ﰡ
﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ ﴾ يعني القرآن أنزله الله من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا.
﴿ فِي لَيلَةِ مُّبَارَكَةٍ ﴾ فيها قولان :
أحدهما : أنها ليلة النصف من شعبان؛ قاله عكرمة.
الثاني : أنها ليلة القدر.
روى قتادة عن وائلة أن النبي ﷺ قال :« نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ في أَوَّلِ لَيلَةٍ مِن رَمَضَانَ، وَأُنزِلَت التَّوْرَاةُ لِسِتٍ مَضَيْنَ مِن رَمَضَانَ وَأُنزِلَ الزَّبُورُ لاثْنَتَي عَشْرَةَ مَضَتْ مِن رَمَضَانَ، وَأُنزِلَ الإِنْجِيلُ لِثَمَانِيَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِن رَمَضَانَ. وَأُنزِلَ القْرآنُ لأَرْبعٍ وَعشرِينَ مِن رَمَضَانَ »
وفي تسميتها مباركة وجهان :
أحدهما : لما ينزل فيها من الرحمة.
الثاني : لما يجاب فيها من الدعاء.
﴿ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ بالقرآن من النار.
ويحتمل : ثالثاً : منذرين بالرسل من الضلال.
﴿ فِيهَا ﴾ في هذه الليلة المباركة.
﴿ يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ وفي يفرق أربعة أوجه :
أحدها : يقضى، قاله الضحاك.
الثاني : يكتب، قاله ابن عباس.
الثالث : ينزل، قاله ابن زيد.
الرابع : يخرج، قاله ابن سنان.
وفي تأويل ﴿ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ أربعة أوجه :
أحدها : الآجال والأرزاق والسعادة والشقاء من السنة إلى السنة، قاله ابن عباس.
الثاني : كل ما يقضى من السنة إلى السنة، إلا الشقاوة والسعادة فإنه في أم الكتاب لا يغير ولا يبدل، قاله ابن عمر.
الثالث : كل ما يقضى من السنة إلى السنة إلا الحياة والموت، قاله مجاهد.
الرابع : بركات عمله من انطلاق الألسن بمدحه، وامتلاء القلوب من هيبته، قاله بعض أصحاب الخواطر.
الحكيم هنا هو المحكم. وليلة القدر باقية ما بقي الدهر، وهي في شهر رمضان في العشر الأواخر منه. ولا وجه لقول من قال إنها رفعت بموت النبي ﷺ، ولا لقول من جوزها في جميع السنة لأن الخبر والأثر والعيان يدفعه. واختلف في محلها من العشر الأواخر من رمضان على أقاويل ذكرها في سورة القدر أولى.
قوله تعالى :﴿ أَمْراً مِنْ عِندِنَا ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الأمر هو القرآن أنزله الله من عنده، حكاه النقاش.
الثاني : أنه ما قضاه الله في الليلة المباركة من أحوال عباده قاله ابن عيسى.
ويحتمل :
ثالثاً : أنه إرسال محمد ﷺ نبياً.
﴿ إنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : مرسلين الرسل للإنذار.
الثاني : منزلين ما قضيناه على العباد.
الثالث : مرسلين رحمة من ربك.
وفي ﴿ رَحْمَةً مِّن رِّبِّكَ ﴾ هنا وجهان :
أحدهما : أنها نعمة الله ببعثة رسوله ﷺ.
الثاني : أنها رأفته بهداية من آمن به.
﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ لقولهم ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بفعلهم.
أحدهما : معناه فانتظر يا محمد بهؤلاء يوم تأتي السماء بدخان مبين، قاله قتادة.
الثاني : معناه فاحفظ يا محمد قولهم هذا لتشهد عليهم يوم تأتي السماء بدخان مبين، ولذلك سمي الحافظ رقيباً، قال الأعشى :
عليّ رقيب له حافظٌ... فقل في امرىءٍ غِلقٍ مرتهن
وفي قوله تعالى ﴿ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : ما أصاب أهل مكة من شدة الجوع حتى صار بينهم وبين السماء كهيئة الدخان لما دعا عليهم رسول الله ﷺ في إبطائهم عن الإيمان وقصدهم له بالأذى، فقال :« اللَّهُمَّ اكفِنِيهِم بِسَبْعٍ كَسَبْع يُوسُفَ » قاله ابن مسعود. قال أبو عبيدة والدخان الجدب. وقال ابن قتيبة : سمي دخاناً ليبس الأرض منه حتى يرتفع منها الدخان.
الثاني : أنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغيوم، قاله عبد الرحمن بن الأعرج.
الثالث : أنه دخان يهيج بالناس يوم القيامة يأخذ المؤمن منه كالزكمة، وينفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه، رواه أبو سعيد الخدري مرفوعاً.
قوله تعالى :﴿ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه الدخان، قاله قتادة.
الثاني : الجوع : قاله النقاش.
الثالث : أنه الثلج وهذا لا وجه له لأن هذا إما أن يكون في الآخرة أو في أهل مكة، ولم تكن مكة من بلاد الثلج غير أنه مقول فحكيناه.
قوله تعالى :﴿ إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أي عائدون إلى نار جهنم.
الثاني : إلى الشرك، قاله ابن مسعود. فلما كشف ذلك عنهم باستسقاء النبي ﷺ لهم عادوا إلى تكذيبه.
قوله تعالى :﴿ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى ﴾ والبطشة الكبرى هي العقوبة الكبرى، وفيها قولان :
أحدهما : القتل بالسيف يوم بدر، قاله ابن مسعود وأُبي بن كعب ومجاهد والضحاك.
الثاني : عذاب جهنم يوم القيامة، قاله ابن عباس والحسن.
ويحتمل :
ثالثاً : أنها قيام الساعة لأنها خاتمة بطشاته في الدنيا.
﴿ إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾ أي من أعدائنا. وفي الفرق بين النقمة والعقوبة ثلاثة أوجه :
أحدها : أن العقوبة بعد المعصية لأنها من العاقبة، والنقمة قد تكون قبلها، قاله ابن عيسى.
الثاني : أن العقوبة قد تكون في المعاصي، والنقمة قد تكون في خلقه لأجله.
الثالث : أن العقوبة ما تقدرت، والانتقام غير مقدر.
﴿ وَجَآءَهُمْ رَسُولُ كَرِيمٌ ﴾ وهو موسى بن عمران عليه السلام. وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : كريم على ربه، قاله الفراء.
الثاني : كريم في قومه.
الثالث : كريم الأخلاق بالتجاوز والصفح.
قوله تعالى :﴿ أَنْ أَدُّواْ إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أي أرسلوا معي بني إسرائيل ولا تستعبدوهم، قاله مجاهد.
الثاني : أجيبوا عباد الله خيراً، قاله أبو صالح.
الثالث : أدوا إليَّ يا عباد الله ما وجب عليكم من حقوق الله، وهذا محتمل.
﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أمين على أن أؤديه لكم فلا أتزيد فيه.
الثاني : أمين على ما أستأديه منكم فلا أخون فيه.
قوله تعالى :﴿ وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى اللَّهِ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : لا تبغوا على الله، قاله قتادة.
الثاني : لا تفتروا على الله، قاله ابن عباس، والفرق بين البغي والافتراء أن البغي بالفعل، والافتراء بالقول.
الثالث : لا تعظموا على الله، قاله ابن جريج.
الرابع : لا تستكبروا على عباد الله، قاله يحيى. والفرق بين التعظيم والاستكبار أن التعظيم تطاول المقتدر، والاستكبار ترفع المحتقر.
﴿ إِنِّي ءَاتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بعذر مبين، قاله قتادة.
الثالث : بحجة بينة، قاله يحيى.
قوله تعالى :﴿ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لجأت إلى ربي وربكم.
الثاني : استغثت. والفرق بينهما أن الملتجىء مستدفع والمستغيث مستنصر.
قوله :﴿ بَرَبِّي وَرَبِّكُمْ ﴾ أي ربي الذي هو ربكم.
﴿ أَن تَرْجُمُونِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بالحجارة، قاله قتادة.
الثاني : أن تقتلوني، قاله السدي.
الثالث : أن تشتموني بأن تقولوا ساحر أو كاهن أو شاعر، قاله أبو صالح.
﴿ وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَاعْتَزِلُونِ ﴾ أي إن لم تؤمنوا بي وتصدقوا قولي فخلوا سبيلي وكفوا عن أذاي.
قوله تعالى :﴿ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً ﴾ فيه سبعة تأويلات :
أحدها : سمتاً، قاله ابن عباس.
الثاني : يابساً، قاله ابن أبي نجيح.
الثالث : سهلاً، قاله الربيع.
الرابع : طريقاً، قاله كعب والحسن.
الخامس : منفرجاً، قاله مجاهد.
السادس : غرقاً، قاله عكرمة.
السابع : ساكناً، قاله الكلبي والأخفش وقطرب. قال القطامي :
يمشين رهواً فلا الأعجاز خاذلةٌ | ولا الصدور على الأعجاز تتكل |
﴿ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ ﴾ قال مقاتل : هو النيل، وكان عرضه يومئذٍ فرسخين، قال الضحاك : كان غرقهم بالقلزم وهو بلد بين مصر والحجاز.
فإن قيل فليست هذه الأحوال في البحر من فعل موسى ولا إليه.
وتأويل سهل بن عبد الله ﴿ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ ﴾ أي اجعل القلب ساكناً في تدبيري ﴿ إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُّغْرَقُونَ ﴾ أي إن المخالفين قد غرقوا في التدبير.
قوله تعالى :﴿ كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ الجنات البساتين. وفي العيون قولان :
أحدهما : عيون الماء، وهو قول الجمهور.
الثاني : عيون الذهب، قاله ابن جبير.
﴿ وَزُرُوعٍ ﴾ قيل إنهم كانوا يزرعون ما بين الجبلين من أول مصر إلى آخرها، وكانت مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعاً لما دبروه وقدروه من قناطر وجسور.
﴿ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها المنابر، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد.
الثاني : المساكن، قاله أبو عمرو والسدي، لمقام أهلها فيها.
الثالث : مجالس الملوك لقيام الناس فيها.
ويحتمل رابعاً : أنه مرابط الخيل لأنها أكرم مذخور لعدة وزينة.
وفي الكريم ثلاثة أوجه :
أحدها : هو الحسن، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : هو المعطي لديه كما يعطي الرجل الكريم صلته، قاله ابن عيسى.
الثالث : أنه كريم لكرم من فيه، قاله ابن بحر.
قوله تعالى :﴿ وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ ﴾ في النعمة هنا أربعة أوجه :
أحدها : نيل مصر، قاله ابن عمر.
الثاني : الفيّوم، قاله ابن لهيعة.
الثالث : أرض مصر لكثرة خيرها، قاله ابن زياد.
الرابع : ما كانوا فيه من السعة والدعة.
وقد يقال نعمة ونِعمة بفتح النون وكسرها، وفي الفرق بينهما وجهان :
أحدهما : أنها بكسر النون في الملك، وبفتحها في البدن والدين؛ قاله النضر بن شميل.
الثاني : أنها بالكسر من المنة وهو الإفضال والعطية، وبالفتح من التنعم وهو سعة العيش والراحة، قاله ابن زياد.
وفي ﴿ فاكهين ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : فرحين، قاله السدي.
الثاني : ناعمين، قاله قتادة.
الثالث : أن الفاكه هو المتمتع بأنواع اللذة كما يتمتع الآكل بأنواع الفاكهة، قاله ابن عيسى.
وقرأ يزيد بن القعقاع ﴿ فَكِهِينَ ﴾ ومعناه معجبين.
قوله تعالى ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً ءَاخَرِينَ ﴾ يعني بني إسرائيل ملكهم الله أرض مصر بعد أن كانوا فيها مستعبدين، فصروا لها وارثين لوصول ذلك إليهم كوصول الميراث.
قوله تعالى :﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِم السَّمَآءُ وَالأَرْضُ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يعني أهل السماء وأهل الأرض، قاله الحسن.
الثاني : أن السماء والأرض تبكيان على المؤمن أربعين صباحاً؛ قاله مجاهد.
قال أبو يحيى : فعجبت من قوله، فقال أتعجب؟ وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل؟
الثالث : أنه يبكي عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء، قاله علي كرم الله وجهه. وتقديره فما بكت عليهم مصاعد عملهم من السماء ولا مواضع عبادتهم من الأرض.
الرابع : ما رواه يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك. قال : قال رسول الله ﷺ :« مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلا وله في السماء بابان، باب ينزل منه رزقه، وباب يدخل منه كلامه وعمله، فإذا مات فقداه فبكيا عليه » ثم تلا هذه الآية.
وفي بكاء السماء والأرض ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه كالمعروف من بكاء الحيوان ويشبه أن يكون قول مجاهد.
الثاني : أنه حمرة أطرافها، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعطاء.
وحكى جرير عن يزيد بن أبي زياد قال : لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما احمر له آفاق السماء أربعة أشهر، واحمرارها بكاؤها.
الثالث : أنها أمارة تظهر منها تدل على حزن وأسف. كقول الشاعر :
والشمس طالعة ليست بكاسفة | تبكي عليك نجوم الليل والقمرا |
أحدهما : مؤخرين بالغرق، قاله الكلبي.
الثاني : لم ينظروا بعد الآيات التسع حتى أغرقوا، قاله مقاتل.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ ﴾ معناه على علم منا بهم. وفي اختياره لهم ثلاثة أوجه :
أحدها : باصطفائهم لرسالته، والدعاء إلى طاعته.
الثاني : باختيارهم لدينه وتصديق رسله.
الثالث : بإنجائهم من فرعون وقومه.
وفي قوله :﴿ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ قولان :
أحدهما : على عالمي زمانهم، لأن لكل زمان عالماً، قاله قتادة.
الثاني : على كل العالمين بما جعل فيهم من الأنبياء. وهذا خاصة لهم وليس لغيرهم، حكاه ابن عيسى.
قوله تعالى :﴿ وءَاتَيْنَاهُمْ مِّنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلآءٌ مُّبِينٌ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه أنجاهم من عدوهم وفلق البحر لهم وظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى، قاله قتادة. ويكون هذا الخطاب متوجهاً إلى بني إسرائيل.
الثاني : أنها العصا ويده البيضاء، ويشبه أن يكون قول الفراء. ويكون الخطاب متوجهاً إلى قوم فرعون.
الثالث : أنه الشر الذي كفهم عنه والخير الذي أمرهم به، قاله عبد الرحمن بن زيد. ويكون الخطاب متوجهاً إلى الفريقين معاً من قوم فرعون وبني إسرائيل.
وفي قوله ﴿ مَا فِيهِ بَلآءٌ مُّبِينٌ ﴾ ثلاثة تأويلات :
أحدها : نعمة ظاهرة، قاله الحسن وقتادة كما قال تعالى ﴿ وَليُبْلَي الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلآءً حَسَناً ﴾ وقال زهير :
فأبلاه خير البلاء الذي يبلو... الثاني : عذاب شديد، قاله الفراء.
الثالث : اختيار بيِّن يتميز به المؤمن من الكافر، قاله عبد الرحمن بن زيد.
﴿ إن هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ ﴾ أي بمبعوثين قيل : إن قائل هذا أبو جهل قال : يا محمد إن كنت صادقاً في قولك فابعث لنا رجلين من آبائنا أحدهما قصيّ بن كلاب فإنه كان رجلاً صادقاً، لنسأله عما يكون بعد الموت وهذا القول من أبي جهل من أضعف الشبهات، لأن الإعادة إنما هي للجزاء لا للتكليف. فكأنه قال : إن كنت صادقاً في إعادتهم للجزاء فأعدهم للتكليف. وهو كقول قائل لو قال : إن كان ينشأ بعدنا قوم من الأبناء، فلم لا يرجع من مضى من الآباء.
قوله تعالى :﴿ أَهُمْ خَيرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أهم أظهر نعمة وأكثر أموالاً.
الثاني : أهم أعز وأشد أم قوم تبع.
وحكى قتادة أن تبعاً كان رجلاً من حِمير سار بالجيوش حتى عبر الحيرة وأتى سمرقند فهدمها. وحكي لنا أنه كان إذا كتب؛ كتب باسم الله الذي سما وملك براً وبحراً وضحاً وريحاً.
وروي عن عمرو بن رجاء عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله ﷺ قال : لا تسبوا تبعاً فإنه كان قد أسلم. وحكى ابن قتيبة في المعارف شعراً ذكر أنه لتبع وهو :
منح البقاءَ تقلبُ الشمسِ | وطلوعها من حيث لا تُمْسِي |
وشروقها بيضاء صافية | وغروبُها حمراءَ كالورْسِ |
وتشتت الأهواءِ أزعجني | سيراً لأبلغ مطلع الشمسِ |
ولرب مطعمةٍ يعود لها | رأي الحليم إلى شفا لبسِ |
أحدهما : لأنه تَبعَ من قبله من ملوك اليمن كما قيل خليفة لأنه خلف من قبله.
الثاني : لأنه اسم لملوك اليمن.
وذم الله قومه ولم يذمه، وضرب بهم مثلاً لقريش لقربهم من دارهم، وعظمهم في نفوسهم، فلما أهلكهم الله ومن قبلهم - لأنهم كانوا مجرمين - كان من أجرم مع ضعف اليد وقلة العدد أحرى بالهلاك.
أحدهما : غافلين، قاله مقاتل.
الثاني : لاهين، قاله الكلبي.
﴿ وَمَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِالْحِقِّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : للحق، قاله الكلبي.
الثاني : بقول الحق، قاله مقاتل.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصَلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ يعني يوم القيامة، وفي تسميته بيوم الفصل وجهان :
أحدهما :[ إن الله ] يفصل فيه أمور عباده.
الثاني : لأنه يفصل فيه بين المرء وعمله.
وحكى النقاش عن مجاهد أن شجرة الزقوم أبو جهل.
وفي الأثيم وجهان :
أحدهما : أنه الآثم، قاله ابن عيسى.
الثاني : المشرك المكتسب للإثم، قاله يحيى.
قوله تعالى :﴿ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : فجروه، قاله الحسن.
الثاني : فادفعوه، قاله مجاهد.
الثالث : فسوقوه، حكاه الكلبي.
الرابع : فاقصفوه كما يقصف الحطب، حكاه الأعمش :
الخامس : فردوه بالعنف، قاله ابن قتيبة. قال الفرزدق :
ليس الكرام بناحليك أباهم | حتى ترد إلى عطية تعتل |
أحدهما : وسط الجحيم، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة.
الثاني : معظم الجحيم يصيبه الحر من جوانبها، قاله الحسن.
قوله تعالى :﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ﴾ قال قتادة : نزلت في أبي جهل، وفيه أربعة أوجه :
أحدها : معناه أنك لست بعزيز ولا كريم، لأنه قال توعدني محمد، والله إني لأعز من مشى حبليها، فرد الله عليه قوله، قاله قتادة.
الثاني : أنك أنت العزيز الكريم عند نفسك، قاله قتادة أيضاً.
الثالث : أنه قيل له ذلك استهزاء على جهة الإهانة، قاله سعيد بن جبير.
الرابع : أنك أنت العزيز في قومك، الكريم على أهلك حكاه ابن عيسى.
أحدها : أمين من الشيطان والأحزان، قاله قتادة.
الثاني : أمين من العذاب، قاله الكلبي.
الثالث : من الموت، قاله مقاتل.
قوله تعالى :﴿ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ﴾ فيهما ثلاثة أوجه :
أحدها : أن السندس الحرير الرقيق، والاستبرق الديباج الغليظ، قاله عكرمة.
الثاني : السندس يعمل بسوق العراق وهو أفخر الرقم، قاله يحيى، والاستبرق الديباج سمي استبرقاً لشدة بريقه، قاله الزجاج.
الثالث : أن السندس ما يلبسونه، والاستبرق ما يفترشونه.
وفي ﴿ مُّتَقَابِلينَ ﴾ وجهان :
أحدهما : متقابلين بالمحبة لا متدابرين بالبغضة، قاله علي بن عيسى.
الثاني : متقابلين في المجالس لا ينظر بعضهم قفا بعض، قاله مجاهد.
قوله تعالى :﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ﴾ يعني القرآن، وفيه وجهان :
أحدهما : معناه جعلناه بلسانك عربياً.
الثاني : أطلقنا به لسانك تيسيراً.
﴿ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : يرجعون.
الثاني : يعتبرون.
﴿ فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فانتظر ما وعدتك من النصر عليهم. إنهم منتظرون بك الموت، حكاه النقاش.
الثاني : وانتظر ما وعدتك من الثواب فإنهم من المنتظرين لما وعدتهم من العقاب، والله أعلم.