تفسير سورة الأعراف

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

ومن سورة الأعراف
قلت: «١» أرأيت ما يأتي بعد حروف الهجاء مرفوعًا مثل قوله: المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ومثل قوله: الم «٢» تَنْزِيلُ الْكِتابِ، وقوله: الر «٣» كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ وأشباه ذَلِكَ بم رفعت الكتاب فِي هَؤُلاءِ الأحرف؟
قلت: رفعته بِحروف الهجاء التي قبله كأنك قلت: الألف واللام والميم والصاد من حروف المقطع كتابٌ أنزل إليك مجموعًا. فإن قلت: كأنك قد جعلت الألف واللام والميم والصاد يؤدّين عَن جَميع حروف المعجم، وهو ثلاثة أحرف أو أربعة؟ قلت: نعم، كما أنك تقول: اب ت ث ثَمانية وعشرون حرفًا، فتكتفي بأربعة أحرف من ثَمانية وعشرين. فإن قلت: إن ألف ب ت ث قد صارت كالاسم لحروف الهجاء كما تقول: قرأت الحمد، فصارت اسمًا لفاتِحة الكتاب. قلت: إن الَّذِي تَقُولُ ليقع فِي الوَهْم، ولكنك قد تَقُولُ: ابني فى اب ت ث، ولو قلت فِي حاط لجاز ولعلمت بأنه يريد: ابني فِي الحروف المقطعة.
فلما اكتفي بغير أوّلها علمنا أن أوّلها لَيْسَ لَهَا باسم وإن كان أوّلها آثر فِي الذكر من سائرها. فإن قلت: فكيف جاءت حروف (المص) (وكهيعص) مختلفة ثُمَّ أنزلا «٤» منزل با تا ثا وهنّ متواليات؟ قلت: إِذَا ذكرن متواليات دللن على أب ت ث
(١) كذا فى ش، ج. يريد أن سائلا معينا وجه إليه هذا السؤال. وقد يكون الأصل: «فإن قلت» كما هو الشائع فى مثل هذا.
(٢) أوّل سورة السجدة.
(٣) أوّل سورة هود.
(٤) أي مجموعنا (المص) و (كهيعص). والأنسب بالسياق: «أنزلن».
368
بعينها مقطّعة، وَإِذَا لَمْ يأتين متواليات دَللن عَلَى الكلام المتصل لا عَلَى المقطع.
أنشدني الحارثىّ:
تعلمت باجاد وآل مزامر وسوَّدتُ أثوابي ولست بكاتب «١»
وأنشدني بعض بني أسَد:
لَمَّا رأيت أمرها فِي حُطِّي وَفَنَكت فِي كذب ولط «٢»
أخذتُ منها بقرونٍ شُمطِ ولم يزل ضربي لَهَا ومَعْطي
حَتَّى عَلَى الرأسِ دم يغطِي فاكتفى بحطي من أبي جاد، ولو قَالَ قائل: الصبي فِي هوّز أو كلمن، لكفى ذَلِكَ من أبي جاد.
وقد قال الكسائىّ: رفعت كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وأشباهه من المرفوع بعد الهجاء بإضمار (هَذَا) أو (ذَلِكَ) وهو وجه. وكأنه إِذَا أضمرَ (هَذَا) أو (ذَلِكَ) أضمر لحروف الهجاء ما يرفعها قبلها لأنها لا تكون إلا وَلَهَا موضع.
قَالَ: أفرأيت ما جاء منها لَيْسَ بعده «٣» ما يرافعه مثل قوله: حم. عسق، ويس، وق، وص، مما يقل أو يكثر، ما موضعه إذ لم يكن بعده مرافع؟ قلت:
(١) مرامر هو ابن مرة أو ابن مروة. وهو من أهل الأنبار، من أوّل من كتب بالعربية.
ويريد بآله حروف الهجاء لأنه اشتهر بتعليمها، أو لأنه سمى أولاده الثمانية بأسماء جملها، فسمى أحدهم أبجد وهكذا الباقي. وانظر اللسان فى مرر. [.....]
(٢) كأنه يتحدّث عن امرأة لا يرضى خلقها، حاول إصلاحها فلم تنقد له ولم تتقدّم، كأنها تستمر فى أوّل وسائل تعلمها، كالصبى لا يعدو فى تعلمه حروف الهجاء. وفنكت فى الكذب: لجت فيه وتمادت.
واللط: ستر الخبر وكتمه. والمعط: الشدّ والجذب. والقرون الشمط: يريد خصل شعر رأسها المختلط فيه السواد والبياض، يريد أنها جاوزت عهد الشباب. وقوله: على الرأس، فعلى جارة. ويضح أن يقرأ: علا الرأس، فيكون (علا) فعلا و (الرأس) مفعول.
(٣) فى ش، ج: «قبله». وظاهر أنه سهو من الناسخ.
369
قبله ضمير «١» يرفعه، بمنزلة قول الله تبارك وتعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ «٢» المعنى والله أعلم: هَذِه براءة من الله. وكذلك سُورَةٌ أَنْزَلْناها «٣» وكذلك كل حرف مرفوع مع القول ما ترى معه ما يرفعه فقبله اسم مضمر يرفعه مثل قوله: وَلا تَقُولُوا «٤» ثَلاثَةٌ انْتَهُوا المعنى والله أعلم: لا تقولوا هم ثلاثة، يعني الآلهة، وكذلك قوله:
سَيَقُولُونَ «٥» ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ المعنى والله أعلم: سيقولونَ هم ثلاثة.
وقد قيل فى (كهيعص) : إنه مفسّر لأسماء الله. فقيل: الكاف من كريم، وَالْهَاء من هاد، والعين والياء من عليم، والصاد من صدوق. فإن يك كذلك (فالذكر) مرفوع بضمير لا ب (كهيعص). وقد قيل فى (طه) إنه: يا رجل، فإن يك كذلك فليس يَحتاج إلى مرافع لأن المنادي يرفع بالنداء وكذلك (يس) جاء فيها يا إنسان، وبعضهم: يا رجل، والتفسير فيها كالتفسير فِي طه.
وقوله: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ (٢) يقول: لا يضيق صدرك بالقرآن بأن يكذبوك، وكما قَالَ الله تبارك وتعالى:
فَلَعَلَّكَ «٦» باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا. وقد قيل: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ: شك.
لِتُنْذِرَ بِهِ مؤخر، ومعناه: المص كتاب أنزل إليك لِتُنْذِرَ بِهِ فلا يكن فِي صدرك حرج منه.
وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ فِي موضع نصب ورفع. إن شئت رفعتها على الردّ على الكتاب كأنك قلت: كتاب حقّ وذكرى للمؤمنين والنصبُ يُرَاد به: لتنذر وتذكّر به المؤمنين.
(١) يريد مبتدأ محذوفا.
(٢) آية ١ سورة التوبة.
(٣) آية ١ سورة النور.
(٤) آية ١٧١ سورة النساء.
(٥) آية ٢٢ سورة الكهف.
(٦) آية ٦ سورة الكهف.
370
وقوله: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ (٣) وإنما خاطب «١» النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده لأن ما أنذر بِهِ فقد أنذرت بِهِ أمته كما قال: يا أَيُّهَا «٢» النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فخاطبه، ثُمَّ جعل الفعل للجميع، وأنت قد تَقُولُ للرجل: ويحك أما تتقون الله، تذهب إليه وإلى أهل بيته أو عشيرته. وقد يكون قوله: (اتبعوا) محكيا من قوله (لتنذر به) لأن الإنذار قول، فكأنه قيل لَهُ: لتقول لَهم اتبعوا كما قَالَ الله تبارك وتعالى: يُوصِيكُمُ «٣» اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لأن الوصية قول.
ومثله: يا أَيُّهَا «٤» النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ. ثم قال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ «٥» فجمع.
وقوله: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها (٤) يُقال: إِنَّما أتاها البأس من قَبْل الإهلاك، فكيف تقدم الهلاك؟ قلت:
لأن الهلاك والبأس يقعان معًا كَمَا تَقُولُ: أعطيتني فأحسنت، فلم يكن الإحسان بعد الإعطاء ولا قبله: إنّما وقَعا معًا، فاستجيزَ ذَلِكَ. وإن شئت كَانَ المعنى:
وكم من قريةٍ أهلكناها فكان مجيء البأس قبل الإهلاك، فأضمرت كَانَ.
وإنَّما جازَ ذَلِكَ عَلَى شبيه بِهذا المعنى، ولا يكون فِي الشروط التي خَلَفْتها «٦» بِمقدّم معروف أن يقدم المؤخر أو يؤخر المقدم مثل قولك: ضربته فبكى، وأعطيته
(١) يريد أن الخطاب فى هذا للرسول ﷺ إذ هو الموجه إليه الكلام من قبل فى قوله:
كتاب أنزل إليك، وكان وجه الخطاب على هذا: اتبع ما أنزل إليك من ربك، ويذكر المؤلف أنه ذهب بالخطاب إلى الرسول وأمّته.
(٢) أول سورة الطلاق.
(٣) آية ١١ سورة النساء.
(٤) أول سورة التحريم.
(٥) آية ٢ سورة التحريم.
(٦) أي وقعت مكانها. ولو كان «خالفتها» كان المعنى أظهر. [.....]
371
فاستغنى، إلا أن تدع الحروف فِي مواضعها. وقوله: (أهلكناها فجاءها) قد يكونان خبرًا بالواو: أهلكناها وجاءها البأسُ بياتا.
وقوله: أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) ردّ الفعل إلى أهل القرية وقد قَالَ فى أولها (أهلكناها) ولم يقل: أهلكناهم فجاءهم، ولو قيل، كَانَ صوابًا. ولم يقل: قائلة، ولو قيل لكان صوابا.
وقوله: أَوْ هُمْ قائِلُونَ واو «١» مضمرة. المعنى أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو وهم قائلون، فاستثقلوا نسقًا عَلَى نسق، ولو قيل لكان جائزًا كما تَقُولُ فِي الكلام:
أتيتني واليًا، أو وأنا معزول، وإن قلت: أو أنا معزول، فأنت مضمو للواو.
وقوله: فَما كانَ دَعْواهُمْ (٥) الدعوى فِي موضع نصب لكان. ومرفوع كَانَ قوله: إِلَّا أَنْ قالُوا فأن فِي موضع رفع. وهو الوجه فِي أكثر القرآن: أن تكون أن إِذَا كَانَ معها فعل، أن تَجعل مرفوعة والفعل منصوبًا مثل قوله: فَكانَ «٢» عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ وما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا «٣» أَنْ قالُوا. ولو جعلت الدعوى مرفوعة (وأن) فِي موضع نصب كَانَ صوابًا كما قَالَ الله تبارك وتعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا «٤» وهي فِي إحدى «٥» القراءتين: لَيْسَ البر بأن تولوا.
(١) يريد: فيه واو... أو هنا واو.
(٢) آية ١٧ سورة الحشر.
(٣) آية ٢٥ سورة الجاثية.
(٤) آية ٧٧ سورة البقرة.
(٥) نسبها فى البحر ٢/ ٢ إلى مصحف أبى وابن مسعود.
372
وقوله: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ (٨) وإن «١» شئت رفعت الوزن بالحق، وهو وجه الكلام. وإن شئت رفعت الوزن بيومئذ، كأنك قلت: الوزن فِي يوم القيامة حقًّا، فتنصب الحق وإن كانت فِيهِ ألف ولام كما قال: فَالْحَقُّ «٢» وَالْحَقَّ أَقُولُ الأولى منصوبة «٣» بغير «٤» أقول.
والثانية بأقول.
وقوله: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ ولم يقل (فذلك) فيوحِّد لتوحيد من، ولو وحّد لكان صوابا. و (من) تذهب بِهَا إلى الواحد وإلى الجمع.
وهو كثير.
وقوله: وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ (١٠) لا تهمز لأنها- يعني الواحدة- مفعِلة، الياء من الفعل، فلذلك لَمْ تهمز، إنّما يهمز من هَذَا ما كانت الياء فِيهِ زائدة مثل مدينة ومدائن، وقبيلة وقبائل لِمَا كانت الياء لا يعرف لَهَا أصل ثُمَّ قارفتها «٥» ألف مجهولة أيضًا همزت، ومثل معايش من الواو مِمّا لا يُهمز لو جمعت، معونة قلت: (معاون) أو منارة قلت مناور. وَذَلِكَ أن الواو ترجع إلى أصلها لسكون الألف قبلها. وربما همزت العرب هَذَا وشبهه، يتوهمونَ أنها فعيلة لشبهها بوزنها فِي اللفظ وعدّة الحروف
(١) ثبتت الواو فى ش، ج. والأولى حذفها.
(٢) آية ٨٤ سورة ص.
(٣) أي فى غير قراءة عاصم وحمزة وخلف. أما هؤلاء فقراءتهم بالرفع.
(٤) أي على أنه توكيد للجملة، كما تقول أنت أخى حقا. ويقول أبو حيان فى رده فى البحر ٧/ ٤١١: «وهذا المصدر الجائى توكيدا لمضمون الجملة لا يجوز تقديمه عند جمهور النحاة. وذلك مخصوص بالجملة التي جزءاها معرفتان جامدتان جمودا محضا».
(٥) فى ش، ط: «فارقتها» وقد رأينا أنه مصحف عما أثبتنا. والقراف المخالطة.
كما جمعوا مسِيل الماء أمسله، شُبِّه بفعيل وهو مفعِل. وقد همزت العرب المصائب وواحدتها مصيبة شبهت بفعيلة لكثرتها فِي الكلام.
وقوله: قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ (١٢) المعنى- والله أعلم- ما منعكَ أن تسجد. و (أن) فِي هَذَا الموضع تصحبها لا، وتكون (لا) صلة. كذلك تفعل بِما كَانَ فى أوّله جحد. و «١» ربما أعادوا عَلَى خبره جحدًا للاستيثاق من الجحد والتوكيد لَهُ كما قالوا:
ما إن رأينا مثلهن لمعشر سود الرءوس فوالج وفيول «٢»
و (ما) جحد و (إن) جحد فجمعتا للتوكيد. ومثله: وَما «٣» يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ. ومثله: وَحَرامٌ «٤» عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ. ومثله:
لِئَلَّا «٥» يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ إِلا أن معنى الجحد الساقط فِي لئلا من أوّلها لا من آخرها المعنى: ليعلم أهل الكتاب ألا يقدرون. وقوله: مَا مَنَعَكَ (ما) فِي موضع رفع. ولو وضع لمثلها من الكلام جواب مصحح كَانَ رفعًا، وقلت:
منعني منك أنك بَخيل. وهو مما ذكر جوابه عَلَى غير بناء أوله، فقال: (أَنَا خَيْرٌ منه) ولم يقل: منعني من السجود أني خيرٌ منه كما تَقُولُ فِي الكلام: كيف بتّ البارحة؟ فيقول: صالِح، فيرفع أو تقول: أنا بِخير، فتستدلّ بِهِ عَلَى معنى الجواب، ولو صحح الجواب لقالَ صالِحًا، أي بتُّ صالِحًا.
(١) الأظهر فى المعنى حذف الواو.
(٢) الفوالج جمع الفالج بكسر اللام، وهو البعير ذو السنامين، والفيول جمع الفيل للحيوان المعروف.
(٣) آية ١٠٩ سورة الأنعام.
(٤) آية ٩٥ سورة الأنبياء. [.....]
(٥) آية ٢٩ سورة الحديد.
وقوله: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ (١٦) المعنى- والله أعلم-: لاقعدنَّ لَهُمْ عَلَى طريقهم أو فِي طريقهم. وإلقاء الصفة «١» من هَذَا جائز كما قَالَ: قعدت لك وجه الطريق، وَعَلَى وجه الطريق لأن الطريق صفة فِي المعنى، فاحتمل ما يَحْتَمِله اليوم والليلة والعام إِذَا قيل: آتيك غدًا أو آتيك فِي غد.
وقوله: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً (٢٦) «ورياشا» «٢». فإن شئت جعلت رياش جَميعًا واحده الريش، وإن شئت جعلت الرياش مصدرًا فِي معنى الريش كما يُقال لِبْس ولباس قَالَ الشاعر «٣» :
فلمّا كشفن اللِّبْسَ عَنْهُ مَسَحْنَهُ بأطرافِ طَفْلٍ زانَ غَيْلا مُوَشَّما
وقوله: وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى و «لباسَ «٤» التقوى» يرفع بقوله: ولباس التقوى خير، ويَجعل (ذَلِكَ) من نعته. وهي فِي قراءة أبي وعبد الله جميعًا: ولباس التقوى خير. وفى قراءتنا (ذلك خير) فنصب اللباس أحب إليّ لأنه تابع الريش «٥»، (ذلك خير) فرفع خير بذلك.
(١) يريد بها الكوفيون الظرف.
(٢) هذه القراءة نسبها أبو عبيد إلى الحسن. وفى القرطبي نسبتها إلى عاصم من رواية المفضل الضبي وإلى أبى عمرو من رواية الحسين الجعفي.
(٣) هو حميد بن ثور الهلالي. والبيت من ميمبته الطويلة. وهو يصف فرسا خدمته جوارى الحي.
فقوله: كشفن أي الجواري. وقوله: عنه أي عن الفرس. ولبسه: ما عليه من الجل والسرج. وقوله بأطراف طفل أي بأطراف بنان ناعم. وقوله: غيلا يريد ساعدا أو معصما ممتلئا، موشما أي مزينا بالوشم، يريد بنان الجواري.
(٤) أي بالنصب. وهو قراءة نافع وابن عامر والكسائي. والضم قراءة الباقين.
(٥) كذا فى ش. وفى ج: «الرياش».
وقوله: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) يقول: بدأكم فِي الخلق شقيًا وسعيدًا، فكذلك تعودونَ عَلَى الشقاء والسعادة:
وقوله: فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ (٣٠) ونصب الفريق بتعودونَ، وهي فِي قراءة أُبَيّ: تعودونَ فريقين فريقًا هدى وفريقًا حقَّ عليهم الضلالة. ولو كانا رفعا كَانَ صوابًا كما قال تبارك وتعالى:
كَانَ «١» لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرةو «فئة» «٢» ومثله: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ «٣». وقد يكون الفريق منصوبًا بوقوع «هَدَى» عَلَيْهِ ويكون الثاني منصوبًا بِمَا «٤» وقع عَلَى عائد ذكره من الفعل كقوله: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً «٥».
وقوله: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (٢٩) يقول: إِذَا أدركتك الصلاة وأنت عند مسجد فصلّ فِيهِ، ولا تقولن: آتي مسجد قومي. فإن كان فِي غير وقت الصلاة صليت حَيْثُ شئت.
وقوله: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ (٣٢)
(١) آية ١٣ سورة آل عمران.
(٢) يريد رفع فئة فى الآية ونصبها. ويجوز فى الآية أيضا خفض فئة بدلا من «فئتين». وانظر ص ١٩٢ من هذا الجزء.
(٣) آية ٧ سورة الشورى.
(٤) يريد النصب على الاشتغال. والعامل هنا يقدر فى معنى المذكور أي أضل.
(٥) آية ٣١ سورة الإنسان.
376
نصبت خالصة عَلَى القطع «١» وجعلت الخبر فِي اللام التي فِي الَّذِينَ، والخالصة ليست بقطع من اللام «٢»، ولكنها قطع من لام أخرى مضمرة. والمعنى- والله أعلم-: قل هي للذين آمنوا فِي الحياة الدُّنْيَا يقول: مشتركة، وهي لَهم فِي الآخرة خالصة.
ولو رفعتها كَانَ صوابًا، تردّها «٣» عَلَى موضع الصفة التي رفعت لأن تِلْكَ فِي موضع رفع.
ومثله فِي الكلام قوله: إنا بِخير كَثِير «٤» صيدنا. ومثله قَوْل الله عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ «٥» الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً.. المعنى: خلق هلوعًا، ثُمَّ فسر حال الهلوع بلا نصب لأنه نصب فِي أول الكلام. ولو رفع لجازَ إِلا أن رفعه عَلَى الاستئناف لأنه لَيْسَ معه صفة ترفعه. وإنّما نزلت هَذِه الآية أن قبائل من العرب فِي الجاهلية كانوا لا يأكلونَ أيام حجهم إلا القوت، ولا يأكلون اللحم والدسم، فكانوا يطوفون بالبيت عراةً، الرجالُ نَهارًا والنساء ليلا، وكانت المرأة تلبس شيئًا شبيهًا بالحَوْف «٦» ليواريها بعض المواراة ولذلك قالت العامرية:
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أُحله
قَالَ المسلمون: يا رسول الله، نحنُ أحق بالاجتهاد لربنا، فأرادوا أن يفعلوا كفعل أهل الجاهلية، فأنزل الله تبارك وتعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ يعنى اللباس. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا حَتَّى يبلغ بكم ذلكم تَحريم ما أحللتُ لكم، والإسراف هاهنا الغلوّ فى الدين.
(١) أي على الحال.
(٢) يريد أنها ليست حالا من الجار والمجرور فى «للذين آمنوا فى الحياة الدنيا» بل يقدر جار ومجرور آخر هو خبر بعد خبر أي لهم خالصة يوم القيامة، إذ كان هذا حكما لهم فى حال غير الحال الأولى.
(٣) يريد أن تكون خبرا ثانيا. [.....]
(٤) كذا فى ش. وفى ج: «وكثير». وعلى النسخة الأخيرة يحتمل أن يكون شطر رجز.
(٥) آيات ١٩، ٢٠، ٢١ سورة المعارج.
(٦) هو جلد يشقق كهيئة الإزار يلبسه الصبيان والحائض.
377
وقوله: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ (٣٣) (والإثم) ما دون الحدّ (والبغي) الاستطالة عَلَى الناس.
وقوله: أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ (٣٧) يُقال: ينالهم ما قضى الله عليهم فِي الكتاب من سواد الوجوه وزرقة الأعين.
وهو قوله: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ «١» ويُقال هُوَ ما ينالهم فِي الدُّنْيَا من العذاب دون عذاب الآخرة، فيكون من قوله:
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ «٢» مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ.
وقوله: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها (٣٨) يقول: التي سبقتها، وهي أختها فِي دينها لا فِي النسب. وما كَانَ من قوله:
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً «٣» فليس بأخيهم فِي دينهم ولكنه منهم.
وقوله: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ (٤٠) ولا يَفَتَّح وتُفَتَّح. وإِنَّما يَجوز التذكير والتأنيث فِي الجمع لأنه يقع عَلَيْهِ التأنيث فيجوز فِيهِ الوجهان كما قَالَ: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ «٤» و «يشهد» فمن ذكَّر قَالَ: واحد الألسنة ذكر فأبنى عَلَى الواحد إذ كَانَ الفعل يتوحد إِذَا تقدّم الاسماء المجموعة، كما تَقُولُ ذهب القوم.
(١) آية ٦٠ سورة الزمر.
(٢) آية ٢١ سورة السجدة.
(٣) آية ٨٥ سورة الأعراف.
(٤) آية ٢٤ سورة النور. وقد قرأ بالياء حمزة والكسائي وخلف، وقرأ الباقون بالتاء.
ورُبَّما آثرت القراء أحد الوجهين، أو يأتي ذَلِكَ فِي الكتاب بوجه فيرى من لا يعلم أَنَّهُ لا يَجوز غيره وهو جائز. ومِمّا آثروا من التأنيث قوله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ «١» فآثروا التأنيث. ومِمّا آثروا فِيهِ التذكير قوله: لَنْ «٢» يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها والذي أتى فِي الكتاب بأحد الوجهين قوله: فُتِحَتْ «٣» أَبْوابُها ولو أتى بالتذكير كَانَ صوابًا.
ومعنى قوله: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ: لا تصعد أعمالهم. ويُقال:
إن أعمال الفجار لا تصعد ولكنها مكتوبة فى صخرة تحبت الأرض، وهي التي قَالَ الله تبارك وتعالى: كَلَّا «٤» إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ.
وقوله: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الجمل هُوَ زوج الناقة. وقد ذكر عَن ابن عباس الْجُمَّلُ يعني الحبال «٥» المجموعة. ويُقال الخياط والْمَخِيط ويُراد الإبرة. وَفِي قراءة عبد الله (الْمِخْيَط) ومثله يأتي عَلَى هذين المثالين يُقال: إزار ومِئزر، ولِحاف ومِلحف، وقِناع ومِقنع، وقِرام «٦» ومِقرم.
وقوله: وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ (٤٨) وَذَلِكَ أنَّهم عَلَى سُور بين الجنة والنار يُقال لَهُ الأعراف، يرون أهل الجنة فيعرفونَهم ببياض وجوههم، ويعرفونَ أهل النار بسواد وجوههم، فذلك قوله:
(١) آية ١٠٦ سورة آل عمران. يريد أن القراء اختاروا التأنيث مع احتمال الرسم للتذكير، كما أنهم فى الآيات التالية فى الحج آثروا التذكير مع احتمال الرسم للتأنيث. ولا يخفى أن القراءة مرجعها إلى التلقي.
(٢) آية ٣٧ سورة الحج.
(٣) آية ٧١ سورة الزمر.
(٤) آية ٧ سورة المطففين.
(٥) فى القرطبي: «وهو حبل السفينة الذي يقال له الفلس. وهو حبال مجموعة».
(٦) هو ثوب من صوف ملوّن يتخذ سترا.
يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ. وأصحاب الأعراف أقوامٌ اعتدلت حسناتهم وسيئاتهم فقصَّرت بهم الحسنات عَن الجنة، ولم تبلغ بِهم سيئاتِهم النار، كانوا موقوفين ثُمَّ أدخلهم الله الجنة بفضل رحمته.
وقوله: وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً (٥٢) تنصب الهدى والرحمة عَلَى القطع من الْهَاء فِي فصّلناه. وقد تنصبهما عَلَى الفعل «١». ولو خفضته عَلَى الاتباع للكتاب كَانَ صوابًا كما قَالَ الله تبارك وتعالى:
وَهذا «٢» كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فجعله رفعًا بإتباعه للكتاب.
وقوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ (٥٣) الْهَاء فِي تأويله للكتاب. يريد عاقبته وما وعد الله فِيهِ.
وقوله: فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ لَيْسَ بِمعطوفٍ عَلَى (فيشفعوا)، إِنَّما المعنى- والله أعلم-: أو هَلْ نُردّ فنعمل غير الَّذِي كنا نعمل.
ولو نصبت (نردّ) على أن تجعل (أو) بِمنزلة حَتَّى، كأنه قَالَ: فيشفعوا لنا أبدًا حَتَّى نرد فنعمل «٣»، ولا نعلم قارئًا «٤» قرأ بِهِ.
وقوله: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) ذكرت قريبًا لأنه لَيْسَ بقرابة فِي النسب. قَالَ: ورأيتُ العرب تؤنث القريبة فِي النسب لا يَختلفونَ فيها، فإذا قالوا: دارك منّا قريب، أو فلانة منك قريب
(١) كأنه يريد نصبه على أنه مفعول مطلق. أي هدينا به هدى ورحمنا به رحمة. [.....]
(٢) آية ٩٢ سورة الأنعام.
(٣) جواب لو محذوف، أي لجاز.
(٤) قرأ به ابن أبى إسحق، كما فى مختصر البديع ٤٤.
380
فِي القرب والبعد ذكَّروا وأنَّثوا. وَذَلِكَ أن القريب فِي المعنى وإن كَانَ مرفوعًا فكأنه فِي تأويل: هي من مكان قريب. فجعل القريب خَلَفًا من المكان كما قَالَ الله تبارك وتعالى: وَما «١» هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ وقال: وَما «٢» يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ولو أنَّث ذَلِكَ فبنى عَلَى بعدَتْ منك فهي بعيدة وقَرُبت فهي قريبة كَانَ صوابًا حسنًا. وقال عروة «٣» :
عِشَّيَة لا عفراءُ مِنْكَ قريبة فتدنو ولا عفراء مِنك بعيد
ومن قَالَ بالرفع وذكَّر لَمْ يَجمع قريبًا [ولم] «٤» يثنه. ومن قَالَ: إنّ عفراء منك قريبة أو بعيدة ثنَّى وجَمَع.
وقوله: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ نَشْرًا (٥٧) والنَشْر من الرياح: الطيبة اللينة التي تنشئ السحاب. فقرأ بذلك أصحاب عبد الله. وقرأ غيرهم (بُشْراً) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَسَدِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ «٥» الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي «٦» عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَرَأَ (بُشْرًا) يُرِيدُ بَشِيرَةً، وَ (بَشْرًا) كَقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وتعالى: (يُرْسِلَ الرِّياحَ «٧» مُبَشِّراتٍ).
(١) آية ٧٣ سورة هود.
(٢) آية ٦٣ سورة الأحزاب.
(٣) هو عروة بن حزام العذرى. والبيت ورد فى اللآلى ٤٠١ مع بيت آخر هكذا:
عشية لا عفراء منك بعيدة فتسلو ولا عفراء منك قريب
وإنى لتغشانى لذكراك فترة لها بين جلدى والعظام دبيب
ويرى أن ما أورده المؤلف رواية فى البيت غير ما ورد فى اللآلى. وفى الأغانى (الساسى) ٢٠/ ١٥٦ ستة أبيات على روى الباء يترجح أن تكون من قصيدة بيت الشاهد على ما روى فى اللآلى.
(٤) سقط ما بين القوسين فى ش، ج. والسياق يقتضيه.
(٥) هو عمرو بن عبد الله السبيعىّ أحد أعلام النابعين، توفى سنة ١٢٧
(٦) هو عبد الله بن حبيب المقري الكوفىّ، من ثقات التابعين، مات سنة ٨٥.
(٧) آية ٤٦ سورة الروم.
381
وقوله: فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى جواب «١» لانزلنا فأخرجنا به. يُقال: إن الناس يَموتونَ وجَميع الخلق فِي النفخة الأولى. وبينها وبين الآخرة أربعون سنة. ويبعث الله المطرَ فيُمطر أربعين يومًا كمنّي الرجال، فينبتونَ فِي قبورهم كما ينبتونَ فِي بطونِ أمهاتِهم. فذلك قوله:
كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى كما أخرجنا الثمار من الأرض الميتة.
وقوله: وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً (٥٨) قراءة «٢» العامة وقرأ بعضُ «٣» أهل المدينة: نَكَدا يريد: لا يخرج إلا فِي نَكَد.
والنِكد والنكَد مثل الدنِف والدَنف. قَالَ: وما أُبعد أن يكون فيها نكُد، ولم أسمعها، ولكني سمعتُ حذِر وحذُر وأشِر وأشُر وعجِل وعجُل.
وقوله: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (٥٩) تجعل «٤» (غَيْرِ) نعتًا للإلَه. وقد يرفع: يجعل تابعًا للتأويل فِي إله ألا ترى أن الاله لو نزعت منه (مِنْ) كَانَ رفعًا. وقد قرى بالوجهين جَميعًا.
وبعضُ بني أَسَد وقُضَاعة إِذَا كانت (غير) فِي معنى (إِلا) نصبوها، تَمَّ الكلام قبلها أو لَمْ يتم. فيقولون: ما جاءني غيرَك، وما أتاني أحد غيرَك. قَالَ:
وأنشدنى المفضّل:
(١) يريد قوله تعالى: كذلك نخرج الموتى، جعله جوابا لإنزال الماء فى الأرض المجدبة وترتب النبات وحياة الأرض عليه. كأنه يقول: إن كان من أمرنا أن ننزل الماء فنحيى به الأرض الجدبة فكذلك أمرنا أن نخرج الموتى ونحييهم إذ الأمران متساويان.
(٢) يريد: بكسر الكاف.
(٣) هو أبو جعفر.
(٤) هذا على كسر «غير» وهى قراءة الكسائي وأبى جعفر. [.....]
382
لَمْ يمنع الشربَ منها غير أن هتفت حمامة من سحوق ذات أوقال «١»
فهذا نصبٌ وله الفعل والكلام ناقص. وقال الآخر:
لا عيبَ فيها غيرَ شُهْلةِ عينِها كذاكَ عِتَاق الطير شُهْلا عيونُها «٢»
فهذا نصب والكلام تامّ قبله.
وقوله: أَوَعَجِبْتُمْ (٦٣) هَذِه واو نَسَق أدخلت عَلَيْهِ ألف الاستفهام كما تدخلها عَلَى الفاء، فتقول:
أفعجبتم، وليست بأو، ولو أريد بِهَا أو لسكّنت الواو.
وقوله: أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُقال فِي التفسير: مع رجلٍ.
وهو فِي الكلام كقولك: جاءنا الخير عَلَى وجهك، وهُدِينا الخير عَلَى لسانِكَ، ومع وجهك، يَجوزان جَميعًا.
وقوله: قالَ الْمَلَأُ (٦٦) هم الرجال لا يكون فيهم امرأة. وكذلك القوم، والنَفَر والرّهْط.
وقوله: وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً (٦٥) وقوله: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً (٧٣) منصوب بضمير أرسلنا. ولو رفع إذ فقد الفعل كَانَ صوابًا كما قَالَ: فَبَشَّرْناها «٣» بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ وقال أيضًا: فَأَخْرَجْنا «٤» بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها
(١) هو من قصيدة لأبى قيس بن الأسلت الأنصاري. وهو فى وصف ناقته. وسحوق يريد شجرة سحوقا أي طويلة. وأوقال جمع وقل وهو المقل أي الدوم إذا يبس. يريد أن الناقة كانت تشرب فلما سمعت صوت حمامة نفرت وكفت عن الشرب. يريد أنها يخامرها فزع من حدّة نفسها. وذلك محمود فيها.
وقوله: من سحوق، كذا فى ش، ج، يريد أن سماعها الحمامة من قبل الشجرة وجهتها. والمعروف: فى غصون.
(٢) الشهلة فى العين أن يشوب سوادها زرقة. وقوله: شهلا فى اللسان (شهل) :«شهل».
(٣) آية ٧١ سورة هود وقد قرأ «يعقوب» بالنصب وحفص وابن عامر وحمزة، وقرأ الباقون بالرفع
(٤) آية ٢٧ سورة فاطر.
ثم قال: وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ فالوجه هاهنا الرفع لأن الجبال لا تتبع النبات ولا الثمار. ولو نصبتها عَلَى إضمار: جعلنا لكم (من الجبال جددًا بيضًا) كما قَالَ الله تبارك وتعالى: خَتَمَ «١» اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ أضمرَ لَهَا جَعَلَ إِذَا نصبت كما قَالَ: وَخَتَمَ «٢» عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً والرفع فِي غشاوة الوجه. وقوله: وَمِنَ «٣» النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ ولم يقل:
ألوانهم، ولا ألوانها. وَذَلِكَ لِمكان (مِنْ) والعرب تُضمر من فتكتفي بِمن مِن مَنْ، فيقولون: مِنا مَنْ يقول ذَلِكَ ومِنّا لا يقوله. ولو جمع عَلَى التأويل كَانَ صوابًا مثل قول ذي الرّمة:
فظلُّوا ومنهم دمعه سابق له وآخر يثنى دمعة العين بالمهل «٤»
وقوله: وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً كَانَ أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعًا.
وقوله: وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) يقول: قد كنت فيكم أمينًا قبل أن أُبعث. ويُقال: أمين عَلَى الرسالة.
وقوله: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ (٧٨) والرجفة هي الزلزلة. والصاعقة هي النار. يُقال: أحرقتهم.
وقوله: فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ يقول: رمادا جاثما.
(١) آية ٧ سورة البقرة.
(٢) آية ٢٣ سورة الجاثية.
(٣) آية ٢٨ سورة فاطر.
(٤) المهل: التؤدة والسكينة. وفى الديوان ٤٨٥: «بالهمل». وكأنها الصحيحة لقوله بعد:
وقوله: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ (٧٩) يُقال: إنه لَمْ يعذب أمّة ونبيها فيها حتى يخرج عنها.
وقوله: أَخْرِجُوهُمْ (٨٢) يعني لُوطًا أخرجوهُ وابنتيه.
وقوله: إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ يقولون: يرغبون عَن أعمال قوم لوط ويتنزهونَ عنها.
وقوله: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها (٨٥) وإصلاحها بعثة النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بالحلال وينهى عَن الحرام.
فذلك صلاحها. وفسادها العمل- قبل أن يبعث النَّبِيّ- بالمعاصي «١».
وقول شعيب: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ لَمْ يكن لَهُ آية إلا النبوة. وَكَانَ لثمود الناقة، ولعيسى إحياء الموتى وشبهه.
وقوله: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ (٨٦) كانوا يقعدون لِمن آمن بالنبي عَلَى طرقهم يتوعدونهم بالقتل. وهو الإيعاد والوعيد. إِذَا كَانَ مبهمًا فهو بألف، فإذا أوقعته فقلت: وعدتك خيرًا أو شرًّا كَانَ بغير ألف كما قَالَ تبارك وتعالى: النَّارُ «٢» وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا.
وقوله: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا (٨٩) يريد: اقض بيننا، وأهل عُمَان يسمون القاضي الفاتح والفتّاح.
(١) وهذا متعلق بقوله: «العمل» كما لا يخفى.
(٢) آية ٧٢ سورة الحج.
وقوله: أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ (١٠٠) ثم قال: وَنَطْبَعُ ولم يقل: وطبعنا، ونطبعُ منقطعة عَن جواب لو يدلك عَلَى ذَلِكَ قوله: فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ألا ترى أَنَّهُ لا يَجوز فِي الكلام: لو سألتني لاعطيتك فأنتَ غنيّ، حَتَّى تَقُولُ: لو سألتني لاعطيتك فاستغنيت. ولو استقامَ المعنى فى قوله: فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ أن يتصل بِما قبله جازَ أن تردّ يفعل عَلَى فعل فِي جواب لو كما قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: وَلَوْ «١» يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ فنذر مردودة على (لقضى) وفيها النون.
وسهَّل ذَلِكَ أن العرب لا تقول: وذرت، ولا ودعت، إنما يقال بالياء والألف والنون والتاء، فأوثرت عَلَى فعلت إِذَا جازت قَالَ الله تبارك وتعالى: تَبارَكَ «٢» الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ ثم قال: وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً فإذا أتاك جواب لو آثرت فِيهِ (فعل «٣» عَلَى يفعل) وإن قلته ينفعل جاز، وعطف فعل عَلَى يفعل ويفعل عَلَى فعل جائز، لأن التأويل كتأويل الجزاء.
وقوله: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ (١٠٥) ويقرأ «٤» : حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ. وَفِي قراءة عبد الله: حَقِيقٌ بِأَنْ لَا أقول عَلَى الله فهذه حجة من «٥» قرأ (عَلَى) ولم يضِف. والعربُ تجعل الباء فِي موضع عَلَى رميت عَلَى القوس، وبالقوس، وجئت عَلَى حال حسنة وبحال حسنة.
(١) آية ١١ سورة يونس.
(٢) آية ١٠ سورة الفرقان.
(٣) سقط ما بين القوسين فى ج، وثبت فى ش.
(٤) وهى قراءة نافع. [.....]
(٥) وهم أصحاب القراءة الأولى. وقوله: «ولم يضف» أي لم يجرّ بها ياء المتكلم كما فى قراءة نافع. وحروف الجر تسمى حروف الإضافة.
وقوله: فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ (١٠٧) هُوَ الذكر وهو أعظم الحيّات.
وقوله: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ (١١٠) فقوله: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ من «١» الملأ فَماذا تَأْمُرُونَ من كلام فرعون. جاز ذَلِكَ عَلَى كلامهم إياه، كأنه لَمْ يحك وهو حكاية. فلو صرّحت بالحكاية لقلت: يريد أن يخرجكم من أرضكم، فقال: فماذا تأمرونَ. ويحتمل القياس أن تَقُولُ عَلَى هَذَا المذهب: قلت لجاريتك قومي فَإِنِّي قائمة (تريد «٢» : فقالت:
إني قائمة) وقلّما أتى مثله فِي شعر أو غيره، قَالَ عنترة:
وهل هملان العين راجع ما مضى من الوجد أو مدنيك يا ميّ من أهلى
الشاتِمَيْ عِرْضي ولم أشتِمْهُمَا والناذرَيْنِ إِذَا لقيتهما دمي «٣»
فهذا شبيه بذلك لأنه حكاية وقد صار كالمتصل عَلَى غير حكاية ألا ترى أَنَّهُ أراد: الناذرين إِذَا لقينا عنترة لنقتلنه «٤»، فقال: إِذَا لقيتهما، فأخبر عَن نفسه، وإنما ذكراه غائبا. ومعنى لقيتهما: لقيانى.
(١) أي صادر منهم إذ كان من كلامهم.
(٢) ثبت ما بين القوسين فى ش، وسقط فى ج.
(٣) البيت من معلقته. وكان قتل ضمضما المري أبا الحصين وهرم، فكانا ينالانه بالسب، ويتوعدانه بالقتل. وقبل البيت:وبعده:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر للحرب دائرة على ابني ضمضم
إن يفعلا فلقد تركت أباهما جزر السباع وكل نسر قشعم
(٤) فى ش، ج: «لقتلته». وهو محرف عما أثبتنا.
387
وقوله: أَرْجِهْ وَأَخاهُ (١١١) جاء التفسير: احبسهما عندك ولا تقتلهما، والإرجاء تأخير الأمر. وقد جزم الْهَاء حَمْزَةُ والاعمش «١». وهي لغة للعرب: يقفونَ عَلَى الْهَاء المكنيّ عنها فِي الوصل إِذَا تحرك ما قبلها أنشدني بعضهم:
أنحي عَليّ الدهر رجلا ويدا يُقسم لا يُصلح إلا أفسدا
فيصلح اليوم ويُفسدهُ غدا
وكذلك بِهاء التأنيث فيقولون: هَذِه طلحة قد أقبلت، جزم أنشدني بعضهم:
لَمَّا رأى أن لادَعهْ ولا شِبَعْ مال إلى أرطاة حِقْف فاضطجع «٢»
وأنشدني القَنَاني:
لستُ إذًا لزَعْبَلَهُ إنْ لَم أُغَيِّرْ بِكْلَتِي إن لَمْ أُساوَ بالطُوَل «٣» بِكْلَتِي: طريقتي. كأنه «٤» قَالَ: إن لَمْ أغيِّر بكلتي حَتَّى أساوي. فهذه لامرأة: امرأة طولى و [نساء «٥» ] طول.
(١) وهى أيضا قراءة حفص.
(٢) هذا من رجز. وقبله:
يا رب أبّاز من العفر صدع تقبض الذئب إليه فاجتمع
يصف ظبيا أراده الذئب أن يفترسه فنجا منه. والأباز من وصف الظبى وهو الوثاب فعّال من أبز أي وثب. والعفر من الظباء ما يعلو بياضه حمرة. والصدع من الحيوان: الشاب القوىّ. وتقبض: جمع قوائمه ليثب على الظبى. والأرطاة شجرة يدبغ بقرظها. والحقف: المعوج من الرمل.
(٣) زعبلة: اسم أبيها. وقد فسر البكلة بالطريقة. ويقول ابن برى- كما فى اللسان: بكل-:
«هذا البيت من مسدس الرجز جاء على التمام».
(٤) الأولى: «كأنها»، لجان الشعر لامرأة، كما يذكر.
(٥) زيادة يقتضيها السياق.
388
وقوله: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) أدخل (أن) فى (إما) لأنها فِي موضع أمر بالاختيار. فهي فِي موضع نصب فِي قول القائل: اختر ذا أو ذا ألا ترى أن الأمر بالاختيار قد صلح فِي موضع إِمّا.
فإن قلت: إن (أو) فِي المعنى بِمنزلة (إمّا وإمّا) فهل يَجوز أن يقول يا زيد أن تقوم أو تقعد؟ قلت: لا يَجوز ذَلِكَ لأن أول الاسمين فِي (أو) يكون خبرًا يَجوز السكوت عَلَيْهِ، ثُمَّ تستدرك الشك فِي الاسم الآخر، فتُمضي الكلام عَلَى الخبر ألا ترى أنك تقبول: قام أخوكَ، وتسكت، وإن بدا لك قلت: أو أبوك، فأدخلت الشك، والاسم الأول مكتفٍ يصلح السكوت عَلَيْهِ. وليس يَجوز أن تَقُولُ: ضربت إمّا عبد الله وتسكت. فلمّا آذنت (إمّا) بالتخيير من أول الكلام أحدثْتَ لَهَا أن.
ولو وقعت إِمّا وإمّا مع فعلين قد وُصِلا باسم معرفة أو نكرة ولم يصلح الأمر بالتمييز فِي موقع إمّا لَمْ يحدث فيها أن كقول الله تبارك وتعالى: وَآخَرُونَ «١» مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ أَلا ترى أن الأمرَ لا يصلح هاهنا، فلذلك لَمْ يكن فِيهِ أن. ولو جعلت (أن) فِي مذهب (كي) وصيّرتها صلة ل (مرجون) يريد أُرجئوا أن يعذبوا أو يتاب عليهم، صلح ذَلِكَ فِي كل فعل تامّ، ولا يصلح فِي كَانَ وأخواتها ولا فِي ظننت وأخواتها. من ذَلِكَ أن تَقُولُ آتيكَ إما أن تعطي وإما أن تمنع.
وخطأ أن تَقُولُ: أظنكَ إمّا أن تُعطي وإمّا أن تمنع، ولا أصبحت إما أن تعطي وإما أن تمنع. ولا تُدخلنّ «٢» (أو) عَلَى (إما) ولا (إما) عَلَى (أو). وربما فعلت العرب ذَلِكَ لتآخيهما فِي المعنى عَلَى التوهّم فيقولون: عبد الله إما جالس أو ناهض،
(١) آية ١٠٦ سورة التوبة.
(٢) يريد: لا تجعل أحد الحرفين فى الموضع الذي يصلح له الآخر.
ويقولون: عبد الله يقوم وإما يقعد. وَفِي قراءة أُبَيّ: وإِنّا «١» وإيّاكم لامَّا عَلَى هدى أو فِي ضلالٍ فوضع أو فِي موضع إِمّا. وقال الشاعر:
فقلت لَهن امشين إِمّا نلاقهِ كما قَالَ أو نشف النفوس فنعذرا «٢»
وقال آخر «٣» :
فكيفَ بنفس كلما قلت أشرفت عَلَى البرء من دهماء هِيض اندمالها
تُهاضُ بدارٍ قد تقادم عهدُها وإمّا بأمواتٍ ألمَّ خيالها
فوضع (وإِمّا) فِي موضع (أو). وهو عَلَى التوهم إِذَا طالت الكلمة بعض الطول أو فرقت بينهما بشيء هنالك يَجوز التوهم كما تَقُولُ: أنت ضاربُ زيدٍ ظالِمًا وأخاهُ حين فرقت بينهما ب (ظالِم) جاز نصب الأخ وما قبله مخفوض. ومثله يَا ذَا «٤» الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً وكذلك قوله إِمَّا «٥» أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى.
وقوله: تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧) وتَلْقَفُ «٦». يقال لقفت»
الشيء فأنا ألقفه لقفا، يجعلون مصدره لقفانا. وهى فى التفسير: تبتلع.
(١) آية ٢٤ سورة سبأ. وفى قراءتنا: «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين».
(٢) «نلاقه» مجزوم فى جواب الأمر، وكذا المعطوف عليه «نشف». وترى فى البيت أن:
«أو» خلفت «إما». [.....]
(٣) هو الفرزدق. والشعر مطلع قصيدة طويلة يمدح فيها سليمان بن عبد الملك ويهجو الحجاج. وقوله:
من دهماء أي من حب هذه المرأة. ويقال: هاض العظم: كسره بعد الجبر.
(٤) آية ٨٦ سورة الكهف.
(٥) آية ٦٥ سورة طه.
(٦) والأولى- أي سكون اللام وتخفيف القاف- قراءة حفص عن عاصم. والثانية قراءة الباقين.
(٧) كذا فى ج. وفى ش «تلقفت».
وقوله: فَوَقَعَ الْحَقُّ (١١٨) معناهُ: أن السحرة قالوا: لو كَانَ ما صنع موسى سِحرًا لعادت حبالنا وعِصيّنا إلى حالها الأولى، ولكنها فُقدت. فذلك قوله (فَوَقَعَ الحق) : فتبين الحق من السحر.
وقوله: آمَنْتُمْ بِهِ (١٢٣) يقول: صدّقتموهُ. ومن قَالَ: آمنتم لَهُ يقول: جعلتم لَهُ الَّذِي أراد.
وقوله: ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ (١٢٤) مشددة، وَ (لأصْلِبَنَّكم) بالتخفيف قرأها بعضُ «١» أهل مكة. وهو مثل قولك:
قتلت القوم وقتَّلتهم إِذَا فشا القتل جاز التشديد.
وقوله: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ (١٢٧) لك فى (ويذرك) النصبُ عَلَى الصرف لانّها فِي قراءة أُبَيّ (أتذرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأرض وَقَدْ تركوك أن يعبدوك) فهذا معنى الصرف. والرفع لِمن أتبع آخر الكلام أوّله كما قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ مَنْ «٢» ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ بالرفع «٣». وقرأ ابن عباس (وإلا هتك) وفسّرها: ويذرك وعبادتك وقال: كَانَ فرعون يُعبد ولا يَعبد.
وقوله: أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا (١٢٩) قَالَ: فأمَّا الأذى الأول فقتله الأبناء واستحياؤه النساء. ثُمَّ لَمّا قالوا لَهُ:
أتَذَرُ موسى وقومه ليفسدوا فِي الأرض قَالَ: أُعِيد عَلَى أبنائهم القتل وأستحيى النساء كما كَانَ فعل. وهو أذى بعد مجىء موسى.
(١) هو ابن محيصن.
(٢) آية ٢٤٥ سورة البقرة.
(٣) هو قراءة غير ابن عامر وعاصم ويعقوب. أما هؤلاء فقراءتهم النصب.
وقوله: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ (١٣٠) أخذهم بالسنين: القحط والجدوبة عامًا بعد عام.
وقوله: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ (١٣١) والحسنة هاهنا الخفض «١».
وقوله: لَنا هذِهِ يقولون: نستحقّها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعنى الجدوبة يَطَّيَّرُوا يتشاءموا بِمُوسى كما تشاءمت اليهود بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، فقالوا: غلت أسعارنا وقلّت أمطارنا مذ أتانا.
وقوله: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ (١٣٣) أرسل الله عليهم السماء سَبْتًا «٢» فلم تقلع ليلا ونهارا، فضاقت بهم الأرض من تهدّم بيوتِهم وشُغُلهم عَن ضياعِهم، فسألوهُ أن يرفع عنهم، فرفع فلم يتوبوا، فأرسلَ الله عليهم (الجراد) فأكل ما أنبتت «٣» الأرض فِي تِلْكَ السنة. وذاك أنهم رأوا من غِبّ ذَلِكَ المطر خصبًا لَمْ يروا مثله قطُّ، فقالوا: إنّما كَانَ هَذَا رحمةً لنا ولم يكن عذابًا. وضاقوا بالجراد فكان قدر ذراع فِي الأرض، فسألوهُ أن يكشف عنهم ويؤمنوا، فكشف «٤» الله عنهم وبقي لَهُم ما يأكلونَ، فطغوا بِهِ وقالوا (لن نؤمن لك) فأرسل الله عليهم (القمل) وهو الدّبَى «٥» الَّذِي لا أجنحة لَهُ، فأكل كلّ ما كَانَ أبقى الجراد، فلم يؤمنوا فأرسل الله (الضفادع) فكان أحدهم يصبح وهو عَلَى فراشه متراكب، فضاقوا بذلك، فلمّا كُشِفَ عنهم لَمْ يؤمنوا، فأرسل الله عليهم
(١) كذا فى ش، وفى ج: «الخصب». ومعناهما واحد.
(٢) أي أسبوعا من السبت إلى السبت.
(٣) كذا فى ج. وفى ش: «أنبت».
(٤) كذا فى ش. وفى ج: «فكشفه».
(٥) الدبى: الجراد قبل أن يطير، واحدة دباة.
(الدم) فتحوّلت عيونهم وأَنْهارُهم دمًا حَتَّى موتت الأبكارُ، فضاقوا بذلك وسألوهُ أن يكشفه عنهم فيؤمنوا، فلم يفعلوا، وَكَانَ العذاب يَمكث عليهم سبتًا، وبين العذاب إلى العذاب شهر، فذلك قوله آياتٍ مُفَصَّلاتٍ ثُمَّ وعد الله موسى أن يغرق فرعون، فسار موسى من مصر ليلا. وبلغ ذَلِكَ فرعون فأتبعه- يُقال فِي ألف ألف ومائة ألف سوى كتيبته التي هو فيها، ومُجَنِّبَتَيْه «١» - فأدركهم هُوَ وأصحابه مع طلوع الشمس. فضرب موسى البحر بعصاهُ فانفرج لَهُ فِيهِ اثنا عشر طريقًا. فلمّا خرجوا تبعه فرعون وأصحابه فِي طريقه، فلما كَانَ أوَلهم يَهُمّ بالخروج وآخرهم فِي البحر أطبقه الله تبارك وتعالى عليهم فغرَّقهم. ثُمَّ سأل موسى أصحابه أن يخرج فرعون ليعاينوهُ، فأخرج هُوَ وأصحابه، فأخذوا من الأمتعة والسلاح ما اتخذوا بِهِ العِجْل.
وقوله: عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ (١٤٨) كان جسدا مجوّفًا. وجاء فِي التفسير أَنَّهُ خار مرة واحدة.
وقوله: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ (١٤٩) من الندامة. ويُقال: أسقِط لغة. و (سُقِطَ فى أيديهم) أكثر وأجود. قالوا لئن لم ترحمنا ربّنا نصب «٢» بالدعاء (لئن لَمْ ترحمنا ربنا) ويقرأ (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا) والنصبُ أحبّ إليّ لأنها فِي مصحف عبد الله (قالوا ربنا لئن لَمْ ترحمنا).
وقوله: أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ (١٥٠) تقول: عجلت الشيء: سبقته، وأعجلته استحثثته «٣».
(١) تثنية مجنبة. وهى فرقة من الجيش، تكون فى إحدى جانبيه، وللجيش مجنبتان: اليمنى واليسرى. [.....]
(٢) وهى قراءة حمزة والكسائىّ وخلف.
(٣) فى ش، ج: «استحيته» وهو مصحف عما أثبتنا.
393
وقوله: وَأَلْقَى الْأَلْواحَ ذكر أنَّهما كانا لوحين. وجازَ أن يُقال الألواح للاثنين كما قَالَ فَإِنْ «١» كانَ لَهُ إِخْوَةٌ وهما أخوان وكما قَالَ إِنْ تَتُوبا «٢» إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وهما قلبانِ.
وقوله تبارك وتعالى: قالَ ابْنَ أُمَّ يقرأ (ابن أمَّ، وَأُمِّ) بالنصب والْخفض «٣»، وَذَلِكَ أنه كثر فِي الكلام فحذفت العرب منه الياء. ولا يكادونَ يحذفونَ الياء إِلا من الاسم المنادى يضيفه المنادِي إلى نفسه، إلا قولهم: يا ابن عمّ ويا ابن أمّ. وذلك أنه يكثر استعمالهما فِي كلامهم. فإذا جاء ما لا يستعمل أثبتوا الياء فقالوا: يا ابن أبى، ويا ابن أخى، ويا ابن خالتى، فأثبتوا الياء. ولذلك قالوا: يا ابن أمّ، ويا ابن عمَّ فنصبوا كما تنصب المفرد فِي بعض الحالات، فيُقال: حسرتا، ويا ويلتا، فكأنّهم قالوا: يا أمّاه، ويا عمّاه. ولم يقولوا ذَلِكَ فِي أخ، ولو قيل كَانَ صوابًا. وَكَانَ هارون أخاهُ لابيه وأمّه. وإنّما قَالَ لَهُ (يا ابن أم) ليستعطفه عَلَيْهِ.
وقوله: فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ مِنْ أشمت، حَدَّثَنَا مُحَمَّد قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنَا سفيان بن عبينة عَن رجل- أظنه الأعرج «٤» - عَن مجاهد أَنَّهُ قرأ (فلا تَشْمِت بيَ) ولم يسمعها من العرب، فقال الْكِسَائي: ما أدري لعلهم أرادوا (فلا تَشْمَت بِيَ الاعداءُ) فإن تكن صحيحة فلها نظائِر، العرب تَقُولُ فرغت: وفرِغْت. فمن قَالَ فرَغت قَالَ: أنا أفرغُ، ومن قَالَ فرِغت قَالَ أنَا أَفْرَغ، ورَكَنت وركِنْت وشمِلِهم شر، وشمَلهم، فِي كَثِير من الكلام. و (الأَعْدَاءَ) رفع لأن الفعل لَهُم، لمن قَالَ: تَشْمَت أو تشمت.
(١) آية ١١ سورة النساء.
(٢) آية ٤ سورة التحريم.
(٣) الخفض أي كسر الميم قراءة ابن عامر وأبى بكر عن عاصم وحمزة والكسائىّ وخلف. والنصب قراءة الباقين.
(٤) هو حميد بن قيس المكىّ القارئ توفى سنة ١٣٠ هـ.
394
وقوله: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا (١٥٥) وجاء التفسير: اختارَ منهم سبعين رجلا. وإِنَّما استجيز وقوع الفعل عليهم إذ طرحت (من) لأنه مأخوذ من قولك: هَؤُلاءِ خير القوم، وخير من القوم. فلما جازت الإضافة مكان (مِن) ولم يتغير المعنى استجازوا أن يقولوا: اخترتكم رجلا، واخترت منكم رجلا.
وقد قَالَ الشاعر «١» :
فقلت لَهُ اخترها قَلُوصا سَمِينة ونابًا علينا مثل نابك فِي الْحَيَا
فقام إليها حبتر بسلاحه فلله عينا حَبْتَرٍ أيّما فتى
وقال الراجز «٢» :
تحت الَّذِي اختار لَهُ الله الشجر
وقوله: أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا وَذَلِكَ أن الله تبارك وتعالى أرسلَ عَلَى الَّذِينَ معه- وهم سبعون- الرجفة، فاحترقوا، فظنّ موسى أنّهم أهلكوا باتِّخَاذ أصحابِهم العجل، فقال: أتهلكنا بِما فعلَ السفهاء منا، وإِنّما أهلكوا بمسألتهم موسى (أرنا الله جهرة).
(١) هو الراعي النميرىّ. والشعر من قصيدة له يصف فيها أنه نزل به قوم ليلا فى سنة مجدبة وكانت إبله بعيدة عنه، فنحر ناقة من رواحلهم، وجاءت إبله فى الغدوة فأعطى رب الناقة ناقة مثلها، وزاده أخرى. والبيت الثاني فى الشعر قبل الأوّل إذ يذكر فيه أن حبترا نحر ناقة الضيف بعد أن أومأ إليه الراعي بذلك سرا لئلا يشعر صاحبها به. فأما البيت الأوّل فهو فى وصف ما حدث حين جاءت إبله فى صبح تلك الليلة. والقلوص: الفتية من الإبل. والناب: المسنة، والحيا: الشحم والسمن. وحبرّ ابن أخيه أو غلامه. وقوله: «ونابا» فى الحماسة وغيرها: «وناب».
(٢) هو العجاج. والرجز من أرجوزته الطويلة فى مدح عمر بن عبيد الله بن معمر.
395
وقوله (ثم اتخذوا «١» العجل) ليس بمردود على قوله (فأخذتهم الصاعقة) ثُمَّ اتخذوا هَذَا مردود عَلَى فعلهم الأول. وفيه وجه آخر: أن تجعل (ثم) خبرًا مستأنفًا. وقد تستأنف العرب بثم والفعل الَّذِي بعدها قد مضى قبل الفعل الأول من ذَلِكَ أن تَقُولُ للرجل: قد أعطيتك ألفًا ثُمَّ أعطيتك قبل ذَلِكَ مالا فتكون (ثُمَّ) عطفًا عَلَى خبر المخبر كأنه قَالَ: أخبرك أني زرتك اليوم، ثُمَّ أخبرك أني زرتك أمس.
وأمّا قول الله عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ «٢» مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها فإن فِيهِ هَذَا الوجه لئلا يقول القائل: كيف قَالَ: خلقكم ثُمَّ جعل منها زوجها والزوج مخلوق «٣» قبل الولد؟ فهذا الوجه المفسّر يدخل فِيهِ هَذَا المعنى. وإن شئت جعلت (ثم) مردودة عَلَى الواحدة أراد- والله أعلم- خلقكم من نفسٍ وحدها ثُمَّ جعل منها زوجها، فيكون (ثم) بعد خلقه آدم وَحده. فهذا ما فِي ثُمَّ. وخِلْقةُ ثُمَّ أن يكون آخِر. وكذلك الفاء. فأما الواو فإنك إنّ شئت جعلت الآخر هو الأوّل والأوّل الآخر. فإذا قلت: زرت عبد الله وزيدًا، فأيّهما شئت كان هو المبتدأ بالزيادة، وَإِذَا قلت: زرت عبد الله ثُمَّ زيدًا، أو زرت عبد الله فزيدًا كَانَ الأوّل قبل الآخِر، إلا أن تريد بالآخر أن يكون مردودًا عَلَى خبر المخبر فتجعله أوّلا.
(١) يريد قوله تعالى فى الآية ١٥٣ من سورة النساء: (يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات) فإن ظاهر الآية أن اتخاذ العجل بعد أن أخذتهم الصاعقة لسؤال الرؤية، والواقع أن اتخاذ العجل سابق على هذا. فعنى المؤلف بتأويل الظاهر.
(٢) آية ٦ سورة الزمر.
(٣) الأولى: مخلوقة فإن المراد بالزوج حوّاء.
396
وقوله: وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ (١٦٠) فقال: اثنتي عشرة والسبط ذكر لأن بعده «١» أمم، فذهب التأنيث إلى الأمم.
ولو كَانَ (اثني عشر) لتذكير السبط كَانَ جائزًا.
وقوله: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا (١٣٧) فتنصب مشارق ومغارب تريد: فِي مشارق الأرض وفى مغاربها، وتوقع «٢» (وأورشا) على قوله الَّتِي بارَكْنا «٣» فِيها. ولو جعلت (وأورثنا) واقعة عَلَى المشارق والمغارب لانهم قد أورثوها وتجعل (التي) من نعت المشارق والمغارب فيكون نصبًا «٤»، وإن شئت جعلت (التي) نعتًا للارض فيكون خفضًا.
وقوله: وَما ظَلَمُونا يقول: وما نقصونا شيئًا بِما فعلوا، ولكن نقصوا أنفسهم.
والعربُ تَقُولُ: ظلمت سِقاءك إِذَا سقيته «٥» قبل أن يُمَخض ويَخرج زُبْده. ويُقال ظلم الوادي إِذَا بلغ الماء منه موضعًا لَمْ يكن ناله فيما خلا أنشدني بعضهم:
يكاد يطلع ظلمًا ثُمَّ يمنعه عَن الشواهِقِ فالوادِي بِهِ شِرق «٦»
ويُقال: إنه لأظلم من حيَّة لانَّها تأتي الجُحْر ولم تَحفره فتسكنه. ويقولون:
ما ظلمك أن تفعل، يريدونَ: ما منعك أن تفعل، والأرض المظلومة: التي لَمْ ينلها
(١) كذا فى الأصول اش، ج. والأعرب: «أمما».
(٢) كذا فى ا. وفى ش، ج: «ترفع» وهو تصحيف.
(٣) أي الأرض التي باركنا فيها. [.....]
(٤) جواب لو محذوف، أي لجاز.
(٥) أي سقيت ما فيه من اللين ضيفا ونحوه.
(٦) فى اللسان أن هذا فى وصف سيل. فقوله: يكاد يطلع أي السيل، أي يكاد السيل يبلغ الشواهق أي الجبال المرتفعة، ولكن الوادي يمنعه عنها فهو شرق بهذا السيل أي ضيق به كمن يغص بالماء.
المطر، وقال أَبُو الجراح: ما ظلمك أَنْ تفيء، لرجل شكا كثرة الأكل. ويُقال «١» صَعِق الرجل وصُعِق إِذَا أخذته الصاعقة، وَسَعِدَ وسُعِد ورَهِصت الدابة ورهصت «٢».
وقوله: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ (١٦٣) والعربُ تَقُولُ: يُسْبِتونَ ويَسْبِتونَ وسَبَت وأَسبت. ومعنى أسبتوا: دخلوا فِي السبت، ومعنى يَسْبِتون: يفعلونَ سبتهم. ومثله فِي الكلام: قد أجمعنا، أي مرَّت بنا جُمعة، وجَمّعنا: شهدنا الجمعة. قَالَ وقال لي بعضُ العرب: أترانا «٣» أشهرنا مذ لم نلتق؟ أراد: مرّ بنا شهر.
وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ منصوب بقوله: لا تَأْتِيهِمْ.
وقوله: قالُوا مَعْذِرَةً (١٦٤) إعذارًا فعلنا ذَلِكَ. وأكثر كلام العرب أن ينصبوا المعذرة. وقد آثرت القراء رفعها. ونصبها جائز «٤». فمن رفع قَالَ: هي معذرة كما قال: إِلَّا ساعَةً «٥» مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ.
وقوله: مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ (١٦٧) : الجزية إلى يوم القيامة.
(١) كأن هذا أملاء على قوله تعالى فى الآية ١٤٣ من هذه السورة: «فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا»، فأخر فى الكتابة إلى هذا الموضع. وكثيرا ما يحدث مثل هذا فى الكتاب، فيذكر الشيء فى غير موضعه.
(٢) الرهص أن يصيب الحجر حافرا أو منسما فيذوى باطنه.
(٣) ثبت فى ش، ج. وسقط فى ا.
(٤) بل قرأ به حفص عن عاصم وزيد بن على وعيسى بن عمر وطلحة بن مصرف.
(٥) آية ٣٥ سورة الأحقاف.
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﲿ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ
وقوله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ (١٦٩) وخَلْفٌ»
أَضاعُوا الصَّلاةَ أي قرن، بِجزم اللام. والخلف: ما استخلفته، تقول: أعطاك الله خَلَفًا مما ذهب لك، وأنت خَلَف سَوْء، سمعته من العرب.
وقوله: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ (١٧٠) ويُقرأ يُمَسِّكُونَ «٢» بِالْكِتابِ ومعناهُ: يأخذونَ بِما فِيهِ.
وقوله: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ (١٧١) رفع الجبل عَلَى عسكرهم فرسخًا فِي فرسخ. نَتَقْنَا: رفعنا. ويُقال: امرأة مِنتاق إِذَا كانت كثيرة الولد.
وقوله: وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ (١٧٦) : ركن إليها وسكن. ولغة يُقال: خلد إلى الأرض بغير ألف، وهي قليلة.
ويُقال للرجل إِذَا بقي سواد رأسه ولحيته: إِنّه مُخْلِد، وَإِذَا لَمْ تسقط أسنانه قيل:
إنه لَمخلد.
وقوله: أَيَّانَ مُرْساها (١٨٧) المرسى فى موضع رفع.
ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثقل عَلَى أهل الأرض والسماء أن يعلموه «٣».
وقوله: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ كأنّك حفيّ عنها مقدّم ومؤخر ومعناهُ يسألونَكَ عنها كأنك حفِيّ بِهَا. ويُقال فِي التفسير كأنك حَفِيّ أي كأنك عالم بها.
(١) آية ٥٩ سورة مريم.
(٢) وهى قراءة أبى بكر عن عاصم.
(٣) كذا فى الأصول. والأولى: «يعلموها».
399
وقوله: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ (١٨٨) يقول: لو كنت أعلم الغيب لاعددت للسنة المجدبة من السنة المخصبة، ولعرفتُ الغلاء فاستعددت له فى الرخص. هذا قول مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقوله: حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً (١٨٩) الماء خفيف عَلَى المرأة إِذَا حملت.
فَمَرَّتْ بِهِ فاستمرت بِهِ: قامت بِهِ وقعدت.
فَلَمَّا أَثْقَلَتْ: دنت ولادتها، أتاها إبليس فقال: ماذا فِي بطنك؟ فقالت:
لا أدري. قَالَ: فلعله بَهيمة، فما تصنعين لي إن دعوت الله لك حتى يجعله إنسانا؟ قالت: قل، قَالَ: تسمينه باسمي. قالت: وما اسمك؟ قَالَ: الحرث.
فسمَّته عبد الحارث، ولم تعرفه أَنَّهُ إبليس.
وقوله: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ (١٩٠) إِذْ قالت: عبد الحارث، ولا ينبغي أن يكون عبدًا إلا لله. ويقرأ «١» :
«شِرْكًا».
وقوله: أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً (١٩١) أراد الألهة ب (ما)، ولم يقل: من، ثُمَّ جعل فعلهم كفعل الرجال.
وقال: وَهُمْ يُخْلَقُونَ ولا يملكون.
وقوله: وَلا يَسْتَطِيعُونَ (١٩٢) فجعل الفعل للرجال.
(١) وهى قراءة نافع وأبى جعفر وأبى بكر عن عاصم.
400
وقوله: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى (١٩٣) يقول: إِنْ يَدْعُ المشركون الآلهة إلى الهدى لا يتبعوهم.
وقوله: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ ولم يقل: أم صمتُّم.
وَعَلَى هَذَا أكثر كلام العرب: أن يقولوا: سواء عليّ أقمت أم قعدت. ويَجوز:
سواء عليّ أقمت أم أنت قاعد قَالَ الشاعر:
سواء إِذَا ما أصلح الله أمرهم علينا أدثر ما لهم أم أَصارِم «١»
وأنشدني الْكِسَائي:
سواء عليك النفْرُ أم بِتَّ ليلة بأَهل القِباب مِن نُمَيْرِ بنِ عامِرِ «٢»
وأنشده بعضهم (أو أنت بائت) وجاز فيها (أو) لقوله: النفر لأنك تَقُولُ: سواء عليك الخير والشر، ويَجوز مكان الواو (أو) لأن المعنى جزاء كما تَقُولُ: اضربه قام أو قعد. ف (أو) تذهب إلى معنى العموم كذهاب الواو.
وقوله: وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ (١٩٨) يريد الآلهة: أنّها صُوَر لا تُبصر. ولم يقل: وتراها لأن لَهَا أجسامًا وعيونًا.
والعرب تَقُولُ للرجل القريب من الشيء: هُوَ ينظر، وهو لا يراهُ، والمنازل تتناظر إِذَا كَانَ بعضها بحذاء بعض.
(١) الدثر: المال الكثير. وأصارم جمع أصرام، وأصله أصاريم فحذفت الياء لضرورة الشعر.
والأصرام واحده الصرم. والصرم كالصرمة الفريق القليل العدد. يريد القطعة من الإبل القليلة.
(٢) (النفر) يريد النفر من منى. ويوم النفر هو اليوم الثاني من أيام التشريق، وهو النفر الأوّل.
والنفر الآخر فى اليوم الثالث. [.....]
وقوله: إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ (٢٠١) وقرأ إِبْرَاهِيم النخعيّ «١» (طَيْف) وهو اللمم والذنب فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ أي منتهون إذا أبصروا.
وقوله: وَإِخْوانُهُمْ (٢٠٢) إخوان المشركين يَمُدُّونَهُمْ فِي الغيّ، فلا يتذكرون ولا ينتهونَ. فذلك قوله: ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ يعني المشركين وشياطينَهم. والعربُ تَقُولُ: قد قَصُر عَن الشيء وأقصر عَنْهُ. فلو قرئت (يُقْصِرُونَ «٢» ) لكان صوابًا.
وقوله: وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها (٢٠٣) يقول: هلا افتعلتها. وهو من «٣» كلام العرب جائز أن يُقال: اختار الشيء، وهذا اختياره.
وقوله: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا (٢٠٤) قَالَ: كَانَ الناس يتكلمون فِي الصلاة المكتوبة، فيأتي الرجل القوم فيقول:
كم صليتم؟ فيقول: كذا وكذا. فنهوا عَن ذَلِكَ، فحرم الكلام فى الصلاة لما أنزلت هذه الآية.
(١) وهى قراءة ابن كثير وأبى عمرو والكسائي ويعقوب.
(٢) وهى قراءة عيسى بن عمر كما فى القرطبي.
(٣) يريد أن الاجتباء فى الأصل الاختيار، وأريد به هنا الاختلاق والافتعال. وأراد أن يذكر أن هذا معروف فى كلام العرب أن يقال: اختار فلان الشيء إذا اختلقه واستحدثه. ومن هذا يعرف أن هنا سقطا فى الكلام من النساخ. والأصل: «جائز أن يُقال: اختار الشيء وهذا اختياره: إذا اختلقه» كما يؤخذ من الطبري. وفيه: «وحكى عن الفرّاء أنه كان يقول: اجتبيت الكلام واختلقته وارتجلته: إذا افتعلته من قبل نفسك».
Icon