رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " اختَر مِنْهُنَّ أَرْبعًا، وفَارِقِ الْبَوَاقِي ".
والخبر في بيان منتهى ما يحل من العدد دون وجه الحل؛ فاحتمل أن يختار أربعًا على استقبال النكاح.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى...) الآية: قيل فيه بوجوه:
أحدها: أنه قال: إذا خفتم الجور في كفالة اليتامى فاتقيتموها؛ فخافوا في كفالة النساء؛ فلا تكثروا منهن.
والثاني: أنكم إذا خفتم في أموال اليتامى؛ فتحرجتم ضم أموالهم إليكم؛ إشفاقا على أنفسكم أن تأكلوا منها - فخافوا النساء مواقعتهن من وجهٍ يحرم عليكم؛ فانكحوهن.
والثالث: أنه إذا خفتم الجور في يتامى النساء لو تزوجتموهن من حيث ليس معهن من يمنعكم من ظلمهن، فانكحوهن من غيرهن ممن إذا جرْتُمْ فيهن مُنِعْتُمْ من ذلك.
10
لكنه معلوم أن الحد في عدد النساء؛ لخوف الجور، وبما علم اللَّه من عجز البشر على ما جُبِل عليه، أخبر أنه لا يقوم بوفاء الحق في أكثر من ما ذكر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)
ليس على الحكم والحتم؛ ولكنه أدب؛ لأنه وإن خاف ألا يعدل فتزوج أربعًا - جاز، وهو مثل الذي نهى -في الإصرار- المراجعة، وأمر بالقصد فيها والعدل، فإن فعل ذلك أثم ورجعته صحيحة، وكذلك كالأمر بالطلاق في العدة، والنهي عنه في غير العدة، ثم إذا طلق في غير العدة وقع؛ فكذلك الأول.
وقوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا): في القسم والجماع والنفقة.
(فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) إن خفتم ألا تعدلوا في واحدة؛ لأنه ليس للإماء قِبَلَ سادتهن حق الجماع والقسم؛ ينكح ما شاء؛ كأنه قال هذا؛ لما ليس لأكثرهن غاية؛ فله أن يجمع ما شاء من الإماء في ملكه، وليس له أن يجمع بالنكاح أكثر من أربع، ولو كان التأويل ما ذهب إليه لم يكن لقوله: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) وجهٌ.
وفيه إذن بتكثير العيال، مع ما أن كثرة العيال معدودة من الكرم؛ إذا أحسن إليهم لم يحتمل أن يزهد فيه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)
ليس على الحكم والحتم؛ ولكنه أدب؛ لأنه وإن خاف ألا يعدل فتزوج أربعًا - جاز، وهو مثل الذي نهى -في الإصرار- المراجعة، وأمر بالقصد فيها والعدل، فإن فعل ذلك أثم ورجعته صحيحة، وكذلك كالأمر بالطلاق في العدة، والنهي عنه في غير العدة، ثم إذا طلق في غير العدة وقع؛ فكذلك الأول.
وقوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا): في القسم والجماع والنفقة.
(فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) إن خفتم ألا تعدلوا في واحدة؛ لأنه ليس للإماء قِبَلَ سادتهن حق الجماع والقسم؛ ينكح ما شاء؛ كأنه قال هذا؛ لما ليس لأكثرهن غاية؛ فله أن يجمع ما شاء من الإماء في ملكه، وليس له أن يجمع بالنكاح أكثر من أربع، ولو كان التأويل ما ذهب إليه لم يكن لقوله: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) وجهٌ.
وفيه إذن بتكثير العيال، مع ما أن كثرة العيال معدودة من الكرم؛ إذا أحسن إليهم لم يحتمل أن يزهد فيه.
11
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا):
قال بعضُ أهل العلم: إن قوله - تعالى -: (أَلَّا تَعُولُوا): من كثرة العيال، وهو قول الشافعي - رحمه - اللَّه تعالى - ولكن هذا لا يستقيم في اللغة؛ لأنه يقال من كثرة العيال: أعال يُعِيل إعالة؛ فهو معيل، ولا يقال: عال يعول، وإنما يقال ذلك في الجور.
فَإِنْ قِيلَ: روي في الخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ " لكن تأويله - والله أعلم -: ابدأ بمن يلزمُك نفقته، أي: ابدأ بمن تصير جائرًا بترك النفقة عليه، وكذلك يقال: عال يعول عولا؛ إذا أنفق على عياله، وليس من كثرة العيال في شيء، ألا ترى أن على الرجل أن يبدأ بمن يعول؛ فلو كان قوله: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) من العيال؛ لكان المتزوج واحدة ذا عيال، وإن قول اللَّه - تعالى -: (أَلَّا تَعُولُوا)، والمتزوج واحدة يعولها؛ فدل بما ذكرنا أن قوله: (أَلَّا تَعُولُوا)، أي: لا تجوروا ولا تميلوا؛ على ما قيل.
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها -: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا): ألا تميلوا.
قال بعضُ أهل العلم: إن قوله - تعالى -: (أَلَّا تَعُولُوا): من كثرة العيال، وهو قول الشافعي - رحمه - اللَّه تعالى - ولكن هذا لا يستقيم في اللغة؛ لأنه يقال من كثرة العيال: أعال يُعِيل إعالة؛ فهو معيل، ولا يقال: عال يعول، وإنما يقال ذلك في الجور.
فَإِنْ قِيلَ: روي في الخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ " لكن تأويله - والله أعلم -: ابدأ بمن يلزمُك نفقته، أي: ابدأ بمن تصير جائرًا بترك النفقة عليه، وكذلك يقال: عال يعول عولا؛ إذا أنفق على عياله، وليس من كثرة العيال في شيء، ألا ترى أن على الرجل أن يبدأ بمن يعول؛ فلو كان قوله: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) من العيال؛ لكان المتزوج واحدة ذا عيال، وإن قول اللَّه - تعالى -: (أَلَّا تَعُولُوا)، والمتزوج واحدة يعولها؛ فدل بما ذكرنا أن قوله: (أَلَّا تَعُولُوا)، أي: لا تجوروا ولا تميلوا؛ على ما قيل.
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها -: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا): ألا تميلوا.
12
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله.
والعول: هو المجاوزة عن الحد؛ ولذلك سمي الحساب الذي ازداد على أصله عولا؛ لمجاوزته الحد؛ فعلى ذلك العول هاهنا هو: المجاوزة عن الحد الذي جعل له، وهو الجور.
وقوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً): ليس بشرط؛ ليتفق القول، ولأنه لا وجه لمعرفة حد الخوف الذي يجعل شرطا للجواز، وكل عدل يخاف أدنى خوف، بل جميع أمور الدِّين هي على الخوف والرجاء.
ولأنه يوجب جهل النساء بمن يحل لهن النكاح ويحرم؛ إذ لا يعرفن ذلك، ومتى حرم عليه حرم عليها، ولا يحتمل أن يجعل للحل شرطا لا يوصل إلى حقيقته، ولظهور الجور في الأمة على الإبقاء على النكاح؛ فضلًا عن خوفه؛ كذا مع ما في قوله: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا...) الآية. دلالة ظاهرة، وكذلك في قوله: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا) الآية، وقوله - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ).
* * *
قوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥)
وقوله - تعالى -: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً).
والعول: هو المجاوزة عن الحد؛ ولذلك سمي الحساب الذي ازداد على أصله عولا؛ لمجاوزته الحد؛ فعلى ذلك العول هاهنا هو: المجاوزة عن الحد الذي جعل له، وهو الجور.
وقوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً): ليس بشرط؛ ليتفق القول، ولأنه لا وجه لمعرفة حد الخوف الذي يجعل شرطا للجواز، وكل عدل يخاف أدنى خوف، بل جميع أمور الدِّين هي على الخوف والرجاء.
ولأنه يوجب جهل النساء بمن يحل لهن النكاح ويحرم؛ إذ لا يعرفن ذلك، ومتى حرم عليه حرم عليها، ولا يحتمل أن يجعل للحل شرطا لا يوصل إلى حقيقته، ولظهور الجور في الأمة على الإبقاء على النكاح؛ فضلًا عن خوفه؛ كذا مع ما في قوله: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا...) الآية. دلالة ظاهرة، وكذلك في قوله: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا) الآية، وقوله - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا) (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ).
* * *
قوله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥)
وقوله - تعالى -: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً).
13
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نحلة -قال-: المهر.
وقيل: النحلة: الفريضة، أي: آتوهن فريضتهن.
وقيل: نحلة؛ أي: عطية، أي: تُعْطَى هي لا وليها؛ وهو من النُّحْلَى.
وقيل: نحلة: من نحلة الدِّين، أي: من الدِّين أن تؤتوا النساء صدقاتهن؛ ليس على ما كانوا يفعلون في الجاهلية: يتزوجون النساء بغير مهورهن؛ ففيه أن لأهل الكفر النكاح بغير مهر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا).
وفي الآية دلالة جواز هبة المرأة من زوجها، وفساد قول من لا يجيز هبة المرأة بمالها حتى تلد أو تبقى في بيته سنة؛ فيجوز أمرها.
وفي الآية -أيضًا-: دليل أن المهر لها؛ حيث أضاف الإحلال والهبة إليهن بقوله: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا).
وقيل: النحلة: الفريضة، أي: آتوهن فريضتهن.
وقيل: نحلة؛ أي: عطية، أي: تُعْطَى هي لا وليها؛ وهو من النُّحْلَى.
وقيل: نحلة: من نحلة الدِّين، أي: من الدِّين أن تؤتوا النساء صدقاتهن؛ ليس على ما كانوا يفعلون في الجاهلية: يتزوجون النساء بغير مهورهن؛ ففيه أن لأهل الكفر النكاح بغير مهر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا).
وفي الآية دلالة جواز هبة المرأة من زوجها، وفساد قول من لا يجيز هبة المرأة بمالها حتى تلد أو تبقى في بيته سنة؛ فيجوز أمرها.
وفي الآية -أيضًا-: دليل أن المهر لها؛ حيث أضاف الإحلال والهبة إليهن بقوله: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا).
14
وفيه دليل -أيضًا-: أن هبة الديون والبراءة منها جائزة؛ كما جازت هبة المرأة مهرها وهو دَين.
وقيل: فيه وجه آخر، وهو أن الآباء في الجاهلية والأولياء كانوا يأخذون مهور نسائهم؛ فأمرهم - عَزَّ وَجَلَّ - ألا يأخذوا ذلك، وحكم بأن المهر للمرأة دون وليها، إلا أن تهبه لوليها؛ فيحل حينئذٍ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكُلُوهُ هَنِيئًا): لا داء فيه، و (مَرِيئًا): لا إثم فيه.
وقيل: الهنيء: هو اللذيذ الشهي، الذي يلذ عند تناوله ويسر.
والمريء: الذي عاقبته.
ثم الحكمة في ذكر الهنيء والمريء هنا وجهان:
أحدهما: ما ذكر في الآيات من الوعيد بأخذه منها: يقول - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا...) إلى قوله: (بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ)؛ لئلا يمتنعوا عن قبول ذلك للوعيد الذي ذكر في الآيات.
والثاني: إن الامتناع عن قبول ما بذلت الزوجة يحمل على حدوث المكروه، ويورث الضغائن؛ وذلك يسبب قطع الزوجية فيما بينهما.
وقيل: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)، يعني: بطيبة أنفسكم: يقول: لا تعطوهن مهورهن وأنتم كارهون، ولكن آتوهن وأنفسكم بها طيبة؛ إذ كان المهور لهن دونكم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ)، أي: ما طابت به أنفسهن من غير كره فهو حلال.
وقيل: فيه وجه آخر، وهو أن الآباء في الجاهلية والأولياء كانوا يأخذون مهور نسائهم؛ فأمرهم - عَزَّ وَجَلَّ - ألا يأخذوا ذلك، وحكم بأن المهر للمرأة دون وليها، إلا أن تهبه لوليها؛ فيحل حينئذٍ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكُلُوهُ هَنِيئًا): لا داء فيه، و (مَرِيئًا): لا إثم فيه.
وقيل: الهنيء: هو اللذيذ الشهي، الذي يلذ عند تناوله ويسر.
والمريء: الذي عاقبته.
ثم الحكمة في ذكر الهنيء والمريء هنا وجهان:
أحدهما: ما ذكر في الآيات من الوعيد بأخذه منها: يقول - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا...) إلى قوله: (بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ)؛ لئلا يمتنعوا عن قبول ذلك للوعيد الذي ذكر في الآيات.
والثاني: إن الامتناع عن قبول ما بذلت الزوجة يحمل على حدوث المكروه، ويورث الضغائن؛ وذلك يسبب قطع الزوجية فيما بينهما.
وقيل: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)، يعني: بطيبة أنفسكم: يقول: لا تعطوهن مهورهن وأنتم كارهون، ولكن آتوهن وأنفسكم بها طيبة؛ إذ كان المهور لهن دونكم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ)، أي: ما طابت به أنفسهن من غير كره فهو حلال.
15
وعن علقمة أنه قال لامرأته: أطعميني من الهنيء المريء.
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا اشتكى أحدكم شيئًا فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من صداقها، ثم يشتري بها عسلًا، ثم يشربه بماء السماء، فيجمع اللَّه - تعالى - الهنيء المريء والشفاء والماء المبارك.
وفي قوله - أيضًا، عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) أن النفقة - وإن كانت عليه - فهي إذا قامت بها في نفسها لا يحرج هو؛ لأن نفقتها عليها ليست بأعظم من نفقته من مالها إذا تطيبت، ووصف بالهنيء المريء بما ربما يستثقل الطبع عن مالها؛ كراهة الامتنان، أو بما كان عليه كفايتها، أو بما جرى من الوعيد الشديد في منع مهرها، أو بما قد تحتشمه فتبذل له، أو بما يوهم الطمع في مالها، والرغبة في النكاح لذلك؛ فطيبه اللَّه - تعالى - حتى وصفه بغاية ما يحتمل المال من الطيب.
وفيه بيان جواز معروفها، وترغيب في حسن المعاشرة بينهما حتى أبقى ذلك بعد الفراق بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ...) الآية وذلك أحد ما يورث المحبة والمودة، أو يديمها؛ إذ جعل اللَّه بينهما بقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا).
مسألة: في العبد لا ينزوج أكثر من اثنتين:
روي عن عبد اللَّه بن عتبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ينكح العبد اثنتين، ويطلق اثنتين، وتعتد الأمة بحيضتين، فإن لم تحض فشهر ونصف ".
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إذا اشتكى أحدكم شيئًا فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من صداقها، ثم يشتري بها عسلًا، ثم يشربه بماء السماء، فيجمع اللَّه - تعالى - الهنيء المريء والشفاء والماء المبارك.
وفي قوله - أيضًا، عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) أن النفقة - وإن كانت عليه - فهي إذا قامت بها في نفسها لا يحرج هو؛ لأن نفقتها عليها ليست بأعظم من نفقته من مالها إذا تطيبت، ووصف بالهنيء المريء بما ربما يستثقل الطبع عن مالها؛ كراهة الامتنان، أو بما كان عليه كفايتها، أو بما جرى من الوعيد الشديد في منع مهرها، أو بما قد تحتشمه فتبذل له، أو بما يوهم الطمع في مالها، والرغبة في النكاح لذلك؛ فطيبه اللَّه - تعالى - حتى وصفه بغاية ما يحتمل المال من الطيب.
وفيه بيان جواز معروفها، وترغيب في حسن المعاشرة بينهما حتى أبقى ذلك بعد الفراق بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ...) الآية وذلك أحد ما يورث المحبة والمودة، أو يديمها؛ إذ جعل اللَّه بينهما بقوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا).
مسألة: في العبد لا ينزوج أكثر من اثنتين:
روي عن عبد اللَّه بن عتبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ينكح العبد اثنتين، ويطلق اثنتين، وتعتد الأمة بحيضتين، فإن لم تحض فشهر ونصف ".
16
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: " لا يحل للعبد أن ينكح فوق اثنتين ".
وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: " يتزوج العبد اثنتين ".
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال لابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: " ما يحل للعبد من النساء؟ قال: " اثنتين "، قال عمر - رضي اللَّه عنه -: " ذلك أرى ".
وعن الحكم قال: اجتمع أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين؛ فهَؤُلَاءِ ستة نفر من أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، منهم: عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي، وابن مسعود، والفضل بن العباس، والأنصاري - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - اتفقوا على أن العبد يتزوج اثنتين، ولا يتزوج أكثر من ذلك.
وأيضًا عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " طَلاقُ الأَمَةِ تَطْليقَتَانِ، وَعِدتُهَا حَيضَتَانِ ".
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها - قالت: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الأَمَةُ تُطَلقُ تَطْيقَتَينِ، وَتَعْتَد حَيضَتَينِ ".
فإن احتج محتج بعموم الآية أن اللَّه - تعالى - قال: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)، ولم يذكر عبدًا ولا حرًّا؛ فهو على عمومه.
قيل: في الآية دليل أن الخطاب للأحرار، وهو قوله - تعالى -: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)؛ فهو على من له النكاح بنفسه، والعبد يكون له النكاح بغيره بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ): فكان المخاطب بنكاح العبيد مواليهم، ليس له أن ينكح المرأة إلا بإذن مولاه؛ ومولاه يزوجه إذا شاء بغير أمره، فإنما الخطاب لمن له أن يتزوج إذا شاء؛ والعبد من ذلك خارج؛ ألا ترى أنه قال - عز
وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: " يتزوج العبد اثنتين ".
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال لابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: " ما يحل للعبد من النساء؟ قال: " اثنتين "، قال عمر - رضي اللَّه عنه -: " ذلك أرى ".
وعن الحكم قال: اجتمع أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين؛ فهَؤُلَاءِ ستة نفر من أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، منهم: عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي، وابن مسعود، والفضل بن العباس، والأنصاري - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - اتفقوا على أن العبد يتزوج اثنتين، ولا يتزوج أكثر من ذلك.
وأيضًا عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " طَلاقُ الأَمَةِ تَطْليقَتَانِ، وَعِدتُهَا حَيضَتَانِ ".
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها - قالت: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الأَمَةُ تُطَلقُ تَطْيقَتَينِ، وَتَعْتَد حَيضَتَينِ ".
فإن احتج محتج بعموم الآية أن اللَّه - تعالى - قال: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)، ولم يذكر عبدًا ولا حرًّا؛ فهو على عمومه.
قيل: في الآية دليل أن الخطاب للأحرار، وهو قوله - تعالى -: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)؛ فهو على من له النكاح بنفسه، والعبد يكون له النكاح بغيره بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ): فكان المخاطب بنكاح العبيد مواليهم، ليس له أن ينكح المرأة إلا بإذن مولاه؛ ومولاه يزوجه إذا شاء بغير أمره، فإنما الخطاب لمن له أن يتزوج إذا شاء؛ والعبد من ذلك خارج؛ ألا ترى أنه قال - عز
17
وجل -: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)؟! والعبد لا يملك ملك اليمين؛ فدل أن الخطاب راجع إلى الأحرار دون العبيد.
فَإِنْ قِيلَ: قد جعلتم للعبد أن يطلق الحرة ثلاثًا، فجعلتم له من الطلاق مثل الذي جعلتموه للحر؛ فيجب أن تجعلوا له مِنْ تزوج النساء مثل الذي يجوز للحر.
قيل: الفرق بينهما أن الطلاق عندنا بالنساء؛ لأن الحر يطلق امرأته الأمة تطليقتين؛ فتحرم عليه؛ والتزويج بالرجال لا ينظر فيه إلى النساء، فللعبد أن يتزوج النصف من تزويج الحر، كما أن عدة الأمة وطلاقها على النصف من عدة الحرة، على ما روينا من الخبر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " حَتَّى يَكُونَ لِلْعَبدِ في امْرَأَتَينِ شَيءٌ نِصْفُ مَا لِلْحُر مِنَ الأرْبَعِ "؛ ورُويَ عن الحسن أنه قال في قوله - تعالى -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) يعني: الكفار.
وقيل: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)؛ فيكونوا قيامًا عليكم، ولكن كونوا أنتم قيامًا عليهم.
وقيل: لا تؤتوهم أموالكم؛ فيكونوا أربابًا عليكم، وكونوا أربابًا بأموالكم عليهم.
ومن صرف التأويل إلى اليتامى جعل معنى قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْوَالَكُمُ) و - كقوله: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)، وكقوله: (فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُم): يريد من ترونه في البيوت؛ فعلى ذلك إضافة أموال اليتامى إلى الأولياء.
فَإِنْ قِيلَ: قد جعلتم للعبد أن يطلق الحرة ثلاثًا، فجعلتم له من الطلاق مثل الذي جعلتموه للحر؛ فيجب أن تجعلوا له مِنْ تزوج النساء مثل الذي يجوز للحر.
قيل: الفرق بينهما أن الطلاق عندنا بالنساء؛ لأن الحر يطلق امرأته الأمة تطليقتين؛ فتحرم عليه؛ والتزويج بالرجال لا ينظر فيه إلى النساء، فللعبد أن يتزوج النصف من تزويج الحر، كما أن عدة الأمة وطلاقها على النصف من عدة الحرة، على ما روينا من الخبر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " حَتَّى يَكُونَ لِلْعَبدِ في امْرَأَتَينِ شَيءٌ نِصْفُ مَا لِلْحُر مِنَ الأرْبَعِ "؛ ورُويَ عن الحسن أنه قال في قوله - تعالى -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) يعني: الكفار.
وقيل: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)؛ فيكونوا قيامًا عليكم، ولكن كونوا أنتم قيامًا عليهم.
وقيل: لا تؤتوهم أموالكم؛ فيكونوا أربابًا عليكم، وكونوا أربابًا بأموالكم عليهم.
ومن صرف التأويل إلى اليتامى جعل معنى قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْوَالَكُمُ) و - كقوله: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)، وكقوله: (فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُم): يريد من ترونه في البيوت؛ فعلى ذلك إضافة أموال اليتامى إلى الأولياء.
18
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ... (٥)
فالسفيه -في الحقيقة- من يعمل عمل الجهال، كان جاهلا في الحقيقة أو لا؛ لما قد يلقب العالم به؛ إذا ضيع الحدود، وتعاطى الأفعال الذميمة؛ وعلى ذلك ما جاء من الكتاب بتسفيه علماء أهل الكتاب. ثم قد يسمى الجهال به؛ لما أن الجهل هو السبب الباعث على فعل السفه؛ فقوله - تعالى -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) يحتمل ذلك الوجهين.
وأي الأمرين كان ففيه التحذير للمعنى الذي بين من قوله: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا): فإما إذا كانت قيامًا للمعاش أو للمعاد أو لهما، وطريق الإنفاق في الوجهين والإمساك لهما التدبر، ومراعاة الشرع، وتعاهد الأسباب، والوجهان جميعًا يمنعان الوفاء بما جعلت له الأموال؛ فحذر من أنعم بها عن تضييع ذلك بالتسليم إلى من ذكر، مع ما يكون في ذلك أن اتباع من يستحق أن يكون متبوعًا لمن حقه أن يجعل تابعًا، وذلك خارج عن حد الحكمة، وما يحمده العقل.
ثم قد صرفت الآية إلى النساء بما جعل من إليه التدبير وهو الذي أنشأهن تحت أيدي الرجال في الأمور، مع وصف الرجال أنهم قوامون على النساء.
وصرفت -أيضًا- إلى الصغار بما ضمن حفظ أموال مثلهم الكبار، وجعلوا مكفولين عند البالغين؛ فأموال البالغين أحق بذلك، وحقيقة السفه ما ذكرت.
وجائز أن يكون المقصود بالذكر -من ذكر الصغار والنساء بما خاطب من حذر بالدفع إلى من ذكر- رزق أُولَئِكَ وكسوتهم، ولا يجب رزق الجهال والسفهاء في الأفعال على غيرهم؛ فيكون ما ذكروا أولى بمراد الآية، وإن كان للمعنى الذي قصد بالآية التي ذكرتهم - قد استحقوا.
ولما غلبت تلك الأحوال على هَؤُلَاءِ جعل من ذكرت قوامًا عليهم، وقد ذكرت عن الحسن: أنه صرف الآية إلى الكفار؛ فكأنه تأول في القيام - القيام بأمر الدِّين؛ والكفار لا
فالسفيه -في الحقيقة- من يعمل عمل الجهال، كان جاهلا في الحقيقة أو لا؛ لما قد يلقب العالم به؛ إذا ضيع الحدود، وتعاطى الأفعال الذميمة؛ وعلى ذلك ما جاء من الكتاب بتسفيه علماء أهل الكتاب. ثم قد يسمى الجهال به؛ لما أن الجهل هو السبب الباعث على فعل السفه؛ فقوله - تعالى -: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) يحتمل ذلك الوجهين.
وأي الأمرين كان ففيه التحذير للمعنى الذي بين من قوله: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا): فإما إذا كانت قيامًا للمعاش أو للمعاد أو لهما، وطريق الإنفاق في الوجهين والإمساك لهما التدبر، ومراعاة الشرع، وتعاهد الأسباب، والوجهان جميعًا يمنعان الوفاء بما جعلت له الأموال؛ فحذر من أنعم بها عن تضييع ذلك بالتسليم إلى من ذكر، مع ما يكون في ذلك أن اتباع من يستحق أن يكون متبوعًا لمن حقه أن يجعل تابعًا، وذلك خارج عن حد الحكمة، وما يحمده العقل.
ثم قد صرفت الآية إلى النساء بما جعل من إليه التدبير وهو الذي أنشأهن تحت أيدي الرجال في الأمور، مع وصف الرجال أنهم قوامون على النساء.
وصرفت -أيضًا- إلى الصغار بما ضمن حفظ أموال مثلهم الكبار، وجعلوا مكفولين عند البالغين؛ فأموال البالغين أحق بذلك، وحقيقة السفه ما ذكرت.
وجائز أن يكون المقصود بالذكر -من ذكر الصغار والنساء بما خاطب من حذر بالدفع إلى من ذكر- رزق أُولَئِكَ وكسوتهم، ولا يجب رزق الجهال والسفهاء في الأفعال على غيرهم؛ فيكون ما ذكروا أولى بمراد الآية، وإن كان للمعنى الذي قصد بالآية التي ذكرتهم - قد استحقوا.
ولما غلبت تلك الأحوال على هَؤُلَاءِ جعل من ذكرت قوامًا عليهم، وقد ذكرت عن الحسن: أنه صرف الآية إلى الكفار؛ فكأنه تأول في القيام - القيام بأمر الدِّين؛ والكفار لا
19
يجوز الاستعانة بهم فيه؛ وله جعل المال عنده مع ما كره العلماء تسليط الكفار العقوبة؛ لجهلهم بحق شرع الإسلام فيها؛ فمثله دفع الأموال إليهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)، يعني: قوام أمركم ومعيشتكم، وهو هكذا جعل اللَّه هذه الأموال أغذية للخلق، بها يقوم دينهم وأبدانهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ)
يقول: لا تؤتوهم، ولكن ارزقوهم أنتم واكسوهم.
وقيل: يقول: أنفقوا عليهم منها، وأطعموهم.
وقيل: لما أضاف الأموال إلى الدافعين لا إلى المدفوعة إليهم؛ دل على وجوب نفقة الولد وكسوته على الرجل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)، يعني: قوام أمركم ومعيشتكم، وهو هكذا جعل اللَّه هذه الأموال أغذية للخلق، بها يقوم دينهم وأبدانهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ)
يقول: لا تؤتوهم، ولكن ارزقوهم أنتم واكسوهم.
وقيل: يقول: أنفقوا عليهم منها، وأطعموهم.
وقيل: لما أضاف الأموال إلى الدافعين لا إلى المدفوعة إليهم؛ دل على وجوب نفقة الولد وكسوته على الرجل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا)
20
قيل: عِدَةٌ حسنة جميلة: سأفعل وسأكسو.
وقبل: مروهم بالمعروف، وانهوا عن المنكر.
وقيل: علموهم الأدب والدِّين، وقولوا لهم كلام البر واللين واللطف.
* * *
قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٦)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (حَتَّى إِذَا) حرف، " حتى " صلة؛ وتأويله: وابتلوا اليتامى إذا بلغوا النكاح؛ وهو قول الشافعي، يجعل الابتلاء بعد البلوغ.
وقبل: مروهم بالمعروف، وانهوا عن المنكر.
وقيل: علموهم الأدب والدِّين، وقولوا لهم كلام البر واللين واللطف.
* * *
قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٦)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (حَتَّى إِذَا) حرف، " حتى " صلة؛ وتأويله: وابتلوا اليتامى إذا بلغوا النكاح؛ وهو قول الشافعي، يجعل الابتلاء بعد البلوغ.
21
ويحتمل أن يكون المراد بالابتلاء - قبل البلوغ؛ لوجهين:
أحدهما: أن يبتلي الأيتام قبل بلوغهم بأنواع العبادات والآداب؛ ليعتادوا بها ويتأدبوا؛ ليعرفوا حقوق الأموال وقدرها، ويحفظوها إذا بلغوا؛ لأنهم إذا ابتلوا بعد البلوغ لم يعرفوا ما عليهم من العبادات والفرائض وقت البلوغ، وكان في ذلك تضييع حقوق اللَّه وفرائضه؛ إذ لا سبيل لهم إلى القيام بها حتى البلوغ، فأمر الأولياء والأوصياء أن يبتلوهم قبل البلوغ، حتى إذا بلغوا، بلغوا عارفين لما عليهم من العبادات والحقوق، حافظين لها؛ ألا ترى إلى ما روي في الخبر أنه أمر الأب أنه يأمر ولده بالصلاة إذا كان ابن سبع، وأمر بالضرب والتأديب إذا كان ابن تسع وبالتفريق في المضاجع، وهو من حقوق الخلق؟! فهذا ليعتادوا، ويأخذوا الأدب قبل البلوغ، حتى إذا بلغوا عرفوا ما عليهم، وهَان القيام بها، وإذا لم يُعَوَّدُوا قبل ذلك يشتد عليهم القيام بإقامة العبادات وأداء الحقوق؛ فعلى ذلك الأول.
ووجه آخر: أن يبتلي عقولهم بشيء من أموالهم يتجرون بها، ويتقلبون فيها؛ لينظروا: هل يقدرون على حفظ أموالهم عند حدوث الحوادث والنوائب؟ ففيه دليل جواز الإذن في التجارة في حال الصغر؛ لأنه لا يظهر ذلك إلا بالتجارة.
وإن كان المراد بالابتلاء بعد البلوغ والكبر فهو -أيضًا- يحتمل وجهين:
يحتمل العلم بها نفسه؛ ويحتمل العمل بها والعلم، ولا يضعوها في غير موضعها.
وقوله: " إن حرف (حتى) صلة ": إنه لو جاز له أن يجعل هذا صلة، لجاز لغيره أن يجعل الرشد صلة فيه؛ إذ لا فرق بين هذا وبين الأول أن يجعل صلة.
ثم اختلف في قوله: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)
قَالَ بَعْضُهُمْ: هو أن يصير هو من أهل الشهادة؛ فحينئذ يدفع إليه المال؛ فعلى قوله يجيء أن ينتزع الأموال من أيدي الفساق؛ لأنه لا شهادة لهم؛ ومن قوله: إن اليتيم من أهل الكفر لا يدفع إليه المال إلا بعد استئناس الرشد منه، فلو كان شرط الرشد هو شهادة لكان الكافر لا يدفع إليه عنده؛ لما لا يقبل الشهادة ما لزم الكفر على أحد؛ دل أن
أحدهما: أن يبتلي الأيتام قبل بلوغهم بأنواع العبادات والآداب؛ ليعتادوا بها ويتأدبوا؛ ليعرفوا حقوق الأموال وقدرها، ويحفظوها إذا بلغوا؛ لأنهم إذا ابتلوا بعد البلوغ لم يعرفوا ما عليهم من العبادات والفرائض وقت البلوغ، وكان في ذلك تضييع حقوق اللَّه وفرائضه؛ إذ لا سبيل لهم إلى القيام بها حتى البلوغ، فأمر الأولياء والأوصياء أن يبتلوهم قبل البلوغ، حتى إذا بلغوا، بلغوا عارفين لما عليهم من العبادات والحقوق، حافظين لها؛ ألا ترى إلى ما روي في الخبر أنه أمر الأب أنه يأمر ولده بالصلاة إذا كان ابن سبع، وأمر بالضرب والتأديب إذا كان ابن تسع وبالتفريق في المضاجع، وهو من حقوق الخلق؟! فهذا ليعتادوا، ويأخذوا الأدب قبل البلوغ، حتى إذا بلغوا عرفوا ما عليهم، وهَان القيام بها، وإذا لم يُعَوَّدُوا قبل ذلك يشتد عليهم القيام بإقامة العبادات وأداء الحقوق؛ فعلى ذلك الأول.
ووجه آخر: أن يبتلي عقولهم بشيء من أموالهم يتجرون بها، ويتقلبون فيها؛ لينظروا: هل يقدرون على حفظ أموالهم عند حدوث الحوادث والنوائب؟ ففيه دليل جواز الإذن في التجارة في حال الصغر؛ لأنه لا يظهر ذلك إلا بالتجارة.
وإن كان المراد بالابتلاء بعد البلوغ والكبر فهو -أيضًا- يحتمل وجهين:
يحتمل العلم بها نفسه؛ ويحتمل العمل بها والعلم، ولا يضعوها في غير موضعها.
وقوله: " إن حرف (حتى) صلة ": إنه لو جاز له أن يجعل هذا صلة، لجاز لغيره أن يجعل الرشد صلة فيه؛ إذ لا فرق بين هذا وبين الأول أن يجعل صلة.
ثم اختلف في قوله: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)
قَالَ بَعْضُهُمْ: هو أن يصير هو من أهل الشهادة؛ فحينئذ يدفع إليه المال؛ فعلى قوله يجيء أن ينتزع الأموال من أيدي الفساق؛ لأنه لا شهادة لهم؛ ومن قوله: إن اليتيم من أهل الكفر لا يدفع إليه المال إلا بعد استئناس الرشد منه، فلو كان شرط الرشد هو شهادة لكان الكافر لا يدفع إليه عنده؛ لما لا يقبل الشهادة ما لزم الكفر على أحد؛ دل أن
22
الرشد ليس ما ذكر، ولكن ما قيل من العقل والحفظ لماله، والإصلاح فيها.
ورُويَ عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - في قوله - تعالى -: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) قال: إذا أدرك بحلم وعقل ووقار.
وهو يقول -أيضًا- في قوله - تعالى -: (مِنْهُمْ رُشْدًا): إن اللَّه - سبحانه وتعالى - يقول: اختبروا اليتامى من عند الحلم، فإن عرفتم منهم رشدًا في حالهم، والإصلاح في أموالهم -: (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ).
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " فإن أحسستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم
أموالهم ".
وفي حرف حفصة: " وابتلوا اليتامى في أموالهم حتى إذا بلغوا النكاح بعد كبرهم ".
ثم لا يخلو منع الأموال منهم من أوجه ثلاثة:
إما أن يمنع؛ لفرط البذل والإنفاق، جودًا وسخاوة، وحسن الظن باللَّه أنه - عَزَّ وَجَلَّ - يرزقهم ويعطيهم خلف نفقتهم، وهذا لا يحتمل؛ لأن هذا من أخلاق الأنبياء - صلى اللَّه عليهم وسلم - وسيرتهم؛ فلا يحتمل النهي عن ذلك.
أو يمنع؛ لغلبة شهوتهم، ولقضاء وطرهم وحاجتهم، ينفقون الأموال؛ ليصلوا إلى ذلك، فإنهم إن مُنِعوا عن أموالهم يتناولوا من أموال غيرهم، ويتعاطوا ما لا يحل ولا يحسن؛ فلا يحتمل أن يمنعوا لذلك.
أو أن يمنع عنهم الأموال؛ لآفة في عقولهم، ونقص في لُبِّهم، فإن كان لهذا ما يمنع أموالهم عنهم؛ فيجب أن يمنع أبدًا، لا وقت في ذلك ولا مدة إلا بعد ارتفاع ذلك وزواله عنهم، وهو الوجه، يمنع منه حتى يؤنس منه الرشد.
ثم جعل إدراكه وبلوغه بالاحتلام؛ لأن كل جارحة من جوارح الإنسان يجوز استعمالها إلا الجارحتين منهما؛ فإنه لا يقدر على استعمالهما إلا هو، إحداهما: الذكر، والأخرى: اللسان؛ فإن هاتين الجارحتين لا يمكن استعمالهما إلا صاحبهما؛ فجعل
ورُويَ عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - في قوله - تعالى -: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا) قال: إذا أدرك بحلم وعقل ووقار.
وهو يقول -أيضًا- في قوله - تعالى -: (مِنْهُمْ رُشْدًا): إن اللَّه - سبحانه وتعالى - يقول: اختبروا اليتامى من عند الحلم، فإن عرفتم منهم رشدًا في حالهم، والإصلاح في أموالهم -: (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ).
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " فإن أحسستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم
أموالهم ".
وفي حرف حفصة: " وابتلوا اليتامى في أموالهم حتى إذا بلغوا النكاح بعد كبرهم ".
ثم لا يخلو منع الأموال منهم من أوجه ثلاثة:
إما أن يمنع؛ لفرط البذل والإنفاق، جودًا وسخاوة، وحسن الظن باللَّه أنه - عَزَّ وَجَلَّ - يرزقهم ويعطيهم خلف نفقتهم، وهذا لا يحتمل؛ لأن هذا من أخلاق الأنبياء - صلى اللَّه عليهم وسلم - وسيرتهم؛ فلا يحتمل النهي عن ذلك.
أو يمنع؛ لغلبة شهوتهم، ولقضاء وطرهم وحاجتهم، ينفقون الأموال؛ ليصلوا إلى ذلك، فإنهم إن مُنِعوا عن أموالهم يتناولوا من أموال غيرهم، ويتعاطوا ما لا يحل ولا يحسن؛ فلا يحتمل أن يمنعوا لذلك.
أو أن يمنع عنهم الأموال؛ لآفة في عقولهم، ونقص في لُبِّهم، فإن كان لهذا ما يمنع أموالهم عنهم؛ فيجب أن يمنع أبدًا، لا وقت في ذلك ولا مدة إلا بعد ارتفاع ذلك وزواله عنهم، وهو الوجه، يمنع منه حتى يؤنس منه الرشد.
ثم جعل إدراكه وبلوغه بالاحتلام؛ لأن كل جارحة من جوارح الإنسان يجوز استعمالها إلا الجارحتين منهما؛ فإنه لا يقدر على استعمالهما إلا هو، إحداهما: الذكر، والأخرى: اللسان؛ فإن هاتين الجارحتين لا يمكن استعمالهما إلا صاحبهما؛ فجعل
23
الاحتلام علمًا لبلوغه وإدراكه لذلك؛ ولهذا لم يعمل الإكراه عليهما، نحو من أكره أعلى الزنا؛ فزنا؛ فإنه عليه الحد؛ لأن الإكراه لا يعمل عليه؛ فإنما كان بفعل منه، إلا الوالي؛ فإنه إذا أكره آخر بالزنا ففعل لم يقم عليه الحد؛ لما جعلنا ذلك كالعلم بالسبب الذي يحل؛ وكذلك لو أكره حتى وطئ امرأة لزمه المهر، ولا يرجع على المكرِه.
ولو أكره على إتلاف مال من أمواله ففعل لرجع على المكرِه؛ للمعنى الذي وصفنا؛ ولهذا ما وقع طلاق المكره ونكاحه وعتاقه؛ لأن هذه الأشياء إنما تقع باللسان، واللسان مما لا يعمل عليه الإكراه؛ لذلك جاز، واللَّه أعلم.
وأما البيوع والأشربة والعقود كلها سوى هَؤُلَاءِ، تكون بالتسليم والقبض دون النطق باللسان والتكلم بها، فالإكراه مما يعمل عليها؛ لما أمكن استعمالها غيره؛ لذلك افترقا؛ ولهذا ما قلنا: إن الإيمان يكون بالقلب دون اللسان؛ لأنه إذا أكره حتى يكفر؛ فأجرى كلمة الكفر على لسانه، وكان قلبه مطمئنا بالإيمان -لم يكفر، فإذا اطمأن قلبه بالكفر- كَفَرَ؛ لأن الإكراه لا يعمل على القلب، ولا يصير المكره مستعملا له، إنما المستعمل هو؛ لا غير؛ لذلك كان الجواب ما ذكرنا.
ومعنى جعل الاحتلام بلوغا هو إمكان استعمال سائر الجوارح دونه -يعني: الفرج- إلا بعد الكبر، وما كان المعروف من الآباء والأولاد، وما كان مما يجري الأمر بابتغاء المكتوب من الولد يكون بعد البلوغ، وبعيد ذلك، إلا في الوقت الذي لو ابتغى لوجد ولقدر عليه، وليس ذلك إلا في خروج الماء للشهوة.
ثم يكون في المتعارف الاحتلام عن ذلك؛ فجعل علمًا له؛ ولذلك قيل: (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) ثم فرق في حق الكتاب بين اللسان وغيره؛ من حيث لا يملك أحد قهر لسان آخر حتى ينطق دون صاحبه؛ فبه يظهر سبب جري القلم من الإقرار بالبلوغ وهذا معنى ما جعل سببه بما لا يعلمه غيره؛ ليكون أول أحوال البلوغ وقوع قوله بحيث البلوغ، مع ما كان النطق فعل من يجري في جنسه الخطاب؛ وكأنه اتصل أمره بالسبب الذي خص به
ولو أكره على إتلاف مال من أمواله ففعل لرجع على المكرِه؛ للمعنى الذي وصفنا؛ ولهذا ما وقع طلاق المكره ونكاحه وعتاقه؛ لأن هذه الأشياء إنما تقع باللسان، واللسان مما لا يعمل عليه الإكراه؛ لذلك جاز، واللَّه أعلم.
وأما البيوع والأشربة والعقود كلها سوى هَؤُلَاءِ، تكون بالتسليم والقبض دون النطق باللسان والتكلم بها، فالإكراه مما يعمل عليها؛ لما أمكن استعمالها غيره؛ لذلك افترقا؛ ولهذا ما قلنا: إن الإيمان يكون بالقلب دون اللسان؛ لأنه إذا أكره حتى يكفر؛ فأجرى كلمة الكفر على لسانه، وكان قلبه مطمئنا بالإيمان -لم يكفر، فإذا اطمأن قلبه بالكفر- كَفَرَ؛ لأن الإكراه لا يعمل على القلب، ولا يصير المكره مستعملا له، إنما المستعمل هو؛ لا غير؛ لذلك كان الجواب ما ذكرنا.
ومعنى جعل الاحتلام بلوغا هو إمكان استعمال سائر الجوارح دونه -يعني: الفرج- إلا بعد الكبر، وما كان المعروف من الآباء والأولاد، وما كان مما يجري الأمر بابتغاء المكتوب من الولد يكون بعد البلوغ، وبعيد ذلك، إلا في الوقت الذي لو ابتغى لوجد ولقدر عليه، وليس ذلك إلا في خروج الماء للشهوة.
ثم يكون في المتعارف الاحتلام عن ذلك؛ فجعل علمًا له؛ ولذلك قيل: (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) ثم فرق في حق الكتاب بين اللسان وغيره؛ من حيث لا يملك أحد قهر لسان آخر حتى ينطق دون صاحبه؛ فبه يظهر سبب جري القلم من الإقرار بالبلوغ وهذا معنى ما جعل سببه بما لا يعلمه غيره؛ ليكون أول أحوال البلوغ وقوع قوله بحيث البلوغ، مع ما كان النطق فعل من يجري في جنسه الخطاب؛ وكأنه اتصل أمره بالسبب الذي خص به
24
الممتحن من العقل؛ إذ كان العقل قد يعرف بالمحنة والاحتلام لا؛ فأمرنا بالابتلاء من حيث العقول، ولم نؤمر من حيث الاحتلام، بل يقبل قوله في ذلك.
ودل قبول قول من بلغ بالإخبار عن احتلامه، وبه يجري القلم عليه، ويلزم الحقوق - أن يقبله، يجوز في ذلك الوقت -وبخاصة على قول من يرى الابتلاء بعد الإدراك- أنه لو لم يقبل فبم نبتليه؟ ثم إذا جاز قوله لزم كل أمر علق به، وعلى ما ذكرت من أول ما علق به القول في حق البلوغ دليل اتصال حكم القول بالعقل، وتمام العقل بالبلوغ؛ إذ به يجري القلم.
ودل ما ذكرت من امتناع اللسان عن سلطان غير صاحبه عليه - على لزوم كل حق معلق به على الإكراه؛ إذ لا يلزم بغيره، وهو لا يجري عليه، ثم كل أمر يكون لا به يصير اللسان سببا فيه كَالْمُعْلِم عنه، وهو مما يجري عليه القهر، ويعلم به؛ فيبطل، والله أعلم.
وقوله: (وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا)
الإسراف: هو كل ما نُهي عنه.
وقيل: الإسراف: هو أكل في غير حق؛ وكأن الإسراف هو المجاوزة عن الحد، وهو كقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا)، وكان القتر مذمومًا، فعلى ذلك الإسراف في النفقة في مال اليتيم.
وقوله - تعالى -: (إِسْرَافًا وَبِدَارًا)، قيل: البدار: هو المبادرة، وكلاهما لغتان، كالجدال والمجادلة، وهو أن يبادر بأكل مال اليتيم؛ خشية أن يكبر؛ فيحول بينه وبين ماله. وهو قول ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وفي حرف ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: " ولا تأكلوها إسرافًا وبدارا خشية أن يكبروا ".
ودل قبول قول من بلغ بالإخبار عن احتلامه، وبه يجري القلم عليه، ويلزم الحقوق - أن يقبله، يجوز في ذلك الوقت -وبخاصة على قول من يرى الابتلاء بعد الإدراك- أنه لو لم يقبل فبم نبتليه؟ ثم إذا جاز قوله لزم كل أمر علق به، وعلى ما ذكرت من أول ما علق به القول في حق البلوغ دليل اتصال حكم القول بالعقل، وتمام العقل بالبلوغ؛ إذ به يجري القلم.
ودل ما ذكرت من امتناع اللسان عن سلطان غير صاحبه عليه - على لزوم كل حق معلق به على الإكراه؛ إذ لا يلزم بغيره، وهو لا يجري عليه، ثم كل أمر يكون لا به يصير اللسان سببا فيه كَالْمُعْلِم عنه، وهو مما يجري عليه القهر، ويعلم به؛ فيبطل، والله أعلم.
وقوله: (وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا)
الإسراف: هو كل ما نُهي عنه.
وقيل: الإسراف: هو أكل في غير حق؛ وكأن الإسراف هو المجاوزة عن الحد، وهو كقوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا)، وكان القتر مذمومًا، فعلى ذلك الإسراف في النفقة في مال اليتيم.
وقوله - تعالى -: (إِسْرَافًا وَبِدَارًا)، قيل: البدار: هو المبادرة، وكلاهما لغتان، كالجدال والمجادلة، وهو أن يبادر بأكل مال اليتيم؛ خشية أن يكبر؛ فيحول بينه وبين ماله. وهو قول ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وفي حرف ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: " ولا تأكلوها إسرافًا وبدارا خشية أن يكبروا ".
25
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)
أطلق اللَّه - تعالى - لولي اليتيم - بظاهر الآية؛ إذا كان فقيرا - أن يأكل بالمعروف من غير إسراف، وذلك هو الوسط منها، وكذلك روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَن رجُلا سَألَهُ، فَقَالَ: لَيسَ لِي مَالٌ، وَلي يَتِيم؟ فَقَالَ: " كُلْ مَالَ يَتِيمك غَير مُسرِفٍ، وَلا مُتَأَثِّلٍ مَالَكَ بمَالِهِ " وفيه دليل أن الغني لا يجوز له أن يأكل مال اليتيم، وأن الفقير إذا أكل منه: أنفق نفقة لا إسراف فيها.
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إني أنزلت نفسي من مال اللَّه منزلة مال اليتيم: إذا استغنيت استعففت، وإذا احتجت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت.
وروي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: الوصي إذا احتاج وضع يده مع أيديهم، ولا يكتسي عمامة.
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها - قالت: في قوله - تعالى -: (وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)، قالت: يأكل والي اليتيم من مال اليتيم؛ إذا كان يقوم له على ماله،
أطلق اللَّه - تعالى - لولي اليتيم - بظاهر الآية؛ إذا كان فقيرا - أن يأكل بالمعروف من غير إسراف، وذلك هو الوسط منها، وكذلك روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَن رجُلا سَألَهُ، فَقَالَ: لَيسَ لِي مَالٌ، وَلي يَتِيم؟ فَقَالَ: " كُلْ مَالَ يَتِيمك غَير مُسرِفٍ، وَلا مُتَأَثِّلٍ مَالَكَ بمَالِهِ " وفيه دليل أن الغني لا يجوز له أن يأكل مال اليتيم، وأن الفقير إذا أكل منه: أنفق نفقة لا إسراف فيها.
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إني أنزلت نفسي من مال اللَّه منزلة مال اليتيم: إذا استغنيت استعففت، وإذا احتجت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرت قضيت.
وروي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: الوصي إذا احتاج وضع يده مع أيديهم، ولا يكتسي عمامة.
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها - قالت: في قوله - تعالى -: (وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)، قالت: يأكل والي اليتيم من مال اليتيم؛ إذا كان يقوم له على ماله،
26
ويصلح إذا كان محتاجًا.
وقيل: يأكل قرضًا ثم يرد عليه إذا أيسر، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنهما.
وقيل: (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)، أي: من مال نفسه، حتى لا يفضي إلى مال اليتيم.
وقيل: يأكل إذا كان يعمل له، ويقوم عليه.
وقيل: يأكل قرضًا؛ ألا ترى إلى قول اللَّه - تعالى -: (فَأَشْهدُوا عَلَيْهِمْ): أمر بالإشهاد عليهم عند الدفع، ولو كان أمانة في يده لم يحتج إلى الإشهاد في الدفع، ولكن يجوز أن يأمر بالإشهاد لا لمكان الوصي نفسه؛ ولكن لما يجوز أن يحدث بينه وبين ورثة الوصي خصومة فَيُشْهِد؛ ليدفع تلك الخصومة عنهم.
وقيل: الأكل بالمعروف هو ما يسد به جوعه، ويواري عورته.
وقيل: يأكل قرضًا ثم يرد عليه إذا أيسر، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنهما.
وقيل: (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)، أي: من مال نفسه، حتى لا يفضي إلى مال اليتيم.
وقيل: يأكل إذا كان يعمل له، ويقوم عليه.
وقيل: يأكل قرضًا؛ ألا ترى إلى قول اللَّه - تعالى -: (فَأَشْهدُوا عَلَيْهِمْ): أمر بالإشهاد عليهم عند الدفع، ولو كان أمانة في يده لم يحتج إلى الإشهاد في الدفع، ولكن يجوز أن يأمر بالإشهاد لا لمكان الوصي نفسه؛ ولكن لما يجوز أن يحدث بينه وبين ورثة الوصي خصومة فَيُشْهِد؛ ليدفع تلك الخصومة عنهم.
وقيل: الأكل بالمعروف هو ما يسد به جوعه، ويواري عورته.
27
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)
قيل: شهيدا بما أخذ من ماله وأنفق.
ويحتمل قوله: (حَسِيبًا) يحاسبه في الآخرة؛ إذا لم يحاسبه اليتيم في الدنيا.
قوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (٧) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ...) الآية.
يحتمل أن تكون الآية - واللَّه أعلم - نزلت بسبب ما لم يكن يورث أهل الجاهلية الإناث والصغار، ويجعلون المواريث لذوي الأسنان من الرجال، الذين يصلحون للحرب، ويحرزون الغنيمة؛ فنزلت الآية بتوريث الرجال والنساء جميعًا.
ويقال: إن الآية نزلت في شأن رجل يقال له: أوس بن ثابت الأنصاري، توفي
قيل: شهيدا بما أخذ من ماله وأنفق.
ويحتمل قوله: (حَسِيبًا) يحاسبه في الآخرة؛ إذا لم يحاسبه اليتيم في الدنيا.
قوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (٧) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ...) الآية.
يحتمل أن تكون الآية - واللَّه أعلم - نزلت بسبب ما لم يكن يورث أهل الجاهلية الإناث والصغار، ويجعلون المواريث لذوي الأسنان من الرجال، الذين يصلحون للحرب، ويحرزون الغنيمة؛ فنزلت الآية بتوريث الرجال والنساء جميعًا.
ويقال: إن الآية نزلت في شأن رجل يقال له: أوس بن ثابت الأنصاري، توفي
28
وترك بنات وامرأة، فقام رجلان من بني عمه - وهما وصيان - فأخذا ماله، ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئًا؛ فجاءت امرأة أوس بن ثابت إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فشكت، وأخبرت بالقصة؛ فقال لها: " ارْجِعِي في بَيتِكِ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يُحْدِثُ اللَّه في ذَلِكَ ". فانصرفت؛ فنزل قوله - تعالى -: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ...) الآية.
وقيل: نزلت الآية في شأن امرأة سعد: أن سعدا استشهد بأُحد، وترك ابنتين وامرأة، فاحتوى أخ لسعد على مال سعد، ولم يعط المرأة ولا الابنتين شيئًا؛ فاختصمت إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأخبرته بالقصة؛ فقال لها: " لَم يُنْزِلِ اللهُ عَلَيَّ فِيكُم شَيئًا ". ثم نزلت الآية، فأخذ من عمهما ثلثي المال، ورده إليهما، ودفع الثمُن إلى المرأة، وترك البقية للعم.
واللَّه أعلم أنْ فيم كان نزولها؟.
وفي هذا الخبر دليل أن للابنتين الثلثين، كما للثلاث فصاعدًا، ليس كما قال بعض الناس: إن لهما النصف؛ لأن اللَّه - تعالى - إنما جعل الثلثين للثلاثة.
ثم تحتمل الآية وجهين بعد هذا:
تحتمل أن يكون المراد الأولاد خاصة لا غير؛ فيدخل كل ولد: ولد البنات، وولد البنين؛ لأنهم كلهم أولاده.
ويحتمل أن يكون المراد منها الرجال والنساء؛ فيدخل ذوو الأرحام في ذلك، فلما لم يدخل بنات البنات في ذلك -وهم أولاد- دل أنه أراد النساء والرجال جميعًا، لا
وقيل: نزلت الآية في شأن امرأة سعد: أن سعدا استشهد بأُحد، وترك ابنتين وامرأة، فاحتوى أخ لسعد على مال سعد، ولم يعط المرأة ولا الابنتين شيئًا؛ فاختصمت إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأخبرته بالقصة؛ فقال لها: " لَم يُنْزِلِ اللهُ عَلَيَّ فِيكُم شَيئًا ". ثم نزلت الآية، فأخذ من عمهما ثلثي المال، ورده إليهما، ودفع الثمُن إلى المرأة، وترك البقية للعم.
واللَّه أعلم أنْ فيم كان نزولها؟.
وفي هذا الخبر دليل أن للابنتين الثلثين، كما للثلاث فصاعدًا، ليس كما قال بعض الناس: إن لهما النصف؛ لأن اللَّه - تعالى - إنما جعل الثلثين للثلاثة.
ثم تحتمل الآية وجهين بعد هذا:
تحتمل أن يكون المراد الأولاد خاصة لا غير؛ فيدخل كل ولد: ولد البنات، وولد البنين؛ لأنهم كلهم أولاده.
ويحتمل أن يكون المراد منها الرجال والنساء؛ فيدخل ذوو الأرحام في ذلك، فلما لم يدخل بنات البنات في ذلك -وهم أولاد- دل أنه أراد النساء والرجال جميعًا، لا
29
الأولاد خاصة.
وفيه دلالة نسخ الوصية للوارث؛ لأنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ...) إلى قوله: (مَفْرُوضًا) أي: معلومًا بما أوجب في كل قبيل.
ثم قال في قوله: (نَصِيبًا مَفْرُوضًا)، قيل: ذا يرجع إلى ما بين فرضه، وهو أصحاب الفرائض دون العصبات، فيكون على ما أشار إلى حقه من حيث الاسم في القرآن.
ويحتمل ما بين، وقد جرى فيه ذكر حقين:
أحدهما: حق العصبة، كما ذكر في الأب والإخوة والأولاد، وحق أصحاب الفرائض، ولو كان على ذلك فقد يتضمن الفرض ما يعلم بالإشارة إليه والدلالة؛ لأن أكثر من يوصي بحق العصبة هو ما لا نص فيه، والذي فيه النص هو في الأولاد والإخوة -خاصة- والوالد.
وقيل: يتضمن كل الأقرباء على اختلاف الدرجات؛ فيكون منصوصًا -أيضًا- ومدلولا عليه، ويؤيد هذا التأويل قوله: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) ثم بَيَّنَ: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ) وأُولَئِكَ هم البعداء الذين لهم أخوة الدِّين والهجرة، فإذا بقي في الرحم أحد - لم يصرف ذلك إلى المؤمنين، وقد قدم حقهم على المؤمنين والمهاجرين بالرحم؛ لذلك هم أولى، مع ما للإمام صرف ذلك بحق الإيمان إليهم؛ فيصير الدفع إليهم بحق الجواز، وإلى غيرهم شك عند قيامهم؛ فالدفع إليهم أولى لوجهين:
أحدهما: عموم الكتاب على تحقيق حق لكل آية منها؛ دون إدخال حكم آية في حق آخرين بلا ضرورة.
والثاني: الإجماع من الوجه الذي ذكرت مع اتفاق أكثر الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - والفتوى إلى يومنا هذا.
وفيه دلالة نسخ الوصية للوارث؛ لأنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ...) إلى قوله: (مَفْرُوضًا) أي: معلومًا بما أوجب في كل قبيل.
ثم قال في قوله: (نَصِيبًا مَفْرُوضًا)، قيل: ذا يرجع إلى ما بين فرضه، وهو أصحاب الفرائض دون العصبات، فيكون على ما أشار إلى حقه من حيث الاسم في القرآن.
ويحتمل ما بين، وقد جرى فيه ذكر حقين:
أحدهما: حق العصبة، كما ذكر في الأب والإخوة والأولاد، وحق أصحاب الفرائض، ولو كان على ذلك فقد يتضمن الفرض ما يعلم بالإشارة إليه والدلالة؛ لأن أكثر من يوصي بحق العصبة هو ما لا نص فيه، والذي فيه النص هو في الأولاد والإخوة -خاصة- والوالد.
وقيل: يتضمن كل الأقرباء على اختلاف الدرجات؛ فيكون منصوصًا -أيضًا- ومدلولا عليه، ويؤيد هذا التأويل قوله: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) ثم بَيَّنَ: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ) وأُولَئِكَ هم البعداء الذين لهم أخوة الدِّين والهجرة، فإذا بقي في الرحم أحد - لم يصرف ذلك إلى المؤمنين، وقد قدم حقهم على المؤمنين والمهاجرين بالرحم؛ لذلك هم أولى، مع ما للإمام صرف ذلك بحق الإيمان إليهم؛ فيصير الدفع إليهم بحق الجواز، وإلى غيرهم شك عند قيامهم؛ فالدفع إليهم أولى لوجهين:
أحدهما: عموم الكتاب على تحقيق حق لكل آية منها؛ دون إدخال حكم آية في حق آخرين بلا ضرورة.
والثاني: الإجماع من الوجه الذي ذكرت مع اتفاق أكثر الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - والفتوى إلى يومنا هذا.
30
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى) قيل فيه بوجهين:
قيل: أراد بالقسمة: قسمة المواريث بين الورثة بعد موت الميت.
وقيل: أراد به: قسمة الموصي وهو الإيصاء، يوصى ويبر لمن ذكر من الأقرباء واليتامى والمساكين بشيء؛ فالخطاب للموصى.
ومن قال بقسمة المواريث: فالخطاب للورثة إن كانوا كبارًا، يعطون لهَؤُلَاءِ شيئًا،
قيل: أراد بالقسمة: قسمة المواريث بين الورثة بعد موت الميت.
وقيل: أراد به: قسمة الموصي وهو الإيصاء، يوصى ويبر لمن ذكر من الأقرباء واليتامى والمساكين بشيء؛ فالخطاب للموصى.
ومن قال بقسمة المواريث: فالخطاب للورثة إن كانوا كبارًا، يعطون لهَؤُلَاءِ شيئًا،
31
ويبرونهم بشيء؛ وإن كانوا صغارا يقول الوصي: لهم (قَوْلًا مَعْرُوفًا)، أي: يَعِدُ لهم عدَةً حسنة إلى وقت خروج الأنزال، أو إلى وقت البيع إن باعوها.
ثم اختلف المتأولون فيها:
قَالَ بَعْضُهُمْ: هي منسوخة.
وقال آخرون: هي محكمة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ومن قال: هي منسوخة، قال: نسختها آية المواريث: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ...) الآية؛ لأنهم كانوا يوصون الأولاد والآباء والأمهات؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ...) الآية. فنسخت آية المواريث وصية الموصي.
ومن قال: هي محكمة متقنة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، والحسن ومجاهد وغيرهم؛ لأنه المعروف والبر والإحسان، وذلك مما لا يحتمل النسخ.
وقبل: إن عبد اللَّه بن عبد الرحمن قسم ميراث أبيه، وعائشة حية، فلم يدع في الدار مسكينًا ولا ذا قرابة إلا قسم له من ميراث أبيه، وتلا هذه الآية: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ...) الآية، فذكر ذلك لابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - فقال: ما أصاب ليس ذلك له، إنما ذلك في الوصية، يريد الميت أن يوصي لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا).
قيل: إذا كان المال كثيرًا - رضخ وأعطى لهم شيئًا، وإذا كان قليلًا اعتذر إليهم، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ثم اختلف المتأولون فيها:
قَالَ بَعْضُهُمْ: هي منسوخة.
وقال آخرون: هي محكمة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ومن قال: هي منسوخة، قال: نسختها آية المواريث: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ...) الآية؛ لأنهم كانوا يوصون الأولاد والآباء والأمهات؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ...) الآية. فنسخت آية المواريث وصية الموصي.
ومن قال: هي محكمة متقنة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، والحسن ومجاهد وغيرهم؛ لأنه المعروف والبر والإحسان، وذلك مما لا يحتمل النسخ.
وقبل: إن عبد اللَّه بن عبد الرحمن قسم ميراث أبيه، وعائشة حية، فلم يدع في الدار مسكينًا ولا ذا قرابة إلا قسم له من ميراث أبيه، وتلا هذه الآية: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ...) الآية، فذكر ذلك لابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - فقال: ما أصاب ليس ذلك له، إنما ذلك في الوصية، يريد الميت أن يوصي لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا).
قيل: إذا كان المال كثيرًا - رضخ وأعطى لهم شيئًا، وإذا كان قليلًا اعتذر إليهم، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
32
وقيل: أمر من يرث أن يرضخ ويعطي لمن لا يرث شيئًا، وهو قول الحسن، ويقال لهم: (قَوْلًا مَعْرُوفًا).
والقول المعروف يحتمل ما ذكرنا: أن يعطى لهم إن كانوا كبارًا -أعني: الورثة- ويعد لهم عِدة إن كان المال ضياعًا إلى وقت خروج الأنزال والغلات، أو إلى وقت خروج الثمر، أو يعطي الورثة إن كانوا كبارا ويعتذر إليهم الوصي إن كانوا صغارًا.
وقوله - جل وعز -: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ... (٩)
قيل: هو الرجل يحضره الموت، وله ولد صغار، فيقو له آخر: أوص بكذا، أو أعتق كذا، أو افعل كذا، ولو كان هو الميت لأحب أن يترك لولده؛ فخوف هذا القائل بقوله: (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ)، وأمر أن يقول له مثل ما يحب أن يقال له في ولده بالعدل بقوله - عز وجل -: (وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)، وهو قول ابن عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنه.
وقيل: هو الرجل يحضره الموت، فيقول له مَنْ يحضره: اتق اللَّه، وأمسك عليك لولدك الصغار والضعفاء، ليس أحد أحق بمالك منهم، ولا توصِ من مالك، شيئًا.
فنهي أن يقال له ذلك؛ لما لو كان هو الموصي، وله ورثة صغار ضعفاء، أحبَّ بألا يقال له ذلك؛ فكذلك لا يقول هو له. والأول أشبه.
وقوله: (وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا).
قيل: عدلًا؛ يأمر أن يوصي بما عليه من الدَّين والوصية، ولا يجور في الوصية.
والقول المعروف يحتمل ما ذكرنا: أن يعطى لهم إن كانوا كبارًا -أعني: الورثة- ويعد لهم عِدة إن كان المال ضياعًا إلى وقت خروج الأنزال والغلات، أو إلى وقت خروج الثمر، أو يعطي الورثة إن كانوا كبارا ويعتذر إليهم الوصي إن كانوا صغارًا.
وقوله - جل وعز -: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ... (٩)
قيل: هو الرجل يحضره الموت، وله ولد صغار، فيقو له آخر: أوص بكذا، أو أعتق كذا، أو افعل كذا، ولو كان هو الميت لأحب أن يترك لولده؛ فخوف هذا القائل بقوله: (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ)، وأمر أن يقول له مثل ما يحب أن يقال له في ولده بالعدل بقوله - عز وجل -: (وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)، وهو قول ابن عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنه.
وقيل: هو الرجل يحضره الموت، فيقول له مَنْ يحضره: اتق اللَّه، وأمسك عليك لولدك الصغار والضعفاء، ليس أحد أحق بمالك منهم، ولا توصِ من مالك، شيئًا.
فنهي أن يقال له ذلك؛ لما لو كان هو الموصي، وله ورثة صغار ضعفاء، أحبَّ بألا يقال له ذلك؛ فكذلك لا يقول هو له. والأول أشبه.
وقوله: (وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا).
قيل: عدلًا؛ يأمر أن يوصي بما عليه من الدَّين والوصية، ولا يجور في الوصية.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: نهي من حضر منهم مريضا عند الموت أن يأمره أن ينفق ماله في العتق والصدقة، أو في سبيل اللَّه؛ ولكن يأمره أن يبين ما له وما عليه من دين أو حق.
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)
أي: استحلالاً، فإذا استحل كفر؛، فذلك الوعيد له.
وقيل: (ظُلْمًا): أي: غصبًا.
والأكل: هو عبارة عن الأخذ؛ كقوله: (لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) إنما هو نهي عن أخذه، وكذلك قوله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا)، وقوله: (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) - إنما هو نهي عن قبض الربا؛ فعلى ذلك الأكل -في هذه الآية- عبارة عن الأخذ والاستحلال.
ومن حمل الآية على الغصب جعل الوعيد عليه، إلا أن يتوب؛ إذ لله أن يعذب من
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)
أي: استحلالاً، فإذا استحل كفر؛، فذلك الوعيد له.
وقيل: (ظُلْمًا): أي: غصبًا.
والأكل: هو عبارة عن الأخذ؛ كقوله: (لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) إنما هو نهي عن أخذه، وكذلك قوله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا)، وقوله: (وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا) - إنما هو نهي عن قبض الربا؛ فعلى ذلك الأكل -في هذه الآية- عبارة عن الأخذ والاستحلال.
ومن حمل الآية على الغصب جعل الوعيد عليه، إلا أن يتوب؛ إذ لله أن يعذب من
34
شاء ممن ارتكب من عباده جرمًا، كما جعل الوعيد على المستحل إلا أن يتوب.
وقيل: إنه على التمثيل أن الذي يأكل من مال اليتيم كأنه يأكل نارًا؛ لخبثه ولشدته.
وعن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: " اتقُوا اللَّه في الضعِيفَين "؛ قيل: ومن هما يا رسول اللَّه؟ قال: " اليَتيمُ والمرأة "؛ فإن اللَّه أيتمه وأوصى به، وابتلاه وابتلى به.
وقيل في قوله: (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا): للميت إذا جلس إليه (قَوْلًا سَدِيدًا)، أي: عدلاً في وصيته ولا يجور، ومن عدل في وصيته عند موته، فكأنما وجه ماله في سبيل اللَّه؛ فقال سعد بن أبي وقاص: فسئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: كم يوصي الرجل من ماله؛ فقال: " الثلُث، والثلُث كَثير، لأَنْ تَدَع عِيالَكَ أَغْنياءَ خَيرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهم عالَةً يَتَكَفَّفُونَ الناسَ ". ثم قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إنَّ اللَّه - تعالى - تَصَدَّقَ عَلَيكُم بثُلُثِ أَمْوالِكم زِيَادةً في أَعْمَالِكم عِندَ وَفَاتِكُم ".
وقيل: إنه على التمثيل أن الذي يأكل من مال اليتيم كأنه يأكل نارًا؛ لخبثه ولشدته.
وعن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: " اتقُوا اللَّه في الضعِيفَين "؛ قيل: ومن هما يا رسول اللَّه؟ قال: " اليَتيمُ والمرأة "؛ فإن اللَّه أيتمه وأوصى به، وابتلاه وابتلى به.
وقيل في قوله: (فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا): للميت إذا جلس إليه (قَوْلًا سَدِيدًا)، أي: عدلاً في وصيته ولا يجور، ومن عدل في وصيته عند موته، فكأنما وجه ماله في سبيل اللَّه؛ فقال سعد بن أبي وقاص: فسئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: كم يوصي الرجل من ماله؛ فقال: " الثلُث، والثلُث كَثير، لأَنْ تَدَع عِيالَكَ أَغْنياءَ خَيرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهم عالَةً يَتَكَفَّفُونَ الناسَ ". ثم قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إنَّ اللَّه - تعالى - تَصَدَّقَ عَلَيكُم بثُلُثِ أَمْوالِكم زِيَادةً في أَعْمَالِكم عِندَ وَفَاتِكُم ".
35
قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١١)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)
قيل: قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ) أي: يفرضكم اللَّه، وقد سمى اللَّه - تعالى - الميراث
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)
قيل: قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ) أي: يفرضكم اللَّه، وقد سمى اللَّه - تعالى - الميراث
36
فريضة في غير آى من القرآن بقوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ) ثم قال: (نَصِيبًا مَفْرُوضًا...)، وقال -أيضًا- في آخر هذه الآية: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)، ولأنه شيء تولى اللَّه إيجابه من غير اكتساب أهله؛ فهو كالفرائض التي أوجبها اللَّه على عباده من غير اكتساب أهلها؛ فعلى ذلك سمى هذه فريضة؛ لأن اللَّه - تعالى - أوجبه، واللَّه أعلم.
وقيل: قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)، أي: يبين اللَّه في أولادكم... إلى آخر ما ذكر.
وفيه نسخ الوصية للوالدين والأقربين في قوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)، ودليل نسخه ما روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَعْطَى كُل ذِي حَق حَقَّهُ؛ فَلَا وَصِيةَ [لِوَارِثٍ] ".
ثم قيل: إن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار من الأولاد والإناث في الميراث؛ وإنما كانوا يورثون الرجال ومن يحوز الغنيمة؛ فنزل قوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ...) الآية؛ فالآية في بيان الحق للإناث في الميراث، وكذلك قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فيه بيان حق الميراث للذكور والإناث جميعًا.
وقيل: تأويل هذه الآية ما بين في القرآن في ذوي الأرحام، وإن كانوا مختلفين في سبب ذلك، وإن الآيات التي بعدها من قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) إلى آخر الآيات
وقيل: قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)، أي: يبين اللَّه في أولادكم... إلى آخر ما ذكر.
وفيه نسخ الوصية للوالدين والأقربين في قوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)، ودليل نسخه ما روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَعْطَى كُل ذِي حَق حَقَّهُ؛ فَلَا وَصِيةَ [لِوَارِثٍ] ".
ثم قيل: إن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار من الأولاد والإناث في الميراث؛ وإنما كانوا يورثون الرجال ومن يحوز الغنيمة؛ فنزل قوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ...) الآية؛ فالآية في بيان الحق للإناث في الميراث، وكذلك قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فيه بيان حق الميراث للذكور والإناث جميعًا.
وقيل: تأويل هذه الآية ما بين في القرآن في ذوي الأرحام، وإن كانوا مختلفين في سبب ذلك، وإن الآيات التي بعدها من قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) إلى آخر الآيات
37
التي فيها ذكر المواريث - فُسر بها مبلغ النصيب الذي أوجبه اللَّه للنساء والرجال في الآية الأولى مجملا، وأجمعوا أن الرجل إذا مات وترك ولدًا ذكورًا وإناثًا؛ فالمال بينهم (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).
ويحتمل قوله: (فِي أَوْلَادِكُمْ) - أولاد موتاكم، وهذا جائز في اللغة؛ لأنه لا يجوز أن يفرض على الرجل قسمة الميراث في أولاده وهو حي؛ دل أنه أراد أولاد الموتى.
أو يحتمل ما ذكرنا أنهم كانوا لا يورثون الإناث من الأولاد والصغار منهم؛ فخاطب الجملة بذلك؛ لئلا يحرموا الإناث من الأولاد والصغار منهم.
وفي قوله -أيضًا-: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)، أي: في أولاد من مات منكم؛ إذ لا يحتمل خطاب الحي ما ذكر في ولده؛ فهذا إن كان تأويل " يوصي ": يفرض أو يأمر.
وإن كان تأويل ذلك: يُبَيِّن، فذلك جائز أن يخبر الحي ما بيَّن اللَّه في أولاده بعد موته في ماله، وذلك يمنع الوصية؛ لأنه يزيل حق البيان، ولما يمكن رفع القسمة وتحصيل الوصية على بعض لبعض، وذلك بعيد؛ إذ لا يملك في غيرهم.
ثم من الناس مَنْ رأي نسخ الوصية للوارث بقوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ...) الآية؛ لأن الآية أوجبت الميراث فيما قل أو كثر، فلو كانت الوصية تجب للوالدين بقوله - تعالى -: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ...) الآية، لكان الميراث لا يجب فيما قل منه، وإنما يجب فيما يفضل منه، لكن الآية إذا لم تمنع الوصية للأجنبي وهي تصرف السهم المفروض إلى ما يفضل من الوصية؛ فمثله للوارث، لكن في الآية دلالة على رفع الكتاب؛ إذ في الأولى أنها كتبت، فلما أوجب الحق في كل قليل وكثير لم يبق معه الفرض والوجوب، ولكن يجب الفضل، ثم كان حق الوالدين ومن ذكر بحق اللزوم، وقد سقط ذلك، وبه كان يجوز، فلما سقط الحق جاء في الخبر أن " لا وَصِيَّةَ [لِوَارِثٍ] ".
وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللَّه قد أَعْطَى كُل ذِي حَق حَقه؛ فلا وَصيةَ [لِوَارِثٍ] "؛ فسقط الحق بالآية من الوجه الذي ثبت، والتنفل بقوله: " لا وَصية... ".
فمن هذا الوجه الذي ذكرت يسقط حق الوصية بالقرآن، لكن قد ذكر للمرأة لا بحرف الوجوب بقوله: (مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ)، ثم سقط -أيضًا- بالخبر الذي
ويحتمل قوله: (فِي أَوْلَادِكُمْ) - أولاد موتاكم، وهذا جائز في اللغة؛ لأنه لا يجوز أن يفرض على الرجل قسمة الميراث في أولاده وهو حي؛ دل أنه أراد أولاد الموتى.
أو يحتمل ما ذكرنا أنهم كانوا لا يورثون الإناث من الأولاد والصغار منهم؛ فخاطب الجملة بذلك؛ لئلا يحرموا الإناث من الأولاد والصغار منهم.
وفي قوله -أيضًا-: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ)، أي: في أولاد من مات منكم؛ إذ لا يحتمل خطاب الحي ما ذكر في ولده؛ فهذا إن كان تأويل " يوصي ": يفرض أو يأمر.
وإن كان تأويل ذلك: يُبَيِّن، فذلك جائز أن يخبر الحي ما بيَّن اللَّه في أولاده بعد موته في ماله، وذلك يمنع الوصية؛ لأنه يزيل حق البيان، ولما يمكن رفع القسمة وتحصيل الوصية على بعض لبعض، وذلك بعيد؛ إذ لا يملك في غيرهم.
ثم من الناس مَنْ رأي نسخ الوصية للوارث بقوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ...) الآية؛ لأن الآية أوجبت الميراث فيما قل أو كثر، فلو كانت الوصية تجب للوالدين بقوله - تعالى -: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ...) الآية، لكان الميراث لا يجب فيما قل منه، وإنما يجب فيما يفضل منه، لكن الآية إذا لم تمنع الوصية للأجنبي وهي تصرف السهم المفروض إلى ما يفضل من الوصية؛ فمثله للوارث، لكن في الآية دلالة على رفع الكتاب؛ إذ في الأولى أنها كتبت، فلما أوجب الحق في كل قليل وكثير لم يبق معه الفرض والوجوب، ولكن يجب الفضل، ثم كان حق الوالدين ومن ذكر بحق اللزوم، وقد سقط ذلك، وبه كان يجوز، فلما سقط الحق جاء في الخبر أن " لا وَصِيَّةَ [لِوَارِثٍ] ".
وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللَّه قد أَعْطَى كُل ذِي حَق حَقه؛ فلا وَصيةَ [لِوَارِثٍ] "؛ فسقط الحق بالآية من الوجه الذي ثبت، والتنفل بقوله: " لا وَصية... ".
فمن هذا الوجه الذي ذكرت يسقط حق الوصية بالقرآن، لكن قد ذكر للمرأة لا بحرف الوجوب بقوله: (مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ)، ثم سقط -أيضًا- بالخبر الذي
38
ذكرنا؛ إذ ليس في الآية ذكر المرأة بما ذكر فيها ميراث الأولاد والأقربين، وقد بقي حق المتاع؛ إذ له أن يوصى لغير الورثة، لكن ذكر في ميراث المرأة وصية، كقوله: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً) من اللَّه، والوصية منه مكتوبة على ما للوالدين والأقربين، ثم أشرك الزوجين في ميراث الوالدين والأقربين مما قل أو كثر، كقوله: " النصف " و " الربع " و " الثمن " مما ترك.
وقد بينا أن الآية نسخت ما ذكرت فصارت ناسخة للأمرين جميعًا، فهذا من جهة الاستخراج في حق النسخ.
على أنه على مذهبنا: السنة كافية في بيان نسخ الحكم الذي، بينه الكتاب؛ إذ هو بيان منتهى الحكم من الوقت، وقد جعل اللَّه - تعالى - نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بحيث البيان مما في القرآن.
وقوله - تعالى -: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ): فيه دلالة أن المال كله للذكر من الولد إذا لم يكن ثَمَّة أنثى؛ لأنه جعل للذكر مثلَي ما جعل للأنثى، وجعل للأنثى النصف إذا لم يكن معها ذكر؛ بقوله - تعالى -: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ).
فدل أن للذكر من الولد إذا جعل له مثلي ما جعل للأنثى عند الجمع، إنما جعل له ذلك بحق الكل، ففي حال الانفراد له الكل.
وقوله - تعالى -: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)
قَالَ بَعْضُهُمْ: بين الحق لما فوق الثنتين، ولم يبين للاثنتين، ولهما النصف الذي ذكر للواحدة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنه.
وقد بينا أن الآية نسخت ما ذكرت فصارت ناسخة للأمرين جميعًا، فهذا من جهة الاستخراج في حق النسخ.
على أنه على مذهبنا: السنة كافية في بيان نسخ الحكم الذي، بينه الكتاب؛ إذ هو بيان منتهى الحكم من الوقت، وقد جعل اللَّه - تعالى - نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بحيث البيان مما في القرآن.
وقوله - تعالى -: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ): فيه دلالة أن المال كله للذكر من الولد إذا لم يكن ثَمَّة أنثى؛ لأنه جعل للذكر مثلَي ما جعل للأنثى، وجعل للأنثى النصف إذا لم يكن معها ذكر؛ بقوله - تعالى -: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ).
فدل أن للذكر من الولد إذا جعل له مثلي ما جعل للأنثى عند الجمع، إنما جعل له ذلك بحق الكل، ففي حال الانفراد له الكل.
وقوله - تعالى -: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)
قَالَ بَعْضُهُمْ: بين الحق لما فوق الثنتين، ولم يبين للاثنتين، ولهما النصف الذي ذكر للواحدة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنه.
39
وأما عندنا: فإن للاثنتين ما للثلاث فصاعدًا؛ فيكون بيان الحق للثلاث بيانا للاثنتين؛ لأن اللَّه - تعالى - جعل حق ميراث الواحدة من الأخو. ات: النصف؛ بقوله: (وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ)، كما جعل حق الابنة النصف إذا لم يكن معها ذكر بقوله - تعالى -: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)، ثم جعل للأختين الثلثين بقوله: (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ)، فإذا نزلت الأخوات منزلة البنات في استحقاق النصف إذا كانت واحدة، واستحقاق الثلثين إذا كانتا اثنتين فصاعدًا؛ فعلى ذلك نزل بيان الحكم في الأختين منزلة بيان الحكم في الابنتين. قيل: يفوق اثنتين اثنتان فما فوقهما.
وقيل: بين الكتاب الاستواء بين الابنة، الواحدة والأخت الواحدة؛ ليعلم استواء حق الولد وولد الأب، ثم بين في الأخوات للثنتين الثلثان، وفي البنات لما فوقهما؛ ليكون الذكر في الأختين دليلاً على الابنتين، وفيما كثر من البنات على ما كثر من الأخوات، وأيد ذلك أمر الاجتماع بين البنتين والبنات -وإن كثروا- بالإخوة والأخوات -وإن كثروا- مع ما كان معلومًا أن بنات الرجل أحق من بنات أبيه؛ أيد ذلك أن بنات ابنه قد يَرِثْنَ، وبنات ابن أبيه لا؛ فلا يجوز أن تكون الأختان أكثر حقا من الابنتين.
وفي الأغلب أن يجعل لهن ميراث هَؤُلَاءِ، وأيد ذلك أنه ما دام يوجد في الأولاد من له فرض أو فضل - لم يصرف إلى أولاد الأب؛ ثبت أنهم بمعنى الخلف من هَؤُلَاءِ، وعلى ما ذكرت جاءت الآثار، واجتمع عليه أهل الفتوى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: أراد بالولد الذكورَ خاصة؛ لأنه جعل للأبوين لكُلِّ واحد منهما السدس إذا كان الولد ذكرًا، أما إذا كان الولد أنثى فللأب يكون الثلث.
وأمَّا عندنا: فإن اسم الولد يجمع الذكور والإناث جميعًا.
وبعد: فإنه إن كان الولد -هاهنا- ذكرًا وأنثى؛ فينظر:
وقيل: بين الكتاب الاستواء بين الابنة، الواحدة والأخت الواحدة؛ ليعلم استواء حق الولد وولد الأب، ثم بين في الأخوات للثنتين الثلثان، وفي البنات لما فوقهما؛ ليكون الذكر في الأختين دليلاً على الابنتين، وفيما كثر من البنات على ما كثر من الأخوات، وأيد ذلك أمر الاجتماع بين البنتين والبنات -وإن كثروا- بالإخوة والأخوات -وإن كثروا- مع ما كان معلومًا أن بنات الرجل أحق من بنات أبيه؛ أيد ذلك أن بنات ابنه قد يَرِثْنَ، وبنات ابن أبيه لا؛ فلا يجوز أن تكون الأختان أكثر حقا من الابنتين.
وفي الأغلب أن يجعل لهن ميراث هَؤُلَاءِ، وأيد ذلك أنه ما دام يوجد في الأولاد من له فرض أو فضل - لم يصرف إلى أولاد الأب؛ ثبت أنهم بمعنى الخلف من هَؤُلَاءِ، وعلى ما ذكرت جاءت الآثار، واجتمع عليه أهل الفتوى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: أراد بالولد الذكورَ خاصة؛ لأنه جعل للأبوين لكُلِّ واحد منهما السدس إذا كان الولد ذكرًا، أما إذا كان الولد أنثى فللأب يكون الثلث.
وأمَّا عندنا: فإن اسم الولد يجمع الذكور والإناث جميعًا.
وبعد: فإنه إن كان الولد -هاهنا- ذكرًا وأنثى؛ فينظر:
40
إن كان ذكرًا يكون لكل واحد من الأبوين السدس، والباقي للولد.
وإن كان أنثى فلها النصف، وللأبوين السدسان، والباقي للأب؛ على ما جاء في الخبر: " مَا أَبْقَتِ الفَرَائضُ فِلأَوْلَى رَجُل ذَكَرٍ ".
وقالت الروافض: الباقي للابنة، ذهبوا في ذلك إلى أن الذي يقابل الابنة هو الابن، والذي يقابل الأب هي الأم، فالذي يقابلُ الابنة هو أولى بإحراز الميراث من الذي يقابل الأم؛ وهو الأب؛ فعلى ذلك الذي يقابل الابن -وهي الابنة- أولى بذلك من الذي يقابل الأم؛ وهو الأب.
وأما عندنا: فإن الأب أولى بذلك من الابنة؛ لأن للأب حَقَّين: حق فريضة، وحق عصبة: أمَّا حق الفريضة بقوله: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)، وأما حق العصبة بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ): جعل الباقي له؛ فذو حقين أولى بذلك من ذي حق واحد، والابنة ليس لها إلا حق الفريضة؛ لذلك كان الأب أولى.
وفي الخبر دلالة أن حكم الابنتين وما فوقهما سواء، وهو الثلثان: ما روي عن جابر ابن عبد اللَّه قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بابنتين إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول اللَّه، هاتان ابنتا ثابت بن قيس، أصيبَ معك يوم أحد، وقد أخذ عمهما مالهما وميراثهما، ولم يدع لهما شيئا إلا أخذه، فما ترى يا رسول اللَّه؟ فواللَّه لا تنكحان إلا ولهما مال، فنزل قوله - تعالى -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)؛ فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لعم الجاريتين: " اعْطِهِمَا الثُّلُثَينِ، وَأَعْطِ أمَّهُما الثمُنَ، ولَكَ ما بَقِيَ ".
ثم في الآية دلائل:
وإن كان أنثى فلها النصف، وللأبوين السدسان، والباقي للأب؛ على ما جاء في الخبر: " مَا أَبْقَتِ الفَرَائضُ فِلأَوْلَى رَجُل ذَكَرٍ ".
وقالت الروافض: الباقي للابنة، ذهبوا في ذلك إلى أن الذي يقابل الابنة هو الابن، والذي يقابل الأب هي الأم، فالذي يقابلُ الابنة هو أولى بإحراز الميراث من الذي يقابل الأم؛ وهو الأب؛ فعلى ذلك الذي يقابل الابن -وهي الابنة- أولى بذلك من الذي يقابل الأم؛ وهو الأب.
وأما عندنا: فإن الأب أولى بذلك من الابنة؛ لأن للأب حَقَّين: حق فريضة، وحق عصبة: أمَّا حق الفريضة بقوله: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)، وأما حق العصبة بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ): جعل الباقي له؛ فذو حقين أولى بذلك من ذي حق واحد، والابنة ليس لها إلا حق الفريضة؛ لذلك كان الأب أولى.
وفي الخبر دلالة أن حكم الابنتين وما فوقهما سواء، وهو الثلثان: ما روي عن جابر ابن عبد اللَّه قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بابنتين إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول اللَّه، هاتان ابنتا ثابت بن قيس، أصيبَ معك يوم أحد، وقد أخذ عمهما مالهما وميراثهما، ولم يدع لهما شيئا إلا أخذه، فما ترى يا رسول اللَّه؟ فواللَّه لا تنكحان إلا ولهما مال، فنزل قوله - تعالى -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)؛ فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لعم الجاريتين: " اعْطِهِمَا الثُّلُثَينِ، وَأَعْطِ أمَّهُما الثمُنَ، ولَكَ ما بَقِيَ ".
ثم في الآية دلائل:
41
أحدها: يخرج الخطاب على العموم، والمراد منه خاص؛ لأنه ذكر الأولاد، والولد قد يكون على غير دينه؛ فلا يرث، وقد يكون مملوكًا فلا يرث، على ما روي في الخبر: " لا يَتَوَارَث أَهْلُ مِلَّتَيْنِ "، وما روي: " لا يَرِث الْمُسْلمُ الكافِرَ وَلا الكَافِرُ الْمُسْلِمَ إِلا العَبْدَ مَوْلاهُ "، وذلك في الحقيقة ليس بميراث، ولكن ما للعبد يكون لمولاه.
وفي هذا دليل جواز الاستثناء من غير نوعه؛ حيث استثنى العبد، وذلك في الحقيقة
وفي هذا دليل جواز الاستثناء من غير نوعه؛ حيث استثنى العبد، وذلك في الحقيقة
42
ليس بميراث.
وفي الآية دليل جواز القياس، والفكر فيها، والاعتبار؛ لأن ميراث الابنتين مستدل عليهما، غير منصوص، وكذلك ميراث الذكور من الأولاد بالانفراد مستدل عليه غير
وفي الآية دليل جواز القياس، والفكر فيها، والاعتبار؛ لأن ميراث الابنتين مستدل عليهما، غير منصوص، وكذلك ميراث الذكور من الأولاد بالانفراد مستدل عليه غير
43
منصوص، وما يحرز الأب من الميراث بحق العصبة مستدل عليه لا منصوص، وما يستحق بالفريضة فهو منصوصٌ عليه، وهكذا كل من يستحق شيئا بحق الفريضة فهو منصوص عليه؛ فدل أن ما ترك ذكره إنما ترك للاجتهاد، والتفكر فيه، والاعتبار.
وفيه دليل أنه يجوز ألا يُطْلِع اللَّه عباده على الأشياء بقوله - تعالى - (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) إذ لم يبين أيهم أقرب نفعًا؛ دل قوله: (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)؛ إذ ذكر وراثتهما، ولم يبين حق الأب أنه جعله عصبة يرد إليه الفضل.
فيظهرُ للأب بهذه الآية من قوله - تعالى -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ...) إلى آخرها - أمران:
أَحَدُهُمَا: حق العصبة.
الثاني: حق الفرض بقوله: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ)
ثم بعد هذا فيه أمران:
أحدهما: أنه إذا ثبت له حق العصبة، وقد بين اللَّه - تعالى - نصيب الابنة أنه النصف، ونصيب الأب مع الوالد أن له السدس؛ فزعمت الشيعة أن الفضل يرد إلى الابنة؛ لأنها ولد، ولم يذكر له مع الولد إلا السدس.
وعندنا: يرد إلى الأب؛ لأنه لم يذكر للابنة إلا النصف، ثم قد جعل الأب عصبة فيما له حق الفضل عن المفروض، ولم يجعل الابنة؛ لذلك كان الرد إلى الأب أحق مع ما يحتمل إن كان له ولد ذكر، ثم حرمت الأمُّ بالابنة؛ إذ هي تحرم بالأخوات، فالبنات أحق؛ إذ هن أقرب.
والثاني: أنه إذ جعل للأب السهم من وجهين، ثم الذي له في أحد الوجهين صار للجد دون أولاده، وبين لأولاد الأب الحق، وإبقاء حق الجد لما بين لولده؛ فعلى ذلك ما له من الوجه الثاني وهو أولى؛ لأن حق العصَّاب يخرج على إلحاق الأبعدين فيه بالأقربين، وحق الفرائض لا، حتى يبين، ثم صار الجد أبًا في حقه من الفرض إذا لم يكن هو فمثله في حق العصبة.
ثم فيه وجه آخر: أنه أتبع ذلك الذكر ذِكر الزوجين، وذكرهما مع الولد، ولم يذكر معهما الولدان؛ فثبت أن أمرهما يدخل في حالهما فيما كان، لا في حالهما، أي: الزوجين، وأيد ذلك قوله: إنه بقي حالهما مع الزوجين مع الولد على ما كان عليه دون الزوجين معه؛ فعلى ذلك حالهما بلا ولد، وفي ذلك وجوب صرف حقهما إلى ما فضل، كما ذكر في قوله:
وفيه دليل أنه يجوز ألا يُطْلِع اللَّه عباده على الأشياء بقوله - تعالى - (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) إذ لم يبين أيهم أقرب نفعًا؛ دل قوله: (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)؛ إذ ذكر وراثتهما، ولم يبين حق الأب أنه جعله عصبة يرد إليه الفضل.
فيظهرُ للأب بهذه الآية من قوله - تعالى -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ...) إلى آخرها - أمران:
أَحَدُهُمَا: حق العصبة.
الثاني: حق الفرض بقوله: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ)
ثم بعد هذا فيه أمران:
أحدهما: أنه إذا ثبت له حق العصبة، وقد بين اللَّه - تعالى - نصيب الابنة أنه النصف، ونصيب الأب مع الوالد أن له السدس؛ فزعمت الشيعة أن الفضل يرد إلى الابنة؛ لأنها ولد، ولم يذكر له مع الولد إلا السدس.
وعندنا: يرد إلى الأب؛ لأنه لم يذكر للابنة إلا النصف، ثم قد جعل الأب عصبة فيما له حق الفضل عن المفروض، ولم يجعل الابنة؛ لذلك كان الرد إلى الأب أحق مع ما يحتمل إن كان له ولد ذكر، ثم حرمت الأمُّ بالابنة؛ إذ هي تحرم بالأخوات، فالبنات أحق؛ إذ هن أقرب.
والثاني: أنه إذ جعل للأب السهم من وجهين، ثم الذي له في أحد الوجهين صار للجد دون أولاده، وبين لأولاد الأب الحق، وإبقاء حق الجد لما بين لولده؛ فعلى ذلك ما له من الوجه الثاني وهو أولى؛ لأن حق العصَّاب يخرج على إلحاق الأبعدين فيه بالأقربين، وحق الفرائض لا، حتى يبين، ثم صار الجد أبًا في حقه من الفرض إذا لم يكن هو فمثله في حق العصبة.
ثم فيه وجه آخر: أنه أتبع ذلك الذكر ذِكر الزوجين، وذكرهما مع الولد، ولم يذكر معهما الولدان؛ فثبت أن أمرهما يدخل في حالهما فيما كان، لا في حالهما، أي: الزوجين، وأيد ذلك قوله: إنه بقي حالهما مع الزوجين مع الولد على ما كان عليه دون الزوجين معه؛ فعلى ذلك حالهما بلا ولد، وفي ذلك وجوب صرف حقهما إلى ما فضل، كما ذكر في قوله:
44
(وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ) فيكون الفضل بينهما على ما كان عليه بالكل لولا الزوجان.
وقوله: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)
اختلف في حكم الآية من أوجه ثلاثة:
قَالَ بَعْضُهُمْ: لا يحجب الأم عن الثلث أخوان ولا أختان، حتى يكون ثلاثة؛ لأن اللَّه - تعالى - قال: (إِخْوَةٌ)، وأقل الإخوة ثلاثة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنه.
وقال آخرون: يحجب الأم عن الثلث الذكور منهم، ولا تحجب الإناث؛ لأن اللَّه - تعالى - ذكر الإخوة، والإخوة اسم للذكور منهم دون للإناث؛ إذ الإناث اسم على حدة وهو الأخوات؛ لذلك حجب الذكور ولم يحجب الإناث.
وأما عندنا: فإن الإخوة اسم للذكور والإناث جميعًا في الحكم، وإن لم يكن اسمًا لهما جميعًا في الحقيقة؛ ألا ترى أن اللَّه - تعالى - ذكر الإخوة، ثم جعل بالتفسير اسما لهما جميعا بقوله: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً)، دل أن اسم الإخوة يجمع الذكور والإناث جميعا في الحكم؛ لذلك حجب الأم عن الثلث ذكورًا كانوا أو إناثًا.
وأما قولنا: بأن الاثنين يحجبانها عن الثلث: ما رُويَ عن عليٍّ وعبد اللَّه وزيد بن ثابت أنهم قالوا: يحجب الأخوان الأم عن الثلث كما يحجبها الثلاثة.
وقوله: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)
اختلف في حكم الآية من أوجه ثلاثة:
قَالَ بَعْضُهُمْ: لا يحجب الأم عن الثلث أخوان ولا أختان، حتى يكون ثلاثة؛ لأن اللَّه - تعالى - قال: (إِخْوَةٌ)، وأقل الإخوة ثلاثة، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنه.
وقال آخرون: يحجب الأم عن الثلث الذكور منهم، ولا تحجب الإناث؛ لأن اللَّه - تعالى - ذكر الإخوة، والإخوة اسم للذكور منهم دون للإناث؛ إذ الإناث اسم على حدة وهو الأخوات؛ لذلك حجب الذكور ولم يحجب الإناث.
وأما عندنا: فإن الإخوة اسم للذكور والإناث جميعًا في الحكم، وإن لم يكن اسمًا لهما جميعًا في الحقيقة؛ ألا ترى أن اللَّه - تعالى - ذكر الإخوة، ثم جعل بالتفسير اسما لهما جميعا بقوله: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً)، دل أن اسم الإخوة يجمع الذكور والإناث جميعا في الحكم؛ لذلك حجب الأم عن الثلث ذكورًا كانوا أو إناثًا.
وأما قولنا: بأن الاثنين يحجبانها عن الثلث: ما رُويَ عن عليٍّ وعبد اللَّه وزيد بن ثابت أنهم قالوا: يحجب الأخوان الأم عن الثلث كما يحجبها الثلاثة.
45
وجعلوا الأخوين إخوة، والفرائض على اختلافها اتفقت في أن حكم الاثنين حكم الأكثر؛ فكذلك في حق الحجاب، واللَّه أعلم.
وحجة أخرى: وهي أن اللَّه - تعالى - حكم في (الْكَلَالَةِ) إذا كان واحدًا أن له السدس، (فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)؛ فجعل حكم الاثنين والثلاثة واحدًا يشتركون في الثلث؛ فوجب أن يكون حكم الاثنين والثلاثة من الإخوة في حجب الأم عن الثلث سواء.
وحجة أخرى: وهي أن اللَّه - تعالى - جعل للأختين من الأب والأم الثلثين، وسوى بين حكم الأختين والثلاث في الميراث؛ فعلى ذلك يجب أن يستوي حكم الأخوين والثلاث في حجاب الأم عن الثلث.
ثم المسألة بيننا وبين الروافض: زعمت الروافض أن الإخوة من الأم لا تحجب الأم عن الثلث؛ لأنهم منها، فمن البعيد أن يحجبوها، ويمنعوا ذلك عنها، ويجعلون ذلك لغيرها، يضرون بالأم وينْفَعونَ غيرها؛ وقد قال - تعالى -: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً).
والثاني: أن الحجاب قد يجوز أن يقع بمن يحصل له ما حجب عنها نحو الإخوة من الأب والأم إذا حجبوا الأم عن الثلث وقع لهم ذلك، وأمَّا الإخوة من الأم فإن وقع لهم الحجاب لم يجعل لهم ذلك المحجوب منها؛ فلا يحتمل الحجاب بهم.
وأما عندنا: فإنه ليس لهم بحق القرب والبعد ما يحجبون، ولكن بحق الميت، فإذا كان ما ذكرنا؛ فسواء كانوا من قبل الأم أو من قبل الأب في حق الحجاب.
والثاني: أن المواريث جعلت بحق الابتداء لا بحق المورثين؛ لما لا يحتمل أن يختار المورث من هو أبعد على من هو أقرب، نحو من يموت عن ابنة وابن عم، لا يحتمل أن يختار ابن العم على الابنة في النصف الباقي؛ دل أنه على الابتداء.
ونقول في الإخوة في الأم: إنهم في الحجاب كالأخوة من الأب والأم، وإن كان الحق
وحجة أخرى: وهي أن اللَّه - تعالى - حكم في (الْكَلَالَةِ) إذا كان واحدًا أن له السدس، (فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)؛ فجعل حكم الاثنين والثلاثة واحدًا يشتركون في الثلث؛ فوجب أن يكون حكم الاثنين والثلاثة من الإخوة في حجب الأم عن الثلث سواء.
وحجة أخرى: وهي أن اللَّه - تعالى - جعل للأختين من الأب والأم الثلثين، وسوى بين حكم الأختين والثلاث في الميراث؛ فعلى ذلك يجب أن يستوي حكم الأخوين والثلاث في حجاب الأم عن الثلث.
ثم المسألة بيننا وبين الروافض: زعمت الروافض أن الإخوة من الأم لا تحجب الأم عن الثلث؛ لأنهم منها، فمن البعيد أن يحجبوها، ويمنعوا ذلك عنها، ويجعلون ذلك لغيرها، يضرون بالأم وينْفَعونَ غيرها؛ وقد قال - تعالى -: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً).
والثاني: أن الحجاب قد يجوز أن يقع بمن يحصل له ما حجب عنها نحو الإخوة من الأب والأم إذا حجبوا الأم عن الثلث وقع لهم ذلك، وأمَّا الإخوة من الأم فإن وقع لهم الحجاب لم يجعل لهم ذلك المحجوب منها؛ فلا يحتمل الحجاب بهم.
وأما عندنا: فإنه ليس لهم بحق القرب والبعد ما يحجبون، ولكن بحق الميت، فإذا كان ما ذكرنا؛ فسواء كانوا من قبل الأم أو من قبل الأب في حق الحجاب.
والثاني: أن المواريث جعلت بحق الابتداء لا بحق المورثين؛ لما لا يحتمل أن يختار المورث من هو أبعد على من هو أقرب، نحو من يموت عن ابنة وابن عم، لا يحتمل أن يختار ابن العم على الابنة في النصف الباقي؛ دل أنه على الابتداء.
ونقول في الإخوة في الأم: إنهم في الحجاب كالأخوة من الأب والأم، وإن كان الحق
46
لغيرهم؛ لما أن الإخوة لما تفرقت حقوقهم ذكرت، وكذلك الأولاد، فلو كان الحجابُ يتفرق لكانت الحاجة إلى الذكر لازمة؛ إذ بعيد ترك الأمر للنظر فيما لا أصل له في الأثر، ولا أصل له في هذا بالتفريق؛ بل قد جمع ذلك بين الإخوة والأخوات، على ما في ذلك من اختلاف الحقوق؛ ثبت أن غير الحجاب من الحقوق ليس بأصل له، والأصل أن ذلك لو كان على اعتبار الحق فهو بحق الميت، لا بحق الأبوين؛ لأنه لم يُعرف إيجاب حق ممن لا حق له، ولا حق لهم مع الأب؛ فبان أنه بمعتبر حق الميت يقع الحجاب، والمعنى منه واحد، ولو كان حجاب الإخوة من الأب بالأب لكان الأب إذن حجب الأم، فإذا كان هو لا يحجب بأن أن ولدها لا يحجبونها؛ إذ هو بحق الميت.
وقوله: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)
ذكر اللَّه - تعالى - الوصية قبل الدَّين، وأجمع أهلُ العلم أن الدَّين يبدأ به قبل الوصية والميراث.
رُويَ عن عليٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: تقرءون الوصية قبل الدَّين، وقضى مُحَمَّد - عليه الصلاة والسلام - بالدَّين قبل الوصية.
وقوله: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)
ذكر اللَّه - تعالى - الوصية قبل الدَّين، وأجمع أهلُ العلم أن الدَّين يبدأ به قبل الوصية والميراث.
رُويَ عن عليٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: تقرءون الوصية قبل الدَّين، وقضى مُحَمَّد - عليه الصلاة والسلام - بالدَّين قبل الوصية.
47
ورُويَ عن عليٍّ - رضي اللَّه عنه - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الدَّيْنُ قَبلَ الوَصِيةِ، وَالْوَصِيةُ قَبلَ المِيرَاثِ، وَلَا وَصِيةَ لِوَارِثٍ ".
وأجمعوا أنه إذا قضى الدَّين - دفع إلى أهل الوصايا وصاياهم إلا أن تجاوز الثلث فترد إلى الثلث؛ إن لم يجز الورثة، ويقسم الثلثان بين الورثة على فرائض اللَّه تعالى.
وليس معنى قول اللَّه - تعالى -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) - أن يخرج الثلث، فيبدأ بدفعه إلى الموصى لهم، ثم يدفع الثلثان إلى الورثة؛ لأن الموصى له شريك الورثة؛ إن هلك من المال شيء قبل القسمة ذهب من الورثة والموصى له جميعًا، ويبقى سائر المال بالشركة بينهم.
ولكن معناه: من بعد وصية إعلام أن الميراث يجري في المال بعد وضع الوصية من جملته إذا كان الثلث أو دونه، وإن لم يكن دفع ذلك إلى أصحاب الوصايا، ثم لم يذكر في الآية قدر الدَّين والوصية، ومن قولهم: إن الدِّين إذا أحاط بالتركة منع الميراث والوصية، وإذا لم يحط لم يمنع.
والوصية تجوز قدر الثلث، ولا تجوز أكثر من الثلث، إلا أن يجيز الورثة.
وأجمعوا أنه إذا قضى الدَّين - دفع إلى أهل الوصايا وصاياهم إلا أن تجاوز الثلث فترد إلى الثلث؛ إن لم يجز الورثة، ويقسم الثلثان بين الورثة على فرائض اللَّه تعالى.
وليس معنى قول اللَّه - تعالى -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) - أن يخرج الثلث، فيبدأ بدفعه إلى الموصى لهم، ثم يدفع الثلثان إلى الورثة؛ لأن الموصى له شريك الورثة؛ إن هلك من المال شيء قبل القسمة ذهب من الورثة والموصى له جميعًا، ويبقى سائر المال بالشركة بينهم.
ولكن معناه: من بعد وصية إعلام أن الميراث يجري في المال بعد وضع الوصية من جملته إذا كان الثلث أو دونه، وإن لم يكن دفع ذلك إلى أصحاب الوصايا، ثم لم يذكر في الآية قدر الدَّين والوصية، ومن قولهم: إن الدِّين إذا أحاط بالتركة منع الميراث والوصية، وإذا لم يحط لم يمنع.
والوصية تجوز قدر الثلث، ولا تجوز أكثر من الثلث، إلا أن يجيز الورثة.
48
والآية لم تخص قدرًا من الدَّين دون قدر، وكذلك الوصية، لكن تفسيره ما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " الثلُث والثلُث كثير "، وما رُوي في خبر آخر: " إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - تصَدَّقَ عَلَيكُم بِثُلُثِ أَمْوَالِكُم عِنْدَ وَفَاتِكُم زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُم لَم يَجْعَلْ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ "، وما روي في خبر آخر عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وعمر وعثمان - رضي اللَّه عنهما -: " الخُمُسُ اقْتِصادٌ، وَالرُّبُعُ جَهْدٌ، وَالثلُثُ حَيفٌ ".
ثم الوصية جوازها الاستحسان والإفضال من اللَّه تعالى، والقياس يبطلها؛ وذلك أن اللَّه - تعالى - لم يملك الخلق أَعْينَ الأموال؛ وإنما جعل الانتفاع لهم بها؛ ألا ترى أنهم نُهوا عن إضاعتها، ولو كان أعين المال لهم لكان لا مَعْنى للنَهْي عن إضاعتها؛ دل أنه إنما جعل لهم الانتفاع فيها إلى وقت موتهم، وبالموت ينقطع الانتفاع بها؛ فينظر من الأحق بها بعد الموت: الغريم صاحب الدَّين، أو الوارث، وإلا جواز الوصية الإفضال من اللَّه - تعالى - على عباده بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللهَ تَصَدقَ عَلَيكُم بِثُلُثِ أَمْوَالِكُم عِنْدَ وَفَاتِكُم "؛ دل هذا الخبر أن جوازها الإفضال والاستحسان منه إلى عباده، واللَّه أعلم.
وقوله - تعالى -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) -يدل على أن ما ليس بدين ولم
ثم الوصية جوازها الاستحسان والإفضال من اللَّه تعالى، والقياس يبطلها؛ وذلك أن اللَّه - تعالى - لم يملك الخلق أَعْينَ الأموال؛ وإنما جعل الانتفاع لهم بها؛ ألا ترى أنهم نُهوا عن إضاعتها، ولو كان أعين المال لهم لكان لا مَعْنى للنَهْي عن إضاعتها؛ دل أنه إنما جعل لهم الانتفاع فيها إلى وقت موتهم، وبالموت ينقطع الانتفاع بها؛ فينظر من الأحق بها بعد الموت: الغريم صاحب الدَّين، أو الوارث، وإلا جواز الوصية الإفضال من اللَّه - تعالى - على عباده بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللهَ تَصَدقَ عَلَيكُم بِثُلُثِ أَمْوَالِكُم عِنْدَ وَفَاتِكُم "؛ دل هذا الخبر أن جوازها الإفضال والاستحسان منه إلى عباده، واللَّه أعلم.
وقوله - تعالى -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) -يدل على أن ما ليس بدين ولم
49
يوصِ به الميت- فإنه لا يخرج من ماله، ويدخل عندنا في هذا الجنس: الحج يكون على الرجل، والنذر، والزكاة، وأشباه ذلك، ليس بشيء منها دين، فإذا لم يوص الميت بها فلا يجب أن تؤدى من التركة إلا أن يُنْفِذَها الورثة.
فإن قال قائل: هي دين كسائر الديون.
قيل له: أرأيت إن كان عليه دين وزكاة: يبدأ بالدَّين أو تقسم التركة بالحصص إذا لم يف بذلك كله؟
فإن قال: يبدأ بالدَّين؛ قيل له: لو كانت الزكاة دينًا كديون الناس كانت في القضاء.
فإن قال: أجعل الزكاة أسوة في القضاء مع الديون؛ قيل له: ما تقول في رجل أفلس وعليه ديون: هل يقسم ماله بين غرمائه؟
فإن قال: نعم؛ قيل: فإن كانت عليه زكاة هل يضرب لها بسهم؟
فإن قال: لا؛ قيل: كيف ضربت لها بسهم بعد الموت لما قسمت ماله، ولم تضرب لها بسهم في الحياة، إن كانت كسائر الديون بعد الموت؟! فيجب أن تكون كسائر الديون في الحياة، إلا أن الزكاة حالة واجبة على من كان عنده مال فحال عليه الحول فاستهلكه، وليس يجوز له تأخير قضاء الدَّين. وفي إقرارك أنك تبدأ بالدَّين قبل الزكاة في الحياة دليل على أنه يجب أن يبدأ بالدَّين قبل الزكاة بعد الموت.
فَإِنْ قِيلَ: قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - للمرأة التي سألت: هل تحج عن أبيها؟: " أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ، فَقَضَيتِيهِ أَلَم يُجْزِ عَنْهُ؟ " يدل على أن الحج دَين.
قيل له: ليس فيه دلالة الوجوب عليها؛ إنما فيه دليل جواز الحج عن الميت وقبوله، إذن كان قضاء ما هو أوكد منه من ديون العباد قضاء صحيحًا؛ فالحج الذي هو دون ذلك
فإن قال قائل: هي دين كسائر الديون.
قيل له: أرأيت إن كان عليه دين وزكاة: يبدأ بالدَّين أو تقسم التركة بالحصص إذا لم يف بذلك كله؟
فإن قال: يبدأ بالدَّين؛ قيل له: لو كانت الزكاة دينًا كديون الناس كانت في القضاء.
فإن قال: أجعل الزكاة أسوة في القضاء مع الديون؛ قيل له: ما تقول في رجل أفلس وعليه ديون: هل يقسم ماله بين غرمائه؟
فإن قال: نعم؛ قيل: فإن كانت عليه زكاة هل يضرب لها بسهم؟
فإن قال: لا؛ قيل: كيف ضربت لها بسهم بعد الموت لما قسمت ماله، ولم تضرب لها بسهم في الحياة، إن كانت كسائر الديون بعد الموت؟! فيجب أن تكون كسائر الديون في الحياة، إلا أن الزكاة حالة واجبة على من كان عنده مال فحال عليه الحول فاستهلكه، وليس يجوز له تأخير قضاء الدَّين. وفي إقرارك أنك تبدأ بالدَّين قبل الزكاة في الحياة دليل على أنه يجب أن يبدأ بالدَّين قبل الزكاة بعد الموت.
فَإِنْ قِيلَ: قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - للمرأة التي سألت: هل تحج عن أبيها؟: " أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ، فَقَضَيتِيهِ أَلَم يُجْزِ عَنْهُ؟ " يدل على أن الحج دَين.
قيل له: ليس فيه دلالة الوجوب عليها؛ إنما فيه دليل جواز الحج عن الميت وقبوله، إذن كان قضاء ما هو أوكد منه من ديون العباد قضاء صحيحًا؛ فالحج الذي هو دون ذلك
50
في التأكيد أحرى أن يقبل؛ كأنه أراد هذا، واللَّه أعلم.
ودليل آخر: أن الزكاة لا تجوز أن تؤدى عن الميت إذا لم يوص بها؛ لأن الزكاة لا تؤدى إلا بنية المزكي، والنية عمل القلب، ولا خلاف في أنه لا يُصَلَّى عن الميت ولا يصام عنه؛ فلما لم يجز أن يُقْضَى عن الميت على الأبدان، لم يجز أن تقوم نية الورثة في أداء الزكاة مقام نية الميت.
قال الشيخ - رحمه اللَّه تعالى - في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) وظاهره أنه يقدم الوصية على الميراث، لكن أجمع أن الابتداء به عن حق حد الميراث، ولكن يوزع؛ فيخرج التأويل على وجوه:
أحدها: أن قوله - تعالى -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ...) إلى قوله: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) -كأنه سوى، أي: سواء مالُكُمْ: أن توصوا، أوصاكم اللَّه فيه- بكذا.
والثاني: أن يكون (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ)، أي: من بعد ما أوصيتم، ويكون الميراث بعد الإيصاء.
ويحتمل: من بعد أن كان عليكم الإيصاء والدَّيْنَ - أمركم بالمواريث؛ فيكون فيه نسخ قول: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)؛ فدلت هذه الآية على حجر بعض الوصايا بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (غَيْرَ مُضَارٍّ)، لكن يحتمل أن تكون المضارة تبطل الفضل، ويحتمل ألا تبطل؛ كقوله - تعالى -: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا) في الرجعة على إمضاء الرجعة على ذلك، لكن الإضرار في الرجعة
ودليل آخر: أن الزكاة لا تجوز أن تؤدى عن الميت إذا لم يوص بها؛ لأن الزكاة لا تؤدى إلا بنية المزكي، والنية عمل القلب، ولا خلاف في أنه لا يُصَلَّى عن الميت ولا يصام عنه؛ فلما لم يجز أن يُقْضَى عن الميت على الأبدان، لم يجز أن تقوم نية الورثة في أداء الزكاة مقام نية الميت.
قال الشيخ - رحمه اللَّه تعالى - في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) وظاهره أنه يقدم الوصية على الميراث، لكن أجمع أن الابتداء به عن حق حد الميراث، ولكن يوزع؛ فيخرج التأويل على وجوه:
أحدها: أن قوله - تعالى -: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ...) إلى قوله: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ) -كأنه سوى، أي: سواء مالُكُمْ: أن توصوا، أوصاكم اللَّه فيه- بكذا.
والثاني: أن يكون (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ)، أي: من بعد ما أوصيتم، ويكون الميراث بعد الإيصاء.
ويحتمل: من بعد أن كان عليكم الإيصاء والدَّيْنَ - أمركم بالمواريث؛ فيكون فيه نسخ قول: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)؛ فدلت هذه الآية على حجر بعض الوصايا بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (غَيْرَ مُضَارٍّ)، لكن يحتمل أن تكون المضارة تبطل الفضل، ويحتمل ألا تبطل؛ كقوله - تعالى -: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا) في الرجعة على إمضاء الرجعة على ذلك، لكن الإضرار في الرجعة
51
مقصود، وفي هذا مفضول، فيمكن التفريق بين الأمرين، فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ...) الآيتين، وأوعد جهنم على تعدي هذه الحدود، وفي ذلك لا يحتمل مع جواز الفضل، وأيد ذلك قوله: (فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ...) الآية، ولو كان يجوز لكان لا يملك معه الإصلاح؛ فثبت أن من الوصايا ما يبطل مع ما كان اللَّه ذكر في المواريث: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)؛ فلا يُملك إبطال فريضة اللَّه، وبالإذن منه يجوز فعله؛ لذلك يبطل بعض وصاياه.
والأصل في ذلك أن الأموال أنشئت للأحياء؛ وخُلقت لمنافع الأحياء، فكأنهم ملكوا منافعها إلى انقضاء آجالهم، ثم صارت إلى مَن به ملكوها، يجعلها لمن يشاء، ويضعها عند من يشاء.
وقد بين - عَزَّ وَجَلَّ - أنها: لمن، ومن أحق بها؛ فصار الموصي كأنه أوصى بحق مَنْ بَيّن أن مُحِقَّه فيه غيرُهُ، فإن تفضل اللَّه عليه في ذلك من شيء، وإلا فذلك كسائر الأملاك التي بينت أربابها، لم يكن لغيرهم فيها حق إلا بجعل اللَّه أو جعل من له؛ فعلى ذلك هذا قد جاء عن اللَّه بيان هذه بعد أن بينت هذه الآيات جعل الحق له إلى الثلث، فذلك له صدقة من اللَّه - تعالى - وفي الفضل إن أجاز المجعول له جاز، وإلا لا، واللَّه أعلم.
فجعلت للوصية حدًّا، ولم تجعل للدِّين؛ لأن الدِّين مما يتصل بحوائجه في حال حياته؛ إذ هو يلزم بالأسباب التي بها معاشه وغذاؤه؛ فصار مقدمًا على المتروك في الحكم، وإنما جُعلت المواريث في المتروك مع ما كان الغرماء أحق بملكه في حياته بعجزه عن كثير من المعروف في مرضه بهم، فلو لم يكن لهم الحق لامتنعوا من المداينات إلا بوثائق يكونون هم أحق بها بعد الوفاة من الورثة، أو يمتنعون من المداينات، وفي ذلك تقصير القوت والأغذية عن مضي الأجل، وهو به مأمور؛ فجعلت الديون كأنها استحقت الإملاك في حال الحياة؛ فلم تجئ منهم التركة، وليس كالعبادات؛ لأنها تجب في الفضول عن الحاجات، والديون في الأصول، فليست العبادات بالتي تمنع الوفاء بالآجال ولا كان بأربابها إليها تلك الضرورات؛ فإنما هي بحق القرب، وهي عمل الأحياء، فإذا ماتوا زال الإمكان، وجرت في الأموال المواريث، وكذا المعروف من الدِّين المذكور في القرآن من قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا
والأصل في ذلك أن الأموال أنشئت للأحياء؛ وخُلقت لمنافع الأحياء، فكأنهم ملكوا منافعها إلى انقضاء آجالهم، ثم صارت إلى مَن به ملكوها، يجعلها لمن يشاء، ويضعها عند من يشاء.
وقد بين - عَزَّ وَجَلَّ - أنها: لمن، ومن أحق بها؛ فصار الموصي كأنه أوصى بحق مَنْ بَيّن أن مُحِقَّه فيه غيرُهُ، فإن تفضل اللَّه عليه في ذلك من شيء، وإلا فذلك كسائر الأملاك التي بينت أربابها، لم يكن لغيرهم فيها حق إلا بجعل اللَّه أو جعل من له؛ فعلى ذلك هذا قد جاء عن اللَّه بيان هذه بعد أن بينت هذه الآيات جعل الحق له إلى الثلث، فذلك له صدقة من اللَّه - تعالى - وفي الفضل إن أجاز المجعول له جاز، وإلا لا، واللَّه أعلم.
فجعلت للوصية حدًّا، ولم تجعل للدِّين؛ لأن الدِّين مما يتصل بحوائجه في حال حياته؛ إذ هو يلزم بالأسباب التي بها معاشه وغذاؤه؛ فصار مقدمًا على المتروك في الحكم، وإنما جُعلت المواريث في المتروك مع ما كان الغرماء أحق بملكه في حياته بعجزه عن كثير من المعروف في مرضه بهم، فلو لم يكن لهم الحق لامتنعوا من المداينات إلا بوثائق يكونون هم أحق بها بعد الوفاة من الورثة، أو يمتنعون من المداينات، وفي ذلك تقصير القوت والأغذية عن مضي الأجل، وهو به مأمور؛ فجعلت الديون كأنها استحقت الإملاك في حال الحياة؛ فلم تجئ منهم التركة، وليس كالعبادات؛ لأنها تجب في الفضول عن الحاجات، والديون في الأصول، فليست العبادات بالتي تمنع الوفاء بالآجال ولا كان بأربابها إليها تلك الضرورات؛ فإنما هي بحق القرب، وهي عمل الأحياء، فإذا ماتوا زال الإمكان، وجرت في الأموال المواريث، وكذا المعروف من الدِّين المذكور في القرآن من قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا
52
أَوْ دَيْنٍ) - أن العبادات لا توصف بالديون، ولا تفهم من إطلاق القول بالديون؛ فصارت بمعنى الفضل عن الوصايا والديون إلى أن يؤجل، وهو الحقيقة؛ ألا يكون للمولى على عبده دين؛ فيكون المذكور دينا في الأفعال؛ كما ذكرت العِدَاتُ دَيْنًا في الأخلاق، لا في حقيقة الذمم، مع ما كانت هي لله، وقد جعل اللَّه له فريضة لأقوام بأعيانهم، لا تمنع عنهم إلا بالوصية، كما جعل للموصي.
وعلى أن العبادات لا تقوم إلا بالبينات، ولا تؤدى عن أحد في حياته إلا بأمره، وإن احتمل قيام بعض منها عن بعض، وسائر الديون تجوز دونه؛ فعلى ذلك بعد الوفاة، وإن كان كل ما يؤدى به فهو الذي حدث به الوصية، وقد جاء الحد لها مع ما كانت العبادات لا تحتمل لحوق الأموات ولا الإيجاب عليهم في أموالهم، ثبت أنها حقوق الحياة خاصة، والديون تحتمل، فهي حقوقهم في الحالين.
ثم قد ذكر في الدِّين (غَيْرَ مُضَارٍّ)؛ بل الدَّين أقرب إلى حرف الثنيا، ومعلوم أنه لا يقع منه في الديون الظاهرة المعلومة مضارة بالورثة إن كان يقع، يقع في الغرماء؛ إذ يؤخذ منه بلا إيصاء، ولا يحتمل النهي من حيث الغرماء؛ لما فيه إلزام المكاسب في أوقات العجز لقضاء الديون؛ فثبت أن ذلك فيما لا يعرف من الديون؛ وإنما يرجع فيها إلى قوله؛ فبطل بالذي ذكرته جواز إقراره على كل حال لكل أحد؛ إذ لا ضرر يقع من حيث فعله فيرد، وقد بينا أن المضارة في هذا تمنع الجواز؛ فثبت أن من الإقرار ما لا يجوز، فقال أصحابنا - رحمهم اللَّه -: لا يجوز إقراره لبعض الورثة وقت الإياس من نفسه؛ لأنه
وعلى أن العبادات لا تقوم إلا بالبينات، ولا تؤدى عن أحد في حياته إلا بأمره، وإن احتمل قيام بعض منها عن بعض، وسائر الديون تجوز دونه؛ فعلى ذلك بعد الوفاة، وإن كان كل ما يؤدى به فهو الذي حدث به الوصية، وقد جاء الحد لها مع ما كانت العبادات لا تحتمل لحوق الأموات ولا الإيجاب عليهم في أموالهم، ثبت أنها حقوق الحياة خاصة، والديون تحتمل، فهي حقوقهم في الحالين.
ثم قد ذكر في الدِّين (غَيْرَ مُضَارٍّ)؛ بل الدَّين أقرب إلى حرف الثنيا، ومعلوم أنه لا يقع منه في الديون الظاهرة المعلومة مضارة بالورثة إن كان يقع، يقع في الغرماء؛ إذ يؤخذ منه بلا إيصاء، ولا يحتمل النهي من حيث الغرماء؛ لما فيه إلزام المكاسب في أوقات العجز لقضاء الديون؛ فثبت أن ذلك فيما لا يعرف من الديون؛ وإنما يرجع فيها إلى قوله؛ فبطل بالذي ذكرته جواز إقراره على كل حال لكل أحد؛ إذ لا ضرر يقع من حيث فعله فيرد، وقد بينا أن المضارة في هذا تمنع الجواز؛ فثبت أن من الإقرار ما لا يجوز، فقال أصحابنا - رحمهم اللَّه -: لا يجوز إقراره لبعض الورثة وقت الإياس من نفسه؛ لأنه
53
وقت الإيثار، والسخاء بما عنده من المال، ولوقت السخاء ما أبطل وصيته للوارث بما يخرج مخرج الإيثار، فنحن إذا أجزنا إقراره فيهن لنظره لم يمنع الوصية أن ينتفع؛ بل يذهب الكل، وفي الأول لم يكن يذهب، واللَّه أعلم.
ثم الأصل أنه أجيز في الكل بحق الأمانة، ووصيته بحق الفضل ثم جعل في وارثه كمن لا ملك له؛ إذ قد يقصد به التفضيل والتخصيص إلى القربة؛ فعلى ذلك فيما خان في الأمانة يجعل كمن لا أمانة له لما يخرج، على ما بينا، وإسقاط الأخبار؛ لتوهم من الأمناء أوجد في الأحكام، ومن إسقاط المعروف عن الأملاك، واللَّه أعلم.
وعلى ذلك فيما كانت عليه ديون ظاهرة قد يبقى الضرر بأهلها لبعض من له بشأنه عناية، وفيما بينهما حقوق تحث على المعروف والصلة له وقت السخاء بماله، وللعلم بأنه عن الانتفاع به عاجز؛ فيقر لهم ذلك بتهم في الحقوق التي ظهرت، ثم كانت عبادات الأموال قد تقام عن الأموات بالأمر، ولا تقام عبادات الأفعال لوجهين:
أحدهما: جواز بعض في أحد عن بعض النوعين فيما للعباد بلا أمر في الحياة، ولا يجوز في الآخر؛ فمثله العبادات بالأمر.
والثاني: أن السبب الذي به تجب عبادات الأموال قد يجوز أن يوجب على نفر بالتحول من ملك إلى ملك، وما له تجب عبادات الأفعال يجوز فعل ذلك حق القيام بالأفعال، وعلى ذلك النيات؛ إذ ليست من الحقوق التي تتصل بالأموال في شيء من الأمور لم يقم بها أحد عن أحد، لذلك لم يجز إلا بأمر؛ فيكون الأمر بالأمر لما أمرنا به نادرا، واللَّه أعلم.
وقوله - تعالى -: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا).
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: هذا في الدنيا، وهو أن يلزم الابن نفقة والده عند الحاجة والقيام بأمره، والأب يلزم أن ينفق على ولده في حال صغره، وعند الحاجة إليه، والقيام بحفظه، وتعاهده، فإذا كان ما ذكرنا لم يدر أيهما أقرب نفعًا: نفع هذا لهذا، أو هذا لهذا.
ويحتمل أن يكون قال: لا تدرون أنتم أي نفع أقرب إليكم: نفع الآباء أو الأبناء، فإن كان التأويل ما ذكرنا؛ ففيه دلالة بطلان شهادة الوالد لولده، وشهادة الولد لوالده؛ إذ
ثم الأصل أنه أجيز في الكل بحق الأمانة، ووصيته بحق الفضل ثم جعل في وارثه كمن لا ملك له؛ إذ قد يقصد به التفضيل والتخصيص إلى القربة؛ فعلى ذلك فيما خان في الأمانة يجعل كمن لا أمانة له لما يخرج، على ما بينا، وإسقاط الأخبار؛ لتوهم من الأمناء أوجد في الأحكام، ومن إسقاط المعروف عن الأملاك، واللَّه أعلم.
وعلى ذلك فيما كانت عليه ديون ظاهرة قد يبقى الضرر بأهلها لبعض من له بشأنه عناية، وفيما بينهما حقوق تحث على المعروف والصلة له وقت السخاء بماله، وللعلم بأنه عن الانتفاع به عاجز؛ فيقر لهم ذلك بتهم في الحقوق التي ظهرت، ثم كانت عبادات الأموال قد تقام عن الأموات بالأمر، ولا تقام عبادات الأفعال لوجهين:
أحدهما: جواز بعض في أحد عن بعض النوعين فيما للعباد بلا أمر في الحياة، ولا يجوز في الآخر؛ فمثله العبادات بالأمر.
والثاني: أن السبب الذي به تجب عبادات الأموال قد يجوز أن يوجب على نفر بالتحول من ملك إلى ملك، وما له تجب عبادات الأفعال يجوز فعل ذلك حق القيام بالأفعال، وعلى ذلك النيات؛ إذ ليست من الحقوق التي تتصل بالأموال في شيء من الأمور لم يقم بها أحد عن أحد، لذلك لم يجز إلا بأمر؛ فيكون الأمر بالأمر لما أمرنا به نادرا، واللَّه أعلم.
وقوله - تعالى -: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا).
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: هذا في الدنيا، وهو أن يلزم الابن نفقة والده عند الحاجة والقيام بأمره، والأب يلزم أن ينفق على ولده في حال صغره، وعند الحاجة إليه، والقيام بحفظه، وتعاهده، فإذا كان ما ذكرنا لم يدر أيهما أقرب نفعًا: نفع هذا لهذا، أو هذا لهذا.
ويحتمل أن يكون قال: لا تدرون أنتم أي نفع أقرب إليكم: نفع الآباء أو الأبناء، فإن كان التأويل ما ذكرنا؛ ففيه دلالة بطلان شهادة الوالد لولده، وشهادة الولد لوالده؛ إذ
54
أخبر أن لهذا نفعًا في مال هذا ولهذا نفعًا في مال هذا، فإذا ثبت النفع لم تقبل شهادة من ئنتفع بشهادته؛ ولهذا قال أبو حنيفة - رضي اللَّه عنه -: لا يجوز للوكيل بالبيع أو الشراء أن يبيع من أبيه، أو ابنه، أو والدته؛ لما ينتفع ببيعه منه وبالشرى منه. وكذلك قالوا: إذا اشترى من هَؤُلَاءِ فليس له أن يبيع مرابحة، إلا أن يبين؛ لأنه ينتفع به.
وقيل: هذا في الآخرة.
ورُوي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه -: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)، يقول: أطوعكم لله من الآباء والأبناء: أرفعكم درجة عند اللِّه يوم القيامة؛ لأنه - تعالى - يُشَفعُ المؤمنين بعضهم في بعض.
وقيل: قوله: (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ) أنتم في الدنيا (أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)، يقول: أخصّ لكم نفعًا في الآخرة في الدرجات الوالد لولده، أو الولد لوالده؛ إذ هم في الدنيا لا يدرون أيهم أقرب لصاحبه نفعًا في الآخرة حتى يرجعوا في الآخرة قال: فإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة من ولده رفع اللَّه - تعالى - إليه ولده في درجته؛ لتقر بذلك عينه، وإن كان الولد أرفع درجة من والده رفع اللَّه - تعالى - الوالدين إلى الولد في درجته؛ لتقر بذلك
وقيل: هذا في الآخرة.
ورُوي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه -: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)، يقول: أطوعكم لله من الآباء والأبناء: أرفعكم درجة عند اللِّه يوم القيامة؛ لأنه - تعالى - يُشَفعُ المؤمنين بعضهم في بعض.
وقيل: قوله: (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ) أنتم في الدنيا (أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)، يقول: أخصّ لكم نفعًا في الآخرة في الدرجات الوالد لولده، أو الولد لوالده؛ إذ هم في الدنيا لا يدرون أيهم أقرب لصاحبه نفعًا في الآخرة حتى يرجعوا في الآخرة قال: فإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة من ولده رفع اللَّه - تعالى - إليه ولده في درجته؛ لتقر بذلك عينه، وإن كان الولد أرفع درجة من والده رفع اللَّه - تعالى - الوالدين إلى الولد في درجته؛ لتقر بذلك
55
أعينهم برفع الأسفل إلى الأعلى والأدون إلى الأفضل، وهو كقوله - تعالى -: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ)، يعني: بإيمان الآباء، (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ)، يعني الآباء (مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ).
ويحتمل أن يكون هذا في الشفاعة، أو لا يدرى ما ذلك النفع وما مقداره.
أو يحتمل قوله: (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا): ليس على حقيقة القرب؛ ولكن على الكبر والعظم، وقد يتكلم بهذا كقوله: (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا): ليس على أن آية هي أكبر من أخرى، ولكن على وصف الكل منها بالكبر والعظم؛ فعلى ذلك قوله: (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) على وصف كل منهم بالنفع؛ على الإعظام والإكبار، واللَّه أعلم.
ويحتمل قوله - تعالى -: (أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)، أي: أوجب؛ كقوله: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، أي: واجب للمحسنين، وغيره من الآيات.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)
سمى اللَّه - تعالى - المواريث فرائض؛ لأنه كان بإيجاب اللَّه - تعالى - لا باكتساب من الخلق؛ إذ لم يملك الخلق أعين هذه الأموال، ولكنه إنما ملكهم المنافع منها، وإلى وقت وفاتهم فإذا ماتوا صار ذلك المال للذي جعل اللَّه له؛ لذلك سمى فرائض.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) ببدو حالهم ومعاشهم ومصالحهم، وما يصلح لهم وما لا يصلح (حَكِيمًا) فيما فرض من قسمتها وبينها.
والحكيم: هو المصيب واضع كل شيء في موضعه، والظالم: هو واضع الشيء في غير موضعه.
* * *
قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى
ويحتمل أن يكون هذا في الشفاعة، أو لا يدرى ما ذلك النفع وما مقداره.
أو يحتمل قوله: (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا): ليس على حقيقة القرب؛ ولكن على الكبر والعظم، وقد يتكلم بهذا كقوله: (وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا): ليس على أن آية هي أكبر من أخرى، ولكن على وصف الكل منها بالكبر والعظم؛ فعلى ذلك قوله: (لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) على وصف كل منهم بالنفع؛ على الإعظام والإكبار، واللَّه أعلم.
ويحتمل قوله - تعالى -: (أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا)، أي: أوجب؛ كقوله: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، أي: واجب للمحسنين، وغيره من الآيات.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)
سمى اللَّه - تعالى - المواريث فرائض؛ لأنه كان بإيجاب اللَّه - تعالى - لا باكتساب من الخلق؛ إذ لم يملك الخلق أعين هذه الأموال، ولكنه إنما ملكهم المنافع منها، وإلى وقت وفاتهم فإذا ماتوا صار ذلك المال للذي جعل اللَّه له؛ لذلك سمى فرائض.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) ببدو حالهم ومعاشهم ومصالحهم، وما يصلح لهم وما لا يصلح (حَكِيمًا) فيما فرض من قسمتها وبينها.
والحكيم: هو المصيب واضع كل شيء في موضعه، والظالم: هو واضع الشيء في غير موضعه.
* * *
قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى
56
بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ...) إلى آخر ما ذكر: فيه مراد الخصوص، وإن كان مخرج الخطاب عافا؛ لأن الزوج أو الزوجة إذا لم يكن على دين صاحبه وعلى وصفه لم يجز بينهما التوارث؛ دل أن ليس لأحد الاحتجاج بعموم المخرج، على ما ذكرنا في الولد والوالد والأم وغيرهم: أنه إذا لم يكن بعضهم على وصف بعض لم يجز بينهما التوارث؛ دل أن عموم مخرج الخطاب لا يدل على عموم المراد، ثم الآية معطوفة على ما سبق من الآيات؛ لأنها ذُكرت بحرف العطف والنسق بقوله: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) والربع إن كان لهن ولد (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ)، والثمن إن كان لكم ولد، فبين في الآية الأولى ميراث الأب والأم وميراث الأولاد، ولم يبن ميراث الأزواج، ثم بين في هذه الآية؛ فنسق على الأول؛ دل أن الأزواج والزوجات إذا كانوا معهم فإن الحكم لا يختلف فيهم، يكون للأم الثلث إذا لم يكن هنالك ولد ولا اثنان من الإخوة والأخوات فصاعدا، والسدس إن كان له ولد أو اثنان من الإخوة والأخوات يكون لها مع هَؤُلَاءِ ثلث ما بقي، حيث نسق هذه على السابقة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً)
اختلف في الكلالة:
قَالَ بَعْضُهُمْ: الكلالة: الميت الذي لا ولد له ولا والد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ...) إلى آخر ما ذكر: فيه مراد الخصوص، وإن كان مخرج الخطاب عافا؛ لأن الزوج أو الزوجة إذا لم يكن على دين صاحبه وعلى وصفه لم يجز بينهما التوارث؛ دل أن ليس لأحد الاحتجاج بعموم المخرج، على ما ذكرنا في الولد والوالد والأم وغيرهم: أنه إذا لم يكن بعضهم على وصف بعض لم يجز بينهما التوارث؛ دل أن عموم مخرج الخطاب لا يدل على عموم المراد، ثم الآية معطوفة على ما سبق من الآيات؛ لأنها ذُكرت بحرف العطف والنسق بقوله: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) والربع إن كان لهن ولد (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ)، والثمن إن كان لكم ولد، فبين في الآية الأولى ميراث الأب والأم وميراث الأولاد، ولم يبن ميراث الأزواج، ثم بين في هذه الآية؛ فنسق على الأول؛ دل أن الأزواج والزوجات إذا كانوا معهم فإن الحكم لا يختلف فيهم، يكون للأم الثلث إذا لم يكن هنالك ولد ولا اثنان من الإخوة والأخوات فصاعدا، والسدس إن كان له ولد أو اثنان من الإخوة والأخوات يكون لها مع هَؤُلَاءِ ثلث ما بقي، حيث نسق هذه على السابقة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً)
اختلف في الكلالة:
قَالَ بَعْضُهُمْ: الكلالة: الميت الذي لا ولد له ولا والد.
57
وعن الحسن أنه قال: الكلالة: الإخوة والأخوات من الأب والأم، أو الإخوة والأخوات من الأب، ذهب في ذلك إلى ما ذكر في آية أخرى قوله: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ...) إلى آخر ما ذكر. والنصف إنما يكون للأخت من الأب والأم، أو الأخت من الأب، وذلك تفسير الكلالة؛ دل أنها الإخوة والأخوات من الأب والأم، أو من الأب.
وروي عن أبي بكر الصديق - رضي اللَّه عنه - أنه قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
وروي عن عمر - رضي اللَّه عنه - أنه قال: لقد أتى عليَّ زمان وما أدري ما الكلالة، ألا وإن الكلالة ما لم يكن له ولد ولا والد.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
وروي عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في خطبته: ألا إن الآية التي أنزلها اللَّه - تعالى - في أول سورة النساء في شأن الفرائض أنزلها في الولد والوالد، والآية الثانية أنزلها في الزوج والمرأة، والإخوة من الأم، والآية التي ختم بها سورة النساء أنزلها في الإخوة من الأب والأم، والآية التي في سورة الأنفال في: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)، مما جرت في الرحم من العصبة.
وروي عن عمر - رضي اللَّه عنه - أنه قال: إذا كانت الكلالة بعضهم أقرب من بعض بأبٍ فهو أحق بالمال.
وروي عن أبي بكر الصديق - رضي اللَّه عنه - أنه قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
وروي عن عمر - رضي اللَّه عنه - أنه قال: لقد أتى عليَّ زمان وما أدري ما الكلالة، ألا وإن الكلالة ما لم يكن له ولد ولا والد.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الكلالة ما خلا الولد والوالد.
وروي عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال في خطبته: ألا إن الآية التي أنزلها اللَّه - تعالى - في أول سورة النساء في شأن الفرائض أنزلها في الولد والوالد، والآية الثانية أنزلها في الزوج والمرأة، والإخوة من الأم، والآية التي ختم بها سورة النساء أنزلها في الإخوة من الأب والأم، والآية التي في سورة الأنفال في: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)، مما جرت في الرحم من العصبة.
وروي عن عمر - رضي اللَّه عنه - أنه قال: إذا كانت الكلالة بعضهم أقرب من بعض بأبٍ فهو أحق بالمال.
58
وحديث عمر هذا يبين أن الكلالة، اسم يقع على الإخوة من الأم ويقع على الإخوة من الأب، ويقع على الإخوة من الأب والأم، وهو ما ذكرنا في قول أبي بكر الصديق وعمر - رضي اللَّه عنهما - أن الكلالة ما عدا الولد والوالد، فكانوا يذهبون - واللَّه أعلم - أن الأعمام وبني الأعمام يرجعون في النسب مع الميت إلى جده، وقد تكللهم الجد، وكذلك الأخوال والخالات وأولادهم يرجعون مع الميت إلى جده أبي أمه، وقد تكللهم أبو الأم؛ فسبيلهم في ذلك سبيل الإخوة والأخوات الذين تكللهم الأب والأم، إلا أنهم لما كانوا أبعد في النسب من الإخوة والأخوات لم يرثوا معهم، فأجمعوا أن معنى قوله - سبحانه وتعالى -: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ)، هو في الأخت من الأب والأم، أو من الأب، إذا مات الرجل ولا ولد له ذكر ولا أنثى يعطى الأخت النصف تسمية، فقال قوم من الشيعة: الآية تدل على أنه إن ترك ابنة وأختا أن المال كله للابنة، ولا شيء للأخت؛ لأن اللَّه - تعالى - جعل لها الميراث إذا لم يكن له ولد؛ فسوى الذكر والأنثى من الأولاد.
وليس الأمر كما قالوا؛ لأنا إذا جعلنا للابنة النصف وجعلنا ما بقي للأخت فلم نعطها ما أعطيناها بالتسمية؛ ألا ترى أنه لو كانتا أختين كان لهما عندنا ما بقي، ولو جعلنا ذلك لهما تسمية، أعطيناهما الثلثين؛ لأن اللَّه - تعالى - جعل لهما الثلثين بالتسمية، وليس سبيل ما تأخذه الأخت بالتسمية لا ينقص منها شيئًا ما تأخذه من الباقي بغير تسمة؛ ألا ترى أن اللَّه - تعالى - جعل للأبوين السدسين مع الولد، فإن كانت ابنة وأبًا فلها النصف، وما بقي للأب، فقد أعطينا الأب أكثر مما سمى اللَّه - تعالى - ولكنا لم نعطه الزيادة بالتسمية؛ فلم يلزمنا الخلاف في زيادثه، فإن خالفونا في ذلك، قيل: قد سبق لذلك جواب ما يدل على أن الأب بالباقي أولى من الابنة؛ لذلك لم نذكره في هذا الموضع.
فإن قال: الابنة أولى بما زاد على النصف؛ لأن اللَّه - تعالى - قال: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)؛ فكانت الابنة أحق بذلك من غيرها.
وليس الأمر كما قالوا؛ لأنا إذا جعلنا للابنة النصف وجعلنا ما بقي للأخت فلم نعطها ما أعطيناها بالتسمية؛ ألا ترى أنه لو كانتا أختين كان لهما عندنا ما بقي، ولو جعلنا ذلك لهما تسمية، أعطيناهما الثلثين؛ لأن اللَّه - تعالى - جعل لهما الثلثين بالتسمية، وليس سبيل ما تأخذه الأخت بالتسمية لا ينقص منها شيئًا ما تأخذه من الباقي بغير تسمة؛ ألا ترى أن اللَّه - تعالى - جعل للأبوين السدسين مع الولد، فإن كانت ابنة وأبًا فلها النصف، وما بقي للأب، فقد أعطينا الأب أكثر مما سمى اللَّه - تعالى - ولكنا لم نعطه الزيادة بالتسمية؛ فلم يلزمنا الخلاف في زيادثه، فإن خالفونا في ذلك، قيل: قد سبق لذلك جواب ما يدل على أن الأب بالباقي أولى من الابنة؛ لذلك لم نذكره في هذا الموضع.
فإن قال: الابنة أولى بما زاد على النصف؛ لأن اللَّه - تعالى - قال: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)؛ فكانت الابنة أحق بذلك من غيرها.
59
قيل له: أإن قوله - تعالى -: ، (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) - إنما أوجب أنهم أولى ببعض من الأجنبيين؛ بين ذلك قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ)؛ لأنهم كانوا يتوارثون بالهجرة، فنسخ اللَّه ذلك، وجعل الميراث لذوي القرابة. وليس في الآية دليل على أن القريب أولى بالميراث ممن هو أبعد منه في القرابة، وقال اللَّه - تعالى -: (وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ)، يقول - واللَّه أعلم -: الأخ من الأب يرث الأخت المال كله؛ إن لم يكن لها ولد، وترث من الأخ النصف إذا كان هو الميت، وقال اللَّه سبحانه وتعالى: (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ)؛ فأجمعوا أن الأختين وما زاد من الميراث سواء. وقال اللَّه - تعالى -: (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ)، فأجمعوا أن الرجل والمرأة إذا مات أحدهما وترك أخًا وأختًا فما زاد على ذلك من الذكور والإناث كان الميراث بينهم: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)؛ فهذا ما نص اللَّه - تعالى - عليه في فرائض المواريث.
وقد تكلم أهل العلم في الرد، والعول، وميراث ذوي الأرحام:
فأما ميراث ذوي الأرحام: فإن اللَّه - تعالى - قال: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)، فمن زعم أن المال لبيت المال فلم يجعل بعض الأرحام أولى ببعض؛ بل جعل الغرباء أولى بالميت من أولى الأرحام؛ فكان قول المورثين عندنا أولى، وهو قول عمر، وعلى، وعبد اللَّه بن مسعود، وجماعة من الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - إلا زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه جعل ذلك لبيت المال.
فَإِنْ قِيلَ: إن قول اللَّه - سبحانه وتعالى -: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) إنما هو فيمن سمى اللَّه لهم سهامًا.
قيل: في الخبر دليل أنه في غير الذين سمى اللَّه لهم سهامًا: ما روي عن عمر بن
وقد تكلم أهل العلم في الرد، والعول، وميراث ذوي الأرحام:
فأما ميراث ذوي الأرحام: فإن اللَّه - تعالى - قال: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)، فمن زعم أن المال لبيت المال فلم يجعل بعض الأرحام أولى ببعض؛ بل جعل الغرباء أولى بالميت من أولى الأرحام؛ فكان قول المورثين عندنا أولى، وهو قول عمر، وعلى، وعبد اللَّه بن مسعود، وجماعة من الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - إلا زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه جعل ذلك لبيت المال.
فَإِنْ قِيلَ: إن قول اللَّه - سبحانه وتعالى -: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) إنما هو فيمن سمى اللَّه لهم سهامًا.
قيل: في الخبر دليل أنه في غير الذين سمى اللَّه لهم سهامًا: ما روي عن عمر بن
60
الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " اللهُ وَرَسُولُهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ".
وروي -أيضًا- أن عمر - رضي اللَّه عنه - قضى للخالة بالثلث، وللعمة بالثلثين.
وعن زر بن حبيش، عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قسم الميراث بين العمة والخالة.
وعن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الخالة والدة.
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال في العمة والخالة: للعمة الثلثان، وللخالة الثلث.
فأخذ علماؤنا في ذلك بما رُوي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وعن الأجِلَّة من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - وكان ذلك موافقا لظاهر الآية وعمومها، وكان اتباع ذلك عندهم أولى من غيره.
فأما الكلام في العول: فإن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - كان ينكره، ويقول: لا تعول
الفريضة.
وكان علي وعبد اللَّه وزيد بن ثابت يقولون بعول الفرائض.
وروي عن الحارث قال: ما رأيت أحدًا قط أحسب من علي بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه - أتاه آت، فقال: يا أمير المؤمنين، رجل مات وترك ابنتيه وأبويه وامرأته، ما لامرأته؟ قال: صار ثمنها تسعًا.
وكان ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - يكره أن ينقص الأب من السدس، وقد سمى اللَّه - تعالى - له السدس، ثم لم يمض على هذا الأصل؛ لأنه قال في الابنتين وأبوين وامرأته: للمرأة الثمن، وللأبوين السدسان، وما بقي فللابنتين؛ فنقص الابنتين مما سمى اللَّه لهما،
وروي -أيضًا- أن عمر - رضي اللَّه عنه - قضى للخالة بالثلث، وللعمة بالثلثين.
وعن زر بن حبيش، عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قسم الميراث بين العمة والخالة.
وعن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الخالة والدة.
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال في العمة والخالة: للعمة الثلثان، وللخالة الثلث.
فأخذ علماؤنا في ذلك بما رُوي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وعن الأجِلَّة من الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - وكان ذلك موافقا لظاهر الآية وعمومها، وكان اتباع ذلك عندهم أولى من غيره.
فأما الكلام في العول: فإن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - كان ينكره، ويقول: لا تعول
الفريضة.
وكان علي وعبد اللَّه وزيد بن ثابت يقولون بعول الفرائض.
وروي عن الحارث قال: ما رأيت أحدًا قط أحسب من علي بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه - أتاه آت، فقال: يا أمير المؤمنين، رجل مات وترك ابنتيه وأبويه وامرأته، ما لامرأته؟ قال: صار ثمنها تسعًا.
وكان ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - يكره أن ينقص الأب من السدس، وقد سمى اللَّه - تعالى - له السدس، ثم لم يمض على هذا الأصل؛ لأنه قال في الابنتين وأبوين وامرأته: للمرأة الثمن، وللأبوين السدسان، وما بقي فللابنتين؛ فنقص الابنتين مما سمى اللَّه لهما،
61
فلم كانتا أولى بالنقصان كله من غيرهما؟
وسائر الصحابة أدخلوا النقصان على كل وارث بقدر نصيبه؛ لئلا يلحق النقصان على بعض، ويأخذ البقية كمال نصيبهم، وجعلوا ذلك كقوم أوصى لهم رجل بوصايا تتجاوز الثلث إذا جمعت؛ فالحكم أن يقسم الثلث بينهم بالحصص، وكقوم صح لهم دَيْن على ميت، وتركته لا تفي بذلك؛ فهم جميعًا أسوة: يلحق كل واحد منهم النقصان بقدر حصته.
وأما الردُّ: فإن عليًّا - رضي اللَّه عنه - وعبد اللَّه - رضي اللَّه عنه - قالا به، على اختلافهما فيمن يرد عليه، وسبيل ذلك سبيل ذوي الأرحام؛ لأن ذا الرحم بباقي المال أولى من الأجنبيين؛ بقول اللَّه - سبحانه وتعالى -: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)؛ فمن لا رحم له فلا حق له غير سهمه.
وليس في الزوج والزوجة خلاف بين أهل العلم أنه لا يرد عليهما، ولأن في الآية دليل الرد على غير الزوجين من أهل السهام ومنعَ الرد عليهما؛ لأنه - عَزَّ وَجَلَّ - ذكر للأبوين السدسين إذا كان له ولد، وسمى للأم الثلث إذا لم يكن له ولد، ولم يسم للأب شيئًا؛ فيرد الباقي عليه، وكذلك سمى للذكور من الأولاد مع الإناث نصيبًا بقوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، ولم يسم لهم شيئًا في حال الانفراد؛ فيرد الكل عليهم، ولم يترك للزوجين ذكر تسمية سهامهما في حال؛ بل ذكر سهامهما في الأحوال كلها في حال الولد، وفي حال الذي لا ولد له؛ فلذلك منع دليل الرد عليهما.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ) ومرة: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)؛ حتى يعلم أنهما واحد.
ثم ذكر المضارة في ميراث الإخوة والأخوات، ولم يذكر في الولد والوالد والزوج والزوجة؛ فهو - واللَّه أعلم - يحتمل وجهين:
يحتمل: أنه ذكر في هذا أنه بهم ختم المواريث؛ فتكون تلك المضارة كانت كالمذكورة في الأولاد، أو الوالدين والأزواج؛ إذ بذلك ختم.
ويحتمل: أنه ذكر هاهنا المضارة ولم يذكر فيما ذكرنا؛ لما في الطبع يقصد الرجل إلى مضارة الأخ والأخت ومَنْ بَعُدَ منه، ولا يقصد في المتعارف إلى مضارة الآباء والأولاد ومن ذكرنا، فإذا جاء النهي في مضارة من يُقصد في الطبع - بقصد الرجل - مضارته؛ فَلَان ينهى عنها فيما لا يقصد بالطبع أحق.
وسائر الصحابة أدخلوا النقصان على كل وارث بقدر نصيبه؛ لئلا يلحق النقصان على بعض، ويأخذ البقية كمال نصيبهم، وجعلوا ذلك كقوم أوصى لهم رجل بوصايا تتجاوز الثلث إذا جمعت؛ فالحكم أن يقسم الثلث بينهم بالحصص، وكقوم صح لهم دَيْن على ميت، وتركته لا تفي بذلك؛ فهم جميعًا أسوة: يلحق كل واحد منهم النقصان بقدر حصته.
وأما الردُّ: فإن عليًّا - رضي اللَّه عنه - وعبد اللَّه - رضي اللَّه عنه - قالا به، على اختلافهما فيمن يرد عليه، وسبيل ذلك سبيل ذوي الأرحام؛ لأن ذا الرحم بباقي المال أولى من الأجنبيين؛ بقول اللَّه - سبحانه وتعالى -: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)؛ فمن لا رحم له فلا حق له غير سهمه.
وليس في الزوج والزوجة خلاف بين أهل العلم أنه لا يرد عليهما، ولأن في الآية دليل الرد على غير الزوجين من أهل السهام ومنعَ الرد عليهما؛ لأنه - عَزَّ وَجَلَّ - ذكر للأبوين السدسين إذا كان له ولد، وسمى للأم الثلث إذا لم يكن له ولد، ولم يسم للأب شيئًا؛ فيرد الباقي عليه، وكذلك سمى للذكور من الأولاد مع الإناث نصيبًا بقوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، ولم يسم لهم شيئًا في حال الانفراد؛ فيرد الكل عليهم، ولم يترك للزوجين ذكر تسمية سهامهما في حال؛ بل ذكر سهامهما في الأحوال كلها في حال الولد، وفي حال الذي لا ولد له؛ فلذلك منع دليل الرد عليهما.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ) ومرة: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ)؛ حتى يعلم أنهما واحد.
ثم ذكر المضارة في ميراث الإخوة والأخوات، ولم يذكر في الولد والوالد والزوج والزوجة؛ فهو - واللَّه أعلم - يحتمل وجهين:
يحتمل: أنه ذكر في هذا أنه بهم ختم المواريث؛ فتكون تلك المضارة كانت كالمذكورة في الأولاد، أو الوالدين والأزواج؛ إذ بذلك ختم.
ويحتمل: أنه ذكر هاهنا المضارة ولم يذكر فيما ذكرنا؛ لما في الطبع يقصد الرجل إلى مضارة الأخ والأخت ومَنْ بَعُدَ منه، ولا يقصد في المتعارف إلى مضارة الآباء والأولاد ومن ذكرنا، فإذا جاء النهي في مضارة من يُقصد في الطبع - بقصد الرجل - مضارته؛ فَلَان ينهى عنها فيما لا يقصد بالطبع أحق.
62
ثم بيان المضارة في الوصية ما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ " وقوله: " إِنَّكَ إِنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِياءَ خَيرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُم عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ "، وما روي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ الخَيرِ سِتِّينَ سَنَةً، فَإِذَا أَوْصَى خَانَ فِي وَصِيتِه، فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ؛ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الشَرِّ سِتِّينَ سَنَةً، فَيَعْدِلُ فِي وَصِيّتهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ " ثم يقول أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اقرءوا إن شئتم: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...) إلى قوله: (عَذَابٌ مُهِينٌ)
وما روي: " الثُّلثُ حَيفٌ ".
وما روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الإضرار في الوصية من الكبائر، ثم قرأ (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ...) إلى آخره، قال: في الوصية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ).
ثم الإضرار قد يكون -أيضًا- إذا أوصى لوارث ولم يوص للباقين؛ لأنه أضر به بالوصية لبعض ورثته الباقين؛ فلا فرق بين أن يضر بعض الورثة وبين أن يضر الورثة كلهم؛ ففيه دليل بطلان الوصية لبعض الورثة دون بعض.
ثم الإضرار قد يكون بالدَّيْن على ما يكون بالوصية؛ لأنه إذا أقر المريض لبعض الورثة بدين، فإن إقراره لا يجوز كما لا تجوز وصيته، والإقرار بالدَّين أحق ألا يجوز من
وما روي: " الثُّلثُ حَيفٌ ".
وما روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: الإضرار في الوصية من الكبائر، ثم قرأ (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ...) إلى آخره، قال: في الوصية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ).
ثم الإضرار قد يكون -أيضًا- إذا أوصى لوارث ولم يوص للباقين؛ لأنه أضر به بالوصية لبعض ورثته الباقين؛ فلا فرق بين أن يضر بعض الورثة وبين أن يضر الورثة كلهم؛ ففيه دليل بطلان الوصية لبعض الورثة دون بعض.
ثم الإضرار قد يكون بالدَّيْن على ما يكون بالوصية؛ لأنه إذا أقر المريض لبعض الورثة بدين، فإن إقراره لا يجوز كما لا تجوز وصيته، والإقرار بالدَّين أحق ألا يجوز من
63
الوصية؛ لأن الإقرار في المرض جوازه بحق الأمانة؛ إذ يجوز جواز الشهادة، والشهادة أمانة، والوصية جوازها بحق الملك؛ فإذا بطلت الوصية لوارثه فإقراره له في المرض أحق أن يبطل؛ وعلى ذلك إذا كان عليه دين في الصحة، فأقر بدَين في المرض؛ فغرماء الصحة أولى بدينهم من غرماء المرض؛ لأن في ذلك إضرارًا بغرماء الصحة؛ لأن دينهم قد تعين في ماله، وتحول من الذمة إلى التركة؛ ألا ترى أنه ليس له أن يقضي غريمًا دون غريم! فإذا كان ما ذكرنا - لم يكن له قسمة المال بين غرماء الصحة وبين من أقر لهم بالدَّين في المرض؛ إذ فيه الإضرار بهم؛ إذ قد تعين حقهم؛ فلا فرق أن يكسب الضرر على الوارث وبين أن يكسب الضرر على الغرماء.
وإذا باع شيئًا بقيمته في المرض أو استقرض؛ فإنه يجوز ويبدأ به؛ لأنه يعمل للغرماء؛ إذ يقضي ديونهم مما أخذ.
وإذا تزوج أو استأجر فيكون أسوة الغرماء؛ لأنه لم يعمل لهم، إنما يعمل لنفسه، وليس فيه اكتساب الضرر على الغرماء، فيكون أسوة، ثم إذا أضر لم يجز، ويرد ذلك الضرر ويفسخ.
فَإِنْ قِيلَ: إن الرجل قد ينهى عن الإضرار في نفسه وماله، ولو فعل يجوز.
قيل: إن الإضرار إذا حصل في ملكه أو في نفسه - يُنْهي ويجوز؛ لأنه لم يضر غيره، وإذا حصل في ملك غيره لم يجز وَرُد، وهاهنا إنما حصل في ملك الورثة والغرماء؛ لذلك بطل، ولا يوصي بأكثر من الثلث، ولا يوصي لوارث، ولا يقر بحق ليس عليه مضارة للورثة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)
يحتمل قوله تعالى: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)، أي: الذي نهي عن المضارة وصيةً.
ويحتمل: الذي فرض عليكم من المواريث؛ وصية من اللَّه وفريضة منه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ).
بمن ضارَّ الوارث، وزاد على الثلث، وبمن لم يضار.
(حَلِيمٌ)
لا يعجل بالعقوبة على من ضار.
ويحتمل العليم والحليم أن يكونا سواء؛ لأن ضد (حَلِيمٌ) سفيه، وكذلك الحليم.
وإذا باع شيئًا بقيمته في المرض أو استقرض؛ فإنه يجوز ويبدأ به؛ لأنه يعمل للغرماء؛ إذ يقضي ديونهم مما أخذ.
وإذا تزوج أو استأجر فيكون أسوة الغرماء؛ لأنه لم يعمل لهم، إنما يعمل لنفسه، وليس فيه اكتساب الضرر على الغرماء، فيكون أسوة، ثم إذا أضر لم يجز، ويرد ذلك الضرر ويفسخ.
فَإِنْ قِيلَ: إن الرجل قد ينهى عن الإضرار في نفسه وماله، ولو فعل يجوز.
قيل: إن الإضرار إذا حصل في ملكه أو في نفسه - يُنْهي ويجوز؛ لأنه لم يضر غيره، وإذا حصل في ملك غيره لم يجز وَرُد، وهاهنا إنما حصل في ملك الورثة والغرماء؛ لذلك بطل، ولا يوصي بأكثر من الثلث، ولا يوصي لوارث، ولا يقر بحق ليس عليه مضارة للورثة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)
يحتمل قوله تعالى: (وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ)، أي: الذي نهي عن المضارة وصيةً.
ويحتمل: الذي فرض عليكم من المواريث؛ وصية من اللَّه وفريضة منه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ).
بمن ضارَّ الوارث، وزاد على الثلث، وبمن لم يضار.
(حَلِيمٌ)
لا يعجل بالعقوبة على من ضار.
ويحتمل العليم والحليم أن يكونا سواء؛ لأن ضد (حَلِيمٌ) سفيه، وكذلك الحليم.
64
قوله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٤)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ)
قيل: فرائض اللَّه التي أمركم بها من قسمة الميراث.
ويحتمل (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ): ما حد لنا حتى لا يجوز مجاوزتها، وقد تقدم ذكرها في سُورَةِ البقرة. وذكر حدود اللَّه، وقد يجوز أن يكون للخلق حدود، يقال: حدُّ فلان؛ فإذا لم يفهم من حدود اللَّه ما فهم من حد الخلق كيف فهم من قوله: (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، و (استَوَى إلَى السَّمَاءِ) ما فهم من استواء الخلق؟! فإذا لم يفهم من حدود اللَّه ما فهم من حد الخلق - لم يجز أن يفهم من استواء اللَّه ما يفهم من استواء الخلق، وكذلك لا يفهم من رؤية الرب ما يفهم من رؤية المخلوق، ولا يفهم من مجيئه مجيء الخلق، ولا من نزوله نزول الخلق، على ما لم يفهم من قوله - تعالى - (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) حدود الخلق؛ إذ لا فرق بين هذا وبين الأول.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) يحتمل وجهين:
أحدهما: أوامره ونواهيه، وما حَرَّم وأحلَّ.
ويحتمل: حدود شيء من ذلك؛ فيرجع تأويل الأول إلى أنفس العبادات، والثاني: إلى نهايات العبادات.
والمعروف من الحدود التي تنسب إلى الخلق وجهان:
أحدهما: نهاية المنسوب إليه، وذلك حق حد الأعيان.
والثاني: الأثر الذي يضاف إليه، وذلك حد الصفات أن يقال: حد الفعل فعل كذا، وحد البصر والسمع، يراد به الأثر الذي به يعرف، أو هنالك ما ذكر، ثم لم تكن الحدود التي أضيفت إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - على واحد من الوجهين اللذين يضافا إلى الخلق؛ إذ قد ثبت بضرورة العقل وحُجج السمع تعاليه عن المعاني التي هي معاني خلقه؛ فعلى ذلك ما أضيف إليه من طريق العقل من الاستواء، والمجيء، والرؤية - لم يجز في ذلك تصوير المعنى الذي في إضافة ذلك إلى الخلق يكون بما في ضرورة العقل والسمع جلاله وكبرياؤه عن ذلك المعنى، وباللَّه العصمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ)
قيل: فرائض اللَّه التي أمركم بها من قسمة الميراث.
ويحتمل (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ): ما حد لنا حتى لا يجوز مجاوزتها، وقد تقدم ذكرها في سُورَةِ البقرة. وذكر حدود اللَّه، وقد يجوز أن يكون للخلق حدود، يقال: حدُّ فلان؛ فإذا لم يفهم من حدود اللَّه ما فهم من حد الخلق كيف فهم من قوله: (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، و (استَوَى إلَى السَّمَاءِ) ما فهم من استواء الخلق؟! فإذا لم يفهم من حدود اللَّه ما فهم من حد الخلق - لم يجز أن يفهم من استواء اللَّه ما يفهم من استواء الخلق، وكذلك لا يفهم من رؤية الرب ما يفهم من رؤية المخلوق، ولا يفهم من مجيئه مجيء الخلق، ولا من نزوله نزول الخلق، على ما لم يفهم من قوله - تعالى - (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) حدود الخلق؛ إذ لا فرق بين هذا وبين الأول.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) يحتمل وجهين:
أحدهما: أوامره ونواهيه، وما حَرَّم وأحلَّ.
ويحتمل: حدود شيء من ذلك؛ فيرجع تأويل الأول إلى أنفس العبادات، والثاني: إلى نهايات العبادات.
والمعروف من الحدود التي تنسب إلى الخلق وجهان:
أحدهما: نهاية المنسوب إليه، وذلك حق حد الأعيان.
والثاني: الأثر الذي يضاف إليه، وذلك حد الصفات أن يقال: حد الفعل فعل كذا، وحد البصر والسمع، يراد به الأثر الذي به يعرف، أو هنالك ما ذكر، ثم لم تكن الحدود التي أضيفت إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - على واحد من الوجهين اللذين يضافا إلى الخلق؛ إذ قد ثبت بضرورة العقل وحُجج السمع تعاليه عن المعاني التي هي معاني خلقه؛ فعلى ذلك ما أضيف إليه من طريق العقل من الاستواء، والمجيء، والرؤية - لم يجز في ذلك تصوير المعنى الذي في إضافة ذلك إلى الخلق يكون بما في ضرورة العقل والسمع جلاله وكبرياؤه عن ذلك المعنى، وباللَّه العصمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
قيل: من يطع اللَّه في أداء فرائضه أوسنة رسوله.
(يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ...) إلى آخر ما ذكر.
وقيل: ومن يطع اللَّه فيما أمر ونهى، وأطاع رسوله في أمره ونهيه؛ فله ما ذكر.
وقيل: إذا أطاع اللَّه فقد أطاع رسوله، وإذا أطاع رسوله فقد أطاع اللَّه - تعالى - وهو واحد، كقوله: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) وقوله: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ) - تعالى -: فيما أمر ونهي، وحَرَّم وأحلَّ، (وَرَسُولَهُ): فيما بلغ وبين.
وقيل: ذا ليس بتفريق، لكن من الذي يطيع اللَّه هو الذي يطيع رسوله؛ لأنه إلى طاعة اللَّه - تعالى - دعاه، وعلى عبادته رغب؛ فتكون طاعتُهُ طاعتَهُ، كقوله - تعالى -: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، وكقوله - سبحانه -: (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي...) الآية.
وقوله - تعالى -: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... (١٤)
وهذا كذلك -أيضًا- إذا عصى اللَّه؛ فقد تعدى حدوده، ومن تعدى حدوده فقد عصى اللَّه.
ويحتمل قوله: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ): فيما لم ير أمره أمرًا ونهيه نهيًا، (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ)، يعني: أحكامه وشرائعه، أي: لم يرها حقًّا -:
(يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا)
وله ما ذكر.
* * *
قوله تعالى (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (١٦)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ)، (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا)
قيل: كان هذان الحكمان في أول الإسلام: الأول منهما للمرأة، والثاني للرجل.
قيل: من يطع اللَّه في أداء فرائضه أوسنة رسوله.
(يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ...) إلى آخر ما ذكر.
وقيل: ومن يطع اللَّه فيما أمر ونهى، وأطاع رسوله في أمره ونهيه؛ فله ما ذكر.
وقيل: إذا أطاع اللَّه فقد أطاع رسوله، وإذا أطاع رسوله فقد أطاع اللَّه - تعالى - وهو واحد، كقوله: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) وقوله: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ) - تعالى -: فيما أمر ونهي، وحَرَّم وأحلَّ، (وَرَسُولَهُ): فيما بلغ وبين.
وقيل: ذا ليس بتفريق، لكن من الذي يطيع اللَّه هو الذي يطيع رسوله؛ لأنه إلى طاعة اللَّه - تعالى - دعاه، وعلى عبادته رغب؛ فتكون طاعتُهُ طاعتَهُ، كقوله - تعالى -: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، وكقوله - سبحانه -: (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي...) الآية.
وقوله - تعالى -: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... (١٤)
وهذا كذلك -أيضًا- إذا عصى اللَّه؛ فقد تعدى حدوده، ومن تعدى حدوده فقد عصى اللَّه.
ويحتمل قوله: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ): فيما لم ير أمره أمرًا ونهيه نهيًا، (وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ)، يعني: أحكامه وشرائعه، أي: لم يرها حقًّا -:
(يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا)
وله ما ذكر.
* * *
قوله تعالى (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (١٥) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (١٦)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ)، (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا)
قيل: كان هذان الحكمان في أول الإسلام: الأول منهما للمرأة، والثاني للرجل.
66
وقيل: إن آية الأذى كانت في الرجل والمرأة، وآية الحبس كانت في حبس المرأة.
ويحتمل أن تكون آية الأذى في البكر في الرجل والمرأة جميعًا، وآية الحبس في الثيب في الرجل والمرأة جميعًا.
ويحتمل أن تكون آية الأذى في الرجال خاصة: فيما يأتي الذكرُ ذكرًا؛ على ما كان من فعل قوم لوط، وآية الحبس في الرجال والنساء جميعًا.
فإن كانت آية الأذى في الرجال خاصّة؛ ففيها حجة لأبي حنيفة - رضي اللَّه عنه - حيث لم يوجب على من عمل عمل قوم لوط الحدَّ؛ ولكن أوجب التعزير والأذى، وهو منسوخ إن كان في هذا، وإن كانت في الأول؛ فهي منسوخة.
ثم اختلف بما به نسخ:
فقال قوم: نسخ بقوله: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)،
لكن عندنا هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما؛ فكيف يكون به النسخ؟! ولكن نسخ عندنا بالخبر الذي روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً: البِكْرُ بِالبِكْرِ، والثيبُ بِالثيبِ، البِكْرُ يُجْلَد ويُنْفَى، والثيبُ يُجْلَدُ وَيُرجَمُ ". ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة.
فَإِنْ قِيلَ: في الآية دليل وعد النسخ بقوله: (أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا)؛ فإنما صار متسوخًا بما وعد اللَّه في الآية من النسخ، لا بالسنة.
قيل: ما من آية أو سنة كان من حكم اللَّه النسخ إلا والوعد فيه النسخ، وإن لم يكن مذكورًا؛ لأن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ؛ لأنه بدو، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية؛ فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه بوحي يكون قرآنا يتلى وبين أن ينسخه بوحي لا يكون قرآنا، وفيه أخبار كثيرة:
روي أنه رجم ماعزًا لما أقرّ بالزنا مرارًا، ورجم -أيضًا- غيره: ما روي أن عسيف الرجل زنا بامرأته، وقال: سأقضي بينكما بكتاب اللَّه تعالى، وقال: " وَاغْدُ يَا أُنَيسُ عَلَى
ويحتمل أن تكون آية الأذى في البكر في الرجل والمرأة جميعًا، وآية الحبس في الثيب في الرجل والمرأة جميعًا.
ويحتمل أن تكون آية الأذى في الرجال خاصة: فيما يأتي الذكرُ ذكرًا؛ على ما كان من فعل قوم لوط، وآية الحبس في الرجال والنساء جميعًا.
فإن كانت آية الأذى في الرجال خاصّة؛ ففيها حجة لأبي حنيفة - رضي اللَّه عنه - حيث لم يوجب على من عمل عمل قوم لوط الحدَّ؛ ولكن أوجب التعزير والأذى، وهو منسوخ إن كان في هذا، وإن كانت في الأول؛ فهي منسوخة.
ثم اختلف بما به نسخ:
فقال قوم: نسخ بقوله: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)،
لكن عندنا هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما؛ فكيف يكون به النسخ؟! ولكن نسخ عندنا بالخبر الذي روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً: البِكْرُ بِالبِكْرِ، والثيبُ بِالثيبِ، البِكْرُ يُجْلَد ويُنْفَى، والثيبُ يُجْلَدُ وَيُرجَمُ ". ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة.
فَإِنْ قِيلَ: في الآية دليل وعد النسخ بقوله: (أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا)؛ فإنما صار متسوخًا بما وعد اللَّه في الآية من النسخ، لا بالسنة.
قيل: ما من آية أو سنة كان من حكم اللَّه النسخ إلا والوعد فيه النسخ، وإن لم يكن مذكورًا؛ لأن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ؛ لأنه بدو، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية؛ فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه بوحي يكون قرآنا يتلى وبين أن ينسخه بوحي لا يكون قرآنا، وفيه أخبار كثيرة:
روي أنه رجم ماعزًا لما أقرّ بالزنا مرارًا، ورجم -أيضًا- غيره: ما روي أن عسيف الرجل زنا بامرأته، وقال: سأقضي بينكما بكتاب اللَّه تعالى، وقال: " وَاغْدُ يَا أُنَيسُ عَلَى
67
امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ هِيَ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ".
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائله: ما نجد الرجم في كتاب اللَّه، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه، ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل، وقامت البينة، أو اعترف، وقد قرأناها: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتَّة نكالا من اللَّه "، رجم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ورجمنا بعده.
وقال قوم: الرجم بين اليهود والنصارى كهو بين المسلمين كالجلد بالآية، ولما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أنه رجم يهوديين ".
قيل: إنما رجم بحكم التوراة؛ ألا ترى أنه روي أنه دعا بالتوراة، ودعا علماءهم فأمرهم أن يقرءوا عليه؛ فوضعوا أيديهم على الموضع الذي فيه ذكر الرجم فقرءوا غيره؛ فقال ابن سلام: إنهم كتموه يا رسول اللَّه، ثم قرأ هو؛ فأمر برجمهم، ولا شك أن القرآن نسخ حكم التوراة؛ لذلك لم يقم عليهم الرجم.
فإن قال قائل: إن الحد يقام على من عمل عمل قوم لوط بقوله - تعالى -: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)،
قيل: لا يحتمل وجوب الحد عليه بذلك؛ لأنه مختلف حكم هذا من هذا في الحرمة، ووجوب المهر؛ وغير ذلك، فلا يحتمل أن يعرف حكم شيء لما يخالفه في جميع أحكامه وجميع الوجوه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ) -: في الآية دليل جواز القياس؛ لأنه ذكر الحكم في النساء، ولم يذكر في الرجال ذلك الحكم، وهما لا يختلفان في هذا الحكم؛ ما يلزم المرأة في ذلك الفعل يلزم الرجل مثله؛ دل أن ما ترك ذكره في المنصوص إنما ترك؛ للاستدلال عليه، والاستنباط من المنصوص والانتزاع منه.
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائله: ما نجد الرجم في كتاب اللَّه، فيضلوا بترك فريضة أنزلها اللَّه، ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل، وقامت البينة، أو اعترف، وقد قرأناها: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتَّة نكالا من اللَّه "، رجم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ورجمنا بعده.
وقال قوم: الرجم بين اليهود والنصارى كهو بين المسلمين كالجلد بالآية، ولما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أنه رجم يهوديين ".
قيل: إنما رجم بحكم التوراة؛ ألا ترى أنه روي أنه دعا بالتوراة، ودعا علماءهم فأمرهم أن يقرءوا عليه؛ فوضعوا أيديهم على الموضع الذي فيه ذكر الرجم فقرءوا غيره؛ فقال ابن سلام: إنهم كتموه يا رسول اللَّه، ثم قرأ هو؛ فأمر برجمهم، ولا شك أن القرآن نسخ حكم التوراة؛ لذلك لم يقم عليهم الرجم.
فإن قال قائل: إن الحد يقام على من عمل عمل قوم لوط بقوله - تعالى -: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)،
قيل: لا يحتمل وجوب الحد عليه بذلك؛ لأنه مختلف حكم هذا من هذا في الحرمة، ووجوب المهر؛ وغير ذلك، فلا يحتمل أن يعرف حكم شيء لما يخالفه في جميع أحكامه وجميع الوجوه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ) -: في الآية دليل جواز القياس؛ لأنه ذكر الحكم في النساء، ولم يذكر في الرجال ذلك الحكم، وهما لا يختلفان في هذا الحكم؛ ما يلزم المرأة في ذلك الفعل يلزم الرجل مثله؛ دل أن ما ترك ذكره في المنصوص إنما ترك؛ للاستدلال عليه، والاستنباط من المنصوص والانتزاع منه.
68
وقال قوم: إن على الثيب الجلد والرجم جميعًا؛ ذهبوا في ذلك إلى ما روي عن عبادة ابن الصامت، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " خُذُوا عَني خُذُوا عَني؛ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُن سَبَيلا: البِكْرُ بِالبِكْرِ يُجْلَدُ وُينْفَى، وَالثيبُ بِالثيبِ يُجْلَدُ وُيرجَمُ ": أوجب الجلد والرجم على الثيب أما عندنا: فإنه لا يوجب مع الرجم الجلد؛ لما روينا من الأخبار عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أنه رجم ماعزًا، ولم يذكر أنه جلده، وما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " اغْدُ يَا أُنَيسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ": لم يُذكر هنالك جلد، والأخبار كثيرة في هذا.
وروي أنه قال: " مَنْ أصَابَ مِنْ هَذِهِ القَاذُورَاتِ شَيئًا فَلْيَستَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ الَّذِي سَتَرَهُ عَلَيهِ، فَإِن مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيهِ حَدَّ اللَّهِ ".
ثم يحتمل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الثيبُ بِالثيبِ يُجْلَدُ ويرجَمُ " في اختلاف الأحوال: يجلد في حال، ويرجم في حال، أو يجلد ثيب ويرجم آخر؛ لأنه لا كل ثيب يرجم؛ لأنه إذا كان ثيبا غير محصن لا يرجم؛ دل أنه على ما ذكرنا.
أو يحتمل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " البِكْرُ بِالبِكْرِ يُجْلَدُ وُينْفَى، وَالثيبُ بِالثيبِ "، أي: البكر مع البكر، والثيب مع الثيب؛ فيكون ثيبا يجلد وثيبًا آخر يرجم.
ثم اختلف أهل العلم في نفي البكر:
قال قوم: النفي ثابت واجب.
وعندنا: إن كان فهو منسوخ، ودليك نسخه: ما روي في خبر زيد بن خالد، وكان الرجل بكرا، لم يذكر أنه نفي.
وما روي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه نفى رجلا؛ فارتد ولحق بالروم؛ فقال: لا أنفي بعد هذا أبدًا.
وما روي أنه قال: كفى بالنفي فتنة.
وروي أنه قال: " مَنْ أصَابَ مِنْ هَذِهِ القَاذُورَاتِ شَيئًا فَلْيَستَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ الَّذِي سَتَرَهُ عَلَيهِ، فَإِن مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيهِ حَدَّ اللَّهِ ".
ثم يحتمل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الثيبُ بِالثيبِ يُجْلَدُ ويرجَمُ " في اختلاف الأحوال: يجلد في حال، ويرجم في حال، أو يجلد ثيب ويرجم آخر؛ لأنه لا كل ثيب يرجم؛ لأنه إذا كان ثيبا غير محصن لا يرجم؛ دل أنه على ما ذكرنا.
أو يحتمل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " البِكْرُ بِالبِكْرِ يُجْلَدُ وُينْفَى، وَالثيبُ بِالثيبِ "، أي: البكر مع البكر، والثيب مع الثيب؛ فيكون ثيبا يجلد وثيبًا آخر يرجم.
ثم اختلف أهل العلم في نفي البكر:
قال قوم: النفي ثابت واجب.
وعندنا: إن كان فهو منسوخ، ودليك نسخه: ما روي في خبر زيد بن خالد، وكان الرجل بكرا، لم يذكر أنه نفي.
وما روي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه نفى رجلا؛ فارتد ولحق بالروم؛ فقال: لا أنفي بعد هذا أبدًا.
وما روي أنه قال: كفى بالنفي فتنة.
69
وإن كان فهو عقوبة وليس بحد؛ كحبس الدعارة وغيره.
والدليل على أن النفي ليس بحد أن اللَّه - سبحانه وتعالى - قال في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)، والأمة لا تنفي؛ لما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه، قال: " إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَلْيَجلِدْهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ ": أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي، ولو كان حدا لأمر به كما أمر بالجلد؛ دل أنه ليس بحد في الحر، ولأنه أوجب على الإماء نصف ما أوجب على الحرائر، ولا نصف للنفي؛ دل أنه ليس بحد، ولا يجب ذلك، أو إن كان فهو حبس، وفي الحبس نفي، فيحبسان أو ينفيان؛ لينسيا ما أصابا؛ لأن كل من رآهما يذكر فعلهما؛ فينفيان لذلك، لا أنه حد؛ ولكن لينسبا ذلك ولا يذكر.
وقوله -أيضًا-: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ...) إلى قوله - تعالى -: (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا)، - يخرج على وجهين - لو كان الإتيان الزنا:
أحدهما: أن يكون في جميع الإناث الحبس، وفي الذكور: الإيذاء؛ ولذلك جمع بين
والدليل على أن النفي ليس بحد أن اللَّه - سبحانه وتعالى - قال في الإماء: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)، والأمة لا تنفي؛ لما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه، قال: " إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَلْيَجلِدْهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ ": أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي، ولو كان حدا لأمر به كما أمر بالجلد؛ دل أنه ليس بحد في الحر، ولأنه أوجب على الإماء نصف ما أوجب على الحرائر، ولا نصف للنفي؛ دل أنه ليس بحد، ولا يجب ذلك، أو إن كان فهو حبس، وفي الحبس نفي، فيحبسان أو ينفيان؛ لينسيا ما أصابا؛ لأن كل من رآهما يذكر فعلهما؛ فينفيان لذلك، لا أنه حد؛ ولكن لينسبا ذلك ولا يذكر.
وقوله -أيضًا-: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ...) إلى قوله - تعالى -: (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا)، - يخرج على وجهين - لو كان الإتيان الزنا:
أحدهما: أن يكون في جميع الإناث الحبس، وفي الذكور: الإيذاء؛ ولذلك جمع بين
70
الجميع في الخبر الذي به النسخ؛ فارتفع الحبس والأذى جميعًا، وذلك معقول: تأديب الرجل به أزجر له، وحبس المرأة أقطع لوجوه الزنا.
أو أن تكون الآية الأولى: في المحصنات؛ على تضمن المحصنين بالمعنى، والآية الثانية: في الذكور؛ على تضمن الإناث بالمعنى، لكن جرى الذكر على ما ظهر من فضل صيانة الأبكار في الإناث: إما تدينًا، أو حياء الافتضاح، أو بما الغالب عليهن الصون من المحارم، والحفظ عن قرب الذكور، ليس بشيء من ذلك في الذكور ولا في الثيبات من النساء، على أنه بعيد بلوغ النساء في قلة الحياء إلى أن يُعْلِنَ حتى يشهده أربع، والغالب عليهن ألا يخالطن هذا القدر من العدد.
ثم الدلالة على دخول الكل - قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَ سَبِيلًا... ": ذكر لهن؛ على ما جرى به الذكر في القرآن، ثم جمع في التفسير بين الكل؛ ثبت أن الذكر قد يضمن الكل، وذلك يبطل تأويل من يصرف الآية إلى الأبكار من الإناث والذكور، ومتى يحتمل وجود الكل مثل ذلك بعد النكاح على إثر خلوة الأزواج بهن والاطلاع على ما فيه المسبة الدائمة، والعار اللازم لهن، ثم كشف ذلك لجميع محارمها، ثم خوف الانتشار به ظاهرًا، وكيف يحتمل في مثل تلك الحال إلى تمكن من ذكر بحضرة من ذكر دون أن ينضم إلى زوجها؟
فتأويل من وجَّهَ الآية إلى الأبكار خارج عن المعروف.
ثم المروي من السنة، ثم بما أجمع عليه أهل التأويل عمل صاحبه على هذا جهله بألا يجوز بيان نسخ حكم بينه الكتاب بالسنة، ويحكم على اللَّه - تعالى - وعلى رسوله بحجر هذا النوع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا...) الآية، ومعلوم أن عقوبة الزناة يتولاها الأئمة، فكأن الخطاب عليهم خرج، ثم قد أثبت الفاحشة منهن، ولم يأذن في إقامة عقوبتها حتى يستحضر أربعة فيشهدون بها؛ فعلى هذا أن ليس للأئمة تولي حد الزناة بعلمهم حتى يكون ثَمَّ شهود، وفي ذلك لزوم حق الستر إلى أقصى ما ينتهي إليه من إعلان الفعل من الزناة؛ إذ ذلك أمر معلوم فيما يحل ألا يفعل إلا في أحوال الخلوات التي تعلم حقيقة ذلك بالولد يكون، فأما
أو أن تكون الآية الأولى: في المحصنات؛ على تضمن المحصنين بالمعنى، والآية الثانية: في الذكور؛ على تضمن الإناث بالمعنى، لكن جرى الذكر على ما ظهر من فضل صيانة الأبكار في الإناث: إما تدينًا، أو حياء الافتضاح، أو بما الغالب عليهن الصون من المحارم، والحفظ عن قرب الذكور، ليس بشيء من ذلك في الذكور ولا في الثيبات من النساء، على أنه بعيد بلوغ النساء في قلة الحياء إلى أن يُعْلِنَ حتى يشهده أربع، والغالب عليهن ألا يخالطن هذا القدر من العدد.
ثم الدلالة على دخول الكل - قول رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَ سَبِيلًا... ": ذكر لهن؛ على ما جرى به الذكر في القرآن، ثم جمع في التفسير بين الكل؛ ثبت أن الذكر قد يضمن الكل، وذلك يبطل تأويل من يصرف الآية إلى الأبكار من الإناث والذكور، ومتى يحتمل وجود الكل مثل ذلك بعد النكاح على إثر خلوة الأزواج بهن والاطلاع على ما فيه المسبة الدائمة، والعار اللازم لهن، ثم كشف ذلك لجميع محارمها، ثم خوف الانتشار به ظاهرًا، وكيف يحتمل في مثل تلك الحال إلى تمكن من ذكر بحضرة من ذكر دون أن ينضم إلى زوجها؟
فتأويل من وجَّهَ الآية إلى الأبكار خارج عن المعروف.
ثم المروي من السنة، ثم بما أجمع عليه أهل التأويل عمل صاحبه على هذا جهله بألا يجوز بيان نسخ حكم بينه الكتاب بالسنة، ويحكم على اللَّه - تعالى - وعلى رسوله بحجر هذا النوع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا...) الآية، ومعلوم أن عقوبة الزناة يتولاها الأئمة، فكأن الخطاب عليهم خرج، ثم قد أثبت الفاحشة منهن، ولم يأذن في إقامة عقوبتها حتى يستحضر أربعة فيشهدون بها؛ فعلى هذا أن ليس للأئمة تولي حد الزناة بعلمهم حتى يكون ثَمَّ شهود، وفي ذلك لزوم حق الستر إلى أقصى ما ينتهي إليه من إعلان الفعل من الزناة؛ إذ ذلك أمر معلوم فيما يحل ألا يفعل إلا في أحوال الخلوات التي تعلم حقيقة ذلك بالولد يكون، فأما
71
من حيث الكون دونه فإنما هو غالب الظن، فالذي لا يحل من ذلك أن يكون بحيث لا يعلم حقيقته أبدًا؛ يدل على ذلك جميع الأمور التي منها المباح أو المحظور: أن المحظور منه أبعد من الظهور والعلم به من المباح؛ فعلى ذلك أمر هذا مع ما زيد هاهنا ما جعل فيه من حد الزاني وجهين:
أحدهما: الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك؛ بما هتك ستر اللَّه.
والثاني: فحش الشين بفاعل ذلك، ولزوم المسبة في صاحب ذلك، وذلك غاية معنى لزوم الشين، وكذلك روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ القَاذُورَاتِ شَيْئا فَليَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّه، فَإِنهُ مَن أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ حَد اللَّه ". فإذا بلغ العمل الذي حده ما ذكرت من العقوبة، من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى أظهر ذلك الجماعة بفعل من يشينه فعله ما ذكرت، استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك بحله، وبقلة حيائه، حيث أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل، فألزم من إليه ذلك القيام به لله، ثم جعل اللَّه في ذلك الفعل عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله، على ما علم من مصلحة الخلق بها، وزجرهم، وتكفيرهم بها.
ثم إن اللَّه - سبحانه وتعالى - جعل أول عقوبة الزنا في نوع من الخلق في الإسلام الحبس في البيوت، فهو - واللَّه أعلم - مخرج على أوجه:
أحدها: إنه كان الزنا في الابتداء في نوع ظاهر يكتسبون به عرض الدنيا في ذلك في الإماء حتى قال اللَّه - تعالى -: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ...) الآية، وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزناة من الإماء، حتى بلغ من ظهور ذلك إلى أن يمازج به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن؛ فنزل قوله - سبحانه وتعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)، وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت غلب عليهم خوف مواقعة الزنا، وكذلك على الحرائر؛ لكثرة ما يرين أو يسمعن، وذلك معنى يبعث من شَرِهَت نفسه،
أحدهما: الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك؛ بما هتك ستر اللَّه.
والثاني: فحش الشين بفاعل ذلك، ولزوم المسبة في صاحب ذلك، وذلك غاية معنى لزوم الشين، وكذلك روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ القَاذُورَاتِ شَيْئا فَليَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّه، فَإِنهُ مَن أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ حَد اللَّه ". فإذا بلغ العمل الذي حده ما ذكرت من العقوبة، من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى أظهر ذلك الجماعة بفعل من يشينه فعله ما ذكرت، استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك بحله، وبقلة حيائه، حيث أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل، فألزم من إليه ذلك القيام به لله، ثم جعل اللَّه في ذلك الفعل عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله، على ما علم من مصلحة الخلق بها، وزجرهم، وتكفيرهم بها.
ثم إن اللَّه - سبحانه وتعالى - جعل أول عقوبة الزنا في نوع من الخلق في الإسلام الحبس في البيوت، فهو - واللَّه أعلم - مخرج على أوجه:
أحدها: إنه كان الزنا في الابتداء في نوع ظاهر يكتسبون به عرض الدنيا في ذلك في الإماء حتى قال اللَّه - تعالى -: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ...) الآية، وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزناة من الإماء، حتى بلغ من ظهور ذلك إلى أن يمازج به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن؛ فنزل قوله - سبحانه وتعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)، وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت غلب عليهم خوف مواقعة الزنا، وكذلك على الحرائر؛ لكثرة ما يرين أو يسمعن، وذلك معنى يبعث من شَرِهَت نفسه،
72
وقل تفكره في أمر عاقبته مما ينزل به أو يشينه، وقد ركبت هذه الشهوة في كل البشر، فخفف اللَّه عقوبته في الابتداء أن جعل فيه الحبس والإمساك في البيوت، ثم صار ذلك إلى الضرب؛ لما أن تحرج الناس وعظم ذلك في أعينهم، وجعل في الشتم به الحد؛ ليعرفوا عظم موقعه عند اللَّه وينتهوا عن فعله، وقد جعل في ذلك في بعض الأحوال الرجم، وهي الحال التي يزول فيها كل وجوه العذر، ويرتفع جميع معاني الشبه لعظيم أمره.
والثاني: أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض لبعض، ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة؛ فغلب عليهم الأمر، واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك.
ثم في الحبس وجهان:
أحدهما: الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط وتلاقي الأبصار.
والثاني: ما فيه من فضل ضجر وتضييق الحال؛ إذ جعل ذلك إلى الموت، فيكون في ذلك عقوبة من حيث الضجر، ومعونة على الكف عنه بالحبس حتى لا يقع بصر ذكر على أنثى وأنثى على ذكر.
والثالث: أن يكون في الحبس ترغيب الأرحام في الحفظ وإلزام القرابة بعض ما يزجر عن تضييع حقوق الرحم، ويدعو إلى القيام بالكفاية؛ إذ ضيق على الفاعل ذلك، وذلك يوجب قبل المواقعة الاستعلام عن الأحوال والجهد في الحفظ؛ إذ في ذلك بعض عقوبة أهل الاتصال من تكليف الإمساك والقيام بالكفاية؛ فيكون أبلغ في العفاف، وأقرب إلى الصلاح، وعلى مثل ذلك جعل أمر المعاقل؛ ليقوم أهل الصلاح في كل قبيلة في كف أهل الفساد عن الفساد، واللَّه أعلم.
ثم لما انقطعت العادة وقام الناس بالتعاهد، وتفرق الفريقان حتى لا يؤذن بالاجتماع، إلا أن يكون ثَمَّ مَنْ جُبِلَ على الإياس من ذلك وأنشئ على قطع الشهوة فيهن، فجعل في ذلك حد، وجعل في ذلك لهن سبيلا، وذلك - واللَّه أعلم - يخرج على أوجه، يجب التأمل في الوجه الذي سمى ما نسخ به اللازم في ذلك، وذكر فيما ذكر حد مرة ورجم ثانيًا، ومعلوم أن المجعول له السبيل، والرجم والحد أشد عليهم من الحبس، وقد رُوي عن نبي الرحمة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائة وَتَغْريبُ عَامٍ، والثيبُ بِالثيبِ يُجْلَدُ وُيرجَمُ " فهو - واللَّه أعلم - أن بهذه الشريعة خلى سبيلهن، لا أن أوجب على المحبوسات إقامة ذلك بما قد حبس بالزنا،
والثاني: أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض لبعض، ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة؛ فغلب عليهم الأمر، واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك.
ثم في الحبس وجهان:
أحدهما: الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط وتلاقي الأبصار.
والثاني: ما فيه من فضل ضجر وتضييق الحال؛ إذ جعل ذلك إلى الموت، فيكون في ذلك عقوبة من حيث الضجر، ومعونة على الكف عنه بالحبس حتى لا يقع بصر ذكر على أنثى وأنثى على ذكر.
والثالث: أن يكون في الحبس ترغيب الأرحام في الحفظ وإلزام القرابة بعض ما يزجر عن تضييع حقوق الرحم، ويدعو إلى القيام بالكفاية؛ إذ ضيق على الفاعل ذلك، وذلك يوجب قبل المواقعة الاستعلام عن الأحوال والجهد في الحفظ؛ إذ في ذلك بعض عقوبة أهل الاتصال من تكليف الإمساك والقيام بالكفاية؛ فيكون أبلغ في العفاف، وأقرب إلى الصلاح، وعلى مثل ذلك جعل أمر المعاقل؛ ليقوم أهل الصلاح في كل قبيلة في كف أهل الفساد عن الفساد، واللَّه أعلم.
ثم لما انقطعت العادة وقام الناس بالتعاهد، وتفرق الفريقان حتى لا يؤذن بالاجتماع، إلا أن يكون ثَمَّ مَنْ جُبِلَ على الإياس من ذلك وأنشئ على قطع الشهوة فيهن، فجعل في ذلك حد، وجعل في ذلك لهن سبيلا، وذلك - واللَّه أعلم - يخرج على أوجه، يجب التأمل في الوجه الذي سمى ما نسخ به اللازم في ذلك، وذكر فيما ذكر حد مرة ورجم ثانيًا، ومعلوم أن المجعول له السبيل، والرجم والحد أشد عليهم من الحبس، وقد رُوي عن نبي الرحمة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائة وَتَغْريبُ عَامٍ، والثيبُ بِالثيبِ يُجْلَدُ وُيرجَمُ " فهو - واللَّه أعلم - أن بهذه الشريعة خلى سبيلهن، لا أن أوجب على المحبوسات إقامة ذلك بما قد حبس بالزنا،
73
ولكن في هذا تخلية السبيل، على أنهن؛ إذا زنين فعل بهن ذلك على رفع الحبس عنهن إذا حبس بما لم يبين حد ذلك، فإذا بين زال ذلك ولا حد حتى يكون منها ذلك، فالسبيل المجعول لهن تخلية السبيل، ثم بين الحكم في الحادث.
ووجه آخر: أن السبيل في الحقيقة مجعول لمن كلف إمساكهن، وإن أضيف إليهن بما فيهن ضيق عليهم الأمر، وذلك كقوله - تعالى -: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، والإماء لا يؤتَين الأجر، لكن بما بمعنى فيهن ذكر الأجر، فأضيف إليهن، وعلى نحو ما أضيف أهل القرى إلى القرى بالتسمية، فأخرجت على تسمية القرى، وإذا كان المراد أهل ذلك في حق تسمية الأهل التذكير والقرية التأنيث، فكأنه جعل للمأمورين بالإمساك سبيلا في أن يقيموا الحد، ويزول عنهم مؤنة الإمساك والقيام بالكفاية.
والثالث: أن يكون في طول الحبس ضجر وضيق، وحيلولة بين المحبوس والشهوات كلها، وقطع ما بينه وبين الأحباب، وتحمل مثله بمرة أيسر على النفس وأهون من دوام الذل والقهر، ثم لا مخلص عن ذلك إلا بما في الأول يكون ثمرة؛ فلذلك سمي - واللَّه أعلم - ذلك سبيلاً لهن.
ثم دل الخبر الذي ذكرت على أمرين:
أحدهما: أن الحبس -وإن كان مذكورًا في النساء خاصة- فهو في جميع الزناة؛ لأنه قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللُّه لَهُن سَبِيلًا " ثم ذكر ما به جعل لهن السبيل، في الذكور والإناث، في المحصنين وغيرهم جميعًا؛ ليعلم أن الحكم يجمع الكل وإن كان الذكْرُ فيهن، وذلك كما ذكر حد المماليك في الإماء، وحد الزناة في قذف المحصنات، والحكم يجمع الذكر والأنثى من حيث اتفاق المعنى الذي له جعل، فمثله فيما نحن فيه.
والثاني: بيان نسخ المذكور من الحكم في الكتاب بالسنة، وذلك لوجهين:
أحدهما: أنه لم يوجد على الترتيب الذي ذكر في القرآن مع ما ذكر تخلية السبيل، وليس بمذكور في شيء من القرآن؛ ثبت أن ذلك كان بوحي غير القرآن.
والثاني: أنه - عليه السلام - قال: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني " ثم أخبر عن جعل اللَّه لهن السبيل؛ فدل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني " أنه بيان اللَّه، وهكذا معنى النسخ
ووجه آخر: أن السبيل في الحقيقة مجعول لمن كلف إمساكهن، وإن أضيف إليهن بما فيهن ضيق عليهم الأمر، وذلك كقوله - تعالى -: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، والإماء لا يؤتَين الأجر، لكن بما بمعنى فيهن ذكر الأجر، فأضيف إليهن، وعلى نحو ما أضيف أهل القرى إلى القرى بالتسمية، فأخرجت على تسمية القرى، وإذا كان المراد أهل ذلك في حق تسمية الأهل التذكير والقرية التأنيث، فكأنه جعل للمأمورين بالإمساك سبيلا في أن يقيموا الحد، ويزول عنهم مؤنة الإمساك والقيام بالكفاية.
والثالث: أن يكون في طول الحبس ضجر وضيق، وحيلولة بين المحبوس والشهوات كلها، وقطع ما بينه وبين الأحباب، وتحمل مثله بمرة أيسر على النفس وأهون من دوام الذل والقهر، ثم لا مخلص عن ذلك إلا بما في الأول يكون ثمرة؛ فلذلك سمي - واللَّه أعلم - ذلك سبيلاً لهن.
ثم دل الخبر الذي ذكرت على أمرين:
أحدهما: أن الحبس -وإن كان مذكورًا في النساء خاصة- فهو في جميع الزناة؛ لأنه قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني، قَدْ جَعَلَ اللُّه لَهُن سَبِيلًا " ثم ذكر ما به جعل لهن السبيل، في الذكور والإناث، في المحصنين وغيرهم جميعًا؛ ليعلم أن الحكم يجمع الكل وإن كان الذكْرُ فيهن، وذلك كما ذكر حد المماليك في الإماء، وحد الزناة في قذف المحصنات، والحكم يجمع الذكر والأنثى من حيث اتفاق المعنى الذي له جعل، فمثله فيما نحن فيه.
والثاني: بيان نسخ المذكور من الحكم في الكتاب بالسنة، وذلك لوجهين:
أحدهما: أنه لم يوجد على الترتيب الذي ذكر في القرآن مع ما ذكر تخلية السبيل، وليس بمذكور في شيء من القرآن؛ ثبت أن ذلك كان بوحي غير القرآن.
والثاني: أنه - عليه السلام - قال: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني " ثم أخبر عن جعل اللَّه لهن السبيل؛ فدل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " خُذُوا عَني، خُذُوا عَني " أنه بيان اللَّه، وهكذا معنى النسخ
74
أن بيان جعل اللَّه مدة حكم الأول بما يحدث فيه الحكم، وليس قول من يقول في هذا في القرآن وعد بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) - معنى؛ لأن كل شيء في حكم اللَّه أنه ينسخه، فالوعد في حكمه قائم، إلا أن يقول قائل: لا يصدق الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ببيان وعد الحكم، وإنما يصدق ببيان وعد الشرط؛ فيحتاج أن يحدث منه إيمانًا، واللَّه الموفق، مع ما إذا جاز أن يعد النسخ المذكور في القرآن حقيقة، لا فيه يجوز أن ينسخ المذكور حقيقته لا فيه.
وبعد، فإن من يقول هذا بعثه عليه جهله بمعنى النسخ: أنه البيان عن منتهى حكم المذكور من الوقت، ولا ريب أن لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بيان منتهى الحكم من النوع، فمثله الوقت.
ثم إذا كان هذا أول عقوبة في الإسلام؛ فثبت به نسخ الحكم بالتوراة والعمل إذا كان فيها الرجم، وقد ذكر أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إنما رجم بحكم التوراة، وقال: " أَنا أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا سُنَّة أَمَاتُوهَا ". وإذا ثبت أن ذلك حكم التوراة ثم ثبت نسخ حكمه، فلا يقام عليهم الرجم إلا بعد البيان مع ما جاء عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهَ فَلَيسَ بِمُحْصَنٍ "، وأنه أخبر بالرجم في القرآن للمحصن.
وقال قوم: عقوبة الحبس في الإناث خاصة، وأما في الذكور ففيهم الأذى باللسان والتعزير بقوله - تعالى -: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا...) الآية، وهذا
وبعد، فإن من يقول هذا بعثه عليه جهله بمعنى النسخ: أنه البيان عن منتهى حكم المذكور من الوقت، ولا ريب أن لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بيان منتهى الحكم من النوع، فمثله الوقت.
ثم إذا كان هذا أول عقوبة في الإسلام؛ فثبت به نسخ الحكم بالتوراة والعمل إذا كان فيها الرجم، وقد ذكر أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إنما رجم بحكم التوراة، وقال: " أَنا أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا سُنَّة أَمَاتُوهَا ". وإذا ثبت أن ذلك حكم التوراة ثم ثبت نسخ حكمه، فلا يقام عليهم الرجم إلا بعد البيان مع ما جاء عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهَ فَلَيسَ بِمُحْصَنٍ "، وأنه أخبر بالرجم في القرآن للمحصن.
وقال قوم: عقوبة الحبس في الإناث خاصة، وأما في الذكور ففيهم الأذى باللسان والتعزير بقوله - تعالى -: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا...) الآية، وهذا
75
قريب من حيث كانت النساء مكانهن البيوت، وأمكن حفظهن عن الزنا، وتسليمهن إلى الأزواج مرة والمحارم ثانيًا، والرجال إذا حبسوا تحولت مؤنهم إلى غيرهم، فتكون عقوبة فعلهم تلزم غيرهم، والراحة تكون لهم، وأمَّا النساء فمؤنهن في الأصل على غيرهنَّ، فليس في حبسهن زيادة على غيرهن، فذلك عقوبة لهن مع ما كان الرجال بحيث يمكن تعييرهم، وذلك أبلغ ما يزجر العقلاء، وقد يحتمل أن يكون ذلك في الرجال خاصة؛ إذ لا يذكر في عمل قوم لوط العقوبة، وقد علم اللَّه - سبحانه وتعالى - حاجة الناس إلى معرفة عقوبة ذلك؛ إذ قد جعل اللَّه - تعالى - في إتيان النساء حقوقا وحرمات وأحكامًا ليست في إتيان الذكور، عرف الخلائق تلك؛ فلم يحتمل أن يترك ذكر عقوبة للذكور في الزنا بعد أن فرق أحكام الأمرين؛ فيشبه أن تكون الآية على ذلك؛ وأيد ذلك عَزَّ وَجَلَّ أنه - سبحانه وتعالى - قال: (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا) ولم يذكر في ذلك جعل السبيل، وقد ذكر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ذلك في كل أقسام الزنا، ثبت أن ذلك فيما ذكر، فتكون عقوبة الأولى في ذلك أخف من الحد، فكذلك عقوبة الثانية مع ما يكون فيما يؤذيان بتفريق، وهو تعزير، وذلك هو الباقي أبدًا إذا لم يظهر معنى النسخ، وأيد الذي ذكرت استواء الذكور والإناث في جميع عقوبات الزنا في قديم الدهر وحديثه من حدود المماليك والأحرار، والثيبات والأبكار، فعلى ذلك أمر تأويل الآية.
والنفي المذكور في الخبر يحتمل وجوهًا:
أحدها: ما ذهب إليه الخصوم من جعله عقوبة، وأنه النفي من البلد، لكن الحدود إذا جعلت كفارات قد جعلن زواجر، وفي الزنا بخاصة إذا أمر فيه بالحبس أريد قطع السبيل إليه، وفي الإشخاص والإخراج من البلدان تمكين، وذلك بعيد، واللَّه أعلم.
فعلى ذلك لو كان عقوبة فهو على الحبس، فينتفي عن وجوه الاجتماع على ما كان من قبل، فينتفي ذلك العذر منه؛ لظهور خشوع التوبة.
وقد يحتمل أن يراد بالنفي قطع الذكر ورفع المسبَّة، فينفى؛ لينسى ذلك؛ فلا يعير بذلك، وكذلك في الإماء ولا في الكفر؛ إذ ما فيهم من الذل أعظم مع ما لا يجب بسبِّ من ذكرت حد؛ ليعلم عظيم موقع ذلك في الأحرار، ولو كان على العقوبة فهو منسوخ بما
والنفي المذكور في الخبر يحتمل وجوهًا:
أحدها: ما ذهب إليه الخصوم من جعله عقوبة، وأنه النفي من البلد، لكن الحدود إذا جعلت كفارات قد جعلن زواجر، وفي الزنا بخاصة إذا أمر فيه بالحبس أريد قطع السبيل إليه، وفي الإشخاص والإخراج من البلدان تمكين، وذلك بعيد، واللَّه أعلم.
فعلى ذلك لو كان عقوبة فهو على الحبس، فينتفي عن وجوه الاجتماع على ما كان من قبل، فينتفي ذلك العذر منه؛ لظهور خشوع التوبة.
وقد يحتمل أن يراد بالنفي قطع الذكر ورفع المسبَّة، فينفى؛ لينسى ذلك؛ فلا يعير بذلك، وكذلك في الإماء ولا في الكفر؛ إذ ما فيهم من الذل أعظم مع ما لا يجب بسبِّ من ذكرت حد؛ ليعلم عظيم موقع ذلك في الأحرار، ولو كان على العقوبة فهو منسوخ بما
76
الآيتان ١٥ و١٦ وقوله تعالى :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ﴾، ﴿ واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ﴾ قيل كان هذان الحكمان في أول الإسلام : الأول منهما للمرأة والثاني : للرجل وقيل : إن آية الأذى كانت في الرجل والمرأة، وآية الحبس كانت في حبس المرأة، ويحتمل أن تكون آية الأذى في البكر في الرجل والمرأة جميعا، وآية الحبس في الثيب في الرجل والمرأة، ويحتمل أن تكون آية الأذى في الرجال خاصة في ما يأتي الذكر ذكرا على ما كان من فعل قوم لوط وآية الحبس في الرجال والنساء جميعا.
فإن كانت١ آية الأذى في الرجال خاصة ففيها حجة لأبي حنيفة رضي الله عنه حين لم يوجب على من عمل قوم لوط الحد، ولكن أوجب التعزير والأذى هو منسوخ إن كان في هذا وإن كانت في الأول فهي منسوخة.
ثم اختلف بما به نسخ فقال قوم نسخ بقوله ﴿ الزانية والزاني فاجدلوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) لكن عندنا : هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما فكيف يكون به النسخ ؟ ولكن نسخ عندنا بالخبر، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ٢ قال : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر والثيب بالثيب، البكر يجلد وينفى، والثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ ) ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة، فإن قيل : في الآية دليل وعد النسخ بقوله :﴿ أو يجعل لهن سبيلا ﴾ فإنما صار منسوخا بما وعد الله في الآية من النسخ لا٣ بالسنة وقيل : ما من آية أو سنة كان من حكم الله النسخ إلا الوعد فيه النسخ، وإن لم يكن مذكورا لأن الله عز وجل لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ لأنه بدو، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية، فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه الوحي٤ يكون قرآنا يتلى ( والسنة فيها ) ٥ أخبار كثيرة روي أنه رجم ماعز إذ أقر بالزنى مرارا، ورجم أيضا غيره ( بما روي أن رجلا عسف آخر فزنى بامرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٦ " سأقضي بينكما بكتاب الله تعالى " وقال ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٧ " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن هي اعترفت فارجمها " ( البخاري ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ).
وعن عمر رضي الله عنه قال :( خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. ألا وإن الرجم حق ( على من زنى، إذا أحصن الرجل والمرأة ) ٨ وقامت البينة أو اعترفا٩، وقد قرأناها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ).
وقال قوم : الرجم بين اليهود والنصارى كهو بين المسلمين كالجلد بالآية ولما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا قيل : إنما رجم بحكم التوراة. إلا ترى أنه روي أنه دعا بالتوراة فأمرهم أن يقرؤوا عليه ف وضعوا أيديهم على الموضع الذي فيه ذكر الرجم فقرؤوا غيره. قال ابن سلام : إنهم كتموه يا رسول الله ثم قرأ هو : فأمر برجمه١٠ ولا شك أن القرآن نسخ حكم التوراة ذلك لم يقم عليهم الرجم. فإن قال قائل : إن الحد يقام على من عمل عمل قوم لوط بقوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) قيل : لا يحتمل وجوب الحد ذلك لأنه مختلف حكم من هذا في الحرمة ووجوب الرجم١١ وغير ذلك فلا يحتمل أن يعرف شيء بما١٢ يخالفه في جميع أحكامه وجميع الوجوه.
وقوله تعالى :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ في الآية دليل القياس لأنه ذكر الحكم في النساء ولم يذكر في الرجال ذلك الحكم وهما لا يختلفان في هذا الحكم لما يلزم المرأة في ذلك الفعل يلزم الرجل مثله دل ما ترك ذكره في المنصوص والانتزاع منه. وقال قوم : إن على الثيب الجلد والرجم جميعا ذهبوا في ذلك إلى ما روي عن عبادة ابن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٣ قال : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر يجلد، والثيب بالثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ أوجب الرجم على الثيب.
وأما عندنا فإنه لا يوجب مع الرجم الجلد لما روينا من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم ماعزا ولم يذكر أنه جلده وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٤ قال : " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " ( ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ) لم يذكر هنالك جلد والأخبار كثيرة في هذا، وروي انه قال : " من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله الذي ستره عليه فإن من أبدى لنا صفحة أقمنا عليه حد الله " ( مالك في الموطأ ٢/ ٨٢٥ ).
ثم يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم : " والثيب يجلد ويرجم " في اختلاف الأحوال : يجلد في حال ويرجم في حال أو يجلد ثيب ويرجم آخر لأنه لا كل ثيب يرجم لأنه إذا كان ثيبا غير محصن لا يرجم دل أنه ما ذكرنا أو يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم " البكر بالبكر يجلد وينفى، والثيب بالثيب ( يجلد ويرجم )١٥ " ( مسلم ١٦٩٠ ) أي البكر مع البكر، والثيب مع الثيب، فيكون ثيب يجلد وثيب آخر يرجم.
ثم اختلف أهل العلم في نفي البكر قال قوم : النفي ثابت واجب وعندنا إن كان فهو منسوخ ودليل نسخه ما روي في خبر زيد بن خالد ( الجهني ) ١٦، وكان الرجل بكرا، يذكر أنه نفي، وما وري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه نفى رجلا فارتد ولحق بالروم وقال : لا أنفي بعد هذا أبدا وما روي أنه قال :( كفى بالنفي فتنة ). وإن كان فهو عقوبة وليس بحد كحبس الدعارة وغيره والدليل على أن النفي ليس بحد أن الله سبحانه وتعالى قال في الإماء :{ فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصن من العذاب( النساء ٢٥ ).
والأمة لا تنفى، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثم إذا زنت فليجلدها ثم إذا زنت فليبعها ولو بضفر " ( البخاري ٢١٥٢ و٢١٥٤ ) أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي ولو كان حدا لأمر به كما أمر بالجلد دل أنه ليس بحد في الحرة١٧ ولأنه أوجب على الإماء نصف ما اوجب على الحرائر ولا نصف للنفي دل أنه ليس بحد ولا يجب ذلك او إن كان فهو حبس وفي الحبس نفي فيحسبان١٨ أو ينفيان لينسيا ما أصاب لأن كل من رآهما يذكر فعلهما فينفيان لذلك لا أنه حد ولكن لينسيا ذلك ولا يذكر١٩.
وقوله تعالى أيضا :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ إلى قوله :﴿ فإن تابا وأصلحا ﴾ ( النساء ١٥ و١٦ ) يخرج على وجهين لو كانت الآيتان في الزنى.
أحدهما : أن يكون في جميع الإناث الحبس وفي الذكور الإيذاء ولذلك جميع من الجميع في الخبر الذي به النسخ فارتفع الحبس والأذى جميعا وذلك تأنيب الرجل به أزجر له، وحبس المرأة أقطع لوجوه الزنى.
والثاني :٢٠ ان تكون الآية الأولى في المحصنات على تضمن المحصنين بالمعنى والآية الثانية في الذكور والإناث ( على تضمن الإناث ) ٢١ بالمعنى لكن جرى الذكر على ما ظهر من فضل صيانة الأبكار في الإناث إما تدينا أو حياء افتضاح٢٢ أو بما الغالب عليهن الصون من المحارم والحفظ عن قرب الذكور ليس من شيء من ذلك في الذكور ولا في الثيبات من النساء٢٣ على أنه بعيد بلوغ النساء في قلة الحياء إلى أن يعلن حتى يشهده أربعة٢٤ والغالب عليهن ألا يخالطن هذا القدر من العدد.
ثم الدلالة على دخول الكل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " ذكرهن على ما جرى به الذكر في القرآن ثم جمع في التفسير بين الكل ثبت أن الذكر قد يضمن الكل وذلك يبطل تأويل / ٨٤- أ/ من يصرف الآية إلى الأبكار من الإناث والذكور ومتى يحتمل وجود ( الكل ) ٢٥ مثل ذلك بعد النكاح على إثر خلوة الأزواج بهن والاطلاع على ما فيه المسبة الدائمة والعار اللازم له ثم كشف ذلك لجميع محارمها ثم خوف الانتشار به ظاهر وكيف يحتمل في مثل تلك الحال إلى ممكن من ذكر دون أن ينضم إلى زوجها ؟
فتأويل من وجه الآية إلى الأبكار خارج عن المعروف ثم المروي عن السنة ثم ( ما )٢٦ أجمع عليه أهل التأويل عمد صاحبه على هذا جهله بألا يجوز بيان نسخ حكم بينة الكتاب بالسنة ويحكم على الله تعالى وعلى رسوله بحجر هذا النوع.
وقوله عز وجل :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا ﴾ الآية ومعلوم أن عقوبة الزناة يتولاها الأئمة فكان الخطاب عليهم خرج ثم قد ثبتت٢٧ الفاحشة منهن ولم يأذن في إقامة عقوبتها حتى يستحضر أربعة فيشهدوا٢٨ بها. فعلى هذا أن ليس للأئمة تولي حد الزناة بعلمهم حتى يكون ثم شهود. وفي ذلك لزوم حق الستر إلى أقصى ما ينتهى إليه الفعلان من الزناة إذ ذلك أمر معلوم في ما يحل ألا يفعل إلا في أحوال الخلوات التي تعلم حقيقته ذلك بالولد يكون فأما من حيث الكون دونه فإنما هو غالب الظن فالذي لا يحل من ذلك أن يكون بحيث لا تعلم حقيقته أبدا. يدل ذلك جميع الأمور التي منها المباح والمحظور إذ المحظور منه أبعد من الظهور والعلم من المباح.
فعلى ذلك أمر هذا مع ما أيد ما جعل من هذا الرمي وجهين :
أحدهما : الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك بما هتك ستر الله.
والثاني : فحش الشين بفاعل ذلك لزوم المسبة في صاحب ذلك وذلك معنى لزوم الشين، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : " من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من أبدى صفحة أقمنا عليه حد الله " ( الموطأ ٢/ ٨٢٥ ) فإذا بلغ العمد الذي حده ما ذكرت من العقوبة من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى ظهر ذلك للجماعة يفعل ما يشينه فعله ما ذكرت استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك، وبقلة٢٩ حيائه حين أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل، فألزم من إليه ذلك القيام به لله. ثم جعل الله في ذلك عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله على ما علم من مصلحة الخلق بها وزجرهم وتفكيرهم بها. ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل أول عقوبة الزنى من نوع من الخلق ظاهرا يكسبون به عرض الدنيا في٣٠ ذلك في الإماء حتى قال تعالى :﴿ ولا تكرهوا فتاتيكم على البغاء ﴾ الآية ( النور ٣٣ ) وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزنى من الإماء حتى بلغ ظهور ذلك إلى أن يمازح به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن فنزل قوله سبحانه وتعالى :﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ﴾ ( الأحزاب ٥٩ ).
وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت فعليهم٣١ خوف مواقعة الزنى وكذلك لكثرة ما يرين٣٢ أو يسمعن وذلك ( في وجهين :
أحدهما ) ٣٣ : معنى يبعث من شرهت نفسه وقل٣٤ تفكره في أمر عاقبته مما ينزل به أو يشينه وقد ركبت هذه الشهوة في كل البشر فخفف الله عقوبته في الابتداء أن جعل في الحبس والإمساك في البيوت ثم صار ذلك إلى الضرب لما يخرج الناس من بيوتهم ويعظم٣٥ ذلك في أعينهم وجعل في الشتم به الحد ليعرفوا عظم موقعه عند الله وينتهوا٣٦ عن فعله.
وقد جعل في ذلك في بعض الأحوال الرجم وهي الحال التي يزول فيها كل وجوه العذر وترتفع جميع معاني الشبه لعظم أمره.
والثاني : أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض ببعض ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة فغلب عليهم الأمر واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك.
ثم في الحبس ( وجوه :
أحدهما ) ٣٧ : الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط وتلاقي الأبصار.
وا
فإن كانت١ آية الأذى في الرجال خاصة ففيها حجة لأبي حنيفة رضي الله عنه حين لم يوجب على من عمل قوم لوط الحد، ولكن أوجب التعزير والأذى هو منسوخ إن كان في هذا وإن كانت في الأول فهي منسوخة.
ثم اختلف بما به نسخ فقال قوم نسخ بقوله ﴿ الزانية والزاني فاجدلوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) لكن عندنا : هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما فكيف يكون به النسخ ؟ ولكن نسخ عندنا بالخبر، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ٢ قال : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر والثيب بالثيب، البكر يجلد وينفى، والثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ ) ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة، فإن قيل : في الآية دليل وعد النسخ بقوله :﴿ أو يجعل لهن سبيلا ﴾ فإنما صار منسوخا بما وعد الله في الآية من النسخ لا٣ بالسنة وقيل : ما من آية أو سنة كان من حكم الله النسخ إلا الوعد فيه النسخ، وإن لم يكن مذكورا لأن الله عز وجل لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ لأنه بدو، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية، فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه الوحي٤ يكون قرآنا يتلى ( والسنة فيها ) ٥ أخبار كثيرة روي أنه رجم ماعز إذ أقر بالزنى مرارا، ورجم أيضا غيره ( بما روي أن رجلا عسف آخر فزنى بامرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٦ " سأقضي بينكما بكتاب الله تعالى " وقال ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٧ " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن هي اعترفت فارجمها " ( البخاري ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ).
وعن عمر رضي الله عنه قال :( خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. ألا وإن الرجم حق ( على من زنى، إذا أحصن الرجل والمرأة ) ٨ وقامت البينة أو اعترفا٩، وقد قرأناها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ).
وقال قوم : الرجم بين اليهود والنصارى كهو بين المسلمين كالجلد بالآية ولما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا قيل : إنما رجم بحكم التوراة. إلا ترى أنه روي أنه دعا بالتوراة فأمرهم أن يقرؤوا عليه ف وضعوا أيديهم على الموضع الذي فيه ذكر الرجم فقرؤوا غيره. قال ابن سلام : إنهم كتموه يا رسول الله ثم قرأ هو : فأمر برجمه١٠ ولا شك أن القرآن نسخ حكم التوراة ذلك لم يقم عليهم الرجم. فإن قال قائل : إن الحد يقام على من عمل عمل قوم لوط بقوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) قيل : لا يحتمل وجوب الحد ذلك لأنه مختلف حكم من هذا في الحرمة ووجوب الرجم١١ وغير ذلك فلا يحتمل أن يعرف شيء بما١٢ يخالفه في جميع أحكامه وجميع الوجوه.
وقوله تعالى :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ في الآية دليل القياس لأنه ذكر الحكم في النساء ولم يذكر في الرجال ذلك الحكم وهما لا يختلفان في هذا الحكم لما يلزم المرأة في ذلك الفعل يلزم الرجل مثله دل ما ترك ذكره في المنصوص والانتزاع منه. وقال قوم : إن على الثيب الجلد والرجم جميعا ذهبوا في ذلك إلى ما روي عن عبادة ابن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٣ قال : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر يجلد، والثيب بالثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ أوجب الرجم على الثيب.
وأما عندنا فإنه لا يوجب مع الرجم الجلد لما روينا من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم ماعزا ولم يذكر أنه جلده وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٤ قال : " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " ( ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ) لم يذكر هنالك جلد والأخبار كثيرة في هذا، وروي انه قال : " من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله الذي ستره عليه فإن من أبدى لنا صفحة أقمنا عليه حد الله " ( مالك في الموطأ ٢/ ٨٢٥ ).
ثم يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم : " والثيب يجلد ويرجم " في اختلاف الأحوال : يجلد في حال ويرجم في حال أو يجلد ثيب ويرجم آخر لأنه لا كل ثيب يرجم لأنه إذا كان ثيبا غير محصن لا يرجم دل أنه ما ذكرنا أو يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم " البكر بالبكر يجلد وينفى، والثيب بالثيب ( يجلد ويرجم )١٥ " ( مسلم ١٦٩٠ ) أي البكر مع البكر، والثيب مع الثيب، فيكون ثيب يجلد وثيب آخر يرجم.
ثم اختلف أهل العلم في نفي البكر قال قوم : النفي ثابت واجب وعندنا إن كان فهو منسوخ ودليل نسخه ما روي في خبر زيد بن خالد ( الجهني ) ١٦، وكان الرجل بكرا، يذكر أنه نفي، وما وري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه نفى رجلا فارتد ولحق بالروم وقال : لا أنفي بعد هذا أبدا وما روي أنه قال :( كفى بالنفي فتنة ). وإن كان فهو عقوبة وليس بحد كحبس الدعارة وغيره والدليل على أن النفي ليس بحد أن الله سبحانه وتعالى قال في الإماء :{ فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصن من العذاب( النساء ٢٥ ).
والأمة لا تنفى، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثم إذا زنت فليجلدها ثم إذا زنت فليبعها ولو بضفر " ( البخاري ٢١٥٢ و٢١٥٤ ) أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي ولو كان حدا لأمر به كما أمر بالجلد دل أنه ليس بحد في الحرة١٧ ولأنه أوجب على الإماء نصف ما اوجب على الحرائر ولا نصف للنفي دل أنه ليس بحد ولا يجب ذلك او إن كان فهو حبس وفي الحبس نفي فيحسبان١٨ أو ينفيان لينسيا ما أصاب لأن كل من رآهما يذكر فعلهما فينفيان لذلك لا أنه حد ولكن لينسيا ذلك ولا يذكر١٩.
وقوله تعالى أيضا :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ إلى قوله :﴿ فإن تابا وأصلحا ﴾ ( النساء ١٥ و١٦ ) يخرج على وجهين لو كانت الآيتان في الزنى.
أحدهما : أن يكون في جميع الإناث الحبس وفي الذكور الإيذاء ولذلك جميع من الجميع في الخبر الذي به النسخ فارتفع الحبس والأذى جميعا وذلك تأنيب الرجل به أزجر له، وحبس المرأة أقطع لوجوه الزنى.
والثاني :٢٠ ان تكون الآية الأولى في المحصنات على تضمن المحصنين بالمعنى والآية الثانية في الذكور والإناث ( على تضمن الإناث ) ٢١ بالمعنى لكن جرى الذكر على ما ظهر من فضل صيانة الأبكار في الإناث إما تدينا أو حياء افتضاح٢٢ أو بما الغالب عليهن الصون من المحارم والحفظ عن قرب الذكور ليس من شيء من ذلك في الذكور ولا في الثيبات من النساء٢٣ على أنه بعيد بلوغ النساء في قلة الحياء إلى أن يعلن حتى يشهده أربعة٢٤ والغالب عليهن ألا يخالطن هذا القدر من العدد.
ثم الدلالة على دخول الكل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " ذكرهن على ما جرى به الذكر في القرآن ثم جمع في التفسير بين الكل ثبت أن الذكر قد يضمن الكل وذلك يبطل تأويل / ٨٤- أ/ من يصرف الآية إلى الأبكار من الإناث والذكور ومتى يحتمل وجود ( الكل ) ٢٥ مثل ذلك بعد النكاح على إثر خلوة الأزواج بهن والاطلاع على ما فيه المسبة الدائمة والعار اللازم له ثم كشف ذلك لجميع محارمها ثم خوف الانتشار به ظاهر وكيف يحتمل في مثل تلك الحال إلى ممكن من ذكر دون أن ينضم إلى زوجها ؟
فتأويل من وجه الآية إلى الأبكار خارج عن المعروف ثم المروي عن السنة ثم ( ما )٢٦ أجمع عليه أهل التأويل عمد صاحبه على هذا جهله بألا يجوز بيان نسخ حكم بينة الكتاب بالسنة ويحكم على الله تعالى وعلى رسوله بحجر هذا النوع.
وقوله عز وجل :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا ﴾ الآية ومعلوم أن عقوبة الزناة يتولاها الأئمة فكان الخطاب عليهم خرج ثم قد ثبتت٢٧ الفاحشة منهن ولم يأذن في إقامة عقوبتها حتى يستحضر أربعة فيشهدوا٢٨ بها. فعلى هذا أن ليس للأئمة تولي حد الزناة بعلمهم حتى يكون ثم شهود. وفي ذلك لزوم حق الستر إلى أقصى ما ينتهى إليه الفعلان من الزناة إذ ذلك أمر معلوم في ما يحل ألا يفعل إلا في أحوال الخلوات التي تعلم حقيقته ذلك بالولد يكون فأما من حيث الكون دونه فإنما هو غالب الظن فالذي لا يحل من ذلك أن يكون بحيث لا تعلم حقيقته أبدا. يدل ذلك جميع الأمور التي منها المباح والمحظور إذ المحظور منه أبعد من الظهور والعلم من المباح.
فعلى ذلك أمر هذا مع ما أيد ما جعل من هذا الرمي وجهين :
أحدهما : الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك بما هتك ستر الله.
والثاني : فحش الشين بفاعل ذلك لزوم المسبة في صاحب ذلك وذلك معنى لزوم الشين، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : " من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من أبدى صفحة أقمنا عليه حد الله " ( الموطأ ٢/ ٨٢٥ ) فإذا بلغ العمد الذي حده ما ذكرت من العقوبة من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى ظهر ذلك للجماعة يفعل ما يشينه فعله ما ذكرت استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك، وبقلة٢٩ حيائه حين أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل، فألزم من إليه ذلك القيام به لله. ثم جعل الله في ذلك عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله على ما علم من مصلحة الخلق بها وزجرهم وتفكيرهم بها. ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل أول عقوبة الزنى من نوع من الخلق ظاهرا يكسبون به عرض الدنيا في٣٠ ذلك في الإماء حتى قال تعالى :﴿ ولا تكرهوا فتاتيكم على البغاء ﴾ الآية ( النور ٣٣ ) وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزنى من الإماء حتى بلغ ظهور ذلك إلى أن يمازح به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن فنزل قوله سبحانه وتعالى :﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ﴾ ( الأحزاب ٥٩ ).
وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت فعليهم٣١ خوف مواقعة الزنى وكذلك لكثرة ما يرين٣٢ أو يسمعن وذلك ( في وجهين :
أحدهما ) ٣٣ : معنى يبعث من شرهت نفسه وقل٣٤ تفكره في أمر عاقبته مما ينزل به أو يشينه وقد ركبت هذه الشهوة في كل البشر فخفف الله عقوبته في الابتداء أن جعل في الحبس والإمساك في البيوت ثم صار ذلك إلى الضرب لما يخرج الناس من بيوتهم ويعظم٣٥ ذلك في أعينهم وجعل في الشتم به الحد ليعرفوا عظم موقعه عند الله وينتهوا٣٦ عن فعله.
وقد جعل في ذلك في بعض الأحوال الرجم وهي الحال التي يزول فيها كل وجوه العذر وترتفع جميع معاني الشبه لعظم أمره.
والثاني : أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض ببعض ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة فغلب عليهم الأمر واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك.
ثم في الحبس ( وجوه :
أحدهما ) ٣٧ : الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط وتلاقي الأبصار.
وا
١ في الأصل و م: كان..
٢ ساقطة من الأصل و م..
٣ من م في الأصل: وإلا..
٤ في الأصل و م: بوحي..
٥ في الأصل و م: وفيه..
٦ في الأصل و م: ما روي عن عسيف الرجل زنى بامرأة وقال انظر المسند ٤/١١٥..
٧ ساقطة من الأصل و م..
٨ في الأصل و م: إذا أحصن الرجل..
٩ في الأصل و م: اعترف..
١٠ في الأصل و م: يرجمهم..
١١ من م في الأصل: المهر..
١٢ في الأصل و م: لما..
١٣ ساقطة من الأصل و م..
١٤ ساقطة من الأصل و م..
١٥ ساقطة من الأصل و م..
١٦ ساقطة من الأصل و م..
١٧ في الأصل و م: الحر..
١٨ في الأصل و م: فيحبس..
١٩ في الأصل و م: يذكر..
٢٠ في الأصل و م: أو..
٢١ من م ساقطة من الأصل..
٢٢ في م الافتضاح..
٢٣ في الأصل و م: الناس..
٢٤ في الأصل و م: أربع..
٢٥ من م ساقطة من الأصل..
٢٦ ساقطة من الأصل و م..
٢٧ في الأصل و م: اثبت..
٢٨ في الأثل و م: فيشهدون..
٢٩ أدرج قبلها في الأصل و م: محله..
٣٠ من م في الأصل و في..
٣١ في الأصل و م: عليهم..
٣٢ في الأصل و م: يدين..
٣٣ ساقطة من الأصل و م..
٣٤ في الأصل و م: وقلة..
٣٥ في الأصل و م عظم..
٣٦ في الأصل و م: وانتهوا..
٣٧ في الأصل و م: وجهان أحدهما.
٢ ساقطة من الأصل و م..
٣ من م في الأصل: وإلا..
٤ في الأصل و م: بوحي..
٥ في الأصل و م: وفيه..
٦ في الأصل و م: ما روي عن عسيف الرجل زنى بامرأة وقال انظر المسند ٤/١١٥..
٧ ساقطة من الأصل و م..
٨ في الأصل و م: إذا أحصن الرجل..
٩ في الأصل و م: اعترف..
١٠ في الأصل و م: يرجمهم..
١١ من م في الأصل: المهر..
١٢ في الأصل و م: لما..
١٣ ساقطة من الأصل و م..
١٤ ساقطة من الأصل و م..
١٥ ساقطة من الأصل و م..
١٦ ساقطة من الأصل و م..
١٧ في الأصل و م: الحر..
١٨ في الأصل و م: فيحبس..
١٩ في الأصل و م: يذكر..
٢٠ في الأصل و م: أو..
٢١ من م ساقطة من الأصل..
٢٢ في م الافتضاح..
٢٣ في الأصل و م: الناس..
٢٤ في الأصل و م: أربع..
٢٥ من م ساقطة من الأصل..
٢٦ ساقطة من الأصل و م..
٢٧ في الأصل و م: اثبت..
٢٨ في الأثل و م: فيشهدون..
٢٩ أدرج قبلها في الأصل و م: محله..
٣٠ من م في الأصل و في..
٣١ في الأصل و م: عليهم..
٣٢ في الأصل و م: يدين..
٣٣ ساقطة من الأصل و م..
٣٤ في الأصل و م: وقلة..
٣٥ في الأصل و م عظم..
٣٦ في الأصل و م: وانتهوا..
٣٧ في الأصل و م: وجهان أحدهما.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:الآيتان ١٥ و١٦ وقوله تعالى :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ﴾، ﴿ واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ﴾ قيل كان هذان الحكمان في أول الإسلام : الأول منهما للمرأة والثاني : للرجل وقيل : إن آية الأذى كانت في الرجل والمرأة، وآية الحبس كانت في حبس المرأة، ويحتمل أن تكون آية الأذى في البكر في الرجل والمرأة جميعا، وآية الحبس في الثيب في الرجل والمرأة، ويحتمل أن تكون آية الأذى في الرجال خاصة في ما يأتي الذكر ذكرا على ما كان من فعل قوم لوط وآية الحبس في الرجال والنساء جميعا.
فإن كانت١ آية الأذى في الرجال خاصة ففيها حجة لأبي حنيفة رضي الله عنه حين لم يوجب على من عمل قوم لوط الحد، ولكن أوجب التعزير والأذى هو منسوخ إن كان في هذا وإن كانت في الأول فهي منسوخة.
ثم اختلف بما به نسخ فقال قوم نسخ بقوله ﴿ الزانية والزاني فاجدلوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) لكن عندنا : هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما فكيف يكون به النسخ ؟ ولكن نسخ عندنا بالخبر، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ٢ قال :" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر والثيب بالثيب، البكر يجلد وينفى، والثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ ) ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة، فإن قيل : في الآية دليل وعد النسخ بقوله :﴿ أو يجعل لهن سبيلا ﴾ فإنما صار منسوخا بما وعد الله في الآية من النسخ لا٣ بالسنة وقيل : ما من آية أو سنة كان من حكم الله النسخ إلا الوعد فيه النسخ، وإن لم يكن مذكورا لأن الله عز وجل لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ لأنه بدو، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية، فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه الوحي٤ يكون قرآنا يتلى ( والسنة فيها ) ٥ أخبار كثيرة روي أنه رجم ماعز إذ أقر بالزنى مرارا، ورجم أيضا غيره ( بما روي أن رجلا عسف آخر فزنى بامرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٦ " سأقضي بينكما بكتاب الله تعالى " وقال ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٧ " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن هي اعترفت فارجمها " ( البخاري ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ).
وعن عمر رضي الله عنه قال :( خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. ألا وإن الرجم حق ( على من زنى، إذا أحصن الرجل والمرأة ) ٨ وقامت البينة أو اعترفا٩، وقد قرأناها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ).
وقال قوم : الرجم بين اليهود والنصارى كهو بين المسلمين كالجلد بالآية ولما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا قيل : إنما رجم بحكم التوراة. إلا ترى أنه روي أنه دعا بالتوراة فأمرهم أن يقرؤوا عليه ف وضعوا أيديهم على الموضع الذي فيه ذكر الرجم فقرؤوا غيره. قال ابن سلام : إنهم كتموه يا رسول الله ثم قرأ هو : فأمر برجمه١٠ ولا شك أن القرآن نسخ حكم التوراة ذلك لم يقم عليهم الرجم. فإن قال قائل : إن الحد يقام على من عمل عمل قوم لوط بقوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) قيل : لا يحتمل وجوب الحد ذلك لأنه مختلف حكم من هذا في الحرمة ووجوب الرجم١١ وغير ذلك فلا يحتمل أن يعرف شيء بما١٢ يخالفه في جميع أحكامه وجميع الوجوه.
وقوله تعالى :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ في الآية دليل القياس لأنه ذكر الحكم في النساء ولم يذكر في الرجال ذلك الحكم وهما لا يختلفان في هذا الحكم لما يلزم المرأة في ذلك الفعل يلزم الرجل مثله دل ما ترك ذكره في المنصوص والانتزاع منه. وقال قوم : إن على الثيب الجلد والرجم جميعا ذهبوا في ذلك إلى ما روي عن عبادة ابن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٣ قال :" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر يجلد، والثيب بالثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ أوجب الرجم على الثيب.
وأما عندنا فإنه لا يوجب مع الرجم الجلد لما روينا من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم ماعزا ولم يذكر أنه جلده وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٤ قال :" واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " ( ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ) لم يذكر هنالك جلد والأخبار كثيرة في هذا، وروي انه قال :" من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله الذي ستره عليه فإن من أبدى لنا صفحة أقمنا عليه حد الله " ( مالك في الموطأ ٢/ ٨٢٥ ).
ثم يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم :" والثيب يجلد ويرجم " في اختلاف الأحوال : يجلد في حال ويرجم في حال أو يجلد ثيب ويرجم آخر لأنه لا كل ثيب يرجم لأنه إذا كان ثيبا غير محصن لا يرجم دل أنه ما ذكرنا أو يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم " البكر بالبكر يجلد وينفى، والثيب بالثيب ( يجلد ويرجم )١٥ " ( مسلم ١٦٩٠ ) أي البكر مع البكر، والثيب مع الثيب، فيكون ثيب يجلد وثيب آخر يرجم.
ثم اختلف أهل العلم في نفي البكر قال قوم : النفي ثابت واجب وعندنا إن كان فهو منسوخ ودليل نسخه ما روي في خبر زيد بن خالد ( الجهني ) ١٦، وكان الرجل بكرا، يذكر أنه نفي، وما وري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه نفى رجلا فارتد ولحق بالروم وقال : لا أنفي بعد هذا أبدا وما روي أنه قال :( كفى بالنفي فتنة ). وإن كان فهو عقوبة وليس بحد كحبس الدعارة وغيره والدليل على أن النفي ليس بحد أن الله سبحانه وتعالى قال في الإماء :{ فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصن من العذاب( النساء ٢٥ ).
والأمة لا تنفى، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال :" إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثم إذا زنت فليجلدها ثم إذا زنت فليبعها ولو بضفر " ( البخاري ٢١٥٢ و٢١٥٤ ) أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي ولو كان حدا لأمر به كما أمر بالجلد دل أنه ليس بحد في الحرة١٧ ولأنه أوجب على الإماء نصف ما اوجب على الحرائر ولا نصف للنفي دل أنه ليس بحد ولا يجب ذلك او إن كان فهو حبس وفي الحبس نفي فيحسبان١٨ أو ينفيان لينسيا ما أصاب لأن كل من رآهما يذكر فعلهما فينفيان لذلك لا أنه حد ولكن لينسيا ذلك ولا يذكر١٩.
وقوله تعالى أيضا :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ إلى قوله :﴿ فإن تابا وأصلحا ﴾ ( النساء ١٥ و١٦ ) يخرج على وجهين لو كانت الآيتان في الزنى.
أحدهما : أن يكون في جميع الإناث الحبس وفي الذكور الإيذاء ولذلك جميع من الجميع في الخبر الذي به النسخ فارتفع الحبس والأذى جميعا وذلك تأنيب الرجل به أزجر له، وحبس المرأة أقطع لوجوه الزنى.
والثاني :٢٠ ان تكون الآية الأولى في المحصنات على تضمن المحصنين بالمعنى والآية الثانية في الذكور والإناث ( على تضمن الإناث ) ٢١ بالمعنى لكن جرى الذكر على ما ظهر من فضل صيانة الأبكار في الإناث إما تدينا أو حياء افتضاح٢٢ أو بما الغالب عليهن الصون من المحارم والحفظ عن قرب الذكور ليس من شيء من ذلك في الذكور ولا في الثيبات من النساء٢٣ على أنه بعيد بلوغ النساء في قلة الحياء إلى أن يعلن حتى يشهده أربعة٢٤ والغالب عليهن ألا يخالطن هذا القدر من العدد.
ثم الدلالة على دخول الكل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " ذكرهن على ما جرى به الذكر في القرآن ثم جمع في التفسير بين الكل ثبت أن الذكر قد يضمن الكل وذلك يبطل تأويل / ٨٤- أ/ من يصرف الآية إلى الأبكار من الإناث والذكور ومتى يحتمل وجود ( الكل ) ٢٥ مثل ذلك بعد النكاح على إثر خلوة الأزواج بهن والاطلاع على ما فيه المسبة الدائمة والعار اللازم له ثم كشف ذلك لجميع محارمها ثم خوف الانتشار به ظاهر وكيف يحتمل في مثل تلك الحال إلى ممكن من ذكر دون أن ينضم إلى زوجها ؟
فتأويل من وجه الآية إلى الأبكار خارج عن المعروف ثم المروي عن السنة ثم ( ما )٢٦ أجمع عليه أهل التأويل عمد صاحبه على هذا جهله بألا يجوز بيان نسخ حكم بينة الكتاب بالسنة ويحكم على الله تعالى وعلى رسوله بحجر هذا النوع.
وقوله عز وجل :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا ﴾ الآية ومعلوم أن عقوبة الزناة يتولاها الأئمة فكان الخطاب عليهم خرج ثم قد ثبتت٢٧ الفاحشة منهن ولم يأذن في إقامة عقوبتها حتى يستحضر أربعة فيشهدوا٢٨ بها. فعلى هذا أن ليس للأئمة تولي حد الزناة بعلمهم حتى يكون ثم شهود. وفي ذلك لزوم حق الستر إلى أقصى ما ينتهى إليه الفعلان من الزناة إذ ذلك أمر معلوم في ما يحل ألا يفعل إلا في أحوال الخلوات التي تعلم حقيقته ذلك بالولد يكون فأما من حيث الكون دونه فإنما هو غالب الظن فالذي لا يحل من ذلك أن يكون بحيث لا تعلم حقيقته أبدا. يدل ذلك جميع الأمور التي منها المباح والمحظور إذ المحظور منه أبعد من الظهور والعلم من المباح.
فعلى ذلك أمر هذا مع ما أيد ما جعل من هذا الرمي وجهين :
أحدهما : الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك بما هتك ستر الله.
والثاني : فحش الشين بفاعل ذلك لزوم المسبة في صاحب ذلك وذلك معنى لزوم الشين، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال :" من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من أبدى صفحة أقمنا عليه حد الله " ( الموطأ ٢/ ٨٢٥ ) فإذا بلغ العمد الذي حده ما ذكرت من العقوبة من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى ظهر ذلك للجماعة يفعل ما يشينه فعله ما ذكرت استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك، وبقلة٢٩ حيائه حين أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل، فألزم من إليه ذلك القيام به لله. ثم جعل الله في ذلك عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله على ما علم من مصلحة الخلق بها وزجرهم وتفكيرهم بها. ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل أول عقوبة الزنى من نوع من الخلق ظاهرا يكسبون به عرض الدنيا في٣٠ ذلك في الإماء حتى قال تعالى :﴿ ولا تكرهوا فتاتيكم على البغاء ﴾ الآية ( النور ٣٣ ) وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزنى من الإماء حتى بلغ ظهور ذلك إلى أن يمازح به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن فنزل قوله سبحانه وتعالى :﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ﴾ ( الأحزاب ٥٩ ).
وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت فعليهم٣١ خوف مواقعة الزنى وكذلك لكثرة ما يرين٣٢ أو يسمعن وذلك ( في وجهين :
أحدهما ) ٣٣ : معنى يبعث من شرهت نفسه وقل٣٤ تفكره في أمر عاقبته مما ينزل به أو يشينه وقد ركبت هذه الشهوة في كل البشر فخفف الله عقوبته في الابتداء أن جعل في الحبس والإمساك في البيوت ثم صار ذلك إلى الضرب لما يخرج الناس من بيوتهم ويعظم٣٥ ذلك في أعينهم وجعل في الشتم به الحد ليعرفوا عظم موقعه عند الله وينتهوا٣٦ عن فعله.
وقد جعل في ذلك في بعض الأحوال الرجم وهي الحال التي يزول فيها كل وجوه العذر وترتفع جميع معاني الشبه لعظم أمره.
والثاني : أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض ببعض ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة فغلب عليهم الأمر واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك.
ثم في الحبس ( وجوه :
أحدهما ) ٣٧ : الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط وتلاقي الأبصار.
وا
فإن كانت١ آية الأذى في الرجال خاصة ففيها حجة لأبي حنيفة رضي الله عنه حين لم يوجب على من عمل قوم لوط الحد، ولكن أوجب التعزير والأذى هو منسوخ إن كان في هذا وإن كانت في الأول فهي منسوخة.
ثم اختلف بما به نسخ فقال قوم نسخ بقوله ﴿ الزانية والزاني فاجدلوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) لكن عندنا : هذا يجوز أن يجمع بين حكميهما فكيف يكون به النسخ ؟ ولكن نسخ عندنا بالخبر، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ٢ قال :" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر والثيب بالثيب، البكر يجلد وينفى، والثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ ) ففيه دليل حكم نسخ القرآن بالسنة، فإن قيل : في الآية دليل وعد النسخ بقوله :﴿ أو يجعل لهن سبيلا ﴾ فإنما صار منسوخا بما وعد الله في الآية من النسخ لا٣ بالسنة وقيل : ما من آية أو سنة كان من حكم الله النسخ إلا الوعد فيه النسخ، وإن لم يكن مذكورا لأن الله عز وجل لا يجعل الحكم في الشيء للأبد ثم ينسخ لأنه بدو، وذلك فعل البشر لا فعل الربوبية، فإذا كان ما ذكرنا فلا فرق بين أن ينسخه الوحي٤ يكون قرآنا يتلى ( والسنة فيها ) ٥ أخبار كثيرة روي أنه رجم ماعز إذ أقر بالزنى مرارا، ورجم أيضا غيره ( بما روي أن رجلا عسف آخر فزنى بامرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٦ " سأقضي بينكما بكتاب الله تعالى " وقال ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ٧ " واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن هي اعترفت فارجمها " ( البخاري ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ).
وعن عمر رضي الله عنه قال :( خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. ألا وإن الرجم حق ( على من زنى، إذا أحصن الرجل والمرأة ) ٨ وقامت البينة أو اعترفا٩، وقد قرأناها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ).
وقال قوم : الرجم بين اليهود والنصارى كهو بين المسلمين كالجلد بالآية ولما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم يهوديا قيل : إنما رجم بحكم التوراة. إلا ترى أنه روي أنه دعا بالتوراة فأمرهم أن يقرؤوا عليه ف وضعوا أيديهم على الموضع الذي فيه ذكر الرجم فقرؤوا غيره. قال ابن سلام : إنهم كتموه يا رسول الله ثم قرأ هو : فأمر برجمه١٠ ولا شك أن القرآن نسخ حكم التوراة ذلك لم يقم عليهم الرجم. فإن قال قائل : إن الحد يقام على من عمل عمل قوم لوط بقوله تعالى :﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ﴾ ( النور ٢ ) قيل : لا يحتمل وجوب الحد ذلك لأنه مختلف حكم من هذا في الحرمة ووجوب الرجم١١ وغير ذلك فلا يحتمل أن يعرف شيء بما١٢ يخالفه في جميع أحكامه وجميع الوجوه.
وقوله تعالى :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ في الآية دليل القياس لأنه ذكر الحكم في النساء ولم يذكر في الرجال ذلك الحكم وهما لا يختلفان في هذا الحكم لما يلزم المرأة في ذلك الفعل يلزم الرجل مثله دل ما ترك ذكره في المنصوص والانتزاع منه. وقال قوم : إن على الثيب الجلد والرجم جميعا ذهبوا في ذلك إلى ما روي عن عبادة ابن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٣ قال :" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر يجلد، والثيب بالثيب يجلد ويرجم " ( مسلم ١٦٩٠ أوجب الرجم على الثيب.
وأما عندنا فإنه لا يوجب مع الرجم الجلد لما روينا من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجم ماعزا ولم يذكر أنه جلده وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) ١٤ قال :" واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " ( ٢٦٩٥ و٢٦٩٦ ) لم يذكر هنالك جلد والأخبار كثيرة في هذا، وروي انه قال :" من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله الذي ستره عليه فإن من أبدى لنا صفحة أقمنا عليه حد الله " ( مالك في الموطأ ٢/ ٨٢٥ ).
ثم يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم :" والثيب يجلد ويرجم " في اختلاف الأحوال : يجلد في حال ويرجم في حال أو يجلد ثيب ويرجم آخر لأنه لا كل ثيب يرجم لأنه إذا كان ثيبا غير محصن لا يرجم دل أنه ما ذكرنا أو يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم " البكر بالبكر يجلد وينفى، والثيب بالثيب ( يجلد ويرجم )١٥ " ( مسلم ١٦٩٠ ) أي البكر مع البكر، والثيب مع الثيب، فيكون ثيب يجلد وثيب آخر يرجم.
ثم اختلف أهل العلم في نفي البكر قال قوم : النفي ثابت واجب وعندنا إن كان فهو منسوخ ودليل نسخه ما روي في خبر زيد بن خالد ( الجهني ) ١٦، وكان الرجل بكرا، يذكر أنه نفي، وما وري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه نفى رجلا فارتد ولحق بالروم وقال : لا أنفي بعد هذا أبدا وما روي أنه قال :( كفى بالنفي فتنة ). وإن كان فهو عقوبة وليس بحد كحبس الدعارة وغيره والدليل على أن النفي ليس بحد أن الله سبحانه وتعالى قال في الإماء :{ فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصن من العذاب( النساء ٢٥ ).
والأمة لا تنفى، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال :" إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثم إذا زنت فليجلدها ثم إذا زنت فليبعها ولو بضفر " ( البخاري ٢١٥٢ و٢١٥٤ ) أمر بجلدها ولم يأمر بالنفي ولو كان حدا لأمر به كما أمر بالجلد دل أنه ليس بحد في الحرة١٧ ولأنه أوجب على الإماء نصف ما اوجب على الحرائر ولا نصف للنفي دل أنه ليس بحد ولا يجب ذلك او إن كان فهو حبس وفي الحبس نفي فيحسبان١٨ أو ينفيان لينسيا ما أصاب لأن كل من رآهما يذكر فعلهما فينفيان لذلك لا أنه حد ولكن لينسيا ذلك ولا يذكر١٩.
وقوله تعالى أيضا :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ﴾ إلى قوله :﴿ فإن تابا وأصلحا ﴾ ( النساء ١٥ و١٦ ) يخرج على وجهين لو كانت الآيتان في الزنى.
أحدهما : أن يكون في جميع الإناث الحبس وفي الذكور الإيذاء ولذلك جميع من الجميع في الخبر الذي به النسخ فارتفع الحبس والأذى جميعا وذلك تأنيب الرجل به أزجر له، وحبس المرأة أقطع لوجوه الزنى.
والثاني :٢٠ ان تكون الآية الأولى في المحصنات على تضمن المحصنين بالمعنى والآية الثانية في الذكور والإناث ( على تضمن الإناث ) ٢١ بالمعنى لكن جرى الذكر على ما ظهر من فضل صيانة الأبكار في الإناث إما تدينا أو حياء افتضاح٢٢ أو بما الغالب عليهن الصون من المحارم والحفظ عن قرب الذكور ليس من شيء من ذلك في الذكور ولا في الثيبات من النساء٢٣ على أنه بعيد بلوغ النساء في قلة الحياء إلى أن يعلن حتى يشهده أربعة٢٤ والغالب عليهن ألا يخالطن هذا القدر من العدد.
ثم الدلالة على دخول الكل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " ذكرهن على ما جرى به الذكر في القرآن ثم جمع في التفسير بين الكل ثبت أن الذكر قد يضمن الكل وذلك يبطل تأويل / ٨٤- أ/ من يصرف الآية إلى الأبكار من الإناث والذكور ومتى يحتمل وجود ( الكل ) ٢٥ مثل ذلك بعد النكاح على إثر خلوة الأزواج بهن والاطلاع على ما فيه المسبة الدائمة والعار اللازم له ثم كشف ذلك لجميع محارمها ثم خوف الانتشار به ظاهر وكيف يحتمل في مثل تلك الحال إلى ممكن من ذكر دون أن ينضم إلى زوجها ؟
فتأويل من وجه الآية إلى الأبكار خارج عن المعروف ثم المروي عن السنة ثم ( ما )٢٦ أجمع عليه أهل التأويل عمد صاحبه على هذا جهله بألا يجوز بيان نسخ حكم بينة الكتاب بالسنة ويحكم على الله تعالى وعلى رسوله بحجر هذا النوع.
وقوله عز وجل :﴿ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا ﴾ الآية ومعلوم أن عقوبة الزناة يتولاها الأئمة فكان الخطاب عليهم خرج ثم قد ثبتت٢٧ الفاحشة منهن ولم يأذن في إقامة عقوبتها حتى يستحضر أربعة فيشهدوا٢٨ بها. فعلى هذا أن ليس للأئمة تولي حد الزناة بعلمهم حتى يكون ثم شهود. وفي ذلك لزوم حق الستر إلى أقصى ما ينتهى إليه الفعلان من الزناة إذ ذلك أمر معلوم في ما يحل ألا يفعل إلا في أحوال الخلوات التي تعلم حقيقته ذلك بالولد يكون فأما من حيث الكون دونه فإنما هو غالب الظن فالذي لا يحل من ذلك أن يكون بحيث لا تعلم حقيقته أبدا. يدل ذلك جميع الأمور التي منها المباح والمحظور إذ المحظور منه أبعد من الظهور والعلم من المباح.
فعلى ذلك أمر هذا مع ما أيد ما جعل من هذا الرمي وجهين :
أحدهما : الزجر عن هتك هذا النوع من الستر حتى خرجت شهادة من رمى بذلك بما هتك ستر الله.
والثاني : فحش الشين بفاعل ذلك لزوم المسبة في صاحب ذلك وذلك معنى لزوم الشين، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال :" من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من أبدى صفحة أقمنا عليه حد الله " ( الموطأ ٢/ ٨٢٥ ) فإذا بلغ العمد الذي حده ما ذكرت من العقوبة من نهاية الستر النهاية من الإعلان حتى ظهر ذلك للجماعة يفعل ما يشينه فعله ما ذكرت استحق ما ذكرت من العقوبة بجرأته على ذلك، وبقلة٢٩ حيائه حين أظهر الذي ذلك حقه الستر عقوبة ذلك الفعل، فألزم من إليه ذلك القيام به لله. ثم جعل الله في ذلك عقوبات مختلفة على اختلاف أوقات الفعل وأهله على ما علم من مصلحة الخلق بها وزجرهم وتفكيرهم بها. ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل أول عقوبة الزنى من نوع من الخلق ظاهرا يكسبون به عرض الدنيا في٣٠ ذلك في الإماء حتى قال تعالى :﴿ ولا تكرهوا فتاتيكم على البغاء ﴾ الآية ( النور ٣٣ ) وحتى كانوا يدعون الأنساب في أولاد الزنى من الإماء حتى بلغ ظهور ذلك إلى أن يمازح به الحرائر في الطرق تعاميا عن حالهن فنزل قوله سبحانه وتعالى :﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ﴾ ( الأحزاب ٥٩ ).
وإن كان هذا حالهم في ذلك الوقت فعليهم٣١ خوف مواقعة الزنى وكذلك لكثرة ما يرين٣٢ أو يسمعن وذلك ( في وجهين :
أحدهما ) ٣٣ : معنى يبعث من شرهت نفسه وقل٣٤ تفكره في أمر عاقبته مما ينزل به أو يشينه وقد ركبت هذه الشهوة في كل البشر فخفف الله عقوبته في الابتداء أن جعل في الحبس والإمساك في البيوت ثم صار ذلك إلى الضرب لما يخرج الناس من بيوتهم ويعظم٣٥ ذلك في أعينهم وجعل في الشتم به الحد ليعرفوا عظم موقعه عند الله وينتهوا٣٦ عن فعله.
وقد جعل في ذلك في بعض الأحوال الرجم وهي الحال التي يزول فيها كل وجوه العذر وترتفع جميع معاني الشبه لعظم أمره.
والثاني : أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض ببعض ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة فغلب عليهم الأمر واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك.
ثم في الحبس ( وجوه :
أحدهما ) ٣٧ : الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط وتلاقي الأبصار.
وا
١ في الأصل و م: كان..
٢ ساقطة من الأصل و م..
٣ من م في الأصل: وإلا..
٤ في الأصل و م: بوحي..
٥ في الأصل و م: وفيه..
٦ في الأصل و م: ما روي عن عسيف الرجل زنى بامرأة وقال انظر المسند ٤/١١٥..
٧ ساقطة من الأصل و م..
٨ في الأصل و م: إذا أحصن الرجل..
٩ في الأصل و م: اعترف..
١٠ في الأصل و م: يرجمهم..
١١ من م في الأصل: المهر..
١٢ في الأصل و م: لما..
١٣ ساقطة من الأصل و م..
١٤ ساقطة من الأصل و م..
١٥ ساقطة من الأصل و م..
١٦ ساقطة من الأصل و م..
١٧ في الأصل و م: الحر..
١٨ في الأصل و م: فيحبس..
١٩ في الأصل و م: يذكر..
٢٠ في الأصل و م: أو..
٢١ من م ساقطة من الأصل..
٢٢ في م الافتضاح..
٢٣ في الأصل و م: الناس..
٢٤ في الأصل و م: أربع..
٢٥ من م ساقطة من الأصل..
٢٦ ساقطة من الأصل و م..
٢٧ في الأصل و م: اثبت..
٢٨ في الأثل و م: فيشهدون..
٢٩ أدرج قبلها في الأصل و م: محله..
٣٠ من م في الأصل و في..
٣١ في الأصل و م: عليهم..
٣٢ في الأصل و م: يدين..
٣٣ ساقطة من الأصل و م..
٣٤ في الأصل و م: وقلة..
٣٥ في الأصل و م عظم..
٣٦ في الأصل و م: وانتهوا..
٣٧ في الأصل و م: وجهان أحدهما.
٢ ساقطة من الأصل و م..
٣ من م في الأصل: وإلا..
٤ في الأصل و م: بوحي..
٥ في الأصل و م: وفيه..
٦ في الأصل و م: ما روي عن عسيف الرجل زنى بامرأة وقال انظر المسند ٤/١١٥..
٧ ساقطة من الأصل و م..
٨ في الأصل و م: إذا أحصن الرجل..
٩ في الأصل و م: اعترف..
١٠ في الأصل و م: يرجمهم..
١١ من م في الأصل: المهر..
١٢ في الأصل و م: لما..
١٣ ساقطة من الأصل و م..
١٤ ساقطة من الأصل و م..
١٥ ساقطة من الأصل و م..
١٦ ساقطة من الأصل و م..
١٧ في الأصل و م: الحر..
١٨ في الأصل و م: فيحبس..
١٩ في الأصل و م: يذكر..
٢٠ في الأصل و م: أو..
٢١ من م ساقطة من الأصل..
٢٢ في م الافتضاح..
٢٣ في الأصل و م: الناس..
٢٤ في الأصل و م: أربع..
٢٥ من م ساقطة من الأصل..
٢٦ ساقطة من الأصل و م..
٢٧ في الأصل و م: اثبت..
٢٨ في الأثل و م: فيشهدون..
٢٩ أدرج قبلها في الأصل و م: محله..
٣٠ من م في الأصل و في..
٣١ في الأصل و م: عليهم..
٣٢ في الأصل و م: يدين..
٣٣ ساقطة من الأصل و م..
٣٤ في الأصل و م: وقلة..
٣٥ في الأصل و م عظم..
٣٦ في الأصل و م: وانتهوا..
٣٧ في الأصل و م: وجهان أحدهما.
جرت السنة في الإماء بحدهن من غير ذكر الحبس، وقد قال اللَّه سبحانه وتعالى: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)، والمذكور في الثيب يحتمل: يجلد في حال ويرجم في حال؛ إذ لا كل ثيب يجلد، وإن كان ثم نسخ بما ذكر من خبر ماعز وغيره.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَآذُوهُمَا) قيل: فآذوهما، بالحد.
وقيل: فآذوهما بالتعيير (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا) كُفوا عن ذلك. وقيل: سبوهما، لكن ذا قبيح، والتعيير أقرب.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)
يحتمل قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ) كذا؛ أي: توفيق التوبة وهدايته على اللَّه - سبحانه وتعالى - إذا كانت نفسه ترغب فيها، وتميل إليها على اللَّه أن يوفقه على ذلك؛ إذا علم اللَّه منه أنه يتوب.
ويحتمل قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) سبحانه وتعالى أي: قبول التوبة على اللَّه - تعالى - إذا تاب ورجع عما كان فيه وارتكبه.
وفي قوله -أيضًا-: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) لمن ذكر، يحتمل قبولها بمعنى أن الذي
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَآذُوهُمَا) قيل: فآذوهما، بالحد.
وقيل: فآذوهما بالتعيير (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا) كُفوا عن ذلك. وقيل: سبوهما، لكن ذا قبيح، والتعيير أقرب.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)
يحتمل قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ) كذا؛ أي: توفيق التوبة وهدايته على اللَّه - سبحانه وتعالى - إذا كانت نفسه ترغب فيها، وتميل إليها على اللَّه أن يوفقه على ذلك؛ إذا علم اللَّه منه أنه يتوب.
ويحتمل قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) سبحانه وتعالى أي: قبول التوبة على اللَّه - تعالى - إذا تاب ورجع عما كان فيه وارتكبه.
وفي قوله -أيضًا-: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) لمن ذكر، يحتمل قبولها بمعنى أن الذي
77
لا يُسَوِّفُ التوبة ولا ينتظر بها وقت المنع عن ركوب ما عنه يتوب والإياس من إمكان العود إلى ما عنه يتوب، فاللَّه يقبلها إذا كان ذلك دأبه وعادته.
وإن بلغ هو ذلك الضيق بأمر دفع إليه، أو كان يتوب من قريب من الذنب بألا يستخف به؛ فيترك الرجوع؛ لقلة مبالاته به، فلا يقبلها ممن هذا وصف توبته، وحال استخفافه بالذنب.
والثاني: أن يكون توفيق التوبة والهداية إليه ممن يفزعه ذنبه ويبعثه على الرجوع إلى اللَّه، والتعرض لرحمته وإحسانه، ولا يوفق من لا يبالي بالذي يذكر ولا يتضرع إليه.
وقيل: الأول في الصغائر، والثاني في الكبائر، والثالث في الكفر: بأن صاحب الصغيرة أرق قلبًا وأخص ذكرًا له ورجوعًا إلى ربه، وصاحب الكبيرة أقسى قلبًا من الأول وأظلم، فهو لا يندم إلا بعد شدة، وبعد طول المحنة وضيق القلب، فليس على اللَّه قبول توبة من يتوب في تلك الحال، ولا توبة من بأن منه ما يأمله بالذي عليه قبول ذلك، ولكن بفضله وبرحمته يقبل ويوفق له بما كان منه من الخيرات والحسنات التي هُن أسباب التقريب إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - والكافر لا يقبلها؛ إذ هو لا يتوب حتى يموت؛ فيستيقن بالعذاب، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن تكون هذه الأجرة في الكفار؛ فيكون فيهم من يظهر التوبة عند الضرورة والدفع إلى الحال التي يزول عنه وسع الإمكان، ويأنس من الإمهال؛ ليصل إلى ما كان له يذنب، فاللَّه لا يقبل توبته؛ إذ ليست في الحقيقة تَوْبَةُ مَمكَّنٍ، بل توبة مضطر، وتوبة دفع ما حل به، إذ هو وقت يشغل عن الاستدلال، وعن الوقوف على الأسباب من جهة التأمُّل والنظر، ولا يرى غير الذي أقبل عليه يظن أن له الخلاص بالذي يبدّل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)
وإن بلغ هو ذلك الضيق بأمر دفع إليه، أو كان يتوب من قريب من الذنب بألا يستخف به؛ فيترك الرجوع؛ لقلة مبالاته به، فلا يقبلها ممن هذا وصف توبته، وحال استخفافه بالذنب.
والثاني: أن يكون توفيق التوبة والهداية إليه ممن يفزعه ذنبه ويبعثه على الرجوع إلى اللَّه، والتعرض لرحمته وإحسانه، ولا يوفق من لا يبالي بالذي يذكر ولا يتضرع إليه.
وقيل: الأول في الصغائر، والثاني في الكبائر، والثالث في الكفر: بأن صاحب الصغيرة أرق قلبًا وأخص ذكرًا له ورجوعًا إلى ربه، وصاحب الكبيرة أقسى قلبًا من الأول وأظلم، فهو لا يندم إلا بعد شدة، وبعد طول المحنة وضيق القلب، فليس على اللَّه قبول توبة من يتوب في تلك الحال، ولا توبة من بأن منه ما يأمله بالذي عليه قبول ذلك، ولكن بفضله وبرحمته يقبل ويوفق له بما كان منه من الخيرات والحسنات التي هُن أسباب التقريب إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - والكافر لا يقبلها؛ إذ هو لا يتوب حتى يموت؛ فيستيقن بالعذاب، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن تكون هذه الأجرة في الكفار؛ فيكون فيهم من يظهر التوبة عند الضرورة والدفع إلى الحال التي يزول عنه وسع الإمكان، ويأنس من الإمهال؛ ليصل إلى ما كان له يذنب، فاللَّه لا يقبل توبته؛ إذ ليست في الحقيقة تَوْبَةُ مَمكَّنٍ، بل توبة مضطر، وتوبة دفع ما حل به، إذ هو وقت يشغل عن الاستدلال، وعن الوقوف على الأسباب من جهة التأمُّل والنظر، ولا يرى غير الذي أقبل عليه يظن أن له الخلاص بالذي يبدّل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)
78
هذا -أيضًا- يحتمل وجهين:
يحتمل جهل الفعل؛ فيقع فيه من غير قصد.
ويحتمل: قصد الفعل، والجهل بموقع الفعل.
والعمل بجهالة يخرَّج على وجوه: يكون عن غلبة: تغلب عليه شهوته؛ فيعمل ذلك العمل على طمع منه أنه سيتوب من بعد، ويصير رجلاً صالحًا؛ على ما فعل إخوة يوسف، حيث قالوا: (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) ثم سماهم جهلة بذلك في آية أخرى، حيث قال لهم: (هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ).
ويحتمل العمل بالجهالة: هو أن يعمل على طمع المغفرة، ويتكل على رحمة اللَّه وكرمه.
ويحتمل العمل بالجهالة: جهالة عقوبة عمله على ذلك.
وكذلك الخطأ والنسيان على وجهين: خطأ الفعل: وهو الذي ليس بصواب ولا رشد.
وخطأ القصد عمد الفعل: وهو الذي قصد أحدًا فأصاب غيره.
والنسيان على وجهين -أيضًا-:
نسيان ترك: وهو الذي يجوز أن يضاف إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - بحال؛ كذلك الجهالة، واللَّه أعلم.
والأصل في الشيء المنسي أنه متروك، فسمي المتروك من الرحمة والكرامة منسيًّا؛ فتجوز الإضافة إلى اللَّه - تعالى - من هذا الوجه.
وقيل: نزل قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ...) الآية - في المؤمنين.
وقوله:
يحتمل جهل الفعل؛ فيقع فيه من غير قصد.
ويحتمل: قصد الفعل، والجهل بموقع الفعل.
والعمل بجهالة يخرَّج على وجوه: يكون عن غلبة: تغلب عليه شهوته؛ فيعمل ذلك العمل على طمع منه أنه سيتوب من بعد، ويصير رجلاً صالحًا؛ على ما فعل إخوة يوسف، حيث قالوا: (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) ثم سماهم جهلة بذلك في آية أخرى، حيث قال لهم: (هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ).
ويحتمل العمل بالجهالة: هو أن يعمل على طمع المغفرة، ويتكل على رحمة اللَّه وكرمه.
ويحتمل العمل بالجهالة: جهالة عقوبة عمله على ذلك.
وكذلك الخطأ والنسيان على وجهين: خطأ الفعل: وهو الذي ليس بصواب ولا رشد.
وخطأ القصد عمد الفعل: وهو الذي قصد أحدًا فأصاب غيره.
والنسيان على وجهين -أيضًا-:
نسيان ترك: وهو الذي يجوز أن يضاف إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - بحال؛ كذلك الجهالة، واللَّه أعلم.
والأصل في الشيء المنسي أنه متروك، فسمي المتروك من الرحمة والكرامة منسيًّا؛ فتجوز الإضافة إلى اللَّه - تعالى - من هذا الوجه.
وقيل: نزل قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ...) الآية - في المؤمنين.
وقوله:
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ | (١٨) إلى آخر الآية، في |
(وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ | (١٠٧) هو ما ذكرنا أن العصمة لا تنفع؛ إذا لم يكن أمر ونهي. |
قوله تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (١٠٨) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (١٠٩)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ)
يحتمل وجهين:
يحتمل: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ)، أي: يحتشمون من الناس أن يعلموا بصنيعهم، ولا يحتشمون من اللَّه، على علم منهم أنه لا يخفى عليه شيء.
ويحتمل: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ)، أي: يسترون سرهم من الناس.
354
وكذلك رُويَ في حرف حفصة: ولا يستترون من اللَّه، ولكن اللَّه يطلع الناس على ما يسرون.
(وَهُوَ مَعَهُم)، أي: لايخفي عليه شيء.
وقوله: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) - على وجهين:
أحدهما: على نفي القدرة وإثباتها: أن لهم ذلك في الإخفاء من الناس، وليس لهم في الإخفاء عن اللَّه.
والثاني: على قلة المبالاة: يعلم باطلاع اللَّه - تعالى - عليهم، وتركهم مراقبة اللَّه في الأمور، واجتهادهم في ذلك عن الخلق، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ) عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: (إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ) يقول: من العمل والفرية على اليهودي، بالسرقة.
وقيل: يبيتون: أي يؤلفون القول فيما بينهم، فيقولون: يأتي به النبي، فيقول له كذا وكذا؛ ليدفعوا عن صاحبهم الخيانة والتهمة، وهو طُعْمَة؛ على ما قيل في القصة: إنه سرق درع رجل فرماها في دار يهودي.
وقيل: إنه خبأها في دار يهودي، فلما طلب منه حلف باللَّه أنه ما سرق.
وقيل: التبييت: هو التقدير بالليل، وقد ذكرناه في قوله: (بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ...) الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)
هو على الوعيد؛ أي: عن علم منه يفعلون هذا، لا عن غفلة؛ كقوله - تعالى -: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)، لكنه يؤخره إلى يوم على علم منه ذلك، وعلى الإعلام أن اللَّه لم يزل عالمًا بما يكون منهم، وعلى ذلك امتحنهم، وباللَّه التوفيق.
(وَهُوَ مَعَهُم)، أي: لايخفي عليه شيء.
وقوله: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) - على وجهين:
أحدهما: على نفي القدرة وإثباتها: أن لهم ذلك في الإخفاء من الناس، وليس لهم في الإخفاء عن اللَّه.
والثاني: على قلة المبالاة: يعلم باطلاع اللَّه - تعالى - عليهم، وتركهم مراقبة اللَّه في الأمور، واجتهادهم في ذلك عن الخلق، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ) عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: (إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ) يقول: من العمل والفرية على اليهودي، بالسرقة.
وقيل: يبيتون: أي يؤلفون القول فيما بينهم، فيقولون: يأتي به النبي، فيقول له كذا وكذا؛ ليدفعوا عن صاحبهم الخيانة والتهمة، وهو طُعْمَة؛ على ما قيل في القصة: إنه سرق درع رجل فرماها في دار يهودي.
وقيل: إنه خبأها في دار يهودي، فلما طلب منه حلف باللَّه أنه ما سرق.
وقيل: التبييت: هو التقدير بالليل، وقد ذكرناه في قوله: (بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ...) الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)
هو على الوعيد؛ أي: عن علم منه يفعلون هذا، لا عن غفلة؛ كقوله - تعالى -: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)، لكنه يؤخره إلى يوم على علم منه ذلك، وعلى الإعلام أن اللَّه لم يزل عالمًا بما يكون منهم، وعلى ذلك امتحنهم، وباللَّه التوفيق.
355
الآية ١٠٧
وقوله تعالى :﴿ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ﴾ الآية : هو ما ذكرنا أن العصمة لا تنفع إن لم يكن أمر ونهي.
وقوله تعالى :﴿ يختانون أنفسهم ﴾ لا أحد يقصد خيانة نفسه.
ولكن لما رجع في العاقبة حاصل الخداع إليهم صاروا كأنهم خدعوا أنفسهم. فعلى ذلك الأول، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ﴾ الآية : هو ما ذكرنا أن العصمة لا تنفع إن لم يكن أمر ونهي.
وقوله تعالى :﴿ يختانون أنفسهم ﴾ لا أحد يقصد خيانة نفسه.
ولكن لما رجع في العاقبة حاصل الخداع إليهم صاروا كأنهم خدعوا أنفسهم. فعلى ذلك الأول، والله أعلم.
الآية ١٠٨
وقوله تعالى :﴿ يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم ﴾ يحتمل وجهين : يحتمل :﴿ يستخفون من الناس ﴾ أي يحتشمون من الناس أن يعلموا بصنيعهم، ولا يحتشمون من الله على علم منهم أنه لا خفى /١١٣-ب/ عليه شيء. ويحتمل :﴿ يستخفون من الناس ﴾أي يستترون بسرهم من الناس. وكذلك روي في حرف حفصة : ولا يستترون من الله. ولكن الله يطلع الناس على ما يسرون، وهو معهم، أي لا يخفى عليه شيء.
وقوله تعالى :﴿ ولا يستخفون من الله وهو معهم ﴾ على وجهين :
أحدهما : على نفي القدرة وإثباتها أن لهم ذلك في الإخفاء من الناس وليس لهم في الإخفاء من الله.
والثاني : على قلة المبالاة بعلم اطلاع١ الله عليهم، وتركهم مراقبة الله في الأمور، واجتهادهم في ذلك عن الخلق، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ إذ يبيتون ما لا يرضى من القول ﴾ عن ابن عباس ( أنه )٢ قال :﴿ إذ يبيتون ما لا يرضى ﴾ يقول : من العمل والفرية من اليهودي بالسرقة ). وقيل :﴿ يبيتون ﴾ أي يؤلفون القول في ما بينهم، فيقولون : نأتي به النبي صلى الله عليه وسلم ( فنقول له )٣ كذا وكذا ليدفعوا ٤ عن صاحبهم الخيانة والتهمة، وهو طعمة( بن أبيرق )٥ على ما قيل في القصة : إنه سرق درع رجل في دار يهودي، وقيل : إنه خبأها في دار يهودي، فلما طلبت منه حلق بالله أنه ما سرق. وقيل : التثبيت هو التقدير بالليل، ( وقد ذكرناه )٦ في قوله تعالى :﴿ بيت طائفة منهم ﴾ الآية ( النساء : ٨١ ).
وقوله تعالى :﴿ وكان الله بما يعملون محيطا ﴾ هو على الوعيد : أي عن علم منه يفعلون هذا لا عن غفلة كقوله تعالى :﴿ ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ﴾ ( إبراهيم : ٤٢ ) لكنه يؤخرهم إلى يوم على علم منه ذلك ؛ وعلى الإعلام أن الله لم يزل عالما بما يكون، وعلى ذلك امتحنهم، وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم ﴾ يحتمل وجهين : يحتمل :﴿ يستخفون من الناس ﴾ أي يحتشمون من الناس أن يعلموا بصنيعهم، ولا يحتشمون من الله على علم منهم أنه لا خفى /١١٣-ب/ عليه شيء. ويحتمل :﴿ يستخفون من الناس ﴾أي يستترون بسرهم من الناس. وكذلك روي في حرف حفصة : ولا يستترون من الله. ولكن الله يطلع الناس على ما يسرون، وهو معهم، أي لا يخفى عليه شيء.
وقوله تعالى :﴿ ولا يستخفون من الله وهو معهم ﴾ على وجهين :
أحدهما : على نفي القدرة وإثباتها أن لهم ذلك في الإخفاء من الناس وليس لهم في الإخفاء من الله.
والثاني : على قلة المبالاة بعلم اطلاع١ الله عليهم، وتركهم مراقبة الله في الأمور، واجتهادهم في ذلك عن الخلق، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ إذ يبيتون ما لا يرضى من القول ﴾ عن ابن عباس ( أنه )٢ قال :﴿ إذ يبيتون ما لا يرضى ﴾ يقول : من العمل والفرية من اليهودي بالسرقة ). وقيل :﴿ يبيتون ﴾ أي يؤلفون القول في ما بينهم، فيقولون : نأتي به النبي صلى الله عليه وسلم ( فنقول له )٣ كذا وكذا ليدفعوا ٤ عن صاحبهم الخيانة والتهمة، وهو طعمة( بن أبيرق )٥ على ما قيل في القصة : إنه سرق درع رجل في دار يهودي، وقيل : إنه خبأها في دار يهودي، فلما طلبت منه حلق بالله أنه ما سرق. وقيل : التثبيت هو التقدير بالليل، ( وقد ذكرناه )٦ في قوله تعالى :﴿ بيت طائفة منهم ﴾ الآية ( النساء : ٨١ ).
وقوله تعالى :﴿ وكان الله بما يعملون محيطا ﴾ هو على الوعيد : أي عن علم منه يفعلون هذا لا عن غفلة كقوله تعالى :﴿ ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ﴾ ( إبراهيم : ٤٢ ) لكنه يؤخرهم إلى يوم على علم منه ذلك ؛ وعلى الإعلام أن الله لم يزل عالما بما يكون، وعلى ذلك امتحنهم، وبالله التوفيق.
١ في الأصل وم: باطلاع..
٢ ساقطة من الأصل وم..
٣ في الأصل وم: فيقوله..
٤ أدرج قبلها في الأصل وم: إليه..
٥ ساقطة من الأصل وم..
٦ في الأصل: وم: قد ذكرنا..
٢ ساقطة من الأصل وم..
٣ في الأصل وم: فيقوله..
٤ أدرج قبلها في الأصل وم: إليه..
٥ ساقطة من الأصل وم..
٦ في الأصل: وم: قد ذكرنا..
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا... (١٠٩)
قيل: يعني: أصحاب طعمة؛ أي: لو خاصمتم عنهم يا هَؤُلَاءِ في الدنيا (فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَ)
أي: لا أحد يخاصم عنهم يوم القيامة.
(أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) يخاصم عنهم يوم القيامة.
وقيل: كفيلا، أي: في الدفع عنهم؛ كقوله - تعالى -: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ)، أي: في دفعها وإرادة أن يدحضوا بالباطل.
وقيل: رقيبا.
وقيل: كفيلا.
والوكيل: هو القائم بحفظ الأمور، والقاضي للحوائج، والمزيح للعلل.
* * *
قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (١١٢) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (١١٣)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ)
هما سواء، أي: من عمل سوءًا فقد ظلم نفسه، ومن ظلم نفسه فقد عمل سوءا.
ويحتمل ما قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من يعمل سوءًا إلى الناس، أو يظلم نفسه فيما بينه وبين اللَّه.
ثم روي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أرجى آية في القرآن هذه قوله: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ...) الآية.
وروي عنه -أيضًا- قال: أربع آيات من كتاب اللَّه - تعالى - أحب إليَّ من حمر النعم وسُودِها -: قوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا)، إِلَى آخره، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)،
قيل: يعني: أصحاب طعمة؛ أي: لو خاصمتم عنهم يا هَؤُلَاءِ في الدنيا (فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَ)
أي: لا أحد يخاصم عنهم يوم القيامة.
(أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) يخاصم عنهم يوم القيامة.
وقيل: كفيلا، أي: في الدفع عنهم؛ كقوله - تعالى -: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ)، أي: في دفعها وإرادة أن يدحضوا بالباطل.
وقيل: رقيبا.
وقيل: كفيلا.
والوكيل: هو القائم بحفظ الأمور، والقاضي للحوائج، والمزيح للعلل.
* * *
قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (١١٢) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (١١٣)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ)
هما سواء، أي: من عمل سوءًا فقد ظلم نفسه، ومن ظلم نفسه فقد عمل سوءا.
ويحتمل ما قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: من يعمل سوءًا إلى الناس، أو يظلم نفسه فيما بينه وبين اللَّه.
ثم روي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: أرجى آية في القرآن هذه قوله: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ...) الآية.
وروي عنه -أيضًا- قال: أربع آيات من كتاب اللَّه - تعالى - أحب إليَّ من حمر النعم وسُودِها -: قوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا)، إِلَى آخره، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)،
الآية ١١٠
وقوله تعالى :﴿ ومن يعمل سواء أو يظلم نفسه ﴾ هما سواء ؛ أي من عمل سواء فقد ظلم نفسه، ومن ظلم نفسه فقد عمل سوءا. ويحتمل ما قال ابن عباس :( ﴿ ومن يعمل سوءا ﴾إلى الناس﴿ أو يظلم نفسه ﴾ في ما بينه وبين الله ).
ثم روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( أنه )١ قال :( أرجى آية ٢ في القرآن هذه : قوله تعالى :﴿ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ﴾ الآية ). وروي عنه أيضا ( أنه قال )٣ :( أربع آيات من كتاب الله تعالى أحب إلي من حمر النعم وسودها : قوله تعالى :﴿ إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ﴾ إلى آخره ( النساء : ٤٠ ) وقوله تعالى :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ ( النساء : ٤٨و١١٦ ) وقوله تعالى :﴿ ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاؤوك فاسغفروا الله ﴾( النساء : ٦٤ ) وقوله تعالى :﴿ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ﴾ الآية ) ( النساء : ١١٠ ).
وعن علقمة والأسود ( أنهما )٤ قالا :( قال عبد الله : إن في كتاب الله لآيتين، ما أصاب عبد ذنبا، فقرأهما، ثم استغفر الله إلا غفر له :( الأولى )٥ ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ﴾ إلى آخر الآية ( آل عمران : ١٣٥ ) ( والثانية :)٦ ﴿ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله ﴾ ( النساء : ١١٠ ). وقوله تعالى٧ :﴿ ومن يكسب خطيئة أو إنما ﴾ ( النساء : ١١٢ ) يحتمل كل واحد منهما أنه الآخر، كرر على التأكيد ما جرى له الذكر. ويحتمل التفريق أن يكون سوءا إلى الناس وخطيئة إليهم، أو يظلم نفسه بما يأثم بينه وبين الله.
وقوله تعالى :﴿ ومن يعمل سواء أو يظلم نفسه ﴾ هما سواء ؛ أي من عمل سواء فقد ظلم نفسه، ومن ظلم نفسه فقد عمل سوءا. ويحتمل ما قال ابن عباس :( ﴿ ومن يعمل سوءا ﴾إلى الناس﴿ أو يظلم نفسه ﴾ في ما بينه وبين الله ).
ثم روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( أنه )١ قال :( أرجى آية ٢ في القرآن هذه : قوله تعالى :﴿ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ﴾ الآية ). وروي عنه أيضا ( أنه قال )٣ :( أربع آيات من كتاب الله تعالى أحب إلي من حمر النعم وسودها : قوله تعالى :﴿ إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ﴾ إلى آخره ( النساء : ٤٠ ) وقوله تعالى :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ ( النساء : ٤٨و١١٦ ) وقوله تعالى :﴿ ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاؤوك فاسغفروا الله ﴾( النساء : ٦٤ ) وقوله تعالى :﴿ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ﴾ الآية ) ( النساء : ١١٠ ).
وعن علقمة والأسود ( أنهما )٤ قالا :( قال عبد الله : إن في كتاب الله لآيتين، ما أصاب عبد ذنبا، فقرأهما، ثم استغفر الله إلا غفر له :( الأولى )٥ ﴿ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ﴾ إلى آخر الآية ( آل عمران : ١٣٥ ) ( والثانية :)٦ ﴿ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله ﴾ ( النساء : ١١٠ ). وقوله تعالى٧ :﴿ ومن يكسب خطيئة أو إنما ﴾ ( النساء : ١١٢ ) يحتمل كل واحد منهما أنه الآخر، كرر على التأكيد ما جرى له الذكر. ويحتمل التفريق أن يكون سوءا إلى الناس وخطيئة إليهم، أو يظلم نفسه بما يأثم بينه وبين الله.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ في الأصل وم: الآية..
٣ ساقطة من الأصل وم..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ ساقطة من الأصل وم..
٦ ساقطة من الأصل وم..
٧ أدرج بعدها في الأصل وم: أيضا..
٢ في الأصل وم: الآية..
٣ ساقطة من الأصل وم..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ ساقطة من الأصل وم..
٦ ساقطة من الأصل وم..
٧ أدرج بعدها في الأصل وم: أيضا..
وقوله - تعالى -: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ...) الآية، وقوله - تعالى -: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ...) الآية.
وعن علقمة والأسود قالا: قال عبد اللَّه: إن في كتاب اللَّه لآيتين، ما أصاب عبد ذنبها فقرأهما، ثم استغفر اللَّه إلا غفر له: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ...) إلى آخر الآية، وقوله: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ)، وقوله - تعالى -أيضًا-: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا) يحتمل كل واحد منهما أنه الآخر؛ كرر على التأكيد فيما جرى له الذكر.
ويحتمل التفريق: أن يكون سوءًا إلى الناس وخطيئة إليهم، أو يظلم نفسه: بما يأثم بما بينه وبين اللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ... (١١١) لأن حاصله يرجع إليه؛ فكأنه كسب على نفسه.
وقوله: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا... (١١٢)
يحتمل: أن يكون قوله: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا) واحدًا: الخطيئة هي الإثم، والإثم هو الخطيئة.
وقيل: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً) سرقته الدرع (أَوْ إِثْمًا): يقول بيمينه الكاذبة: أنه لم يسرقها، وإنما سرقها فلان اليهودي.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا)
قيل: لما طلب في داره رماها في دار اليهودي، ثم حلف باطلا وزورًا: أنه لم يسرقها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا).
يقول: كذبا على آخر بما لم يفعل.
والبهتان: هو أن يبهت الرجل الرجل كذبًا بما لم يفعل، (وَإِثْمًا مُبِينًا): بيمينه الكاذبة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ... (١١٣)
قال أكثر أهل التأويل: نزلت هذه الآية في شأن طعمة الذي سرق درع جار له
وعن علقمة والأسود قالا: قال عبد اللَّه: إن في كتاب اللَّه لآيتين، ما أصاب عبد ذنبها فقرأهما، ثم استغفر اللَّه إلا غفر له: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ...) إلى آخر الآية، وقوله: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ)، وقوله - تعالى -أيضًا-: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا) يحتمل كل واحد منهما أنه الآخر؛ كرر على التأكيد فيما جرى له الذكر.
ويحتمل التفريق: أن يكون سوءًا إلى الناس وخطيئة إليهم، أو يظلم نفسه: بما يأثم بما بينه وبين اللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ... (١١١) لأن حاصله يرجع إليه؛ فكأنه كسب على نفسه.
وقوله: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا... (١١٢)
يحتمل: أن يكون قوله: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا) واحدًا: الخطيئة هي الإثم، والإثم هو الخطيئة.
وقيل: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً) سرقته الدرع (أَوْ إِثْمًا): يقول بيمينه الكاذبة: أنه لم يسرقها، وإنما سرقها فلان اليهودي.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا)
قيل: لما طلب في داره رماها في دار اليهودي، ثم حلف باطلا وزورًا: أنه لم يسرقها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا).
يقول: كذبا على آخر بما لم يفعل.
والبهتان: هو أن يبهت الرجل الرجل كذبًا بما لم يفعل، (وَإِثْمًا مُبِينًا): بيمينه الكاذبة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ... (١١٣)
قال أكثر أهل التأويل: نزلت هذه الآية في شأن طعمة الذي سرق درع جار له
357
بالذي سبق ذكره، وقالوا: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ)، أي: يخطئوك، وليس هو الإضلال في الدِّين، ولكن إن كان كما قالوا فهو تخطئة الحكم.
ويحتمل قوله: (أَنْ يُضِلُّوكَ)، أي: يجهلوك في حكم السرقة.
ويجوز أن يكون جاهلا في سرقته؛ لمَّا لم يدر أنه سرق، وكان يصدقه في الحكم أنه لم يسرق؛ لأنه إنما كان يعلم الأشياء بالوحي، ثم أعلم أنه قد سرق.
ويحتمل: أن تكون الآية في الكفار كلهم؛ لأن الكفرة والمنافقين لم يزل كانوا يريدون أن يضلوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن الهدى، ويصرفوه عنه؛ كقوله - تعالى -: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)، وكقوله - تعالى -: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا).
ثم يحتمل قوله - تعالى -: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ)؛ حيث عصمك بالنبوة؛ وإلا لأضلوك عن سبيل اللَّه: الهدى، وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ) أي: بالعصمة، (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا).
والثاني: ولولا فضل اللَّه عليك ورحمته؛ حيث أعلمك بالحكم في ذلك، وبصّرك به بالوحي، وصرفك عن تصديق ذلك الخائن، إن ثبت ما قالوا؛ وإلا لهموا أن يخطئوك ويجهلوك فيه.
ثم في الآية نقض قول المعتزلة؛ لأنه مَنَّ على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه عصمه، وهم يقولون: كان عليه أن يعصمه، وهو كان يستحق ذلك قبله. فلو كان عليه ذلك لم يكن للامتنان عليه بذلك معنى؛ إذ فعلَ ما كان عليه أن يفعل؛ على زعمهم، ومن فعل فعلا عليه ذلك - لم يقل إنه تفضَّلَ؛ دل أنه ليس كما قالوا، وباللَّه التوفيق والعصمة.
وقوله -أيضًا-: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) يخرج على وجهين:
أحدهما: يكفهم عما هموا.
والثاني: يعصمه عما راموا فيه أن يظفروا منه بعد أن أظهروا ما طلبوا.
وقوله: (يُضِلُّوكَ): يجهلوك الحكم بالتلبيس وأنواع التمويه يرجع ذلك إلى نازلة.
ويحتمل قوله: (أَنْ يُضِلُّوكَ)، أي: يجهلوك في حكم السرقة.
ويجوز أن يكون جاهلا في سرقته؛ لمَّا لم يدر أنه سرق، وكان يصدقه في الحكم أنه لم يسرق؛ لأنه إنما كان يعلم الأشياء بالوحي، ثم أعلم أنه قد سرق.
ويحتمل: أن تكون الآية في الكفار كلهم؛ لأن الكفرة والمنافقين لم يزل كانوا يريدون أن يضلوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن الهدى، ويصرفوه عنه؛ كقوله - تعالى -: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)، وكقوله - تعالى -: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا).
ثم يحتمل قوله - تعالى -: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ)؛ حيث عصمك بالنبوة؛ وإلا لأضلوك عن سبيل اللَّه: الهدى، وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ) أي: بالعصمة، (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا).
والثاني: ولولا فضل اللَّه عليك ورحمته؛ حيث أعلمك بالحكم في ذلك، وبصّرك به بالوحي، وصرفك عن تصديق ذلك الخائن، إن ثبت ما قالوا؛ وإلا لهموا أن يخطئوك ويجهلوك فيه.
ثم في الآية نقض قول المعتزلة؛ لأنه مَنَّ على رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه عصمه، وهم يقولون: كان عليه أن يعصمه، وهو كان يستحق ذلك قبله. فلو كان عليه ذلك لم يكن للامتنان عليه بذلك معنى؛ إذ فعلَ ما كان عليه أن يفعل؛ على زعمهم، ومن فعل فعلا عليه ذلك - لم يقل إنه تفضَّلَ؛ دل أنه ليس كما قالوا، وباللَّه التوفيق والعصمة.
وقوله -أيضًا-: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) يخرج على وجهين:
أحدهما: يكفهم عما هموا.
والثاني: يعصمه عما راموا فيه أن يظفروا منه بعد أن أظهروا ما طلبوا.
وقوله: (يُضِلُّوكَ): يجهلوك الحكم بالتلبيس وأنواع التمويه يرجع ذلك إلى نازلة.
358
الآية ١١٢
وقوله تعالى :﴿ ومن يكسب خطيئة أو إثما ﴾ يحتمل أن يكون قوله :﴿ ومن يكسب خطيئة أو إثما ﴾ واحدا ؛ الخطيئة هي الإثم، والإثم هو الخطيئة. وقيل :﴿ ومن يكسب خطيئة ﴾ سرقة الدرع﴿ أو إثما ﴾ يقول بيمينه الكاذبة : إنه١ لم يسرقها، وإنما سرقها فلان اليهودي.
وقوله تعالى :﴿ ثم يرم به بريئا ﴾ قيل : لما طلبت الدرع في داره رماها في دار اليهودي، ثم حلف باطلا وزورا أنه لم يسرقها.
وقوله تعالى :﴿ فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ﴾ يقول كذبا على آخر بما لم يفعل، والبهتان هو أن يبهت الرجل كذبا بما لم يفعل ﴿ وإثما مبينا ﴾ بيمينه الكاذبة، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ ومن يكسب خطيئة أو إثما ﴾ يحتمل أن يكون قوله :﴿ ومن يكسب خطيئة أو إثما ﴾ واحدا ؛ الخطيئة هي الإثم، والإثم هو الخطيئة. وقيل :﴿ ومن يكسب خطيئة ﴾ سرقة الدرع﴿ أو إثما ﴾ يقول بيمينه الكاذبة : إنه١ لم يسرقها، وإنما سرقها فلان اليهودي.
وقوله تعالى :﴿ ثم يرم به بريئا ﴾ قيل : لما طلبت الدرع في داره رماها في دار اليهودي، ثم حلف باطلا وزورا أنه لم يسرقها.
وقوله تعالى :﴿ فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ﴾ يقول كذبا على آخر بما لم يفعل، والبهتان هو أن يبهت الرجل كذبا بما لم يفعل ﴿ وإثما مبينا ﴾ بيمينه الكاذبة، والله أعلم.
١ من م، في الأصل: إن..
الآية ١١٣
وقوله تعالى :﴿ ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك ﴾ قال أكثر أهل التأويل : نزلت هذه الآية في شأن طعمه( بين أبيرق )١ الذي سرق درع جار له بالذي سبق ذكره، وقالوا :﴿ ولولا فضل الله عليك ورحمته ﴾ لهم٢ قوم طعمة ( بن أبيرق )٣ أن يضلوك أي يخطئوك. وليس هو الإضلال في الدين. ولكن إن كان ما قالوا فهو تخطئة الحكم.
ويحتمل قوله :﴿ أن يضلوك ﴾أن٤ يجهلوك في حكم السرقة، ويجوز أن يكون جاهلا في سرقته لما لم ( يدر أنه سرق، وكاد )٥ يصدقه في الحكم أنه لم يسرق ؛ لأنه إنما كان يعلم الأشياء بالوحي، ثم أعلم أنه قد سرق.
ويحتمل أن تكون الآية في الكفار كلهم، لأن الكفرة والمنافقين لمن يزالوا يريدون٦ أن يضلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهدى، ويصرفوه٧ عنه كقوله تعالى :﴿ ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ﴾( النساء : ٨٩ ) وكقوله تعالى :﴿ ود كثير من أهل الكتاب لم يردونكم من بعد إيمانكم كفارا ﴾ ( البقرة : ١٠٩ ).
ثم يحتمل قوله تعالى :﴿ ولولا فضل الله عليك ﴾ ( وجهين :
أحدهما : حين عصمك )٨ بالنبوة. وإلا لأضلوك عن سبيل الله ؛ ( وهو )٩ الهدى كقوله تعالى :﴿ ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ﴾ ( الإسراء : ٧٤ ).
والثاني :﴿ ولولا فضل الله عليك ورحمته ﴾ حين أعلمك بالحكم في ذلك، ونصرك به بالوحي، وصرفك عن تصديق ذلك الخائن أو تثبيت١٠ ما قالوا، وإلا لهموا أن يخطئوك ١١، ويجهلوك فيه.
ثم في الآية، نقض قول المعتزلة لأنه من على رسوله صلى الله عليه وسلم أنه عصمه، وهم يقولون : كان عليه أن يعصمه، وهو كان يستحق ذلك قبله. فلو كان عليه ذلك لم يكن للامتنان عليه بذلك معنى ؛ إذ فعل ما كان عليه ذلك، لم يفعل أنه مفضل. دل أنه ليس كما قالوا، وبالله التوفيق والعصمة.
( وقوله تعالى )١٢ :﴿ ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك ﴾ يخرج على وجهين :
أحدهما : يكفهم عما هموا.
والثاني : يعصمه عما راموا فه : أن يظفروا منه بعد أن أظهروا ما طلبوا.
وقوله تعالى :﴿ يضلوك ﴾ يجهلوك الحكم بالتلبيس وأنواع التمويه ؛ يرجع ذلك إلى ( أمرين ؛
أحدهما : الزلة )١٣.
والثاني : أن يكون الإضلال عن السبيل والحيل في الصرف عن الحق، وهذا هو الذي لم يزل أعداء الله يقصدون برسول الله وبجميع أهل الخير.
فكفهم بوجهين : يتوجه كل وجه إلى وجهين :
أحدهما : ظواهر الأسباب من الوحي.
( والثاني : الآيات )١٤، وكذا في كفهم مرة بالقتال والأسباب الظاهرة، ومرة باللطف والعصمة. وسمى ذلك فضلا ورحمة ايعرف أن ذلك فضله، ليس ١٥ حقا قبله، إذ ليس بذل الحقوق الحقوق يعد في الفضائل.
وقوله تعالى :﴿ وما يضلون إلا أنفسهم ﴾ لا ( أحد يقصد )١٦ إضلال نفسه، لكن لما رجع حاصل ذلك الإضلال إلى أنفسهم، كأنهم١٧ ضلوا أنفسهم.
وقوله تعالى :﴿ وما يضرونك من شيء ﴾ أمن رسوله من ضرر أولئك كقوله تعالى :﴿ والله يعصمك من الناس ﴾ ( المائدة : ٦٧ ).
وقوله تعالى :﴿ وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة ﴾ قد ذكرنا في غير موضع.
وقوله تعالى :﴿ وعلمك ما لم تكن تعلم ﴾ من الحلال والحرام والأحكام كلها وغير ذلك كقوله تعالى :﴿ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ﴾( الشورى : ٥٢ ) فهو كذلك كان.
وقوله تعالى :﴿ وكان فضل الله عليك عظيما ﴾ في ما علمك من الأحكام، وعصمك بالنبوة والرسالة، وصرف عنك ضرر الأعداء، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك ﴾ قال أكثر أهل التأويل : نزلت هذه الآية في شأن طعمه( بين أبيرق )١ الذي سرق درع جار له بالذي سبق ذكره، وقالوا :﴿ ولولا فضل الله عليك ورحمته ﴾ لهم٢ قوم طعمة ( بن أبيرق )٣ أن يضلوك أي يخطئوك. وليس هو الإضلال في الدين. ولكن إن كان ما قالوا فهو تخطئة الحكم.
ويحتمل قوله :﴿ أن يضلوك ﴾أن٤ يجهلوك في حكم السرقة، ويجوز أن يكون جاهلا في سرقته لما لم ( يدر أنه سرق، وكاد )٥ يصدقه في الحكم أنه لم يسرق ؛ لأنه إنما كان يعلم الأشياء بالوحي، ثم أعلم أنه قد سرق.
ويحتمل أن تكون الآية في الكفار كلهم، لأن الكفرة والمنافقين لمن يزالوا يريدون٦ أن يضلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهدى، ويصرفوه٧ عنه كقوله تعالى :﴿ ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ﴾( النساء : ٨٩ ) وكقوله تعالى :﴿ ود كثير من أهل الكتاب لم يردونكم من بعد إيمانكم كفارا ﴾ ( البقرة : ١٠٩ ).
ثم يحتمل قوله تعالى :﴿ ولولا فضل الله عليك ﴾ ( وجهين :
أحدهما : حين عصمك )٨ بالنبوة. وإلا لأضلوك عن سبيل الله ؛ ( وهو )٩ الهدى كقوله تعالى :﴿ ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ﴾ ( الإسراء : ٧٤ ).
والثاني :﴿ ولولا فضل الله عليك ورحمته ﴾ حين أعلمك بالحكم في ذلك، ونصرك به بالوحي، وصرفك عن تصديق ذلك الخائن أو تثبيت١٠ ما قالوا، وإلا لهموا أن يخطئوك ١١، ويجهلوك فيه.
ثم في الآية، نقض قول المعتزلة لأنه من على رسوله صلى الله عليه وسلم أنه عصمه، وهم يقولون : كان عليه أن يعصمه، وهو كان يستحق ذلك قبله. فلو كان عليه ذلك لم يكن للامتنان عليه بذلك معنى ؛ إذ فعل ما كان عليه ذلك، لم يفعل أنه مفضل. دل أنه ليس كما قالوا، وبالله التوفيق والعصمة.
( وقوله تعالى )١٢ :﴿ ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك ﴾ يخرج على وجهين :
أحدهما : يكفهم عما هموا.
والثاني : يعصمه عما راموا فه : أن يظفروا منه بعد أن أظهروا ما طلبوا.
وقوله تعالى :﴿ يضلوك ﴾ يجهلوك الحكم بالتلبيس وأنواع التمويه ؛ يرجع ذلك إلى ( أمرين ؛
أحدهما : الزلة )١٣.
والثاني : أن يكون الإضلال عن السبيل والحيل في الصرف عن الحق، وهذا هو الذي لم يزل أعداء الله يقصدون برسول الله وبجميع أهل الخير.
فكفهم بوجهين : يتوجه كل وجه إلى وجهين :
أحدهما : ظواهر الأسباب من الوحي.
( والثاني : الآيات )١٤، وكذا في كفهم مرة بالقتال والأسباب الظاهرة، ومرة باللطف والعصمة. وسمى ذلك فضلا ورحمة ايعرف أن ذلك فضله، ليس ١٥ حقا قبله، إذ ليس بذل الحقوق الحقوق يعد في الفضائل.
وقوله تعالى :﴿ وما يضلون إلا أنفسهم ﴾ لا ( أحد يقصد )١٦ إضلال نفسه، لكن لما رجع حاصل ذلك الإضلال إلى أنفسهم، كأنهم١٧ ضلوا أنفسهم.
وقوله تعالى :﴿ وما يضرونك من شيء ﴾ أمن رسوله من ضرر أولئك كقوله تعالى :﴿ والله يعصمك من الناس ﴾ ( المائدة : ٦٧ ).
وقوله تعالى :﴿ وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة ﴾ قد ذكرنا في غير موضع.
وقوله تعالى :﴿ وعلمك ما لم تكن تعلم ﴾ من الحلال والحرام والأحكام كلها وغير ذلك كقوله تعالى :﴿ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ﴾( الشورى : ٥٢ ) فهو كذلك كان.
وقوله تعالى :﴿ وكان فضل الله عليك عظيما ﴾ في ما علمك من الأحكام، وعصمك بالنبوة والرسالة، وصرف عنك ضرر الأعداء، والله أعلم.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ في الأصل وم: لقد هم..
٣ ساقطة من الأصل وم..
٤ في الأصل وم: أي..
٥ في الأصل: يدرك أنه وكان، في م: يدر أنه سرق وكان..
٦ أدرج قبلها في الأصل وم: كانوا..
٧ في الأصل وم: ويصرفوا..
٨ في الأصل وم: حيث عصمكم..
٩ أدرجت في الأصل وم بعد: الهدى..
١٠ في الأصل: ثلث، في م: ثبت..
١١ من م، في الأصل: يحفظوك..
١٢ ساقطة من الأصل وم..
١٣ في الأصل وم: نازله..
١٤ في الأصل وم: الآيات..
١٥ في الأصل وم: لا..
١٦ في الأصل وم: يقصد قصد أحدا..
١٧ في الأصل وم: كانوا..
٢ في الأصل وم: لقد هم..
٣ ساقطة من الأصل وم..
٤ في الأصل وم: أي..
٥ في الأصل: يدرك أنه وكان، في م: يدر أنه سرق وكان..
٦ أدرج قبلها في الأصل وم: كانوا..
٧ في الأصل وم: ويصرفوا..
٨ في الأصل وم: حيث عصمكم..
٩ أدرجت في الأصل وم بعد: الهدى..
١٠ في الأصل: ثلث، في م: ثبت..
١١ من م، في الأصل: يحفظوك..
١٢ ساقطة من الأصل وم..
١٣ في الأصل وم: نازله..
١٤ في الأصل وم: الآيات..
١٥ في الأصل وم: لا..
١٦ في الأصل وم: يقصد قصد أحدا..
١٧ في الأصل وم: كانوا..
والثاني: أن يكون بالإضلال عن السبيل والحيل في الصرف عن الحق، وهذا هو الذي لم يزل أعداء اللَّه يقصدون برسول اللَّه وبجميع أهل الخير؛ فكفهم بوجهين، يتوجه كل وجه إلى وجهين:
أحدهما: ظواهر الأسباب من الوحي والآيات، وكذا في كفهم مرة بالقتال والأسباب الظاهرة، ومرة باللطف والعصمة، وسمى ذلك فضلا ورحمة؛ ليعرف أن ذلك فضله لا حقًّا قبله؛ إذ ليس بذل الحقوق يُعَد في الفضائل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لا أحد يقصد قصد إضلال نفسه؛ لكن لما رجع حاصل ذلك الإضلال إلى أنفسهم كأنهم أضلوا أنفسهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ).
أمَّن رسوله عن ضرر أُولَئِكَ؛ كقوله - تعالى -: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)
قد ذكرناه في غير موضع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)
من الحلال والحرام والأحكام كلها، وغير ذلك؛ كقوله: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ)، فهو كذلك كان.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)
فيما علمك من الأحكام، وعصمك بالنبوة والرسالة، وصرف عنك ضرر الأعداء واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١١٤) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ).
اختلف في النجوى:
أحدهما: ظواهر الأسباب من الوحي والآيات، وكذا في كفهم مرة بالقتال والأسباب الظاهرة، ومرة باللطف والعصمة، وسمى ذلك فضلا ورحمة؛ ليعرف أن ذلك فضله لا حقًّا قبله؛ إذ ليس بذل الحقوق يُعَد في الفضائل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لا أحد يقصد قصد إضلال نفسه؛ لكن لما رجع حاصل ذلك الإضلال إلى أنفسهم كأنهم أضلوا أنفسهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ).
أمَّن رسوله عن ضرر أُولَئِكَ؛ كقوله - تعالى -: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)
قد ذكرناه في غير موضع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)
من الحلال والحرام والأحكام كلها، وغير ذلك؛ كقوله: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ)، فهو كذلك كان.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)
فيما علمك من الأحكام، وعصمك بالنبوة والرسالة، وصرف عنك ضرر الأعداء واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١١٤) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ).
اختلف في النجوى:
قيل: النجوى: القوم؛ كقوله: (وَإِذْ هُمْ نَجْوَى)، أي: رجال.
وقيل: النجوى: هي الإسرار؛ كقوله: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ...) الآية.
ثم استثنى: (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ...) الآية.
فإن كان التأويل من النجوى هو فعل النجوى خاصة، فكأنه قال: لا خير في كثير من نجواهم إلا الأمر بالصدقة، والأمر بالمعروف، والإصلاح بين الناس. وإن كان تأويل النجوى هو القوم، فكأنه قال: واللَّه أعلم: " لاخير في كثير منهم إلى من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس؛ وكان هذا أقرب.
ومعنى الثنيا من الكثير فيما يرجع إلى القوم؛ فكأنه قال: لا خير في كثير منهم إلا من يرجع أمره إلى ما ذكر؛ فيصير إلى خير.
وقد يحتمل: أن قومًا منهم يرجع نجواهم إلى خير، وهم أقلهم، ومن الفعل، على أن الفعل ربما يكون فعل خير، وإن كانوا أهل النفاق والكفر، لكن بين أنه غير مقبول إلا أن يبتغي به مرضاة اللَّه، وذلك لا يكون إلا أن يؤمنوا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ... (١١٥)
قيل: لما تبين خيانته لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - استحيا أن يقيم بالمدينة؛ فارتد، ولحق بمكة كافرًا؛ فنزل قوله - تعالى -: (وَمَن يشَاقِقِ الرَّسُولَ) يقول: يخالف الرسول (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ).
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى)، يقول: من بعد ما كان كافرًا تبين له الإسلام وأسلم.
وقال: لما أبان أمر طُعْمَة، وعلم أنه سرق الدرع - أنزل اللَّه - تعالى -: (وَالسَّارِقُ
وقيل: النجوى: هي الإسرار؛ كقوله: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ...) الآية.
ثم استثنى: (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ...) الآية.
فإن كان التأويل من النجوى هو فعل النجوى خاصة، فكأنه قال: لا خير في كثير من نجواهم إلا الأمر بالصدقة، والأمر بالمعروف، والإصلاح بين الناس. وإن كان تأويل النجوى هو القوم، فكأنه قال: واللَّه أعلم: " لاخير في كثير منهم إلى من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس؛ وكان هذا أقرب.
ومعنى الثنيا من الكثير فيما يرجع إلى القوم؛ فكأنه قال: لا خير في كثير منهم إلا من يرجع أمره إلى ما ذكر؛ فيصير إلى خير.
وقد يحتمل: أن قومًا منهم يرجع نجواهم إلى خير، وهم أقلهم، ومن الفعل، على أن الفعل ربما يكون فعل خير، وإن كانوا أهل النفاق والكفر، لكن بين أنه غير مقبول إلا أن يبتغي به مرضاة اللَّه، وذلك لا يكون إلا أن يؤمنوا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ... (١١٥)
قيل: لما تبين خيانته لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - استحيا أن يقيم بالمدينة؛ فارتد، ولحق بمكة كافرًا؛ فنزل قوله - تعالى -: (وَمَن يشَاقِقِ الرَّسُولَ) يقول: يخالف الرسول (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ).
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى)، يقول: من بعد ما كان كافرًا تبين له الإسلام وأسلم.
وقال: لما أبان أمر طُعْمَة، وعلم أنه سرق الدرع - أنزل اللَّه - تعالى -: (وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)؛ قيل له: يا طعمة، إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قاطِعُك؛ فخرج هاربًا إلى مكة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) يعني: غير دين المؤمنين.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ويسلك غير سبيل المؤمنين ".
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى)
أي: نتركه وما تولى من ولاية الشيطان.
وقيل: ندعه وما اختار من الدِّين غير دين المؤمنين.
(وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ)، أي: ندخله جهنم في الآخرة.
وقيل: قوله: (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى)، أي: نوله في الآخرة ما تولى في الدنيا.
(وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
يقول: بئس المصير صار إليه.
وقوله - تعالى -: (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى) أنه تولى الشيطان؛ فجعله اللَّه وليًّا؛ كقوله - تعالى -: (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا)، وغير ذلك، ويكون نخذله فيما اختاره، ونكون نجزه جزاء توليه، ويكون بخلق توليه منه جورًا باطلا، مهلكًا له، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١١٦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (١٢٠) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (١٢١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (١٢٢)
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ...) الآية.
في الآية دليل ألا يصير بكل ذنب مشركًا؛ على ما قاله الخوارج لما قسم الكتاب، ولا
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) يعني: غير دين المؤمنين.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ويسلك غير سبيل المؤمنين ".
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى)
أي: نتركه وما تولى من ولاية الشيطان.
وقيل: ندعه وما اختار من الدِّين غير دين المؤمنين.
(وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ)، أي: ندخله جهنم في الآخرة.
وقيل: قوله: (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى)، أي: نوله في الآخرة ما تولى في الدنيا.
(وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
يقول: بئس المصير صار إليه.
وقوله - تعالى -: (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى) أنه تولى الشيطان؛ فجعله اللَّه وليًّا؛ كقوله - تعالى -: (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا)، وغير ذلك، ويكون نخذله فيما اختاره، ونكون نجزه جزاء توليه، ويكون بخلق توليه منه جورًا باطلا، مهلكًا له، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١١٦) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (١٢٠) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (١٢١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (١٢٢)
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ...) الآية.
في الآية دليل ألا يصير بكل ذنب مشركًا؛ على ما قاله الخوارج لما قسم الكتاب، ولا
361
يحتمل إضمار التوبة؛ لأن الشرك مما: يُغفر بالتوبة؛ فبطل قولهم.
وفيه بطلان قول من يبطل المغفرة في الكبائر بلا توبة؛ لأن اللَّه - تعالى - جعل لنفسه مشيئة المغفرة، وذلك فيما في الحكمة دفعه سفه؛ فلزم الذي ذكرنا الفريقين جميعًا.
ثم الذي ينقض قول الخوارج الذين يكفرون بارتكاب الصغائر - ما بلى بها الأنبياء والأولياء؛ وما يكفر صاحبه - يُسقط النبوة والولاية، ومن كان وصف إيمانه بالأنبياء - عليهم السلام - هذا؛ فهو كافر بهم.
وعلى المعتزلة في ذلك أن اللَّه وصف الأنبياء - عليهم السلام - بالدعاء له تضرعًا وخيفة، وخوفًا وطمعًا، وبكائهم على ما كان منهم من الزلات وتضرعهم إليه؛ حتى أجيبوا في دعائهم، ولو لم يكن ذنوبهم بحيث يحتمل التعذيب عليها في الحكمة، لكان في ذلك تعدى الحد والوصف بالجور والتعوذ به، وذلك أعظم من الزلات.
فهذا ينقض قول المعتزلة في إثبات المغفرة في الصغائر، وإخراج فعل التعذيب عن الحكمة، وقول الخوارج بإزالة اسم الإيمان بها، ولا عصمة إلا باللَّه.
ثم قوله: (لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) - يحتمل: الشرك في الاعتقاد، وهو أن يشرك غيره في ربوبيته وألوهيته، وبين أن يشرك غيره في عبادته؛ ألا ترى أنه قال: - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)، ثم قال اللَّه - تعالى - في آخره: (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا): جعل الإشراك في الألوهية والربوبية، والإشراكَ في العبادة واحدًا؛ كله شرك باللَّه، وباللَّه التوفيق.
ثم قوله: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) لا يحتمل ما قالت المعتزلة: إنه وعد المغفرة فيما يشاء، ثم بين ذلك في الصغائر بقوله - تعالى -: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)، وقد ثبت الوعيد في الكبائر؛ بقي الوعد بحقه لم يزل بالذي ذكر لاحتماله.
وقيل: قوله: (لِمَنْ يَشَاءُ) كناية عن الأنفس المغفورات، لا عن الآثام والأجرام التي تغفر، لم يجز صرف التخصيص إلى الآثام بالآية المكنى بها عن الأنفس؛ لأنه لم يقل: ما شاء، ولكن قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِمَنْ يَشَاءُ)؛ فذلك كناية عن الأنفس.
وفي آيات الوعيد تحقيق في الذين جاء بهم، وفيما جاء على ما قيل: لا صرف في
وفيه بطلان قول من يبطل المغفرة في الكبائر بلا توبة؛ لأن اللَّه - تعالى - جعل لنفسه مشيئة المغفرة، وذلك فيما في الحكمة دفعه سفه؛ فلزم الذي ذكرنا الفريقين جميعًا.
ثم الذي ينقض قول الخوارج الذين يكفرون بارتكاب الصغائر - ما بلى بها الأنبياء والأولياء؛ وما يكفر صاحبه - يُسقط النبوة والولاية، ومن كان وصف إيمانه بالأنبياء - عليهم السلام - هذا؛ فهو كافر بهم.
وعلى المعتزلة في ذلك أن اللَّه وصف الأنبياء - عليهم السلام - بالدعاء له تضرعًا وخيفة، وخوفًا وطمعًا، وبكائهم على ما كان منهم من الزلات وتضرعهم إليه؛ حتى أجيبوا في دعائهم، ولو لم يكن ذنوبهم بحيث يحتمل التعذيب عليها في الحكمة، لكان في ذلك تعدى الحد والوصف بالجور والتعوذ به، وذلك أعظم من الزلات.
فهذا ينقض قول المعتزلة في إثبات المغفرة في الصغائر، وإخراج فعل التعذيب عن الحكمة، وقول الخوارج بإزالة اسم الإيمان بها، ولا عصمة إلا باللَّه.
ثم قوله: (لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) - يحتمل: الشرك في الاعتقاد، وهو أن يشرك غيره في ربوبيته وألوهيته، وبين أن يشرك غيره في عبادته؛ ألا ترى أنه قال: - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)، ثم قال اللَّه - تعالى - في آخره: (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا): جعل الإشراك في الألوهية والربوبية، والإشراكَ في العبادة واحدًا؛ كله شرك باللَّه، وباللَّه التوفيق.
ثم قوله: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) لا يحتمل ما قالت المعتزلة: إنه وعد المغفرة فيما يشاء، ثم بين ذلك في الصغائر بقوله - تعالى -: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)، وقد ثبت الوعيد في الكبائر؛ بقي الوعد بحقه لم يزل بالذي ذكر لاحتماله.
وقيل: قوله: (لِمَنْ يَشَاءُ) كناية عن الأنفس المغفورات، لا عن الآثام والأجرام التي تغفر، لم يجز صرف التخصيص إلى الآثام بالآية المكنى بها عن الأنفس؛ لأنه لم يقل: ما شاء، ولكن قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِمَنْ يَشَاءُ)؛ فذلك كناية عن الأنفس.
وفي آيات الوعيد تحقيق في الذين جاء بهم، وفيما جاء على ما قيل: لا صرف في
362
ذلك؛ فهو أولى.
وبعد: فإنه قال: (لِمَنْ يَشَاءُ)، والصغائر عندهم مغفورة بالحكمة لا بالوعد، والآية في التعريف، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا... (١١٧)
عن الحسن قال: الإناث: الأموات التي لا روح فيها وكذلك روي عن ابن عباس، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقيل قوله - تعالى -: (إِلَّا إِنَاثًا): هم الملائكة؛ لأنهم يقولون: الملائكة بنات اللَّه في السماء؛ فعبدوها؛ فإنهم إنما عبدوا الإناث عندهم وفي زعمهم.
وقيل: إناثًا من الوثن؛ وكذلك روي في حرف عائشة - رضي اللَّه عنها - أنها كانت تقرأ: " إن يدعون من دونه إلا أوثانا "، وهو الصنم؛ سمي إناثًا لما صوروها بصور الإناث، وحلَّوْها، وقلدوها قلائد، وزينوها بزيهم، ثم يعبدونها لم يعبدوها على ما كان في الأصل؛ فسمي بذلك.
وقيل، سمي إناثًا؛ لأنهم كانوا يسمون ما يعبدون من الأصنام والأوثان: اللات، والعزى، ومناة؛ فأسماؤهن أسماء إناث، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا):
أخبر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أنهم وإن كانوا يفرون من الشيطان ويأنفونه - فإنهم بعبادتهم
وبعد: فإنه قال: (لِمَنْ يَشَاءُ)، والصغائر عندهم مغفورة بالحكمة لا بالوعد، والآية في التعريف، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا... (١١٧)
عن الحسن قال: الإناث: الأموات التي لا روح فيها وكذلك روي عن ابن عباس، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقيل قوله - تعالى -: (إِلَّا إِنَاثًا): هم الملائكة؛ لأنهم يقولون: الملائكة بنات اللَّه في السماء؛ فعبدوها؛ فإنهم إنما عبدوا الإناث عندهم وفي زعمهم.
وقيل: إناثًا من الوثن؛ وكذلك روي في حرف عائشة - رضي اللَّه عنها - أنها كانت تقرأ: " إن يدعون من دونه إلا أوثانا "، وهو الصنم؛ سمي إناثًا لما صوروها بصور الإناث، وحلَّوْها، وقلدوها قلائد، وزينوها بزيهم، ثم يعبدونها لم يعبدوها على ما كان في الأصل؛ فسمي بذلك.
وقيل، سمي إناثًا؛ لأنهم كانوا يسمون ما يعبدون من الأصنام والأوثان: اللات، والعزى، ومناة؛ فأسماؤهن أسماء إناث، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا):
أخبر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أنهم وإن كانوا يفرون من الشيطان ويأنفونه - فإنهم بعبادتهم
الأصنام؛ والأوثان يعبدون الشيطان؛ لأن الشيطان هو الذي يدعوهم إلى عبادتهم الأصنام؛ فكأنهم عبدوه؛ ألا ترى أن إبراهيم - عليه السلام - قال: (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ): جعل عبادة الصنم عبادة للشيطان؛ حيث قال له: (لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ)؛ فدل أن عبادتهم الأوثان عبادة للشيطان، وباللَّه العصمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَرِيدًا)، قال ابن عَبَّاسٍ: المريد: هو العاتي.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَعَنَهُ اللَّهُ... (١١٨)
اللعنة: هي الإبعاد من رحمة اللَّه، فسمي: ملعونًا؛ لأنه مبعد من رحمة اللَّه، مطرود منها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا).
إنه - لعنه اللَّه - وإن قطع القول فيه: لأتخذن من كذا، قطعا - فهو ظن في الحقيقة؛ ألا ترى أنه قال - تعالى - في آية أخرى: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)؛ دل أن ما قاله، قاله ظنًّا، لكنه خرج مقطوعًا محققًا، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نَصِيبًا مَفْرُوضًا)، أي: مبينا معلومًا، والنصيب المفروض هو ما ذكر: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ... إلى آخر ما ذكر (مَفْرُوضًا)، أي: مبينًا: من يطيعه ومن لا يطيعه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ... (١١٩)
قيل: هذا إخبار عن اللَّه - تعالى - عبادَهُ عن صنيع اللعين؛ ليكونوا على حذر منه.
ثم قوله: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) - ليس على حقيقة الإضلال؛ لأنه لا يقدر أن يضل أحدًا، لكنه يدعو إلى الضلال ويزين عليهم طريقه، ويلبس عليهم طريق الهدى؛ فذلك معنى إضافة الإضلال إليه؛ وإلا لم يملك إضلال أحد في الحقيقة؛ كقوله - تعالى -: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ...) الآية. ثم إذا ضلوا بدعائه إلى ذلك وتزيينه عليهم سبيله - يمنيهم عند ذلك؛ حتى يتمنوا أشياء؛ كقوله: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ...) الآية، وكقوله - تعالى -
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَرِيدًا)، قال ابن عَبَّاسٍ: المريد: هو العاتي.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَعَنَهُ اللَّهُ... (١١٨)
اللعنة: هي الإبعاد من رحمة اللَّه، فسمي: ملعونًا؛ لأنه مبعد من رحمة اللَّه، مطرود منها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا).
إنه - لعنه اللَّه - وإن قطع القول فيه: لأتخذن من كذا، قطعا - فهو ظن في الحقيقة؛ ألا ترى أنه قال - تعالى - في آية أخرى: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)؛ دل أن ما قاله، قاله ظنًّا، لكنه خرج مقطوعًا محققًا، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نَصِيبًا مَفْرُوضًا)، أي: مبينا معلومًا، والنصيب المفروض هو ما ذكر: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ... إلى آخر ما ذكر (مَفْرُوضًا)، أي: مبينًا: من يطيعه ومن لا يطيعه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ... (١١٩)
قيل: هذا إخبار عن اللَّه - تعالى - عبادَهُ عن صنيع اللعين؛ ليكونوا على حذر منه.
ثم قوله: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) - ليس على حقيقة الإضلال؛ لأنه لا يقدر أن يضل أحدًا، لكنه يدعو إلى الضلال ويزين عليهم طريقه، ويلبس عليهم طريق الهدى؛ فذلك معنى إضافة الإضلال إليه؛ وإلا لم يملك إضلال أحد في الحقيقة؛ كقوله - تعالى -: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ...) الآية. ثم إذا ضلوا بدعائه إلى ذلك وتزيينه عليهم سبيله - يمنيهم عند ذلك؛ حتى يتمنوا أشياء؛ كقوله: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ...) الآية، وكقوله - تعالى -
364
(وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ)، ونحو ذلك من الأماني، وذلك مما يمنيهم الشيطان، لعنة اللَّه عليه.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ)، يعني: عن الدِّين، (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) أن يصيبوا خيرًا لا محالة؛ ليأمنوا.
وفي حرف ابن مسعود: " ولأعدنهم ولأمنينهم ولأحرمنَّ عليهم الأنعام ولآمرنهم فليبدلن خلقك ولآمرنهم فليبتكن ".
وقوله: (فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ)
فجعلوها نحرًا للأوثان والأصنام التي كانوا يعبدونها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)
يحتمل هذا وجهين، سوى ما قال أهل التأويل:
أحدهما: أن اللَّه - تعالى - خلق هذا الخلق؛ ليأمرهم بالتوحيد، وليجعلوا عبادتهم له، لا يعبدون دون اللَّه غيره؛ كقوله - تعالى -: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ...) الآية؛ فهو دعاهم أن يجعلوا عبادتهم لغير اللَّه، وهو ما قيل في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)، قيل: لدين اللَّه؛ فعلى ذلك يحتمل قوله: (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)، أي: عن الذي كان خَفقُهُ إياهم لذلك، واللَّه أعلم.
والثاني: أنه - عَزَّ وَجَلَّ - خلق الأنعام والبهائم لمنافعهم، وسخرها لهم، فهم حرَّموها على أنفسهم، وجعلوها للأوثان والأصنام: كالبحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام؛ منعوا منافعها التي خلقها لهم عن أنفسهم، وذلك تغيير ما خلق اللَّه لهم، واللَّه - تعالى - أعلم.
وأما أهل التأويل فإنهم قالوا غير الذي ذكرنا:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ): الإخصاء، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنه.
وقال آخرون: هو دين اللَّه.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ)، يعني: عن الدِّين، (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) أن يصيبوا خيرًا لا محالة؛ ليأمنوا.
وفي حرف ابن مسعود: " ولأعدنهم ولأمنينهم ولأحرمنَّ عليهم الأنعام ولآمرنهم فليبدلن خلقك ولآمرنهم فليبتكن ".
وقوله: (فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ)
فجعلوها نحرًا للأوثان والأصنام التي كانوا يعبدونها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)
يحتمل هذا وجهين، سوى ما قال أهل التأويل:
أحدهما: أن اللَّه - تعالى - خلق هذا الخلق؛ ليأمرهم بالتوحيد، وليجعلوا عبادتهم له، لا يعبدون دون اللَّه غيره؛ كقوله - تعالى -: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ...) الآية؛ فهو دعاهم أن يجعلوا عبادتهم لغير اللَّه، وهو ما قيل في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)، قيل: لدين اللَّه؛ فعلى ذلك يحتمل قوله: (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)، أي: عن الذي كان خَفقُهُ إياهم لذلك، واللَّه أعلم.
والثاني: أنه - عَزَّ وَجَلَّ - خلق الأنعام والبهائم لمنافعهم، وسخرها لهم، فهم حرَّموها على أنفسهم، وجعلوها للأوثان والأصنام: كالبحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام؛ منعوا منافعها التي خلقها لهم عن أنفسهم، وذلك تغيير ما خلق اللَّه لهم، واللَّه - تعالى - أعلم.
وأما أهل التأويل فإنهم قالوا غير الذي ذكرنا:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ): الإخصاء، وهو قول ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنه.
وقال آخرون: هو دين اللَّه.
365
الآية ١١٩
وقوله تعالى :﴿ ولأضلنهم ولأمنينهم ﴾ الآية : قيل : هذا إخبار عن الله تعالى عبادة عن صنيع اللعين لتكونوا على حذر منه. ثم قوله :﴿ ولأضلنهم ﴾ ليس على حقيقة الإضلال وتزيين١ عليهم طريقة وإلباس٢ عليهم طريق الهدى. فذلك معنى إضافة الإضلال إليه. وإلا لم يملك إضلال أحد في الحقيقة كقوله تعالى :﴿ وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم ﴾ ( إبراهيم : ٢٢ ) ثم إذا ضلوا بدعائه إلى ذلك وتزيينه عليهم سبيلا يمنعهم عند ذلك حتى يمتنوا أشياء كقولهم :﴿ وقال الذين / ١١٤-ب/ كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ﴾ الآية :( الأحقاف : ١١ ) وكقوله تعالى :﴿ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم ﴾ ( البقرة : ١١١ ) ونحو ذلك من الآيات، وذلك مما يمنيهم الشيطان، لعنة الله عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنه ( ﴿ ولأضلنهم ﴾ يعني عن الدين﴿ ولأمنينهم ﴾ أن يصيبوا خيرا لا محالة ليأمنوا ). وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه ( ولأعذبنهم، ولأمنينهم، ولأحرمن٣ عليهم الأنعام، ولآمرنهم فليبدلن خلقك ).
وقوله تعالى :﴿ ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ﴾ فيجعلوها نحرا للأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها.
وقوله تعالى :﴿ ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ﴾ يحتمل هذا وجهين سوى ما قال أهل التأويل :
أحدهما : أن الله تعالى خلق هذا الخلق ليأمرهم بالتوحيد، وليجعلوا عبادتهم له ؛ لا يعبدون دون الله غيره كقوله تعالى :﴿ وما خلق الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ ﴿ ما أريد منهم ﴾ الآية ( الذاريات : ٥٦و ٥٧ ) فهو دعاهم ٤ أن يجعلوا عبادتهم لغير الله، وهو ما قيل في قوله عز وجل :﴿ فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ﴾( الروم : ٣٠ )، قيل : الدين لله. فعلى ذلك يحتمل قوله تعالى :﴿ فليغيرن خلق الله ﴾ أي عن الذي كان خلقه إياهم لذلك، والله أعلم.
والثاني : أنه عز وجل، خلق الأنعام والبهائم لمنافعهم، وسخرها لهم، فهم حرموها على أنفسهم، وجعلوها للأوثان والأصنام كالجهيرة والسائبة والوصيلة والحام ؛ ضيعوا منافعها التي خلقها لهم على ٥ أنفسهم ؛ وذلك تغيير ما خلق الله لهم، والله أعلم.
وأما أهل التأويل فإنهم قالوا غير الذي ذكرنا. ( قال )٦ بعضهم : قوله تعالى :﴿ فليغيرن خلق الله ﴾ الإخصاء، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه، وقال آخرون : هو دين الله. وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أيضا( أنه قال :( دين الله ) )٧. وقيل : هو ماجاء من النهي عن( عمل )٨ الواشرة والنامصة والمتفلجة والواصلة والواشمة، ولا يحتمل أن يكون خطر بباله يومئذ أنه أراد بتغيير خلق الله ما قالوا من الإخصاء أو المثلة ( وعمل )٩ الواشرة والنامصة ؛ كأنه إنما قال ذلك يوم طلب من ربه النظرة إلى يوم البعث، ولا يحتمل له علم ما١٠ لا يحل هذا أو النهي، عن مثله، إذ قد يجوز أن ترد الشريعة في مثله، لذلك بعد هذا، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله ﴾ أي يطيعه، ويجيبه إلى ما دعاه، ويعبده١١ ﴿ من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ﴾ ( في الدنيا )١٢ والآخرة. أما في الدنيا فذهاب المنافع عنه١٣ التي جعلها١٤ للأصنام والأوثان، وفي الآخرة العقوبة.
وقوله تعالى :﴿ ولأضلنهم ولأمنينهم ﴾ الآية : قيل : هذا إخبار عن الله تعالى عبادة عن صنيع اللعين لتكونوا على حذر منه. ثم قوله :﴿ ولأضلنهم ﴾ ليس على حقيقة الإضلال وتزيين١ عليهم طريقة وإلباس٢ عليهم طريق الهدى. فذلك معنى إضافة الإضلال إليه. وإلا لم يملك إضلال أحد في الحقيقة كقوله تعالى :﴿ وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم ﴾ ( إبراهيم : ٢٢ ) ثم إذا ضلوا بدعائه إلى ذلك وتزيينه عليهم سبيلا يمنعهم عند ذلك حتى يمتنوا أشياء كقولهم :﴿ وقال الذين / ١١٤-ب/ كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ﴾ الآية :( الأحقاف : ١١ ) وكقوله تعالى :﴿ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم ﴾ ( البقرة : ١١١ ) ونحو ذلك من الآيات، وذلك مما يمنيهم الشيطان، لعنة الله عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنه ( ﴿ ولأضلنهم ﴾ يعني عن الدين﴿ ولأمنينهم ﴾ أن يصيبوا خيرا لا محالة ليأمنوا ). وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه ( ولأعذبنهم، ولأمنينهم، ولأحرمن٣ عليهم الأنعام، ولآمرنهم فليبدلن خلقك ).
وقوله تعالى :﴿ ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ﴾ فيجعلوها نحرا للأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها.
وقوله تعالى :﴿ ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ﴾ يحتمل هذا وجهين سوى ما قال أهل التأويل :
أحدهما : أن الله تعالى خلق هذا الخلق ليأمرهم بالتوحيد، وليجعلوا عبادتهم له ؛ لا يعبدون دون الله غيره كقوله تعالى :﴿ وما خلق الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ ﴿ ما أريد منهم ﴾ الآية ( الذاريات : ٥٦و ٥٧ ) فهو دعاهم ٤ أن يجعلوا عبادتهم لغير الله، وهو ما قيل في قوله عز وجل :﴿ فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ﴾( الروم : ٣٠ )، قيل : الدين لله. فعلى ذلك يحتمل قوله تعالى :﴿ فليغيرن خلق الله ﴾ أي عن الذي كان خلقه إياهم لذلك، والله أعلم.
والثاني : أنه عز وجل، خلق الأنعام والبهائم لمنافعهم، وسخرها لهم، فهم حرموها على أنفسهم، وجعلوها للأوثان والأصنام كالجهيرة والسائبة والوصيلة والحام ؛ ضيعوا منافعها التي خلقها لهم على ٥ أنفسهم ؛ وذلك تغيير ما خلق الله لهم، والله أعلم.
وأما أهل التأويل فإنهم قالوا غير الذي ذكرنا. ( قال )٦ بعضهم : قوله تعالى :﴿ فليغيرن خلق الله ﴾ الإخصاء، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه، وقال آخرون : هو دين الله. وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أيضا( أنه قال :( دين الله ) )٧. وقيل : هو ماجاء من النهي عن( عمل )٨ الواشرة والنامصة والمتفلجة والواصلة والواشمة، ولا يحتمل أن يكون خطر بباله يومئذ أنه أراد بتغيير خلق الله ما قالوا من الإخصاء أو المثلة ( وعمل )٩ الواشرة والنامصة ؛ كأنه إنما قال ذلك يوم طلب من ربه النظرة إلى يوم البعث، ولا يحتمل له علم ما١٠ لا يحل هذا أو النهي، عن مثله، إذ قد يجوز أن ترد الشريعة في مثله، لذلك بعد هذا، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله ﴾ أي يطيعه، ويجيبه إلى ما دعاه، ويعبده١١ ﴿ من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ﴾ ( في الدنيا )١٢ والآخرة. أما في الدنيا فذهاب المنافع عنه١٣ التي جعلها١٤ للأصنام والأوثان، وفي الآخرة العقوبة.
١ في الأثل وم: ويزين..
٢ في اًل وم: ويلبس..
٣ في الأصل وم: ولا حرم..
٤ في الأصل وم: دعاؤهم..
٥ في الأصل وم: عن..
٦ من م، ساقطة من الأصل..
٧ في الأصل وم: دين..
٨ ساقطة من الأصل وم..
٩ في الأصل وم: و..
١٠ في الأصل وم: أن..
١١ في الأصل وم: ويعبدوه..
١٢ من م، ساقطة من الأصل..
١٣ في الأصل وم: عنهم..
١٤ في الأصل وم: جعلوها..
٢ في اًل وم: ويلبس..
٣ في الأصل وم: ولا حرم..
٤ في الأصل وم: دعاؤهم..
٥ في الأصل وم: عن..
٦ من م، ساقطة من الأصل..
٧ في الأصل وم: دين..
٨ ساقطة من الأصل وم..
٩ في الأصل وم: و..
١٠ في الأصل وم: أن..
١١ في الأصل وم: ويعبدوه..
١٢ من م، ساقطة من الأصل..
١٣ في الأصل وم: عنهم..
١٤ في الأصل وم: جعلوها..
وروي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال -أيضًا-: دين اللَّه.
وقيل: هو ما جاء من النهي عن الواشرة، والنامصة، والمتفلجة، والواصلة، والواشمة.
ولا يحتمل أن يكون خطر بباله يومئذ أنه أراد بتغيير خلق اللَّه ما قالوا من الإخصاء، أو المثلة، والواشرة، والنامصة؛ لأنه إنما قال ذلك يوم طلب من ربه النظِرة إلى يوم البعث، ولا يحتمل أن يكون له علم ألا يحل هذا أو النهي عن مثله؛ إذ قد يجوز أن ترد الشريعة في مثله؛ لذلك بعد هذا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ).
أي: يطيعه ويجيبه إلى ما دعاه، ويعبده دون اللَّه.
(فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينً).
في الدنيا والآخرة: أما في الدنيا فذهاب المنافع عنهم التي جعلوها للأصنام والأوثان، وفي الآخرة العقوبة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَعِدُهُمْ... (١٢٠)
إما فقرًا وإما سعة
وقيل: هو ما جاء من النهي عن الواشرة، والنامصة، والمتفلجة، والواصلة، والواشمة.
ولا يحتمل أن يكون خطر بباله يومئذ أنه أراد بتغيير خلق اللَّه ما قالوا من الإخصاء، أو المثلة، والواشرة، والنامصة؛ لأنه إنما قال ذلك يوم طلب من ربه النظِرة إلى يوم البعث، ولا يحتمل أن يكون له علم ألا يحل هذا أو النهي عن مثله؛ إذ قد يجوز أن ترد الشريعة في مثله؛ لذلك بعد هذا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ).
أي: يطيعه ويجيبه إلى ما دعاه، ويعبده دون اللَّه.
(فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينً).
في الدنيا والآخرة: أما في الدنيا فذهاب المنافع عنهم التي جعلوها للأصنام والأوثان، وفي الآخرة العقوبة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَعِدُهُمْ... (١٢٠)
إما فقرًا وإما سعة
(وَيُمَنِّيهِمْ)
هو ما ذكرنا من الأماني وقضاء الشهوات في الدنيا
(وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)
والغرور: هو أن يرى شيئًا يظهر خلافه.
(أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (١٢١)
الآية ظاهرة، قيل: مفرَّا، وقيل: ملجأ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا... (١٢٢)
قد ذكرنا هذا فيما تقدم: أن الإيمان هو التصديق، والأعمال الصالحات غير التصديق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)
تأويل هذا - واللَّه أعلم - أن يقال: إنكم ممن تقبلون الأخبار والقول من الناس، ثم لا أحد أصدق قولاً من اللَّه - تعالى - ولا أنجز وعدا منه؛ كيف لا تقبلون قوله وخبره أنه بَعْثٌ، وجنة، ونار، وتكذبون قول إبليس أن لا جنة، ولا نار، ولا بعث؟!.
* * *
قوله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (١٢٤) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (١٢٥) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (١٢٦)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن الأمر ليس بالأماني؛ ولكن إلى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فهو - واللَّه أعلم - يحتمل أن يكون في المنزلة والقدر عند اللَّه؛ لأنهم قالوا: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)، وقالوا: (قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)، وغير ذلك من الأماني.
وأهل التأويل يذهبون إلى غير هذا، وقالوا: إن كل فريق منهم كانوا يقولون: إن ديننا خير من دينكم، ونحن أفضل من هَؤُلَاءِ؛ فنزل: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ). وذلك بعيد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)
اختلف فيه؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - تعالى -: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)، يعني: [شِرْكًا] يجز به؛ يدل على ذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا
هو ما ذكرنا من الأماني وقضاء الشهوات في الدنيا
(وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)
والغرور: هو أن يرى شيئًا يظهر خلافه.
(أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (١٢١)
الآية ظاهرة، قيل: مفرَّا، وقيل: ملجأ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا... (١٢٢)
قد ذكرنا هذا فيما تقدم: أن الإيمان هو التصديق، والأعمال الصالحات غير التصديق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)
تأويل هذا - واللَّه أعلم - أن يقال: إنكم ممن تقبلون الأخبار والقول من الناس، ثم لا أحد أصدق قولاً من اللَّه - تعالى - ولا أنجز وعدا منه؛ كيف لا تقبلون قوله وخبره أنه بَعْثٌ، وجنة، ونار، وتكذبون قول إبليس أن لا جنة، ولا نار، ولا بعث؟!.
* * *
قوله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٢٣) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (١٢٤) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (١٢٥) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (١٢٦)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن الأمر ليس بالأماني؛ ولكن إلى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فهو - واللَّه أعلم - يحتمل أن يكون في المنزلة والقدر عند اللَّه؛ لأنهم قالوا: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)، وقالوا: (قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)، وغير ذلك من الأماني.
وأهل التأويل يذهبون إلى غير هذا، وقالوا: إن كل فريق منهم كانوا يقولون: إن ديننا خير من دينكم، ونحن أفضل من هَؤُلَاءِ؛ فنزل: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ). وذلك بعيد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)
اختلف فيه؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - تعالى -: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)، يعني: [شِرْكًا] يجز به؛ يدل على ذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا
الآية ١٢٢
وقوله تعالى :﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ﴾ قد ذكرنا هذا١في ما قد تقدم أن الإيمان هو التصديق، والأعمال الصالحات غير التصديق.
وقوله تعالى :﴿ وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا ﴾ تأويل هذا، والله أعلم، أن يقال : إنكم ممن تقبلون الأخبار والقول من الناس، ثم لا أحد أصدق قولا من الله تعالى، ولا أنجز وعدا منه. كيف لا تقبلون قوله وخبره : أنه بعث وجنة ونار، وتكذبون قول إبليس : أن لا جنة ولا نار ولا بعث ؟
وقوله تعالى :﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ﴾ قد ذكرنا هذا١في ما قد تقدم أن الإيمان هو التصديق، والأعمال الصالحات غير التصديق.
وقوله تعالى :﴿ وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا ﴾ تأويل هذا، والله أعلم، أن يقال : إنكم ممن تقبلون الأخبار والقول من الناس، ثم لا أحد أصدق قولا من الله تعالى، ولا أنجز وعدا منه. كيف لا تقبلون قوله وخبره : أنه بعث وجنة ونار، وتكذبون قول إبليس : أن لا جنة ولا نار ولا بعث ؟
١ في تفسير الآيتين٢٥و٢٦٦من سورة البقرة..
الآية ١٢٣
وقوله تعالى :﴿ ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ﴾ أخبر عز وجل أن الأمر ليس بالأماني، ولكن إلى الله عز وجل، فهو، والله أعلم، يحتمل أن يكون بالمنزلة والقدر عند الله لأنهم قالوا :﴿ نحن أبناء الله وأحباءه ﴾ ( المائدة : ١٨ ) وقالوا :﴿ لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ﴾ ( آل عمران : ٢٤ ) وغير ذلك. وأهل التأويل ذهبوا إلى غير هذا، وقالوا : إن كل فريق منهم كانوا يقولون : إن ديننا خير من دينكم، ونحن أفضل من هؤلاء، فنزل﴿ ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ﴾.
وقوله تعالى :﴿ ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ﴾ وذلك وصف الكافر ألا يكون له ولي يتولى حفظه، ولا نصير ينصره. ألا ترى أنه قال :﴿ ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ﴾ ؟ ( النساء : ١٢٤ ) ذكر للذين١ يعملون الصالحات، وهم مؤمنون، أن يدخلوا الجنة، فهذا أيضا يدل أن قوله عز وجل ﴿ من يعمل سوءا يجز به ﴾ أراد به الشرك.
وقال آخرون : قوله عز وجل :﴿ من يعمل سوءا يجز به ﴾ أي ٢ كل سوء يدخل فيه المسلم والكافر. ألا ترى أنه روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية ( أنه )٣ قال : يا رسول الله كيف الفلاح بعد هذا، وكل شيء علمناه٤ جزيناه ؟ قال : غفر الله لك يا أبا بكر ! ألست تحزن ؟ ألست تغضب ؟ ألست تمرض ؟ ألست يصيبك الأذى ؟ فهذا ما يجزى٥ به بجزائه٦ المؤمن في الدنيا والكافر في الآخرة. فإن كان التأويل هذا فقوله تعالى :﴿ ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ﴾ إذا لم يرجع عن كفره، ومات عليه، وأما إذا رجع عن ذلك، وتاب، ومات على الإيمان فإنه يجد وليا ونصيرا ؛ ينصره الله تعالى، وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ﴾ في الآية دليل أن الأعمال الصالحات غير الإيمان، لأنه قال :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ﴾ ولو كان ( العمل )٧ إيمانا يصير٨ كأنه قال : ومن يعمل الإيمان، وهو مؤمن، فدل بما٩ ذكرنا أنها غير الإيمان. وفيه دلالة أيضا أن الأعمال الصالحة إنما تنفع إذا كان ثمة إيمان لأنه شرط فيها١٠ الإيمان بقوله تعالى :﴿ وهو مؤمن ﴾ ؛ دل أن الأعمال الصالحة لا تنفع إذا لم يكن ثمة إيمان، ولا قوة بالله.
وقوله تعالى :﴿ ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ﴾ أخبر عز وجل أن الأمر ليس بالأماني، ولكن إلى الله عز وجل، فهو، والله أعلم، يحتمل أن يكون بالمنزلة والقدر عند الله لأنهم قالوا :﴿ نحن أبناء الله وأحباءه ﴾ ( المائدة : ١٨ ) وقالوا :﴿ لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ﴾ ( آل عمران : ٢٤ ) وغير ذلك. وأهل التأويل ذهبوا إلى غير هذا، وقالوا : إن كل فريق منهم كانوا يقولون : إن ديننا خير من دينكم، ونحن أفضل من هؤلاء، فنزل﴿ ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ﴾.
وقوله تعالى :﴿ ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ﴾ وذلك وصف الكافر ألا يكون له ولي يتولى حفظه، ولا نصير ينصره. ألا ترى أنه قال :﴿ ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ﴾ ؟ ( النساء : ١٢٤ ) ذكر للذين١ يعملون الصالحات، وهم مؤمنون، أن يدخلوا الجنة، فهذا أيضا يدل أن قوله عز وجل ﴿ من يعمل سوءا يجز به ﴾ أراد به الشرك.
وقال آخرون : قوله عز وجل :﴿ من يعمل سوءا يجز به ﴾ أي ٢ كل سوء يدخل فيه المسلم والكافر. ألا ترى أنه روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية ( أنه )٣ قال : يا رسول الله كيف الفلاح بعد هذا، وكل شيء علمناه٤ جزيناه ؟ قال : غفر الله لك يا أبا بكر ! ألست تحزن ؟ ألست تغضب ؟ ألست تمرض ؟ ألست يصيبك الأذى ؟ فهذا ما يجزى٥ به بجزائه٦ المؤمن في الدنيا والكافر في الآخرة. فإن كان التأويل هذا فقوله تعالى :﴿ ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ﴾ إذا لم يرجع عن كفره، ومات عليه، وأما إذا رجع عن ذلك، وتاب، ومات على الإيمان فإنه يجد وليا ونصيرا ؛ ينصره الله تعالى، وبالله التوفيق.
وقوله تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ﴾ في الآية دليل أن الأعمال الصالحات غير الإيمان، لأنه قال :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ﴾ ولو كان ( العمل )٧ إيمانا يصير٨ كأنه قال : ومن يعمل الإيمان، وهو مؤمن، فدل بما٩ ذكرنا أنها غير الإيمان. وفيه دلالة أيضا أن الأعمال الصالحة إنما تنفع إذا كان ثمة إيمان لأنه شرط فيها١٠ الإيمان بقوله تعالى :﴿ وهو مؤمن ﴾ ؛ دل أن الأعمال الصالحة لا تنفع إذا لم يكن ثمة إيمان، ولا قوة بالله.
١ في الأصل وم: الذين..
٢ من م، في الأصل: أو..
٣ ساقطة من الأصل وم..
٤ من م، في الأصل علمناه..
٥ في الأصل وم: يجزون..
٦ في الأصل وم: بجزائها..
٧ ساقطة من الأصل وم..
٨ في الأصل وم: فيصير..
٩ من م، في الأصل بها..
١٠ في الأصل وم: فيه..
٢ من م، في الأصل: أو..
٣ ساقطة من الأصل وم..
٤ من م، في الأصل علمناه..
٥ في الأصل وم: يجزون..
٦ في الأصل وم: بجزائها..
٧ ساقطة من الأصل وم..
٨ في الأصل وم: فيصير..
٩ من م، في الأصل بها..
١٠ في الأصل وم: فيه..
وَلَا نَصِيرًا)، وذلك وصف الكافر ألا يكون له ولى يتولى حفظه، ولا نصير ينصره؛ ألا ترى أنه قال: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ)؛ ذكر الذين يعملون الصالحات - وهم مؤمنون - أن يدخلوا الجنة؛ فهذا -أيضًا- يدل أن قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) أراد به الشرك.
وقال آخرون: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)، أي: كل سوء يدخل فيه المسلم والكافر؛ ألا ترى أنه رُوي عن أبي بكر الصديق - رضي اللَّه عنه - لما نزلت هذه الآية، قال: يا رسول اللَّه، كيف الفلاح بعد هذا وكل شيء عملناه جزينا به؟! قال: " غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلَستَ تَحْزَنُ؟ أَلَستَ تَنْصَبُ؟ ألَستَ تَمْرَضُ؟ أَلَستَ يُصَيبُكَ الْأَذَى؟ فَهَذَا مَا تُجْزَوْنَ بِهِ، يُجْزَى بِهِ الْمُؤْمِنُ فِي الدنْيَا، وَالكَافِرُ فِي الْآخِرَةِ "، فإن كان التأويل هذا؛ فقوله: (وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا): هو في الكافر؛ أي: لا يجد له وليا ولا نصيرا إذا لم يرجع عن كفره ومات عليه، وأما إذا رجع عن ذلك، وتاب، ومات على الإيمان؛ فإنه يجد له وليا ونصيرا: ينصره اللَّه - تعالى - وباللَّه التوفيق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ... (١٢٤)
في الآية دليل أن الأعمال الصالحات غير الإيمان؛ لأنه قال - تعالى -: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ... وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، ولو كان إيمانًا؛ فيصير كأنه قال: ومن يعمل الإيمان وهو مؤمن؛ فدل - بما ذكرنا - أنها غير الإيمان، وفيه دلالة -أيضًا- أن الأعمال الصالحة إنما تنفع إذا كان ثمة إيمان؛ لأنه شرط فيه الإيمان بقوله - تعالى -: (وَهُوَُ مُؤْمِنٌ)؛ دل أن الأعمال الصالحة لا تنفع إذا لم يكن ثمة إيمان، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)
قد ذكرناه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ... (١٢٥)
يحتمل وجهين:
وقال آخرون: قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)، أي: كل سوء يدخل فيه المسلم والكافر؛ ألا ترى أنه رُوي عن أبي بكر الصديق - رضي اللَّه عنه - لما نزلت هذه الآية، قال: يا رسول اللَّه، كيف الفلاح بعد هذا وكل شيء عملناه جزينا به؟! قال: " غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلَستَ تَحْزَنُ؟ أَلَستَ تَنْصَبُ؟ ألَستَ تَمْرَضُ؟ أَلَستَ يُصَيبُكَ الْأَذَى؟ فَهَذَا مَا تُجْزَوْنَ بِهِ، يُجْزَى بِهِ الْمُؤْمِنُ فِي الدنْيَا، وَالكَافِرُ فِي الْآخِرَةِ "، فإن كان التأويل هذا؛ فقوله: (وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا): هو في الكافر؛ أي: لا يجد له وليا ولا نصيرا إذا لم يرجع عن كفره ومات عليه، وأما إذا رجع عن ذلك، وتاب، ومات على الإيمان؛ فإنه يجد له وليا ونصيرا: ينصره اللَّه - تعالى - وباللَّه التوفيق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ... (١٢٤)
في الآية دليل أن الأعمال الصالحات غير الإيمان؛ لأنه قال - تعالى -: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ... وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، ولو كان إيمانًا؛ فيصير كأنه قال: ومن يعمل الإيمان وهو مؤمن؛ فدل - بما ذكرنا - أنها غير الإيمان، وفيه دلالة -أيضًا- أن الأعمال الصالحة إنما تنفع إذا كان ثمة إيمان؛ لأنه شرط فيه الإيمان بقوله - تعالى -: (وَهُوَُ مُؤْمِنٌ)؛ دل أن الأعمال الصالحة لا تنفع إذا لم يكن ثمة إيمان، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)
قد ذكرناه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ... (١٢٥)
يحتمل وجهين:
368
يحتمل من أحسن دينا من المسلمين ممن يعمل جميع عمله موافقا لدينه - ممن لم يعمل؟! بل الذي عمل بجميع عمله موافقا لدينه - أحسن دينا من الذي لم يعملِ شيئا، وهو كما روي في الخبر عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه، قال: " لَوْ وُزنَ إِيمَانُ أبِي بَكْرٍ الصديقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإيمان جميع أمتي، لرجح إيمانه " وقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " قويٌّ في دينه، ضعيفٌ في بدنه "؛ ألا ترى أنه خرج لمقاتلة أهل الردة وحده؟! وذلك لقوته في الدِّين وصلابته فيه، لا لزيادة الإيمان، ولا لنقصان إيمان في غيره، واللَّه أعلم.
والثاني: مقابلة سائر الأديان، أي: ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله - ممن لم يسلم وجهه لله... إلى آخر ما ذكر، واللَّه أعلم.
ثم قوله - تعالى -: (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ)، عن الحسن قال: أسلم جميع جهة أمره إلى اللَّه، أي: جميع ما يعمل إنما يعمل للَّهِ، لا يعمل لغير [اللَّه].
وقيل: (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ)، أي: أخلص نفسه لله، ولا يجعل لأحد فيها شركا؛ كقوله - تعالى -: (وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ)، الآية، أي: يسلم نفسه له، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ مُحْسِنٌ) - يحتمل وجهين:
يحتمل: قوله: (وَهُوَ مُحْسِنٌ): يحسن ما يعمل، أي: جميع ما يعمل؛ لعلمٍ له فيه.
ويحتمل قوله: (وَهُوَ مُحْسِنٌ): من الإحسان، وهو أن يزيد العمل على المفروض عليه: يؤدي المفروض عليه، ويزيد على ذلك أيضًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)
الملة: قيل: هي الدِّين.
وقيل: الملة: السنة، وكأن السنة أقرب؛ لأن دين الأنبياء - صلى اللَّه عليهم وسلم - كلهم واحد، لا يختلف دين إبراهيم - عليه السلام - ودين غيره من الأنبياء، عليهم السلام.
والثاني: مقابلة سائر الأديان، أي: ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله - ممن لم يسلم وجهه لله... إلى آخر ما ذكر، واللَّه أعلم.
ثم قوله - تعالى -: (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ)، عن الحسن قال: أسلم جميع جهة أمره إلى اللَّه، أي: جميع ما يعمل إنما يعمل للَّهِ، لا يعمل لغير [اللَّه].
وقيل: (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ)، أي: أخلص نفسه لله، ولا يجعل لأحد فيها شركا؛ كقوله - تعالى -: (وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ)، الآية، أي: يسلم نفسه له، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ مُحْسِنٌ) - يحتمل وجهين:
يحتمل: قوله: (وَهُوَ مُحْسِنٌ): يحسن ما يعمل، أي: جميع ما يعمل؛ لعلمٍ له فيه.
ويحتمل قوله: (وَهُوَ مُحْسِنٌ): من الإحسان، وهو أن يزيد العمل على المفروض عليه: يؤدي المفروض عليه، ويزيد على ذلك أيضًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)
الملة: قيل: هي الدِّين.
وقيل: الملة: السنة، وكأن السنة أقرب؛ لأن دين الأنبياء - صلى اللَّه عليهم وسلم - كلهم واحد، لا يختلف دين إبراهيم - عليه السلام - ودين غيره من الأنبياء، عليهم السلام.
369
وأما السنن والشرائع فيجوز أن تختلف؛ ألا تري أنه رُويَ في الخبر: " ملة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وفي بعضها: " سنة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: جعل السنة تفسير الملة؛ فالملة بالسنة أشبه.
ثم خص ملة إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لأن سننه كانت توافق سنن نبينا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - واللَّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (حَنِيفًا) قيل: مخلصًا.
وقيل: سمي حنيفًا، أي: مائلا إلى الحق؛ ولذلك سمي الأحنف: أحنفًا؛ لميل أحد قدميه إلى الأخرى، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)
ذكر في بعض الأخبار أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أوحى إلى إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: أن لي خليلا في الأرض؛ فقال: يا رب، من هو؟ قال: فأوحى اللَّه - تعالى - إليه: لِمَ؟ أي: لم تسألني عنه؟ قال: حتى أحبه وأتخذه خليلا كما اتخذته خليلا، أو كلام نحو هذا؛ فقال: أنت يا إبراهيم.
وأصل الخلة: المنزلة، والرفعة، والكرامة، يقول: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)، أي: جعل له عنده منزلة وكرامة لم يجعل مثلها لأحد من الخلائق؛ لما ابتلاه اللَّه ببلايا، وامتحنه بمحن لم يبتل أحدًا بمثلها، فصبر عليها، من ذلك: ما أُلقي في النار، فصبر، ولم يستعن بأحد سواه، وما ابتلي بذبح ولده، فأضجعه، وما أمر أن يترك أهله وولده الطفل في جبال مكة: لا ماء هنالك، ولا زرع، ولا نبات؛ ففعل، ومن ذلك أمر المهاجرة... مما يكثر ذلك؛ فجائز تخصيصه بالخلة لذلك، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون ذلك كرامة أكرمه اللَّه بها؛ لأن أهل الأديان كلهم ينتسبون إليه، ويدَّعون أنهم على دينه، وعلى ذلك يخرج قوله: " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ
ثم خص ملة إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لأن سننه كانت توافق سنن نبينا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - واللَّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (حَنِيفًا) قيل: مخلصًا.
وقيل: سمي حنيفًا، أي: مائلا إلى الحق؛ ولذلك سمي الأحنف: أحنفًا؛ لميل أحد قدميه إلى الأخرى، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)
ذكر في بعض الأخبار أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أوحى إلى إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: أن لي خليلا في الأرض؛ فقال: يا رب، من هو؟ قال: فأوحى اللَّه - تعالى - إليه: لِمَ؟ أي: لم تسألني عنه؟ قال: حتى أحبه وأتخذه خليلا كما اتخذته خليلا، أو كلام نحو هذا؛ فقال: أنت يا إبراهيم.
وأصل الخلة: المنزلة، والرفعة، والكرامة، يقول: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)، أي: جعل له عنده منزلة وكرامة لم يجعل مثلها لأحد من الخلائق؛ لما ابتلاه اللَّه ببلايا، وامتحنه بمحن لم يبتل أحدًا بمثلها، فصبر عليها، من ذلك: ما أُلقي في النار، فصبر، ولم يستعن بأحد سواه، وما ابتلي بذبح ولده، فأضجعه، وما أمر أن يترك أهله وولده الطفل في جبال مكة: لا ماء هنالك، ولا زرع، ولا نبات؛ ففعل، ومن ذلك أمر المهاجرة... مما يكثر ذلك؛ فجائز تخصيصه بالخلة لذلك، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون ذلك كرامة أكرمه اللَّه بها؛ لأن أهل الأديان كلهم ينتسبون إليه، ويدَّعون أنهم على دينه، وعلى ذلك يخرج قوله: " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ
370
مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ. قيل: خص هو بهذين الوجهين اللذين ذكرتهما في الخلة.
وقيل: إنه اتخذه خليلا؛ لأنه كان يعطي ولا يأخذ، وكان يحب الضيف، وكان لا يأكل وحده وإن بقي طويلا، واللَّه أعلم بذلك.
وأصل الخلة ما ذكرنا من الكرامة والمنزلة؛ لأن من يحب آخر يبره ويكرمه، ومن لا يحبه يعادهِ، ويظهر له الجفاء، ولا قوة إلا باللَّه.
واختلف في المعنى الذي وصف إبراهيم - عليه السلام - بالخلة أنه خليل اللَّه:
فقد قيل: بما سخت نفسه في بذل كل لذة من لذات الدنيا لله، وله تَبَوِّء في مكان إتيان الأضياف وأبناء السبيل، وكان لا يأكل وحده، وكانت عادته التقديم بكل ما يتهيأ له عند نزول الأضياف عليه، والابتداء بذلك قبل كل أمر، والقيام للأضياف مع عظم منزلته؛ أيد ذلك أمر الملائكة الذين جاءوه بالبشارة، واللَّه أعلم.
وقيل: إنما امتحنه اللَّه بأمور فصبر عليها؛ نحو النار أُلقى فيها لله، وذبح الولد، والهجرة مرتين، وبذل الأهل والولد للَّهِ، حيث لا ضرع، ولا زرع، ولا ماء، وغير ذلك مما أكرمه اللَّه - تعالى - بالثناء عليه: بوفاء ما امتحن، وإتمام ما ابتلي من قوله: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)، وفي قوله - تعالى -: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ).
ويحاج فرعونه وجميع قومه، ويجادلهم فيمن يعبدونهم، فغلبهم، وألزمهم حجة اللَّه، وغير ذلك من وجوه المحن.
وقيل: بما به كان بدء البيت الذي جعله اللَّه قيامًا للناس، ومأمنًا للخلق، ومثابًا لهم ومنسكًا؛ فعظم شأنه فيما بالخلق إليه حاجته في أمر الدِّين؛ وعلى ذلك أكرمه اللَّه - تعالى - بميل القلوب إليه، وإظهار التدين بدينه من جميع أصناف أهل الأديان، واللَّه
وقيل: إنه اتخذه خليلا؛ لأنه كان يعطي ولا يأخذ، وكان يحب الضيف، وكان لا يأكل وحده وإن بقي طويلا، واللَّه أعلم بذلك.
وأصل الخلة ما ذكرنا من الكرامة والمنزلة؛ لأن من يحب آخر يبره ويكرمه، ومن لا يحبه يعادهِ، ويظهر له الجفاء، ولا قوة إلا باللَّه.
واختلف في المعنى الذي وصف إبراهيم - عليه السلام - بالخلة أنه خليل اللَّه:
فقد قيل: بما سخت نفسه في بذل كل لذة من لذات الدنيا لله، وله تَبَوِّء في مكان إتيان الأضياف وأبناء السبيل، وكان لا يأكل وحده، وكانت عادته التقديم بكل ما يتهيأ له عند نزول الأضياف عليه، والابتداء بذلك قبل كل أمر، والقيام للأضياف مع عظم منزلته؛ أيد ذلك أمر الملائكة الذين جاءوه بالبشارة، واللَّه أعلم.
وقيل: إنما امتحنه اللَّه بأمور فصبر عليها؛ نحو النار أُلقى فيها لله، وذبح الولد، والهجرة مرتين، وبذل الأهل والولد للَّهِ، حيث لا ضرع، ولا زرع، ولا ماء، وغير ذلك مما أكرمه اللَّه - تعالى - بالثناء عليه: بوفاء ما امتحن، وإتمام ما ابتلي من قوله: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)، وفي قوله - تعالى -: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ).
ويحاج فرعونه وجميع قومه، ويجادلهم فيمن يعبدونهم، فغلبهم، وألزمهم حجة اللَّه، وغير ذلك من وجوه المحن.
وقيل: بما به كان بدء البيت الذي جعله اللَّه قيامًا للناس، ومأمنًا للخلق، ومثابًا لهم ومنسكًا؛ فعظم شأنه فيما بالخلق إليه حاجته في أمر الدِّين؛ وعلى ذلك أكرمه اللَّه - تعالى - بميل القلوب إليه، وإظهار التدين بدينه من جميع أصناف أهل الأديان، واللَّه
371
أعلم.
وقيل: إنما هو: لله خصائص في أهل الخيرة من الرسل وأولي العزم منهم: اختصهم بأسماء عرفن في الفضائل والكرامات، نحو القول بكليم اللَّه، وروح اللَّه، وذبيح اللَّه، وحبيب اللَّه؛ فعلى ذلك كان لإبراهيم - عليه السلام - خصوصية في الاسم؛ فسماه الله خليلا؛ فنحن نقول - وباللَّه التوفيق -: ونحن نعلم بأن اللَّه - تعالى - لا يسميه بالذي ذكر عبثًا باطلا؛ ولكنه سماه به تعظيمًا لقدره، وإظهارًا لكرامته، وبيانًا لمنزلته عنده لما شاء من الوجوه التي لعلها لم يطلع عليها من الخلق، ولا يحتمل أن يدرك ذلك إلا بالوحي؛ فحق ذلك علينا تعظيمه ومعرفته بالذي اختصه اللَّه واصطفاه، دون تكلف المعنى الذي له كان ذلك، مع ما لا وجه ولا معنى صار حقيق ذلك وأكرم به، إلا بمعنى أكرمه اللَّه وأكرمه بفضل اللَّه ورحمته؛ فلله أن يبتدئه بالخلة ثم يكرمه بأنواع الكرامات التي هي آثار الخلة، وأن يكرمه بأنواع الكرامات التي لديها تقع كرامات الخلة ويصلح، ولله المنُّ في ذلك والفضل، وعلينا الحمد لله والشكر؛ بما أكرمنا من معرفة كرام خلقه، وجعل قلوبنا عامرة بمودتهم حتى صاروا - بفضل اللَّه ورحمته - أحب إلينا من أمسِّ الخلق بنا، بل من أنفسنا، ولا قوة إلا باللَّه.
ثم ليس للنصارى ادعاء البنوة للَّهِ من حيث الكرامة على الاعتبار بالخلة؛ لأن اللَّه - سبحانه وتعالى - عظم أمر الأولاد حتى جعله كالشرك، ولا كذلك أمر الخلة، ولأن أمر الأولاد حقه المجانسة، والخلة حقه الموافقة.
ثم أصل الأولاد: الشهوة والحاجة، والخلة: الطاعة والتعظيم، مما يرجع أحد الوجهين إلى شهوة الولد وحاجته، والآخر إلى تعظيم يكون من ذلك العبد وتبجيله والطاعة له والخضوع.
ثم الأصل: أن المعنى الذي تقتضيه الخلة قد يجوز أن يظفر كلٌّ بالطاعة، وإن كان الاسم له في حق النهاية؛ نحو قوله - تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ...) الآية وقوله - تعالى -: (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)، والمحبة قريبة من الخلة، ومحال أن يحق معنى الأولاد والبنوة بشيء من الطاعة؛ لذلك اختلف الأمران، واللَّه أعلم.
وقيل: إنما هو: لله خصائص في أهل الخيرة من الرسل وأولي العزم منهم: اختصهم بأسماء عرفن في الفضائل والكرامات، نحو القول بكليم اللَّه، وروح اللَّه، وذبيح اللَّه، وحبيب اللَّه؛ فعلى ذلك كان لإبراهيم - عليه السلام - خصوصية في الاسم؛ فسماه الله خليلا؛ فنحن نقول - وباللَّه التوفيق -: ونحن نعلم بأن اللَّه - تعالى - لا يسميه بالذي ذكر عبثًا باطلا؛ ولكنه سماه به تعظيمًا لقدره، وإظهارًا لكرامته، وبيانًا لمنزلته عنده لما شاء من الوجوه التي لعلها لم يطلع عليها من الخلق، ولا يحتمل أن يدرك ذلك إلا بالوحي؛ فحق ذلك علينا تعظيمه ومعرفته بالذي اختصه اللَّه واصطفاه، دون تكلف المعنى الذي له كان ذلك، مع ما لا وجه ولا معنى صار حقيق ذلك وأكرم به، إلا بمعنى أكرمه اللَّه وأكرمه بفضل اللَّه ورحمته؛ فلله أن يبتدئه بالخلة ثم يكرمه بأنواع الكرامات التي هي آثار الخلة، وأن يكرمه بأنواع الكرامات التي لديها تقع كرامات الخلة ويصلح، ولله المنُّ في ذلك والفضل، وعلينا الحمد لله والشكر؛ بما أكرمنا من معرفة كرام خلقه، وجعل قلوبنا عامرة بمودتهم حتى صاروا - بفضل اللَّه ورحمته - أحب إلينا من أمسِّ الخلق بنا، بل من أنفسنا، ولا قوة إلا باللَّه.
ثم ليس للنصارى ادعاء البنوة للَّهِ من حيث الكرامة على الاعتبار بالخلة؛ لأن اللَّه - سبحانه وتعالى - عظم أمر الأولاد حتى جعله كالشرك، ولا كذلك أمر الخلة، ولأن أمر الأولاد حقه المجانسة، والخلة حقه الموافقة.
ثم أصل الأولاد: الشهوة والحاجة، والخلة: الطاعة والتعظيم، مما يرجع أحد الوجهين إلى شهوة الولد وحاجته، والآخر إلى تعظيم يكون من ذلك العبد وتبجيله والطاعة له والخضوع.
ثم الأصل: أن المعنى الذي تقتضيه الخلة قد يجوز أن يظفر كلٌّ بالطاعة، وإن كان الاسم له في حق النهاية؛ نحو قوله - تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ...) الآية وقوله - تعالى -: (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)، والمحبة قريبة من الخلة، ومحال أن يحق معنى الأولاد والبنوة بشيء من الطاعة؛ لذلك اختلف الأمران، واللَّه أعلم.
372
الآية ١٢٥
وقوله تعالى :﴿ ومن أحسن دينا ممن أسم وجهه لله وهو محسن ﴾ الآية يحتمل وجهين :
أحدهما :١ من أحسن دينا ( من )٢ المسلمين من٣ يعمل جميع عمله موافقا لدينه( أم من )٤ لم يفعل شيئا ؟ وهو كما روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو وزن إيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه بإيمان جميع أمتي لرجح إيمانه " ( ابن عدي في الكامل ٥/٣٣٥ )، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو قوي في دينه ضعيف في بدنه ". ألا ترى أنه خرج لمقاتلة أهل الردة وحده، وذلك لقوته في الدين وصلابته فيه لا لزيادة الإيمان ولا لنقصان إيمان في غيره ؟ والله أعلم.
والثاني : مقابلة سائر الأديان ؛ أي ﴿ ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله ﴾ ممن لم يسلم وجهه لله إلى آخر ما ذكر، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ أسلم وجهه لله وهو محسن ﴾ عن الحسن ( أنه قال )٥ ( جميع جهة أمره إلى الله، جميع ما يعمل إنما يعمل لله لا يعمل لغير الله ). وقيل :﴿ أسلم وجهه لله ﴾ أي أخلص نفسه لله، ولا يجعل لأحد فيها شركا كقوله تعالى :﴿ ورجلا سلما لرجل ﴾ الآية ( الزمر : ٢٩ ) أي يسلم نفسه له، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ أسلم وجهه لله وهو محسن ﴾ يحتمل وجهين : يحتمل قوله﴿ أسلم وجهه لله ﴾ يحسن ما يعلم أن جميع ما يعمل لعلم ( له )٦ فيه، ويحتمل قوله﴿ أسلم وجهه لله ﴾ من الإحسان، وهو أن يريد العمل على المفروض عليه ؛ يؤدي المفروض عليه، ويزيد على ذلك أيضا.
وقوله تعالى :﴿ واتبع ملة إبراهيم حنيفا ﴾ الملة : قيل : هي الدين، وقيل : الملة السنة أقرب لأن دين الأنباء عليه السلام /١١٥-أ/ كلهم واحد ؛ لا يختلف دين إبراهيم عليه السلام ودين غيره من الأنبياء عليهم السلام.
وأما السنن والشرائع فيجوز أن تختلف. ألا ترى أنه روي في الخبر : " ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفي( بعض الأخبار )٧. " سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " جعل السنة تفسير الملة، فالملة بالسنة أسبه، ثم خص ملة إبراهيم عليه السلام، لأن سنته كانت توافق سنن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؟
وقوله تعالى :﴿ حنيفا ﴾ قيل : مخلصا، وقيل : سمي﴿ حنيفا ﴾ أي مائلا إلى الحق ؛ ولذلك سمي الأحنف أحنف لميل أحدى ٨ قدميه إلى الأخرى، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ واتخذ الله إبراهيم حنيفا ﴾ ذكر في بعض الأخبار أن الله عز وجل أوحي إلى إبراهيم : أن لي خليلا في الأرض، فقال : يا رب من هو ؟ قال : فأوحى الله تعالى إليه : لم ؟ أي لم تسألني عنه ؟ قال : حتى٩ أحبه، وأتخذه كما اتخذته خليلا، أو كلام نحو هذا، فقال : أنت يا إبراهيم.
وأصل الخلة : المنزلة والرفعة والكرامة ؛ يقول :﴿ واتخذ الله إبراهيم خليلا ﴾ أي جعل له عنده منزلة وكرامة لم يجعل مثلها١٠ لأحد من الخلائق لما ابتلاه الله ببلايا، وامتحنه بمحن لم يبتل ( أحد بمثلها )١١، فصبر عليها ؛ من ذلك ما ألقي في النار، فصبر، ولم يستعن بأحد سواه، وما أتلي بذبح ولده، فما أفجعه، وما أمر بترك أهله وولده الطفل في جبال مكة ؛ لا ماء هنالك، ولا زرع، ولا نبات، ففعل، ومن ذلك أمر المهاجرة مما يكثر ذلك، فجائز تخصيصه بالخلة لذلك، والله أعلم.
وجائز أن يكون ذلك كرامة أكرمه الله بها لأن أهل الأديان كلهم ينتسبون إليه، ويدعون أنهم على دينه. وعلى ذلك يخرج قولنا١٢ : اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ( البخاري : ٣٣٧٠ ). قيل : خص هو بهذين الوجهين اللذين ذكرتهما في الخلة ( والملة )١٣. وقيل : إنه اتخذه خليلا لأنه كان يعطي، ولا يأخذ، وكان يجب الضيف، وكان لا يأكل وحده، وإن بقي طويلا، والله أعلم بذلك.
وأصل الخلة ما ذكرنا من الكرامة والمنزلة لأن من يحب آخر يبره، ويكرمه. ومن لا يحبه يعاديه، ويظهر له الجفاء، ولا قوة إلا بالله.
واختلف في المعنى الذي وصف عليه السلام بالخلة أنه خليل الله ؛ فقد قيل : بما سخت نفسه في بذل كل لذة من لذات الدنيا لله ؛ ( إذ يبيت )١٤ في مكان إتيان الأضياف وأبناء السبيل، وكان لا يأكل وحده، وكانت عادته التقديم بكل ما يتهيأ به عند نزول الأضياف عليه، والابتداء بذلك قبل كل أمر، والقيام للأضياف مع عظم منزلته. أيد ذلك أمر الملائكة الذين١٥ جاؤوه بالبشارة، والله أعلم.
وقيل : إنما امتحنه الله بأمور، فصبر عليها، نحو النار : ألقي فيها١٦، وذبح الولد وبذل الأهل والولد لله، حيث لا ضرع ولا زرع، ولا ماء، وغير ذلك مما أكرمه الله تعالى بالثناء عليه بوفاء ما امتحن ( به وإتمام )١٧ ما ابتلي : في ١٨ قوله تعالى :﴿ وإبراهيم الذي وفى ﴾ ( النجم : ٣٧ )، وفي قوله تعالى :﴿ وإذا تتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ﴾ ( البقرة : ١٢٤ ). وفي ما حاج فرعون وجميع قومه، ( وجادلهم في ما )١٩ يعبدون، فغلهم، وألزمهم حجة الله، وغير ذلك من وجوه المحن.
وقيل : بما به كان بدء البيت الذي جعله الله﴿ قياما للناس ﴾ ( المائدة : ٩٧ ) ومأمنا للخلق ومثابا لهم ٢٠ ومنسكا، فعظم شأنه في ما بالخلق إليه حاجة في أمر الدين. وعلى ذلك أكرمه الله تعالى بميل القلوب وإظهار التدين بدينه من جميع أصناف أهل الأديان، والله أعلم.
وقيل : إنما هي خصائص في أهل من الرسل وأولي٢١ العزم منهم ؛ اختصم بأسماء عرفن من الفضائل والكرامات نحو القول بكليم الله وروح الله وذبيح الله وحبيب الله. فعلى ذلك كان لإبراهيم عليه السلام خصوصية في الاسم، فسماه خليلا.
فنحن نقول، وبالله التوفيق : ونحن نعلم بأن الله تعالى :( لم يسمه )٢٢ بالذي ذكر عبثا باطلا، ولكنه سماه به تعظيمات لقدره وإظهارا لكرامته وبيانا لمنزلته عنده لمن شاء من الوجوه التي لعلها لم يطلع عليها ( أحد )٢٣ من الخلق، ولا يحتمل أن يدرك ذلك إلا بالوحي. فحق ذلك علينا تعظيمه ومعرفته بالذي اختصه الله، واصطفاه دون تكلف المعنى الذي له كان ذلك مع لا وجه، ولا معنى، صار حقيقة ذلك وأكرم إلا بمعنى أكرمه الله. وأكرمه( الله بفضله )٢٤ ورحمته. والله أن يبتديه بالخلة، ثم يكرمه بأنواع الكرامات التي لديها تقع كرامة الخلة، وتصلح. ولله المن في ذلك والفضل، وعلينا الحمد لله والشكر بما ( أنعمن علينا )٢٥ من معرفة كرام خلقه، وجعل في قلوبنا مودتهم، حتى صاروا بفضل الله ورحمته أحب إلينا من أمس الخلق بنا بل من أنفسنا، ولا قوة إلا بالله.
ثم ليس للنصارى ادعاء النبوة لله من حيث الكرامة على الاعتبار بالخلة لأن الله سبحانه وتعالى عظم أمر الأولاد حتى جعله كالشرك، ولا كذلك أمر الخلة، ولأن أمر الأولاد، حفه المجانسة، وللخلة حق الموافقة.
ثم ( الأصل : في )٢٦ الأولاد الشهوة والحاجة( وفي الخلة )٢٧ الطاعة والتعظيم، مما رجع أحد الوجهين إلى شهوة الولد وحاجته، والآخر إلى تعظيم يكون من ذلك العبد وتبجيله والطاعة له والخضوع.
ثم الأصل أن المعنى الذي يقتضيه الخلة قد يجوز أن يظفر كل بالطاعة، وإن كان الاسم له في حق النهاية، نحو قوله تعالى :﴿ إن الله يحب التوابين ﴾ الآية ( البقرة : ٢٢٢ ) وقوله تعالى :﴿ فاتبعوني يحبكم الله ﴾( آل عمران : ٣١ ) والمحبة قريبة من الخلة. ومحال أن يحق معنى الأولاد والنبوة بشيء من الطاعة، لذلك اختلف الأمران، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ ومن أحسن دينا ممن أسم وجهه لله وهو محسن ﴾ الآية يحتمل وجهين :
أحدهما :١ من أحسن دينا ( من )٢ المسلمين من٣ يعمل جميع عمله موافقا لدينه( أم من )٤ لم يفعل شيئا ؟ وهو كما روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو وزن إيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه بإيمان جميع أمتي لرجح إيمانه " ( ابن عدي في الكامل ٥/٣٣٥ )، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو قوي في دينه ضعيف في بدنه ". ألا ترى أنه خرج لمقاتلة أهل الردة وحده، وذلك لقوته في الدين وصلابته فيه لا لزيادة الإيمان ولا لنقصان إيمان في غيره ؟ والله أعلم.
والثاني : مقابلة سائر الأديان ؛ أي ﴿ ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله ﴾ ممن لم يسلم وجهه لله إلى آخر ما ذكر، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ أسلم وجهه لله وهو محسن ﴾ عن الحسن ( أنه قال )٥ ( جميع جهة أمره إلى الله، جميع ما يعمل إنما يعمل لله لا يعمل لغير الله ). وقيل :﴿ أسلم وجهه لله ﴾ أي أخلص نفسه لله، ولا يجعل لأحد فيها شركا كقوله تعالى :﴿ ورجلا سلما لرجل ﴾ الآية ( الزمر : ٢٩ ) أي يسلم نفسه له، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ أسلم وجهه لله وهو محسن ﴾ يحتمل وجهين : يحتمل قوله﴿ أسلم وجهه لله ﴾ يحسن ما يعلم أن جميع ما يعمل لعلم ( له )٦ فيه، ويحتمل قوله﴿ أسلم وجهه لله ﴾ من الإحسان، وهو أن يريد العمل على المفروض عليه ؛ يؤدي المفروض عليه، ويزيد على ذلك أيضا.
وقوله تعالى :﴿ واتبع ملة إبراهيم حنيفا ﴾ الملة : قيل : هي الدين، وقيل : الملة السنة أقرب لأن دين الأنباء عليه السلام /١١٥-أ/ كلهم واحد ؛ لا يختلف دين إبراهيم عليه السلام ودين غيره من الأنبياء عليهم السلام.
وأما السنن والشرائع فيجوز أن تختلف. ألا ترى أنه روي في الخبر : " ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفي( بعض الأخبار )٧. " سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " جعل السنة تفسير الملة، فالملة بالسنة أسبه، ثم خص ملة إبراهيم عليه السلام، لأن سنته كانت توافق سنن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؟
وقوله تعالى :﴿ حنيفا ﴾ قيل : مخلصا، وقيل : سمي﴿ حنيفا ﴾ أي مائلا إلى الحق ؛ ولذلك سمي الأحنف أحنف لميل أحدى ٨ قدميه إلى الأخرى، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ واتخذ الله إبراهيم حنيفا ﴾ ذكر في بعض الأخبار أن الله عز وجل أوحي إلى إبراهيم : أن لي خليلا في الأرض، فقال : يا رب من هو ؟ قال : فأوحى الله تعالى إليه : لم ؟ أي لم تسألني عنه ؟ قال : حتى٩ أحبه، وأتخذه كما اتخذته خليلا، أو كلام نحو هذا، فقال : أنت يا إبراهيم.
وأصل الخلة : المنزلة والرفعة والكرامة ؛ يقول :﴿ واتخذ الله إبراهيم خليلا ﴾ أي جعل له عنده منزلة وكرامة لم يجعل مثلها١٠ لأحد من الخلائق لما ابتلاه الله ببلايا، وامتحنه بمحن لم يبتل ( أحد بمثلها )١١، فصبر عليها ؛ من ذلك ما ألقي في النار، فصبر، ولم يستعن بأحد سواه، وما أتلي بذبح ولده، فما أفجعه، وما أمر بترك أهله وولده الطفل في جبال مكة ؛ لا ماء هنالك، ولا زرع، ولا نبات، ففعل، ومن ذلك أمر المهاجرة مما يكثر ذلك، فجائز تخصيصه بالخلة لذلك، والله أعلم.
وجائز أن يكون ذلك كرامة أكرمه الله بها لأن أهل الأديان كلهم ينتسبون إليه، ويدعون أنهم على دينه. وعلى ذلك يخرج قولنا١٢ : اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ( البخاري : ٣٣٧٠ ). قيل : خص هو بهذين الوجهين اللذين ذكرتهما في الخلة ( والملة )١٣. وقيل : إنه اتخذه خليلا لأنه كان يعطي، ولا يأخذ، وكان يجب الضيف، وكان لا يأكل وحده، وإن بقي طويلا، والله أعلم بذلك.
وأصل الخلة ما ذكرنا من الكرامة والمنزلة لأن من يحب آخر يبره، ويكرمه. ومن لا يحبه يعاديه، ويظهر له الجفاء، ولا قوة إلا بالله.
واختلف في المعنى الذي وصف عليه السلام بالخلة أنه خليل الله ؛ فقد قيل : بما سخت نفسه في بذل كل لذة من لذات الدنيا لله ؛ ( إذ يبيت )١٤ في مكان إتيان الأضياف وأبناء السبيل، وكان لا يأكل وحده، وكانت عادته التقديم بكل ما يتهيأ به عند نزول الأضياف عليه، والابتداء بذلك قبل كل أمر، والقيام للأضياف مع عظم منزلته. أيد ذلك أمر الملائكة الذين١٥ جاؤوه بالبشارة، والله أعلم.
وقيل : إنما امتحنه الله بأمور، فصبر عليها، نحو النار : ألقي فيها١٦، وذبح الولد وبذل الأهل والولد لله، حيث لا ضرع ولا زرع، ولا ماء، وغير ذلك مما أكرمه الله تعالى بالثناء عليه بوفاء ما امتحن ( به وإتمام )١٧ ما ابتلي : في ١٨ قوله تعالى :﴿ وإبراهيم الذي وفى ﴾ ( النجم : ٣٧ )، وفي قوله تعالى :﴿ وإذا تتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ﴾ ( البقرة : ١٢٤ ). وفي ما حاج فرعون وجميع قومه، ( وجادلهم في ما )١٩ يعبدون، فغلهم، وألزمهم حجة الله، وغير ذلك من وجوه المحن.
وقيل : بما به كان بدء البيت الذي جعله الله﴿ قياما للناس ﴾ ( المائدة : ٩٧ ) ومأمنا للخلق ومثابا لهم ٢٠ ومنسكا، فعظم شأنه في ما بالخلق إليه حاجة في أمر الدين. وعلى ذلك أكرمه الله تعالى بميل القلوب وإظهار التدين بدينه من جميع أصناف أهل الأديان، والله أعلم.
وقيل : إنما هي خصائص في أهل من الرسل وأولي٢١ العزم منهم ؛ اختصم بأسماء عرفن من الفضائل والكرامات نحو القول بكليم الله وروح الله وذبيح الله وحبيب الله. فعلى ذلك كان لإبراهيم عليه السلام خصوصية في الاسم، فسماه خليلا.
فنحن نقول، وبالله التوفيق : ونحن نعلم بأن الله تعالى :( لم يسمه )٢٢ بالذي ذكر عبثا باطلا، ولكنه سماه به تعظيمات لقدره وإظهارا لكرامته وبيانا لمنزلته عنده لمن شاء من الوجوه التي لعلها لم يطلع عليها ( أحد )٢٣ من الخلق، ولا يحتمل أن يدرك ذلك إلا بالوحي. فحق ذلك علينا تعظيمه ومعرفته بالذي اختصه الله، واصطفاه دون تكلف المعنى الذي له كان ذلك مع لا وجه، ولا معنى، صار حقيقة ذلك وأكرم إلا بمعنى أكرمه الله. وأكرمه( الله بفضله )٢٤ ورحمته. والله أن يبتديه بالخلة، ثم يكرمه بأنواع الكرامات التي لديها تقع كرامة الخلة، وتصلح. ولله المن في ذلك والفضل، وعلينا الحمد لله والشكر بما ( أنعمن علينا )٢٥ من معرفة كرام خلقه، وجعل في قلوبنا مودتهم، حتى صاروا بفضل الله ورحمته أحب إلينا من أمس الخلق بنا بل من أنفسنا، ولا قوة إلا بالله.
ثم ليس للنصارى ادعاء النبوة لله من حيث الكرامة على الاعتبار بالخلة لأن الله سبحانه وتعالى عظم أمر الأولاد حتى جعله كالشرك، ولا كذلك أمر الخلة، ولأن أمر الأولاد، حفه المجانسة، وللخلة حق الموافقة.
ثم ( الأصل : في )٢٦ الأولاد الشهوة والحاجة( وفي الخلة )٢٧ الطاعة والتعظيم، مما رجع أحد الوجهين إلى شهوة الولد وحاجته، والآخر إلى تعظيم يكون من ذلك العبد وتبجيله والطاعة له والخضوع.
ثم الأصل أن المعنى الذي يقتضيه الخلة قد يجوز أن يظفر كل بالطاعة، وإن كان الاسم له في حق النهاية، نحو قوله تعالى :﴿ إن الله يحب التوابين ﴾ الآية ( البقرة : ٢٢٢ ) وقوله تعالى :﴿ فاتبعوني يحبكم الله ﴾( آل عمران : ٣١ ) والمحبة قريبة من الخلة. ومحال أن يحق معنى الأولاد والنبوة بشيء من الطاعة، لذلك اختلف الأمران، والله أعلم.
١ في الأصل وم: يحتمل..
٢ ساقطة من الأصل وم..
٣ في الأصل وم: ممن..
٤ في الأصل وم: ممن يعمل بل الذي عمل بجميع عمله موافقا لدينه أحسن دينا من الذي..
٥ ساقطة من الأصل وم..
٦ من م، ساقطة من الأصل..
٧ في الأصل وم: بعضها..
٨ في الأصل وم: أحد..
٩ في الأصل وم: من..
١٠ في الأصل وم: مثله..
١١ في الأصل وم: بمثله..
١٢ في الأصل وم: قوله..
١٣ ساقطة من الأصل وم..
١٤ في الأصل وم: بيتوا..
١٥ من م، في الأصل: الذي..
١٦ من م، في الأصل: الله..
١٧ في الأصل وم: إتمام..
١٨ في الأصل وم: من..
١٩ في الأصل وم: ويجادلهم في من، وهو إشارة إلى قوله تعالى:﴿وحاجه قومه قال﴾(الأنعام: ٨٠)..
٢٠ إشارة إلى قوله تعالى:﴿وإذا جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا﴾(البقرة: ١٢٥)..
٢١ في الأصل وم: وأولوا، والإشارة إلى قوله تعالى:﴿أولوا العزم من الرسل﴾(الأحقاف: ٣٥).
٢٢ في الأصل وم: لا يسميه..
٢٣ ساقطة من الأصل وم..
٢٤ في الأصل وم: بفضل الله..
٢٥ في الأصل ومن: أنعمنا..
٢٦ في الأصل وم: أصل، في م: الأصل..
٢٧ في الأصل وم: والخلة..
٢ ساقطة من الأصل وم..
٣ في الأصل وم: ممن..
٤ في الأصل وم: ممن يعمل بل الذي عمل بجميع عمله موافقا لدينه أحسن دينا من الذي..
٥ ساقطة من الأصل وم..
٦ من م، ساقطة من الأصل..
٧ في الأصل وم: بعضها..
٨ في الأصل وم: أحد..
٩ في الأصل وم: من..
١٠ في الأصل وم: مثله..
١١ في الأصل وم: بمثله..
١٢ في الأصل وم: قوله..
١٣ ساقطة من الأصل وم..
١٤ في الأصل وم: بيتوا..
١٥ من م، في الأصل: الذي..
١٦ من م، في الأصل: الله..
١٧ في الأصل وم: إتمام..
١٨ في الأصل وم: من..
١٩ في الأصل وم: ويجادلهم في من، وهو إشارة إلى قوله تعالى:﴿وحاجه قومه قال﴾(الأنعام: ٨٠)..
٢٠ إشارة إلى قوله تعالى:﴿وإذا جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا﴾(البقرة: ١٢٥)..
٢١ في الأصل وم: وأولوا، والإشارة إلى قوله تعالى:﴿أولوا العزم من الرسل﴾(الأحقاف: ٣٥).
٢٢ في الأصل وم: لا يسميه..
٢٣ ساقطة من الأصل وم..
٢٤ في الأصل وم: بفضل الله..
٢٥ في الأصل ومن: أنعمنا..
٢٦ في الأصل وم: أصل، في م: الأصل..
٢٧ في الأصل وم: والخلة..
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (١٢٦)
تأويل هذه الآية - واللَّه أعلم - أنه وإن أكرمهم وأعظم منزلتهم عنده وأعلاها - فإنهم لم يأنفوا عن عبادته، ولم يخرجوا أنفسهم من أن يكونوا عبيدًا؛ بل كلما ازداد لهم عند اللَّه - واللَّه أعلم - منزلة وقدر - كانوا أخضع له وأطوع؛ كقوله - تعالى -: (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧)، وفي موضع آخر: (لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ...) الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا)
أي: أحاط بكل شيء علمه، وهو يخرج على الوعيد، أي: عن علم منه خلقهم لا عن جهل بصنيعهم كملوك الأرض، وباللَّه التوفيق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - أيضًا: (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا) وبصيرًا، وعليما، ونحو ذلك، يخرج على التوعيد والتخويف؛ ليكونوا مراقبين له، حذرين؛ كمن يعلم في الأمور أن عليه رقيبًا، واللَّه أعلم.
ويخرج على الابتلاء: أنه أمر من يكتب الأعمال لا للخفاء عليه، لكن بما إذ لا يمتحن لحاجة به؛ ولكن لمصلحة عباده، فيمتحن بما شاء، فامتحن أُولَئِكَ الكتبة بما يكونون أبدًا متيقنين ناظرين، لا يغفلون عن ذلك؛ طاعة منهم لله.
والثاني: أن يكون العلم بمن يكتب عليه كل أمره -فيما جُبل عليه البشر- أذكر له وأشد في التنبيه؛ فجرى حكم اللَّه في ذلك؛ إذ أمر المحنة موضوع على المصلحة، وذلك أبلغ في الوجود، واللَّه أعلم.
ويخرج على أن اللَّه - تعالى - كان بذلك محيطًا؛ ليعلموا أنهم لا يتركون سُدى، بل يحصى عليهم للجزاء، واللَّه أعلم.
وجملة ذلك: أن اللَّه - تعالى - قال كان كذا؛ ليعلم أنه لا عن جهل خلق الخلق وبعث الرسل، وأنشأ الآيات، مما عليه أمر الخلق أنهم كيف يعاملون من ذكرت، وذلك خارج على حد الحكمة، وإن كان لا يعرفون في بعث الرسل إلى من يكذبهم، ولا تقوية الأعداء على ما به قهر الأولياء، ولا الأمر والنهي لمن يعلم أنه لا يأتمر ولا ينتهي - كبيرَ حكمة، وبما كان ذلك من اللَّه فهو خارج على حد الحكمة؛ إذ ذلك كله من الخلق يقع لحاجة أو
تأويل هذه الآية - واللَّه أعلم - أنه وإن أكرمهم وأعظم منزلتهم عنده وأعلاها - فإنهم لم يأنفوا عن عبادته، ولم يخرجوا أنفسهم من أن يكونوا عبيدًا؛ بل كلما ازداد لهم عند اللَّه - واللَّه أعلم - منزلة وقدر - كانوا أخضع له وأطوع؛ كقوله - تعالى -: (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧)، وفي موضع آخر: (لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ...) الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا)
أي: أحاط بكل شيء علمه، وهو يخرج على الوعيد، أي: عن علم منه خلقهم لا عن جهل بصنيعهم كملوك الأرض، وباللَّه التوفيق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - أيضًا: (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا) وبصيرًا، وعليما، ونحو ذلك، يخرج على التوعيد والتخويف؛ ليكونوا مراقبين له، حذرين؛ كمن يعلم في الأمور أن عليه رقيبًا، واللَّه أعلم.
ويخرج على الابتلاء: أنه أمر من يكتب الأعمال لا للخفاء عليه، لكن بما إذ لا يمتحن لحاجة به؛ ولكن لمصلحة عباده، فيمتحن بما شاء، فامتحن أُولَئِكَ الكتبة بما يكونون أبدًا متيقنين ناظرين، لا يغفلون عن ذلك؛ طاعة منهم لله.
والثاني: أن يكون العلم بمن يكتب عليه كل أمره -فيما جُبل عليه البشر- أذكر له وأشد في التنبيه؛ فجرى حكم اللَّه في ذلك؛ إذ أمر المحنة موضوع على المصلحة، وذلك أبلغ في الوجود، واللَّه أعلم.
ويخرج على أن اللَّه - تعالى - كان بذلك محيطًا؛ ليعلموا أنهم لا يتركون سُدى، بل يحصى عليهم للجزاء، واللَّه أعلم.
وجملة ذلك: أن اللَّه - تعالى - قال كان كذا؛ ليعلم أنه لا عن جهل خلق الخلق وبعث الرسل، وأنشأ الآيات، مما عليه أمر الخلق أنهم كيف يعاملون من ذكرت، وذلك خارج على حد الحكمة، وإن كان لا يعرفون في بعث الرسل إلى من يكذبهم، ولا تقوية الأعداء على ما به قهر الأولياء، ولا الأمر والنهي لمن يعلم أنه لا يأتمر ولا ينتهي - كبيرَ حكمة، وبما كان ذلك من اللَّه فهو خارج على حد الحكمة؛ إذ ذلك كله من الخلق يقع لحاجة أو
لمنفعة ترجع إليهم؛ فإذا ناقض.. خرج الفعل من الحكمة. فأما اللَّه - سبحانه وتعالى - يمتحن عباده، ويبعث الرسل - عليهم السلام - لحاجة بالمبعوث إليهم وبالممتحنين، ولمنافع ترجع إليهم؛ فيكون ذلك منه كهدايا؛ فمن لا يقبلها فنفسه يضر ولحقها يبخس، لا أن يرجع إليه ذلك؛ فزال ذلك المعنى الذي له خرج الفعل من الخلق عن حد الحكمة؛ فلزم القول بموافقة الحكمة والمصلحة، ولا قوة إلا باللَّه.
* * *
قوله تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (١٢٧) وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٢٨) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (١٣٠)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ...) الآية.
ذكر الاستفتاء في النساء، وليس فيه بيان عما وقع به السؤال؛ إذ قد يجوز أن يكون في الجواب بيان المراد في السؤال، وإن لم يكن في السؤال بيان؛ نحو قوله - تعالى -: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)؛ دل الأمر باعتزال النساء في المحيض - على أن السؤال عن المحيض إنما كان عن الاعتزال، وإن لم يكن في السؤال بيان المراد؛ وكذلك قوله - تعالى -: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ...) الآية؛ دل قوله: (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ) وعلى أن - السؤال إنما كان عن مخالطة اليتامى، وكقوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ)؛ دل قوله: (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) وعلى أن السؤال عن الخمر والميسر - ما ذكر في الجواب من الإثم، وإن لم يكن في السؤال بيان ذلك.
ثم قوله - تعالى -: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) ليس في السؤال ولا في الجواب بيان ما وقع به السؤال؛ فيحتمل أن يكون السؤال في أمورهن جميعًا: في الميراث وغير ذلك من الحقوق، ثم ذكر واحدًا فواحدًا؛ كقوله - تعالى -: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ)، كقوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا
* * *
قوله تعالى: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (١٢٧) وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٢٨) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (١٣٠)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ...) الآية.
ذكر الاستفتاء في النساء، وليس فيه بيان عما وقع به السؤال؛ إذ قد يجوز أن يكون في الجواب بيان المراد في السؤال، وإن لم يكن في السؤال بيان؛ نحو قوله - تعالى -: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)؛ دل الأمر باعتزال النساء في المحيض - على أن السؤال عن المحيض إنما كان عن الاعتزال، وإن لم يكن في السؤال بيان المراد؛ وكذلك قوله - تعالى -: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ...) الآية؛ دل قوله: (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ) وعلى أن - السؤال إنما كان عن مخالطة اليتامى، وكقوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ)؛ دل قوله: (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) وعلى أن السؤال عن الخمر والميسر - ما ذكر في الجواب من الإثم، وإن لم يكن في السؤال بيان ذلك.
ثم قوله - تعالى -: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ) ليس في السؤال ولا في الجواب بيان ما وقع به السؤال؛ فيحتمل أن يكون السؤال في أمورهن جميعًا: في الميراث وغير ذلك من الحقوق، ثم ذكر واحدًا فواحدًا؛ كقوله - تعالى -: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ)، كقوله: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا
374
وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) الآية، هذا في الميراث. وأما في الحقوق فقال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ). ويحتمل غيرها من الحقوق سوى حقوق النكاح، فترك البيان في الجواب؛ لما ذكر واحدًا فواحدًا في غيرها من الآي؛ إذ الجواب خرج مخرج العدة أنه يفعل بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُفتِيكُمْ)، وقد فعل هذا، واللَّه أعلم.
ويحتمل غير هذا: وهو أن يترك البيان في السؤال والجواب؛ لنوازل يعرفها أهلها، لم يحتج إلى بيان ما وقع به السؤال؛ لمعرفة أهلها به.
ويحتمل ما قاله أهل التأويل: وهو أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار من الأولاد؛ وإنما كانوا يورثون المقاتلة من الرجال والذين يحرزون الغنائم، فلما بين اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - للنساء وللصغار نصيبًا في الأموال، وفرض لهم حقًّا، سألوا عند ذلك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك؛ فأنزل اللَّه - تعالى -: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ)، وكذلك روي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - وذكر القصة هكذا، واللَّه أعلم.
ويحتمل: أن يكون السؤال وقع عن يتامى النساء؛ ألا ترى أنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) الآية.
قيل: كانت اليتيمة في حجر الرجل ذات مال؛ يرغب عن أن يتزوجها لدمامتهما، ويمنعها عن الأزواج؛ رغبة في مالها، وهكذا روي عن عائشة، رضي اللَّه عنها.
وعلى ذلك يخرج قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ...) الآية.
وقوله: (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ)
هذا - واللَّه أعلم - كأنه معطوف، على قوله: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ)، والمستضعضون من الولدان، على ما ذكرنا من الميراث والحقوق.
(وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ)
في إبقاء حقوقهم وأداء ما لهم عليكم.
ويحتمل غير هذا: وهو أن يترك البيان في السؤال والجواب؛ لنوازل يعرفها أهلها، لم يحتج إلى بيان ما وقع به السؤال؛ لمعرفة أهلها به.
ويحتمل ما قاله أهل التأويل: وهو أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصغار من الأولاد؛ وإنما كانوا يورثون المقاتلة من الرجال والذين يحرزون الغنائم، فلما بين اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - للنساء وللصغار نصيبًا في الأموال، وفرض لهم حقًّا، سألوا عند ذلك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك؛ فأنزل اللَّه - تعالى -: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ)، وكذلك روي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - وذكر القصة هكذا، واللَّه أعلم.
ويحتمل: أن يكون السؤال وقع عن يتامى النساء؛ ألا ترى أنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) الآية.
قيل: كانت اليتيمة في حجر الرجل ذات مال؛ يرغب عن أن يتزوجها لدمامتهما، ويمنعها عن الأزواج؛ رغبة في مالها، وهكذا روي عن عائشة، رضي اللَّه عنها.
وعلى ذلك يخرج قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ...) الآية.
وقوله: (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ)
هذا - واللَّه أعلم - كأنه معطوف، على قوله: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ)، والمستضعضون من الولدان، على ما ذكرنا من الميراث والحقوق.
(وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ)
في إبقاء حقوقهم وأداء ما لهم عليكم.
375
(وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا)
فيجزيكم به، أو كان به عليما: من يفعل الخير ومن لا يفعل الخير، واللَّه أعلم.
وعن الحسن في قوله: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ)، أي: ترغبون عن نكاحهن.
وعن ابن سيرين: لا يرغب في نكاحها؛ لدمامتها، ولا يزوجها غيره؛ رغبة في مالها.
وعلى ذلك يخرج قوله - تعالى -: (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ...) الآية، وقوله - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى...) الآية.
وني قوله - تعالى -: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) دلالة أن للولي أن يزوج اليتيمة الصغيرة؛ لأنه لو لم يكن له ذلك - لم يكن للعتاب على ترك تزويجهن من غيرهم معنى.
فَإِنْ قِيلَ: اسم اليتيم يقع على الصغيرة والكبيرة جميعًا؛ فلعل المراد من اليتيمة: الكبيرة هاهنا، قيل: هو كذلك، غير أن الغالب يقع على الصغائر منهن، واللَّه أعلم.
وفيه دلالة؛ أن الكاح قد يقوم بالواحد؛ لأنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ)؛ فلو لم يكن له أن يتزوجها - لم يكن لهذا العتاب معنى؛ دل أن له أن ينكح.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا... )
قيل: خافت، أي: علمت من بعلها نشوزا.
وقيل: الخوف - هاهنا - خوف لا غير، فمن قال بالخوف فهو حمل على أن يظهر لها منه جفاء؛ يجفوها لدمامتها أو لكبرها، ويسيء صحبتها؛ لترضى بالفراق عنه؛ ليتزوج غيرها، وهو الخوف حقيقة.
وهكذا روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: [إنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ خشيت أن يطلقها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فجعلت يومها لعائشة - رضي اللَّه عنها - فأنزل اللَّه - تعالى] (١): (وَإنِ
فيجزيكم به، أو كان به عليما: من يفعل الخير ومن لا يفعل الخير، واللَّه أعلم.
وعن الحسن في قوله: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ)، أي: ترغبون عن نكاحهن.
وعن ابن سيرين: لا يرغب في نكاحها؛ لدمامتها، ولا يزوجها غيره؛ رغبة في مالها.
وعلى ذلك يخرج قوله - تعالى -: (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ...) الآية، وقوله - تعالى -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى...) الآية.
وني قوله - تعالى -: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) دلالة أن للولي أن يزوج اليتيمة الصغيرة؛ لأنه لو لم يكن له ذلك - لم يكن للعتاب على ترك تزويجهن من غيرهم معنى.
فَإِنْ قِيلَ: اسم اليتيم يقع على الصغيرة والكبيرة جميعًا؛ فلعل المراد من اليتيمة: الكبيرة هاهنا، قيل: هو كذلك، غير أن الغالب يقع على الصغائر منهن، واللَّه أعلم.
وفيه دلالة؛ أن الكاح قد يقوم بالواحد؛ لأنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ)؛ فلو لم يكن له أن يتزوجها - لم يكن لهذا العتاب معنى؛ دل أن له أن ينكح.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا... )
قيل: خافت، أي: علمت من بعلها نشوزا.
وقيل: الخوف - هاهنا - خوف لا غير، فمن قال بالخوف فهو حمل على أن يظهر لها منه جفاء؛ يجفوها لدمامتها أو لكبرها، ويسيء صحبتها؛ لترضى بالفراق عنه؛ ليتزوج غيرها، وهو الخوف حقيقة.
وهكذا روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: [إنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ خشيت أن يطلقها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فجعلت يومها لعائشة - رضي اللَّه عنها - فأنزل اللَّه - تعالى] (١): (وَإنِ
(١) الثابث في البخاري وغيره أنها وهبت ليلتها لعائشة - رضي اللَّه عنهما - لا أنها خشيت أن يطلقها رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - وهذا نص الحديث في البخاري - رحمه اللَّه -:
٥٢١٢ - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ «وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ»
وكيف يصح ذلك والنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يكن ملزمًا بالعدل في القسمة بين أزواجه لقوله تعالى (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ). اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية).
٥٢١٢ - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ «وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ»
وكيف يصح ذلك والنبي - صلى اللَّه عليه وسلم - لم يكن ملزمًا بالعدل في القسمة بين أزواجه لقوله تعالى (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ). اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية).
376
امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا...) الآية. ثم قال: فهذا الصلح الذي أمر اللَّه.
فجعل الخوف - هاهنا - خشية.
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها - أنها قالت: هي المرأة تكون عند الرجل دميمة، ولا يحبها زوجها؛ فتقول: لا تطلقني، وأنت في حِلٍّ من شأني.
وقيل: (خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا) أي: علمت، والعلم هو أن يكون للرجل امرأتان: إحداهما كبيرة أو دميمة، والأخرى شابة، يميل قلبه إلى الشابة منهما، ويكره صحبة الكبيرة منهما، ويستثقل المقام معها، وأراد فراقها؛ فتقول: لا تفارقني، واجعل أيامي لضرتي، أو يصالحها على أن يكون عند الشابة أكثر من عند الكبيرة، وهو ما روي عن عائشة - رضي اللَّه عنها - أنها قالت: هي المرأة تكون عند الرجل دميمة، ولا يحبها أزوجها؛ فتقول: لا تطلقني، وأنت في حِلٍّ من شأني.
فالخوف هو ما يظهر لها من نشوزه قبل تزوج أخرى - بأعلام، والعلم هو ما يظهر من ترك مضاجعته إياها، وسوء صحبته معها.
وعلى هذين الوجهين رُوي عن الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - عن بعضهم: يكون عند الرجل امرأتان: إحداهما كبيرة، والأخرى شابة؛ فيؤثر الشابة على الكبيرة؛ فيجري بينهما صلح على أن يمسكها ولا يفارقها على الرضا منها بإبطال حقها أو بدونه، وهو ما روينا من خبر ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن سودة - رضي اللَّه عنها - جعلت أيامها لعائشة - رضي اللَّه عنها - خشية أن يفارقها. وكذلك رُوي عن عمر، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أتاه رجل يستفتيه في امرأة خافت من بعلها نشوزًا؛
قال: هي المرأة تكون عند الرجل؛ فتنبو عيناه من دمامتها أو كبرها، أو فقرها، أو سوء خلقها؛ فيكون فراقه، فإن وضعت له من مهرها شيئًا حل له، وإن جعلت من أيامها شيئًا لغيرها فلا حرج.
فجعل الخوف - هاهنا - خشية.
وعن عائشة - رضي اللَّه عنها - أنها قالت: هي المرأة تكون عند الرجل دميمة، ولا يحبها زوجها؛ فتقول: لا تطلقني، وأنت في حِلٍّ من شأني.
وقيل: (خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا) أي: علمت، والعلم هو أن يكون للرجل امرأتان: إحداهما كبيرة أو دميمة، والأخرى شابة، يميل قلبه إلى الشابة منهما، ويكره صحبة الكبيرة منهما، ويستثقل المقام معها، وأراد فراقها؛ فتقول: لا تفارقني، واجعل أيامي لضرتي، أو يصالحها على أن يكون عند الشابة أكثر من عند الكبيرة، وهو ما روي عن عائشة - رضي اللَّه عنها - أنها قالت: هي المرأة تكون عند الرجل دميمة، ولا يحبها أزوجها؛ فتقول: لا تطلقني، وأنت في حِلٍّ من شأني.
فالخوف هو ما يظهر لها من نشوزه قبل تزوج أخرى - بأعلام، والعلم هو ما يظهر من ترك مضاجعته إياها، وسوء صحبته معها.
وعلى هذين الوجهين رُوي عن الصحابة - رضوان اللَّه عليهم أجمعين - عن بعضهم: يكون عند الرجل امرأتان: إحداهما كبيرة، والأخرى شابة؛ فيؤثر الشابة على الكبيرة؛ فيجري بينهما صلح على أن يمسكها ولا يفارقها على الرضا منها بإبطال حقها أو بدونه، وهو ما روينا من خبر ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن سودة - رضي اللَّه عنها - جعلت أيامها لعائشة - رضي اللَّه عنها - خشية أن يفارقها. وكذلك رُوي عن عمر، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وروي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه أتاه رجل يستفتيه في امرأة خافت من بعلها نشوزًا؛
قال: هي المرأة تكون عند الرجل؛ فتنبو عيناه من دمامتها أو كبرها، أو فقرها، أو سوء خلقها؛ فيكون فراقه، فإن وضعت له من مهرها شيئًا حل له، وإن جعلت من أيامها شيئًا لغيرها فلا حرج.
377
دلت هذه الأحاديث التي ذكرنا على أن الرجل إذا كان له نسوة أن يسوي بينهن، فيقيم عند كل واحدة يومًا، إلا أن يصطلحا على غير ذلك، والصلح خير، كما قال اللَّه، عز وجل.
وبين قوله: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ... )
أن على الرجل -وإن عدل بين نسائه في قسمة الأيام- ألا يخلي إحداهن من الوطء، واللَّه أعلم. ولا يكون وطؤه كله لغيرها، وتكون الأخرى كالمعلقة التي ليست بأيم ولا ذات زوج، لكنها إذا رضيت بإبطال حقها أو بدون حقها فإنه لا حرج على الزوج في ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا)
يحتمل: أن يكون رفع الحرج عن الزوج خاصة، وإن كان الفعل مضافًا إليهما؛ إذ ليس للمرأة لْي ترك حقها حرج، وكذلك قوله - تعالى -: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ليس على المرأة جناح في الافتداء؛ لأنها تفتدي بمالها، ولها أن تُمَلِّكَ على مالها من شاءت؛ فكأنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: فلا جناح عليه في أخذ ما افتدت، أو في إبطال حقها إذا رضيت.
ويحتمل: أن يكون على ما ذكر، وهو أن لا حرج على المرأة المقام معه وإن استثقل الزوج ذلك ويكره صحبتها، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ).
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: شحت المرأة بنصيبها من زوجها أن تدعه للأخرى، وشح الرجل بنصيبه من الأخرى.
وقيل: الشح: الحرص، وهو أن يحرص كل على حقه. وكان الشح والحرص واحد، وإن كان أحدهما في المنع، والآخر في الطلب؛ لأن البخل يحمله على الحرص، والحرص يحمله على المنع، وكل واحد منهما يكون سببًا للآخر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا)
في أن تعطوهن أكثر من حقهن، وتتقوا في ألا تبخسوا من حقهن شيئًا.
وبين قوله: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ... )
أن على الرجل -وإن عدل بين نسائه في قسمة الأيام- ألا يخلي إحداهن من الوطء، واللَّه أعلم. ولا يكون وطؤه كله لغيرها، وتكون الأخرى كالمعلقة التي ليست بأيم ولا ذات زوج، لكنها إذا رضيت بإبطال حقها أو بدون حقها فإنه لا حرج على الزوج في ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا)
يحتمل: أن يكون رفع الحرج عن الزوج خاصة، وإن كان الفعل مضافًا إليهما؛ إذ ليس للمرأة لْي ترك حقها حرج، وكذلك قوله - تعالى -: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ليس على المرأة جناح في الافتداء؛ لأنها تفتدي بمالها، ولها أن تُمَلِّكَ على مالها من شاءت؛ فكأنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: فلا جناح عليه في أخذ ما افتدت، أو في إبطال حقها إذا رضيت.
ويحتمل: أن يكون على ما ذكر، وهو أن لا حرج على المرأة المقام معه وإن استثقل الزوج ذلك ويكره صحبتها، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ).
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: شحت المرأة بنصيبها من زوجها أن تدعه للأخرى، وشح الرجل بنصيبه من الأخرى.
وقيل: الشح: الحرص، وهو أن يحرص كل على حقه. وكان الشح والحرص واحد، وإن كان أحدهما في المنع، والآخر في الطلب؛ لأن البخل يحمله على الحرص، والحرص يحمله على المنع، وكل واحد منهما يكون سببًا للآخر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا)
في أن تعطوهن أكثر من حقهن، وتتقوا في ألا تبخسوا من حقهن شيئًا.
378
ويحتمل: (وَإِنْ تُحْسِنُوا) في إبقاء حقهن، والتسوية بينهن، وتتقوا الجور والميل، وتفضيل بعض على بعض.
ويحتمل: (وَإِنْ تُحْسِنُوا) في اتباع ما أمركم اللَّه من طاعته، وتتقوا عما نهاكم اللَّه من معاصيه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
على الترغيب والوعيد، وقد ذكرنا معناه في غير موضع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ... (١٢٩)
عن ابن عَبَّاسٍ في قوله: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ) في إيفاء الحق أن يستوي في قلوبكم الحب (وَلَوْ حَرَصْتُمْ) على العدل؛ لا تقدرون عليه في ذلك.
(فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ).
إلى التي تحب في النفقة والقسم؛ فتأتي الشابة التي تعجبك، وتدع الأخرى بغير قسم ولا نفقة.
روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقول: اللَّهُمَّ أما قلبي فلا أملك، ولكن أرجو أن أعدل فيما سوى ذلك.
والعدل - هاهنا - التسوية؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى: (وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) ليس هو ضد الجور؛ ولكن التسوية: يسوون بين ربهم وبين الأصنام في العبادة.
وعن عبيدة قال: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) في الحب.
وروي عن أبي قلابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يعدل بين نسائه في القسمة ويقول: " اللَّهُمَّ هذه قِسمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا تَمْلِكُ أَنْتَ وَلَا أَمْلِكُ.
ويحتمل: (وَإِنْ تُحْسِنُوا) في اتباع ما أمركم اللَّه من طاعته، وتتقوا عما نهاكم اللَّه من معاصيه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
على الترغيب والوعيد، وقد ذكرنا معناه في غير موضع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ... (١٢٩)
عن ابن عَبَّاسٍ في قوله: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ) في إيفاء الحق أن يستوي في قلوبكم الحب (وَلَوْ حَرَصْتُمْ) على العدل؛ لا تقدرون عليه في ذلك.
(فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ).
إلى التي تحب في النفقة والقسم؛ فتأتي الشابة التي تعجبك، وتدع الأخرى بغير قسم ولا نفقة.
روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقول: اللَّهُمَّ أما قلبي فلا أملك، ولكن أرجو أن أعدل فيما سوى ذلك.
والعدل - هاهنا - التسوية؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى: (وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) ليس هو ضد الجور؛ ولكن التسوية: يسوون بين ربهم وبين الأصنام في العبادة.
وعن عبيدة قال: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) في الحب.
وروي عن أبي قلابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يعدل بين نسائه في القسمة ويقول: " اللَّهُمَّ هذه قِسمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تُؤَاخِذْنِي فِيمَا تَمْلِكُ أَنْتَ وَلَا أَمْلِكُ.
وأصل ذلك: أن في كل ما كان المرء مدفوعا مضطرًّا - فإنه غير مكلف في ذلك، وفي كل ما كان باختيار منه وإيثار غير عليه - فإنه مكلف في ذلك، والحب مما يدفع المرء فيه ويضطر، ولا صنع له فيه، لم يكلف التسوية فيما يكون مدفوعًا فيه مضطرا؛ لأنه لا يملك التسوية، وعلى هذا يخرج قولنا: إن الكافر مكلف بالإيمان في حال الكفر؛ لشغله به، واختاره فعل الكفر، ليس كالمضطر، وقد ذكرنا - فيما تقدم -: أن الاستطاعة تكون على ضربين: استطاعة أحوال وأسباب، واستطاعة أفعال، والاستطاعة التي هي استطاعة الأحوال والأسباب من نحو الصحة والسلامة وغيرهما يجوز فبل ومع وبعد، وأما استطاعة الأفعال فإنها لا تكون إلا مع الفعل، وباللَّه التوفيق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ): في النفقة والقسمة، معناه: لا يحملنكم شدة الحب والميل بالقلب أن تتركوا الإنفاق عليها وإيفاء الحق، أعني: حق القسم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ)
ليست بأيم ولا ذات بعل، ليست هي بأيم تتكلف هي مؤنتها كما تتكلف الأيم، ولا ذات بعل يتحمل البعل مؤنتها.
وفي حرف أبي بن كعب: " فتذروها كالمسجونة "، وهو ما ذكرنا: لا ينفق هو عليها، ولا يطلقها؛ لتتزوج زوجًا آخر، فهي كالمحبوسة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا)
هو ما ذكرنا في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)
هذا ينقض قول من يقول: إنه لم يكن رحيمًا ثم صار رحيمًا؛ لأنه أخبر أنه كان رحيمًا، وهو يقول: صار رحيما، وباللَّه العصمة.
ثم المسألة: بأن المرأة إذا جعلت أيامها لضرتها، كان لها أن ترجع وتفسخ ذلك؛ لأنها جعلت لها ما لم يجب بعدُ ولم يلزم؛ فكان كمن أبرأ آخر عن حق لم يجب بعد، فإن إبراءه - باطل، له أن يعود إليه، فيأخذه به إذا وجب؛ فعلى ذلك هذا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ... (١٣٠)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ): في النفقة والقسمة، معناه: لا يحملنكم شدة الحب والميل بالقلب أن تتركوا الإنفاق عليها وإيفاء الحق، أعني: حق القسم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ)
ليست بأيم ولا ذات بعل، ليست هي بأيم تتكلف هي مؤنتها كما تتكلف الأيم، ولا ذات بعل يتحمل البعل مؤنتها.
وفي حرف أبي بن كعب: " فتذروها كالمسجونة "، وهو ما ذكرنا: لا ينفق هو عليها، ولا يطلقها؛ لتتزوج زوجًا آخر، فهي كالمحبوسة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا)
هو ما ذكرنا في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)
هذا ينقض قول من يقول: إنه لم يكن رحيمًا ثم صار رحيمًا؛ لأنه أخبر أنه كان رحيمًا، وهو يقول: صار رحيما، وباللَّه العصمة.
ثم المسألة: بأن المرأة إذا جعلت أيامها لضرتها، كان لها أن ترجع وتفسخ ذلك؛ لأنها جعلت لها ما لم يجب بعدُ ولم يلزم؛ فكان كمن أبرأ آخر عن حق لم يجب بعد، فإن إبراءه - باطل، له أن يعود إليه، فيأخذه به إذا وجب؛ فعلى ذلك هذا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ... (١٣٠)
380
أي: الزوجان إن تفرقا؛ لما لم يقدر الزوج على التسوية بينهن (يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ): المرأة تتزوج آخر، والرجل بامرأة أخرى.
ويحتمل: (كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) أن كل واحد منهما -وإن كان غنيا بالآخر في حال النكاح- فاللَّه قادر على أن يغني كل واحد منهما بعد الافتراق، كما كان يرزق قبل الفراق.
وفيه دليل قطع طمع الارتزاق من غير اللَّه، وإن جاز أن يجعل غيره سببًا في ذلك؛ لأنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ)؛ ليعلم كلٌّ أن غناه لم يكن بالآخر؛ حيث وعد لهما الغناء، وكذلك في قوله - تعالى -: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ...) إلى قوله - تعالى -: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) - دليل قطع طمع الارتزاق بعضهم من بعض في النكاح؛ لما وعد لهم الغناء إذا كانوا فقراء.
وفيه دليل وقوع الفرقة بينهما بالمرأة، بالمكنى من الكلام؛ لمشاركتهما فيه، وإن كان الزوج هو المنفرد بالفراق؛ لما أضاف الفعل إليهما بقوله: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ) وكذلك قوله - تعالى -: (فَارقُوهُنَّ)، و (سَرِّحُوهُنَّ)، واللَّه أعلم.
وفيه دليل لزوم النفقة في العدة؛ لأنه ذكر الافتراق، والفراق إنما يكون بانقضاء العدة، ثم أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - عن غناء كل واحد منهما بالآخر قبل الفراق؛ دل أن للمرأة غناء بالزوج ما دامت بالعدة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)
قيل: واسعًا: جودًا.
وقيل: واسعًا: يوسع على كل منهما رزقه، (حَكِيمًا) حكم على الزوج: إمساكًا بمعروف أو تسريحًا بإحسان.
وقيل: حكيمًا؛ حيث حكم فرقتهما.
وأصل الحكيم: أن يضع كل شيء موضعه.
* * *
قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (١٣١)
ويحتمل: (كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) أن كل واحد منهما -وإن كان غنيا بالآخر في حال النكاح- فاللَّه قادر على أن يغني كل واحد منهما بعد الافتراق، كما كان يرزق قبل الفراق.
وفيه دليل قطع طمع الارتزاق من غير اللَّه، وإن جاز أن يجعل غيره سببًا في ذلك؛ لأنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ)؛ ليعلم كلٌّ أن غناه لم يكن بالآخر؛ حيث وعد لهما الغناء، وكذلك في قوله - تعالى -: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ...) إلى قوله - تعالى -: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) - دليل قطع طمع الارتزاق بعضهم من بعض في النكاح؛ لما وعد لهم الغناء إذا كانوا فقراء.
وفيه دليل وقوع الفرقة بينهما بالمرأة، بالمكنى من الكلام؛ لمشاركتهما فيه، وإن كان الزوج هو المنفرد بالفراق؛ لما أضاف الفعل إليهما بقوله: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ) وكذلك قوله - تعالى -: (فَارقُوهُنَّ)، و (سَرِّحُوهُنَّ)، واللَّه أعلم.
وفيه دليل لزوم النفقة في العدة؛ لأنه ذكر الافتراق، والفراق إنما يكون بانقضاء العدة، ثم أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - عن غناء كل واحد منهما بالآخر قبل الفراق؛ دل أن للمرأة غناء بالزوج ما دامت بالعدة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)
قيل: واسعًا: جودًا.
وقيل: واسعًا: يوسع على كل منهما رزقه، (حَكِيمًا) حكم على الزوج: إمساكًا بمعروف أو تسريحًا بإحسان.
وقيل: حكيمًا؛ حيث حكم فرقتهما.
وأصل الحكيم: أن يضع كل شيء موضعه.
* * *
قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (١٣١)
381
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٣٢) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (١٣٣) مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (١٣٤)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ... (١٣١)
وصى الخلق كلهم: (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ...).
قيل: وصينا: أمرنا.
وقيل: وصينا: فرضنا على الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم: (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، قيل: أي أمرناهم أن يوحدوا اللَّه ويتقوا الشرك.
وقال مقاتل: (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، أي: وحدوا اللَّه.
وقيل: قوله - تعالى -: (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، أي: أطيعوه فيما أمركم ونهاكم عنه.
ويحتمل: (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، أي: اتقوا عذاب اللَّه ونقمته، ولا تعبدوا غيره دونه (وَإن تَكْفُرُوا).
ولم تتقوا فيما أمركم اللَّه ونهاكم.
(فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)
ذكر هذا على أثر قوله: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)؛ ليعلموا أنه لم يأمرهم بذلك لحاجة له في عبادتهم، ولم يأمر لمنفعة نفسه؛ إذ من له ملك ما في السماوات وما في الأرض لا يحتاج إلى آخر ينتفع به؛ ولكن ليعلموا أنه - تعالى - إنما أمرهم بذلك لحاجتهم في ذلك، ولمنفعة أنفسهم؛ ألا ترى أنه قال - عز وجل -: (وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) غنيًّا عن عبادتكم له وطاعتكم إياه، وحميدًا في سلطانه، ويكون غنيًّا عن خلقه في الأزل، حميدًا في فعله، وذلك الحميد في الفعل يخرج على إتقان الفعل وإحكامه، أو على إحسانه إلى خلقه، وإنعامه عليهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٣٢)
هو ما ذكرنا من غنائه عن عبادة خلقه وطاعتهم له.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ... (١٣١)
وصى الخلق كلهم: (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ...).
قيل: وصينا: أمرنا.
وقيل: وصينا: فرضنا على الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم: (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، قيل: أي أمرناهم أن يوحدوا اللَّه ويتقوا الشرك.
وقال مقاتل: (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، أي: وحدوا اللَّه.
وقيل: قوله - تعالى -: (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، أي: أطيعوه فيما أمركم ونهاكم عنه.
ويحتمل: (أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)، أي: اتقوا عذاب اللَّه ونقمته، ولا تعبدوا غيره دونه (وَإن تَكْفُرُوا).
ولم تتقوا فيما أمركم اللَّه ونهاكم.
(فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)
ذكر هذا على أثر قوله: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)؛ ليعلموا أنه لم يأمرهم بذلك لحاجة له في عبادتهم، ولم يأمر لمنفعة نفسه؛ إذ من له ملك ما في السماوات وما في الأرض لا يحتاج إلى آخر ينتفع به؛ ولكن ليعلموا أنه - تعالى - إنما أمرهم بذلك لحاجتهم في ذلك، ولمنفعة أنفسهم؛ ألا ترى أنه قال - عز وجل -: (وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) غنيًّا عن عبادتكم له وطاعتكم إياه، وحميدًا في سلطانه، ويكون غنيًّا عن خلقه في الأزل، حميدًا في فعله، وذلك الحميد في الفعل يخرج على إتقان الفعل وإحكامه، أو على إحسانه إلى خلقه، وإنعامه عليهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٣٢)
هو ما ذكرنا من غنائه عن عبادة خلقه وطاعتهم له.
الآية ١٣٢
وقوله تعالى :﴿ ولله ما في السماوات وما في الأرض ﴾ هو ما ذكرنا من غناه عن عبادة خلقه وطاعتهم له.
وقوله تعالى :﴿ ولله ما في السماوات وما في الأرض ﴾ هو ما ذكرنا من غناه عن عبادة خلقه وطاعتهم له.
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ... (١٣٣) تأويله واللَّه أعلم -: أي من له ما في السماوات وما في الأرض يقدر أن يذهبكم، أي: يهلككم، ويأتي بآخرين أخير منكم، وأخوف وأطوع لله منكم، لكنه لا يفعل؛ لأنه غني عن عبادتكم وطاعتكم، لم يخلقكم في الابتداء لحاجته في عبادتكم أو لمنفعة له؛ ولكن لحاجة أنفسكم ومنافعكم، واللَّه أعلم.
ثم يحتمل قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ): في قوم خاص، كما كان في الأمم الخالية من الإهلاك عند المعاندة والمكابرة.
ويحتمل في الكل (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ)، أي: يهلككم: الكل، ويأت بآخرين، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا)
أي: كان اللَّه على الإهلاك والإبدال قديرًا، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ... (١٣٤)
قال بعض أهل التأويل: من كان يريد بعمله الذي يعمله عرَض الدنيا، ولا يريد به اللَّه - آتاه اللَّه ما أحب من عرض الدنيا، أو دفع عنه ما أحب في الدنيا؛ فليس له في الآخرة من ثواب؛ لأنه عمل لغير اللَّه، وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ)، ومن أراد بعمله الذي يعمله في الدنيا، ثواب الآخرة - آتاه اللَّه - تعالى - من عرض الدنيا ما أحب، ودفع عنه، وجزاه في الآخرة الجنة؛ بعمله في الدنيا، واللَّه أعلم.
وتحتمل الآية -غير هذا- وجوهًا كأنها أشبه من هذا:
أحدها: أنهم كانوا يتخذون من دون اللَّه آلهة يعبدونها؛ طلبًا للرياسة والعز والشرف؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا)، فأخبر أن العز والشرف ليس في ذلك؛ ولكن عند اللَّه عز الدنيا والآخرة.
والثاني: أنهم كانوا يعبدون الأوثان والأصنام، ويقولون: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) ويقولون: ، (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)؛ فأخبر أن ليس في عبادتكم هذه الأوثان دون اللَّه - لكم زلفى، ولا ثواب، ولكن اعبد اللَّه؛ فعنده الدنيا والآخرة.
ثم يحتمل قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ): في قوم خاص، كما كان في الأمم الخالية من الإهلاك عند المعاندة والمكابرة.
ويحتمل في الكل (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ)، أي: يهلككم: الكل، ويأت بآخرين، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا)
أي: كان اللَّه على الإهلاك والإبدال قديرًا، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ... (١٣٤)
قال بعض أهل التأويل: من كان يريد بعمله الذي يعمله عرَض الدنيا، ولا يريد به اللَّه - آتاه اللَّه ما أحب من عرض الدنيا، أو دفع عنه ما أحب في الدنيا؛ فليس له في الآخرة من ثواب؛ لأنه عمل لغير اللَّه، وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ)، ومن أراد بعمله الذي يعمله في الدنيا، ثواب الآخرة - آتاه اللَّه - تعالى - من عرض الدنيا ما أحب، ودفع عنه، وجزاه في الآخرة الجنة؛ بعمله في الدنيا، واللَّه أعلم.
وتحتمل الآية -غير هذا- وجوهًا كأنها أشبه من هذا:
أحدها: أنهم كانوا يتخذون من دون اللَّه آلهة يعبدونها؛ طلبًا للرياسة والعز والشرف؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا)، فأخبر أن العز والشرف ليس في ذلك؛ ولكن عند اللَّه عز الدنيا والآخرة.
والثاني: أنهم كانوا يعبدون الأوثان والأصنام، ويقولون: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) ويقولون: ، (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)؛ فأخبر أن ليس في عبادتكم هذه الأوثان دون اللَّه - لكم زلفى، ولا ثواب، ولكن اعبد اللَّه؛ فعنده الدنيا والآخرة.
الآية ١٣٤
وقوله تعالى :﴿ من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ﴾ قال بعض أهل التأويل : من كان يريد بعمله الذي يعمله عرض الدنيا، ولا يريد به الله آتاه الله ما أحب من عرض الدنيا، أو دفع عنه ما أحب١ في الدنيا، ليس له في الآخرة من ثواب لأنه عمل لغير الله، هو كقوله عز وجل :﴿ من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ﴾( البقرة : ٢٠٠ ) ومن أراد بعمله الذي يعمله في الدنيا ثواب الآخرة آتاه الله تعالى من عرض الدنيا ما أحب، ودفع عنه، وجزاه في الآخرة الجنة بعمله في الدنيا، والله أعلم
وتحتمل الآية غير هذا ( وجهين :
أحدهما )٢ : أنهم يتخذون من دون الله آلهة يعبدونها طلبا للرئاسة والعز والشرف كقوله تعالى :﴿ واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا ﴾﴿ كلا ﴾ ( مريم : ٨١و٨٢ ) فأخبر أن العز والشرف ليس في ذلك، ولكن عند الله عز الدنيا والآخرة.
والثاني : أنهم كانوا يعبدون الأوثان والأصنام، ويقولون :﴿ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ﴾ ( النزمر : ٣ ) ويقولون :﴿ هؤلاء شفعاء عند الله ﴾ ( يونس : ١٨ ) فأخبر أن ليس في عبادتكم هذه الأصنام منافع تأملون بذلك في الدنيا، والسعة في الدنيا كقوله تعالى :﴿ إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه ﴾ الآية ( العنكبوت : ١٧ ). فعلى ذلك قوله عز وجل :﴿ من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ﴾ لا ما تطلبون، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وكان الله سميعا ﴾ لمقالتكم﴿ بصيرا ﴾ بما تريدون، وهو وعيد.
وقوله تعالى :﴿ من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ﴾ قال بعض أهل التأويل : من كان يريد بعمله الذي يعمله عرض الدنيا، ولا يريد به الله آتاه الله ما أحب من عرض الدنيا، أو دفع عنه ما أحب١ في الدنيا، ليس له في الآخرة من ثواب لأنه عمل لغير الله، هو كقوله عز وجل :﴿ من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ﴾( البقرة : ٢٠٠ ) ومن أراد بعمله الذي يعمله في الدنيا ثواب الآخرة آتاه الله تعالى من عرض الدنيا ما أحب، ودفع عنه، وجزاه في الآخرة الجنة بعمله في الدنيا، والله أعلم
وتحتمل الآية غير هذا ( وجهين :
أحدهما )٢ : أنهم يتخذون من دون الله آلهة يعبدونها طلبا للرئاسة والعز والشرف كقوله تعالى :﴿ واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا ﴾﴿ كلا ﴾ ( مريم : ٨١و٨٢ ) فأخبر أن العز والشرف ليس في ذلك، ولكن عند الله عز الدنيا والآخرة.
والثاني : أنهم كانوا يعبدون الأوثان والأصنام، ويقولون :﴿ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ﴾ ( النزمر : ٣ ) ويقولون :﴿ هؤلاء شفعاء عند الله ﴾ ( يونس : ١٨ ) فأخبر أن ليس في عبادتكم هذه الأصنام منافع تأملون بذلك في الدنيا، والسعة في الدنيا كقوله تعالى :﴿ إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه ﴾ الآية ( العنكبوت : ١٧ ). فعلى ذلك قوله عز وجل :﴿ من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ﴾ لا ما تطلبون، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وكان الله سميعا ﴾ لمقالتكم﴿ بصيرا ﴾ بما تريدون، وهو وعيد.
١ من م، في الأصل: أوجب..
٢ في الأصل وم: وجوها أحدها..
٢ في الأصل وم: وجوها أحدها..
والثالث: يحتمل: أن يكونوا عبدوا هذه الأصنام؛ لمنافع يتأملون بذلك في الدنيا والسعة في الدنيا؛ كقوله - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ...) الآية؛ فعلى ذلك قوله - عز وجل -: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) لا عند من تطلبون.
ويحتمل أن تكون الآية في أهل المراءاة والنفاق، الذين يراءون بأعمالهم الصالحة في الدنيا؛ يريدون ثواب الدنيا لا غير، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا).
لمقالتكم
(بَصِيرًا).
بما تريدون وتعملون، وهو وعيد.
* * *
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٣٥)
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ...) الآية.
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كونوا قوامين بالعدل في الشهادة على من كانت: من قريب أو بعيد، ولو على نفسه فأقر بها، وكذلك قال عامة أهل التأويل قوله: (قَوَّامِينَ): قوالين لله، ولكن يكون في كل عمل وكل قول يلزم أن يقوم لله، ويجعل الشهادة له؛ فإذا فعل هكذا - لا يمنعه عن القيام بها قربُ أحد ولا بعده، ولا ما يحصل على نفسه أو والديه، وكذلك قال اللَّه - تعالى - في آية أخرى: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) فإذا جعلها للَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لم يجعلها للمخلوق، أمكن له القيام بها،
ويحتمل أن تكون الآية في أهل المراءاة والنفاق، الذين يراءون بأعمالهم الصالحة في الدنيا؛ يريدون ثواب الدنيا لا غير، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا).
لمقالتكم
(بَصِيرًا).
بما تريدون وتعملون، وهو وعيد.
* * *
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٣٥)
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ...) الآية.
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كونوا قوامين بالعدل في الشهادة على من كانت: من قريب أو بعيد، ولو على نفسه فأقر بها، وكذلك قال عامة أهل التأويل قوله: (قَوَّامِينَ): قوالين لله، ولكن يكون في كل عمل وكل قول يلزم أن يقوم لله، ويجعل الشهادة له؛ فإذا فعل هكذا - لا يمنعه عن القيام بها قربُ أحد ولا بعده، ولا ما يحصل على نفسه أو والديه، وكذلك قال اللَّه - تعالى - في آية أخرى: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) فإذا جعلها للَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لم يجعلها للمخلوق، أمكن له القيام بها،
384
وإن كان على نفسه أو من ذكرتم ما يمنع القيام بها فهو مختلف: أما على نفسه؛ لنفع يطمع أو لدفع ضرر يدفع بذلك، وأما على الوالدين بالاحتشام يحتشم منهما؛ فيمتنع عن أداء ما عليه، وأما القرابة: بطلب الغناء لهم ودفع الفقر عنهم؛ فأخبر أنه أولى بهم؛ فلا يمنعك غناء أحد منهم ولا فقره - القيامَ بها، وكذلك روي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - في تأويل هذه الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا)
قيل فيه بوجهين:
قيل: (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا) وتعملوا لغير اللَّه.
وقيل: (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى)؛ كراهة أن تعدلوا.
ويحتمل: (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا): عن الحق من الصرف بالعدول.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا)
فيه لغتان:
" تلُوا " بواو واحدة، من الولاية؛ يقول: كونوا عاملين للَّهِ، وقائلين له، مؤدين الشهادة له، وإن كنتم وليتم ذلك.
وقيل: " تَلْوُوا " بواوين، من التحريف؛ يقول: لا تتبعوا الهوى، ولا تحرفوا الشهادة، ولا تعرضوا عنها وتكتموها.
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: " إن يكونوا غنيا أو فقيرًا فاللَّه أولى بهما ".
وعن قتادة - رضي اللَّه عنه -: فاللَّه أولى بهما، يقول: اللَّه أولى بغنيكم وفقيركم؛ فلا يمنعكم غناء غنى أن تشهد عليه لحق علمته، ولا أمر ثبت لفقير أن تشهد عليه بحق علمته.
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا)، وهو من الولاية التي ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا)
قيل فيه بوجهين:
قيل: (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا) وتعملوا لغير اللَّه.
وقيل: (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى)؛ كراهة أن تعدلوا.
ويحتمل: (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا): عن الحق من الصرف بالعدول.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا)
فيه لغتان:
" تلُوا " بواو واحدة، من الولاية؛ يقول: كونوا عاملين للَّهِ، وقائلين له، مؤدين الشهادة له، وإن كنتم وليتم ذلك.
وقيل: " تَلْوُوا " بواوين، من التحريف؛ يقول: لا تتبعوا الهوى، ولا تحرفوا الشهادة، ولا تعرضوا عنها وتكتموها.
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: " إن يكونوا غنيا أو فقيرًا فاللَّه أولى بهما ".
وعن قتادة - رضي اللَّه عنه -: فاللَّه أولى بهما، يقول: اللَّه أولى بغنيكم وفقيركم؛ فلا يمنعكم غناء غنى أن تشهد عليه لحق علمته، ولا أمر ثبت لفقير أن تشهد عليه بحق علمته.
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا)، وهو من الولاية التي ذكرنا.
385
وقيل: وإن تلووا: من التحريف وطلب الإبطال.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا بين الناس "، وهو من العدل؛ على ما ذكرنا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو من الصرف والعدول عن الحق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
خرج على الوعيد، على كل ما ذكر: من منع الشهادة، والقيام للَّهِ بها، وتحريف ما لزمهم، وباللَّه العصمة.
وبمثل ذلك رُوي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَومِ الآخرِ فَلْيُقِم شَهَادَتَهُ عَلَى مَنْ كَانَتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَومِ الْآخِرِ فَلَا يَجْحَدْ حَقًّا هُوَ عَلَيهِ، وَلْيؤُده عفوًا، وَلَا يُلْجئْهُ إِلَى سُلْطَانٍ، وَلَا إِلَى خُصُومَةٍ لِيَقْطَعَ بِهَا حَقَّهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ خَاصَمَ إِلَيَّ فَقَضَيتُ لَهُ عَلَى أَخِيهِ بِحَق لَيسَ هُوَ لَهُ عَلَيهِ - فَلَا يَأْخُذنَّهُ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعةً مِنْ جَهَنَّمَ ".
وروي في خبر آخر: " يَا ابْنَ آدَمَ، أَقِمِ الشهَادَةَ وَلَوْ عَلَى نَفْسِكَ، أَوْ عَلَى قَرَابَتِكَ، أَوْ شَرَفِ قَوْمِكَ؛ فَإِنَّمَا الشَهَادَةُ للَّهَ وَلَيسَتْ للنَّاسِ، إِنَّ اللهَ رَضِي بِالْعَدْل والإقْسَاطِ لِنَفْسِهِ، وَالْعَدْلُ مِيزَانُ اللهِ فِي الأَرْضِ: يَرُدُّ عَلَى الْمَظْلُومِ مِنَ الظَالِمِ، وَعَلَى الضَّعِيفِ مِنَ الشَدِيدِ، وَعَلَى الْمُحِقِّ مِنَ الْمُبطِلِ، وَبِالْحَق يُصَدقُ اللهُ الصادِقَ، وَيُكَذبُ اللهُ الكَاذِبَ، وًيرُدُّ المُعْتَدِي وُيوَبِّخُهُ، وَبِالْعَدْلِ أَصْلَحَ اللهُ النَّاسَ ".
* * *
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١٣٦)
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ).
يحتمل قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) - وجوهًا:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا)، فيما مضى من الوقت، آمِنوا في حادث الوقت.
ويحتمل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا آمِنُوا)، أي: اثبتوا عليه.
ويحتمل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا) بألسنتكم، (آمِنُوا) بقلوبكم؛ كقوله - تعالى -: (آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ).
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا بين الناس "، وهو من العدل؛ على ما ذكرنا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو من الصرف والعدول عن الحق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
خرج على الوعيد، على كل ما ذكر: من منع الشهادة، والقيام للَّهِ بها، وتحريف ما لزمهم، وباللَّه العصمة.
وبمثل ذلك رُوي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَومِ الآخرِ فَلْيُقِم شَهَادَتَهُ عَلَى مَنْ كَانَتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَومِ الْآخِرِ فَلَا يَجْحَدْ حَقًّا هُوَ عَلَيهِ، وَلْيؤُده عفوًا، وَلَا يُلْجئْهُ إِلَى سُلْطَانٍ، وَلَا إِلَى خُصُومَةٍ لِيَقْطَعَ بِهَا حَقَّهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ خَاصَمَ إِلَيَّ فَقَضَيتُ لَهُ عَلَى أَخِيهِ بِحَق لَيسَ هُوَ لَهُ عَلَيهِ - فَلَا يَأْخُذنَّهُ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعةً مِنْ جَهَنَّمَ ".
وروي في خبر آخر: " يَا ابْنَ آدَمَ، أَقِمِ الشهَادَةَ وَلَوْ عَلَى نَفْسِكَ، أَوْ عَلَى قَرَابَتِكَ، أَوْ شَرَفِ قَوْمِكَ؛ فَإِنَّمَا الشَهَادَةُ للَّهَ وَلَيسَتْ للنَّاسِ، إِنَّ اللهَ رَضِي بِالْعَدْل والإقْسَاطِ لِنَفْسِهِ، وَالْعَدْلُ مِيزَانُ اللهِ فِي الأَرْضِ: يَرُدُّ عَلَى الْمَظْلُومِ مِنَ الظَالِمِ، وَعَلَى الضَّعِيفِ مِنَ الشَدِيدِ، وَعَلَى الْمُحِقِّ مِنَ الْمُبطِلِ، وَبِالْحَق يُصَدقُ اللهُ الصادِقَ، وَيُكَذبُ اللهُ الكَاذِبَ، وًيرُدُّ المُعْتَدِي وُيوَبِّخُهُ، وَبِالْعَدْلِ أَصْلَحَ اللهُ النَّاسَ ".
* * *
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (١٣٦)
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ).
يحتمل قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) - وجوهًا:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا)، فيما مضى من الوقت، آمِنوا في حادث الوقت.
ويحتمل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا آمِنُوا)، أي: اثبتوا عليه.
ويحتمل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَا) بألسنتكم، (آمِنُوا) بقلوبكم؛ كقوله - تعالى -: (آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ).
386
ويحتمل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) عند رؤية البأس والعذاب، (آمِنُوا) في الحقيقة؛ كقوله - تعالى -: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ).
ويحتمل وجهًا آخر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ببعض الرسل، (آمِنُوا) بالرسل كلهم كما آمن المؤمنون؛ كقوله - تعالى -: (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ)، وهم كانوا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ).
ويحتمل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يبعث، (آمِنُوا) به إذا بعث؛ لأنهم كانوا يؤمنون به قبل أن يبعث، فلما بعث تركوا الإيمان به؛ كقوله - تعالى -: (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ).
(آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) يعني: محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
(وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ).
أي: آمنوا بالكتاب الذي نزل على رسوله، وهو مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
(وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ).
أي: آمنوا -أيضًا- بالكتب السماوية التي أنزلها اللَّه، تعالى.
ثم الإيمان باللَّه حقيقة - إيمانٌ بجميع الرسل والكتب؛ لأن كل نبي كان يدعو إلى الإيمان بجميع ذلك، وكذلك في كل كتاب من الكتب السماوية دعاء إلى الإيمان بجملتهم؛ ألا ترى أن الكفر بواحد منهم - كفرٌ باللَّه وبجميع الرسل والكتب وما ذكر، وباللَّه العصمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ...) والآية.
يحتمل هذا وجهين:
يحتمل: ومن يكفر بجميع ما ذكر؛ (فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)، وهو على التأكيد.
ويحتمل: ومن يكفر باللَّه أو ملائكته أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر؛ فقد كان ما ذكر؛ لأن الكفر بواحد من ذلك كفْرٌ بالكل، حتى لو أنكر آية من آيات اللَّه - تعالى - كفر باللَّه، وبالكتب وبالرسل كلها، واللَّه الموفق.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (١٣٧)
ويحتمل وجهًا آخر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ببعض الرسل، (آمِنُوا) بالرسل كلهم كما آمن المؤمنون؛ كقوله - تعالى -: (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ)، وهم كانوا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ).
ويحتمل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قبل أن يبعث، (آمِنُوا) به إذا بعث؛ لأنهم كانوا يؤمنون به قبل أن يبعث، فلما بعث تركوا الإيمان به؛ كقوله - تعالى -: (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ).
(آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) يعني: محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
(وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ).
أي: آمنوا بالكتاب الذي نزل على رسوله، وهو مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
(وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ).
أي: آمنوا -أيضًا- بالكتب السماوية التي أنزلها اللَّه، تعالى.
ثم الإيمان باللَّه حقيقة - إيمانٌ بجميع الرسل والكتب؛ لأن كل نبي كان يدعو إلى الإيمان بجميع ذلك، وكذلك في كل كتاب من الكتب السماوية دعاء إلى الإيمان بجملتهم؛ ألا ترى أن الكفر بواحد منهم - كفرٌ باللَّه وبجميع الرسل والكتب وما ذكر، وباللَّه العصمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ...) والآية.
يحتمل هذا وجهين:
يحتمل: ومن يكفر بجميع ما ذكر؛ (فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)، وهو على التأكيد.
ويحتمل: ومن يكفر باللَّه أو ملائكته أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر؛ فقد كان ما ذكر؛ لأن الكفر بواحد من ذلك كفْرٌ بالكل، حتى لو أنكر آية من آيات اللَّه - تعالى - كفر باللَّه، وبالكتب وبالرسل كلها، واللَّه الموفق.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (١٣٧)
387
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ... (١٣٧)
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: نزلت الآية في الذين قال اللَّه - تعالى - في سورة آل عمران: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ).
وقيل: إنها نزلت في الذين آمنوا بموسى - عليه السلام - ثم كفروا بعد موسى، ثم آمنوا بعُزَير، ثم كفروا بعده، ثم آمنوا بعيسى - عليه السلام - وبالإنجيل، ثم كفروا من بعده، ثم ازدادوا كفرًا بمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وبالقرآن الكريم. وهو الأولى.
وقيل غير هذا، لكن ليس بنا إلى أنها فيهم نزلت حاجة، ولكن فيه دليل أنها في قوم علم اللَّه أنهم لا يؤمنون أبدًا ولا يتوبون؛ لأنه قال: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) أخبر أنه لا يغفر لهم، وهو كقوله - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ)؛ لما علم اللَّه أنهم لا يتوبون؛ وإلا لو آمنوا وتابوا قبلت توبتهم؛ فعلى ذلك الأول؛ لما علم اللَّه أنهم لا يتوبون، ويموتون على ذلك - أخبر أنه لا يغفر لهم.
وفيه دليل أنه تقبل توبة المرتد إذا تاب، ليس -كما قال بعض الناس- أنه لا تقبل توبة المرتد؛ لأنه أثبت لهم الإيمان بعد الكفر والارتداد بقوله: (آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: نزلت الآية في الذين قال اللَّه - تعالى - في سورة آل عمران: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ).
وقيل: إنها نزلت في الذين آمنوا بموسى - عليه السلام - ثم كفروا بعد موسى، ثم آمنوا بعُزَير، ثم كفروا بعده، ثم آمنوا بعيسى - عليه السلام - وبالإنجيل، ثم كفروا من بعده، ثم ازدادوا كفرًا بمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وبالقرآن الكريم. وهو الأولى.
وقيل غير هذا، لكن ليس بنا إلى أنها فيهم نزلت حاجة، ولكن فيه دليل أنها في قوم علم اللَّه أنهم لا يؤمنون أبدًا ولا يتوبون؛ لأنه قال: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) أخبر أنه لا يغفر لهم، وهو كقوله - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ)؛ لما علم اللَّه أنهم لا يتوبون؛ وإلا لو آمنوا وتابوا قبلت توبتهم؛ فعلى ذلك الأول؛ لما علم اللَّه أنهم لا يتوبون، ويموتون على ذلك - أخبر أنه لا يغفر لهم.
وفيه دليل أنه تقبل توبة المرتد إذا تاب، ليس -كما قال بعض الناس- أنه لا تقبل توبة المرتد؛ لأنه أثبت لهم الإيمان بعد الكفر والارتداد بقوله: (آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا
388
ثُمَّ آمَنُوا) ثم كذا؛ فدل أنه إذا تاب يقبل منه.
وقال أصحابنا: يستتاب المرتد ثلاثًا؛ فإن أسلم وإلا قتل.
روي عن علي بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه - قال: يستتاب المرتد ثلاثًا. ثم تلا هذه الآية.
وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كذلك.
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قدم عليه رجل من الجيش، فقال: هل حدث لكم حدث؟ فقال: إن رجلا من المسلمين ارتد ولحق بالمشركين فأخذناه. فقال: ما صنعتم به؟ قالوا: قتلناه. قال: هلا أدخلتموه بيتًا، وأغلقتم عليه بابا، وأطعمتموه كل يوم رغيفًا، واستتبتموه ثلاثًا؛ فإن تاب وإلا قتلتموه. ثم قال: اللَّهُم إني لم أشهد، ولم آمر، ولم أرضَ حين بلغني.
وقال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا ارتد ثلاثًا، ثم تاب في كل مرة - فإنه يحبس في الثالثة إذا تاب؛ حتى يظهر منه خشوع التوبة، وذلك أثر الثبات على توبته؛ فإن ظهر ذلك، فحينئذ يخلى سبيله؛ لما يحتمل أن تكون توبته فرارًا من القتل؛ فيحبس حتى تظهر حقيقة توبته؛ لأنه أظهر الفسق، والفاسق يحبس حتى يظهر خشوع التوبة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا)
لا يحتمل أن يكون أراد بقوله: (وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) - البيان؛ على ما قاله قوم؛ لأنه قد تولى لهم البيان، لكنهم تعاندوا ولم يهتدوا؛ فدل أن ثم معنى منه سوى البيان لم
وقال أصحابنا: يستتاب المرتد ثلاثًا؛ فإن أسلم وإلا قتل.
روي عن علي بن أبي طالب - رضي اللَّه عنه - قال: يستتاب المرتد ثلاثًا. ثم تلا هذه الآية.
وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كذلك.
وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قدم عليه رجل من الجيش، فقال: هل حدث لكم حدث؟ فقال: إن رجلا من المسلمين ارتد ولحق بالمشركين فأخذناه. فقال: ما صنعتم به؟ قالوا: قتلناه. قال: هلا أدخلتموه بيتًا، وأغلقتم عليه بابا، وأطعمتموه كل يوم رغيفًا، واستتبتموه ثلاثًا؛ فإن تاب وإلا قتلتموه. ثم قال: اللَّهُم إني لم أشهد، ولم آمر، ولم أرضَ حين بلغني.
وقال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذا ارتد ثلاثًا، ثم تاب في كل مرة - فإنه يحبس في الثالثة إذا تاب؛ حتى يظهر منه خشوع التوبة، وذلك أثر الثبات على توبته؛ فإن ظهر ذلك، فحينئذ يخلى سبيله؛ لما يحتمل أن تكون توبته فرارًا من القتل؛ فيحبس حتى تظهر حقيقة توبته؛ لأنه أظهر الفسق، والفاسق يحبس حتى يظهر خشوع التوبة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا)
لا يحتمل أن يكون أراد بقوله: (وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا) - البيان؛ على ما قاله قوم؛ لأنه قد تولى لهم البيان، لكنهم تعاندوا ولم يهتدوا؛ فدل أن ثم معنى منه سوى البيان لم
389
يعطهم؛ لما علم أنهم لا يهتدون أبدًا، وهو التوفيق، فهذا يرد على من لا يجعل الهدى إلا بيانًا؛ إذ قد بين لهم ذلك.
* * *
قوله تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (١٣٩) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (١٤١)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ) بكذا.
البشارة المطلقة المرسلة لا تكون إلا بالخير خاصة، وأما إذا كانت مقيدة مفسرة فإنها تجوز في الشر؛ كقوله - تعالى -: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ) كذا، وكذلك قوله - تعالى -: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، وفي القرآن كثير، ما ذكرها في الشر إلا مفسرة مقيدة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ) - يدل هذا على أن الآية الأولى في أهل النفاق والمراءاة، علي ما ذكرنا من التأويل؛ لأنه لم يسبق فيما تقدم ذكر لهم سوى قوله - تعالى -: (آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولَهِ). ويحتمل على الابتداء والانتناف على غير ذكر تقدم، وذلك جائز في القرآن كثير.
ثم فسر المنافقين فقال: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)
ثم يحتمل قوله - تعالى -: (يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) قولا وفعلا:
أما القول: كقولهم: (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ)، وغيره من الآيات.
وأما الفعل: فكانوا يمنعون المؤمنين أن يغزوهم؛ كقوله - تعالى -: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ)، وكقوله: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، وكقوله - تعالى -: (فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)، كانوا يمنعون أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والمسلمين عن أن يغزوهم ويقاتلوهم؛ فهم - وإن كانوا يُرُون
* * *
قوله تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (١٣٩) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (١٤٠) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (١٤١)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ) بكذا.
البشارة المطلقة المرسلة لا تكون إلا بالخير خاصة، وأما إذا كانت مقيدة مفسرة فإنها تجوز في الشر؛ كقوله - تعالى -: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ) كذا، وكذلك قوله - تعالى -: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، وفي القرآن كثير، ما ذكرها في الشر إلا مفسرة مقيدة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ) - يدل هذا على أن الآية الأولى في أهل النفاق والمراءاة، علي ما ذكرنا من التأويل؛ لأنه لم يسبق فيما تقدم ذكر لهم سوى قوله - تعالى -: (آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولَهِ). ويحتمل على الابتداء والانتناف على غير ذكر تقدم، وذلك جائز في القرآن كثير.
ثم فسر المنافقين فقال: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)
ثم يحتمل قوله - تعالى -: (يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) قولا وفعلا:
أما القول: كقولهم: (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ)، وغيره من الآيات.
وأما الفعل: فكانوا يمنعون المؤمنين أن يغزوهم؛ كقوله - تعالى -: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ)، وكقوله: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، وكقوله - تعالى -: (فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)، كانوا يمنعون أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والمسلمين عن أن يغزوهم ويقاتلوهم؛ فهم - وإن كانوا يُرُون
الآية ١٣٩
ثم( في المنافقين قال )١ :﴿ الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ﴾.
ثم يحتمل قوله تعالى :﴿ يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ﴾ قولا وفعلا. وأما القول فكقولهم ٢ :﴿ إنا معكم إنما نحن مستهزءون ﴾ ( البقرة : ١٤ ) وغيره من الآيات. وأما الفعل ( فقد كانوا )٣ يمنعون المؤمنين أن يغزوهم كقوله تعالى :﴿ وإن منكم لمن يبطئن ﴾ ( النساء : ٧٢ ) وكقوله٤ تعالى :﴿ إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ﴾ ( آل عمران : ١٧٣ ) وكقوله تعالى :﴿ فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ﴾ ( التوبة : ٤٦ ) كانوا يمنعون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمين عن أن يغزوهم، ويقاتلوهم. فهم، وإن كانوا يرون من أنفسهم الموافقة للمؤمنين في الظاهر، فإنهم كانوا في الحقيقة معهم. فهذا، والله أعلم تأويل قوله تعالى :﴿ يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ﴾.
وقوله تعالى :﴿ أيبتغون عندهم العزة ﴾ قيل : قوله تعالى :﴿ أيبتغون ﴾ على طرح الألف، وأنها زائدة ؛ أي يبتغون بذلك من عندهم العزة، ثم يحتمل قوله تعالى﴿ أيبتغون عندهم العزة ﴾ وجهين : تحتمل﴿ العزة ﴾ المصنعة والنصرة، وكانوا يطلبون بذلك النصرة والقدرة عند الكافرين. وتحتمل﴿ العزة ﴾ ليتعززوا بذلك.
والأصل أن حرف الاستفهام، من٥ الله، له حق الإيجاب على ( ما )٦ يقتضي جوابه من حقيقة الاستفهام أن الله عالم، لا يخفى عليه شيء يستفهم. جل عن ذلك.
وقوله تعالى :﴿ فإن العزة لله جميعا ﴾ أي القدرة والنصرة، كلها لله، من عنده تكون، وبه يتعزز( المرء )٧ في الدنيا والآخرة، ليس من عند أولئك الذين يطلبون منهم.
ثم( في المنافقين قال )١ :﴿ الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ﴾.
ثم يحتمل قوله تعالى :﴿ يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ﴾ قولا وفعلا. وأما القول فكقولهم ٢ :﴿ إنا معكم إنما نحن مستهزءون ﴾ ( البقرة : ١٤ ) وغيره من الآيات. وأما الفعل ( فقد كانوا )٣ يمنعون المؤمنين أن يغزوهم كقوله تعالى :﴿ وإن منكم لمن يبطئن ﴾ ( النساء : ٧٢ ) وكقوله٤ تعالى :﴿ إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ﴾ ( آل عمران : ١٧٣ ) وكقوله تعالى :﴿ فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ﴾ ( التوبة : ٤٦ ) كانوا يمنعون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمين عن أن يغزوهم، ويقاتلوهم. فهم، وإن كانوا يرون من أنفسهم الموافقة للمؤمنين في الظاهر، فإنهم كانوا في الحقيقة معهم. فهذا، والله أعلم تأويل قوله تعالى :﴿ يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ﴾.
وقوله تعالى :﴿ أيبتغون عندهم العزة ﴾ قيل : قوله تعالى :﴿ أيبتغون ﴾ على طرح الألف، وأنها زائدة ؛ أي يبتغون بذلك من عندهم العزة، ثم يحتمل قوله تعالى﴿ أيبتغون عندهم العزة ﴾ وجهين : تحتمل﴿ العزة ﴾ المصنعة والنصرة، وكانوا يطلبون بذلك النصرة والقدرة عند الكافرين. وتحتمل﴿ العزة ﴾ ليتعززوا بذلك.
والأصل أن حرف الاستفهام، من٥ الله، له حق الإيجاب على ( ما )٦ يقتضي جوابه من حقيقة الاستفهام أن الله عالم، لا يخفى عليه شيء يستفهم. جل عن ذلك.
وقوله تعالى :﴿ فإن العزة لله جميعا ﴾ أي القدرة والنصرة، كلها لله، من عنده تكون، وبه يتعزز( المرء )٧ في الدنيا والآخرة، ليس من عند أولئك الذين يطلبون منهم.
١ في الأصل وم: المنافقين فقال..
٢ في الأصل وم: قولهم..
٣ في الأصل وم: وكانوا..
٤ الواو ساقطة من الأصل وم..
٥ أدرج قبلها في الأصل وم: كله..
٦ من م، ساقطة من الأصل..
٧ ساقطة من الأصل وم..
٢ في الأصل وم: قولهم..
٣ في الأصل وم: وكانوا..
٤ الواو ساقطة من الأصل وم..
٥ أدرج قبلها في الأصل وم: كله..
٦ من م، ساقطة من الأصل..
٧ ساقطة من الأصل وم..
من أنفسهم الموافقةَ للمؤمنين في الظاهر -فإنهم كانوا في الحقيقة- معهم؛ فهذا - واللَّه أعلم - تأويل قوله: (يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ).
قيل: قوله - تعالى -: (أَيَبْتَغُونَ) على طرح الألف وأنها زائدة، أي: يبتغون بذلك من عندهم العزة.
ثم يحتمل قوله - تعالى -: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) وجهين:
يحتمل: العزة: المنعة والنصرة، وكانوا يطلبون بذلك النصرة والقدرة عند الكافرين.
ويحتمل: ليتعززوا بذلك.
والأصل: أن حرف الاستفهام كله من اللَّه - له حق الإيجاب، على ما يقتضي جوابه من حقيقة الاستفهام؛ إذ اللَّه عالم لا يخفى عليه شيء يستفهم، جل عن ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)
أي: والنصرة والقدرة، كله للَّهِ، من عنده يكون، وبه يتعزز في الدنيا والآخرة، ليس من عند أُولَئِكَ الذين يطلبون منهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا... (١٤٠)
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - تعالى -: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) - هو ما ذكر في سورة الأنعام، وهو قوله - تعالى -: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)، ثم قال: (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)؛ لأنه نهاهم - عَزَّ وَجَلَّ - عن القعود معهم إذا خاضوا في طعن القرآن وآيات اللَّه؛ فأخبر أن ليس لهم من حسابهم من شيء إذا قعدوا.
ثم قال في هذه الآية: (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ): نهاهم - عَزَّ وَجَلَّ - عن القعود معهم، وأخبر أنهم إذا فعلوا ذلك يكونوا مثلهم؛ فهو - واللَّه أعلم - على النسخ: نسخ هذا الأول.
ويحتمل أن يكون قوله - تعالى -: (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ).
قيل: قوله - تعالى -: (أَيَبْتَغُونَ) على طرح الألف وأنها زائدة، أي: يبتغون بذلك من عندهم العزة.
ثم يحتمل قوله - تعالى -: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) وجهين:
يحتمل: العزة: المنعة والنصرة، وكانوا يطلبون بذلك النصرة والقدرة عند الكافرين.
ويحتمل: ليتعززوا بذلك.
والأصل: أن حرف الاستفهام كله من اللَّه - له حق الإيجاب، على ما يقتضي جوابه من حقيقة الاستفهام؛ إذ اللَّه عالم لا يخفى عليه شيء يستفهم، جل عن ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)
أي: والنصرة والقدرة، كله للَّهِ، من عنده يكون، وبه يتعزز في الدنيا والآخرة، ليس من عند أُولَئِكَ الذين يطلبون منهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا... (١٤٠)
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - تعالى -: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) - هو ما ذكر في سورة الأنعام، وهو قوله - تعالى -: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)، ثم قال: (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)؛ لأنه نهاهم - عَزَّ وَجَلَّ - عن القعود معهم إذا خاضوا في طعن القرآن وآيات اللَّه؛ فأخبر أن ليس لهم من حسابهم من شيء إذا قعدوا.
ثم قال في هذه الآية: (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ): نهاهم - عَزَّ وَجَلَّ - عن القعود معهم، وأخبر أنهم إذا فعلوا ذلك يكونوا مثلهم؛ فهو - واللَّه أعلم - على النسخ: نسخ هذا الأول.
ويحتمل أن يكون قوله - تعالى -: (وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)
في المشركين، لم يلحقهم من العقوبة والمآثم؛ لأنهم لا يقدرون على منع المشركين عن الاستهزاء بآيات اللَّه والطعن فيها، ويقدرون على منع المنافقين عن ذلك؛ فشاركوهم في العقوبة فيما يقدرون على منعهم فلم يمنعوا، ورفع عنهم ذلك فيما لا يقدرون على دفعه.
وفيه دلالة أن من بلي بمنكر له قدرة التغيير على أهله، فلم يغير - أن يشاركهم في ذلك، أو إذا لم يكن له قدرة التغيير عليهم فلم يفارقهم، لكن أقام معهم - شاركهم أيضا في العقوبة؛ الواجب على كل من بُلي بذلك، وله قدرة التغيير عليهم - فعل، أي: أنكر عليهم وغيَّره، وإلا فارقهم؛ وإلا يُخاف أن يشاركهم في العقوبة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) الآية.
لأنهم كانوا معهم في السر والحقيقة، وإن كانوا يظهرون للمؤمنين الموافقة باللسان؛ فهذا يدل على أن الحقائق في العواقب هو ما يسر المرء ويضمر، ليس ما يظهر؛ لأن المنافقين كانوا مع المؤمنين في الظاهر في جميع الأحكام: في الأنكحة، والعقود كلها، وإظهار الإيمان لهم باللسان، لكنهم إذا أضمروا خلاف ما أظهروا - لم ينفعهم ذلك؛ دل أن الحقائق في العواقب ما يسر ويضمر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ... (١٤١)
يحتمل وجهين:
يحتمل: يتربصون الغنيمة والنصر، فإن كان الفتح للمؤمنين قالوا: (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في الإيمان والأحكام كلها؛ يطلبون الغنيمة والاشتراك فيها؛ كقوله - تعالى -: (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) الآية، وإذا كانت الدبرة والبوار على المؤمنين للكافرين يقولون: (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بقولهم: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، وكقوله - تعالى -: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا) الآية: كانوا بين المسلمين كعيون لهم؛ يخبرونهم عن عوراتهم، ويطلعونهم على مقصود المؤمنين؛ فذلك مَنْعُهم من المؤمنين واستحواذهم عليهم، واللَّه أعلم.
ويحتمل: (يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ)، يعني: أمر مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه عندهم بألا يدوم ذلك،
وفيه دلالة أن من بلي بمنكر له قدرة التغيير على أهله، فلم يغير - أن يشاركهم في ذلك، أو إذا لم يكن له قدرة التغيير عليهم فلم يفارقهم، لكن أقام معهم - شاركهم أيضا في العقوبة؛ الواجب على كل من بُلي بذلك، وله قدرة التغيير عليهم - فعل، أي: أنكر عليهم وغيَّره، وإلا فارقهم؛ وإلا يُخاف أن يشاركهم في العقوبة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) الآية.
لأنهم كانوا معهم في السر والحقيقة، وإن كانوا يظهرون للمؤمنين الموافقة باللسان؛ فهذا يدل على أن الحقائق في العواقب هو ما يسر المرء ويضمر، ليس ما يظهر؛ لأن المنافقين كانوا مع المؤمنين في الظاهر في جميع الأحكام: في الأنكحة، والعقود كلها، وإظهار الإيمان لهم باللسان، لكنهم إذا أضمروا خلاف ما أظهروا - لم ينفعهم ذلك؛ دل أن الحقائق في العواقب ما يسر ويضمر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ... (١٤١)
يحتمل وجهين:
يحتمل: يتربصون الغنيمة والنصر، فإن كان الفتح للمؤمنين قالوا: (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في الإيمان والأحكام كلها؛ يطلبون الغنيمة والاشتراك فيها؛ كقوله - تعالى -: (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) الآية، وإذا كانت الدبرة والبوار على المؤمنين للكافرين يقولون: (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بقولهم: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، وكقوله - تعالى -: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا) الآية: كانوا بين المسلمين كعيون لهم؛ يخبرونهم عن عوراتهم، ويطلعونهم على مقصود المؤمنين؛ فذلك مَنْعُهم من المؤمنين واستحواذهم عليهم، واللَّه أعلم.
ويحتمل: (يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ)، يعني: أمر مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه عندهم بألا يدوم ذلك،
392
بل ينقطع عن قريب، واللَّه أعلم.
ويحتمل: (يَتَرَبَّصُونَ) ما ذكر من قوله - تعالى -: (وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ)، ثم خرج تأويله في قوله: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ)، ثم خص ذلك بقوله - تعالى -: (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ) الآية؛ فبين أنهم يتربصون بهم انقلاب الأمر ورجوعه إلى أعداء اللَّه؛ فمتى ظهرت لهم العواقب - أظهروا الذي له كان دينهم في الحقيقة - أنه كان لسعة الدنيا ونعيمها؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ...)، وقوله - تعالى -: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) الآية.
يحتمل هذا -أيضًا- وجهين:
يحتمل: لن يجعل اللَّه للكافرين على المؤمنين سبيلا في الحجج في الدنيا، أي: ليس للكافرين الحجة على المؤمنين في الدنيا من شيء، إلا أن يموه عليه، ويفتعل به ويعجز المؤمن في إقامة الحجة عليه، ودفع تمويهاته؛ وإلا ليس للكافر حجة يقيمها على المؤمن في الدنيا.
ويحتمل: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) في الآخرة، على دفع شهادتهم التي شهدوا عليهم؛ لأن أمة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يشهدون عليهم؛ كقوله - تعالى -: (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)، ثم لا سبيل لهم على دفع شهادتهم التي شهدوا عليهم، وردها، واللَّه أعلم.
وأيضًا: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا): في الحجة، أو في الشهادة، أو عند اللَّه في الخصومة، وإنما دعوا إلى كتبهم إذا أجابوا اللَّه فيما دعاهم إلى الإيمان بالكتب والرسل - عليهم السلام - أو في النصر؛ فيرجع أمره إلى العواقب، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ)
الاستحواذ: الغلبة. وقيل: الاستيلاء.
ويحتمل: (يَتَرَبَّصُونَ) ما ذكر من قوله - تعالى -: (وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ)، ثم خرج تأويله في قوله: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ)، ثم خص ذلك بقوله - تعالى -: (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ) الآية؛ فبين أنهم يتربصون بهم انقلاب الأمر ورجوعه إلى أعداء اللَّه؛ فمتى ظهرت لهم العواقب - أظهروا الذي له كان دينهم في الحقيقة - أنه كان لسعة الدنيا ونعيمها؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ...)، وقوله - تعالى -: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) الآية.
يحتمل هذا -أيضًا- وجهين:
يحتمل: لن يجعل اللَّه للكافرين على المؤمنين سبيلا في الحجج في الدنيا، أي: ليس للكافرين الحجة على المؤمنين في الدنيا من شيء، إلا أن يموه عليه، ويفتعل به ويعجز المؤمن في إقامة الحجة عليه، ودفع تمويهاته؛ وإلا ليس للكافر حجة يقيمها على المؤمن في الدنيا.
ويحتمل: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) في الآخرة، على دفع شهادتهم التي شهدوا عليهم؛ لأن أمة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يشهدون عليهم؛ كقوله - تعالى -: (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)، ثم لا سبيل لهم على دفع شهادتهم التي شهدوا عليهم، وردها، واللَّه أعلم.
وأيضًا: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا): في الحجة، أو في الشهادة، أو عند اللَّه في الخصومة، وإنما دعوا إلى كتبهم إذا أجابوا اللَّه فيما دعاهم إلى الإيمان بالكتب والرسل - عليهم السلام - أو في النصر؛ فيرجع أمره إلى العواقب، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ)
الاستحواذ: الغلبة. وقيل: الاستيلاء.
393
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ألم نخبركم بعورة مُحَمَّد وأصحابه ونطلعكم على سرهم، ونكتب به إليكم؟!.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ألم نحط من وراءكم؟!.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ألم نستحوذ عليكم ومنعناكم من المؤمنين؟! ".
قال الكسائي: هذا في كلام العرب كثير ظاهر، ومعنى (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ) - إنا استحوذنا ومنعناكم، وهو ظريف.
وأصل الاستحواذ الغلبة والقهر، وهو ما ذكرنا أنهم يُجبنونَ أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يقولون: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
وحكم اللَّه بينهم - واللَّه أعلم - هو أن يُنزل المؤمنين الجنة، والمنافقين النار.
(وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) في الحجة؛ على ما ذكرنا، وكذلك روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال: حجة. وقيل: ظهورًا عليهم، لكن الأول أشبه.
ويحتمل ما ذكرنا من الشهادة - أنه جعل يوم القيامة للمؤمنين الشهادة عليهم، ولم يجعل لهم إلى دفعها وردها على أنفسهم سبيلا، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (١٤٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (١٤٤)
وقوله: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ).
يحتمل قوله - تعالى -: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ)، أي: يخادعون أولياء اللَّه أو دينه، فأضيف إليه؛ فهو جائز، وفي القرآن كثير؛ كقوله - تعالى -: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)، أي: إن تنصروا دين اللَّه أو أوليائه ينصركم، وقد ذكرنا هذا في صدر الكتاب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ خَادِعُهُمْ)، أي: يجزيهم جزاء خداعهم المؤمنين؛ فسمي: خداعًا - وإن لم يكن في الحقيقة خداعًا؛ لأنه جزاء الخداع، وهو كما سمى جزاء السيئة:
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: ألم نحط من وراءكم؟!.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ألم نستحوذ عليكم ومنعناكم من المؤمنين؟! ".
قال الكسائي: هذا في كلام العرب كثير ظاهر، ومعنى (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ) - إنا استحوذنا ومنعناكم، وهو ظريف.
وأصل الاستحواذ الغلبة والقهر، وهو ما ذكرنا أنهم يُجبنونَ أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يقولون: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
وحكم اللَّه بينهم - واللَّه أعلم - هو أن يُنزل المؤمنين الجنة، والمنافقين النار.
(وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) في الحجة؛ على ما ذكرنا، وكذلك روي عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال: حجة. وقيل: ظهورًا عليهم، لكن الأول أشبه.
ويحتمل ما ذكرنا من الشهادة - أنه جعل يوم القيامة للمؤمنين الشهادة عليهم، ولم يجعل لهم إلى دفعها وردها على أنفسهم سبيلا، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (١٤٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (١٤٤)
وقوله: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ).
يحتمل قوله - تعالى -: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ)، أي: يخادعون أولياء اللَّه أو دينه، فأضيف إليه؛ فهو جائز، وفي القرآن كثير؛ كقوله - تعالى -: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)، أي: إن تنصروا دين اللَّه أو أوليائه ينصركم، وقد ذكرنا هذا في صدر الكتاب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُوَ خَادِعُهُمْ)، أي: يجزيهم جزاء خداعهم المؤمنين؛ فسمي: خداعًا - وإن لم يكن في الحقيقة خداعًا؛ لأنه جزاء الخداع، وهو كما سمى جزاء السيئة:
394
سيئة، وإن لم تكن الثانية -في الحقيقة- سيئة، وكذلك سمى جزاء الاعتداء: اعتداء، وإن لم يكن الثاني اعتداء؛ فعلى ذلك سمى هذا: خداعًا؛ لأنه جزاء الخداع، واللغة غير ممتنعة عن تسمية الشيء باسم سببه؛ على ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
ثم اختلف في جهة الخداع؛ عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: يعطى المنافقين على الصراط نورًا كما يعطى المؤمنين؛ فإذا مضوا به على الصراط طفِئ نورهم، ويبقى نور المؤمنين يمضون بنورهم؛ فينادون المؤمنين: (انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ)، فنجوز به؛ فتناديهم الملائكة: (ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا)، وقد علموا أنهم لا يستطيعون الرجوع؛ فذلك قوله: (وَهُوَ خَادِعُهُمْ) وكذلك قال الحسن، ثم قال: فتلك خديعة اللَّه إياهم.
وقال آخرون: يفتح لهم باب من أبواب الجنة؛ فإذا رأوا ذلك قصدوا ذلك الباب، فلما دنوا منه أغلق دونهم، فذلك الخداع، واللَّه أعلم.
ويحتمل وجهًا آخر: وهو أنهم شاركوا المؤمنين في هذه الدنيا ومنافعها، والتمتع والتقلب فيها؛ فظنوا أنهم يشاركونهم في منافع الآخرة والتمتع بها؛ فيحرمون ذلك، فذلك الخديعة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ...) الآية.
جعل اللَّه - تعالى - للمنافق أعلاما في قوله وفعله يعلم بها المنافق:
أما في القول: ما قالوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، وقوله: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ)، وقوله - تعالى -: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا...) الآية.
وأما في الفعل فهو قوله - تعالى -: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)، وقوله: (وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا)، أي القتال، وقوله - تعالى -: (فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ...) الآية، ومثله كثير في القرآن، مما جعل ذلك علامة لهم، وهو كقوله - تعالى -: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ...) الآية، وكقوله - تعالى -: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ...) الآية، يراءون في جميع أفعالهم - الناس.
ثم اختلف في جهة الخداع؛ عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: يعطى المنافقين على الصراط نورًا كما يعطى المؤمنين؛ فإذا مضوا به على الصراط طفِئ نورهم، ويبقى نور المؤمنين يمضون بنورهم؛ فينادون المؤمنين: (انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ)، فنجوز به؛ فتناديهم الملائكة: (ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا)، وقد علموا أنهم لا يستطيعون الرجوع؛ فذلك قوله: (وَهُوَ خَادِعُهُمْ) وكذلك قال الحسن، ثم قال: فتلك خديعة اللَّه إياهم.
وقال آخرون: يفتح لهم باب من أبواب الجنة؛ فإذا رأوا ذلك قصدوا ذلك الباب، فلما دنوا منه أغلق دونهم، فذلك الخداع، واللَّه أعلم.
ويحتمل وجهًا آخر: وهو أنهم شاركوا المؤمنين في هذه الدنيا ومنافعها، والتمتع والتقلب فيها؛ فظنوا أنهم يشاركونهم في منافع الآخرة والتمتع بها؛ فيحرمون ذلك، فذلك الخديعة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ...) الآية.
جعل اللَّه - تعالى - للمنافق أعلاما في قوله وفعله يعلم بها المنافق:
أما في القول: ما قالوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، وقوله: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ)، وقوله - تعالى -: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا...) الآية.
وأما في الفعل فهو قوله - تعالى -: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)، وقوله: (وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا)، أي القتال، وقوله - تعالى -: (فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ...) الآية، ومثله كثير في القرآن، مما جعل ذلك علامة لهم، وهو كقوله - تعالى -: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ...) الآية، وكقوله - تعالى -: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ...) الآية، يراءون في جميع أفعالهم - الناس.
395
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: " يراءون الناس واللَّه يعلم ما في قلوبهم ولا يذكرون اللَّه إلا قليلا ".
عن الحسن في قوله - تعالى -: (وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) - فقال: أما واللَّه لو كان ذلك القليل منهم للَّهِ لقبله، ولكن ذلك القليل رياء.
وقيل: لو كان ذلك القليل لله يريدون به وجهه، فقبله - لكان كثيرًا، ولكن لا يقبله؛ فهو لا شيء. وقد يتكلم بالقليل واليسير على إرادة النفي من الأصل، واللَّه أعلم.
وروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - ﷺ -: " مَنْ أحْسَنَ الصلَاةَ حَيثُ يَرَاهُ النَّاسُ، وَأَسَاءَهَا حَيثُ يَخْلُو - فَتِلْكَ اسْتِهَانَةٌ يَسْتَهِينُ بِهَا رَبَّهُ ".
وروي في علامة المنافق أخبار:
روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِن للمُنَافِقِ عَلَامَاتٍ، يُعرَفُونَ بِهَا: تَحِيتُهُم لَعْنَة، وَطَعَامُهُم نُهْبة، وَغَنيمَتُهُم غُلُوا، لَا يَقْرَبُونَ المَسَاجِدَ إِلا هَجْرًا، وَلَا يَأتُونَ الصلَاةَ إِلأ دُبُرًا ".
وعن عبد اللَّه بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " أَرْبعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وِإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ "، وروي: ثلاث.
ورُوي عن عبد اللَّه قال: اعتبروا المنافق بثلاث: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وِإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وإذا عاهد غدر. ثم قرأ الآيات: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ...) الآية.
وعن وهب قال: من خصال المنافق: أن يحب الحمد، ويكره الذم.
عن الحسن في قوله - تعالى -: (وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) - فقال: أما واللَّه لو كان ذلك القليل منهم للَّهِ لقبله، ولكن ذلك القليل رياء.
وقيل: لو كان ذلك القليل لله يريدون به وجهه، فقبله - لكان كثيرًا، ولكن لا يقبله؛ فهو لا شيء. وقد يتكلم بالقليل واليسير على إرادة النفي من الأصل، واللَّه أعلم.
وروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - ﷺ -: " مَنْ أحْسَنَ الصلَاةَ حَيثُ يَرَاهُ النَّاسُ، وَأَسَاءَهَا حَيثُ يَخْلُو - فَتِلْكَ اسْتِهَانَةٌ يَسْتَهِينُ بِهَا رَبَّهُ ".
وروي في علامة المنافق أخبار:
روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِن للمُنَافِقِ عَلَامَاتٍ، يُعرَفُونَ بِهَا: تَحِيتُهُم لَعْنَة، وَطَعَامُهُم نُهْبة، وَغَنيمَتُهُم غُلُوا، لَا يَقْرَبُونَ المَسَاجِدَ إِلا هَجْرًا، وَلَا يَأتُونَ الصلَاةَ إِلأ دُبُرًا ".
وعن عبد اللَّه بن عمرو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " أَرْبعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وِإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ "، وروي: ثلاث.
ورُوي عن عبد اللَّه قال: اعتبروا المنافق بثلاث: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وِإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وإذا عاهد غدر. ثم قرأ الآيات: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ...) الآية.
وعن وهب قال: من خصال المنافق: أن يحب الحمد، ويكره الذم.
396
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ... (١٤٣)
قال أكثر أهل التأويل: ليسوا بمسلمين مخلصين ولا مشركين مصرحين. وهو -أيضًا- قول قتادة.
وقال مقاتل: ليسوا مع اليهود فيظهرون ولايتهم لهم، وليسوا مع المؤمنين في التصديق مع الولاية.
ويحتمل غير هذا: وهو أنه لم يظهر لكل واحد من الفريقين منهم الموافقة لهم والكون معهم؛ بل ظهر منهم الخلاف عند كل فريق؛ لأنهم كانوا أصحاب طمع، عُبَّادَ أنفسهم، يكونون حيث رأوا السعة معهم؛ فلا إلى هَؤُلَاءِ في حقيقة الدِّين عند أنفسهم، ولا إلى هَؤُلَاءِ، فذلك - واللَّه أعلم - تأويله.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا)
قيل: حجة؛ على ما قيل في الأول.
وقيل: (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا)، يعني: هدى وطريقًا مستقيمًا، واللَّه أعلم.
وعن الحسن: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا)؛ ما دام كافرًا؛ فإذا تاب ورجع عن ذلك فله السبيل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ... (١٤٤)
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: نزلت في المنافقين الذين اتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين؛ سماهم اللَّه - تعالى - مؤمنين بإقرارهم بالإيمان علانية، وتوليهم الكافرين سرا، أو أن يقال: سموا مؤمنين؛ لما كانوا ينتسبون إلى المؤمنين؛ فسموا بذلك.
وقيل: نزلت في المؤمنين، نهاهم أن يتخذوا المنافقين أولياء بإظهارهم الإيمان علانية، وأمرهم أن يتخذوا المؤمنين أولياء.
ثم وجه النهي في الولاية واتخاذهم أولياء يكون من وجوه:
قال أكثر أهل التأويل: ليسوا بمسلمين مخلصين ولا مشركين مصرحين. وهو -أيضًا- قول قتادة.
وقال مقاتل: ليسوا مع اليهود فيظهرون ولايتهم لهم، وليسوا مع المؤمنين في التصديق مع الولاية.
ويحتمل غير هذا: وهو أنه لم يظهر لكل واحد من الفريقين منهم الموافقة لهم والكون معهم؛ بل ظهر منهم الخلاف عند كل فريق؛ لأنهم كانوا أصحاب طمع، عُبَّادَ أنفسهم، يكونون حيث رأوا السعة معهم؛ فلا إلى هَؤُلَاءِ في حقيقة الدِّين عند أنفسهم، ولا إلى هَؤُلَاءِ، فذلك - واللَّه أعلم - تأويله.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا)
قيل: حجة؛ على ما قيل في الأول.
وقيل: (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا)، يعني: هدى وطريقًا مستقيمًا، واللَّه أعلم.
وعن الحسن: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا)؛ ما دام كافرًا؛ فإذا تاب ورجع عن ذلك فله السبيل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ... (١٤٤)
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: نزلت في المنافقين الذين اتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين؛ سماهم اللَّه - تعالى - مؤمنين بإقرارهم بالإيمان علانية، وتوليهم الكافرين سرا، أو أن يقال: سموا مؤمنين؛ لما كانوا ينتسبون إلى المؤمنين؛ فسموا بذلك.
وقيل: نزلت في المؤمنين، نهاهم أن يتخذوا المنافقين أولياء بإظهارهم الإيمان علانية، وأمرهم أن يتخذوا المؤمنين أولياء.
ثم وجه النهي في الولاية واتخاذهم أولياء يكون من وجوه:
397
يحتمل: النهي عن ولايتهم ولاية الدِّين، أي: لا تثقوا بهم، ولا تصدقوهم، ولا تأمنوهم في الدِّين؛ فإنهم يريدون أن يصرفوكم عن دينكم؛ كقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) الآية.
ويحتمل: النهي عن اتخاذهم أولياء في أمر الدنيا؛ كقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا...) الآية. نهي - عز وجل - المؤمنين أن يجعلوا المنافقين موضع سرهم في أمر من أمور الحرب وغيره.
والثالث: في كل أمر، أي: لا تصادقوهم، ولا تجالسوهم، ولا تأمنوهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا)
أي: تجعلون للَّهِ عليكم سلطانًا مبينًا.
قيل: عذرًا مبينًا.
وقيل: حجة بينة يحتج بها عليكم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا) فهو - واللَّه أعلم - الإرادة، وهي صفة كل فاعل في الحقيقة، وحرف الاستفهام من اللَّه إيجاب؛ فكأنه قال: قد جعلتم لله في تعذيبكم حجة بينة يعقلها الكل؛ إذ ذلك يكون - وهو اتخاذ الكافرين أولياء دون المؤمنين - حجة ظاهرة في لزوم المقت.
وجائز أن تكون الإضافة إلى اللَّه ترجع إلى أولياء اللَّه؛ نحو الأمر بنصر اللَّه، والقول بمخادعة اللَّه، وكان ذلك منهم حجة بينة عليهم لأولياء اللَّه: أنهم لا يتخذون الشيطان وليا، وأولياء: عبادة غير اللَّه اتخذوه، ولا قوة إلا باللَّه.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (١٤٦) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (١٤٧)
ويحتمل: النهي عن اتخاذهم أولياء في أمر الدنيا؛ كقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا...) الآية. نهي - عز وجل - المؤمنين أن يجعلوا المنافقين موضع سرهم في أمر من أمور الحرب وغيره.
والثالث: في كل أمر، أي: لا تصادقوهم، ولا تجالسوهم، ولا تأمنوهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا)
أي: تجعلون للَّهِ عليكم سلطانًا مبينًا.
قيل: عذرًا مبينًا.
وقيل: حجة بينة يحتج بها عليكم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا) فهو - واللَّه أعلم - الإرادة، وهي صفة كل فاعل في الحقيقة، وحرف الاستفهام من اللَّه إيجاب؛ فكأنه قال: قد جعلتم لله في تعذيبكم حجة بينة يعقلها الكل؛ إذ ذلك يكون - وهو اتخاذ الكافرين أولياء دون المؤمنين - حجة ظاهرة في لزوم المقت.
وجائز أن تكون الإضافة إلى اللَّه ترجع إلى أولياء اللَّه؛ نحو الأمر بنصر اللَّه، والقول بمخادعة اللَّه، وكان ذلك منهم حجة بينة عليهم لأولياء اللَّه: أنهم لا يتخذون الشيطان وليا، وأولياء: عبادة غير اللَّه اتخذوه، ولا قوة إلا باللَّه.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (١٤٦) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (١٤٧)
398
الآية ١٤٤
وقوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ﴾ عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه )١ قال :( نزلت في المنافقين الذين اتخذوا ﴿ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ﴾ سماهم الله تعالى مؤمنين بإقرارهم بالإيمان علانية وتوليهم الكافرين سرا ) ويقال٢ : سموا مؤمنين لما كانوا ينتسبون إلى المؤمنين /١١٨- أ/ فسموا ذلك. وقيل : نزلت في المؤمنين : نهاهم أن يتخذوا المنافقين أولياء بإظهارهم الإيمان علانية، وأمرهم أن يتخذوا المؤمنين أولياء.
ثم وجه٣ النهي في الولاية واتخاذهم أولياء يكون من وجوه :
يحتمل النهي عن ولايتهم ولاية الدين : أي لا تثقوا بهم، ولا تصدقوهم، ولا تأمنوهم في الدين، فإنهم يريدون أن يصرفوكم عن دينكم كقوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم ﴾ ( آل عمران : ١٤٩ ).
ويحتمل٤ النهي( عن ولاية الأولياء ) ٥في أمر الدنيا كقوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ﴾ الآية( آل عمران : ١١٨ ) نهى المؤمنين عز وجل أن يجعلوا المنافقين موضع سرهم في أمر من أمور الحرب وغيره.
( ويحتمل النهي )٦ في كل أمر، أي لا تصادقوهم، ولا تجالسوهم، ولا تأمنوهم.
وقوله تعالى :﴿ أتردون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ﴾ قيل : عذرا مبينا، وقيل : حجة بينة يحتج بها عليكم، وقوله تعالى :﴿ أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ﴾ هو٧، والله أعلمن الإرادة، وهي صفة كل فاعل في الحقيقة. وحرف الاستفهام من الله إيجاب، فكأنه قال : قد جعلتم لله في تعذيبكم حجة بينة يعقلها الكل، أنى ذلك يكون، وهو اتخاذ الكافرين أولياء دون المؤمنين حجة ظاهرة في لزوم المقت ؟
وجائز أن تكون الإضافة إلى الله توجع إلى أولياء الله نحو الأمر بنصر الله والقول بمخادعة الله. وكان ذلك منهم حجة بينة عليهم لأولياء الله أنهم لا يتخذون الشيطان ولي عبادة غير الله، فاتخذوه٨، ولا قوة إلا بالله.
وقوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ﴾ عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه )١ قال :( نزلت في المنافقين الذين اتخذوا ﴿ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ﴾ سماهم الله تعالى مؤمنين بإقرارهم بالإيمان علانية وتوليهم الكافرين سرا ) ويقال٢ : سموا مؤمنين لما كانوا ينتسبون إلى المؤمنين /١١٨- أ/ فسموا ذلك. وقيل : نزلت في المؤمنين : نهاهم أن يتخذوا المنافقين أولياء بإظهارهم الإيمان علانية، وأمرهم أن يتخذوا المؤمنين أولياء.
ثم وجه٣ النهي في الولاية واتخاذهم أولياء يكون من وجوه :
يحتمل النهي عن ولايتهم ولاية الدين : أي لا تثقوا بهم، ولا تصدقوهم، ولا تأمنوهم في الدين، فإنهم يريدون أن يصرفوكم عن دينكم كقوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم ﴾ ( آل عمران : ١٤٩ ).
ويحتمل٤ النهي( عن ولاية الأولياء ) ٥في أمر الدنيا كقوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ﴾ الآية( آل عمران : ١١٨ ) نهى المؤمنين عز وجل أن يجعلوا المنافقين موضع سرهم في أمر من أمور الحرب وغيره.
( ويحتمل النهي )٦ في كل أمر، أي لا تصادقوهم، ولا تجالسوهم، ولا تأمنوهم.
وقوله تعالى :﴿ أتردون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ﴾ قيل : عذرا مبينا، وقيل : حجة بينة يحتج بها عليكم، وقوله تعالى :﴿ أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ﴾ هو٧، والله أعلمن الإرادة، وهي صفة كل فاعل في الحقيقة. وحرف الاستفهام من الله إيجاب، فكأنه قال : قد جعلتم لله في تعذيبكم حجة بينة يعقلها الكل، أنى ذلك يكون، وهو اتخاذ الكافرين أولياء دون المؤمنين حجة ظاهرة في لزوم المقت ؟
وجائز أن تكون الإضافة إلى الله توجع إلى أولياء الله نحو الأمر بنصر الله والقول بمخادعة الله. وكان ذلك منهم حجة بينة عليهم لأولياء الله أنهم لا يتخذون الشيطان ولي عبادة غير الله، فاتخذوه٨، ولا قوة إلا بالله.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ في الأصل وم: أو أن يقال..
٣ من م، في الأصل: وجد..
٤ هذا هو الوده الثاني..
٥ في الأصل وم: أولياء..
٦ في الأصل وم: والثالث..
٧ في الأصل وم: فهو..
٨ في الأصل وم: اتخذوه..
٢ في الأصل وم: أو أن يقال..
٣ من م، في الأصل: وجد..
٤ هذا هو الوده الثاني..
٥ في الأصل وم: أولياء..
٦ في الأصل وم: والثالث..
٧ في الأصل وم: فهو..
٨ في الأصل وم: اتخذوه..
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ... (١٤٥)
الدرك: بالجزم والفتح - لغتان، وهما واحد؛ يقال: للجنة درجات وغرفات، وللنار دركات بعضها أسفل من بعض.
وقيل: كلما كان أسفل - كان العذاب فيها أشد؛ ألا ترى أنه أخبر عنهم بقوله: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ)، فلو لم يكن من أسفل منهم في الدركات أشد عذابًا - لم يكن لقولهم: (نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ)، معنى؛ فدل أن كل ما كان أسفل من الدركات - كان في العذاب أشد، واللَّه أعلم.
وذكر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ذكر [عبد المطلب وهشام بن المغيرة] (١) فقال: " هُما مِنْ أَدْنَى أَهْلِ النًارِ عَذَابًا، وَهُمَا فِي ضَحْضاع مِنَ النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا، وَأَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: فِي رِجْلَيهِ نَعْلَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلي بِهِمَا دِمَاغُهُ ".
وعن ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: قال: الأدراك: توابيت من حديد تصمت عليهم في أسفل النار.
وقيل: إن العذاب في النار واحد في الظاهر، وهو مختلف في الحقيقة؛ وأيد ذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ)، لكن بعضهم لا يشعر بعذاب غيرهم؛ كقوله: (قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ)، سألوا ربهم أن يجعل لهم ضعفًا من العذاب؛ جزاء ما أضلوا، فأخبر أن لكل ضعفًا من الأئمة.
ثم لتخصيص المنافقين في الدرك الأسفل من النار دون سائر الكفرة وجوه ثلاثة:
أحدها: أنهم كانوا يسعون في إفساد ضعفة المسلمين، ويشككونهم في دينهم، ويتكلفون في إخراجهم من الإيمان، وكان ذلك دأبهم وعادتهم؛ فاستوجبوا بذلك -
الدرك: بالجزم والفتح - لغتان، وهما واحد؛ يقال: للجنة درجات وغرفات، وللنار دركات بعضها أسفل من بعض.
وقيل: كلما كان أسفل - كان العذاب فيها أشد؛ ألا ترى أنه أخبر عنهم بقوله: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ)، فلو لم يكن من أسفل منهم في الدركات أشد عذابًا - لم يكن لقولهم: (نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ)، معنى؛ فدل أن كل ما كان أسفل من الدركات - كان في العذاب أشد، واللَّه أعلم.
وذكر أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ذكر [عبد المطلب وهشام بن المغيرة] (١) فقال: " هُما مِنْ أَدْنَى أَهْلِ النًارِ عَذَابًا، وَهُمَا فِي ضَحْضاع مِنَ النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا، وَأَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: فِي رِجْلَيهِ نَعْلَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلي بِهِمَا دِمَاغُهُ ".
وعن ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: قال: الأدراك: توابيت من حديد تصمت عليهم في أسفل النار.
وقيل: إن العذاب في النار واحد في الظاهر، وهو مختلف في الحقيقة؛ وأيد ذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ)، لكن بعضهم لا يشعر بعذاب غيرهم؛ كقوله: (قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ)، سألوا ربهم أن يجعل لهم ضعفًا من العذاب؛ جزاء ما أضلوا، فأخبر أن لكل ضعفًا من الأئمة.
ثم لتخصيص المنافقين في الدرك الأسفل من النار دون سائر الكفرة وجوه ثلاثة:
أحدها: أنهم كانوا يسعون في إفساد ضعفة المسلمين، ويشككونهم في دينهم، ويتكلفون في إخراجهم من الإيمان، وكان ذلك دأبهم وعادتهم؛ فاستوجبوا بذلك -
(١) المشهور أنه أبو طالب لا عبد المطلب، ولعله تصحيف. واللَّه أعلم.
وهذا نص الحديث في مسلم:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ». اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية).
وهذا نص الحديث في مسلم:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ». اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية).
ذلك العذاب؛ جزاء لإفسادهم، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن يكون ذلك لهم؛ لأنهم كانوا عيونًا للكفرة، وطلائع لهم، يخبرون بذلك عن أخبارهم وسرائرهم، ويطلعون على عوراتهم، فذلك سعى في أمر دينهم ودنياهم بالفساد؛ كقوله: (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) الآية.
ويحتمل وجهًا آخر: وهو أنهم لم يكونوا في الأحوال كلها أهل دين يقيمون عليه في حال الرخاء والضيق؛ ولكن كانوا مع السعة والرخاء حيث كان، ولا كذلك سائر الكفرة، بل كانوا في حال الرخاء والشدة على دين واحد: يعبدون الأصنام، وأُولَئِكَ مع المؤمنين في حال إذا كانت السعة معهم، ومع الكافرين في حال إذا كانت السعة معهم، لا يقرون على شيء واحد، مترددون بين ذلك؛ كما قال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ): الآية، والكفرة عبدوا من عبدوا؛ على رجاء التقريب إلى اللَّه، وأمر اللَّه - تعالى - لهم بذلك؛ ليكونوا لهم شفعاء عند اللَّه، وأهل النفاق لم يكونوا يعبدون غير بطونهم ومن معه شهواتهم؛ فلذلك ازداد عذابهم على عذاب غيرهم، ولما جَمَعُوا إلى الكفر باللَّه - المخادعة والتغرير وإغراء الأعداء واستعلاءهم، ولما قد أشركوا الفرق كلهم في اللذات وفي طلب الشهوات؛ فعاد إليهم ما استحق كل منهم من العقوبة، وبما بذلك شاركوا في كل المعاصي، أو سبيلها إعطاء الأنفس الشهوات مع ما فيهم تغرير ضعفة المؤمنين، والتلبيس عليهم، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا... (١٤٦)
عن ابن عَبَّاسٍ قال: (تَابُوا) من النفاق، و (وَأَصْلَحُوا) أعمالهم، و (وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ)، ويقول: وثقوا باللَّه.
وقيل: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ).
يقول: من المؤمنين، أي: صاروا كسائر المؤمنين.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأُبَي: " إلا الذين تابوا، ثم آمنوا باللَّه والرسول والكتاب الذي أنزل إليه من ربه وما أنزل إلى النبيين من قبل، ثم أخلصوا دينهم
ويحتمل أن يكون ذلك لهم؛ لأنهم كانوا عيونًا للكفرة، وطلائع لهم، يخبرون بذلك عن أخبارهم وسرائرهم، ويطلعون على عوراتهم، فذلك سعى في أمر دينهم ودنياهم بالفساد؛ كقوله: (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) الآية.
ويحتمل وجهًا آخر: وهو أنهم لم يكونوا في الأحوال كلها أهل دين يقيمون عليه في حال الرخاء والضيق؛ ولكن كانوا مع السعة والرخاء حيث كان، ولا كذلك سائر الكفرة، بل كانوا في حال الرخاء والشدة على دين واحد: يعبدون الأصنام، وأُولَئِكَ مع المؤمنين في حال إذا كانت السعة معهم، ومع الكافرين في حال إذا كانت السعة معهم، لا يقرون على شيء واحد، مترددون بين ذلك؛ كما قال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ): الآية، والكفرة عبدوا من عبدوا؛ على رجاء التقريب إلى اللَّه، وأمر اللَّه - تعالى - لهم بذلك؛ ليكونوا لهم شفعاء عند اللَّه، وأهل النفاق لم يكونوا يعبدون غير بطونهم ومن معه شهواتهم؛ فلذلك ازداد عذابهم على عذاب غيرهم، ولما جَمَعُوا إلى الكفر باللَّه - المخادعة والتغرير وإغراء الأعداء واستعلاءهم، ولما قد أشركوا الفرق كلهم في اللذات وفي طلب الشهوات؛ فعاد إليهم ما استحق كل منهم من العقوبة، وبما بذلك شاركوا في كل المعاصي، أو سبيلها إعطاء الأنفس الشهوات مع ما فيهم تغرير ضعفة المؤمنين، والتلبيس عليهم، ولا قوة إلا باللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا... (١٤٦)
عن ابن عَبَّاسٍ قال: (تَابُوا) من النفاق، و (وَأَصْلَحُوا) أعمالهم، و (وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ)، ويقول: وثقوا باللَّه.
وقيل: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ).
يقول: من المؤمنين، أي: صاروا كسائر المؤمنين.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأُبَي: " إلا الذين تابوا، ثم آمنوا باللَّه والرسول والكتاب الذي أنزل إليه من ربه وما أنزل إلى النبيين من قبل، ثم أخلصوا دينهم
لله واعتصموا به، أُولَئِكَ مع المؤمنين، وسوف يؤتى اللَّه المؤمنين أجرًا عظيمًا ".
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) قال: لم يراءوا، وكانت سريرتهم كعلانيتهم أو أفضل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ... (١٤٧)
تأويله - واللَّه أعلم - أن ليس لله - عَزَّ وَجَلَّ - حاجة في تعذيبه إياكم إن صدقتم وآمنتم، ولكن الحكمة توجب تعذيب من كفر به؛ وإلا ليس له حاجة في تعذيبكم، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن يكون هذا في قوم أفرطوا في التكذيب ومعاندة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ فظنوا أنهم إن آمنوا به وصدقوه - لم يغفر لهم ما كان منهم من الإفراط في التكذيب، والتمرد وفي المعاندة؛ فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه لا يعذبهم إن آمنوا به - بما كان منهم من الكذب والعناد؛ كقوله - تعالى -: (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)، واللَّه أعلم.
ثم الشكر فيما بين الخلق - يكون على الجزاء والمكافأة؛ كقوله: " من لم يشكر الناس لم يشكر اللَّه ".
وأما فيما بينهم بين ربهم: فهو على غير الجزاء والمكافأة؛ إذ ليس في وسعهم القيام بأداء شكر أصغر نعمة أنعمها عليهم عُمْرَهم؛ فدل أنه ليس يخرج الأمر على ما به أمر المكافأة؛ ولكنه يخرج على وجوه:
الأول: على معرفة النعم أنها منه.
والثاني: على معرفة التقصير والاعتراف بالعجز - عن أداء شكرها.
والثالث: ألا يستعملها إلا في طاعة ربه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)
يقبل الإيمان بعد الجحود والتكذيب؛ إذا تاب.
وقيل: (شَاكِرًا) أي: يقبل القليل من العمل إذا كان خالصًا، ليس كملوك الأرض لا يقبلون اليسير من الأشياء.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ) قال: لم يراءوا، وكانت سريرتهم كعلانيتهم أو أفضل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ... (١٤٧)
تأويله - واللَّه أعلم - أن ليس لله - عَزَّ وَجَلَّ - حاجة في تعذيبه إياكم إن صدقتم وآمنتم، ولكن الحكمة توجب تعذيب من كفر به؛ وإلا ليس له حاجة في تعذيبكم، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن يكون هذا في قوم أفرطوا في التكذيب ومعاندة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ فظنوا أنهم إن آمنوا به وصدقوه - لم يغفر لهم ما كان منهم من الإفراط في التكذيب، والتمرد وفي المعاندة؛ فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه لا يعذبهم إن آمنوا به - بما كان منهم من الكذب والعناد؛ كقوله - تعالى -: (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)، واللَّه أعلم.
ثم الشكر فيما بين الخلق - يكون على الجزاء والمكافأة؛ كقوله: " من لم يشكر الناس لم يشكر اللَّه ".
وأما فيما بينهم بين ربهم: فهو على غير الجزاء والمكافأة؛ إذ ليس في وسعهم القيام بأداء شكر أصغر نعمة أنعمها عليهم عُمْرَهم؛ فدل أنه ليس يخرج الأمر على ما به أمر المكافأة؛ ولكنه يخرج على وجوه:
الأول: على معرفة النعم أنها منه.
والثاني: على معرفة التقصير والاعتراف بالعجز - عن أداء شكرها.
والثالث: ألا يستعملها إلا في طاعة ربه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)
يقبل الإيمان بعد الجحود والتكذيب؛ إذا تاب.
وقيل: (شَاكِرًا) أي: يقبل القليل من العمل إذا كان خالصًا، ليس كملوك الأرض لا يقبلون اليسير من الأشياء.
وقيل: (شَاكِرًا): يقبل اليسير من العمل، ويعطي الجزيل من الثواب، وذلك هو الوصف في الغاية من الكرم، واللَّه أعلم.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ما يعبأ اللَّه بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان اللَّه شاكرًا لأعمالكم الحسنة عليمًا بها " وهو ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (١٤٨) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (١٤٩)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ).
اختلف في تأويله وتلاوته:
قَالَ بَعْضُهُمْ: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) من الدعاء إلا من ظلم؛ فإنه لا بأس أن يدعوا إذا كان مظلومًا.
وقال آخرون: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) هو الشتم؛ أخبر أنه لا يحب ذلك لأحد من الناس، ثم استثنى (إلا مَنْ ظُلِمَ) واعْتُدِيَ عليه؛ فإن رد عليه مثل ذلك، فلا حرج عليه.
وكذلك قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) أن يشتم الرجل المسلم في وجهه، إلا أن يشتمه فيرد كما قال، وذلك قول اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)، وإن يعفو فهو أفضل.
وقرأ بعضهم: " إِلَّا مَنْ ظَلَمَ " (١) بالنصب، فهو يحتمل: إلا من ظلم؛ فإن له الجهر
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " ما يعبأ اللَّه بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان اللَّه شاكرًا لأعمالكم الحسنة عليمًا بها " وهو ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (١٤٨) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (١٤٩)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ).
اختلف في تأويله وتلاوته:
قَالَ بَعْضُهُمْ: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) من الدعاء إلا من ظلم؛ فإنه لا بأس أن يدعوا إذا كان مظلومًا.
وقال آخرون: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) هو الشتم؛ أخبر أنه لا يحب ذلك لأحد من الناس، ثم استثنى (إلا مَنْ ظُلِمَ) واعْتُدِيَ عليه؛ فإن رد عليه مثل ذلك، فلا حرج عليه.
وكذلك قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) أن يشتم الرجل المسلم في وجهه، إلا أن يشتمه فيرد كما قال، وذلك قول اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)، وإن يعفو فهو أفضل.
وقرأ بعضهم: " إِلَّا مَنْ ظَلَمَ " (١) بالنصب، فهو يحتمل: إلا من ظلم؛ فإن له الجهر
(١) قال السمين:
وقرأ جماعة كثيرة منهم ابن عباس وابن عمر وابن جبير والحسن: «ظَلَمَ» مبنياً للفاعل، وهو استثناء منقطع، فهو في محل نصب على أصل الاستثناء المنقطع. اهـ (الدر المصون. ٤/ ١٣٥).
وقرأ جماعة كثيرة منهم ابن عباس وابن عمر وابن جبير والحسن: «ظَلَمَ» مبنياً للفاعل، وهو استثناء منقطع، فهو في محل نصب على أصل الاستثناء المنقطع. اهـ (الدر المصون. ٤/ ١٣٥).
402
بالسوء من القول، وإن لم يكن له ذلك؛ وهو كقوله - تعالى -: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)؛ فإنهم -وإن لم يكن لهم حجة عليكم- فإنهم يحتجون عليكم؛ فعلى ذلك الظالم، وإن لم يكن له الجهر بالسوء من القول فإنه يفعل ذلك، واللَّه أعلم.
ومن قرأ: (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ): بالرفع -فتأويله ما ذكرنا- واللَّه أعلم -: أنه لا يبيح لأحد الجهر بالسوء من القول إلا المظلوم؛ فإنه يباح له أن يدعو على ظالمه، وينتصر منه.
والثاني: ما قيل: من سبَّ آخر، فإنه لايباح له ولا يؤذن أن يرد عليه مثله وينتصر منه.
وقيل: نزلت الآية في أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شتمه رجل بمكة، فسكت عنه ما شاء اللَّه، ثم انتصر؛ فقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وتركه.
وعن الحسن قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا؛ فَهُوَ عَلى البَادِئ حَتَّى يَعْتديَ المَظْلومُ ". وقال: " ألا لا تَسْتَبُّوا، فَإِنْ كُنْتُم فَاعِلينَ لَا مَحَالَةَ، فَعَلِمَ الرَّجُلُ مِنْ صَاحِبِهِ - فَلْيَقُلْ: إِنَكَ لَجَبَّارْ، وَإِنَكَ لَبَخِيلٌ ".
وأصل هذا الاستثناء أن الأول - وإن لم يكن من نوع ما استثنى - فهو جزاؤه، وجزاء الشيء يسمى باسمه؛ كما سمى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - جزاء السيئة: سيئة؛ بقوله: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)، وسمي جزاء الاعتداء: اعتداء، وإن لم يكن الثاني اعتداء ولا سيئة؛ فعلى ذلك استثنى (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)، وإن لم يكن من نوعه؛ لأنه جزاء الظلم والاعتداء، واللَّه أعلم.
وقيل: إن الآية نزلت في الضيف ينزل بالرجل فلا يضيفه، ولا يحسن إليه؛ فجعل له أن يأخذه بلسانه، وإلى هذا يذهب أكثر المتأولين، لكنه بعيد.
ومن قرأ: (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ): بالرفع -فتأويله ما ذكرنا- واللَّه أعلم -: أنه لا يبيح لأحد الجهر بالسوء من القول إلا المظلوم؛ فإنه يباح له أن يدعو على ظالمه، وينتصر منه.
والثاني: ما قيل: من سبَّ آخر، فإنه لايباح له ولا يؤذن أن يرد عليه مثله وينتصر منه.
وقيل: نزلت الآية في أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شتمه رجل بمكة، فسكت عنه ما شاء اللَّه، ثم انتصر؛ فقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وتركه.
وعن الحسن قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا؛ فَهُوَ عَلى البَادِئ حَتَّى يَعْتديَ المَظْلومُ ". وقال: " ألا لا تَسْتَبُّوا، فَإِنْ كُنْتُم فَاعِلينَ لَا مَحَالَةَ، فَعَلِمَ الرَّجُلُ مِنْ صَاحِبِهِ - فَلْيَقُلْ: إِنَكَ لَجَبَّارْ، وَإِنَكَ لَبَخِيلٌ ".
وأصل هذا الاستثناء أن الأول - وإن لم يكن من نوع ما استثنى - فهو جزاؤه، وجزاء الشيء يسمى باسمه؛ كما سمى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - جزاء السيئة: سيئة؛ بقوله: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)، وسمي جزاء الاعتداء: اعتداء، وإن لم يكن الثاني اعتداء ولا سيئة؛ فعلى ذلك استثنى (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)، وإن لم يكن من نوعه؛ لأنه جزاء الظلم والاعتداء، واللَّه أعلم.
وقيل: إن الآية نزلت في الضيف ينزل بالرجل فلا يضيفه، ولا يحسن إليه؛ فجعل له أن يأخذه بلسانه، وإلى هذا يذهب أكثر المتأولين، لكنه بعيد.
403
وفي قوله: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) دليل على أنه ليس في إباحة الشيء في حال - يوجب حظره في حال أخرى؛ لأنه نهي عن الجهر بالسوء من القول، ثم لم يدل ذلك على أنه لا ينهى عن ذلك في غير حال الجهر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا).
بجهر السوء، (عَلِيمَا به.
ثم قال: (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ... (١٤٩)
يحتمل - واللَّه أعلم - أن العفو والتجاوز خير عند اللَّه من الانتصار؛ فيحتمل هذا وجهين:
يحتمل: أن يكون على الترغيب: رغبهم - عَزَّ وَجَلَّ - بالعفو عن السوء والمظلمة، فكما أنه يعفو عن خلقه، ويتجاوز عنهم مع قدرته على الانتقام - فاعفوا أنتم عن ظالمكم أيضًا، وإن أنتم قدرتم على الانتصار والانتقام منهم، فيكون لكم بذلك عند الله الثواب.
ويحتمل: أن يأمرهم بالعفو عن مظالمهم؛ ليعفو - عَزَّ وَجَلَّ - عن مظالمهم التي فيما بينهم وبين ربهم؛ وعلى ذلك يخرج قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) - واللَّه أعلم - فإن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أقدر على عفو ذنوبكم منكم على عفو صاحبكم المسيء إليكم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: اللَّه أجدر وأحرى أن يعفو عنك إذا عفوت عن أخيك في الدنيا، وهو على ذلك أقدر.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (١٥٢)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ) يحتمل وجهين:
يحتمل قوله - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ...) أي: يريدون، أن يفرقوا بين اللَّه ورسله؛ فيكون قوله: (يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ): في الدهرية؛ لأنهم
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا).
بجهر السوء، (عَلِيمَا به.
ثم قال: (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ... (١٤٩)
يحتمل - واللَّه أعلم - أن العفو والتجاوز خير عند اللَّه من الانتصار؛ فيحتمل هذا وجهين:
يحتمل: أن يكون على الترغيب: رغبهم - عَزَّ وَجَلَّ - بالعفو عن السوء والمظلمة، فكما أنه يعفو عن خلقه، ويتجاوز عنهم مع قدرته على الانتقام - فاعفوا أنتم عن ظالمكم أيضًا، وإن أنتم قدرتم على الانتصار والانتقام منهم، فيكون لكم بذلك عند الله الثواب.
ويحتمل: أن يأمرهم بالعفو عن مظالمهم؛ ليعفو - عَزَّ وَجَلَّ - عن مظالمهم التي فيما بينهم وبين ربهم؛ وعلى ذلك يخرج قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) - واللَّه أعلم - فإن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أقدر على عفو ذنوبكم منكم على عفو صاحبكم المسيء إليكم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: اللَّه أجدر وأحرى أن يعفو عنك إذا عفوت عن أخيك في الدنيا، وهو على ذلك أقدر.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (١٥١) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (١٥٢)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ) يحتمل وجهين:
يحتمل قوله - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ...) أي: يريدون، أن يفرقوا بين اللَّه ورسله؛ فيكون قوله: (يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ): في الدهرية؛ لأنهم
الآية ١٥٠
وقوله تعالى :﴿ إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ﴾ يحتمل قوله تعالى :﴿ إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ﴾ أي يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله، فيكون :﴿ يكفرون بالله ﴾ في الدهرية لأنهم كفرون بالله، ولا يؤمنون به، ويقولون بقدم العالم، فذلك فيهم. وقوله تعالى﴿ ورسله ﴾ يكون في الدين ؛ يؤمنون بالله، ويكفرون بالرسل كلهم.
وقوله تعالى :﴿ ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ﴾ في الذين كفروا ببعض الرسل، وآمنوا ببعض الرسل، ﴿ ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ﴾. ثم أخبر عز وجل عنهم جميعا مع اختلاف مذاهبهم أنهم كفار. وتحقق١ الكفر فيهم بقوله :﴿ أولئك هم الكافرون حقا ﴾ ( النساء : ١٥١ ).
ويحتمل أن يكون في من آمن ببعض الرسل، وكفر ببعض، فيكون الكفر ببعض الرسل كفرا بالله وبجميع كتبه لأن كلا من الرسل يدعو الخلق كلهم إلى الإيمان بالله والإيمان بجميع الرسل والكتب ؛ فإذا كفر بواحد منهم كفر بالله وبالرسل جميعا. والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ﴾ يحتمل قوله تعالى :﴿ إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ﴾ أي يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله، فيكون :﴿ يكفرون بالله ﴾ في الدهرية لأنهم كفرون بالله، ولا يؤمنون به، ويقولون بقدم العالم، فذلك فيهم. وقوله تعالى﴿ ورسله ﴾ يكون في الدين ؛ يؤمنون بالله، ويكفرون بالرسل كلهم.
وقوله تعالى :﴿ ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ﴾ في الذين كفروا ببعض الرسل، وآمنوا ببعض الرسل، ﴿ ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ﴾. ثم أخبر عز وجل عنهم جميعا مع اختلاف مذاهبهم أنهم كفار. وتحقق١ الكفر فيهم بقوله :﴿ أولئك هم الكافرون حقا ﴾ ( النساء : ١٥١ ).
ويحتمل أن يكون في من آمن ببعض الرسل، وكفر ببعض، فيكون الكفر ببعض الرسل كفرا بالله وبجميع كتبه لأن كلا من الرسل يدعو الخلق كلهم إلى الإيمان بالله والإيمان بجميع الرسل والكتب ؛ فإذا كفر بواحد منهم كفر بالله وبالرسل جميعا. والله أعلم.
١ في الأصل وم: وحق..
يكفرون باللَّه، ولا يؤمنون به، ويقولون بقدم العالم، فذلك فيهم، وقوله: (وَرُسُلِهِ) يكون في الذين يؤمنون بِاللَّهِ ويكفرون بالرسل كلهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ):
في الذين كفروا ببعض الرسل وآمنوا ببعض الرسل، ويقولون: نؤمن ببعض ونكفر ببعض.
ثم أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - عنهم جميعًا -مع اختلاف مذاهبهم- أنهم كفار، وحقق الكفر فيهم بقوله - تعالى -: (أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا... (١٥١)
ويحتمل أن يكون فيمن آمن ببعض الرسل وكفر ببعض الرسل؛ فيكون الكفر ببعض الرسل كفرًا باللَّه، وبجميع رسله، وبجميع كتبه؛ لأن كل واحد من الرسل يدعو الخلق كلهم إلى الإيمان باللَّه، والإيمان بجميع الرسل والكتب، وإذا كفر بواحد منهم - كفر بِاللَّهِ وبالرسل جميعًا، واللَّه أعلم.
وقوله - تعالى -: (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا)
أي: ويتخذون غير ذلك سبيلا؛ على طرح إرادة " أن "، أي: يتخذون بين ذلك، أي: بين إيمان ببعض الرسل، وكفر ببعض الرسل - دينًا؛ فذلك لا ينفعهم إذا كفروا ببعض الرسل.
وقوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ).
يحتمل وجهين:
يحتمل: أُولَئِكَ هو الكافرون الذين حق عليهم الكفر باللَّه.
والثاني: يكفرون ببعض الرسل؛ أنهم - وإن كفروا ببعض الرسل - فقد حق عليهم الكفر بالله تعالى؛ لأن الكفر بواحد من الرسل كفر باللَّه وبالرسل جميعًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا). قوله: (مُهِينًا): يهانون فيه.
ثم نعت المؤمنين فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ... (١٥٢)
يعني: من الرسل، وقالوا: (آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ):
في الذين كفروا ببعض الرسل وآمنوا ببعض الرسل، ويقولون: نؤمن ببعض ونكفر ببعض.
ثم أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - عنهم جميعًا -مع اختلاف مذاهبهم- أنهم كفار، وحقق الكفر فيهم بقوله - تعالى -: (أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا... (١٥١)
ويحتمل أن يكون فيمن آمن ببعض الرسل وكفر ببعض الرسل؛ فيكون الكفر ببعض الرسل كفرًا باللَّه، وبجميع رسله، وبجميع كتبه؛ لأن كل واحد من الرسل يدعو الخلق كلهم إلى الإيمان باللَّه، والإيمان بجميع الرسل والكتب، وإذا كفر بواحد منهم - كفر بِاللَّهِ وبالرسل جميعًا، واللَّه أعلم.
وقوله - تعالى -: (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا)
أي: ويتخذون غير ذلك سبيلا؛ على طرح إرادة " أن "، أي: يتخذون بين ذلك، أي: بين إيمان ببعض الرسل، وكفر ببعض الرسل - دينًا؛ فذلك لا ينفعهم إذا كفروا ببعض الرسل.
وقوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ).
يحتمل وجهين:
يحتمل: أُولَئِكَ هو الكافرون الذين حق عليهم الكفر باللَّه.
والثاني: يكفرون ببعض الرسل؛ أنهم - وإن كفروا ببعض الرسل - فقد حق عليهم الكفر بالله تعالى؛ لأن الكفر بواحد من الرسل كفر باللَّه وبالرسل جميعًا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا). قوله: (مُهِينًا): يهانون فيه.
ثم نعت المؤمنين فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ... (١٥٢)
يعني: من الرسل، وقالوا: (آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ)
ثم نعت المؤمنين فقال عز وجل ﴿ والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم ﴾ يعني من الرسل ؛ قالوا ﴿ آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ﴾ إلى آخر ما ذكر ( البقرة : ١٣٦ ).
وفي الآية نقض قول المعتزلة لأنهم لا يسمون صاحب الكبيرة مؤمنا، وهو قد آمن بالله ورسله﴿ ولم يفرقوا بين أحد منهم ﴾ فدخل في قوله تعالى :﴿ أولئك سوف يؤتيهم أجورهم ﴾ وهم يقولون لا يؤتيهم أجورهم ﴿ وكان الله غفورا رحيما ﴾ أخبر عز وجل أنه لم يزل غفورا رحيما. ولكن صار غفورا رحيما، وبالله العصمة.
وفي الآية نقض قول المعتزلة لأنهم لا يسمون صاحب الكبيرة مؤمنا، وهو قد آمن بالله ورسله﴿ ولم يفرقوا بين أحد منهم ﴾ فدخل في قوله تعالى :﴿ أولئك سوف يؤتيهم أجورهم ﴾ وهم يقولون لا يؤتيهم أجورهم ﴿ وكان الله غفورا رحيما ﴾ أخبر عز وجل أنه لم يزل غفورا رحيما. ولكن صار غفورا رحيما، وبالله العصمة.
إلى آخر ما ذكر.
وفي الآية دلالة نقض قول المعتزلة؛ لأنهم لا يسمون صاحب الكبيرة مؤمنًا، وهو قد آمن باللَّه ورسله ولم يفرق بين أحد من رسله؛ فدخل في قوله - تعالى -: (أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) وهم يقولون: لا يؤتيهم أجورهم.
(وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه لم يزل غفورًا رحيمًا، وهم يقولون: لم يكن غفورا رحيما ولكن صار غفورا رحيمًا، وباللَّه العصمة.
* * *
قوله تعالى: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (١٥٤) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ).
قيل في أحد التأويلين: كان يريد كل أحد منهم أن يأتي إلى كل رجل منهم بكتاب: أن محمدًا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وهو كقوله - سبحانه وتعالى -: (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً)، وكقوله - تعالى -: (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ).
وقيل: سألوا أن يأتيهم بكتاب جملة مثل التوراة؛ مثل قولهم: (لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً)، كما أنزلت التوراة على موسى جملة واحدة؛ لأنهم يقولون: إن هذا القرآن من اختراع مُحَمَّد واختلاقه؛ لأنه لو كان من عند اللَّه نزل، لنزل جملة كما نزلت التوراة جملة غير متفرقة؛ فأخبر أنهم: (سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً)، وقد سألوا محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مثل سؤال أُولَئِكَ موسى، وهو قوله: (لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا)، يعزي - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ويصبره على أذاهم، يقول - واللَّه أعلم -: إنهم سألوا آيات على رسالته، فأتى بها، فلم يؤمنوا به، يخبر
وفي الآية دلالة نقض قول المعتزلة؛ لأنهم لا يسمون صاحب الكبيرة مؤمنًا، وهو قد آمن باللَّه ورسله ولم يفرق بين أحد من رسله؛ فدخل في قوله - تعالى -: (أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) وهم يقولون: لا يؤتيهم أجورهم.
(وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه لم يزل غفورًا رحيمًا، وهم يقولون: لم يكن غفورا رحيما ولكن صار غفورا رحيمًا، وباللَّه العصمة.
* * *
قوله تعالى: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (١٥٤) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ).
قيل في أحد التأويلين: كان يريد كل أحد منهم أن يأتي إلى كل رجل منهم بكتاب: أن محمدًا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وهو كقوله - سبحانه وتعالى -: (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً)، وكقوله - تعالى -: (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ).
وقيل: سألوا أن يأتيهم بكتاب جملة مثل التوراة؛ مثل قولهم: (لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً)، كما أنزلت التوراة على موسى جملة واحدة؛ لأنهم يقولون: إن هذا القرآن من اختراع مُحَمَّد واختلاقه؛ لأنه لو كان من عند اللَّه نزل، لنزل جملة كما نزلت التوراة جملة غير متفرقة؛ فأخبر أنهم: (سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً)، وقد سألوا محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مثل سؤال أُولَئِكَ موسى، وهو قوله: (لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا)، يعزي - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ويصبره على أذاهم، يقول - واللَّه أعلم -: إنهم سألوا آيات على رسالته، فأتى بها، فلم يؤمنوا به، يخبر
أن سؤالهم سؤال تعنت، لا سؤال استرشاد؛ لأن سؤالهم لو كان سؤال استرشاد - لكان إذا أُتُوا بها قبلوها؛ ولذلك أخذهم العذاب بقوله - تعالى -: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ)؛ لأنهم كانوا يسألون سؤال تعنت، لا سؤال رشد.
وفي الآية دلالة أن المسئول لا يلزمه الدليل على شهوة السائل وإرادته؛ ولكن يلزمه أن يأتي بما هو دليل في نفسه.
وفيه دلالة له -أيضًا- أن المجوس ليسوا من أهل الكتاب؛ لأنه لما قال: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ..) - لم يخطر ببال أحد أنه أراد المجوس بقوله: (أَهْلُ الْكِتَابِ)، واللَّه أعلم. فبطل قول من قال: بأنهم من أهل الكتاب، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ)
الصاعقة: هي العذاب الذي فيه الهلاك، وقد ذكرناه فيما تقدم، وإنما أخذهم العذاب بكفرهم بموسى بعد ما أتاهم موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بآيات الرسالة، لا بسؤالهم الرؤية؛ لأنه لو كان ما أخذهم من العذاب إنما أخذ بسؤال الرؤية، لكان موسى بذلك أولى؛ حيث قال: (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)؛ فدل أن العذاب إنما أخذهم بتعنتهم وبكفرهم بعد ظهور الآيات لهم أنه رسول اللَّه، وذلك قوله - تعالى -: (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ) يخبر نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن شدة تعنتهم في تكذيب الرسل، وكثرة تمردهم وسفههم؛ ليصبر على أذى قومه، ولا يظن أنه أول مكذَّب من الرسل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا)
قيل: السلطان المبين يحتمل الآيات التي أراهم، ما يعقل كل أحد -إن لم يعاند ولا كابر- أنها سماوية؛ إذ هي كانت خارجة عن الأمر المعتاد بين الخلق، من نحو: اليد البيضاء، والعصا، وفرق البحر، وغير ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ... (١٥٤)
حين لم يقبلوا التوراة؛ فعند ذلك قبلوا، ثم أخذ عليهم الميثاق بذلك، وهو ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ).
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: (وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ)، يقول: لا
وفي الآية دلالة أن المسئول لا يلزمه الدليل على شهوة السائل وإرادته؛ ولكن يلزمه أن يأتي بما هو دليل في نفسه.
وفيه دلالة له -أيضًا- أن المجوس ليسوا من أهل الكتاب؛ لأنه لما قال: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ..) - لم يخطر ببال أحد أنه أراد المجوس بقوله: (أَهْلُ الْكِتَابِ)، واللَّه أعلم. فبطل قول من قال: بأنهم من أهل الكتاب، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ)
الصاعقة: هي العذاب الذي فيه الهلاك، وقد ذكرناه فيما تقدم، وإنما أخذهم العذاب بكفرهم بموسى بعد ما أتاهم موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بآيات الرسالة، لا بسؤالهم الرؤية؛ لأنه لو كان ما أخذهم من العذاب إنما أخذ بسؤال الرؤية، لكان موسى بذلك أولى؛ حيث قال: (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)؛ فدل أن العذاب إنما أخذهم بتعنتهم وبكفرهم بعد ظهور الآيات لهم أنه رسول اللَّه، وذلك قوله - تعالى -: (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ) يخبر نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن شدة تعنتهم في تكذيب الرسل، وكثرة تمردهم وسفههم؛ ليصبر على أذى قومه، ولا يظن أنه أول مكذَّب من الرسل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا)
قيل: السلطان المبين يحتمل الآيات التي أراهم، ما يعقل كل أحد -إن لم يعاند ولا كابر- أنها سماوية؛ إذ هي كانت خارجة عن الأمر المعتاد بين الخلق، من نحو: اليد البيضاء، والعصا، وفرق البحر، وغير ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ... (١٥٤)
حين لم يقبلوا التوراة؛ فعند ذلك قبلوا، ثم أخذ عليهم الميثاق بذلك، وهو ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ).
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: (وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ)، يقول: لا
تعملوا في السبت عملا من الدنيا، وتفرغوا فيه للعبادة.
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: " وقلنا لهم لا تَعدّوا في السبت ":
وقال أبو معاذ: ويقرأ: " لا تَعَدَّوْا في السبت "؛ على معنى لا تتعدوا، تلقى إحدى، التائين، وإن شئت: تعتدوا، لم تدغم التاء في الدال.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا).
هو ما ذكر، قال ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما -: من أرسل اللَّه إليه رسولا فأقر به - فقد أوجب على نفسه ميثاقًا غليظًا.
وقال مقاتل: الميثاق الغليظ: هو إقرارهم بما عهد اللَّه إليهم في التوراة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ... (١٥٥)
قال الكسائي: " ما " - هاهنا - صلة: فبنقضهم ميثاقهم.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " وكفرهم بآيات اللَّه من بعد ما تبينت ".
وقال مقاتل: فبنقضهم إقرارهم بما في التوراة، وبكفرهم بآيات اللَّه، يعني: بالإنجيل والقرآن، وهم اليهود.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ)
يحتمل على حقيقة القتل، ويحتمل على القصد والهم في ذلك، وقد هموا بقتل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - غير مرة.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال كانوا يقتلون الأنبياء، وأما الرسل - عليهم السلام - فكانوا معصومين، لم يقتل رسول قط؛ ألا ترى أنه قال: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا)، وقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ).
قيل فيه بوجهين:
أحدهما: أنهم قالوا: قلوبنا أوعية للعلم، لا تسمع شيئًا إلا حفظته؛ فالقرآن في هذا الوجه غلف.
والثاني: قالوا: قلوبنا في أَكِنَّة مما تقول، لا تعقل ما تقول؛ فالقراءة في هذا الوجه
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: " وقلنا لهم لا تَعدّوا في السبت ":
وقال أبو معاذ: ويقرأ: " لا تَعَدَّوْا في السبت "؛ على معنى لا تتعدوا، تلقى إحدى، التائين، وإن شئت: تعتدوا، لم تدغم التاء في الدال.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا).
هو ما ذكر، قال ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما -: من أرسل اللَّه إليه رسولا فأقر به - فقد أوجب على نفسه ميثاقًا غليظًا.
وقال مقاتل: الميثاق الغليظ: هو إقرارهم بما عهد اللَّه إليهم في التوراة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ... (١٥٥)
قال الكسائي: " ما " - هاهنا - صلة: فبنقضهم ميثاقهم.
وفي حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " وكفرهم بآيات اللَّه من بعد ما تبينت ".
وقال مقاتل: فبنقضهم إقرارهم بما في التوراة، وبكفرهم بآيات اللَّه، يعني: بالإنجيل والقرآن، وهم اليهود.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ)
يحتمل على حقيقة القتل، ويحتمل على القصد والهم في ذلك، وقد هموا بقتل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - غير مرة.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قال كانوا يقتلون الأنبياء، وأما الرسل - عليهم السلام - فكانوا معصومين، لم يقتل رسول قط؛ ألا ترى أنه قال: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا)، وقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ).
قيل فيه بوجهين:
أحدهما: أنهم قالوا: قلوبنا أوعية للعلم، لا تسمع شيئًا إلا حفظته؛ فالقرآن في هذا الوجه غلف.
والثاني: قالوا: قلوبنا في أَكِنَّة مما تقول، لا تعقل ما تقول؛ فالقراءة في هذا الوجه
غلف فيه.
ثم قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ).
يحتمل أن يكون هذا جوابًا وردًا على قولهم: إن قلوبنا أوعية للعلم، لا تسمع شيئا إلا وعته؛ أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه طبع على قلوبهم بكفرهم؛ فلا يفقهون شيئا، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (١٥٩)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا).
قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قذفوها بالزنا، وهو قولهم: (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا).
وقيل في قوله - تعالى -: (وَبِكُفْرِهِمْ) أي: كفرهم بمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وبالقرآن، وقولهم على مريم ما قالوا: (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا).
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ... (١٥٧)
قيل: سمي مسيحًا؛ لأن جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مسحه بالبركة؛ فهو كالممسوح الفعيل، بمعنى: المفعول، وذلك جائز في اللغة.
وقيل: المسيح، بمعنى: ماسح؛ لأنه كان يمسح المريض والأبرص والأكمه فيبرأ؛ فسمي لذلك مسيحًا، وذلك جائز الفعيل بمعنى فاعل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ...) الآية.
لبعض الناس تعلق بهذه الآية بوجهين:
أحدهما: في احتمال الغلط والخطأ في المشاهدات والمعاينات.
والثاني: في احتمال المتواتر من الأخبار الغلط والكذب؛ وذلك أنه قيل في القصة: إن اليهود طلبت عيسى - عليه السلام - ليقتلوه، فحاصروه في بيت ومعه نفر غير أصحابه من الحواريين، فأدركهم المساء؛ فباتوا يحرسونه؛ فأوحى اللَّه - تعالى - إلى عيسى - عليه
ثم قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ).
يحتمل أن يكون هذا جوابًا وردًا على قولهم: إن قلوبنا أوعية للعلم، لا تسمع شيئا إلا وعته؛ أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه طبع على قلوبهم بكفرهم؛ فلا يفقهون شيئا، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٥٨) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (١٥٩)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا).
قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قذفوها بالزنا، وهو قولهم: (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا).
وقيل في قوله - تعالى -: (وَبِكُفْرِهِمْ) أي: كفرهم بمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وبالقرآن، وقولهم على مريم ما قالوا: (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا).
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ... (١٥٧)
قيل: سمي مسيحًا؛ لأن جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مسحه بالبركة؛ فهو كالممسوح الفعيل، بمعنى: المفعول، وذلك جائز في اللغة.
وقيل: المسيح، بمعنى: ماسح؛ لأنه كان يمسح المريض والأبرص والأكمه فيبرأ؛ فسمي لذلك مسيحًا، وذلك جائز الفعيل بمعنى فاعل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ...) الآية.
لبعض الناس تعلق بهذه الآية بوجهين:
أحدهما: في احتمال الغلط والخطأ في المشاهدات والمعاينات.
والثاني: في احتمال المتواتر من الأخبار الغلط والكذب؛ وذلك أنه قيل في القصة: إن اليهود طلبت عيسى - عليه السلام - ليقتلوه، فحاصروه في بيت ومعه نفر غير أصحابه من الحواريين، فأدركهم المساء؛ فباتوا يحرسونه؛ فأوحى اللَّه - تعالى - إلى عيسى - عليه
409
السلام -: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)؛ فأخبر أصحابه، وقال: أيكم يحب أن يلقى عليه شبهي فيقتل، ويجعله اللَّه يوم القيامة معي وفي درجتي؟ فقال رجل منهم: أنا يا رسول اللَّه؛ فألقى اللَّه - تعالى - عليه شبهه ورفع عيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فلما أصبح القوم أخذوا الذي ألقى اللَّهُ عليه شبهه؛ فقتلوه، وصلبوه.
وقيل: إنه أُلقي شبهه على رجل من اليهود.
وقيل: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لما هموا بقتله التجأ إلى بيت، فدخل فيه، فإذا هم قد جاءوا في طلبه، فدخل رجل منهم البيت ليقتله، فأبطأ عليهم؛ فظنوا أنه قد قتله، فلما خرج وقد أُلقي شبهه عليه؛ فقتلوه، وقالوا لما قتلوا ذلك الرجل، وعندهم أنه عيسى؛ لما كان به شبهه، ثم لم يكن ذلك عيسى فلا يمنع أيضًا أن ما يشاهد ويعاين أنه -في الحقيقة- على غير ذلك، كما شاهد أُولَئِكَ القوم وعاينوا، وعندهم أنه عيسى، ثم لم يكن، واللَّه أعلم.
ثم الخبر -أيضًا- قد تواتر فيهم بقتل عيسى، فكان كذبًا ما يمنع -أيضًا- أن الأخبار المتواترة يجوز أن تخرج كذبًا وغلطًا.
قيل: أما الخبر بقتله إنما انتشر عن ستة أو سبعة؛ على ما ذكر في القصة، والخبر الذي كان انتشاره بذلك القدر من العدد، هو من أخبار الآحاد عندنا.
وأما قوله - تعالى -: (وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ).
يجوز أن يكون ذلك التشبيه تشبيه خبر أنه قتل من إلقاء الشبه على غيره، وقتله حقيقة؛ وذلك أنه ذكر في بعض القصة: أنهم لما طلبوه في ذلك البيت فلم يجدوه، ولم يكن غاب أحد منهم - قالوا: قتلناه؛ لأنهم قالوا: إنه دخل البيت، فدخلوه على أثره، فلم يجدوه - كان ذلك إنباء عن عظيم آيات رسالته؛ فلم يحبوا أن يقولوا ذلك، فقالوا:
وقيل: إنه أُلقي شبهه على رجل من اليهود.
وقيل: إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لما هموا بقتله التجأ إلى بيت، فدخل فيه، فإذا هم قد جاءوا في طلبه، فدخل رجل منهم البيت ليقتله، فأبطأ عليهم؛ فظنوا أنه قد قتله، فلما خرج وقد أُلقي شبهه عليه؛ فقتلوه، وقالوا لما قتلوا ذلك الرجل، وعندهم أنه عيسى؛ لما كان به شبهه، ثم لم يكن ذلك عيسى فلا يمنع أيضًا أن ما يشاهد ويعاين أنه -في الحقيقة- على غير ذلك، كما شاهد أُولَئِكَ القوم وعاينوا، وعندهم أنه عيسى، ثم لم يكن، واللَّه أعلم.
ثم الخبر -أيضًا- قد تواتر فيهم بقتل عيسى، فكان كذبًا ما يمنع -أيضًا- أن الأخبار المتواترة يجوز أن تخرج كذبًا وغلطًا.
قيل: أما الخبر بقتله إنما انتشر عن ستة أو سبعة؛ على ما ذكر في القصة، والخبر الذي كان انتشاره بذلك القدر من العدد، هو من أخبار الآحاد عندنا.
وأما قوله - تعالى -: (وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ).
يجوز أن يكون ذلك التشبيه تشبيه خبر أنه قتل من إلقاء الشبه على غيره، وقتله حقيقة؛ وذلك أنه ذكر في بعض القصة: أنهم لما طلبوه في ذلك البيت فلم يجدوه، ولم يكن غاب أحد منهم - قالوا: قتلناه؛ لأنهم قالوا: إنه دخل البيت، فدخلوه على أثره، فلم يجدوه - كان ذلك إنباء عن عظيم آيات رسالته؛ فلم يحبوا أن يقولوا ذلك، فقالوا:
410
الآية ١٥٧
﴿ وقوله تعالى ﴾١ :﴿ وقولهم إنا قتلنا المسيح ﴾ قيل : سمي المسيح : يعني ماسحا٢ لأنه كان يمسح المريض والأبرص والأكمة، فيبرأ، فسمي لذلك مسيحا وذلك الفعيل بمعنى الفاعل٣، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وقولهم إنا قتلنا المسيح ابن مريم رسول الله ﴾ الآية. لبعض الناس تعلق بهذه الآية بوجهين :
أحدهما : في احتمال الغلط والخطإ في المشاهدات والمعاينات.
والثاني : في احتمال المتواتر من الأخبار والغلط والكذب ؛ وذلك أنه قيل في القصة : إن اليهود طلبت عيسى عليه السلام ليقتلوه، فحاصروه في بيت، ومعه نفر من أصحابه من الحواريين، فأدركهم المساء، فباتوا يحرسون، فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام﴿ إني متوفيك ورافعك إلي ﴾ ( آل عمران : ٥٥ ) فأخبر أصحابه، وقال : أيكم يحب أن يلقي عليه شبهي، فيقتل، ويجعله الله يوم القيامة معي في درجتي ؟ فقال رجل منهم : أنا يا رسول الله، فألقى الله تعالى عليه شبهه، فقتلوه، وصلبوه.
وقيل : إنه صلى الله عليه وسلم لما هموا بقتله التجأ إلى بيت، فدخل، ( فلما )٤ جاؤوا في طلبه دخل رجل منهم البيت لقتله، فأبطأ عليهم، فظنوا أنه يقاتله. فلما خرج، وقد ألقى ( الله )٥ شبهه عليه، قتلوه٦، وقالوا لما قتلوا ذلك( الرجل )٧، وعندهم أنه عيسى لما كان به شبه ٨، قم لم يكن ذلك ما يمنع أيضا أن يشاهد، ويعاين : إنه في الحقيقة على غير ذلك كما شاهده أولئك القوم، وعاينوه، وعندهم أنه عيسى، ثم لم يكن، والله أعلم.
ثم الخبر أيضا قد تواثر فيهم بقتل عيسى، فكان كذبا ما يمنع أيضا أن الأخبار المتواترة بجواز أن تخرج كذبا وغلطا. وقيل٩ : الخبر بقتله إنما انتشر عن ستة أو سبعة على ما ذكر في القصة. والخبر الذي كان انتشاره بذلك القدر من العدد هو١٠ من الأخبار الآحاد عندنا.
وأما قوله تعالى :﴿ ولكن شبه لهم ﴾ ( فإنه )١١ يجوز أن يكون ذلك التشبيه تشبيه خبر أنه قتل من إلقاء الشبه على غيره، وقتله على حقيقة ؛ وذلك أنه ذكر في بعض القصة أنهم لما طلبوه ١٢ في ذلك البيت، فلم يجدوه، ولم يكن غاب واحد منهم، قالوا١٣ : قتلناه لأنهم قالوا : إنه دخل البيت، فدخلوا هم على إثره، فلم يجدوه، وكان١٤ ذلك إنباء عن١٥ عظيم رسالته، فلم يحبوا أن يقولوا ذلك، قالوا : قتلناه كذبا. فذلك تشبيه منهم لهم، والله أعلم.
فإن احتمل هذا لم يكن ما قالوا من تخطئة الغير لهم درك. فقد١٦ كان ما قال أهل التأويل من إلقاء شبهه عليه : ذلك١٧ من آيات رسالته، أراد الله أن تكون آياته قائمة بعد غيته عنهم، وفي حال إقامته بينهم، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ﴾ قيل :﴿ لفي شك ﴾ من قتل عيسى عليه السلام قتل أو لم يقتل. وقيل :﴿ لفي شك منه ﴾ في عيسى أي على شك ؛ يقولون : إنه ابن الله ﴿ ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ﴾ أي ليس لهم بذلك إلا اتباع الظن إلا قول منهم بظنهم في غير يقين﴿ وما قتلوه يقينا ﴾أي ما قتلوا ظنهم يقينا﴿ وما قتلوه يقينا ﴾. وقيل :﴿ وما قتلوه يقينا ﴾أي يقينا ما قتلوه.
﴿ وقوله تعالى ﴾١ :﴿ وقولهم إنا قتلنا المسيح ﴾ قيل : سمي المسيح : يعني ماسحا٢ لأنه كان يمسح المريض والأبرص والأكمة، فيبرأ، فسمي لذلك مسيحا وذلك الفعيل بمعنى الفاعل٣، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وقولهم إنا قتلنا المسيح ابن مريم رسول الله ﴾ الآية. لبعض الناس تعلق بهذه الآية بوجهين :
أحدهما : في احتمال الغلط والخطإ في المشاهدات والمعاينات.
والثاني : في احتمال المتواتر من الأخبار والغلط والكذب ؛ وذلك أنه قيل في القصة : إن اليهود طلبت عيسى عليه السلام ليقتلوه، فحاصروه في بيت، ومعه نفر من أصحابه من الحواريين، فأدركهم المساء، فباتوا يحرسون، فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام﴿ إني متوفيك ورافعك إلي ﴾ ( آل عمران : ٥٥ ) فأخبر أصحابه، وقال : أيكم يحب أن يلقي عليه شبهي، فيقتل، ويجعله الله يوم القيامة معي في درجتي ؟ فقال رجل منهم : أنا يا رسول الله، فألقى الله تعالى عليه شبهه، فقتلوه، وصلبوه.
وقيل : إنه صلى الله عليه وسلم لما هموا بقتله التجأ إلى بيت، فدخل، ( فلما )٤ جاؤوا في طلبه دخل رجل منهم البيت لقتله، فأبطأ عليهم، فظنوا أنه يقاتله. فلما خرج، وقد ألقى ( الله )٥ شبهه عليه، قتلوه٦، وقالوا لما قتلوا ذلك( الرجل )٧، وعندهم أنه عيسى لما كان به شبه ٨، قم لم يكن ذلك ما يمنع أيضا أن يشاهد، ويعاين : إنه في الحقيقة على غير ذلك كما شاهده أولئك القوم، وعاينوه، وعندهم أنه عيسى، ثم لم يكن، والله أعلم.
ثم الخبر أيضا قد تواثر فيهم بقتل عيسى، فكان كذبا ما يمنع أيضا أن الأخبار المتواترة بجواز أن تخرج كذبا وغلطا. وقيل٩ : الخبر بقتله إنما انتشر عن ستة أو سبعة على ما ذكر في القصة. والخبر الذي كان انتشاره بذلك القدر من العدد هو١٠ من الأخبار الآحاد عندنا.
وأما قوله تعالى :﴿ ولكن شبه لهم ﴾ ( فإنه )١١ يجوز أن يكون ذلك التشبيه تشبيه خبر أنه قتل من إلقاء الشبه على غيره، وقتله على حقيقة ؛ وذلك أنه ذكر في بعض القصة أنهم لما طلبوه ١٢ في ذلك البيت، فلم يجدوه، ولم يكن غاب واحد منهم، قالوا١٣ : قتلناه لأنهم قالوا : إنه دخل البيت، فدخلوا هم على إثره، فلم يجدوه، وكان١٤ ذلك إنباء عن١٥ عظيم رسالته، فلم يحبوا أن يقولوا ذلك، قالوا : قتلناه كذبا. فذلك تشبيه منهم لهم، والله أعلم.
فإن احتمل هذا لم يكن ما قالوا من تخطئة الغير لهم درك. فقد١٦ كان ما قال أهل التأويل من إلقاء شبهه عليه : ذلك١٧ من آيات رسالته، أراد الله أن تكون آياته قائمة بعد غيته عنهم، وفي حال إقامته بينهم، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ﴾ قيل :﴿ لفي شك ﴾ من قتل عيسى عليه السلام قتل أو لم يقتل. وقيل :﴿ لفي شك منه ﴾ في عيسى أي على شك ؛ يقولون : إنه ابن الله ﴿ ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ﴾ أي ليس لهم بذلك إلا اتباع الظن إلا قول منهم بظنهم في غير يقين﴿ وما قتلوه يقينا ﴾أي ما قتلوا ظنهم يقينا﴿ وما قتلوه يقينا ﴾. وقيل :﴿ وما قتلوه يقينا ﴾أي يقينا ما قتلوه.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ في الأصل وم: ماسح..
٣ في الأصل وم: فاعل..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ ساقطة من الأصل وم..
٦ في الأصل وم: فقتلوه..
٧ ساقطة من الأصل وم..
٨ في الأصل وم: شبهة..
٩ الواو ساقطة من الأصل وم..
١٠ من م، في الأصل: وهو..
١١ ساقطة من الأصل وم..
١٢ في الأصل وم: طلبوا..
١٣ في الأصل وم: فقالوا..
١٤ الواو ساقطة من الأصل وم..
١٥ في الأصل وم: من..
١٦ في الأصل وم: فلو..
١٧ في الأصل وم: فذلك..
٢ في الأصل وم: ماسح..
٣ في الأصل وم: فاعل..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ ساقطة من الأصل وم..
٦ في الأصل وم: فقتلوه..
٧ ساقطة من الأصل وم..
٨ في الأصل وم: شبهة..
٩ الواو ساقطة من الأصل وم..
١٠ من م، في الأصل: وهو..
١١ ساقطة من الأصل وم..
١٢ في الأصل وم: طلبوا..
١٣ في الأصل وم: فقالوا..
١٤ الواو ساقطة من الأصل وم..
١٥ في الأصل وم: من..
١٦ في الأصل وم: فلو..
١٧ في الأصل وم: فذلك..
قتلناه، كذبًا؛ فذلك تشبيه لهم، واللَّه أعلم.
فإن احتمل هذا - لم يكن ما قالوا من تخطئة العين لهم درك، ولو كان ما قال أهل التأويل من إلقاء شبهه عليه؛ فذلك من آيات رسالته، أراد اللَّه أن تكون آياته قائمة بعد غيبته عنهم، وفي حال إقامته بينهم، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) قيل: لفي شك، من قتل عيسى - عليه السلام - قتل أو لم يقتل؛
وقيل: (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) في عيسى، أي: على الشك يقولون ذلك.
قال اللَّه - تعالى -: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ).
أي: ليس لهم بذلك إلا اتباع الظن: إلا قولا منهم بظنهم في غير يقين.
(وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا).
أي: ما قتلوا ظنهم يقينًا؛ (بَل رفَعَهُ اللَّهُ).
وقيل: (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) أي: يقينًا ما قتلوه.
(بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٥٨)
قيل: عزيزا حين حال بينهم وبين عيسى أن يقتلوه ويصلوا إليه.
(حَكِيمًا).
حكم أن يرفعه اللَّه حيَّا. وعن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه -: (وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) في أن رسله يكونون معصومين، وهو قوله - تعالى -: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ أيضًا -: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢). وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ... (١٥٩)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - تعالى -: (قَبْلَ مَوْتِهِ) هو أي: قبل موت عيسى، إذا نزل من السماء - آمنوا به أجمعين، وبه يقول الحسن.
وقال الكلبي: إن اللَّه - تعالى - إذا أنزل عيسى - عليه السلام - عند مخرج الدجال، فقتل الدجال - يؤمن به بقية أهل الكتاب؛ فلا يبقى يهودي ولا نصراني إلا أسلم.
فإن احتمل هذا - لم يكن ما قالوا من تخطئة العين لهم درك، ولو كان ما قال أهل التأويل من إلقاء شبهه عليه؛ فذلك من آيات رسالته، أراد اللَّه أن تكون آياته قائمة بعد غيبته عنهم، وفي حال إقامته بينهم، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) قيل: لفي شك، من قتل عيسى - عليه السلام - قتل أو لم يقتل؛
وقيل: (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) في عيسى، أي: على الشك يقولون ذلك.
قال اللَّه - تعالى -: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ).
أي: ليس لهم بذلك إلا اتباع الظن: إلا قولا منهم بظنهم في غير يقين.
(وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا).
أي: ما قتلوا ظنهم يقينًا؛ (بَل رفَعَهُ اللَّهُ).
وقيل: (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) أي: يقينًا ما قتلوه.
(بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٥٨)
قيل: عزيزا حين حال بينهم وبين عيسى أن يقتلوه ويصلوا إليه.
(حَكِيمًا).
حكم أن يرفعه اللَّه حيَّا. وعن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه -: (وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) في أن رسله يكونون معصومين، وهو قوله - تعالى -: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ أيضًا -: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢). وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ... (١٥٩)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - تعالى -: (قَبْلَ مَوْتِهِ) هو أي: قبل موت عيسى، إذا نزل من السماء - آمنوا به أجمعين، وبه يقول الحسن.
وقال الكلبي: إن اللَّه - تعالى - إذا أنزل عيسى - عليه السلام - عند مخرج الدجال، فقتل الدجال - يؤمن به بقية أهل الكتاب؛ فلا يبقى يهودي ولا نصراني إلا أسلم.
411
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) أي: قبل موت الكتابي؛ لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى، عليه السلام. وكذلك رُوي عن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه -: قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى - عليه السلام -، قيل: وإن ضرب بالسيف؟ قال: وإن ضرب بالسيف.
وقال: هي في حرف أُبَي: " إلا ليؤمنن به قبل موتهم ".
لكن التأويل إن كان هو الثاني؛ فهو في رؤسائهم الذين كانت لهم الرياسة، فلم يؤمنوا؛ خوفًا على ذهاب تلك الرياسة والمنافع التي كانت لهم، فلما حضرهم الموت أيقنوا بذهاب ذلك عنهم؛ فعند ذلك يؤمنون، وهو - واللَّه أعلم - كقوله - تعالى -: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ...) الآية، لكن لا ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت؛ كقوله - تعالى -: (لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ)؛ لأنه إيمانُ دفع العذاب والاضطرار؛ كقوله - تعالى -: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ...) الآية؛ فكان إيمانهم إيمان دفع العذاب عن أنفسهم، لا إيمان حقيقة؛ لأنه لو كان إيمان حقيقة لقبل، ولكن إيمان دفع العذاب؛ كقول فرعون حين أدركه الغرق: (قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ)، فلم يقبل منه ذلك؛ لأنه إيمان دفع العذاب، وإيمان الاضطرار، لا إيمان حقيقة؛ فعلى ذلك الأول، وباللَّه التوفيق.
وقيل في حرف ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: " وإن من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن به قبل موته ".
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: " وإن كل أهل الكتاب لما ليؤمنن به قبل موته ".
وقيل: (إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ) قيل: باللَّه.
وقيل: بعيسى.
وقال: هي في حرف أُبَي: " إلا ليؤمنن به قبل موتهم ".
لكن التأويل إن كان هو الثاني؛ فهو في رؤسائهم الذين كانت لهم الرياسة، فلم يؤمنوا؛ خوفًا على ذهاب تلك الرياسة والمنافع التي كانت لهم، فلما حضرهم الموت أيقنوا بذهاب ذلك عنهم؛ فعند ذلك يؤمنون، وهو - واللَّه أعلم - كقوله - تعالى -: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ...) الآية، لكن لا ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت؛ كقوله - تعالى -: (لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ)؛ لأنه إيمانُ دفع العذاب والاضطرار؛ كقوله - تعالى -: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ...) الآية؛ فكان إيمانهم إيمان دفع العذاب عن أنفسهم، لا إيمان حقيقة؛ لأنه لو كان إيمان حقيقة لقبل، ولكن إيمان دفع العذاب؛ كقول فرعون حين أدركه الغرق: (قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ)، فلم يقبل منه ذلك؛ لأنه إيمان دفع العذاب، وإيمان الاضطرار، لا إيمان حقيقة؛ فعلى ذلك الأول، وباللَّه التوفيق.
وقيل في حرف ابن مسعود - رضي اللَّه عنه -: " وإن من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن به قبل موته ".
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: " وإن كل أهل الكتاب لما ليؤمنن به قبل موته ".
وقيل: (إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ) قيل: باللَّه.
وقيل: بعيسى.
412
الآية ١٥٩ وقوله تعالى :﴿ وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ﴾ اختلف فيه : قال بعضهم : قوله تعالى :﴿ قبل موته ﴾ أي قبل موت عيسى إذا أنزل من السماء آمنوا به أجمعون. وبه يقول الحسن. وقال الكلبي :( إن الله تعالى إذا أنزل عيسى عليه السلام عند مخرج الدجال يؤمن به بقية أهل الكتاب فلا يبقى يهودي ولا نصراني إلا أسلم ).
وقال بعضهم :﴿ إلا ليؤمن به قبل موته ﴾ أي قبل موت الكتابي ؛ لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى عليه السلام. وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنه( أنه )١ قال :( لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى عليه السلام ) قيل : وإن ضرب بالسيف. وقيل٢ في حرف أبي ( بن كعب )٣ : لما يؤمن به قبل موته.
لكن التأويل إن كان هو الثاني فهو في رؤسائهم الذين كانت لهم رئاسة، فلم يؤمنوا خوفا على ذهاب تلك الرئاسة والمنافع التي كانت لهم. فلما حضرت الموت أيقنوا بذهاب ذلك عنهم. فعند ذلك يؤمنون ؛ وهو، والله أعلم، كقوله تعالى :﴿ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا /١١٩-ب/ حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ﴾( النساء : ١٨ ) لكن لا ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت كقوله تعالى :﴿ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ﴾ ( الأنعام : ١٥٨ ) لأنه٤ إيمان دفع العذاب والاضطرار كقوله تعالى :﴿ فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده ﴾ الآية ( غافر : ٨٤ ) فكان إيمانهم إيمان دفع العذاب عن أنفسهم لا إيمان حقيقة، لأنه لو كان إيمان حقيقة لقبل، ولكن إيمان دفع كقول فرعون ﴿ حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل ﴾ ( يونس : ٩٠ ) فلم يقبل ذلك منه لأنه إيمان دفع العذاب وإيمان اضطرار لا إيمان حقيقة. فعلى ذلك ( هذا )٥ وبالله التوفيق.
وقيل في حرف ابن مسعود رضي الله عنه :﴿ وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ﴾. وفي حرف حفصة رضي الله عنه وإن كل أهل الكتاب ليؤمنن به. قيل : بالله، وقيل : بعيسى، وقيل : بمحمد صلى الله عليه وسلم، ( وذلك أن عيسى عليه السلام )٦ إذ أنزل٧ يدعو الناس إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى :﴿ ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ﴾ فإنه قد بلغ رسالة ربه إليهم، وأقر على نفسه بالعبودة. وقيل : الشهيد الحافظ. وقيل :﴿ ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ﴾ يكون محمد عليهم شهيدا. وهذا كله محتمل، والله أعلم بما أراد.
وقال بعضهم :﴿ إلا ليؤمن به قبل موته ﴾ أي قبل موت الكتابي ؛ لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى عليه السلام. وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنه( أنه )١ قال :( لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى عليه السلام ) قيل : وإن ضرب بالسيف. وقيل٢ في حرف أبي ( بن كعب )٣ : لما يؤمن به قبل موته.
لكن التأويل إن كان هو الثاني فهو في رؤسائهم الذين كانت لهم رئاسة، فلم يؤمنوا خوفا على ذهاب تلك الرئاسة والمنافع التي كانت لهم. فلما حضرت الموت أيقنوا بذهاب ذلك عنهم. فعند ذلك يؤمنون ؛ وهو، والله أعلم، كقوله تعالى :﴿ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا /١١٩-ب/ حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ﴾( النساء : ١٨ ) لكن لا ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت كقوله تعالى :﴿ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ﴾ ( الأنعام : ١٥٨ ) لأنه٤ إيمان دفع العذاب والاضطرار كقوله تعالى :﴿ فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده ﴾ الآية ( غافر : ٨٤ ) فكان إيمانهم إيمان دفع العذاب عن أنفسهم لا إيمان حقيقة، لأنه لو كان إيمان حقيقة لقبل، ولكن إيمان دفع كقول فرعون ﴿ حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل ﴾ ( يونس : ٩٠ ) فلم يقبل ذلك منه لأنه إيمان دفع العذاب وإيمان اضطرار لا إيمان حقيقة. فعلى ذلك ( هذا )٥ وبالله التوفيق.
وقيل في حرف ابن مسعود رضي الله عنه :﴿ وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ﴾. وفي حرف حفصة رضي الله عنه وإن كل أهل الكتاب ليؤمنن به. قيل : بالله، وقيل : بعيسى، وقيل : بمحمد صلى الله عليه وسلم، ( وذلك أن عيسى عليه السلام )٦ إذ أنزل٧ يدعو الناس إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى :﴿ ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ﴾ فإنه قد بلغ رسالة ربه إليهم، وأقر على نفسه بالعبودة. وقيل : الشهيد الحافظ. وقيل :﴿ ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ﴾ يكون محمد عليهم شهيدا. وهذا كله محتمل، والله أعلم بما أراد.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ في الأصل وم: وقال: هي..
٣ ساقطة من الأصل وم..
٤ من م، في الأصل: لأنها..
٥ ساقطة من الأصل وم..
٦ ساقطة من الأصل وم..
٧ في الأصل وم: نزل..
٢ في الأصل وم: وقال: هي..
٣ ساقطة من الأصل وم..
٤ من م، في الأصل: لأنها..
٥ ساقطة من الأصل وم..
٦ ساقطة من الأصل وم..
٧ في الأصل وم: نزل..
وقيل: بمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ ذلك أن عيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إذا نزل يدعو الناس إلى الإيمان بمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)
قيل: إنه يكون عليهم شهيدًا بأنه قد بلغ رسالة ربه إليهم، وأقر على نفسه بالعبودية.
وقيل: الشهيد: الحافظ.
وقيل: " ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا ".
وقيل: يكون مُحَمَّد عليهم شهيدًا، وهذا كله محتمل، واللَّه أعلم ما أراد.
* * *
قوله تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦١) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (١٦٢)
وقوله: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ)
لولا آية أخرى سوى هذه؛ وإلا صرفنا قوله - سبحانه وتعالى -: (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ) على المنع، دون حقيقة التحريم؛ لأنهم أهل كفر؛ فلا يبالون ما يتناولون من المحرم والمحلل، ولا يمتنعون عن التناول من ذلك؛ فإذا كان ما ذكرنا - فيجيء أن يعود تأويل الآية إلى المنع؛ كقوله - تعالى -: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ)، فليس هو على التحريم؛ ولكن على المنع؛ أي: منعناه؛ فلم يأخذ من لبن المراضع دون لبن أمه؛ فعلى ذلك يجب أن يكون الأول.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)
قيل: إنه يكون عليهم شهيدًا بأنه قد بلغ رسالة ربه إليهم، وأقر على نفسه بالعبودية.
وقيل: الشهيد: الحافظ.
وقيل: " ويوم القيامة يكون عيسى عليهم شهيدا ".
وقيل: يكون مُحَمَّد عليهم شهيدًا، وهذا كله محتمل، واللَّه أعلم ما أراد.
* * *
قوله تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦١) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (١٦٢)
وقوله: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ)
لولا آية أخرى سوى هذه؛ وإلا صرفنا قوله - سبحانه وتعالى -: (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ) على المنع، دون حقيقة التحريم؛ لأنهم أهل كفر؛ فلا يبالون ما يتناولون من المحرم والمحلل، ولا يمتنعون عن التناول من ذلك؛ فإذا كان ما ذكرنا - فيجيء أن يعود تأويل الآية إلى المنع؛ كقوله - تعالى -: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ)، فليس هو على التحريم؛ ولكن على المنع؛ أي: منعناه؛ فلم يأخذ من لبن المراضع دون لبن أمه؛ فعلى ذلك يجب أن يكون الأول.
ثم المنع لهم يكون من وجهين:
أحدهما: منع من جهة منع الإنزال؛ لقلة الأمطار والقحط؛ كسني يوسف - عليه السلام - وسني مكة، على ما كان لهم من القحط.
والثاني: منع من جهة الخلق: ألا يعطوا شيئًا، لا بيعًا ولا شراء ولا معروفًا.
ولكن في آية أخرى بيان أن قوله: (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) - أنه على التحريم، ليس على المنع، وهو قوله: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ): أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن ذلك جزاء بغيهم؛ فدل ما ذكرنا في الآية أن ذلك على حقيقة التحريم؛ لما يحتمل أن يكونوا لا يستحلون ما ذكر في الآية، ولكن كانوا يتناولون الربا على غير الاستحلال؛ فحرم ذلك عليهم.
وفي قوله - تعالى -: (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) دلالة لأصحابنا - رحمهم اللَّه - في قولهم: إن من قد أَقَرَّ، فقال: هذا الشيء لفلان اشتريته منه - أنه له، ولا يؤخذ منه؛ وإلا في ظاهر قوله: هذا الشيء لفلان اشتريته منه - أنه إذا اشتراه منه لا يكون لفلان؛ فيكون ذلك منه إقرارًا له، لكنه على الإضمار؛ كأنه قال: هذا الشيء كان لفلان اشتريته منه.
وكذلك قوله: (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) أي: كانت أحلت لهم، وكذلك في حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحرف ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما -: " حرمنا عليهم طيبات كانت أحلت لهم ".
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا)
أي: بصدهم الناس عن سبيل اللَّه كثيرًا، يحتمل هذا وجهين:
يحتمل: أنهم صدوا من يستجهلون ويستسفهون عن سبيل اللَّه: كانوا يدلون على الباطل وعلى غير سبيل اللَّه، فذلك الصد محتمل.
ويحتمل: أنهم كانوا يصدون عن سبيل اللَّه بالقتال والحرب.
وقوله: (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ... (١٦١)
أحدهما: منع من جهة منع الإنزال؛ لقلة الأمطار والقحط؛ كسني يوسف - عليه السلام - وسني مكة، على ما كان لهم من القحط.
والثاني: منع من جهة الخلق: ألا يعطوا شيئًا، لا بيعًا ولا شراء ولا معروفًا.
ولكن في آية أخرى بيان أن قوله: (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) - أنه على التحريم، ليس على المنع، وهو قوله: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ): أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن ذلك جزاء بغيهم؛ فدل ما ذكرنا في الآية أن ذلك على حقيقة التحريم؛ لما يحتمل أن يكونوا لا يستحلون ما ذكر في الآية، ولكن كانوا يتناولون الربا على غير الاستحلال؛ فحرم ذلك عليهم.
وفي قوله - تعالى -: (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) دلالة لأصحابنا - رحمهم اللَّه - في قولهم: إن من قد أَقَرَّ، فقال: هذا الشيء لفلان اشتريته منه - أنه له، ولا يؤخذ منه؛ وإلا في ظاهر قوله: هذا الشيء لفلان اشتريته منه - أنه إذا اشتراه منه لا يكون لفلان؛ فيكون ذلك منه إقرارًا له، لكنه على الإضمار؛ كأنه قال: هذا الشيء كان لفلان اشتريته منه.
وكذلك قوله: (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) أي: كانت أحلت لهم، وكذلك في حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وحرف ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنهما -: " حرمنا عليهم طيبات كانت أحلت لهم ".
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا)
أي: بصدهم الناس عن سبيل اللَّه كثيرًا، يحتمل هذا وجهين:
يحتمل: أنهم صدوا من يستجهلون ويستسفهون عن سبيل اللَّه: كانوا يدلون على الباطل وعلى غير سبيل اللَّه، فذلك الصد محتمل.
ويحتمل: أنهم كانوا يصدون عن سبيل اللَّه بالقتال والحرب.
وقوله: (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ... (١٦١)
414
دل أن الربا لم يزل محرمًا على الأمم كلها كما حرم على هذه الأمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ)
يحتمل هذا وجهين:
يحتمل أكل أموالهم بالباطل: هو الرشوة؛ كقوله - تعالى -: (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ)، قيل: هو الرشوة.
وقيل: ما كانوا ينالون من أموال الأتباع والسفلة؛ بتحريفهم التوراة لهم، وهو قول ابن عباس، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
الآية ظاهرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ)
يحتمل هذا وجهين:
يحتمل أكل أموالهم بالباطل: هو الرشوة؛ كقوله - تعالى -: (وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ)، قيل: هو الرشوة.
وقيل: ما كانوا ينالون من أموال الأتباع والسفلة؛ بتحريفهم التوراة لهم، وهو قول ابن عباس، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
الآية ظاهرة.
415
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ... (١٦٢)
استثنى الراسخين في العلم منهم. والرسخ: هو ثبات الشيء في القلب؛ يقال: رسخ العلم في القلب، ورسخ الإيمان في القلب.
وقوله: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ)
[رُويَ عن عائشة - رضي اللَّه عنها - أنها قالت: هذا خطأ من الكاتب؛ هو: " المقيمون الصلاة، والمؤتون الزكاة "] (١).
وكذلك في حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " والمقيمون الصلاة والمؤتون الزكاة ".
وقال الكسائي: وجه قراءتنا: (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ
استثنى الراسخين في العلم منهم. والرسخ: هو ثبات الشيء في القلب؛ يقال: رسخ العلم في القلب، ورسخ الإيمان في القلب.
وقوله: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ)
[رُويَ عن عائشة - رضي اللَّه عنها - أنها قالت: هذا خطأ من الكاتب؛ هو: " المقيمون الصلاة، والمؤتون الزكاة "] (١).
وكذلك في حرف ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " والمقيمون الصلاة والمؤتون الزكاة ".
وقال الكسائي: وجه قراءتنا: (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ
(١) هذه الرواية لا تثبت ولا تصح، وهي من وضع الزنادقة. واللَّه أعلم. (مصحح النسخة الإلكترونية).
416
الصَّلَاةَ) يقول: يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ويؤمنون بإقامة الصلاة؛ كما قال - عَزَّ وَجَلَّ - في سورة البقرة (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ)، معناه: ولكن البر الإيمان بِاللَّهِ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - تعالى -: (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) يعني: الرسل.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله - تعالى -: (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) يعني: الرسل.
417
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: " لكن الراسخون في العلم يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك المقيمين الصلاة المؤتين الزكاة والمؤمنون باللَّه واليوم الآخر سوف نؤتيهم أجرًا عظيمًا "، وكذلك في حرف أبي: (المُقِيمِينَ الصَّلاةَ) بالنصب.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (١٦٣) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٦٥) لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (١٦٦)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ)
قيل فيه بوجوه:
قيل: قوله: (كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ) الكاف صلة زائدة، ومعناه: إنا أوحينا إليك ما أوحينا إلى نوح ومن ذكر من بعده، أي: لا يختلف ما أنزل إليك وما أنزل إلى غيرك من الرسل؛ وهو كقوله - تعالى - (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)، (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى).
وقيل: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) من الحجج والآيات " كما أوحينا إلى نوح " ومن ذكر من الحجج والآيات على صدق ما ادعوا، أي: قد أعطاك اللَّه، من الحجج والآيات ما يدل على رسالتك ونبوتك؛ كما أعطى أُولَئِكَ من الحجج والآيات على صدق ما ادعوا من الرسالة والنبوة، ثم لم يؤمنوا.
وقيل: إن اليهود قالوا: إن محمدًا لو كان رسولا - لكان يؤتى كتابًا جملة، كما أوتي موسى كتابًا جملة من غير وحي؛ فقال اللَّه - تعالى -: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) وحيًا من غير أن أوتي كل منهم كتابًا جملة كما أوتي موسى، ثم كان أُولَئِكَ رسلاً؛ فعلى ذلك مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - رسول وإن لم يؤت كتابًا كما أوتي موسى، ولله أن يفعل ذلك: يؤتي من شاء كتابًا جملة مرة، ومن شاء يوحي إليه بالتفاريق، واللَّه أعلم
* * *
قوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (١٦٣) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٦٥) لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (١٦٦)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ)
قيل فيه بوجوه:
قيل: قوله: (كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ) الكاف صلة زائدة، ومعناه: إنا أوحينا إليك ما أوحينا إلى نوح ومن ذكر من بعده، أي: لا يختلف ما أنزل إليك وما أنزل إلى غيرك من الرسل؛ وهو كقوله - تعالى - (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)، (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى).
وقيل: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) من الحجج والآيات " كما أوحينا إلى نوح " ومن ذكر من الحجج والآيات على صدق ما ادعوا، أي: قد أعطاك اللَّه، من الحجج والآيات ما يدل على رسالتك ونبوتك؛ كما أعطى أُولَئِكَ من الحجج والآيات على صدق ما ادعوا من الرسالة والنبوة، ثم لم يؤمنوا.
وقيل: إن اليهود قالوا: إن محمدًا لو كان رسولا - لكان يؤتى كتابًا جملة، كما أوتي موسى كتابًا جملة من غير وحي؛ فقال اللَّه - تعالى -: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) وحيًا من غير أن أوتي كل منهم كتابًا جملة كما أوتي موسى، ثم كان أُولَئِكَ رسلاً؛ فعلى ذلك مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - رسول وإن لم يؤت كتابًا كما أوتي موسى، ولله أن يفعل ذلك: يؤتي من شاء كتابًا جملة مرة، ومن شاء يوحي إليه بالتفاريق، واللَّه أعلم
بذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ...) ومن ذكر.
يحتمل ذكر إبراهيم ومن ذكر من أولاده بعد قوله: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ) - على التخصيص لإبراهيم ومن ذكر؛ لأنه ذكر النبيين من بعد نوح؛ فدخلوا فيه، ثم خصهم بالذكر؛ تفضيلأ وتخصيصًا لهم.
ويحتمل أن يكون قوله - تعالى -: (وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ): الرسل الذين كانوا بعد نوح قبل إبراهيم، ثم ابتدأ الكلام فقال: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ...) ومن ذكر.
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح، وكما أوحينا إلى الرسل من بعدهم، وكما أوحينا إلى إبراهيم "؛ فهذا يدل على ما ذكرنا من ابتداء الذكر لهم، واللَّه أعلم.
والآية ترد على القرامطة مذهبهم؛ لأنهم يقولون: الرسل ستة، سابعهم قائم الزمان؛ لأنه ذكر في الآية من الرسل أكثر من عشرة؛ فظهر كذبهم بذلك، ومخايلهم التي سول لهم الشيطان وزين في قلوبهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ... (١٦٤)
ذكر في بعض القصة: أن اليهود قالوا: ما بال موسى لم يذكر فيمن ذكر من الأنبياء؟ فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) هَؤُلَاءِ بمكة في " الأنعام " وفي غيرها؛ لأنه قيل: إن هذه السورة مدنية.
ثم في قوله: (وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) دلائل من وجوه:
أحدها: أن معرفة الرسل بأجمعهم واحدًا بعد واحد - ليس من شرط الإيمان بعد أن يؤمن بهم جميعًا؛ لأنه أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن من الرسل من لم يقصصهم عليه، ولو كان معرفتهم من شرط الإيمان لقصهم عليه جميعًا، لا يحتمل ترك ذلك؛ دل أنه ليس ذلك من شرط الإيمان، واللَّه أعلم.
والثاني: أن الإيمان ليس هو المعرفة، ولكنه التصديق؛ لأنه لم يؤخذ عليه عدم معرفة الرسل، وأخذ بتصديقهم والإيمان بهم جملة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ...) ومن ذكر.
يحتمل ذكر إبراهيم ومن ذكر من أولاده بعد قوله: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ) - على التخصيص لإبراهيم ومن ذكر؛ لأنه ذكر النبيين من بعد نوح؛ فدخلوا فيه، ثم خصهم بالذكر؛ تفضيلأ وتخصيصًا لهم.
ويحتمل أن يكون قوله - تعالى -: (وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ): الرسل الذين كانوا بعد نوح قبل إبراهيم، ثم ابتدأ الكلام فقال: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ...) ومن ذكر.
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح، وكما أوحينا إلى الرسل من بعدهم، وكما أوحينا إلى إبراهيم "؛ فهذا يدل على ما ذكرنا من ابتداء الذكر لهم، واللَّه أعلم.
والآية ترد على القرامطة مذهبهم؛ لأنهم يقولون: الرسل ستة، سابعهم قائم الزمان؛ لأنه ذكر في الآية من الرسل أكثر من عشرة؛ فظهر كذبهم بذلك، ومخايلهم التي سول لهم الشيطان وزين في قلوبهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ... (١٦٤)
ذكر في بعض القصة: أن اليهود قالوا: ما بال موسى لم يذكر فيمن ذكر من الأنبياء؟ فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) هَؤُلَاءِ بمكة في " الأنعام " وفي غيرها؛ لأنه قيل: إن هذه السورة مدنية.
ثم في قوله: (وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) دلائل من وجوه:
أحدها: أن معرفة الرسل بأجمعهم واحدًا بعد واحد - ليس من شرط الإيمان بعد أن يؤمن بهم جميعًا؛ لأنه أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أن من الرسل من لم يقصصهم عليه، ولو كان معرفتهم من شرط الإيمان لقصهم عليه جميعًا، لا يحتمل ترك ذلك؛ دل أنه ليس ذلك من شرط الإيمان، واللَّه أعلم.
والثاني: أن الإيمان ليس هو المعرفة، ولكنه التصديق؛ لأنه لم يؤخذ عليه عدم معرفة الرسل، وأخذ بتصديقهم والإيمان بهم جملة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا).
اختلف فيه: قَالَ بَعْضُهُمْ: خلق اللَّه كلامًا وصوتًا، وألقى ذلك في مسامعه.
وقال آخرون: كتب له كتابا فكلمه بذلك؛ فذلك معنى قوله: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) لا أن كلمه بكلامه، ولا ندري كيف كان؟ سوى أنا نعلم أنه أحدث صوتًا لم يكن، فأسمع موسى ذلك كيف شاء، وما شاء، وممن شاء؛ لأن كلامه الذي هو موصوف به في الأزل لا يوصف بالحروف، ولا بالهجاء، ولا بالصوت، ولا بشيء مما يوصف به كلام الخلق بحال. وما يقال: هذا كلام اللَّه - إنما يُقال على الموافقة والمجاز؛ كقوله: (حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ)، ولا سبيل له أن يسمع كلام اللَّه الذي هو موصوف به بالأزل؛ ولكنه على الموافقة والمجاز يقال ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) يخرج هذا - واللَّه أعلم - مخرج التخصيص له؛ إذ ما من رسول إلا وقد كان له خصوصية، والكلام خصوصية لموسى - عليه السلام - إذ كلمه من غير أن كان ثمة سفير ورسول، وكان لسائر الرسل وحيًا يوحي إليهم؛ أي: دليل برسول، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) دل المصدر على تحقيق الكلام؛ إذ المصادر مما يؤكد حقائق ما له المصادر في موضوع اللغة، وأيد ذلك الأمر المشهور من تسمية موسى: كليم اللَّه، وما جرى على ألسن الخلق من القول بأن اللَّه كلم موسى؛ فثبت أنه كان له فيما كلمه خصوصية لم يشركه فيها غيره من الرسل، وعلى حق الوحي لمانزال الكتب له شركاء في ذلك من الرسل؛ فثبت أن لما وصف به موسى خصوصية بايَنَ بها غيره؛ على ما ذكره من خصوصية كثير من الرسل بأسماء أو نعوت أوجبت لهم الفضيلة بها، وإن كان حمل ما يحتمل تلك الخصوصية - قد يتوجه إلى ما قد يشترك في ذلك جملة الرسل؛ فعلى ذلك أمر تكليم موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ... (١٦٥)
أخبر أنه بعث الرسل بالبشارة في العاقبة لمن أطاعه، والإنذار لمن عصاه؛ فهذا ليعلم أن كل أمر لا عاقبة له فهو عبث، ليس من الحكمة، وأن الذي دعا الرسلُ الخلق إليه إنما دعوا لأمر له عاقبة؛ إذ في عقل كل أحد أن كل أمر لا عاقبة له ليس بحكمة؛ فهذا - والله
اختلف فيه: قَالَ بَعْضُهُمْ: خلق اللَّه كلامًا وصوتًا، وألقى ذلك في مسامعه.
وقال آخرون: كتب له كتابا فكلمه بذلك؛ فذلك معنى قوله: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) لا أن كلمه بكلامه، ولا ندري كيف كان؟ سوى أنا نعلم أنه أحدث صوتًا لم يكن، فأسمع موسى ذلك كيف شاء، وما شاء، وممن شاء؛ لأن كلامه الذي هو موصوف به في الأزل لا يوصف بالحروف، ولا بالهجاء، ولا بالصوت، ولا بشيء مما يوصف به كلام الخلق بحال. وما يقال: هذا كلام اللَّه - إنما يُقال على الموافقة والمجاز؛ كقوله: (حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ)، ولا سبيل له أن يسمع كلام اللَّه الذي هو موصوف به بالأزل؛ ولكنه على الموافقة والمجاز يقال ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) يخرج هذا - واللَّه أعلم - مخرج التخصيص له؛ إذ ما من رسول إلا وقد كان له خصوصية، والكلام خصوصية لموسى - عليه السلام - إذ كلمه من غير أن كان ثمة سفير ورسول، وكان لسائر الرسل وحيًا يوحي إليهم؛ أي: دليل برسول، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) دل المصدر على تحقيق الكلام؛ إذ المصادر مما يؤكد حقائق ما له المصادر في موضوع اللغة، وأيد ذلك الأمر المشهور من تسمية موسى: كليم اللَّه، وما جرى على ألسن الخلق من القول بأن اللَّه كلم موسى؛ فثبت أنه كان له فيما كلمه خصوصية لم يشركه فيها غيره من الرسل، وعلى حق الوحي لمانزال الكتب له شركاء في ذلك من الرسل؛ فثبت أن لما وصف به موسى خصوصية بايَنَ بها غيره؛ على ما ذكره من خصوصية كثير من الرسل بأسماء أو نعوت أوجبت لهم الفضيلة بها، وإن كان حمل ما يحتمل تلك الخصوصية - قد يتوجه إلى ما قد يشترك في ذلك جملة الرسل؛ فعلى ذلك أمر تكليم موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ... (١٦٥)
أخبر أنه بعث الرسل بالبشارة في العاقبة لمن أطاعه، والإنذار لمن عصاه؛ فهذا ليعلم أن كل أمر لا عاقبة له فهو عبث، ليس من الحكمة، وأن الذي دعا الرسلُ الخلق إليه إنما دعوا لأمر له عاقبة؛ إذ في عقل كل أحد أن كل أمر لا عاقبة له ليس بحكمة؛ فهذا - والله
أعلم - معنى قوله: (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) مبشرين، لمن أطاع اللَّه بالجنة، ومنذرين لمن عصاه بالنار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ).
يحتمل هذا وجهين:
يحتمل: لئلا يكون للناس على اللَّه - تعالى - الاحتجاج بأنه لم يرسل الرسل إلينا، وإن لم يكن لهم في - الحقيقة - عند اللَّه - تعالى - ذلك؛ فيقولوا: (لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى).
ويحتمل قوله - تعالى -: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) حقيقة الحجة، لكن ذلك إنما يكون في العبادات والشرائع التي سبيل معرفتها السمع لا العقل، وأما الدِّين فإن سبيل لزومه بالعقل؛ فلا يكون لهم في ذلك على اللَّه حجة؛ إذ في خلقة كل أحد من الدلائل ما لو تأمل وتفكر فيها لدلته على هيبته، وعلى وحدانيته وربوبيته؛ لكن بعث الرسل لقطع الاحتجاج لهم عنه، وإن لم تكن لهم الحجة.
وإن كان على حقيقة الحجة فهو في العبادات والشرائع؛ فبعث الرسل على قطع الحجة لهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)
أي: لا يعجزه شيء عن إعزاز من أراد أن يعزه، ولا على إذلال من أراد إذلاله.
(حَكِيمًا): يعرف وضع كل شيء موضعه. وقد ذكرنا تأويله في غير موضع.
وتوبه - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ... (١٦٦)
قيل فيه بوجهين:
قيل: يشهد اللَّه يوم القيامة -والملائكة يشهدون أيضًا- أن هذا القرآن الذي أنزل إليك إنما أنزل من عند اللَّه، لا كما يقولون: (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ)، (مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى)، (إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ)، كما قالوا.
وقيل: قوله: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ) أي: يبين بالآيات والحجج التي يعجز الخلائق عن إتيان مثلها، وتلزمهم الإقرار بأنه إنما أنزل من عند اللَّه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ).
يحتمل هذا وجهين:
يحتمل: لئلا يكون للناس على اللَّه - تعالى - الاحتجاج بأنه لم يرسل الرسل إلينا، وإن لم يكن لهم في - الحقيقة - عند اللَّه - تعالى - ذلك؛ فيقولوا: (لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى).
ويحتمل قوله - تعالى -: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) حقيقة الحجة، لكن ذلك إنما يكون في العبادات والشرائع التي سبيل معرفتها السمع لا العقل، وأما الدِّين فإن سبيل لزومه بالعقل؛ فلا يكون لهم في ذلك على اللَّه حجة؛ إذ في خلقة كل أحد من الدلائل ما لو تأمل وتفكر فيها لدلته على هيبته، وعلى وحدانيته وربوبيته؛ لكن بعث الرسل لقطع الاحتجاج لهم عنه، وإن لم تكن لهم الحجة.
وإن كان على حقيقة الحجة فهو في العبادات والشرائع؛ فبعث الرسل على قطع الحجة لهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)
أي: لا يعجزه شيء عن إعزاز من أراد أن يعزه، ولا على إذلال من أراد إذلاله.
(حَكِيمًا): يعرف وضع كل شيء موضعه. وقد ذكرنا تأويله في غير موضع.
وتوبه - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ... (١٦٦)
قيل فيه بوجهين:
قيل: يشهد اللَّه يوم القيامة -والملائكة يشهدون أيضًا- أن هذا القرآن الذي أنزل إليك إنما أنزل من عند اللَّه، لا كما يقولون: (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ)، (مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى)، (إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ)، كما قالوا.
وقيل: قوله: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ) أي: يبين بالآيات والحجج التي يعجز الخلائق عن إتيان مثلها، وتلزمهم الإقرار بأنه إنما أنزل من عند اللَّه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) يحتمل وجهين:
أنزله بالآيات والحجج ما يعلم أنها آيات الربوبية والحجج السماوية.
ويحتمل: (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أي: أنزله على علم منه بمن يقبل ومن لا يقبل، ليس كما يبعث ملوك الأرض بعضهم إلى بعض رسائل وهدايا لا يعلمون قبولها ولا ردها، ولا علم لهم بمن يقبلها وبمن يردها، ولو كان لهم بذلك علم ما أرسلوا الرسل، ولا بعثوا الهدايا؛ إذا علموا أنهم لا يقبلون؛ فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه على علم منه أنزل بمن يقبل وبمن يرد، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)
أي: شاهدًا على ما ذكرنا من شهادته يوم القيامة على أحد التأويلين أنه أنزله.
ويحتمل قوله: (شَهِيدًا) أي: مبينًا، أي: كفى باللَّه مبينًا بالآيات والحجج.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: لما أنزل اللَّه: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) إلى قوله: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ...) الآية - قالت قريش: من يشهد لك أن ما تقول حق؟ فأنزل اللَّه - تعالى -: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)، وأنزل (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) الآية.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (١٦٩) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧٠)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)
أي: كفروا بآيات اللَّه.
(وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا)
أي: قد تاهوا وتحيروا تحيرًا طويلا.
ويحتمل: (قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا) أي: هلكوا هلاكًا لا نجاة لهم، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم في غير موضع.
أنزله بالآيات والحجج ما يعلم أنها آيات الربوبية والحجج السماوية.
ويحتمل: (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) أي: أنزله على علم منه بمن يقبل ومن لا يقبل، ليس كما يبعث ملوك الأرض بعضهم إلى بعض رسائل وهدايا لا يعلمون قبولها ولا ردها، ولا علم لهم بمن يقبلها وبمن يردها، ولو كان لهم بذلك علم ما أرسلوا الرسل، ولا بعثوا الهدايا؛ إذا علموا أنهم لا يقبلون؛ فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه على علم منه أنزل بمن يقبل وبمن يرد، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)
أي: شاهدًا على ما ذكرنا من شهادته يوم القيامة على أحد التأويلين أنه أنزله.
ويحتمل قوله: (شَهِيدًا) أي: مبينًا، أي: كفى باللَّه مبينًا بالآيات والحجج.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رضي اللَّه عنه - قال: لما أنزل اللَّه: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) إلى قوله: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ...) الآية - قالت قريش: من يشهد لك أن ما تقول حق؟ فأنزل اللَّه - تعالى -: (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)، وأنزل (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) الآية.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (١٦٩) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧٠)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)
أي: كفروا بآيات اللَّه.
(وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا)
أي: قد تاهوا وتحيروا تحيرًا طويلا.
ويحتمل: (قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا) أي: هلكوا هلاكًا لا نجاة لهم، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم في غير موضع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا... (١٦٨)
أي: كفروا بآيات اللَّه وحججه، وظلموا أمر اللَّه وتركوه.
ويحتمل قوله - تعالى -: (وَظَلَمُوا) حيث جعلوا أنفسهم لغير اللَّه، وجعلوا العبادة لمن دونه، وهو إنما خلقهم؛ ليجعلوا عبادتهم له، فقد وضعوا أنفسهم في غير موضعها؛ لذلك وصفهم بالظلم؛ لأن الظلم: وضع الشيء في غير موضعه.
ويحتمل: ظلموا أنفسهم، وإن كانوا لا يقصدون ظلم أنفسهم؛ فإن حاصل ذلك يرجع إلى أنفسهم؛ فكأنهم ظلموا أنفسهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ... (١٦٩)
كأنه على الإضمار بألا يهديهم في الآخرة طريقًا إلا طريق جهنم.
ويحتمل ما قال أهل التأويل، قالوا: لا يهديهم طريق الإسلام إلا طريق جهنم: طريق الكفر والشرك هما طريقا جهنم في الدنيا، والإسلام هو طريق الجنة في الدنيا.
وهذه الآية والآية الأولى في قوم علم اللَّه أنهم لا يؤمنون أبدًا، ويموتون على ذلك؛ حيث أخبر أنه - عَزَّ وَجَلَّ - لا يغفر لهم، ولا يهديهم.
(خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا).
ظاهر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ... (١٧٠)
يحتمل قوله: (بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ): بالحق الذي للَّهِ عليكم.
ويحتمل: (بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) بالحق الذي لبعضكم على بعض، قد جاءكم الرسول من اللَّه ببيان ذلك كله.
ويحتمل قوله: (قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) الحق الذي هو ضد الباطل ونقيضه، وفرق بينهما، وأزال الشبه؛ إن لم تعاندوا ولم تكابروا.
(فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ).
لأن الذي كان يمنعهم عن الإيمان باللَّه حب الرياسة، وخوف زوال المنافع التي كانت لهم؛ فقال: (فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ)؛ لأن ذلك لكم في الدنيا، والآخرة دائم لا يزول؛ فذلك خير لكم من الذي يكون في وقت ثم يزول عنكم عن سريع.
أي: كفروا بآيات اللَّه وحججه، وظلموا أمر اللَّه وتركوه.
ويحتمل قوله - تعالى -: (وَظَلَمُوا) حيث جعلوا أنفسهم لغير اللَّه، وجعلوا العبادة لمن دونه، وهو إنما خلقهم؛ ليجعلوا عبادتهم له، فقد وضعوا أنفسهم في غير موضعها؛ لذلك وصفهم بالظلم؛ لأن الظلم: وضع الشيء في غير موضعه.
ويحتمل: ظلموا أنفسهم، وإن كانوا لا يقصدون ظلم أنفسهم؛ فإن حاصل ذلك يرجع إلى أنفسهم؛ فكأنهم ظلموا أنفسهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ... (١٦٩)
كأنه على الإضمار بألا يهديهم في الآخرة طريقًا إلا طريق جهنم.
ويحتمل ما قال أهل التأويل، قالوا: لا يهديهم طريق الإسلام إلا طريق جهنم: طريق الكفر والشرك هما طريقا جهنم في الدنيا، والإسلام هو طريق الجنة في الدنيا.
وهذه الآية والآية الأولى في قوم علم اللَّه أنهم لا يؤمنون أبدًا، ويموتون على ذلك؛ حيث أخبر أنه - عَزَّ وَجَلَّ - لا يغفر لهم، ولا يهديهم.
(خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا).
ظاهر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ... (١٧٠)
يحتمل قوله: (بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ): بالحق الذي للَّهِ عليكم.
ويحتمل: (بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) بالحق الذي لبعضكم على بعض، قد جاءكم الرسول من اللَّه ببيان ذلك كله.
ويحتمل قوله: (قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ) الحق الذي هو ضد الباطل ونقيضه، وفرق بينهما، وأزال الشبه؛ إن لم تعاندوا ولم تكابروا.
(فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ).
لأن الذي كان يمنعهم عن الإيمان باللَّه حب الرياسة، وخوف زوال المنافع التي كانت لهم؛ فقال: (فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ)؛ لأن ذلك لكم في الدنيا، والآخرة دائم لا يزول؛ فذلك خير لكم من الذي يكون في وقت ثم يزول عنكم عن سريع.
الآية ١٦٩
وقوله تعالى :﴿ لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ﴾﴿ إلا طريق جهنم ﴾ كأنه على الإضمار بألا يهديهم في الآخرة طريقا﴿ إلا طريق جهنم ﴾. ويحتمل ما قال أهل التأويل ؛ قالوا : لا يهديهم طريق الإسلام ﴿ إلا طريق جهنم ﴾ طريق الكفر والشرك، وهما١ طريقا جهنم في الدنيا، والإسلام، هو طريق الجنة في الدنيا.
وهذه الآية والآية الأولى في قوم، علم الله أنهم لا يؤمنون أبدا، ويموتون على ذلك حين أخبر /١٢٠-ب/ أنه عز وجل لا يغفر لهم، ولا يهديهم﴿ خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا ﴾.
وقوله تعالى :﴿ لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ﴾﴿ إلا طريق جهنم ﴾ كأنه على الإضمار بألا يهديهم في الآخرة طريقا﴿ إلا طريق جهنم ﴾. ويحتمل ما قال أهل التأويل ؛ قالوا : لا يهديهم طريق الإسلام ﴿ إلا طريق جهنم ﴾ طريق الكفر والشرك، وهما١ طريقا جهنم في الدنيا، والإسلام، هو طريق الجنة في الدنيا.
وهذه الآية والآية الأولى في قوم، علم الله أنهم لا يؤمنون أبدا، ويموتون على ذلك حين أخبر /١٢٠-ب/ أنه عز وجل لا يغفر لهم، ولا يهديهم﴿ خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا ﴾.
١ الواو ساقطة من الأصل..
الآية ١٧٠
وقوله تعالى :﴿ يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم ﴾ يحتمل قوله ﴿ بالحق من ربكم ﴾ بالحق الذي لله عليكم. ويحتمل قوله﴿ بالحق من ربكم ﴾ بالحق الذي لبعضكم على بعض ؛ قد جاءكم الرسول من الله ببيان ذلك كله. ويحتمل قوله﴿ قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم ﴾ بالحق الذي هو ضد الباطل ونقيضه، وفرق بينهما، وأزال الشبه إن لم تعاندوا، ولم تكابروا﴿ فآمنوا خيرا لكم ﴾ لأن الذي كان يمنعهم عن الإيمان بالله حب الرئاسة وخوف زوال المنافع التي كانت لهم، فقال :﴿ فآمنوا خيرا لكم ﴾ لأن ذلك لكم في الدنيا والآخرة دائم، لا يزول، ذلك خير لكم من الذي يكون في وقت، ثم يزول عنكم عن سريع.
وقوله تعالى :﴿ وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض ﴾ الآية : يخبر، والله أعلم، أن الله١ يأمر خلقه، وينهى، ليس يأمر، وينهى لحاجة له ولمنفعة، وينهى لحاجة الخلق ومنافعهم ؛ إذ من له ما في السموات وما في الأرض وملكهما ولا تقد له حاجة ولا منفعة، وهو غني بذاته.
وقوله تعالى :﴿ وكان الله عليما حكيما ﴾ ﴿ عليما ﴾ عن علم بأحوالكم ؛ خلقكم لا عن جهل، ﴿ عليما ﴾ بما به صلاحكم وفسادكم﴿ حكيما ﴾ حين وضع كل شيء موضعه.
ويحتمل قوله تعالى :﴿ وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض ﴾ وجها آخر ؛ وهو الذي تكفرونه يقدر أن يخلق خلقا أخر سواكم يطيعونه إذ له ما في السموات وما في الأرض، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم ﴾ يحتمل قوله ﴿ بالحق من ربكم ﴾ بالحق الذي لله عليكم. ويحتمل قوله﴿ بالحق من ربكم ﴾ بالحق الذي لبعضكم على بعض ؛ قد جاءكم الرسول من الله ببيان ذلك كله. ويحتمل قوله﴿ قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم ﴾ بالحق الذي هو ضد الباطل ونقيضه، وفرق بينهما، وأزال الشبه إن لم تعاندوا، ولم تكابروا﴿ فآمنوا خيرا لكم ﴾ لأن الذي كان يمنعهم عن الإيمان بالله حب الرئاسة وخوف زوال المنافع التي كانت لهم، فقال :﴿ فآمنوا خيرا لكم ﴾ لأن ذلك لكم في الدنيا والآخرة دائم، لا يزول، ذلك خير لكم من الذي يكون في وقت، ثم يزول عنكم عن سريع.
وقوله تعالى :﴿ وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض ﴾ الآية : يخبر، والله أعلم، أن الله١ يأمر خلقه، وينهى، ليس يأمر، وينهى لحاجة له ولمنفعة، وينهى لحاجة الخلق ومنافعهم ؛ إذ من له ما في السموات وما في الأرض وملكهما ولا تقد له حاجة ولا منفعة، وهو غني بذاته.
وقوله تعالى :﴿ وكان الله عليما حكيما ﴾ ﴿ عليما ﴾ عن علم بأحوالكم ؛ خلقكم لا عن جهل، ﴿ عليما ﴾ بما به صلاحكم وفسادكم﴿ حكيما ﴾ حين وضع كل شيء موضعه.
ويحتمل قوله تعالى :﴿ وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض ﴾ وجها آخر ؛ وهو الذي تكفرونه يقدر أن يخلق خلقا أخر سواكم يطيعونه إذ له ما في السموات وما في الأرض، والله أعلم.
١ في الأصل وم: ما..
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...) الآية.
يخبر - واللَّه أعلم - أن ما يأمر خلقه وينهى ليس يأمر وينهى لحاجة له أو لمنفعة؛ ولكن يأمر وينهى لحاجة الخلق ومنافعهم؛ إذ من له ما في السماوات وما في الأرض وملكهما - لا يقع له حاجة ولا منفعة، وهو غنى بذاته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)
عليمًا: عن علم بأحوالكم خلقكم، لا عن جهل، وعليمًا بما به صلاحكم وفسادكم.
(حِكيما): حيث وضع كل شيء موضعه.
ويحتمل قوله - تعالى - (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وجهًا آخر، وهو: الذي تكفرونه، يقْدر أن يخلق خلقًا آخر سواكم يطيعونه؛ إذ له ما في السماوات وما في الأرض، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٧٣)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ)
والغلو في الدِّين: هو المجاوزة عن الحد الذي حد لهم، وكذلك الاعتداء: هو المجاوزة عن الحد الذي أحد لهم، في الفعل وفي النطق جميعا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: تفسير الغلو ما ذكر: (وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ)؛ فالقول على الله بما لا يليق به غلو.
وقيل: لا تغلوا: أي لا تَعَمَّقُوا في دينكم، ولا تَشَدَّدُوا؛ فيحملكم ذلك على الافتراء على اللَّه، والقول بما لا يحل ولا يليق.
يخبر - واللَّه أعلم - أن ما يأمر خلقه وينهى ليس يأمر وينهى لحاجة له أو لمنفعة؛ ولكن يأمر وينهى لحاجة الخلق ومنافعهم؛ إذ من له ما في السماوات وما في الأرض وملكهما - لا يقع له حاجة ولا منفعة، وهو غنى بذاته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)
عليمًا: عن علم بأحوالكم خلقكم، لا عن جهل، وعليمًا بما به صلاحكم وفسادكم.
(حِكيما): حيث وضع كل شيء موضعه.
ويحتمل قوله - تعالى - (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وجهًا آخر، وهو: الذي تكفرونه، يقْدر أن يخلق خلقًا آخر سواكم يطيعونه؛ إذ له ما في السماوات وما في الأرض، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٧٣)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ)
والغلو في الدِّين: هو المجاوزة عن الحد الذي حد لهم، وكذلك الاعتداء: هو المجاوزة عن الحد الذي أحد لهم، في الفعل وفي النطق جميعا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: تفسير الغلو ما ذكر: (وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ)؛ فالقول على الله بما لا يليق به غلو.
وقيل: لا تغلوا: أي لا تَعَمَّقُوا في دينكم، ولا تَشَدَّدُوا؛ فيحملكم ذلك على الافتراء على اللَّه، والقول بما لا يحل ولا يليق.
424
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ).
أي: الصدق.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ)
يقول: لا تقولوا لله - تعالى - ولد ولا صاحبة.
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: " ولا تقولوا: اللَّه ثالث ثلاثة؛ إنما هو إله واحد).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ)
الخطاب بقوله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) في حقيقة المعنى - للخلق كلهم؛ لأن على كل الخلائق ألا يغلوا في دينهم، وهو في الظاهر في أهل الكتاب، والمقصود منه النصارى دون غيرهم من أهل الكتاب؛ حتى يعلم أن ليس في مخرج عموم اللفظ دليل عموم المراد، ولا في مخرج خصوصه دليل خصوصه؛ ولكن قد يراد بعموم اللفظ: الخصوص، وبخصوص اللفظ: العموم؛ فيبطل به قول من يعتقد بعموم اللفظ عموم المراد، وبخصوص اللفظ خصوصه.
ثم افترقت النصارى على ثلاث فرق في عيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بعد اتفاقهم على أنه ابن مريم: قال بعضهم: هو إله، ومنهم من يقول: هو ابن الإله، ومنهم من يقول: هو ثالث ثلاثة: الرب، والمسيح، وأمه؛ فأكذبهم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - في قولهم، وأخبر أنه رسول اللَّه ابن مريم، ولو كان هو إلهًا لكانت أمه أحق أن تكون إلهًا؛ لأن أمه كانت قبل عيسى - عليه السلام - ومن كان قبلُ، أحق بذلك ممن يكون من بعد، ولأن من اتخذ الولد إنما يتخذ من جوهره، لا يتخذ من غير جوهره؛ فلو كان ممن يجوز أن يتخذ ولدًا - لم يتخذ من جوهر البشر؛ كقوله - تعالى -: (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ)
قَالَ بَعْضُهُمْ: كلمته: أن قال له: كن؛ فكان. لكن الخلائق كلهم في هذا كعيسى؛ لأن كل الخلائق إنما كانوا بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: كن؛ فكان؛ فليس لعيسى - عليه السلام - في
أي: الصدق.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ)
يقول: لا تقولوا لله - تعالى - ولد ولا صاحبة.
وفي حرف حفصة - رضي اللَّه عنها -: " ولا تقولوا: اللَّه ثالث ثلاثة؛ إنما هو إله واحد).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ)
الخطاب بقوله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) في حقيقة المعنى - للخلق كلهم؛ لأن على كل الخلائق ألا يغلوا في دينهم، وهو في الظاهر في أهل الكتاب، والمقصود منه النصارى دون غيرهم من أهل الكتاب؛ حتى يعلم أن ليس في مخرج عموم اللفظ دليل عموم المراد، ولا في مخرج خصوصه دليل خصوصه؛ ولكن قد يراد بعموم اللفظ: الخصوص، وبخصوص اللفظ: العموم؛ فيبطل به قول من يعتقد بعموم اللفظ عموم المراد، وبخصوص اللفظ خصوصه.
ثم افترقت النصارى على ثلاث فرق في عيسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بعد اتفاقهم على أنه ابن مريم: قال بعضهم: هو إله، ومنهم من يقول: هو ابن الإله، ومنهم من يقول: هو ثالث ثلاثة: الرب، والمسيح، وأمه؛ فأكذبهم اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - في قولهم، وأخبر أنه رسول اللَّه ابن مريم، ولو كان هو إلهًا لكانت أمه أحق أن تكون إلهًا؛ لأن أمه كانت قبل عيسى - عليه السلام - ومن كان قبلُ، أحق بذلك ممن يكون من بعد، ولأن من اتخذ الولد إنما يتخذ من جوهره، لا يتخذ من غير جوهره؛ فلو كان ممن يجوز أن يتخذ ولدًا - لم يتخذ من جوهر البشر؛ كقوله - تعالى -: (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ)
قَالَ بَعْضُهُمْ: كلمته: أن قال له: كن؛ فكان. لكن الخلائق كلهم في هذا كعيسى؛ لأن كل الخلائق إنما كانوا بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: كن؛ فكان؛ فليس لعيسى - عليه السلام - في
425
ذلك خصوصية.
وأصله أنه سمي كلمة اللَّه لما ألقاها إلى مريم، ولا ندري أية كلمة كانت؛ وإنما خلقه بكلمته التي ألقاها إليها؛ فسمي بذلك، كما خلق آدم من تراب؛ فنسب إليه، وحواء خلقها من ضلع آدم؛ فنسبها إليه، وسائر الخلائق خلقهم من النطفة؛ فنسبهم إليها؛ فعلى ذلك عيسى، لما خلقه بكلمة ألقاها إليها - نسب إليه، لكن في آدم وغيره من الخلائق ذكر فيهم التغيير من حال إلى حال، ولم يذكر ذلك في عيسى؛ فيحتمل أن يكون له الخصوصية بذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرُوحٌ مِنْهُ) كقوله - تعالى -: (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا) فسمي لذلك روحًا؛ لما به كان يحيي الموتى؛ ألا ترى أنه سمى القرآن روحًا، وهو قوله - تعالى -: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا)، سماه روحًا؛ لما به يحيي القلوب، كما يحيي الأبدان بالأرواح.
وقيل: (وَرُوحٌ مِنْهُ) أي: أحياه اللَّه وجعله روحًا.
وقيل: (وَرُوحٌ مِنْهُ) أي: رسولا منه.
وقيل: (وَرُوحٌ مِنْهُ) أي: أمر منه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ...)
لأن الرسل كلهم لم يدعوكم إلى الذي أنتم عليه أنه ثالث ثلاثة؛ إنما دعاكم الرسل أنه اللَّه إله واحد لا شريك له ولا ولد.
(انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ).
بما ذكرنا بالآية الأولى.
وقوله: (وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ) بالرفع، أي: لا تقولوا: هو ثلاثة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)
نزه نفسه عن عظيم ما قالوا فيه بأن له ولدًا، ثم أخبر أن له ما في السماوات وما في الأرض؛ وإنَّمَا يُتَّخَذُ الولد لإحدى خصال ثلاث: إما لحاجة تمسه؛ فيدفعها به عن نفسه، أو لوحشة تصيبه؛ فيستأنس به، أو لخوف غلبة العدو؛ فيستنصر به ويقهره، أو لما يخاف
وأصله أنه سمي كلمة اللَّه لما ألقاها إلى مريم، ولا ندري أية كلمة كانت؛ وإنما خلقه بكلمته التي ألقاها إليها؛ فسمي بذلك، كما خلق آدم من تراب؛ فنسب إليه، وحواء خلقها من ضلع آدم؛ فنسبها إليه، وسائر الخلائق خلقهم من النطفة؛ فنسبهم إليها؛ فعلى ذلك عيسى، لما خلقه بكلمة ألقاها إليها - نسب إليه، لكن في آدم وغيره من الخلائق ذكر فيهم التغيير من حال إلى حال، ولم يذكر ذلك في عيسى؛ فيحتمل أن يكون له الخصوصية بذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرُوحٌ مِنْهُ) كقوله - تعالى -: (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا) فسمي لذلك روحًا؛ لما به كان يحيي الموتى؛ ألا ترى أنه سمى القرآن روحًا، وهو قوله - تعالى -: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا)، سماه روحًا؛ لما به يحيي القلوب، كما يحيي الأبدان بالأرواح.
وقيل: (وَرُوحٌ مِنْهُ) أي: أحياه اللَّه وجعله روحًا.
وقيل: (وَرُوحٌ مِنْهُ) أي: رسولا منه.
وقيل: (وَرُوحٌ مِنْهُ) أي: أمر منه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ...)
لأن الرسل كلهم لم يدعوكم إلى الذي أنتم عليه أنه ثالث ثلاثة؛ إنما دعاكم الرسل أنه اللَّه إله واحد لا شريك له ولا ولد.
(انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ).
بما ذكرنا بالآية الأولى.
وقوله: (وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ) بالرفع، أي: لا تقولوا: هو ثلاثة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)
نزه نفسه عن عظيم ما قالوا فيه بأن له ولدًا، ثم أخبر أن له ما في السماوات وما في الأرض؛ وإنَّمَا يُتَّخَذُ الولد لإحدى خصال ثلاث: إما لحاجة تمسه؛ فيدفعها به عن نفسه، أو لوحشة تصيبه؛ فيستأنس به، أو لخوف غلبة العدو؛ فيستنصر به ويقهره، أو لما يخاف
426
الهلاك؛ فيتخذ الولد ليرث ملكه.
فإذا كان اللَّه - سبحانه - يتعالى عن أن تمسه حاجة أو تصيبه وحشة، أو لملكه زوال - يتعالى عن أن يتخذ ولدًا وهو عبده.
(وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا). قيل: حافظًا. وقيل: شهيدًا.
وقيل: الوكيل: هو القائم في الأمور كلها، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ... (١٧٢)
تكلم الناس في هذه الآية: قال الحسن: فيه دليل تفضيل الملائكة على البشر؛ لأنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)؛ لأن الثاني يخرج مخرج التأكيد للأول، وأبدًا إنما يذكر ما به يؤكد؛ إذا كان أفضل منه وأرفع، لا يكون التأكيد بمثله ولا بما دونه؛ كما يقال: لا يقدر أن يحمل هذه الخشبة واحد ولا عشرة، ولا يعمل هذا العمل واحد ولا عدد؛ فهو على التأكيد يقال؛ فعلى ذلك الأول: خرج ذكر الملائكة على أثر ذكر المسيح؛ على التأكيد، وأبدًا إنما يقع التأكيد بما هو أكبر، لا بما دونه.
والثاني: قال: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وقال - عز وجل -: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)، وقالوا: فكيف يستوي حال من يعصي مع حال من لا يعصي؟! وحال من لا يفتر عن عبادته طَرْفَةَ عَيْنٍ مع حال من يرتكب المناهي؟!
والثالث: ما قال اللَّه - تعالى - حكاية عن إبليس؛ حيث قال لآدم وحواء - عليهما السلام - (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ).
لو لم يكن للملائكة فضل عندهم ومنزلة -ليس ذلك للبشر- لم يكن إبليس بالذي يغرهما بذلك الملك والوعد لهما أنهما يصيران مَلَكَينِ، ولا كان آدم وحواء باللَّذين يغتران بذلك - دل أن الملك أفضل من البشر.
والرابع: أن الأنبياء - صلى اللَّه عليهم وسلم - ما استغفروا لأحد، إلا بدءوا بالاستغفار لأنفسهم ثم لغيرهم من المؤمنين؛ كقول نوح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ...) الآية.
فإذا كان اللَّه - سبحانه - يتعالى عن أن تمسه حاجة أو تصيبه وحشة، أو لملكه زوال - يتعالى عن أن يتخذ ولدًا وهو عبده.
(وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا). قيل: حافظًا. وقيل: شهيدًا.
وقيل: الوكيل: هو القائم في الأمور كلها، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ... (١٧٢)
تكلم الناس في هذه الآية: قال الحسن: فيه دليل تفضيل الملائكة على البشر؛ لأنه قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ)؛ لأن الثاني يخرج مخرج التأكيد للأول، وأبدًا إنما يذكر ما به يؤكد؛ إذا كان أفضل منه وأرفع، لا يكون التأكيد بمثله ولا بما دونه؛ كما يقال: لا يقدر أن يحمل هذه الخشبة واحد ولا عشرة، ولا يعمل هذا العمل واحد ولا عدد؛ فهو على التأكيد يقال؛ فعلى ذلك الأول: خرج ذكر الملائكة على أثر ذكر المسيح؛ على التأكيد، وأبدًا إنما يقع التأكيد بما هو أكبر، لا بما دونه.
والثاني: قال: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وقال - عز وجل -: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)، وقالوا: فكيف يستوي حال من يعصي مع حال من لا يعصي؟! وحال من لا يفتر عن عبادته طَرْفَةَ عَيْنٍ مع حال من يرتكب المناهي؟!
والثالث: ما قال اللَّه - تعالى - حكاية عن إبليس؛ حيث قال لآدم وحواء - عليهما السلام - (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ).
لو لم يكن للملائكة فضل عندهم ومنزلة -ليس ذلك للبشر- لم يكن إبليس بالذي يغرهما بذلك الملك والوعد لهما أنهما يصيران مَلَكَينِ، ولا كان آدم وحواء باللَّذين يغتران بذلك - دل أن الملك أفضل من البشر.
والرابع: أن الأنبياء - صلى اللَّه عليهم وسلم - ما استغفروا لأحد، إلا بدءوا بالاستغفار لأنفسهم ثم لغيرهم من المؤمنين؛ كقول نوح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ...) الآية.
427
وكقول إبراهيم - عليه السلام - (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، وما أمر اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - نبيه محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالاستغفار؛ فقال: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) الآية، وقال: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)، وما أمر بذلك، وما فعلوا ذلك؛ إلا ما يحتمل ذلك فيهم.
والملائكة لم يستغفروا لأنفسهم؛ ولكنهم طلبوا المغفرة للمؤمنين من البشر؛ كقوله: (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)، وإلى هذا ذهب بعض الناس: بتفضيلهم الملائكة على البشر.
والملائكة لم يستغفروا لأنفسهم؛ ولكنهم طلبوا المغفرة للمؤمنين من البشر؛ كقوله: (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)، وإلى هذا ذهب بعض الناس: بتفضيلهم الملائكة على البشر.
428
وقال آخرون بتفضيل البشر على الملائكة، ولا يجب أن يتكلم في تفضيل البشر على الإطلاق على الملائكة؛ لأنهم يعملون بالفساد وبكل فسق، إلا أن يتكلم في تفضيل أهل الفضل من البشر والمعروف منهم بذلك - على الملائكة؛ فذلك يحتمل أن يتكلم فيه.
ويذهب من قال بتفضيل من ذكرنا من البشر على الملائكة - إلى أنه: ليس في قوله تعالى: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) - دلالة على أن الملائكة كلهم أفضل منهم؛ لأنه إنما ذكر " المقربون "، لم يذكر الملائكة مطلقًا؛ فيجوز
ويذهب من قال بتفضيل من ذكرنا من البشر على الملائكة - إلى أنه: ليس في قوله تعالى: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) - دلالة على أن الملائكة كلهم أفضل منهم؛ لأنه إنما ذكر " المقربون "، لم يذكر الملائكة مطلقًا؛ فيجوز
429
أن يكون لمن ذكر فضل على البشر، وكلامنا في تفضيل الجوهر على الجوهر، ولأن البشر ركب فيهم من الشهوات والأماني التي تدعوهم إلى ما فيه الخلاف لله والمعصية له، وجعل لهم أعداء أمروا بالمجاهدة معهم، من نحو: أنفسهم، والشياطين الذين سلطوا عليهم، ولا كذلك الملائكة؛ فمن حفظ نفسه، وصانها، وأخلصها من بين الأعداء، وقمع ما ركب فيهم من الشهوات، والحاجات الداعية إلى الخلاف لله والمعصية له - كان أفضل ممن لا يشغله شيء من ذلك، واللَّه أعلم.
وما ذكر من اغترار آدم وحَواء بقول إبليس: (إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ) لا يحتمل أن يكون آدم لما خلقه من جوهر البشر، وأخبر أنه جعله خليفة في الأرض أنه يتناول ما نهي عنه؛ ليصير من جوهر الملائكة، ولكنه - واللَّه أعلم - رأي أن الملائكة طبعوا على حب العبادة لله، ولم يركب فيهم من الشهوات والحاجات التي تشغل المرء عن العبادة لله والطاعة له - فأحب أن يطبع بطبعهم؛ ليقوم بعبادة اللَّه كما قاموا هم، والله أعلم.
والتكلم في مثل هذا فضل؛ ذلك إلى اللَّه تعالى، وإليه التخيّر والإفضال.
ثم تأويل قوله عَزَّ وَجَلَّ - واللَّه أعلم -: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ): وذلك أنهم كانوا يعبدون الملائكة دون اللَّه، ويعبدون المسيح دونه؛ فأخبر أن أُولَئِكَ الذين تعبدونهم أنتم لم يستنكفوا عن عبادتي؛ فكيف تستنكفون أنتم؟!
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا)
فهو - واللَّه أعلم - على الإضمار؛ كأنه قال: ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر، ومن لم يستنكف عن عبادته ولم يستكبر؛ فسيحشرهم إليه جميعًا.
ثم بين جزاء من لم يستنكف عن عبادته ومن لم يستكبر، ومن استنكف واستكبر، فقال: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ... (١٧٣) الآية، (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا...) الآية؛ وإلا لم يكن في الذين استنكفوا مؤمن؛ بل كانوا كلهم كفارًا؛ بالاستنكاف والاستكبار عن عبادته.
والاستنكاف والاستكبار واحد في الحقيقة، وقال الكساني: وإنما جمع بينهما؛ لاختلاف اللفظين، وهذا من حسن كلام العرب: كقول العرب: كيف حالك؟ وبالك؟ والحال والبال واحد، ومثله في القرآن والشعر كثير.
لكن الاستنكاف -والأنفة- لا يضاف إلى اللَّه تعالى، والاستكبار يضاف، فهما من هذا المعنى مختلفان، وأما في الحقيقة فهما واحد، واللَّه أعلم.
وما ذكر من اغترار آدم وحَواء بقول إبليس: (إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ) لا يحتمل أن يكون آدم لما خلقه من جوهر البشر، وأخبر أنه جعله خليفة في الأرض أنه يتناول ما نهي عنه؛ ليصير من جوهر الملائكة، ولكنه - واللَّه أعلم - رأي أن الملائكة طبعوا على حب العبادة لله، ولم يركب فيهم من الشهوات والحاجات التي تشغل المرء عن العبادة لله والطاعة له - فأحب أن يطبع بطبعهم؛ ليقوم بعبادة اللَّه كما قاموا هم، والله أعلم.
والتكلم في مثل هذا فضل؛ ذلك إلى اللَّه تعالى، وإليه التخيّر والإفضال.
ثم تأويل قوله عَزَّ وَجَلَّ - واللَّه أعلم -: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ): وذلك أنهم كانوا يعبدون الملائكة دون اللَّه، ويعبدون المسيح دونه؛ فأخبر أن أُولَئِكَ الذين تعبدونهم أنتم لم يستنكفوا عن عبادتي؛ فكيف تستنكفون أنتم؟!
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا)
فهو - واللَّه أعلم - على الإضمار؛ كأنه قال: ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر، ومن لم يستنكف عن عبادته ولم يستكبر؛ فسيحشرهم إليه جميعًا.
ثم بين جزاء من لم يستنكف عن عبادته ومن لم يستكبر، ومن استنكف واستكبر، فقال: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ... (١٧٣) الآية، (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا...) الآية؛ وإلا لم يكن في الذين استنكفوا مؤمن؛ بل كانوا كلهم كفارًا؛ بالاستنكاف والاستكبار عن عبادته.
والاستنكاف والاستكبار واحد في الحقيقة، وقال الكساني: وإنما جمع بينهما؛ لاختلاف اللفظين، وهذا من حسن كلام العرب: كقول العرب: كيف حالك؟ وبالك؟ والحال والبال واحد، ومثله في القرآن والشعر كثير.
لكن الاستنكاف -والأنفة- لا يضاف إلى اللَّه تعالى، والاستكبار يضاف، فهما من هذا المعنى مختلفان، وأما في الحقيقة فهما واحد، واللَّه أعلم.
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (١٧٤)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ)
والبرهان: هو الحجة توضح وتظهر الحق من الباطل.
وقيل: بيان من ربكم، وهما واحد.
قَالَ بَعْضُهُمْ: هو النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقال آخرون: هو القرآن؛ فأيهما كان فهو حجة وبيان، يلزم الحق -ويبين- من لم يعاند.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا)
يبصر به الحق من الباطل، وبه يعرف: وهو القرآن، سماه: نورًا؛ لما به يبصر الحق، وإن لم يكن هو بنفسه نورًا؛ كالنهار: سماه مبصرًا؛ لما به يبصر، وإن لم يكن هو كذلك.
وقال قتادة: (نُورًا مُبِينًا): هو هذا القرآن، وفيه بيانه ونوره وهداه، وعصمة لمن اعتصم به.
* * *
قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (١٧٥)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ).
جعل الاعتصام به ما به ينال رحمته وفضله.
والاعتصام: هو أن يلتجأ إليه في كل الأمور، وبه يوكل، لا يلتجأ بمن دونه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)
كأنه - واللَّه أعلم - على التقديم والتأخير: " فأما الذين آمنوا باللَّه واعتصموا به، ويهديهم إليه صراطًا مستقيمًا؛ فسيدخلهم في رحمة منه "، يعني: الجنة " وفضل "؛ كقوله تعالى: (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ).
* * *
قوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: ، (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ).
ذكر الاستفتاء، ولم يذكر: فيم استفتوا؟ لكن في الجواب بيان أن الاستفتاء فيم كان، وقال: (قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ).
والكلالة: ما ذكر: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي...) إلى آخر ما ذكر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ)
والبرهان: هو الحجة توضح وتظهر الحق من الباطل.
وقيل: بيان من ربكم، وهما واحد.
قَالَ بَعْضُهُمْ: هو النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقال آخرون: هو القرآن؛ فأيهما كان فهو حجة وبيان، يلزم الحق -ويبين- من لم يعاند.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا)
يبصر به الحق من الباطل، وبه يعرف: وهو القرآن، سماه: نورًا؛ لما به يبصر الحق، وإن لم يكن هو بنفسه نورًا؛ كالنهار: سماه مبصرًا؛ لما به يبصر، وإن لم يكن هو كذلك.
وقال قتادة: (نُورًا مُبِينًا): هو هذا القرآن، وفيه بيانه ونوره وهداه، وعصمة لمن اعتصم به.
* * *
قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (١٧٥)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ).
جعل الاعتصام به ما به ينال رحمته وفضله.
والاعتصام: هو أن يلتجأ إليه في كل الأمور، وبه يوكل، لا يلتجأ بمن دونه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)
كأنه - واللَّه أعلم - على التقديم والتأخير: " فأما الذين آمنوا باللَّه واعتصموا به، ويهديهم إليه صراطًا مستقيمًا؛ فسيدخلهم في رحمة منه "، يعني: الجنة " وفضل "؛ كقوله تعالى: (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ).
* * *
قوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: ، (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ).
ذكر الاستفتاء، ولم يذكر: فيم استفتوا؟ لكن في الجواب بيان أن الاستفتاء فيم كان، وقال: (قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ).
والكلالة: ما ذكر: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي...) إلى آخر ما ذكر.
431
قال جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فِيَّ نزلت الآية.
ورُويَ عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: ما سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة، ثم طعن في صدري بأصبعه، فقال: " ألا يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيفِ التي في آخِرِ سُورَةِ النسَاءِ؟! "، وفيه دلالة أن قد يترك بيان ما يدرك بالاجتهاد والنظر، ولا يبين؛ ليجتهد، ويدرك بالنظر؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سأل غير مرة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ولم يبينه، وأشار إلى الآية التي فيها ذكر ما سأل عنه؛ لينظر ويجتهد؛ ليدرك.
وفيه دليل جواز تأخير البيان؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سأله غير مرة، ولم يبينه حتى أمره بالنظر في الآية، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يكن عرف قبل ذلك؛ فدل على جواز تأخير البيان.
وروي عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: الكلالة: من ليس له ولد ولا والد، وكذلك قال عمر - رضي اللَّه عنه - وقال: إِنِّي لأستحي من اللَّه أن أرد شيئا قاله أبو بكر. وسئل ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الكلالة؟ فقال: من لا ولد له ولا والد.
وروي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: مرضت؛ فأتاني رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يعودني وأبو
ورُويَ عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: ما سألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة، ثم طعن في صدري بأصبعه، فقال: " ألا يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيفِ التي في آخِرِ سُورَةِ النسَاءِ؟! "، وفيه دلالة أن قد يترك بيان ما يدرك بالاجتهاد والنظر، ولا يبين؛ ليجتهد، ويدرك بالنظر؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سأل غير مرة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ولم يبينه، وأشار إلى الآية التي فيها ذكر ما سأل عنه؛ لينظر ويجتهد؛ ليدرك.
وفيه دليل جواز تأخير البيان؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سأله غير مرة، ولم يبينه حتى أمره بالنظر في الآية، وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يكن عرف قبل ذلك؛ فدل على جواز تأخير البيان.
وروي عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: الكلالة: من ليس له ولد ولا والد، وكذلك قال عمر - رضي اللَّه عنه - وقال: إِنِّي لأستحي من اللَّه أن أرد شيئا قاله أبو بكر. وسئل ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الكلالة؟ فقال: من لا ولد له ولا والد.
وروي عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: مرضت؛ فأتاني رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يعودني وأبو
432
بكر الصديق معه؛ فوجدني قد أغمى عليَّ؛ فصبَّ وضوءه عليَّ؛ فأفقت؛ فقلت: يا رسول اللَّه، كيف أصنع في مالي؟ وكان لي تسع أخوات؛ فلم يجبني حتى نزل قوله - تعالى -: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ...) إلى آخر ما ذكر، قال جابر - رضي اللَّه عنه -: فِيَّ نزلت الآية.
قال بعض الناس: إذا مات الرجل؛ وترك ابنة وأختًا - فلا شيء للأخت؛ لأن اللَّه - تعالى - قال: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) والابنة ولد؛ فلا ميراث للأخت وللأخ مع الابنة؛ لأنها ولد؛ فيقال: إن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - جعل للابنة النصف؛ إذا لم يكن معها ابن؛ بقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ)؛ فإذا مات وترك ابنة وأختًا فللابنة النصف، وذلك النصف الباقي إذا لم يُعْطَ للأخت - يرد إلى الابنة؛ فيكون لها كل الميراث، وقد جعل اللَّه - تعالى - ميراثها إذا لم يكن معها ولدٌ ذَكَرٌ - النصف، أو لا يرد إلى الابنة؛ فيجب أن ينظر أيهما أحق بذلك النصف الباقي؛ فجاء في بعض الأخبار: أن الأخوات مع البنات عَصَبَة؛ لذلك كانت الأخت أَوْلَى بذلك النصف الباقي، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ)
ذكر للاثنتين الثلثين، ولم يذكر ما للثلاث فصاعدًا منهن، وذكر في الابنة الواحدة النصف في أول السورة بقوله: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ولم يذكر ما للبنتين؛ ولكن ذكر الثلاث فصاعدًا بقوله تعالى: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) فترك بيان الحق في الابنتين؛ لبيانه في الأختين، وترك البيان للأخوات؛ لبيانه في البنات؛ ففيه دليل القياس: حيث اكتفى ببيان البعض عن الآخر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)
دل قوله تعالى: (إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً) أن اسم الإخوة يجميع الإناث والذكور جميعًا؛ لأنه ذكر إخوة، ثم فسر الرجال والنساء؛ فهو دليل لنا في قوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ
قال بعض الناس: إذا مات الرجل؛ وترك ابنة وأختًا - فلا شيء للأخت؛ لأن اللَّه - تعالى - قال: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ) والابنة ولد؛ فلا ميراث للأخت وللأخ مع الابنة؛ لأنها ولد؛ فيقال: إن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - جعل للابنة النصف؛ إذا لم يكن معها ابن؛ بقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ)؛ فإذا مات وترك ابنة وأختًا فللابنة النصف، وذلك النصف الباقي إذا لم يُعْطَ للأخت - يرد إلى الابنة؛ فيكون لها كل الميراث، وقد جعل اللَّه - تعالى - ميراثها إذا لم يكن معها ولدٌ ذَكَرٌ - النصف، أو لا يرد إلى الابنة؛ فيجب أن ينظر أيهما أحق بذلك النصف الباقي؛ فجاء في بعض الأخبار: أن الأخوات مع البنات عَصَبَة؛ لذلك كانت الأخت أَوْلَى بذلك النصف الباقي، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ)
ذكر للاثنتين الثلثين، ولم يذكر ما للثلاث فصاعدًا منهن، وذكر في الابنة الواحدة النصف في أول السورة بقوله: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ولم يذكر ما للبنتين؛ ولكن ذكر الثلاث فصاعدًا بقوله تعالى: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) فترك بيان الحق في الابنتين؛ لبيانه في الأختين، وترك البيان للأخوات؛ لبيانه في البنات؛ ففيه دليل القياس: حيث اكتفى ببيان البعض عن الآخر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)
دل قوله تعالى: (إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً) أن اسم الإخوة يجميع الإناث والذكور جميعًا؛ لأنه ذكر إخوة، ثم فسر الرجال والنساء؛ فهو دليل لنا في قوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ
433
فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) وإنهم يحجبون الأم عن الثلث، ذكورًا كانوا أو إناثًا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)
قيل: ألا تضلوا.
قال الكسائي: العرب تقول للرجل: أطعمتك أن تجوع، وأغنيتك أن تفتقر؛ على معنى ألا تجوع ولا تفتقر، وفي القرآن كثير مثل هذا.
ثم قوله: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) قيل: ألا تضلوا في قسمة المواريث. وقيل: ألا تخطئوا. وقيل: ألا تخلطوا، وهو واحد.
(وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
وعيد، وباللَّه الحول والقوة، واللَّه المستعان.
* * *
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)
قيل: ألا تضلوا.
قال الكسائي: العرب تقول للرجل: أطعمتك أن تجوع، وأغنيتك أن تفتقر؛ على معنى ألا تجوع ولا تفتقر، وفي القرآن كثير مثل هذا.
ثم قوله: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) قيل: ألا تضلوا في قسمة المواريث. وقيل: ألا تخطئوا. وقيل: ألا تخلطوا، وهو واحد.
(وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
وعيد، وباللَّه الحول والقوة، واللَّه المستعان.
* * *
434
الآية ١٧٥
وقوله تعالى :﴿ فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به ﴾ جعل الاعتصام به ما به تنال رحمته، وفضله في الاعتصام هو أن يلتجأ إليه في كل الأمور، وبه توكل، لا يلتجأ بمن دونه.
وقوله تعالى :﴿ ويهديهم إليه صراطا مستقيا ﴾ كأنه، والله أعلم، على التقديم والتأخير : فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به﴿ ويهديهم إليه صراطا مستقيما ﴾ ﴿ فسيدخلهم في رحمة منهم ﴾، يعني الجنة، ﴿ وفضل ﴾ كقوله تعالى :﴿ فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ﴾ ( النساء : ١٧٣ ).
وقوله تعالى :﴿ فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به ﴾ جعل الاعتصام به ما به تنال رحمته، وفضله في الاعتصام هو أن يلتجأ إليه في كل الأمور، وبه توكل، لا يلتجأ بمن دونه.
وقوله تعالى :﴿ ويهديهم إليه صراطا مستقيا ﴾ كأنه، والله أعلم، على التقديم والتأخير : فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به﴿ ويهديهم إليه صراطا مستقيما ﴾ ﴿ فسيدخلهم في رحمة منهم ﴾، يعني الجنة، ﴿ وفضل ﴾ كقوله تعالى :﴿ فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ﴾ ( النساء : ١٧٣ ).
الآية ١٧٦ ( وقوله تعالى :)١ :﴿ يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ﴾ والكلالة ما ذكر :﴿ وإن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ﴾ إلى آخر ما ذكر. قال جابر عليه السلام :( نزلت في )الآية ) )٢. وروي عن عمر رضي الله عنه، أنه قال :( ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم، أكثر مما سألته عن الكلالة، ثم طعن في صدري بإصبعه، فقال :" ألا تكفيك آية النصف التي في آخر سورة النساء " ( مسلم ١٦١٧ ).
وفيه دلالة أن قد ينزل بيان ما يدرك بالاجتهاد والنظر، ولا يتبين ( إلا بأن يجتهد ) ٣ ويدرك بالنظر لأن عمر رضي الله عنه سأل غير مرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبينه، وأشار إلى الآية التي فيها ذكر ( ما )٤ سأل عنه لينظر، ويجتهد ليدرك.
وفيه دليل جاوز تأخير البيان لأن عمر سأله غير مرة، ولم يبينه٥ حتى أمره بالنظر في الآية، وعمر رضي الله عنه لم يكن عرف قبل ذلك، فدل جوازا تأخير البيان.
فروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال :( الكلالة من ليس له ولد ولا والد )، وكذلك قال عمر رضي الله عنه وقال :( إني لأستحي٦ من الله أن أرد شيئا قاله أبو بكر ). وسئل ابن عباس رضي الله عنه عن الكلالة، فقال :( من لا ولد له ولا والد ). وروي عن جابر رضي الله عنه ( أنه )٧ قال :( مرضت، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني، وأبو بكر الصديق معه، فوجدني قد أغمي علي، فصب وضوءه علي، فأقمت، فقلت : يا رسول الله كيف أصنع في مالي، وكان لي تسع أخوات، ولم يجبني حتى نزل قوله تعالى :﴿ يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ﴾ إلى آخر ما ذكر. قال جابر : في نزلت الآية )( البخاري : ٦٧٤٣ ).
قال بعض الناس : إذا مات الرجل وترك ابنته وأختا فلا شيء للأخت لأن الله تعالى قال :﴿ إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ﴾ والابنة ولد، فلا ميراث للأخت وللأخ مع الابنة لأنها ولد، فيقال : إن الله عز وجل جعل للابنة النصف إذ لم يكن معها ابن بقوله تعالى :﴿ وإن كانت واحدة فلها النصف ﴾ ( النساء : ١١ ). فإذا مات، وترك ابنة وأختا فللابنة النصف، وذلك النصف الباقي إذا لم يعط للأخت يرد إلى الابنة، فيكون لها كل الميراث، وقد جعل الله ميراثها، إذا لم يكن معها ولد ذكر، النصف، أو لا يرد إلى الابنة، فيجب أن ينظر أيهما أحق بذلك النصف الباقي ( فقد جاء )٨ في بعض الأخبار أن الأخوات مع البنات عصبة. لذلك كانت الأخت أولى بذلك النصف الباقي /١٢١-ب/ والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ﴾ ذكر للاثنتين الثلثين، ولم يذكر للثلاث فصاعدا منهن، وذكر في الابنة الواحدة النصف في أول السورة بقوله :﴿ وإن كانت واحدة فلها النصف ﴾ ولم يذكر الثلاث فصاعدا بقوله :﴿ فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ﴾ ( الآية : ١١ ) فترك بيان الحق في الابنتين لبيانه في الأختين، وترك البيان للأخوات لبيانه في البنات. ففيه دليل القياس حين اكتفى ببيان البعض عن الآخر.
وقوله تعالى :﴿ وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ﴾ قوله تعالى :﴿ إخوة رجالا ونساء ﴾ : إن اسم الإخوة بجميع الإناث والذكور جميعا لأنه ذكر إخوة، ثم فسر الرجال والنساء، فهو دليل لنا في قوله تعالى :﴿ فإن كان له إخوة فلأمه السدس ﴾( النساء : ١١ ) أنهم يحجبون الأم عن الثلث ذكورا أو إناثاث، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ يبين الله لكم أن تضلوا ﴾ قيل : ألا تضلوا. وقال الكسائي : العرب تقول للرجل : أطعمتك أن تجوع، وأغنيتك أن تفتقر على معنى ألا تجوع، ولا تفتقر. وفي القرآن كثير مثل هذا. ثم قوله :﴿ يبين الله لكم أن تضلوا ﴾ قيل : ألا تضلوا في تسمية المواريث، وقيل : ألا تخطئوا، وقيل : ألا تخطئوا، وهو واحد.
( وقوله تعالى )٩ :﴿ يبين الله لكم أن تضلوا ﴾ وعيد، وبالله الحول والقوة.
وفيه دلالة أن قد ينزل بيان ما يدرك بالاجتهاد والنظر، ولا يتبين ( إلا بأن يجتهد ) ٣ ويدرك بالنظر لأن عمر رضي الله عنه سأل غير مرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبينه، وأشار إلى الآية التي فيها ذكر ( ما )٤ سأل عنه لينظر، ويجتهد ليدرك.
وفيه دليل جاوز تأخير البيان لأن عمر سأله غير مرة، ولم يبينه٥ حتى أمره بالنظر في الآية، وعمر رضي الله عنه لم يكن عرف قبل ذلك، فدل جوازا تأخير البيان.
فروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال :( الكلالة من ليس له ولد ولا والد )، وكذلك قال عمر رضي الله عنه وقال :( إني لأستحي٦ من الله أن أرد شيئا قاله أبو بكر ). وسئل ابن عباس رضي الله عنه عن الكلالة، فقال :( من لا ولد له ولا والد ). وروي عن جابر رضي الله عنه ( أنه )٧ قال :( مرضت، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني، وأبو بكر الصديق معه، فوجدني قد أغمي علي، فصب وضوءه علي، فأقمت، فقلت : يا رسول الله كيف أصنع في مالي، وكان لي تسع أخوات، ولم يجبني حتى نزل قوله تعالى :﴿ يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ﴾ إلى آخر ما ذكر. قال جابر : في نزلت الآية )( البخاري : ٦٧٤٣ ).
قال بعض الناس : إذا مات الرجل وترك ابنته وأختا فلا شيء للأخت لأن الله تعالى قال :﴿ إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ﴾ والابنة ولد، فلا ميراث للأخت وللأخ مع الابنة لأنها ولد، فيقال : إن الله عز وجل جعل للابنة النصف إذ لم يكن معها ابن بقوله تعالى :﴿ وإن كانت واحدة فلها النصف ﴾ ( النساء : ١١ ). فإذا مات، وترك ابنة وأختا فللابنة النصف، وذلك النصف الباقي إذا لم يعط للأخت يرد إلى الابنة، فيكون لها كل الميراث، وقد جعل الله ميراثها، إذا لم يكن معها ولد ذكر، النصف، أو لا يرد إلى الابنة، فيجب أن ينظر أيهما أحق بذلك النصف الباقي ( فقد جاء )٨ في بعض الأخبار أن الأخوات مع البنات عصبة. لذلك كانت الأخت أولى بذلك النصف الباقي /١٢١-ب/ والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ﴾ ذكر للاثنتين الثلثين، ولم يذكر للثلاث فصاعدا منهن، وذكر في الابنة الواحدة النصف في أول السورة بقوله :﴿ وإن كانت واحدة فلها النصف ﴾ ولم يذكر الثلاث فصاعدا بقوله :﴿ فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ﴾ ( الآية : ١١ ) فترك بيان الحق في الابنتين لبيانه في الأختين، وترك البيان للأخوات لبيانه في البنات. ففيه دليل القياس حين اكتفى ببيان البعض عن الآخر.
وقوله تعالى :﴿ وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ﴾ قوله تعالى :﴿ إخوة رجالا ونساء ﴾ : إن اسم الإخوة بجميع الإناث والذكور جميعا لأنه ذكر إخوة، ثم فسر الرجال والنساء، فهو دليل لنا في قوله تعالى :﴿ فإن كان له إخوة فلأمه السدس ﴾( النساء : ١١ ) أنهم يحجبون الأم عن الثلث ذكورا أو إناثاث، والله أعلم.
وقوله تعالى :﴿ يبين الله لكم أن تضلوا ﴾ قيل : ألا تضلوا. وقال الكسائي : العرب تقول للرجل : أطعمتك أن تجوع، وأغنيتك أن تفتقر على معنى ألا تجوع، ولا تفتقر. وفي القرآن كثير مثل هذا. ثم قوله :﴿ يبين الله لكم أن تضلوا ﴾ قيل : ألا تضلوا في تسمية المواريث، وقيل : ألا تخطئوا، وقيل : ألا تخطئوا، وهو واحد.
( وقوله تعالى )٩ :﴿ يبين الله لكم أن تضلوا ﴾ وعيد، وبالله الحول والقوة.
١ ساقطة من الأصل وم..
٢ ساقطة من الأصل وم..
٣ في الأصل وم: ليجتهد..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ من م، في الأصل: ينتبه..
٦ في الأصل وم: لا أستحي..
٧ ساقطة من الأصل وم..
٨ في الأصل وم: فجاء..
٩ ساقطة من الأصل وم..
٢ ساقطة من الأصل وم..
٣ في الأصل وم: ليجتهد..
٤ ساقطة من الأصل وم..
٥ من م، في الأصل: ينتبه..
٦ في الأصل وم: لا أستحي..
٧ ساقطة من الأصل وم..
٨ في الأصل وم: فجاء..
٩ ساقطة من الأصل وم..