ﰡ
وجدد جمع جدة كدرة ودرر وهو الطريق الواضح المبين وضعه موضع الطرائق والخطوط الواضحة المنفصل بعضها بعضاً من بعض. وقال مختلف ألوانها لأن البياض والحمرة تتفاوت بالشدة والضعف فأبيض لا يشبه أبيض وأحمر لا يشبه أحمر وإن اشتركا في القدر المشترك لكنه مشكك والظاهر عطف وغرابيب على حمر عطف ذي لون والظاهر أنه لما ذكر الغربيب وهو الشديد السواد لم يذكر فيه مختلف ألوانه لأنه من حيث جعله شديد السواد وهو البالغ في غاية السواد لم يكن له ألوان بل هذا لون واحد بخلاف البيض والحمر فإِنها تختلف والظاهر أن قوله: بيض وحمر ليسا مجموعين في جدة واحدة بل المعنى جدد بيض وجدد حمر وجدد غرابيب ويقال أسود حلكوك وأسود غربيب وسود توكيد الغرابيب.﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ ﴾ عموم بعد خصوص.﴿ وَٱلأَنْعَامِ ﴾ خصوص بعد عموم.﴿ كَذَلِكَ ﴾ أي كاختلاف الثمرات والجبال فهذا التشبيه من تمام الكلام قبله والوقف عليه حسن. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون من الكلام الثاني يخرج مخرج السبب كأنه قال: كما جاءت القدرة في هذا كله.﴿ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ ﴾ أي المخلصون لهذه العبر الناظرون فيها " انتهى ". وهذا الاحتمال لا يصح لأن ما بعد إنما لا يمكن أن يتعلق به المجرور قبلها ولو خرج مخرج السبب لكان التركيب كذلك يخشى الله من عباده أي كذلك الاعتبار والنظر في مخلوقات الله واختلاف ألوانها يخشى الله ولكن التركيب جاء بإِنما وهي تقطع هذا المجرور عما بعدها.
﴿ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ ﴾[الروم: ٣٥].
﴿ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم ﴾ وهم الرؤساء.﴿ بَعْضاً ﴾ وهم الأتباع.﴿ إِلاَّ غُرُوراً ﴾ وهو قولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله " انتهى " أما قوله: ان أروني بدل من أرأيتم فلا يصح لأنه إذا أبدل مما دخل عليه الاستفهام فلا بد من دخول الأداة على البدل وأيضاً فإِبدال الجملة من الجملة لم يعهد في لسانهم ثم البدل على نية تكرار العامل ولا يتأتى ذلك هنا لأنه عامل في أرأيتم فيستحيل دخوله على أروني والذي أذهب إليه هنا ان أرأيتم بمعنى أخبروني وهي تطلب مفعولين أحدهما منصوب والآخر مشتمل على الاستفهام كقول العرب أرأيت زيداً ما صنع فالأول هنا شركاءكم. والثاني: ماذا خلقوا، وأروني جملة اعتراضية فيها تأكيد للكلام وتسديد ويحتمل أن يكون ذلك من باب الأعمال لأنه توارد على ماذا خلقوا أرأيتم وأروني لأن أروني قد تعلق عن مفعولها الثاني كما علقت رأي التي لم تدخل عليها همزة النقل عن مفعولها في قولهم: أما ترى أي فرق ها هنا ويكون قد أعمل الثاني على المختار عند البصريين ولما بين تعالى فساد أمر الأصنام ووقف على الحجة في بطلانها عقب بذكر عظمته وقدرته ليبين الشىء بضده وتتأكد حقارة الأصنام بذكر عظمة الله فقال: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ ﴾ والظاهر أن معناه أن تنتقلا عن أماكنهما وتسقط السماوات عن علوها. وقال الزمخشري: وإن أمسكهما جواب القسم في ولئن زالتا سدّ مسدّ الجوابين " انتهى ". يعني أنه دل على الجواب المحذوف وان أخذ كلامه على ظاهره لم يصح لأنه لو سدّ مسدّهما لكان له موضع من الإِعراب باعتبار جواب الشرط ولا موضع له من الإِعراب باعتبار جواب القسم والشىء الواحد لا يكون معمولاً غير معمول ومن في من أحد لتأكيد الاستغراق وفي من بعده لابتداء الغاية أي من ترك إمساكه وان نافية في جواب القسم المحذوف.﴿ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ الضمير في وأقسموا لقريش ولما بين إنكارهم للتوحيد بين تكذيبهم للرسل قيل وكانوا يلعنون اليهود والنصارى حيث كذبوا رسلهم وقالوا: لئن أتانا رسول لنكونن أهدى من إحدى الأمم فلما بعث محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبوه.﴿ لَئِن جَآءَهُمْ ﴾ حكاية لمعنى كلامهم لا لفظهم إذ لو كان اللفظ لكان التركيب لئن جاءنا نذير من إحدى الأمم أي من واحدة مهترية من الأمم أو من الأمة التي يقال فيها إحدى الأمم تفضيلاً لها على غيرها كما قالوا هو أحد الأحدين وهي إحدى الأحد يريدون التفضيل في الدهاء والعقل بحيث لا نظير له.﴿ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ ﴾ هو محمد صلى الله عليه وسلم.﴿ مَّا زَادَهُمْ ﴾ أي مجيئه.﴿ إِلاَّ نُفُوراً ﴾ بعداً من الحق وهرباً منه وإسناد الزيادة إليه مجاز لأنه هو السبب وإن زادوا أنفسهم نفوراً والظاهر أن استكباراً مفعول من أجله أي سبب النفور هو الاستكبار ومكر السيىء معطوف على استكباراً فهو مفعول من أجله أيضاً من الحامل لهم على الابتعاد من الحق هو الاستكبار والمكر السيىء هو الخداع الذي يرومونه بالرسول صلى الله عليه وسلم والكيد له واستكباراً بدل من نفوراً ومكر السيىء من إضافة الموصوف إلى صفته ولذلك جاء على الأصل.﴿ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ﴾ وقرأ حمزة السيىء بإِسكان الهمزة أجرى الوصل مجرى الوقف.﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ ﴾ أي ليفوته من شىء ومن الاستغراق الأشياء.﴿ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً ﴾ فبعلمه تعالى يعلم جميع الأشياء فلا يغيب عن علمه شىء وبقدرته لا يتعذر عليه شىء ثم ذكر تعالى حلمه عن عباده في تعجيل العقوبة فقال:﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ ﴾ أي من الشرك وتكذيب الرسل وهو المعنى في الآية التي في النحل وهو قوله بظلمهم وتقدم الكلام عليها في النحل وهناك عليها وهنا على ظهرها والضمير عائد على الأرض إلا أن هناك يدل عليه بسياق الكلام وهنا يمكن أن يعود على ملفوظ به وهو قوله في السماوات ولا في الأرض ولما كانت حاملة لمن عليها استعير لها الظهر كالدابة الحاملة للأثقال ولأنه أيضاً هو الظاهر بخلاف باطنها.﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً ﴾ توعد للمكذبين أي فيجازيهم بأعمالهم.