تفسير سورة الزخرف

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة الزخرف من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سُورَةُ الزّخْرُفِ مكية اتفاقاً.

٢ - ﴿المبين﴾ للأحرف " الستة التي سقطت من ألسنة الأعاجم " أو للهدى والرشد والبركة، أو للأحكام والحلال والحرام، أقسم بالكتاب أو برب الكتاب.
٣ - ﴿جَعَلْنَاهُ﴾ أنزلناه، أو قلناه، أو بيّناه ﴿عَرَبِيّاً﴾ لأن كل نبي بعث بلسان قومه، أو لأن لسان أهل السماء عربي ﴿تَعْقِلُونَ﴾ تفهمون، أو تتفكرون.
٤ - ﴿أُمِّ الْكِتَابِ﴾ جملة الكتاب، أو أصله، أو الحكمة التي نبّه الله عليها جميع خلقه ﴿الْكِتَابِ﴾ اللوح المحفوظ، أو ذكر عند الله - تعالى - فيه ما
149
سيكون من أعمال العباد يقابل به يوم القيامة ما ترفعه الحفظة من أعمالهم قاله ابن جريج ﴿لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ﴾ عليٌ عن أن ينال فيبدل ﴿حَكِيمٌ﴾ محفوظ من نقص، أو تغيير عند من رآه كتاب ما يكون من أعمال الخلق، أو عليٌّ: لنسخه ما تقدم من الكتب حكيم: محكم فلا ينسخ.
150
٥ - ﴿أَفَنَضْرِبُ﴾ أحسبتم أن يصفح عنكم ولما تفعلوا ما أمرتم به " ع "، أو أنكم تكذبون بالقرآن فلا يعاقبكم فيه، أو أن نهملكم فلا نعرفكم ما يلزمكم، أو نقطع تذكيركم بالقرآن وإن كذبتم به ﴿صَفْحاً﴾ إعراضاً. صفحت عن فلان أعرضت عنه أصله أن توليه صفحت عنقك.
(صفوحٌ فما تلقاكَ إلاَّ بخيلَةً فمن ملَّ منها ذلك الوصل ملَّتِ)
أي تعرض بوجهها. ﴿مُّسْرِفِينَ﴾ في الرد، أو مشركين.
٨ - ﴿مَثَلُ الأَوَّلِينَ﴾ سنتهم، أو عقوبتهم، أو عبرتهم، أو خبرهم أنهم هلكوا بالتكذيب.
﴿ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم (٩) الذي جعل لكم الأرض مهداً وجعل لكم فيها سبلاً لعلكم تهتدون (١٠) والذي نزل من السماء ماءً بقدرٍ فأنشرنا به بلدةً ميتاً كذلك تخرجون (١١) والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون (١٢) لتستووا على ظهروه ثم تذكروا نعمةَ ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (١٣) وإنا إلى ربنا لمنقلبون (١٤) ﴾
١٠ - ﴿مهاداً﴾ فراشاً ﴿سُبُلاً﴾ طرقاً ﴿تَهْتَدُونَ﴾ في أسفاركم أو تعرفون نعمة الله تعالى عليكم.
١٢ - ﴿الأزواج﴾ الأصناف كلها، أو الذكر والأنثى [١٧٣ / ب] / من الحيوان، أو الشتاء والصيف والليل والنهار والشمس والقمر والجنة والنار " ح " ﴿وَالأَنْعَامِ﴾ الإبل والبقر، أو الإبل وحدها.
١٣ - ﴿ظُهُورِهِ﴾ أضاف الظهور إلى واحد لأن المراد الجنس ﴿مُقْرِنِينَ﴾ ضابطين، أو مماثلين في القوة فلان قِرْن فلان إذا كان مثله في القوة، أو مطيقين " ع " من أقرن إقراناً إذا أطاق أو من المقارنة وهو أن تقرن بعضها ببعض في السير.
﴿وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفورٌ مبين (١٥) أم اتخذ مما يخلقُ بناتٍ وأصفاكم بالبنين (١٦) وإذا بُشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم (١٧) أومن ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين (١٨) وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويُسئلون (١٩) وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون (٢٠) ﴾
١٥ - ﴿جُزْءاً﴾ عدلاً، أو نصيباً، أو من الملائكة ولداً، أو البنات،
151
الجزء: النبات أجزأت المرأة إذا ولدت البنات.
152
١٧ - ﴿كظيم﴾ حزين، أو مكروب، أو ساكت.
١٨ - ﴿يُنَشَّؤُ﴾ يُرَبَّى يريد به الجوارى " ع "، أو البنات، أو الأصنام ﴿الْخِصَامِ﴾ الحجة، أو الجدل ﴿غَيْرُ مبين﴾ قليل البلاغة، أو ضعيف الجنة أو ساكت عن الجواب قال [قتادة] ما حاجت امرأة قط إلا أوشكت أن تتكلم بغير حجتها.
١٩ - ﴿عِبَادُ الرَّحْمَنِ﴾ جمع عابد، أو أضافهم إليه تكريماً ﴿إِنَاثاً﴾ بنات الرحمن، أو ناقصون نقص الإناث ﴿سَتُكتَب شَهَادَتُهُمْ ويُسئلون﴾ عنها إذا بعثوا.
﴿أم ءاتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون (٢١) بل قالوا إنا وجدنا ءاباءنا على أمةٍ وإنا علىءاثارهم مهتدون (٢٢) وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا ءاباءنا على أمةٍ وإنا علىءاثارهم مقتدون (٢٣) قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه ءاباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون (٢٤) فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين (٢٥) ﴾
٢٢ - ﴿أُمَّةٍ﴾ دين، أو ملة، أو قبلة، أو استقامة، أو طريقة.
٢٣ - ﴿مُّقْتَدُونَ﴾ متبعون قيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل وعتبة وشيبة.
﴿وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براءٌ مما تعبدون (٢٦) إلا الذي فطرني فإنه سيهدين (٢٧) وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون (٢٨) بل متعت هؤلاء وءاباءهم حتى جاءهم الحق ورسولٌ مبين (٢٩) ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وأنه به كافرون (٣٠) وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم (٣١) أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتخذ بعضهم بعضاً سُخرياً ورحمتُ ربك خير مما يجمعون (٣٢) ولولا أن يكون الناس أمةً واحدةً لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سُقُفاً من فضةٍ ومعارجٍ عليها يظهرون (٣٣) ولبيوتهم أبواباً وسُرراً عليها يتكئون (٣٤) وزخرفاً وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرةُ عند ربك للمتقين (٣٥) ﴾
٢٦ - ﴿بَرَآءٌ﴾ مصدر لا يثنى ولا يجمع وصف به.
٢٧ - ﴿إِلا الَّذِى فَطَرَنِى﴾ استثناء منقطع ﴿سَيَهْدِينِ﴾ قاله ثقة بالله وتعريفاً أن الهداية بيده.
٢٨ - ﴿كَلِمَةً بَاقِيَةً﴾ لا إله إلا الله لم يزل في ذريته من يقولها أو أن لا يعبدوا الله، أو الإسلام ﴿عَقِبِهِ﴾ نسله " ع "، أو آل محمد [صلى الله عليه وسلم]، أو من خلَفه {لَعَلَّهُمْ
153
يَرْجِعُونَ} إلى الحق، أو إلى دينك دين إبراهيم، أو يتوبون " ع "، أو يذَّكرون.
154
٣١ - ﴿الْقَرْيَتَيْنِ﴾ مكة والطائف وعظيم مكة الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة وعظيم الطائف: حبيب بن عمرو [بن عمير الثقفي] " ع " أو ابن عبد ياليل، أو عروة بن مسعود، أو كنانة بن عبد [بن] عمرو.
٣٢ - ﴿رحمةَ ربكَ﴾ النبوة فيضعونها حيث شاءوا ﴿مَّعِيشَتَهُمْ﴾ أرزاقهم. فتلقاه قليل الحيلة ضعيف القوة عِي اللسان وهو مبسوط عليه في رزقه وتلقاه شديد الحيلة عظيم القوة بسيط اللسان وهو مقتر عليه ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ﴾ بالفضائل، أو الحرية والرق، أو بالغنى والفقر، أو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بالتفضيل في الرزق فقسم رحمته بالنبوة كما قسم الرزق بالمعيشة ﴿سُخريًّا﴾ خدما، أو مِلكا ﴿ورحمة رَبِّكَ﴾ النبوة خير من الغنى، أو الجنة خير من الدنيا، أو إتمام الفرائض خير من كثيرة النوافل، أو ما يتفضل به عليهم خير مما يجازيهم عليه.
٣٣ - ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ على دين واحد كفاراً " ع " أو على اختيار الدنيا على الدين قاله ابن زيد ﴿سُقُفاً﴾ أعالي البيوت، أو الأبواب ﴿ومعارجَ﴾ درجات فضة ﴿يَظْهرون﴾ [١٧٤ / أ] / يصعدون.
(............................ وإنا لنبغي فوق ذلك مظهراً)
154
أي مصعداً قال الحسن - رضي الله تعالى عنه - والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك فكيف لو فعل.
155
٣٥ - ﴿وَزُخْرُفاً﴾ الذهب " ع "، أو النقوش " ح "، أو الفرش ومتاع البيت.
﴿ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين (٣٦) وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون (٣٧) حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين (٣٨) ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون (٣٩) أفأنت تُسمع الصم أو تهدي العمى ومن كان في ضلالٍ مبين (٤٠) فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون (٤١) أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون (٤٢) فاستمسك بالذي أُوحي إليك أنك على صراط مستقيم (٤٣) وإنه لذكرٌ لك ولقومك وسوف تُسئلون (٤٤) وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ءالهةً يعبدون (٤٥) ﴾
٣٦ - ﴿يَعْشُ﴾ يعرض، أو يعمى " ع "، أو السير في الظلمة من العشا وهو البصر الضعيف ﴿ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ القرآن، أو ما بينه من حلال وحرام وأمر ونهي " ع "، أو ذكر الله ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً﴾ نلقيه شيطاناً، أو نعوضه من المقايضة وهي المعاوضة ﴿قَرِينٌ﴾ في الدنيا يحمله على الحرام والمعاصي ويمنعه من الحلال والطاعات، أو إذا بعث من قبره شفع بيده شيطان فلم يفارقه حتى يصير إلى النار.
٣٨ - ﴿جاءنا﴾ ابن آدم وقرينه ﴿يا ليت﴾ يقوله الآدمي لقرينه. ﴿الْمَشْرِقَيْنِ﴾ المشرق والمغرب فغلبت أحدهما كالقمرين، أو مشرق الشتاء ومشرق الصيف. ﴿فَبِئْسَ﴾ الشيطان قريناً لمن قارنه لأنه يورده النار.
٤١ - ﴿نَذْهَبَنَّ بِكَ﴾ نخرجنك من مكة من أذاهم ﴿فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ﴾ بالسيف يوم بدر، أو أراد قبض روحه، فإنا منتقمون من أمتك فيما أحدثوا بعدك. أُري ما لقيت أمته بعده فما زال منقبضاً ولم ينبسط ضاحكاً حتى لقي الله - تعالى -.
٤٤ - ﴿لَذِكْرٌ﴾ لشرف، أو تذكرون به أمر الدين وتعملون به ﴿وَلِقَوْمِكَ﴾ قريش، أو من اتبعه من أمته، أو قول الرجل حدثني أبي عن جدي ﴿تُسْئَلون﴾ عن الشكر، أو عما أتاك.
٤٥ - ﴿من أرسلنا﴾ سبعون نبياً جُمعوا له ليلة الإسراء منهم إبراهيم وموسى وعيسى فلم يسألهم لأنه كان أعلم بالله - تعالى - منهم " ع "، أو أهل التوراة والإنجيل تقديره واسأل أمم من أرسلنا، أو جبريل تقديره وسل عمن أرسلنا: أمر بذلك لما قالت اليهود والمشركون إن ما جئت به مخالف لمن كان قبلك فأمر بسؤالهم. لا أنه كان في شك منه قال الواقدي. فسألهم فقالوا
156
بعثنا بالتوحيد، أو لم يسألهم ليقينه بالله تعالى حتى قال ميكائيل لجبريل هل سألك محمد عن ذلك فقال هو أشد إيماناً وأعظم يقيناً من أن يسأل عن ذلك.
﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملإيه فقال إني رسول رب العالمين (٤٦) فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون (٤٧) وما نريهم من ءايةٍ إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون (٤٨) وقالوا ياأيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون (٤٩) فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) ﴾
157
٤٩ - ﴿يا أيها السَّاحِرُ﴾ قالوه استهزاء " ح "، أو جرى على ألسنتهم ما ألفوه من اسمه، أو أرادوا بالساحر غالب السحرة، أو الساحر عندهم العالم فعظموه بذلك ﴿بِمَا عَهِدَ عِندَكَ﴾ لئن آمنا لتكشفن عنا العذاب فدعا فأجيب فلم يفوا بالإيمان.
٥٠ - ﴿ينكثون﴾ يغدرون.
{ونادى فرعونُ في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون (٥١) أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين (٥٢) فلولا ألقي عليه أسورةٌ من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين (٥٣) فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين (٥٤) فلما ءاسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم
157
أجمعين (٥٥) فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين (٥٦) }
158
﴿ ينكثون ﴾ يغدرون.
٥١ - ﴿وَنَادَى﴾ قال، أو أمر من ينادي ﴿مُلْك مِصْرَ﴾ الإسكندرية أو ملك منها أربعين فرسخاً في مثلها ﴿تَجْرِى مِن تَحْتِى﴾ كانت جنات وأنهار تجري من تحت قصره، أو من تحت سريره، أو النيل يجري أسفل منه، أو أراد القواد والجبابرة يسيرون تحت لوائي قاله الضحاك.
٥٢ - ﴿أم أنا﴾ بل أنا [١٧٤ / ب] / ﴿مهينٌ﴾ ضعيف، أو حقير، أو كان يمتهن نفسه في حوائجه ﴿يُبِينُ﴾ يفهم لعي لسانه، أو للثغه، أو لثقله بجمرة كان وضعها في فيه وهو صغير.
٥٣ - ﴿أسورةٌ﴾ لتكون دليلاً على صدقه، أو لأنها عادة ذلك الزمان وزي أهل الشرف والأساورة جمع أسورة والأسورة جمع سوار ﴿مُقْتَرِنِينَ﴾ متتابعين أو يقارن بعضهم بعضاً في المعونة، أو مقترنين يمشون معاً ليكونوا دليلاً على صدقه، أو أعواناً له وذكر الملائكة بناء على قول موسى فإنه لا يؤمن بالملائكة من لا يعرف خالقهم.
٥٤ - ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ﴾ استخفهم بالقول فأطاعوه على التكذيب، أو حركهم بالرغبة فخفوا في الإجابة، أو استجهلهم فأظهرو طاعته جهلهم، أو دعاهم إلى طاعته فخفوا إلى إجابته.
٥٥ - ﴿آسفونا﴾ أغضبونا، أو أسخطونا والغضب إرادة الانتقام والسخط إظهار الكراهة والأسف هو الأسى على فائت فلما وضع موضع الغضب صحت إضافته إلى الله، أو التقدير فلما آسفوا رسلنا لأن الله - تعالى - لا يفوته شيء.
٥٦ - ﴿سُلُفاً﴾ أهواء مختلفة " ع "، أو جمع سلف وهم الماضون من
158
الناس ﴿سَلَفاً﴾ بالفتح متقدمين إلى النار، أو سلفاً لهذه الأمة، أو لمن عمل مثل عملهم ﴿وَمَثَلاً﴾ عبرة لمن بعدهم، أو عظة لغيرهم.
﴿ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون (٥٧) وقالوا ءألهتنا خيرٌ أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون (٥٨) إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل (٥٩) ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون (٦٠) وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعونِ هذا صراط مستقيم (٦١) ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين (٦٢) ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون (٦٣) إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم (٦٤) فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذابٍ يومٍ أليمٍ (٦٥) ﴾.
159
٥٧ - ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً﴾ قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : يا معشر قريش ليس أحد يعبد من دون الله - تعالى - فيه خير. فقالوا: ألست تزعم أن عيسى كان عبداً صالحاً ونبياً فقد كان يعبد من دون الله فنزلت، أو نزلت لما قالت قريش إن محمداً يريد أن نعبده كما عُبد عيسى، أو لما ذكر الله - تعالى - نزول عيسى في القرآن قالت قريش ما أردت إلى ذكر عيسى فنزلت، أو نزلت لما ذكر أنه خلق عيسى من غير أب فأكبرته قريش فضربه مثلاً بأنه خلق من غير أب كما
159
خلق آدم من غير أم ولا أب ﴿يَصِدُّونَ﴾ بالضم والكسر واحد كشد يشِد ويشُد ونم ينم وينُم يضجون " ع "، أو يضحكون، أو يجزعون، أو يعرضون أو بالضم يعدلون وبالكسر يفرقون، أو بالضم يعتزلون وبالكسر يصيحون، أو بالضم من الصدود وبالكسر يضجون.
160
٥٨ - ﴿ءَالِهَتُنَا خيرٌ﴾ أم محمد، أو عيسى ﴿إِلا جدلا﴾ قالوا للرسول [صلى الله عليه وسلم] أنت تزعم أن كل معبود دون الله - تعالى - في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عُزير والمسيح والملائكة فإنهم قد عبدوا من دون الله ﴿خَصِمُونَ﴾ الخصم الحاذق بالخصومة، أو المجادل بغير حجة.
٥٩ - ﴿أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ بسياسة نفسه وقمع شهوته ﴿مَثَلاً لبني إسرائيل﴾ آية، أو لتمثيله بآدم.
٦٠ - ﴿لجعلنا منكم ملائكة﴾ قلبنا بعضهم ملائكة من غير أب كما خلق عيسى ليكونوا خلفاء ممن ذهب عنكم، أو لجعلنا بدلاً منكم ملائكة ﴿يَخْلُفُونَ﴾ يخلف بعضهم بعضاً، أو يخلفونكم، أو يعمرون الأرض بدلاً منكم، أو يكونون رسلاً إليكم بدلاً من الرسل منكم.
٦١ - ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ﴾ القرآن لما فيه من البعث والجزاء " ح " [١٧٥ / أ] / أو إحياء عيسى الموتى دليل على بعث الموتى، أو خروج عيسى عليم للساعة لأنه من أشراطها " ع " ﴿فَلا تَمْتَرُنَّ﴾ لا تشكن في الساعة، أو لا تكذبن بها ﴿صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ القرآن مستقيم إلى الجنة " ح "، أو عيسى " ع "، أو الإسلام.
٦٣ - ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ الإنجيل، أو آياته من إحياء الموتى وإبراء الأسقام والإخبار بكثير من الغيوب " ع " ﴿بِالْحِكْمَةِ﴾ النبوة، أو علم ما يؤدي إلى
160
الجميل ويكف عن القبيح ﴿بَعْضَ الَّذِى تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ تبديل التوراة، أو ما تختلفون فيه من أمر دينكم لا من أمر دنياكم، أو يبين بعضه ويكل البعض إلى اجتهادهم، أو بعض بمعنى كل.
161
٦٥ - ﴿الأَحْزَابُ﴾ اليهود والنصارى، أو فرق النصارى اختلفوا في عيسى فقالت النسطورية هو ابن الله وقالت اليعاقبة هو الله وقالت الملكية عيسى ثالث ثلاثة الله أحدهم.
﴿هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتةً وهم لا يشعرون (٦٦) الأخلاءُ يومئذٍ بعضكم لبعض عدوٌ إلا المتقين (٦٧) ياعباد لا خوفٌ عليكمُ اليوم ولا أنتم تحزنون (٦٨) الذين ءامنوا بآياتنا وكانوا مسلمين (٦٩) ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون (٧٠) يطاف عليهم بصحافٍ من ذهبٍ وأكوابٍ وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون (٧١) وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون (٧٢) لكم فيها فاكهةٌ كثيرةٌ منها تأكلون (٧٣) ﴾
٦٧ - ﴿بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ في الدنيا لأن كلاً زين للآخر ما يوبقه، أو أعداء في الآخرة مع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا قيل: نزلت في أمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط لما أمره أن يتفل في وجه الرسول [صلى الله عليه وسلم] ففعل فنذر الرسول [صلى الله عليه وسلم] قتله فقتله يوم بدر صبراً
161
وقتل أمية في المعركة.
162
٧٠ - ﴿وَأَزْوَاجُكُمْ﴾ من الحور العين، أو المؤمنات في الدنيا، أو قرناؤكم في الدنيا ﴿تُحْبَرُونَ﴾ تكرمون " ع "، أو تفرحون، أو تنعمون، أو تسرون، أو تعجبون، أو التلذذ بالسماع.
٧١ - ﴿وأكواب﴾ آنية مدروة الأفواه، أو ليست لها آذان أو الكوب المدور القصير عنقه وعروته والإبريق الطويل المستطيل عنقه وعروته، أو الأباريق التي لا خراطيم لها، أو الأباريق التي لا عرى لها.
﴿إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون (٧٤) لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون (٧٥) وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين (٧٦) ونادوا يا مالك ليقضِ علينا ربك قال إنكم ماكثون (٧٧) لقد جئناكم بالحقِ ولكن أكثركم للحق كارهون (٧٨) أم أبرموا امراً فإنا مبرمون (٧٩) أم يحسبون أنا لا نسمعُ سرهم ونجواهم بل ورسلنا لديهم يكتبون (٨٠) ﴾
٧٧ - ﴿لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ ليميتنا ﴿مَّاكِثُونَ﴾ مقيمون وبين دعائهم وجوابه أربعون سنة، أو ثمانون، أو مائة، أو ألف سنة " ع " لأن بُعْد الجواب أخزى لهم.
٧٩ - ﴿أَمْ أَبْرَمُواْ﴾ أجمعوا على التكذيب فإنا مجمعون على التعذيب أو أحكموا كيداً فإنا محكمون كيداً، أو قضوا فإنا قاضون عليهم بالعذاب قيل نزلت لما اجتمعوا في دار الندوة للمشورة في الرسول [صلى الله عليه وسلم] فاجتمع رأيهم على ما أشار به أبو جهل من قتل الرسول [صلى الله عليه وسلم] واشتراكهم في دمه فنزلت هذه الآية وقُتلوا ببدر.
162
﴿قل إن كان للرحمن ولدٌ فأنا أول العابدين (٨١) سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون (٨٢) فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون (٨٣) وهو الذي في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ وهو الحكيم العليم (٨٤) وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون (٨٥) ولا يملك الذي يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون (٨٦) ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون (٨٧) وقيله يا رب إن هؤلاء قومٌ لا يؤمنون (٨٨) فاصفح عنهم وقل سلامٌ فسوف يعلمون (٨٩) ﴾
163
٨١ - ﴿إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ﴾ من يعبد الله - تعالى - بأنه ليس له ولدٌ، أو ﴿فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ له ولكن لم يكن ولا ينبغي أن يكون له ولد، أو لم يكن له ولد وأنا أول الشاهدين بأنه ليس له ولد " ع "، أو ما كان للرحمن ولد ثم استأنف فقال: وأنا أول العابدين أي الموحدين من أهل مكة، أو إن قلتم له ولد فأنا أول الجاحدين أن يكون له ولد، أو أنا أول الآنفين إن كان له ولد.
٨٤ - ﴿فِى السَّمَآءِ إِلَهٌ وَفِى الأَرْضِ إِلَهٌ﴾ مُوَحَّد فيهما، أو معبود فيهما [١٧٥ / ب] /.
٨٦ - ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ﴾ الملائكة وعيسى وعُزير، أو الملائكة. قال النضر ونفر من قريش: إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن نتولى الملائكة
163
وهم أحق بالشفاعة لنا منه فنزلت. ﴿إِلا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ﴾ أي لا تشفع الملائكة إلا لمن شهد أن لا إله إلا الله وهم يعلمون أن الله ربهم، أو الشهادة بالحق إنما هي لمن شهد في الدنيا بالحق وهم يعلمون أنه الحق فتشفع لهم الملائكة.
164
٨٨ - ﴿وَقِيلِهِ﴾ بالجر تقديرها وعنده علم الساعة وعلم قيلهِ وتقديرها بالنصب إلا من شهد بالحق وقال قيلَه ﴿إِنَّ هَؤُلآءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ﴾ إنكار منه عليهم، أو معطوف على سرهم ونجواهم، أو شكا محمد [صلى الله عليه وسلم] إلى ربه قَيلَهُ ثم ابتدأ فأخبر يا رب إن هؤلاء.
٨٩ - ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ﴾ منسوخ بالسيف ﴿سَلامٌ﴾ ما تسلم به من شرهم، أو قل خيراً بدل شرهم، أو احلم عنهم، أو أمره بتوديعهم بالسلام ولم يجعله تحية، أو عرفه بذلك كيف السلام عليهم.
164
سُورَةُ الدُّخَانِ
مكية اتفاقاً

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿حم (١) والكتابِ المبين (٢) إنا أنزلناه في ليله مباركة إنا كنا منذرين (٣) فيها يفرق كل أمرٍ حكيم (٤) أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين (٥) رحمةً من ربك إنه هو السميع العليم (٦) رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين (٧) لا إله إلا هو يحي ويميت ربكم ورب ءابائكم الأولين (٨) ﴾
165
Icon