ﰡ
عليك ايها المحمدي المراقب على تربية النفس المداوم على تهذيب الأخلاق ان تصفى نفسك عن مطلق الرذائل المنافية لصفاء مشرب التوحيد وتخلصها عن عموم القيود الامكانية المتولدة عن طغيان الطبيعة وتحليها بمحاسن الأخلاق والأطوار المناسبة للفطرة الاصلية التي جبلت عليها في مبدأ خلقتك فلك الاتكال على الله والانعزال عن اصحاب الغفلة والضلال وإياك إياك ان تخالطهم وتجالس معهم فان صحبة الأشرار تميت قلوب الأبرار الأحرار وتؤثر في السر وتذهب جودة الفطنة وتكدر صفاء مشرب الوحدة وتزيد الوحشة وتورث النسيان المستلزم لانواع الخسران والحرمان. جعلنا الله ممن اذاقه سبحانه حلاوة خلوته وأنسه مع وحدته واوحشه عن الخلق وكثرته بمنه وجوده
[سورة الانشقاق]
فاتحة سورة الانشقاق
لا يخفى على من سلك عن مضيق الناسوت نحو فضاء اللاهوت وتوجه الى كعبة الوحدة مهاجرا عن عالم الكثرة ان العود والرجوع انما هو على مقتضى البدء والظهور وان الترقي والارتفاع انما هو على طبق التدنى والانحطاط فكلما نزلت نفس الإنسان وهبط روحه في النشأة الاولى من سماء الأسماء المعبر بعالم اللاهوت المقدس عن شوائب النقص وسمات الحدوث مطلقا الى عالم الطبيعة والهيولى المكدرة بأنواع الكدورات كذلك صعدت نحوها منها بعد ما وفقه الحق وأدركته العناية من جانبه وللصعود والعروج علامات واوقات قدرها الله العليم الحكيم في سابق علمه ولوح قضائه ولم يطلع أحدا على وقتها بل قد اخبر سبحانه في هذه السورة عن بعض علاماتها واماراتها فقال بعد ما تيمن بِسْمِ اللَّهِ الذي ظهر على عموم التعينات في بدأ الوجود بمقتضى الجود الرَّحْمنِ عليها بامدادها وابقائها الى اليوم الموعود الرَّحِيمِ على خواص عباده يوصلهم الى مرتبة الكشف والشهود
[الآيات]
إِذَا السَّماءُ اى سماء عالم الطبيعة انْشَقَّتْ وانحرقت لتصعد وتعرج الأرواح الفائضة الى الأشباح نحو سماء الأسماء والصفات بعد خرق التعينات ورفع الإضافات
وَأَذِنَتْ لِرَبِّها اى اصغت وانقادت لحكم ربها وامره الذي قد مضى منه سبحانه على انشقاقها وَبعد ما أمرت حُقَّتْ لها ولاقت بحالها اى امتثلت بالمأمور وانقادت
وَإِذَا الْأَرْضُ اى ارض الطبيعة والهيولى القابلة المجبولة لقبول انعكاس تأثيرات الأسماء والصفات مُدَّتْ قد امتدت وانبسطت وانتشرت مطاويها
وَأَلْقَتْ أخرجت وأظهرت ما فِيها من النفوس المودعة القابلة لفيضان أنوار الذات وَتَخَلَّتْ عن حفظ الامانة الإلهية
وَأَذِنَتْ لِرَبِّها في الإلقاء والتخلية وَقد حُقَّتْ لها الاستيذان والإصغاء لاقتضاء مرتبة العبودية ذلك فحينئذ قد انكشف لها جزاء ما كسبت واقترفت في نشأة الاختبار. ثم نادى سبحانه الإنسان نداء تنبيه وتخطئة وتحريك حمية فطرية وسلسلة جبلية فقال
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ المصور على صورة الرحمن المنتخب من بين سائر المظاهر لحكمة الخلافة والنيابة ومصلحة المعرفة والتوحيد فاعرف قدرك ولا تغفل عن حقيقتك إِنَّكَ كادِحٌ جاهد للتقرب والوصول إِلى رَبِّكَ كَدْحاً وجهدا وسعيا منتهيا الى افناء هويتك في هوية الحق وبالجملة فَمُلاقِيهِ يعنى أنت ايها الإنسان ملاق ربك بمقتضى سعيك واجتهادك فلك ان لا تفترق عما يوصلك اليه ويفنيك فيه بعد جذب
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ الطاوى المشتمل على تفاصيل ما صدر عنه بِيَمِينِهِ التي هو عنوان اليمن وعلامة الكرامة وبرهان الرضوان
فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً سهلا سريعا
وَيَنْقَلِبُ ويرجع هو بعد الحساب إِلى أَهْلِهِ الذي هم رفقاؤه في سبيل السعادة والكرامة الموصلة الى فضاء عالم اللاهوت وصفاء الوحدة الذاتية التي هي عبارة عن ينبوع بحر الوجود مَسْرُوراً مبسوطا فرحانا
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ وشماله التي هو عنوان الشقاوة ودليل العتاب والعقاب وانواع الملالة والندامة
فَسَوْفَ يَدْعُوا ويتمنى هو لنفسه ثُبُوراً ويلا وهلاكا لصعوبة حسابه وغلبة سيئاته على حسناته
وَبالآخرة يَصْلى يدخل ويطرح صاغرا ذليلا سَعِيراً مسعرة مملوة بنيران الشهوات والغفلات الصادرة منه بمتابعة الأوهام والخيالات وانواع الضلالات والجهالات الناشئة من القوى البهيمية الحاصلة من طغيان الطبيعة وثوران لوازم الإمكان
إِنَّهُ قد كانَ فِي أَهْلِهِ في دار الدنيا مَسْرُوراً بطرا فرحانا فخورا بالمال والجاه والثروة والسيادة متفوقا على الأقران يمشى على الأرض خيلاء وانما حمله عليه
إِنَّهُ ظَنَّ بل قد تيقن وجزم جهلا مركبا وعنادا أَنْ لَنْ يَحُورَ اى انه لن ينقلب ولن يرجع الى الله ولن يقوم بين يديه سبحانه للحساب والجزاء لذلك اجترأ على ما اجترأ من المعاصي. ثم قال سبحانه
بَلى ردعا عما قبله تصديقا لما بعده على سبيل التعريض إِنَّ رَبَّهُ الذي رباه على فطرة المعرفة وجبله على نشأة التوحيد قد كانَ بِهِ بَصِيراً عالما بتفاصيل اعماله الصادرة عنه على وجه الخبرة والبصارة بحيث لا يشذ عن حيطة علمه شيء من اعماله وأحواله فلا يهمله بل يعده عليه ويفصله له ويعيده ويجازيه حسب ما فصله. ثم قال سبحانه
فَلا أُقْسِمُ لإتيان يوم القيامة ولا ثبات ما فيها من الثواب والعقاب والجزاء والحساب وغير ذلك إذ هي امور ظاهرة مكشوفة عند ذوى الكشف والشهود من ارباب المحبة والولاء الواصلين الى بحر الوحدة وينبوع الحقيقة بل اقسم بِالشَّفَقِ المنبئ عن الشفقة والترحم الإلهي وهو عبارة عن البياض المعترض من أفق عالم اللاهوت عند انقضاء نشأة الناسوت حين حكم سبحانه بانطواء سجلات عموم التعينات ومطلق الهويات
وَاللَّيْلِ اى اقسم ايضا بالليل اى مرتبة العماء الإلهي وَما وَسَقَ اى ما ضم وجمع من الأنوار المنعكسة منها الى هياكل الأشباح
وَالْقَمَرِ اى أقسم ايضا بالقمر اى الوجود الظلي الكلى الإضافي المنبسط على مرآة العدم المنعكس من شمس الذات الاحدية المتشعشعة المتجلية من مطالع فضاء العماء اللاهوتية إِذَا اتَّسَقَ تم وعم وشمل الكل وصار بدرا كاملا بلا نقصان
لَتَرْكَبُنَّ ايها المكلفون ولتطرحن في نار القطيعة والحرمان طَبَقاً بعد طبق متجاوزا عَنْ طَبَقٍ بعيد عنه متجاوز في شدة الأهوال والافزاع وبعد الغور والطور والحرقة وانواع العذاب والنكال وبالجملة بحق هذه المقسمات العظام لدخلتم أنتم البتة في طبقات النيران لو كفرتم بالله وعصيتم امره وخرجتم عن مقتضى حدوده وأحكامه وبعد ما سمعوا ما سمعوا من الصادق الصدوق
فَما لَهُمْ اى أى شيء عرض عليهم ولحق بهم لا يُؤْمِنُونَ ولا يتصفون بالانقياد والتسليم سيما بعد ورود الزواجر من قبل الحق على ألسنة الرسل والكتب
وَمن كمال غفلتهم عن الله وضلالهم عن سنن الهداية والرشد إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ المبين لطريق الحق
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ به وبمنزله وبمن انزل اليه جميعا
وَبالجملة اللَّهُ المطلع لعموم ما في ضمائر عباده أَعْلَمُ بعلمه الحضوري بِما يُوعُونَ اى بجميع ما يضمرونه في نفوسهم من الكفر والكفران وانواع البغي والعدوان والغفلة والطغيان على مقتضى علمه بهم وبخبرته بما في نفوسهم وبالجملة
فَبَشِّرْهُمْ يا أكمل الرسل بشارة على سبيل التهكم والاستهزاء بِعَذابٍ أَلِيمٍ نازل عليهم حين أخذوا بعصيانهم وآثامهم
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا منهم وخرجوا عن ورطة الطغيان متمسكين بعروة الايمان متشبثين بحبل القرآن وَمع ذلك قد عَمِلُوا الصَّالِحاتِ المقبولة عند الله لَهُمْ عند ربهم أَجْرٌ عظيم غَيْرُ مَمْنُونٍ اى غير مقطوع ومنقوص ان أخلصوا في ايمانهم وإذعانهم. اصنع بنا ما أنت له اهل يا مولانا
خاتمة سورة الانشقاق
عليك ايها الموحد المحمدي المجبول على فطرة الايمان والعرفان مكنك الله فيما يسر لك وثبتك عليه ان تتمسك بحبل التوفيق الإلهي وتتشبث بأذيال همم ارباب التحقيق من الأنبياء والرسل الهادين المهديين والأولياء الألباء المهتدين بهدايتهم إذ هم خلاصة بحر الوجود وزبدة ارباب الكشف والشهود فلك ان تتخلق بأخلاقهم وتقتفى بآثارهم المأثورة عنهم وتسترشد من المرشد الرشيد الذي هو القرآن المجيد الموصل لأرباب التوحيد المسقط لانواع التقاليد الراسخة في قلوب اصحاب الغفلة والتخمين فلك ان تتأمل ظاهره وباطنه وحده ومطلعه حتى تتوسل بها الى ما فوقها من الرموز التي قد وهبها سبحانه وجادبها لبعض النفوس الزكية القدسية الفانية في قدس الذات الإلهية الباقية ببقائها. جعلنا الله من خدامهم وقرابهم
[سورة البروج]
فاتحة سورة البروج
لا يخفى على من تحقق بسماء الأسماء اللاهوتية المشتملة على بروج عالم الجبروت وقصور مملكة الملكوت الموهوبة لسكانها من حضرة الرحموت ان الوصول إليها والحصول دونها انما يتيسر للمستوحشين عن لوازم الإمكان ومقتضيات نشأة الناسوت المستأنسين بسكان عالم اللاهوت وقطان سواد أعظم الفقر ولا شك ان الاستيناس معهم انما يحصل بجذبة غالبة وخطفة جالبة الهية والجذبة الإلهية مسبوقة بالمحبة المفرطة والمودة المزعجة الى الفناء في المحبوب الحقيقي والمحبة انما تنشأ من الشوق الغالب الجالب والشوق انما ينبعث من الارادة والطلب الصادر عن العزيمة المذكورة الخالصة والعزيمة لا تخلص ولا تصفو عن إكدار الطبيعة الا بالخلوة والعزلة عن الناس ودوام العفة والقناعة ومقارنة الرضاء والتسليم والتفويض والتوكل على وجه التبتل الى الحكيم العليم فالكل مسبوق برفاقة التوفيق والتصبر على متاعب الطاعات ومشاق العبادات والرياضات القالعة لمقتضيات القوى البشرية المورثة له من القوى الطبيعية والمنهمكون في بحر الغفلة والضلال لا يتيسر لهم الاستيناس بالكبير المتعال لذلك لعنوا وطردوا عن ساحة عز القبول والحضور على وجه المبالغة والتأكيد كما قال سبحانه في شأن طردهم ولعنهم مقسما بالأمور العظام متيمنا بِسْمِ اللَّهِ