تفسير سورة المؤمنون

الماوردي
تفسير سورة سورة المؤمنون من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : معناه قد سعد المؤمنون ومنه قول لبيد :
فاعقلي إن كنت لم تعقلي... إنما أفلح من كان عقل
الثاني : أن الفلاح البقاء ومعناه قد بقيت لهم أعمالهم، وقيل : إنه بقاؤهم في الجنة، ومنه قولهم في الأذان : حي على الفلاح أي حي على بقاء الخير قال طرفة بن العبد :
أفبعدنا أو بعدهم...... يرجى لغابرنا الفلاح
الثالث : أنه إدْراك المطالب قال الشاعر :
لو كان حي مدرك الفلاح... أدركه ملاعب الرماح
قال ابن عباس : المفلحون الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا. روى عمر بن الخطاب قال كان النبي صل الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يسمع عند وجهه دويٌ كدوي النحل، فنزل عليه يوماً فلما سرى عنه استقبل القبلة ورفع يديه ثم قال :« اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلاَ تُنْقِصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَينَا، وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا » ثم قال :« لَقَدْ أَنْزَلَ عَلَيَّ عَشْرَ أَيَاتٍ مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ » ثم قرأ علينا ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ حتى ختم العشر. روى أبو عمران الجوني قال قيل لعائشة ما كان خُلُق رسول الله صل الله عليه وسلم؟، قالت أتقرأُون سورة المؤمنون؟ قيل : نعم، قالت اقرأُوا فقرىء عليها ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ حتى بَلَغَ ﴿ يَحَافِظُونَ ﴾.
فقالت : هكذا كان خلق رسول الله ﷺ.
قوله تعالى :﴿ الَّذِيِنَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : خائفون، وهوقول الحسن، وقتادة.
والثاني : خاضعون، وهو قول ابن عيسى.
والثالث : تائبون، وهو قول إبراهيم.
والرابع : أنه غض البصر، وخفض الجناح، قاله مجاهد.
الخامس : هو أن ينظر إلى موضع سجوده من الأرض، ولا يجوز بصره مُصَلاَّهُ، فقد روي أن النبي ﷺ كان يرفع بصره إلى السماء فنزلت :﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ فصار لا يجوِّز بصره مُصَلاَّهُ.
فصار في محل الخشوع على هذه الأوجه قولان :
أحدهما : في القلب خاصة، وهو قول الحسن وقتادة.
والثاني : في القلب والبصر، وهو قول الحسن وقتادة.
قوله :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن اللغو الباطل، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه الكذب، قاله ابن عباس.
الثالث : أنه الحلف، قاله الكلبي.
الرابع : أنه الشتم لأن كفار مكة كانوا يشتمون المسلمين فهو عن الإِجابة، حكاه النقاش.
الخامس : أنها المعاصي كلها، قاله الحسن.
قوله :﴿ أُوْلئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴾ روي عن النبي ﷺ أنه قال :« مَا مِنْكُم إِلاَّ لَهُ مَنزِلاَنِ : مَنزِلٌ فِي الجَنَّةِ وَمَنزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِن مَاتَ وَدَخَلَ النَّارَ، وَرِثَ أَهْلُ الجَنَّةِ مَنْزِلَهُ، وإِنْ مَاتَ وََدَخَلَ الجَنَّةَ، وَرِثَ أَهْلُ النَّارِ مَنزِلَهُ، فَذلِكَ قولَه ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴾ » ثم بيَّن ما يرثون فقال :
﴿ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ﴾ فيه خمسة أوجه
: أحدها : أنه اسم من أسماء الجنة، قاله الحسن.
الثاني : أنه أعلى الجنان قاله قطرب.
الثالث : أنه جبل الجنة الذي تتفجر منه أنهار الجنة، قاله أبو هريرة.
الرابع : أنه البستان وهو رومي معرب، قاله الزجاج.
الخامس : أنه عربي وهو الكرم، قاله الضحاك.
قوله :﴿ وَلَقَدْ خَلَقنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ﴾ فيه قولان
: أحدهما : آدم استل من طين، وهذا قول قتادة، وقيل : لانه اسْتُلَ من قِبَل ربه.
والثاني : أن المعني به كل إنسان، لأنه يرجع إلى آدم الذي خلق من سلالة من طين، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقيل : لأنه استل من نطفة أبيه، والسلالة من كل شيء صفوته التي تستل منه، قال الشاعر :
وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراسٍ تجلّلها بغل
وقال الزجاج : السلالة القليل مما ينسل، وقد تُسَمَّى، المضغة سلالة والولد سلالة إما لأنهما صفوتان على الوجه الأول، وإما لأنهما ينسلان على الوجه الثاني، وحكى الكلبي : أن السلالة الطين الذي إذا اعتصرته بين أصابعك خرج منه شيء، ومنه قول الشاعر :
طوت أحشاء مرتجةٍ لوقت على مشج سلالته مهينُ
وحكى أبان بن تغلب أن السلالة هي التراب واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت.
خلق البرية من سلالة منتن وإلى السلالة كلها ستعود
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطّْفَةً ﴾ النطفة هي ماء الذكر الذي يعلق منه الولد، وقد ينطلق اسم النطفة على كل ماء، قال بعض شعراء هذيل :
وأنهما لحرّابا حروب وشرّابان بالنطف الظوامي
قوله تعالى :﴿ فِي قَرَارٍ مَّكينٍ ﴾ يعني بالقرار الرحم، ومكين : أي متمكن قد هيىء لاستقراره فيه.
﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ﴾ العلقة الدم الطري الذي خلق من النطفة سُمّيَ علقة لأنه أول أحوال العلوق.
﴿ فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ﴾ وهي قدر ما يمضغ من اللحم
. ﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمَاً ﴾ وإنما بين الله أن الإِنسان تنتقل أحوال خلقه ليعلم نعمته عليه وحكمته فيه، وإن بعثه بعد الموت حياً أهون من إنشائه ولم يكن شيئاً.
﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ﴾ فيه أربعة أوجه
: أحدها : يعني بنفخ الروح فيه، وهذا قول ابن عباس والكلبي.
والثاني : بنبات الشعر، وهذا قول قتادة.
والثالث : أنه ذكر و أنثى، وهذا قول الحسن.
والرابع : حين استوى به شبابه، وهذا قول مجاهد.
ويحتمل وجهاً خامساً : أنه بالعقل والتمييز.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه لما نزلت هذه الآية إلى قوله :﴿ ثَمَّ أَنشَأنَاهُ خَلْقَاً آخَرَ ﴾. قال عمر بن الخطاب : فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت :﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾.
قوله :﴿ سَبْعَ طَرآئِقَ ﴾ أي سبع سموات، وفي تسميتها طرائق ثلاثة أوجه
: أحدها : لأن كل طبقة على طريقة من الصنعة والهيئة.
الثاني : لأن كل طبقة منها طريق الملائكة، قاله ابن عيسى.
الثالث : لأنها طباق بعضها فوق بعض، ومنه أخذ طراق الفحل إذا أطبق عليها ما يمسكها، قاله ابن شجرة، فيكون على الوجه الأول مأخوذاً من التطرق، وعلى الوجه الثاني مأخوذاً من التطارق.
﴿ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلقِ غَافِلِينَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : غافلين عن حفظهم من سقوط السماء عليهم، قاله ابن عيسى.
الثاني : غافلين عن نزول المطر من السماء عليهم، قاله الحسن.
الثالث : غافلين، أي عاجزين عن رزقهم، قاله سفيان بن عيينة.
وتأول بعض المتعمقة في غوامض المعاني سبع طرائق : أنها سبع حجب بينه وبين ربه، الحجاب الأول قلبه، الثاني جسمه، الثالث نفسه، الرابع عقله، الخامس علمه، السادس إرادته، السابع مشيئته توصله إن صلحت وتحجبه إن فسدت، وهذا تكلف بعيد.
قوله تعالى :﴿ وَشَجَرةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنآءَ ﴾ هي شجر الزيتون، وخصت بالذكر لكثرة منفعتها وقلة تعاهدها.
وفي طور سيناء خمسة تأويلات :
أحدها : أن سيناء البركة فكأنه قال جبل البركة، قاله ابن عباس، ومجاهد.
الثاني : أنه الحسن المنظر، قاله قتادة.
الثالث : أنه الكثير الشجر، قاله ابن عيسى.
الرابع : أنه اسم الجبل الذي كلم الله عليه موسى، قاله أبو عبيدة.
الخامس : أنه المرتفع مأخوذ من النساء، وهو الارتفاع فعلى هذا التأويل يكون اسماً عربياً وعلى ما تقدم من التأويلات يكون اسماً أعجمياً واختلف القائلون بأعجميته على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه سرياني، قاله ابن عباس.
الثاني : نبطي.
الثالث : حبشي.
﴿ تَنْبُتْ بِالدُّهْنِ ﴾ اختلف في الدهن هنا على قولين
: أحدهما : أن الدهن هنا المطر اللين، قاله محمد بن درستويه، ويكون دخول الباء تصحيحاً للكلام.
الثاني : أنه الدهن المعروف أي بثمر الدهن.
وعلى هذا اختلفوا في دخول الباء على وجهين :
أحدهما : أنها زائدة وأنها تنبت الدهن، قاله أبو عبيدة وأنشد :
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج فكانت الباء في بالفرج زائدة كذلك في الدهن وهي قراءة ابن مسعود
. الثاني : أن الباء أصل وليست بزائدة، وقد قرىء تنبت بالدهن بفتح التاء الأولى إذا كانت التاء أصلاً ثابتاً. فإن كانت القراءة بضم التاء الأولى فمعناه تنبت وينبت بها الدهن ومعناهما إذا حقق متقارب وإن كان بينهما أدنى فرق. وقال الزجاج : معناه ينبت فيها الدهن، وهذه عبرة : أن تشرب الماء وتخرج الدهن.
﴿ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِينَ ﴾ أي إدام يصطبغ به الآكلون، وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال :« الزَّيتُ مِنْ شَجَرةٍ مُبَارَكَةٍ فَائْتَدِمُواْ بِهِ وَادَّهِنُوا » وقيل إن الصبغ ما يؤتدم به سوى اللحم.
قوله تعالى :﴿ مَا سَمِعْنَا بِهذَا فِي ءَابَائِنَا الأَوَّلِينَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : ما سمعنا بمثل دعوته.
والثاني : ما سمعنا بمثله بشراً أتى برسالة من ربه.
وفي أبائهم الأولين وجهان :
أحدهما : أنه الأب الأدنى، لأنه أقرب، فصار هو الأول.
والثاني : أنه الأب الأبعد لأنه أوّل أبٍ وَلدَك.
﴿ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : حتى يموت.
الثاني : حتى يستبين جنونه.
قوله :﴿ وَفَارَ التَّنُّورَ ﴾ فيه أربعة أقاويل
: أحدها : تنور الخابزة، قاله الكلبي.
الثاني : أنه آخر مكان في دارك، قاله أبو الحجاج.
الثالث : أنه طلوع الفجر، قاله علي رضي الله عنه.
الرابع : أنه مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لاشتداد الأمر كما قال النبي ﷺ :« الآن حَمِيَ الوَطِيسُ » قاله ابن بحر.
قوله تعالى :﴿ وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً ﴾ قراءة الجمهور بضم الميم وفتح الزاي، وقرأ عاصم في رواية بكر بفتح الميم وكسر الزاي والفرق بينهما أن المُنزَلَ بالضم فعل النزول وبالفتح موضع النزول.
﴿ وَأَنتَ خَيْرٌ الْمُنزِلِينَ ﴾ في ذلك قولان
: أحدهما : أن نوحاً قال ذلك عند نزوله في السفينة فعلى هذا يكون قوله مباركاً يعني بالسلامة والنجاة.
الثاني : أنه قاله عند نزوله من السفينة، قاله مجاهد. فعلى هذا يكون قوله مباركاً يعني بالماء والشجر.
قوله تعالى :﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : يموت منا قوم ويحيا منا قوم، قاله ابن عيسى.
الثاني : يموت قوم ويولد قوم، قاله يحيى بن سلام، قال الكلبي، يموت الآباء ويحيا الأبناء.
الثالث : أنه مقدم ومؤخر معناه نحيا ونموت وما نحن بمبعوثين، قاله ابن شجرة.
قوله :﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثآءً ﴾ أي هلكى كالغثاء، وفي الغثاء ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه البالي من الشجر، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
والثاني : ورق الشجر إذا وقع في الماء ثم جف، وهذا قول قطرب.
والثالث : هو ما احتمله الماء من الزبد والقذى، ذكره ابن شجرة وقاله الأخفش.
﴿ فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : فبعداً لهم من الرحمة كاللعنة، قاله ابن عيسى.
الثاني : فبعداً لهم في العذاب زيادة في الهلاك، ذكره أبو بكر النقاش.
قوله :﴿ ثَمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى ﴾ فيه قولان
: أحدهما : متواترين يتبع بعضهم بعضاً، قاله ابن عباس، ومجاهد.
الثاني : منقطعين بين كل اثنين دهر طويل وهذا تأويل من قرأ بالتنوين.
وفي اشتقاق تترى ثلاثة أقاويل.
أحدها : أنه مشتق من وتر القوس لاتصاله بمكانه منه، قاله ابن عيسى. وهو اشتقاقه على القول الأول.
الثاني : أنه مشتق من الوتر وهو الفرد لأن كل واحد بعد صاحبه فرد، قاله الزجاج، وهو اشتقاقه على التأويل الثاني.
الثالث : أنه مشتق من التواتر، قاله ابن قتيبة ويحتمل اشتقاقه التأويلين معاً.
قوله :﴿ قَوْماً عَالِينَ ﴾ فيه أربعة أوجه
: أحدها : متكبرين، قاله المفضل.
الثاني : مشركين، قاله يحيى بن سلام.
الثالث : قاهرين، قاله ابن عيسى.
الرابع : ظالمين، قاله الضحاك.
قوله :﴿... وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : مطيعون، قاله ابن عيسى.
الثاني : خاضعون، قاله ابن شجرة.
الثالث : مستبعدون، قاله يحيى بن سلام.
الرابع : ما قاله الحسن كان بنو إسرائيل يعبدون فرعون وكان فرعون يعبد الأصنام.
قوله :﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً ﴾ فآيته أن خلق من غير ذكر وآيتها أن حملت من غير بعل، ثم تكلم في المهد فكان كلامه آية له، وبراءة لها.
﴿ وَءَاوَيْنَا هُمَآ إِلَى رَبْوَةٍ ﴾ الآية. الربوة ما ارتفع من الأرض وفيه قولان :
أحدهما : أنها لا تسمى ربوة إلا إذا اخضرت بالنبات وربت، وإلاّ قيل نشز اشتقاقاً من هذا المعنى واستشهاداً بقول الله تعالى :﴿ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ﴾ [ البقرة : ٦٥ ] ويقول الشاعر :
طوى نفسه طيّ الحرير كأنه حوى جنة في ربوة وهو خاشع
الثاني : تسمى ربوة وإن لم تكن ذات نبات قال امرؤ القيس :
فكنت هميداً تحت رمس بربوة تعاورني ريحٌ جنوب وشمألُ
وفي المراد بها هنا أربعة أقاويل
: أحدها : الرملة، قاله أبو هريرة.
الثاني : دمشق، قاله ابن جبير.
الثالث : مصر، قاله ابن زيد.
الرابع : بيت المقدس. قاله قتادة، قال كعب الأحبار، هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً.
وفي :﴿ ذَاتِ قَرَارٍ ﴾ أربعة أوجه :
أحدها : ذات استواء، قاله ابن جبير.
الثاني : ذات ثمار، قاله قتادة.
الثالث : ذات معيشة تقرهم، قاله الحسن.
الرابع : ذات منازل تستقرون فيها، قاله يحيى بن سلام.
وفي ﴿ مَعَينٍ ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه الجاري، قاله قتادة.
الثاني : أنه الماء الطاهر، قاله عكرمة ومنه قول جرير :
إن الذين غروا بلبك غادروا وشلاً بعينك ما يزال معينا
أي ظاهراً، في اشتقاق المعين ثلاثة أوجه
: أحدها : لأنه جار من العيون، قاله ابن قتيبة فهو مفعول من العيون.
الثاني : أنه مشتق من المعونة.
الثالث : من الماعون.
قوله :﴿ وإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدةً ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : دينكم دين واحد، قاله الحسن، ومنه قول الشاعر :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً وهل يأتَمن ذو أمة وهو طائع
الثاني : جماعتكم جماعة واحدة، حكاه ابن عيسى
. الثالث : خلقكم خلق واحد.
قوله :﴿ فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ففرقوا دينهم بينهم قاله الكلبي.
الثاني : انقطع تواصلهم بينهم. وهو محتمل.
﴿ زُبُراً ﴾ فيه تأويلان
: أحدهما يعني قطعاً وجماعات، قاله مجاهد، والسدي، وتأويل من قرأ بفتح الباء.
الثاني : يعني، كتباً، قاله قتادة، وتأويل من قرأ بضم الباء ومعناه، أنهم تفرقوا الكتب، فأخذ كل فريق منهم كتاباً، آمن به وكفر بما سواه.
﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : كل حزب بما تفردوا به من دين وكتاب فرحون.
والثاني : كل حزب بما لهم من أموال وأولاد فرحون.
وفي فرحهم وجهان :
أحدهما : أنه سرورهم.
والثاني : أنها أعمالهم.
قوله تعالى :﴿ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ ﴾ فيها أربعة تأويلات :
أحدها : في ضلالتهم، وهو قول قتادة.
والثاني : في عملهم، وهو قول يحيى بن سلام.
والثالث : في حيرتهم، وهو قول ابن شجرة.
والرابع : في جهلهم، وهو قول الكلبي.
﴿ حَتَّى حِينٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : حتى الموت.
والثاني : حتى يأتيهم ما وعدوا به، وهو يوم بدر.
والثالث : أنه خارج مخرج الوعيد كما تقول للتوعد : لك يوم، وهذا قول الكلبي.
قوله تعالى :﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ﴾ أي نعطيهم ونزيدهم من أموال وأولاد.
﴿ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : نجعله في العامل خيراً.
والثاني : أنما نريد لهم بذلك خيراً.
﴿ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : بل لا يشعرون أنه استدراج.
والثاني : بل لا يشعرون أنه اختبار.
قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : يعني الزكاء.
الثاني : أعمال البر كلها.
﴿ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ أي خائفة
. قال بعض أصحب الخواطر : وجل العارف من طاعته أكثر من وجِلِه من مخالفته لأن المخالفة تمحوها التوبة، والطاعة تطلب لتصحيح الغرض.
﴿ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : يخافون ألا ينجوا من عذابه إذا قدموا عليه.
الثاني : يخافون أن لا تقبل أعمالهم إذا عرضت عليهم. روته عائشة مرفوعاً.
قوله تعالى :﴿ أُوْلئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : يستكثرون منها لأن المسارع مستكثر.
الثاني : يسابقون إليها لأن المسارع سابق.
﴿ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : وهم بها سابقون إلى الجنة.
الثاني : وهم إلى فعلها سابقون.
وفيه وجه ثالث : وهم لمن تقدمهم من الأمم سابقون، قاله الكلبي.
قوله تعالى :﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمرَةٍ مِّنْ هذا ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : في غطاء، قاله ابن قتيبة.
والثاني : في غفلة قاله قتادة.
﴿ مِنْ هذا ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : من هذا القرآن، وهو قول مجاهد.
الثاني : من هذا الحق، وهو قول قتادة.
﴿ وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : خطايا [ يعملونها ] من دون الحق، وهو قول قتادة.
الثاني : أعمال [ رديئة ] لم يعملوها وسيعملونها، حكاه يحيى ابن سلام.
ويحتمل وجهاً ثالثاً : أنه ظلم المخلوقين مع الكفر بالخالق. قوله تعالى :﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْغَذَابِ ﴾ فيهم وجهان :
أحدهما : أنهم الموسع عليهم بالخصب، قاله ابن قتيبة. والثاني : بالمال والولد، قاله الكلبي، فعلى الأول يكون عامّاً وعلى الثاني يكون خاصاً.
﴿ إذَا هُم يَجْأَرُونَ ﴾ فيه أربعة تأويلات
: أحدها : يجزعون، وهو قول قتادة.
الثاني : يستغيثون، وهوقول ابن عباس.
والثالث : يصيحون، وهو قول علي بن عيسى.
والرابع : يصرخون إلى الله تعالى بالتوبة، فلا تقبل منهم، وهو قول الحسن. قال قتادة نزلت هذه الآية في قتلى بدر، وقال ابن جريج ﴿ حَتَّى إِذَا أَخذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ ﴾ هم الذين قتلواْ ببدر.
قوله تعالى :﴿ وَكُنتُم عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : تستأخرون، وهو قول مجاهد.
والثاني : تكذبون.
والثالث : رجوع القهقرى. ومنه قول الشاعر :
زعموا أنهم على سبل الحق وأنا نكص على الأعقاب.
وهو أي النكوص، موسع هنا ومعناه ترك القبول.
﴿ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ﴾ أي بحرمة الله، ألا يظهر عليهم فيه أحد، وهو قول ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة.
ويحتمل وجهاً آخر : مستكبرين بمحمد أن يطيعوه، وبالقرآن أن يقبلوه.
﴿ سَامِراً تَهْجُرونَ ﴾ سامر فاعل من السمر. وفي السمر قولان
: أحدهما : أنه الحديث ليلاً، قاله الكلبي، وقيل به : سمراً تهجرون.
والثاني : أنه ظل القمر، حكاه ابن عيسى، والعرب تقول حلف بالسمر والقمر أي بالظلمة والضياء، لأنهم يسمرون في ظلمة الليل وضوء القمر، والعرب تقول أيضاً : لا أكلمه السمر والقمر، أي الليل والنهار، وقال الزجاج ومن السمر أخذت سمرة اللون. وفي ﴿ تَهْجُرُونَ ﴾ وجهان :
أحدهما : تهجرون الحق بالإِعراض عنه، قاله ابن عباس.
والثاني : تهجرون في القول بالقبيح من الكلام، قاله ابن جبير، ومجاهد.
وقرأ نافع ﴿ تُهْجِرُونَ ﴾ بضم التاء وكسر الجيم وهو من هجر القول. وفي مخرج هذا الكلام قولان :
أحدهما : إنكار تسامرهم بالإِزراء على الحق مع ظهوره لهم.
الثاني : إنكاراً منهم حتى تسامروا في ليلهم والخوف أحق بهم.
قوله :﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ في الحق هنا قولان
: أحدهما : أنه الله، قاله الأكثرون.
الثاني : أنه التنزيل أي لو نزل بما يريدون لفسدت السموات والأرض.
وفي اتباع أهوائهم قولان :
أحدهما : لو اتبع أهواءهم فيما يشتهونه.
الثاني : فيما يعبدونه.
﴿ لَفَسَدَتِ السَّموَاتُ وَالأَرْضُ ﴾ يحتمل وجهين
: أحدهما : لفسد تدبير السموات والأرض، لأنها مدبرة بالحق لا بالهوى.
الثاني : لفسدت أحوال السموات والأرض لأنها جارية بالحكمة لا على الهوى.
﴿ وَمَن فِيهِنَّ ﴾ أي ولفسد من فيهن، وذلك إشارة إلى من يعقل من ملائكة السموات وإنس الأرض، وقال الكلبي : يعني ما بينهم من خلق، وفي قراءة ابن مسعود لفسدت السموات والأرض وما بينهما، فتكون على تأويل الكلبي، وقراءة ابن مسعود، محمولاً على فساد ما لا يعقل من حيوان وجماد، وعلى ظاهر التنزيل في قراءة الجمهور يكون محمولاً على فساد ما يعقل وما لا يعقل من الحيوان، لأن ما لا يعقل تابع لما يعقل في الصلاح والفساد. فعلى هذا يكون من الفساد ما يعود على من في السموات من الملائكة بأن جعلت أرباباً وهي مربوبة، وعبدت وهي مستعبدة.
وفساد الإِنس يكون على وجهين :
أحدهما : باتباع الهوى. وذلك مهلك.
الثاني : بعبادة غير الله. وذلك كفر.
وأما فساد الجن فيكون بأن يطاعوا فيطغوا.
وأما فساد ما عدا ذلك فيكون على وجه التبع بأنهم مدبرون بذوي العقول.
فعاد فساد المدبرين عليهم.
﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : عنى ببيان الحق لهم، قاله ابن عباس.
الثاني : بشرفهم لأن الرسول ﷺ منهم. والقرآن بلسانهم، قاله السدي، وسفيان.
ويحتمل ثالثاً : بذكر ما عليهم من طاعة ولهم من جزاء.
﴿ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعِرِضُونَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : فهم عن القرآن معرضون، قاله قتادة.
الثاني : عن شرفهم معرضون، قاله السدي.
قوله :﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً ﴾ يعني أمراً.
﴿ فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : فرزق ربك في الدنيا خير منهم، قاله الكلبي.
الثاني : فأجر ربك في الآخرة خيرٌ منه، قاله الحسن.
وذكر أبو عمرو بن العلاء الفرق بين الخرج والخراج فقال : الخرج من الرقاب : والخراج من الأرض.
قوله :﴿ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : لعادلون، قاله ابن عباس.
الثاني : لحائدون، قاله قتادة.
الثالث : لتاركون، قاله الحسن.
الرابع : لمعرضون، قاله الكلبي، ومعانيها متقاربة.
قوله :﴿ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً ﴾ الآية. فيه ثلاثة أقاويل
: أحدها : أنه دعاء النبي ﷺ عليه فقال :« اللَّهُمّ اجْعَلْهَا عَلَيهِم سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ فَقَحَطُوا سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى أَكَلُوا الْعَلْهَزَ مِنَ الجُوعِ وَهُوَ الوَبَرُ بالدَّمِ » قاله مجاهد
. الثاني : أنه قتلهم بالسيف يوم بدر، قاله ابن عباس.
الثالث : يعني باباً من عذاب جهنم في الآخرة، قاله بعض المتأخرين.
﴿ مُبْلِسُونَ ﴾ قد مضى تفسيره
. قوله :﴿ وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : خلقكم، قاله الكلبي ويحيى بن سلام.
الثاني : نشركم، قاله ابن شجرة.
قوله :﴿ وَلَهُ اخْتِلاَفُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : بالزيادة والنقصان.
الثاني : تكررهما يوماً بعد ليلة وليلة بعد يوم.
ويحتمل ثالثاً : اختلاف ما مضى فيهما من سعادة وشقاء وضلال وهدى.
قوله :﴿ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : خزائن كل شيء، قاله مجاهد.
الثاني : ملك كل شيء، قاله الضحاك. والملكوت من صفات المبالغة كالجبروت والرهبوت.
﴿ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ علَيْهِ ﴾ أي يمنع ولا يُمنع منه، فاحتمل ذلك وجهين
: أحدهما : في الدنيا ممن أراد هلاكه لم يمنعه منه مانع، ومن أرد نصره لم يدفعه من نصره دافع.
الثاني : في الآخرة لا يمنعه من مستحقي الثواب مانع ولا يدفعه من مستوجب العذاب دافع.
﴿ فأَنَّى تُسْحَرونَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : فمن أي وجه تصرفون عن التصديق بالبعث.
الثاني : فكيف تكذبون فيخيل لكم الكذب حقاً.
قوله :﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ السَّيِئَةَ ﴾ فيه خمسة أقاويل
: أحدها : بالإغضاء والصفح عن إساءة المسيء، قاله الحسن.
الثاني : ادفع الفحش بالسلام، قاله عطاء والضحاك.
الثالث : ادفع المنكر بالموعظة، حكاه ابن عيسى.
الرابع : معناه امسح السيئة بالحسنة هذا قول ابن شجرة.
الخامس : معناه قابل أعداءك بالنصيحة وأولياءك بالموعظة، وهذا وإن كان خطاباً له عليه السلام فالمراد به جميع الأمة.
قوله :﴿ وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ﴾ فيه أربعة أوجه : أحدها : من نزغات.
الثاني : من إغواء.
الثالث : أذاهم.
الرابع : الجنون.
﴿ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ ﴾ أي يشهدوني ويقاربوني في وجهان
: أحدهما في الصلاة عند تلاوة القرآن. قال الكلبي.
والثاني : في أحواله كلها، وهذا قول الأكثرين.
قوله :﴿ وَمِن ورَآئِهِمْ بَرْزَخٌ ﴾ الآية. أي من أمامهم برزخٌ، البرزخ الحاجز ومنه قوله تعالى :﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ ﴾ [ الرحمن : ٢٠ ] وفيه خمسة أقاويل.
أحدها : أنه حاجز بين الموت والبعث، قاله ابن زيد.
الثاني : حاجز بين الدنيا والآخرة. قاله الضحاك.
الثالث : حاجز بين الميت ورجوعه للدنيا، قاله مجاهد.
الرابع : أن البرزخ الإِمهال ليوم القيامة، حكاه ابن عيسى.
الخامس : هو الأجل ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة، قاله الكلبي.
قوله :﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : أي لا يتعارفون للهول الذي قد أذهلهم.
الثاني : أنهم لا يتواصلون عليها ولا يتقابلون بها مع تعارفهم لقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرءُ مِنْ أَخيهِ ﴾ [ عبس : ٣٤ ]
﴿ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : لا يتساءلون أن يحمل بعضهم عن بعض، أو يعين بعضهم بعضاً، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : لا يسأل بعضهم بعضاً عن خبره لانشغال كل واحد بنفسه قاله ابن عيسى.
قوله :﴿ قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : الهوى.
الثاني : حسن الظن بالنفس وسوء الظن بالخلق.
﴿ قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا ﴾ فيه ثلاثة أوجه
: أحدها : معناه اصغروا والخاسىء الصاغر، قاله الحسن، والسدي.
الثاني : أن الخاسىء الساكت الذي لا يتكلم، قاله قتادة.
الثالث : ابعدوا بعد الكلب، قاله ابن عيسى.
﴿ وَلاَ تُكَلِّمُونِ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : لا تكلمون في دفع العذاب عنكم.
الثاني : أنهم زجروا عن الكلام، غضباً عليهم، قاله الحسن، فهو آخر كلام يتكلم به أهل النار.
﴿ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً ﴾ قرأ بضم السين نافع، وحمزة، والكسائي، وقرأ الباقون بكسرها. واختلف في الضم والكسر على قولين.
أحدهما : أنهما لغتان، ومعناهما سواء وهما من الهزء.
الثاني : أنها بالضم من السُخرة والاستعباد وبالكسر من السخرية والاستهزاء.
قوله :﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُم فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : أنه سؤال لهم من مدة حياتهم في الدنيا، قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم، استقلالاً لحياتهم في الدنيا لطول لبثهم في عذاب جهنم.
الثاني : أنه سؤال لهم عن مدة لبثهم في القبور وهي حالة لا يعلمونها فأجابوا بقصرها لهجوم العذاب عليهم، وليس بكذب منهم لأنه إخبار عما كان عندهم.
﴿ فَاسْئَلِ الْعَادِّينَ ﴾ فيه قولان
: أحدهما : الملائكة، قاله مجاهد.
الثاني : الحُسّابُ، قاله قتادة.
قوله :﴿ وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً ءَآخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : معناه ليس له برهان ولا صحة بأن مع الله إلهاً آخر.
الثاني : أن هذه صفة الإله الذي يدعى من دون الله أن لا برهان له.
﴿ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّكَ ﴾ فيه وجهان
: أحدهما : يعني أن محاسبته عند ربه يوم القيامة.
الثاني : أن مكافأته على ربه والحساب المكافأة، ومنه قولهم حسبي الله. أي كفاني الله تعالى، والله أعلم وأحكم.
Icon