تفسير سورة الزخرف

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة الزخرف من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ ﴾ هذه السورة مكية.﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ ﴾ أي صيرناه وهو جواب القسم وهو من الأقسام الحسنة لتناسب القسم والمقسم عليه وكونهما من واد واحد والكتاب القرآن وأم الكتاب اللوح المحفوظ وهذا فيه تشريف للقرآن وترفيع بكونه لديه عليا على جميع الكتب وعالياً عن وجوده الفساد حكيماً أي حاكماً على سائر الكتب. وقرىء: اما بكسر الهمزة.﴿ أَفَنَضْرِبُ ﴾ قال ابن عباس المعنى أفنترك تذكيركم وتخويفكم عفوا عنكم وعفوا عن إجرامكم.﴿ أَن كُنتُمْ ﴾ لما ذكر خطاباً لقريش فنضرب عنكم الذكر وكان هذا الإِنكار دليلاً على تكذيبهم للرسول عليه السلام وإنكار الماء جاء به آنسه الله تعالى بأن عادتهم عادة الأمم السابقة في استهزائهم بالرسل وأنه تعالى أهلك من كان أشد منهم بطشاً أي أكثر عدداً وعدداً وجلداً.﴿ وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ أي فليحذر قريش أن يحل بهم مثل ما حل بالأولين مكذبي الرسل من العقوبة.﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ ﴾ إحتجاج على قريش بما يوجب التناقض وهو إقرارهم بأن موجد العالم العلوي والسفلي هو الله تعالى ثم هم يتخذون أصناماً آلهة من دون الله تعالى يعبدونها والظاهر أن خلقهن العزيز العليم هو نفس المحكي من كلامهم ولا بدل كونهم ذكروا في مكان خلقهن الله أن لا يقولوا في سؤال آخر خلقهن العزيز العليم. و ﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ﴾ هو من كلام الله تعالى خطاباً لهم بتذكير نعمه السابقة وكرر الفعل في الجواب في قولهم خلقهن العزيز العليم مبالغة في التوكيد وفي غير ما سؤال اقتصروا على ذكر إسم الله تعالى إذ هو العلم الجامع للصفات العلا وجاء الجواب مطابقاً للسؤال من حيث المعنى لا من حيث اللفظ لأن من مبتدأ فلو طابق في اللفظ كان بالاسم مبتدأ ولم يكن بالفعل.﴿ لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ أي إلى مقاصدكم في السفر.﴿ فَأَنشَرْنَا ﴾ أي أحيينا.﴿ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً ﴾ ذكر على معنى القطر وبلدة إسم جنس.﴿ لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ﴾ تقدم قوله ما تركبون وهي موصولة ويراعى فيها اللفظ والمعنى فمراعاة المعنى في قوله ظهور حيث جمع ومراعاة اللفظ حيث أضاف الظهور إلى ضمير المفرد وكذا فيما بعد ذلك في قوله عليه وفي الإِشارة في قوله: هذا وجاء في الحديث" أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع رجله في الركاب قال: بسم الله فإِذا استوى على الدابة قال الحمد لله على كل حال سبحان الذي سخر لنا هذا إلى قوله: لمنقلبون وكبر ثلاثاً وهل ثلاثاً "والمقرن الغالب الضابط المطيق للشىء يقال أقرن الشىء إذا أطاقه والقرن الحبل الذي يقرن به.﴿ وَجَعَلُواْ لَهُ ﴾ أي كفار قريش والعرب له أي لله تعالى.﴿ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ أي ممن هم عبيده.﴿ جُزْءًا ﴾ أي نصيباً وهو قولهم الملائكة بنات الله.﴿ أَمِ ٱتَّخَذَ ﴾ استفهام إنكار وتوبيخ لقلة عقولهم كيف زعموا أنه تعالى اتخذ لنفسه ما أنتم تكرهونه.﴿ وَأَصْفَاكُم ﴾ جعل لكم صفوة ما هو محبوب لكم وذلك هو وقوله مما يخلق تنبيه على استحالة الولد ذكراً كان أو أنثى.﴿ وَإِذَا بُشِّرَ ﴾ تقدم الكلام عليه.﴿ أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ ﴾ أي ينتقل في عمره حالاً فحالاً في الحلية وهو الحلي الذي لا يليق إلا بالإِناث دون الرجال لتزينهن بذلك لأوزاجهن وهو أن خاصم لا يبين لضعف العقل ونقص التدبر والتأمل أظهر بهذا تحقيرهن وشغوف البنين عليهن وكان في ذلك إشارة إلى أن الرجل لا يناسب له التزين كما للمرأة وأن يكون مخشوشنا.﴿ وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً ﴾ لم يكفهم ان جعلوا لله تعالى ولداً حتى جعلوه أنثى وجعلوهم من الملائكة وهذا من جهلهم بالله تعالى وصفاته واستخفافهم بالملائكة حيث نسبوا إليهم الأنوثة وقرىء: عند الرحمٰن ظرفاً وهذا الاستفهام فيه تهكم بهم والمعنى إظهار فساد عقولهم وان دعاويهم مجردة من الحجة.﴿ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾ تقدم الكلام عليه ولما نفى عنهم علم ترك عقابهم على عبادة غير الله أي ليس يدل على ذلك عقل نفي أيضاً أن يدل على ذلك سمع فقال:﴿ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً ﴾ من قبل نزول القرآن أو من قبل إنذار الرسول عليه السلام يدل على تجويز عبادتهم غير الله وأنه لا يترتب على ذلك عقاب إذ هو وفق المشيئة.﴿ فَهُم بِهِ ﴾ أي بذلك الكتاب.﴿ مُسْتَمْسِكُونَ ﴾ في عبادة غير الله وانتفاء الإِثم على ذلك ثم أخبر تعالى أنهم مقلدون في ذلك لآبائهم ولا دليل لهم من عقل ولا نقل ومعنى على أمة أي على طريقة ودين وعادة فقد سلكنا مسلكهم ونحن مهتدون في اتباع آثارهم والظاهر أن الضمير في قال أو في قل للرسول عليه السلام أي قل يا محمد لقومك أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من الدين الذي وجدتم عليه آباءكم وهذا تجهيل لهم حيث يقلدون ولا ينظرون في الدلائل.﴿ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ ﴾ أي أنت والرسل قبلك غلب الخطاب على العتبة.﴿ فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ بالقحط والقتل والسبي والجلاء.﴿ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ﴾ من كذبك.﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ﴾ ذكر العرب بحال جدّهم الأعلى ونهيه عن عبادة غير الله وإفراده بالتوحيد والعبادة هزأ لهم ليكون لهم رجوع إلى دين جدهم إذ كان أشرف آبائهم والمجمع على محبته وأنه عليه السلام لم يقلد أباه في عبادة الأصنام فينبغي أن تقتدوا به في ترك تقليد آبائكم الأقربين وترجعوا إلى النظر واتباع الحق وقرأ الجمهور براء وهو مصدر يستوي فيه المفرد والمذكر ومقابلهما يقال نحن البراء منك وقرىء بضم الباء وقرىء: بفتح الباء وكسر الراء.﴿ إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي ﴾ إستثناء منقطع إذ كانوا لا يعبدون الله تعالى مع أصنامهم. وأجاز الزمخشري أن يكون الذي مجروراً بدلاً من المجرور بمن كأنه قال إنني براء مما تعبدون إلا من الذي وان تكون إلا صفة بمعنى غير على ان ما في ما تعبدون نكرة موصوفة تقديره إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني فهو قوله تعالى:﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾[الأنبياء: ٢٢] " انتهى ". فوجه البدل لا يجوز لأنه إنما يكون في غير الموجب من النفي والنهي والاستفهام ألا ترى أنه يصلح ما بعد إلا لتفريغ العامل له وإنني براء جملة موجبة فلا يصح أن يفرغ العامل فيها الذي هو براء لما بعد إلا، وغر الزمخشري كون براء فيه معنى الانتفاء ومع ذلك فهو موجب لا يجوز أن يفرغ لما بعد إلا وأما تقديره ما نكرة موصوفة ولم يبقها موصولة لاعتقاده أن إلا لا تكون صفة إلا لنكرة وهذه المسألة فيها خلاف من النحويين من قال توصف بها النكرة والمعرفة فعلى هذا تبقى ما موصولة وتكون إلا في موضع الصفة للمعرفة.﴿ ٱلَّذِي فَطَرَنِي ﴾ تنبيه على أن لا يستحق العبادة ولا يعبد إلا الخالق.﴿ فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ أي يديم هدايتي والضمير في جعلها المرفوع عائد على إبراهيم وقيل على الله تعالى والضمير المنصوب عائد على كلمة التوحيد التي تكلم بها وهي قوله: إنني براءة مما تعبدون إلا الذي فطرني والإِشارة بهؤلاء لقريش ومن كان من عقب إبراهيم عليه السلام من العرب لما قال في عقبه قال تعالى: لكن متعت هؤلاء وأنعمت عليهم على كفرهم فليسوا ممن بقيت كلمة التوحيد فيهم.﴿ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ ﴾ وهو القرآن.﴿ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ ﴾ هو محمد صلى الله عليه وسلم والضمير المرفوع في وقالوا لقريش كانوا قد استبعدوا أن يرسل الله رسولاً من البشر واستفاض عندهم أمر إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وغيرهم من الرسل صلوات الله عليهم فلما لم يكن لهم في ذلك مدفع ناقضوا فيما يخص محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا لم كان محمداً ولم يكن القرآن نزل على رجل من القريتين عظيم أشاروا إلى من عظم قدره بالسن والقدم والجاه وكثرة المال أي من إحدى القريتين وهما مكة والطائف قال ابن عباس: والذي من مكة الوليد بن المغيرة المخزومي ومن الطائف حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي وكان الوليد بن المغيرة يسمى ريحانة قريش وكان يقول لو كان ما يقول محمد حقاً لنزل علي.﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ﴾ فيه توبيخ وتعجيب من جهلهم كأنه قيل أعلى اختيارهم وإرادتهم تقسم الفضائل من النبوة وغيرها ثم في إضافته في قوله رحمة ربك تشريف له صلى الله عليه وسلم وان هذه الرحمة التي حصلت لك ليست إلا من ربك المصلح لحالك ثم أخبر تعالى أنه هو الذي قسم المعيشة بينهم فلم يحصل لأحد إلا ما قسمه الله تعالى له وإذا كان تعالى هو الذي تولى ذلك وفارق بينهم وذلك في الأمر الثاني فكيف لا يتولى ذلك في الأمر الخطير وهو إرسال من يشاء وتنبي من يشاء فليس لكم أن تتخيروا من يصلح لذلك بل أنتم عاجزون عن تدبير أموركم وفي قوله: نحن قسمنا بينهم تزهيد في الانكباب على طلب الدنيا وعون على التوكل على الله تعالى وقال مقاتل: فأضلنا بينهم فمن رئيس ومرؤوس وأنشد الشافعي رضي الله عنه: ومن الدليل على القضاء وكونه   بؤس اللبيس وطيب عيش الأحمق﴿ رَحْمَتَ رَبِّكَ ﴾ قيل الجنة وقيل غير ذلك خير مما يجمع هؤلاء من حطام الدنيا وفي هذا اللفظ تحقير للدنيا وما جمع فيها من متاعها.﴿ وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ أي ولولا أن يرغب الناس في الكفر إذا رأوا الكافر في سعة ويصيروا أمة واحدة في الكفر قاله ابن عباس وغيره لأعطيناهم من زينة الدنيا كذا وكذا ولكنه تعالى اقتضت حكمته أن يغني ويفقر الكافر والمؤمن. وقال ابن عطية: واللام في لمن يكفر لام الملك وفي لبيوتهم لام تخصيص كما تقول هذا الكساء لزيد لدابته أي هو لدابته حلس ولزيد ملك " انتهى ". ولا يصح ما قاله لأن لبيوتهم بدل اشتمال أعيد معه العامل فلا يمكن من حيث هو بدل أن تكون اللام الثانية إلا بمعنى اللام الأولى أما أن يختلف المدلول فلا واللام في كليهما للتخصيص وقرىء:﴿ سُقُفاً ﴾ على الجمع كرهن ورهن وعلى الإِفراد.﴿ وَمَعَارِجَ ﴾ جمع معرج وهي المصاعد إلى العلالي.﴿ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾ أي يعلون السطوح. وقال الزمخشري: سقوفاً ومصاعد وأبواباً وسرراً كلها من فضة " انتهى ". كأنه يرى اشتراك المعاطيف في وصف ما عطفت عليه ولا يتعين أن توصف المعاطيف بكونها من فضة والزخرف هنا الذهب. قاله ابن عباس: وفي الحديث" إياكم والحمرة فإِنها من أحب الزينة إلى الشيطان "وقال الشاعر: وصبغت درعك من دماء كماتهم   لما رأيت الحسن يلبس أحمراً
﴿ وَإِن كُلُّ ﴾ فإِن مخففة من الثقيلة واللام الفارقة بين الإِيجاب والنفي وما زائدة.﴿ مَتَاعُ ﴾ خبر كل وقرىء: لما بمعنى الأفان نافية.﴿ وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ أي ونعيم الآخرة وفيه تحريض على التقوى.﴿ وَمَن يَعْشُ ﴾ أي يعم.﴿ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾ وهو القرآن كقوله:﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ﴾[البقرة: ١٨، ١٧١].
﴿ نُقَيِّضْ ﴾ أي نهيىء ونيسر وهذا عقاب على الكفر بالحتم وعدم الفلاح والظاهر أن ضمير النصب في وانهم ليصدونهم عائد على من على المعنى أعاد أولاً على اللفظ في إفراد الضمير ثم أعاد على المعنى والضمير في يصدونهم عائد على شيطان وإن كان مفرداً لأنه مبهم في جنسه ولكل عاش شيطان قرين فجاز أن يعود الضمير مجموعاً وقرىء: جاآنا على التثنية أي العاش والقرين أعاد على لفظ من ولفظ الشيطان القرين وإن كان من حيث المعنى صالحاً للجمع وقرىء: جاءنا على الإِفراد والضمير عائد على لفظ من أعاد أولاً على اللفظ ثم جمع على المعنى ثم أفرد على اللفظ.﴿ قَالَ ﴾ أي الكافر للشيطان.﴿ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ ﴾ تمنى لو كان ذلك في الدنيا حتى لا يصده عن سبيل الله أو تمنى ذلك في الآخرة وهو الظاهر لأنه جواب إذا التي للإِستقبال أي مشرقي الشمس مشرقها في أقصر يوم من السنة ومشرقها في أطول يوم من السنة.﴿ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ ﴾ مبالغة منه في ذم قرينه إذ كان سبب إيراده النار والمخصوص بالذم محذوف تقديره فبئس القرين أنت.﴿ وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ ﴾ حكاية حال يقال لهم يوم القيامة وهي مقالة موحشة حرمتهم روح التأسي لأنه وقفهم بها على أنه لا ينفعهم التأسي لعظم المصيبة وطول العذاب واستمر مدته إذ التأسي راحة كل مصاب في الدنيا في الأغلب. قال الزمخشري: وإذا بدل من اليوم " انتهى ". وحمل إذ ظلمتم على معنى إذ نبين ووضح ظلمكم ولم يبق لأحد ولا لكم شبهة في أنكم كنتم ظالمين ونظيره قوله: إذا ما انتسبنا لم تلدني   أي يتبين أني ولد كريمة " انتهى ". ولا يجوز فيه البدل على بقاء إذ على موضوعها من كونها ظرفاً لما مضى من الزمان فإِن جعلت لمطلق الوقت جاز وتخريجها على البدل أخذه الزمخشري من ابني أخذه الزمخشري من ابني جنى قال الزمخشري: من ابن جنى قال في مساءلته ابا على راجعته مراراً فيها وآخر ما حصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان وهما سواء في حكم الله تعالى وعلمه فتكون إذ بدلاً من اليوم حتى كأنها مستقبلة أو كان اليوم ماض وقيل التقدير بعد إذ ظلمتم فحذف المضاف للعلم به وفاعل ينفعكم الاشتراك ولما كانت حواسهم لم ينتفعوا بها أعاد الضمير عليهم في قوله:﴿ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ ﴾ ولم يجر لهم ذكر إلا في قوله: أفأنت تسمع الصم والمعنى إن قبضناك قبل نصرك فإِنا منهم منتقمون في الآخرة.﴿ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ ﴾ أي هم في قبضتنا لا يفوتونا ولما ردّ تعالى بين حياته وموته صلى الله عليه وسلم أمره بأن يستمسك بما أوحاه إليه.﴿ وَإِنَّهُ ﴾ أي وإن ما أوحينا إليك.﴿ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ أي شرف حيث نزل عليهم وبلسانهم وجعل سائر الناس تبعاً لهم والقوم على هذا قريش ثم العرب.﴿ وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا ﴾ الظاهر أنه خطاب للسامع الذي يريد أن يفحص عن الديانات فقيل له اسأل أيها الناظر اتباع الرسل جاءتهم الرسل بعبادة غير الله فإِنهم يخبرونك ان ذلك لم يقع ولا يمكن أن يأتوا به قبلك أي قبل بعثة رسولك أيها السامع وعلق واسأل فارتفع من وهو اسم استفهام على الابتداء وأرسلنا خبره والجملة في موضع نصب باسأل بعد إسقاط الخافض كان سؤاله من أرسلت يا رب قبلي من رسلك أجعلت في رسالته آلهة تعبد ثم سألهم السؤال فحكى المعنى فرد الخطاب إلى محمد في قوله من قبلك.﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ ﴾ الآية.﴿ فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ ﴾ قبله كلام محذوف تقديره فطالبوه بما يدل على صحة دعواه الرسالة من الله تعالى فلما جاءهم بآياتنا.﴿ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ ﴾ أي فاجأهم الضحك بحيث لم يفكروا ولم يتأملوا بل بنفس ما رأوا ذلك ضحكوا سخرية واستهزاء كما كانت قريش تضحك قال الزمخشري: فإِن قلت كيف جاز أن تجاب لما باذا المفاجأة قلت: لأن فعل المفاجأة معها مقدر وهو عامل النصب في محلها كأنه قيل فلما جاءهم فاجأوا وقت ضحكم " انتهى ". ولا نعلم غوياً ذهب إلى ما ذهب إليه هذا الرجل من أن الفجائية تكون منصوبة بفعل مقدّر تقديره فاجأ بل المذاهب فيها ثلاثة مذهب انها حرف فلا تحتاج إلى عامل ومذهب انها ظرف مكان فإِن صرح بعد الاسم بعدها بخبر له كان ذلك الخبر عاملاً فيها نحو خرجت فإِذا زيد قائم فقائم ناصب لا اذا كأن التقدير خرجت ففي المكان الذي خرجت فيه زيد قائم ومذهب انها ظرف زمان والعامل فيه الخبر أيضاً كأنه قال: ففي الزمان الذي خرجت فيه زيد قائم وإن لم يذكر بعد الاسم خبر أو ذكر اسم منصوب على الحال كانت إذا خبراً للمبتدأ فإِن كان المبتدأ جثة وقلنا إذا ظرف مكان كان الأمر واضحاً وإن قلنا ظرف زمان كان الكلام على حذف أي ففي الزمان حضور زيد وما ادعاه الزمخشري من إضمار فعل المفاجأة لم ينطق به ولا في موضع واحد ثم المفاجأة التي ادعاها لا يدل المعنى على أنها تكون من الكلام السابق بل المعنى يدل على أن المفاجأة تكون من الكلام الذي فيه إذا تقول خرجت فإِذا الأسد فالمعنى ففاجأني الأسد وليس المعنى ففاجأت الأسد.﴿ وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ ﴾ كانت آياته من كبار الآيات وكانت كل واحدة أكبر من التي قبلها فعلى هذا يكون ثم صفة محذوفة أي من أختها السابقة عليها ولا يبقى في الكلام تعارض ولا يكون ذلك الحكم في الآية الأولى لأنه لا يسبقها شىء فتكون أكبر منه وقيل الأولى تقتضي علماً والثانية تقتضي علماً منضماً إلى علم الأولى فيزداد الرجوح ومعنى أختها مناسبتها تقول هذه الدرة أخت هذه أي مناسبتها.﴿ وَقَالُواْ يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ﴾ خطاب استهزاء وانتقاص ويكون قولهم بما عهد عندك أي زعمك وقولك.﴿ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ﴾ إخبار غير مطابق معلق على شرط دعائه وكشف العذاب عنهم وعهد معزوم على نكثه ألا ترى إلى قوله إذا هم ينكثون قوله بما عهد عندك يحتمل أن يكون من أن دعوتك مستجابة.
﴿ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ ﴾ جعل القوم محلاً للنداء والظاهر أنه نادى عظماء القبط في محله الذي هو وهم يجتمعون فيه فرفع صوته فيما بينهم لتنتشر مقالته في جميع القبط وسبب ندائه ذلك أنه لما رأى إجابة الله دعوة موسى عليه السلام ورفع العذاب عنهم خاف ميل القوم إليه فنادى.﴿ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾ أراد أن يبين فضله على موسى عليه السلام بملك مصر وهي من اسكندرية إلى أسوان.﴿ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ ﴾ أي الخلجان التي تخرج من النيل وأعظمها نهر الملك ونهر طولون ونهر قنيس ونهر دمياط واو في وهذه الأنهار واو الحال وتجري خبر وهذه والأنهار صفة أو عطف بيان.﴿ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ عظمتي وقدرتي وعجز موسى.﴿ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ ﴾ الظاهر أنها أم المنقطعة المقدرة ببل والهمزة أي بل انا خير وهو إذا استفهم أو خير ممن هو ضعيف.﴿ وَلاَ يَكَادُ ﴾ يفصح عن مقصوده إذا تكلم وهو الملك المتحكم فيهم قالوا له بلا شك أنت خير.﴿ فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ ﴾ قال مجاهد كانوا إذا سودوا رجلاً سوروه بسوارين وطوقوه من ذهب علامة لسودده فقال فرعون هلا ألقى رب موسى عليه أساورة من ذهب إن كان صادقاً فكان ذلك دليلاً على إلقاء مقاليد الملك إليه لما وصف نفسه بالملك والعزة وصفة بالضعف والاعضاد اعترض فقال إن كان صادقاً فهلا ملكه ربه وسوره وجعل الملائكة أنصاره وقرىء: أسورة.﴿ فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ ﴾ أي استجهلهم لقلة أحلامهم.﴿ فَلَمَّآ آسَفُونَا ﴾ هو على حذف مضاف قال ابن عباس: احزنوا أولياءنا المؤمنين.﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً ﴾ قال ابن عباس: متقدمين إلى النار.﴿ وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ ﴾ أي حديثاً عجيب الشأن سائراً مسير المثل يحدث به الآخرون من الكفار يقال لهم مثلكم مثل قوم فرعون.﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً ﴾ الآية لما ذكر طرفاً من قصة موسى عليه السلام ذكر طرفاً من قصة عيسى عليه السلام وعن ابن عباس وغيره لما نزل ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم ونزل كيف خلق من غير فحل قالت قريش: وما أراد محمد من ذكر عيسى إلا أن نعبده نحن كما عبدت النصارى عيسى فهذا كان صدودهم من ضربه مثلاً.﴿ وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ ﴾ هذا استفهام يتضمن أن آلهتهم خير من عيسى عليه السلام.﴿ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً ﴾ أي ما مثلوا هذا التمثيل إلا لأجل الجدل والغلبة والمغالطة لا لتمييز الحق واتباعه وانتصب جدلاً على أنه مفعول من أجله وقيل مصدر في موضع الحال.﴿ خَصِمُونَ ﴾ شديد والخصومة واللجاج والظاهر أن الضمير في أم هو لعيسى لتناسق الضمائر في قوله: إن هو إلا عبد أنعمنا عليه.﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا ﴾ قال بعض النحويين من تكون للبدل أي لجعلنا بدلكم ملائكة وجعل من ذلك قوله تعالى:﴿ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ ﴾[التوبة: ٣٨] أي بدل الآخرة ومنه قول الشاعر: أخذوا المخاض من الفصيل عُلية   ظلماً ويكتب للأمير أفلا أي بدل الفصيل ويجوز أن تكون من هنا للتعليل على حذف مضاف تقديره من أجلكم.﴿ يَخْلُفُونَ ﴾ أي يكونون خلفاءكم وقيل يخلف بعضهم بعضاً والظاهر أن الضمير في وانه لعلم للساعة يعود على عيسى عليه السلام إذ الظاهر في الضمائر السابقة أنها عائدة عليه وقرأ ابن عباس وجماعة لعلم أي لعلامة للساعة يدل على قرب ميقاتها إذ خروجه شرط من إشراطها وهو نزوله من السماء في آخر الزمان.﴿ وَٱتَّبِعُونِ ﴾ أي هداي.﴿ بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ أي المعجزات أو بآيات الإِنجيل الواضحات.﴿ بِٱلْحِكْمَةِ ﴾ أي بما تقتضيه الحكمة الإِلٰهية من الشرائع بالحكمة.﴿ وَلأُبَيِّنَ ﴾ متعلق بجئتكم.﴿ بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴾ من أمر الديانات والضمير في من بينهم عائد على من خاطبهم عيسى عليه السلام في قوله: قد جئتكم بالحكمة وهم قومه المبعوث إليهم.﴿ فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ ﴾ تقدم الكلام عليه.﴿ هَلْ يَنظُرُونَ ﴾ الضمير لقريش وان تأتيهم بدل من الساعة أي إتيانها إياهم.﴿ ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ ﴾ قيل نزلت في أبي بن خلف بن أبي معيط والتنوين في يومئذٍ عوض من الجملة المحذوفة أي يوم إذ تأتيهم الساعة والذين آمنوا صفة ليا عبادي.﴿ تُحْبَرُونَ ﴾ تسرون سرورا يظهر حباره أي أثره على وجوههم والضمير في وفيها عائد على الجنة.﴿ مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ ﴾ هذا حصر لأنواع النعيم لأنها اما مشتهاة في القلب وإما مستلذة في العيون.﴿ وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ﴾ مبتدأ وخبر.﴿ أُورِثْتُمُوهَا ﴾ حال ويجوز أن تكون الجنة بدلاً من تلكم وأورثتموها الخبر. و ﴿ بِمَا كُنتُمْ ﴾ متعلق بأورثتموها ولما ذكر ما تضمن الأكل والشرب ذكر الفاكهة.﴿ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ من للتبعيض إذ لا يأكلون إلا بعضها.﴿ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ لما ذكر تعالى حال أهل الجنة أعقبه بذكر حال الكفرة.﴿ وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ ﴾ تقدم أنهم مبلسون أي ساكنون وهذه أحوال لهم في أزمان متطاولة فلا تعارض بين سكوتهم وندائهم واللام في ليقض لام الطلب والرغبة والمعنى ليمتنا مرة حتى لا يتكرر عذابنا.﴿ قَالَ ﴾ أي مالك.﴿ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ ﴾ أي مقيمون في النار لا تبرحون وقال ابن عباس يجيبهم بعد مضي ألف سنة.﴿ لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ ﴾ الظاهر أنه من كلام الله تعالى لهم.﴿ أَمْ أَبْرَمُوۤاْ ﴾ الضمير لقريش أي بل أحكموا أمراً من كيدهم للرسول ومكرهم.﴿ فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾ كيدنا كما أبرموا كيدهم وكانوا يتناجون ويتسارون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى:﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ﴾ وهو ما يحدث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خال.﴿ وَنَجْوَاهُم ﴾ وهو ما تكلموا به فيما بينهم.﴿ بَلَىٰ ﴾ أي نسمعها.﴿ وَرُسُلُنَا ﴾ وهم الحفظة.﴿ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ ﴾ التعليق بأن لا يقتضي جواز الشىء بل قد يتعلق بها الممتنع ويجاب بالممتنع ونظيره ما تقدم من قوله تعالى:﴿ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ ﴾[الأنعام: ٣٥] وجوابه محذوف تقديره فافعل وهو عليه السلام لا يستطيع إلا النفق وله السلم ويجوز أن يكون المعنى إن كان للرحمٰن ولد فيما تدعون وتزعمون.﴿ فَأَنَاْ أَوَّلُ ﴾ الآنفين المنكرين لذلك تقول العرب عبد الرجل يعبد بمعنى أنف يأنف ومعنى إلٰه معبود وبه يتعلق الجار والمجرور والمعنى أنه هو معبود في السماء ومعبود في الأرض والعائد على الموصول محذوف تقديره وهو إله وقرىء: وقيله منصوب على إضمار فعل أي ويعلم قيله وبالخفض فقيل معطوف على الساعة وقيل هي واو القسم والجواب محذوف تقديره لينصرن أو لأفعلن بهم ما أشاء وبالرفع معطوف على علم الساعة تقديره وعلم قيله فحذف وعلم وأقيم المضاف إليه مقامه فرفع والضمير المجرور عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم بدلالة قوله:﴿ فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ ﴾ أي أعرض عنهم وتاركهم.﴿ وَقُلْ سَلاَمٌ ﴾ أي الأمر سلام.﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ وعيد لهم وتهديد وموادعة وهي منسوخة بآية السيف.
Icon