ﰡ
﴿الر كِتَابٌ﴾ أي هذا كتاب فهو خبر مبتدأ محذوف ﴿أحكمت آياته﴾ صفة له أي نظمت نظماً رصيناً محكماً لا يقع فيه نقص ولا خلل كالبناء المحكم ﴿ثُمَّ فُصّلَتْ﴾ كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص أو جعلت فصولا سورة سورة وآية آية أو فرقت في التنزيل ولم تنزل جملة أو فصل فيها ما يحتاج إليه العابد أي بين ولخص وليس معنى ثم التراخي في الوقت ولكن في الحال ﴿مِن لَّدُنْ حكيم خبير﴾ صفة اخرى لكتاب أو خبر بعد خبر أو صلة لحكمت وفصلت أي من عنده أحكامها وتفصيلها
﴿أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله﴾ مفعول له أي لئلا تعبدوا أو أن مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القوم كأنه قيل قال لاتعبدوا إلا الله أو أمركم ألا تعبدوا إلا الله ﴿إِنَّنِى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ أي من الله
﴿وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ﴾ أي أمركم بالتوحيد والاستغفار ﴿ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ﴾ أي استغفروه من الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة ﴿يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا﴾ يطوّل نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية من
هود (٣ _ ٧)
عيشة واسعة ونعمة متتابعة ﴿إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ إلى أن يتوفاكم ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ ويعط في الآخرة كل من كان له فضل فى العلم وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس منه شيئاً ﴿وَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ وإن
﴿إلى الله مَرْجِعُكُمْ﴾ رجوعكم ﴿وَهُوَ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ﴾ فكان قادراً على إعادتكم
﴿أَلآ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ يزورّون عن الحق وينحرون عنه لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره ومن ازور عنه وانحرف نثى عنه صدره وطوى عنه كشحه ﴿لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ﴾ ليطلبوا الخفاء من الله فلا يطلع رسوله والمؤمنون على ازوراراهم ﴿أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ يتغطون بها أي يريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم كراهة لاستماع كلام الله كقول نوح عليه السلام جَعَلُواْ أصابعهم فى آذانهم واستغشوا ثِيَابَهُمْ ﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ أي لا تفاوت في علمه بين إسرارهم واعلانهم فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء والله مطلع على ثنيهم صدورهم واستعشائهم ثيابهم ونفاقهم غير نافق عند قيل نزلت في المنافقين ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ بما فيها
﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا﴾ تفضلاً لا وجوباً ﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا﴾ مكانه من الأرض ومسكنه ﴿وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ حيث كان مودعاً قبل الاستقرار من صلب أو رحم أو بيضة ﴿كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ كل واحد من الدواب رزقها ومستقرها ومستودعها في اللوح يعني ذكرها مكتوب فيه مبين
﴿وَهُوَ الّذي خَلَقَ السّماوات والأرض﴾ وما بينهما ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ من الأحد
هود (٧ _ ١١)
الله فمن شكر وأطاع أثابه ومن كفر وعصى عاقبه ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال ليبلوكم أي ليفعل بكم ما يفعل المبتلي لأحوالكم كيف تعملون ﴿وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت لَيَقُولَنَّ﴾ الذين كَفَرُواْ ﴿إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أشار بهذا إلى القرآن لأن القرآن هو الناطق بالبعث فإذا جعلوه سحراً فقد اندرج تحته إنكار ما فيه من البعث وغيره ساحر حمزة وعلى يريد دون الرسول والساحر كاذب مبطل
﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب﴾ عذاب الآخرة أو عذاب يوم بدر ﴿إلى أُمَّةٍ﴾ إلى جماعة من الأوقات ﴿مَّعْدُودَةً﴾ معلومة أو قلائل والمعنى إلى حين معلوم ﴿لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾ ما يمنعه من النزول استعجالاً له على وجه التكذيب والاستهزاء ﴿أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ﴾ العذاب ﴿لَّيْسَ﴾ العذاب ﴿مصروفا عنهم﴾ ويوم منصوب بمصروفا أي ليس العذاب مصروفاً عنهم يوم يأتيهم ﴿وَحَاقَ بِهِم﴾ وأحاط بهم ﴿مَّا كَانُواْ بِهِ يستهزؤون﴾ العذاب الذي
﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان﴾ هو للجنس ﴿مِنَّا رَحْمَةً﴾ نعمة من صحة وأمن وجدة واللام في لئن لتوطئة القسم ﴿ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ﴾ ثم سلبناه تلك النعمة وجواب القسم ﴿إنه ليؤوس﴾ شديد اليأس من أن يعود إليه مثل تلك النعمة المسلوبة قاطع رجاءه من سعة فضل الله من غير صبر ولا تسليم لقضائه ﴿كَفُورٌ﴾ عظيم الكفران لما سلف له من التقلب في نعمة الله نسّاء له
﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ﴾ وسعنا عليه النعمة بعد الفقر الذي ناله ﴿لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عَنّي﴾ أي المصائب التي ساءتني ﴿إِنَّهُ لَفَرِحٌ﴾ أشر بطر ﴿فَخُورٌ﴾ على الناس بما أذاقه الله من نعمائه قد شغله الفرح والفخر عن الشكر
﴿إِلاَّ الذين صَبَرُواْ﴾ في المحنة والبلاء ﴿وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ وشكروا في النعمة والرخاء ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ يعني الجنة
كانوا يقترحون عليه آيات تعنت لا استرشاداً لأنهم لو كانوا مسترشدين لكانت آية واحدة مما جاء به كافية في رشادهم ومن اقتراحاتهم لولا
هود (١٢ _ ١٤)
أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك وكانوا لا يعتدون بالقرآن ويتهاونون به فكان يضيق صدر رسول الله ﷺ أن يلق اليهم مالا يقبلونه ويضحكون منه فهيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة بردهم واستهزائهم واقتراحهم بقوله ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ﴾ أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم وتبلغه إياهم مخافة ردهم له وتهوانهم به ﴿وضائق به صدرك﴾ بأن تتلوه عليه ولم يقل ضيق ليدل على أنه ضيق عارض غير ثابت لأنه عليه السلام كان أفسح
﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ أم منقطعة ﴿افتراه﴾ الضمير لما يوحى إليك ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ﴾ تحداهم أولا بعشر سور ثم بسورة واحدة كما يقول المخابر فى الخط لصاحبه اكتب عشرة أسطر نحو ما أكتب فإذا تبين له العجز عن ذلك قال قد اقتصرت منك على سطر واحد ﴿مّثْلِهِ﴾ في الحسن والجزالة ومعنى مثله أمثاله ذهاباً إلى مماثلة كل واحدة منها له ﴿مُفْتَرَيَاتٍ﴾ صفة لعشر سور لما قالوا افتريت القرآن واختلقته من نفسك وليس من عند الله أرخى معهم العنان وقال هبوا أني اختلقته من عند نفسي فأتوا أنتم أيضاً بكلام مثله مختلق من عند أنفسكم فأنتم عرب فصحاء مثلي ﴿وادعوا مَنِ استطعتم مّن دُونِ الله﴾ إلى المعاونة على المعارضة ﴿إِن كُنتُمْ صادقين﴾ أنه مفترى
﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فاعلموا أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ الله وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أى أنزل ملتبسا بمالا يعلمه إلا الله من نظم معجز للخلق واخبار بغيوب لا سبيل لهم إليه واعملوا عند ذلك أن لا إله إلا الله وحده وأن توحيده واجب والإشراك به ظلم عظيم وإنما جمع الخطاب بعد إفراده وهو قوله لكم فاعلموا بعد قوله قل لأن الجمع لتعظيم رسول الله ﷺ أو لأن
هود (١٤ _ ١٨)
للمشركين والضمير في فإن لم يستجيبوا لمن استطعتم أي فإن لم يستجب لكم من تدعونه من دون الله إلى المظاهرة على المعارضة لعلمهم بالعجز عنه فاعلموا أنما أنزل بعلم الله أي بإذنه أو بأمره ﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ متبعون للإسلام بعد هذه الحجة القاطعة ومن جعل الخطاب للمسلمين فمعناه فاثبتوا على العلم الذى أنتم مسلمون مخلصون
﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ﴾ نوصل إليهم أجور أعمالهم وافيه كاملة من غير بخس في الدنيا وهو ما يرزقون فيها من الصحة الرزق وهم الكفار أو المنافقون
﴿أُوْلَئِكَ الذين لَيْسَ لَهُمْ فِى الأخرة إِلاَّ النار وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ وحبط في الآخرة ما صنعوه أو صنيعهم أي لم يكن لهم ثواب لأنهم لم يريدوا به الآخرة إنما أرادوا به الدنيا وقد وفى ما أرادوا ﴿وباطل مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي كان عملهم في نفسه باطلاً لأنه لم يعلم لغرض صحيح والعلم الباطل لا ثواب له
﴿أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ أمن كان يريد الحياة الدنيا كمن كان على بينة من ربه أي لا يعقبونهم في المنزلة ولا يقاربونهم يعني أن بين الفريقين تبايناً بينا وأراد بهم من آمن من اليهود كعبد الله بن سلام وغيره كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبّهِ أي على برهان من الله وبيان أن دين الإسلام حق وهو دليل العقل ﴿وَيَتْلُوهُ﴾ ويتبع ذلك البرهان ﴿شَاهِدٌ﴾ يشهد بصحته وهو القرآن ﴿مِنْهُ﴾ من الله أو من االقران فقد مر ذكره آنفاً ﴿وَمِن قَبْلِهِ﴾ ومن قبل القرآن ﴿كِتَابُ موسى﴾ وهو التوراة أي ويتلو ذلك البرهان أيضاً من قبل
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ على رَبّهِمْ﴾ يحبسون في الموقف
هود (١٨ _ ٢٤)
وتعرض أعمالهم ﴿وَيَقُولُ الأشهاد هَؤُلاء الذين كَذَبُواْ على رَبّهِمْ﴾ ويشهد عليهم الأشهاد من الملائكة والنبيين بأنهم الكذابون على الله بأنه اتخذ ولداً وشريكاً ﴿أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين﴾ الكاذبين على ربهم والأشهاد جمع شاهد كأصحاب وصاحب أو شهيد كشريف وأشراف
﴿الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾ يصرفون الناس عن دينه ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ يصفونها بالاعوجاج وهي مستقيمة أو يبغون أهلها أن يعرجوا بالارتداد ﴿وَهُمْ بالأخرة هُمْ كافرون﴾ هم الثانية لتأكيد كفرهم بالآخرة واختصاصهم به
﴿أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ﴾ أي ما كانوا ﴿مُعْجِزِينَ فِى الأرض﴾ بمعجزين الله في الدنيا أن يعاقبهم لو أراد عقابهم ﴿وَمَا كَانَ لَهُمْ مّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاء﴾ من يتولاهم فينصرهم منه ويمنعهم من عقابه ولكنه أراد إنظارهم وتأخير عقابهم إلى هذا اليوم وهو من كلام الأشهاد ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب﴾ لأنهم
﴿أُوْلَئِكَ الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ﴾ حيث اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله ﴿وَضَلَّ عَنْهُم﴾ وبطل عنهم وضاع ما اشتروه وهو ﴿مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ من الآلهة وشفاعتها
﴿لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِى الأخرة هُمُ الأخسرون﴾ بالصد والصدود وفي لا جرم أقوال أحدها أن لا رد لكلام سابق أي ليس الأمر كما زعموا ومعنى جرم كسب وفاعله مضمر وانهم في الآخرة في محل النصب والتقدير كسب قولهم خسرانهم في الآخرة وثانيها أن لا جرم كلمتان ركبتا فصار معناهما حقا وأن في موضع رفع بأنه فاعل لحق أي حق خسرانهم وثالثها أن معناه لا محالة
﴿إن الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات وَأَخْبَتُواْ إلى رَبّهِمْ﴾ واطمأنوا إليه وانقطعوا إلى عبادته بالخشوع والتواضع من الخبث وهي الأرض المطمئنة ﴿أُوْلَئِكَ أصحاب الجنة هُمْ فيها خالدون﴾
﴿مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع﴾ شبه فريق الكافرين بالأعمى
هود (٢٤ _ ٢٨)
والأصم وفريق المؤمنين بالبصير والسميع ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ﴾ يعني الفريقين ﴿مَثَلاً﴾ تشبيها وهو نصب على التمييز ﴿أفلا تذكرون﴾ فتنفعون بضرب المثل
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ إِنَّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ أي بأني والمعنى أرسلناه ملتبساً بهذا الكلام وهو قوله إني لكم نذير مبين
﴿أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله﴾ أن مفسرة متعلقة بأرسلنا أو بنذير ﴿إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ وصف اليوم بأليم من الإسناد المجازي لوقوع الألم فيه
﴿فَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ﴾ يريد الاشراف لأنهم يملئون القلوب هيبة والمجالس أبهة ولانهم ملئوا بالأحلام والآراء الصائبة ﴿مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مّثْلَنَا﴾ أرادوا أنه كان ينبغي أن يكون ملكاً أو ملكاً ﴿وَمَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ أخساؤنا جمع الأرذل ﴿بَادِىَ﴾ وبالهمزة أبو عمرو ﴿الرأى﴾ وبغير همز أبو عمرو أي اتبعوك ظاهر الرأي أو أول الرأي من بدا يبدو إذا ظهر أو بدأ يبدأ إذا فعل الشيء أولاً وانتصابه على الظرف أصله وقت حدوث ظاهر رأيهم أو أول رأيهم فحذف ذلك وأقيم المضاف إليه مقامه أرادوا أن اتباعهم لك شيء عنّ لهم بديهة من غير روية ونظر ولو تفكروا ما اتبعوك وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية لأنهم كانوا جهالا ما كانوا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا فكان الأشراف عندهم من له جاه وما كما ترى أكثر المتسمّين بالإسلام يعتقدون ذلك ويبنون عليه إكرامهمم وإهانتهم ولقد زل عنهم أن التقدم في الدنيا لا يقرب أحداً من الله وإنما يبعده ولا يرفعه بل يضعه ﴿وَمَا نرى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾ في مال ورأي عنوا نوحاً وأتباعه ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذبين﴾ أي نوحاً في الدعوة ومتبعيه في الإجابة والتصديق يعني تواطأتم على الدعوة والإجابة تسبيباً للرياسة
﴿قال يا قوم أرأيتم﴾ أخبروني ﴿إِن كُنتُ على بَيّنَةٍ﴾ برهان ﴿مّن ربي﴾ وشاهد منه يشهد بصحة دعواى ﴿وآتاني رحمةً من عنده﴾ يعني النبوة ﴿فَعُمّيَتْ عَلَيْكُمْ﴾ أي خفيت فعميت حمزة وعلي وحفص أي أخفيت أي فعميت عليكم البينة فلم تهدكم كما لو عمي على القوم دليلهم في المفازة بقوا بغير هاد وحقيقته أن الحجة كما جعلت بصيرة ومبصرة جعلت عمياء لأن الأعمى
هود (٢٨ _ ٣٣)
لا يهتدي ولا يهدي غيره ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾ أي الرحمة ﴿وَأَنتُمْ لَهَا كارهون﴾ لا تريدونها والواو دخلته هنا تتمة للميم وعن أبي عمرو إسكان الميم ووجهه أن الحركة لم تكن إلا خلسة خفيفة فظنها الراوي سكوناً وهو لحن لأن الحركة الإعرابية لا يسوغ طرحها إلا فى ضرورة الشعر
﴿ويا قوم لا أسألكم عَلَيْهِ﴾ على تبليغ الرسالة لأنه مدلول قوله إني لكم نذير ﴿مَالاً﴾ أجراً يثقل عليكم إن أديتم أو عليّ أن أبيتم ﴿إِنْ أجري﴾ مدنى وشامى وأبو عمرو وحفص ﴿أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا﴾ جواب لهم حين سألوا طردهم ليؤمنوا به أنفة من المجالسة معهم ﴿أَنَّهُم ملاقوا رَبّهِمْ﴾ فيشكونني إليه إن طردتهم ﴿ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ تتسافهون على المؤمنين وتدعونهم أراذل أو تجهلون لقاء ربكم أو أنهم خير منكم
﴿ويا قوم مَن يَنصُرُنِى مِنَ الله﴾ من يمنعني من انتقامه ﴿إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ تتعظون
﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ الله﴾ فأدعي فضلاً عليكم بالغنى حتى تجحدوا فضلي بقولكم وما نرى لكم علينا من فضل ﴿وَلا أَعْلَمُ الغيب﴾ حتى أطلع على ما في نفوس أتباعي وضمائر قلوبهم وهو معطوف على عندى خزائن أي لا أقول عندي خزائن الله ولا أقول أنا أعلم الغيب ﴿وَلا أَقُولُ إِنّى ملك﴾ حتى تقولوا لى ما أنت إلا بشر مثلنا ﴿وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِى أَعْيُنُكُمْ﴾ ولا أحكم على من استرذلتم من المؤمنين لفقرهم ﴿لَن يُؤْتِيَهُمُ الله خَيْرًا﴾ في الدنيا والآخرة لهوانه عليه مساعدة لكم ونزولاً على هواكم ﴿الله أَعْلَمُ بِمَا فِى أَنفُسِهِمْ﴾ من صدق الاعتقاد وإنما على قبول ظاهر إقرارهم إذ لا أطلع على خفي أسرارهم ﴿إِنّى إِذًا لَّمِنَ الظالمين﴾ إن قلت شيا من ذلك والازدراء افتعال من زرى عليه إذا عباه وأصله تزتري فأبدلت التاء دالاً
﴿قَالُواْ يَا نُوحٌ قَدْ جَادَلْتَنَا﴾ خاصمتنا ﴿فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا﴾ من العذاب ﴿إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ في وعدك
﴿قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ الله إِن شَاء﴾ أي ليس الإتيان بالعذاب إليّ وإنما هو إلى من كفرتم به ﴿وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ أى لم تقدروا
هود (٣٤ _ ٣٨)
على الهرب منه
﴿وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى﴾ هو إعلام موضع الغي ليتقى والرشد ليقتفى ولكنى إنى إذا نصحَي مدني وأبو عمرو ﴿إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ﴾ أي يضلكم وهذا شرط دخل على شرط فيكون الثاني مقدماً في الحكم لما عرف تقديره إن كان الله يريد أن يغويكم لا ينفعكم نصحي
﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه﴾ بل أيقولون افتراه ﴿قُلْ إِنِ افتريته فَعَلَىَّ إِجْرَامِى﴾ أي إن صح أني افتريته فعلي عقوبة إجرامي أي افترائي يقا أجرم الرجل إذا أذنب ﴿وَأَنَاْ بَرِىء﴾ أي ولم يثبت ذلك وأنا برئ منه ومعنى ﴿مّمَّا تُجْرَمُونَ﴾ من إجرامكم في إسناد الافتراء إلي فلا وجه لإعراضكم ومعاداتكم
﴿وأوحي إلى نوح أنه لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمن﴾ إقناط من إيمانهم وأنه غير متوقع وفيه دليل على أن للإيمان حكم التجدد كأنه قال إن الذي آمن يؤمن في حادث الوقت وعلى ذلك تخرج الزيادة التي ذكرت في الإيمان بالقرآن ﴿فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ فلا تحزن حزن بائس مستكين والابتآس افتعال من البؤس وهو الحزن والفقر والمعنى فلا تحزن بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك فقد حان وقت الانتقام من أعدائك
﴿واصنع الفلك بأعيننا﴾ وهو في موضع الحال أي اصنعها محفوظاً وحقيقته ملتبسا بأعيننا كأن لله أعينا تكلؤه من أن يزيغ في صنعته عن الصواب ﴿وَوَحينَا﴾ وأنا نوحي إليك ونلهمك كيف تصنع عن ابن عباس رضى الله عنهما لم يعلم كيف صنعة الفلك فأوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطير ﴿وَلاَ تخاطبنى فِى الذين ظَلَمُواْ﴾ ولا تدعني في شأن قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك ﴿إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ﴾ محكوم عليهم بالإغراق وقد قضى به وجف القلم فلا سبيل إلى كفه
﴿وَيَصْنَعُ الفلك﴾ حكاية حال ماضية ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ﴾ من عمله السفينة وكان يعملها في برية في أبعد موضع من الماء فكانوا يتضاحكون منه ويقولون له يا نوح صرت نجارا بعدما كنت نبياً ﴿قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فإنا نسخر منكم﴾ عند رؤية الهلال ﴿كما تسخرون﴾ منا عند رؤية الفلك
هود (٣٩ _ ٤١)
روي أن نوحاً عليه السلام اتخذ السفينة من خشب الساج في سنتين وكان طولها ثلثمائة ذراع أو ألفاً ومائتي ذراع وعرضها خمسون ذراعاً أو ستمائة ذراع وطولها في السماء ثلاثون ذراعا وجعل لها ثلاثة بطون فحمل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام وركب نوح ومن معه في البطن الأعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد وحمل معه جسد آدم عليه السلام وجعله حاجزاً بين الرجال والنساء
﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ﴾ من في محل نصب يتعلمون أي فسوف تعلمون الذي يأتيه ﴿عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾ ويعني به إياهم ويريد بالعذاب عذاب الدنيا وهو الغرق وَيَحِلُّ عَلَيْهِ وينزل عليه ﴿عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾ وهو عذاب الآخرة
﴿حتى﴾ هى التى يبتدا بعدها الكلام أدخلت على الجملة من الشرط والجزاء وهي غاية لقوله ويصنع الفلك أي وكان يصنعها إلى أن جاء وقت الموعد وما بينهما من الكلام حال من يصنع أي يصنعها والحال أنه كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه وجواب كلما سخروا وقال استئناف على تقدير سؤال سائل أو قال جواب وسخروا بدل من مر أو صفة لملأ ﴿إِذَا جَاء أَمْرُنَا﴾ عذابنا ﴿وَفَارَ التنور﴾ هو كناية عن اشتداد الأمر وصعوبته وقيل معناه جاش الماء من تنور الخبز وكان من حجر لحواء فصار إلى نوح عليه السلام وقيل
﴿وَقَالَ اركبوا فِيهَا بِسْمِ الله مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ بسم الله متصل باركوا حالاً من الواو أي اركبوا فيها مسمين الله أو قائلين بسم الله وقت إجرائها ووقت إرسائها إما لأن المجرى والمرسى للوقت وإما لأنهما مصدران كالإجراء والإرساء حذف منهما الوقت المضاف كقولهم خفوق النجم ويجوز أن يكون بسم الله مجراها ومرساها جملة برأسها غير متعلقة بما قبلها وهي مبتدأ وخبر يعني أن نوحاً عليه السلام أمرهم بالركوب ثم أخبرهم بأن
هود (٤١ _ ٤٤)
مجراها ومرساها بذكر اسم الله أى بسم الله إجراؤها وإرساؤها وكان إذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت وإذا أراد أن ترسوا قال بسم الله فرست مجريها بفتح الميم وكسر الراء من جرى
﴿وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ﴾ متصل بمحذوف دل عليه اركبوا فيها بسم الله كأنه قيل فركبوا فيها يقولون باسم الله وهي تجري بهم أي السفينة تجري وهم فيها ﴿فِى مَوْجٍ كالجبال﴾ يريد موج الطوفان وهو جمع موجة كتمر وتمرة وهو ما يرتفع من الماء عند اضطرابه بدخول الرياح الشديدة في خلاله شبه كل موجة منه بالجبل في تراكمها وارتفاعها ﴿ونادى نُوحٌ ابنه﴾ كنعان وقيل يام والجمهور على أنه ابنه الصلى وقيل كان ابن امرأته ﴿وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ﴾ عن ابيه وعن السفينة مفعل من عزله عنه إذا نحاه وأبعده أو في معزل عن دين أبيه ﴿يا بني﴾ بفتح الياء عاصم اقتصاراً عليه من الألف المبدلة من ياء الاضافة من قولكم يا بنيا غيره بكسر الياء اقتصار عليه من ياء الإضافة ﴿اركب مَّعَنَا﴾ في السفينة أي أسلم واركب ﴿وَلاَ تَكُن مَّعَ الكافرين﴾
﴿قَالَ سَاوِى﴾ ألجأ ﴿إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الماء﴾ يمنعني من الغرق ﴿قَالَ لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَن رَّحِمَ﴾ إلا الراحم وهو الله تعالى أو لا عاصم اليوم من الطوفان إلا من رحم الله أي إلا مكان من رحم الله من المؤمنين وذلك أنه لما جعل الجبل عاصماً من الماء قال له لا يعصمك اليوم معتصم قط من جبل ونحوه سوى معتصم واحد وهو مكان من رحمهم الله ونجاهم يعني السفينة أو هو استثناء منقطع كأنه قيل ولكن من رحمه الله فهو المعصوم كقوله ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتباع الظن﴾ ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الموج﴾ بين ابنه والجبل أو بين نوح وابنه
﴿وقيل يا أرض ابلعي ماءك﴾ انشفى وتشربى والبلع النشف ﴿ويا سماء أَقْلِعِى﴾ أمسكي ﴿وَغِيضَ الماء﴾ نقص من غاضه إذا نقصه وهو لازم ومتعد ﴿وَقُضِىَ الامر﴾ وأنجز ما وعد الله نوحاً من إهلاك قومه ﴿واستوت﴾ واستقرت السفينة بعد أن طافت الأرض كلها ستة أشهر ﴿عَلَى الجودى﴾ وهو جبل بالموصل ﴿وقيل بعدا للقوم الظالمين﴾ أي سحقاً لقوم نوح
(الذين غرقوا يقال بعد بعداو بعدا إذا أرادوا البعد البعيد من حيث الهلاك والموت ولذلك خص بدعاء السوء والنظر في هذه الآية من أربع جهات من جهة علم البيان وهو النظر فيما فيها من المجاز والاستعارة والكناية وما يتصل بها فنقول إن الله تعالى لما أراد أن يبين معنى أردنا أن نرد ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتد وأن نقطع طوفان السماء فانقطع وأن نغيض الماء النازل من السماء فغيض وأن نقضى أم أمد نوح وهو انجاز ما كما وعدناه من إغراق قومه فقضي وأن نسوي السفينة على الجودي فاستوت وأبقينا الظلمة غرقى بني الكلام على تشبيه المراد بالأمر الذي لا يتأتى منه لكمال هيبته العصيان وتشبيه تكوين المراد بالأمر الجزم النافذ في تكون المقصود تصويرا لافتداره العظيم وأن السموات والأرض منقادة لتكوينه فيها ما يشاء غير ممتنعة لإرادته فيها تغييراً وتبديلاً كأنها عقلاء مميزون قد عرفوه حق معرفته وأحاطوا علماً بوجوب الانقياد لأمره والاذعان لحكمه ويحتم بذل المجهود عليهم في تحصيل مراده ثم بنى على تشبيه هذ نظم الكلام فقال عز وجل وقيل على سبيل المجاز عن الإرادة الواقع بسببها قول القائل وجعل قرينة المجاز الخطاب للجماد وهو يا أرض ويا سماء ثم قال مخاطباً لهما يا أرض ويا سماء على سبيل
وهو النظر في فائدة كل كلمة فيها وجهة كل تقديم وتأخير فيما بين جملها وذلك أنه اختبر يا دون اخواتها لكونها اكثر استعمالا ولدلاتها على بعد المنادي الذي يستدعيه مقام إظهار العظمة والملكوت وابداء العزة والجبروت وهو تعبيد المنادى والمؤذن بالتهاون به ولم يقل يا ارض لزيادة التهاون إذ الإضافة تستدعي القرب ولم يقل يا أيتها الأرض للاختصار واختير لفظ الأرض والسماء لكونهما أخف وأدور واختير ابلعي على ابتلعي لكونه أخصر وللتجانس بينه وبين أقلعي وقيل أقلعي ولم يقل عن المطر وكذا لم يقل يا أرض ابلعي ماءك فبلعت ويا سماء أقلعى فأقلعت اختصارا أو اختير غيض على غيّض وقيل الماء دون أن يقول ماء الطوفان والأمر ولم يقل أمر
هود (٤٥ _ ٤٦)
نوح وقومه لقصد الاختصار والاستغناء بحرف العهد عن ذلك ولم يقل وسويت على الجودي أي أقرت على نحو قيل وغيض اعتباراً لبناء الفاعل
﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبّ﴾ نداؤه ربه دعاؤه له وهو قوله رب مع ما بعده من اقتضاء وعده في تنجية أهله ﴿إِنَّ ابنى مِنْ أَهْلِى﴾ أي بعض أهلي لأنه كان ابنه من صلبه أو كان ربيباً له فهو بعض أهله ﴿وَإِنَّ وَعْدَكَ الحق﴾ وإن كل وعد تعده فهو الحق الثابت الذي لا شك في إنجازه والوفاء به وقد وعدتني أن تنجي أهلي فما بال ولدي {وَأَنتَ أَحْكَمُ
﴿قَالَ يَا نُوحٍ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ ثم علل لانتفاء كونه من أهله بقوله ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالح﴾ وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب وأن نسيبك في دينك وإن كان حبشياً وكنت قرشياً لصيقك ومن لم يكن على دينك وإن كان أمسّ أقاربك رحماً فهو أبعد بعيد منك وجعلت ذاته عملاً غير صالح مبالغة فى دمة كقولها
هود (٤٦ _ ٤٩)
... فإنما هي إقبال وإدبار...
أو التقدير إنه ذو عمل وفيه إشعار بأنه إنما أنجى من أنجى من أهله لصلاحهم لا لأنهم أهله وهذا لما انتفى عنه الصلاح لم تنفعه أبوته عمِل غير صالح علي قال الشيخ أبو منصور رحمه الله كان عند نوح عليه السلام أن ابنه كان على دينه لأنه كان ينافق وإلا لايحتمل أن يقول ابني من أهلي ويسأله نجاته وقد سبق منه النهي عن سؤال مثله بقوله ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون فكان يسأله على الظاهر الذي عنده كما كان أهل النفاق يظهرون الموافقة لنبينا عليه السلام ويضمرون الخلاف له ولم يعلم بذلك حتى أطلعه الله عليه وقوله ﴿ليس من أهلك﴾ أي من الذين وعدت النجاة لهم وهم المؤمنون حقيقة في السر والظاهر ﴿فلا تسألن﴾ اجتزا بالكسرة عن الياء كوفى تسألنى بصرى نسألنى مدنى تسألن شامي فحذف الياء واجتزأ بالكسرة والنون نون التوكيد تسألن مكي ﴿مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ بجواز مسألته {إِنّى أَعِظُكَ أَن
﴿قَالَ رَبّ إِنّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ﴾ أي من أن أطلب منك فى المستقبل مالا علم لي بصحته تأدباً بأدبك واتعاظاً بموعظتك ﴿وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِى﴾ ما فرط مني ﴿وَتَرْحَمْنِى﴾ بالعصمة عن العود إلى مثله ﴿أَكُن مّنَ الخاسرين﴾
﴿قيل يا نوح اهبط بسلام مّنَّا﴾ بتحية منا أو بسلامة من الغرق ﴿وبركات عَلَيْكَ﴾ هي الخيرات النامية وهي في حقه بكثرة ذريته وأتباعه فقد جعل أكثر الأنبياء من ذريته وأئمة الدين فى القرون البقاية من نسله ﴿وعلى أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ﴾ من للبيان فتراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة لأنهم كانوا جماعات أو قيل لهم أمم لأن الأمم تتشعب منهم أو لابتداء الغاية أى على امم ناشئة من معك وهي الأمم إلى آخر الدهر وهو الوجه ﴿وَأُمَمٌ﴾ رفع بالابتداء ﴿سَنُمَتّعُهُمْ﴾ في الدنيا بالسعة فى الرزق والحفض في العيش صفة والخبر محذوف تقديره وممن معك امم سنمتعهم إنما حذف لأن ممن معك يدل عليه ﴿ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي في الآخرة والمعنى أن السلام منا والبركات عليك وعلى أمم مؤمنين ينشؤن ممن معك وممن معك اهم ممتعون بالدنيا منقلبون إلى النار نوح عليه السلام أبا الأنبياء والخلق بعد الطوفان منه وممن كان معه في السفينة وعن محمد بن كعب دخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إِلى يوم القيامة وفيما بعده من المتاع والعذاب كل كافر
﴿تلك﴾ إشارة إلى قصة
هود (٤٩ _ ٥٢)
نوح عليه السلام ومحلها الرفع على الابتداء والجمل بعدها وهي ﴿مِنْ أَنْبَاء الغيب نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ﴾ أخبار أي تلك القصة بعض أنباء الغيب موحاة إليك مجهولة عندك وعند قومك ﴿مّن قَبْلِ هذا﴾ الوقت أو من قبل إيحائي إليك وإخبارك بها ﴿فاصبر﴾ على تبليغ الرسالة وأذى قومك كما صبر نوح وتوقع في العاقبة لك ولمن كذبك نحو ما كان لنوح ولقومه ﴿إِنَّ العاقبة﴾ في الفوز والنصر والغلبة ﴿لّلْمُتَّقِينَ﴾ عن الشرك
﴿وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ﴾ واحداً منهم وانتصابه للعطف على أرسلنا نوحاً أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم ﴿هُودًا﴾ عطف بيان ﴿قَالَ يَا قََوْم اعبدوا الله﴾ وحدوه ﴿ما لكم من إله غَيْرُهُ﴾ بالرفع نافع صفة على محل الجار والمجرور بالجر عليّ على اللفظ ﴿إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ﴾ تفترون على الله الكذب باتخاذكم الأوثان له شركاء
﴿يا قوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الذى فَطَرَنِى﴾ ما من رسول إلا واجه قومه بهذا القول لأن شأنهم النصيحة والنصيحة لا يمحضها إلا حسم المطامع وما دام يتوهم شيء منها لم تنجح ولم تنفع ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ إذ تردون نصيحة من لا يطلب عليها أجراً إلا من الله وهو ثواب الآخرة ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك
﴿ويَا قَوْمِ استغفروا رَبَّكُمْ﴾ آمنوا به ﴿ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ﴾ من عبادة غيره ﴿يُرْسِلِ السماء﴾ أى المطر ﴿عليكم مدرارا﴾ حال أى كثيرة الدرور ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ﴾ إنما قصد استمالتهم إلى الإيمان بكثرة المطر وزيادة
هود (٥٢ _ ٥٧)
الرجل فقال ألم تسمع قول هود ويزدكم قوة إلى قوتكم وقول نوح عليه السلام ويمددكم بأموال وبنين ﴿ولا تتولوا﴾ ولا تعرضوا عنى وعما أدعوكم إليه ﴿مُّجْرِمِينَ﴾ مصرين على إجرامكم وآثامكم
﴿قَالُواْ يَا هُودٍ مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ﴾ كذب منهم وجحود كما قالت قريش لرسول الله ﷺ لولا أنزل عليه آية من ربه مع فوت آياته الحصر ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى آلهتنا عن قولك﴾ هو حال من الضمير في تاركي آلهتنا كأنه قيل وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك ﴿وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ وما يصح من أمثالنا أن يصدقوا مثلك فيما يدعوهم إليه أقناطاً له من الإجابة
﴿إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بِسُوء﴾ إن حرف نفي فنفى جميع القول إلا قولاً واحداً وهو قولهم اعتراك أصابك بعض آلهتنا بسوء بجنون وخبل وتقديره ما نقول قولا إلا هذه المقالة أي قولنا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ﴿قَالَ إِنِى أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ﴾
﴿مِن دُونِهِ﴾ أي من إشراككم آلهة من دونه والمعنى إنى أشهد الله أنى برئ مما تشركون واشهدوا أنتم أيضا إنى برئ من ذلك وجئ به
﴿إِنّى تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبّى وَرَبّكُمْ مَّا من دابة إلا هو آخذ بناصيتها﴾ أى مالكها لما ذكر توكله على الله وثقته بحفظه وكلاءته من كيدهم وصفه بما يوجب التوكل عليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم ومن كون كل دابة في قبضته وملكته وتحت قهره وسلطانه والأخذ بالناصية تمثيل لذلك ﴿إِنَّ رَبّى على صراط مُّسْتَقِيمٍ﴾ إن ربي على الحق لا يعدل عنه أو إن ربي يدل على صراط مستقيم
﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إليكم﴾ هو فى موضع فقد ثتبتت الحجة عليكم ﴿وَيَسْتَخْلِفُ رَبّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ كلام مستانف أى ويهلككم الله ويجئ بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم ﴿وَلاَ تضرونه﴾ تبوليكم ﴿شَيْئاً﴾ من ضرر قط إذ لا يجوز عليه المضار وإنما تضرون أنفسكم ﴿إِنَّ رَبّى على كُلّ شَىْء حَفِيظٌ﴾
رقيب عليه مهيمن فما تخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مؤاخذتكم أو من كان رقيباً على الأشياء كلها حافظاً لها وكانت الأشياء مفتقرة إلى حفظه عن المضار لم يضر مثله مثلكم
﴿ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا مَعَهُ﴾ وكانوا أربعة آلاف ﴿بِرَحْمَةٍ مّنَّا﴾ أي بفضل منا لابعملهم أو بالإيمان الذي أنعمنا عليهم ﴿وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ وتكرار نجينا للتأكيد أو الثانية من عذاب الاخرة ول ٤ اعذاب أغلظ منه
﴿وتلك عَادٌ﴾ إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه قال سبحوا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا ثم استأنف وصف أحوالهم فقال ﴿جَحَدُواْ بآيات رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ﴾ لأنهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل الله لا نفرق بين أحد من رسله
﴿واتبعوا أَمْرَ كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ يريد رؤساءهم ودعاتهم إلى تكذيب الرسل لأنهم الذين يجبرون الناس على الأمور ويعاندون ربهم ومعنى اتباع أمرهم طاعتهم ﴿وَأُتْبِعُواْ فِى هذه الدنيا لَعْنَةً وَيَوْمَ القيامة﴾ لما كانوا تابعين لهم دون الرسل جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين ﴿أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لّعَادٍ﴾ تكرار ألا مع النداء على كفرهم والدعاء عليهم تهويل لأمرهم وبعث على الاعتبار بهم والحذر من مثل حالهم والدعاء ببعدا بعد هلاكهم وهو دعاء بالهلاك للدلالة على أنهم كانوا مستأهلين له ﴿قَوْمِ هُودٍ﴾ عطف بيان لعاد وفيه فائدة لأن عادا عادان الأولى القديمة التي هي قوم هود والقصة فيهم والأخرى إرم
﴿وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم مّنْ إله غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرض﴾ لم ينشئكم منها إلا هو وانشاوهم منها خلق آدم من التراب ثم خلقهم من آدم ﴿واستعمركم فِيهَا﴾ وجعلكم عمارها وأراد منكم عمارتها أو استعمركم من العمر أي أطال أعماركم فيها وكانت أعمارهم من ثلثمائة إلى ألف وكان ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار وعمروا الأعمار الطوال مع مافيهم من الظلم فسأل نبي من أنبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم فأوحى الله إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي ﴿فاستغفروه﴾ فاسألوه مغفرته بالإيمان ﴿ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبّى قَرِيبٌ﴾ داني الرحمة ﴿مُّجِيبٌ﴾ لمن دعاه
﴿قَالُواْ يَا صالح قَدْ كُنتَ فِينَا﴾ فيما بيننا ﴿مَرْجُوّا قَبْلَ هذا﴾ للسيادة والمشاورة في الأمور أو كنا نرجو أن تدخل في ديننا وتوافقنا
هود (٦٢ _ ٦٦)
على ما نحن عليه ﴿أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا﴾ حكاية حال ماضية ﴿وَإِنَّنَا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ من التوحيد ﴿مُرِيبٍ﴾ موقع في الريبة من أرابه إذا أوقعه في الريبة وهي قلق النفس وانتفاء الطمأنينة
﴿قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني مِنْهُ رَحْمَةً﴾ نبوة أتى بحرف الشك مع أنه على يقين أنه على بينة لأن خطابه للجاحدين فكأنه قال قدروا أني على بينة من ربي وأنني نبي على الحقيقة وانظروا إن تابعتكم وعصيت ربي في أوامره ﴿فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ الله﴾ فمن يمنعني من عذاب الله ﴿إِنْ عَصَيْتُهُ﴾ في تبليغ رسالته ومنعكم عن عبادة الأوثان ﴿فَمَا تَزِيدُونَنِى﴾ بقولكم أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ﴿غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ بنسبتكم إياي إلى الخسار أو بنسبتي إياكم إلى الخسران
﴿ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية﴾ نصب على الحال قد عمل فيها مادل عله اسم الإشارة من معنى الفعل ولكم متعلق بآية حالاً منها متقدمة لأنها لو تأخرت لكانت صفة لها فلما تقدمت انتصبت على الحال ﴿فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِى أَرْضِ الله﴾ أي ليس عليكم رزقها مع أن لكم نفعها ﴿وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء﴾ عقر أو نحر ﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ﴾ عاجل
﴿فَعَقَرُوهَا﴾ يوم الأربعاء ﴿فَقَالَ﴾ صالح ﴿تَمَتَّعُواْ﴾ استمتعوا بالعيش ﴿فِى دَارِكُمْ﴾ في بلدكم وتسمى البلاد الديار لأنه يدار فيها أي يتصرف أو في دار الدنيا ﴿ثلاثة أَيَّامٍ﴾ ثم تهلكون فهلكوا يوم السبت
﴿فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا﴾ بالعذاب أو عذابنا ﴿نَجَّيْنَا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا﴾ قال الشيخ رحمه الله هذا يدل على أن من نجى إنما نجى برحمة الله تعالى لا بعمله كما قال عليه السلام لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله ﴿وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ﴾ بإضافة الخزي إلى اليوم وانجرار اليوم بالإضافة وبفتحها مدني وعلي لأنه مضاف إلى إذ وهو مبني وظروف الزمان إذا أضيفت إلى الأسماء المبهمة والأفعال الماضية بنيت واكتسبت البناء من المضاف إليه كقوله
هود (٦٦ _ ٧١)
... على حين عاتبت المشيب على الصبا...
والواو للعطف وتقديره ونجيناهم من خزى يؤمئذ أي من ذله وفضيحته ولا خزي أعظم من خزي من كان هلاكه بغضب الله وانتقامه وجاز أن يريد بيؤمئذ يوم القيامة كما فسر العذاب الغليظ بعذاب الآخرة ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ القوى﴾ القادر على تجية أوليائه ﴿العزيز﴾ الغالب بإهلاك أعدائه
﴿وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة﴾ أي صيحة جبريل عليه السلام ﴿فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ﴾ منازلهم ﴿جاثمين﴾ ميتين
﴿كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا﴾ لم يقيموا فيها / ألا أن ثمودا كَفرُواْ رَبَّهُمْ / ثمودَ حمزة وحفص ﴿أَلاَ بُعْدًا لثمود﴾ فالصرف للذهاب إلى الحي أو الأب الأكبر ومنعه للتعريف والتأنيث بمعنى القبيلة
﴿وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا﴾ جبريل وميكائيل وإسرافيل أو جبريل مع أحد عشر ملكاً ﴿إبراهيم بالبشرى﴾ هي البشارة بالولد أو بهلاك قوم لوط والأول أظهر ﴿قَالُواْ سَلاَماً﴾ سلمنا عليك سلاماً ﴿قَالَ سلام﴾ أمركم سلام سِلم حمزة وعلي بمعنى السلام ﴿فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ﴾ فما لبث فى المجئ به بل عجل فيه أو فما لبث مجيئه والعجل ولد البقرة وكان مال إبراهيم البقر ﴿حنيذ﴾ مشوى بالحجارة المحماة
﴿فلما رأى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ﴾ نكر وأنكر بمعنى وكانت عادتهم أنه إذا مس من يطرقهم طعامهم أمنوه وإلا خافوه والظاهر أنه أحس بأنهم ملائكة ونكرهم لأنه تخوف أن يكون نزولهم لأمر أنكره الله عليه أو لتعذيب قومه دليله قوله ﴿وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خيفة﴾ أى أضمر منهم خوفاً ﴿قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ﴾ بالعذاب وإنما يقال هذا لمن عرفهم ولم يعرف فيم أرسلوا وإنما قالوا لا تخف لأنهم رأوا أثر الخوف والتغير فى وجهه
﴿وامرأته قَائِمَةٌ﴾ وراء الستر تسمع تحاورهم أو على رءوسهم تخدمهم ﴿فضحكت﴾ سرورا بزوال الخفية أو بهلاك أهل الخبائث أو من غفلة قوم لوط مع قرب العذاب أو فحاضت ﴿فبشرناها بإسحاق﴾ وخصت بالبشارة لأن النساء أعظم سروراً بالولد من الرجال ولأنه لم يكن لها ولد وكان لإبراهيم ولد وهو اسمعيل ﴿وَمِن وَرَاء إسحاق﴾ ومن بعده ﴿يَعْقُوبَ﴾ بالنصب شامي وحمزة وحفص بفعل مضمر دل عليه
هود (٧٢ _ ٧٥)
﴿قالت يا ويلتى﴾ الألف مبدلة من ياء الإضافة وقرأ الحسن يا ويلتى بالياء على الأصل ﴿أألد وَأَنَاْ عَجُوزٌ﴾ ابنة تسعين سنة ﴿وهذا بَعْلِى شَيْخًا﴾ ابن مائة وعشرين سنة هذا مبتدأ وبعلى خبره وشيخنا حال والعامل معنى الإشارة التي دلت عليه ذا أو معنى التنبيه الذي دل عليه هذا ﴿إِنَّ هذا لَشَىْء عَجِيبٌ﴾ أن يولد ولد من هرمين وهو استبعاد من حيث العادة
﴿قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله﴾ قدرته وحكمته وإنما أنكرت الملائكة تعجبها لأنها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والأمور الخارقة للعادات فكان عليها أن تتوقر ولا يزدهيا ما يزدها سائر النساء الناشئات في غير بيت النبوة وأن تسبح الله وتمجده مكان التعجيب وإلى ذلك أشارت الملائكة حيث قالوا ﴿رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت﴾ أرادوا أن هذه وأمثالها مما يكرمكم به رب العزة ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوة فليست بمكان عجيب وهو كلام مستأنف علل به إنكار التعجب كأنه قيل إياك والتعجب لأن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم وقيل الرحمة النبوة والبركات الأسباط من بني إسرائيل لأن الأنبياء منهم وكلهم من ولد إبراهيم وأهل البيت نصت على النداء أو على الاختصاص ﴿إِنَّهُ حَمِيدٌ﴾ محمود بتعجيل النعم ﴿مَّجِيدٌ﴾ ظاهر الكرم بتأجيل النقم
﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبراهيم الروع﴾ الفزع وهو ما أوجس من الخيفة حين نكر أضيافه ﴿وَجَاءتْهُ البشرى﴾ بالولد ﴿يجادلنا فِى قَوْمِ لُوطٍ﴾ أى لما اطمأن قلبه
﴿إِنَّ إبراهيم لَحَلِيمٌ﴾ غير عجول على كل من أساء إليه أو كثير الاحتمال ممن آذاه صفوح عمن عصاه ﴿أَوَّاهٌ﴾ كثير التأوه من خوف الله ﴿مُّنِيبٌ﴾ تائب راجع إلى الله وهذه الصفات دالة على رقة القلب والرأفة والرحمة فبين أن ذلك مما حمله على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع عنهم العذاب ويمهلوا لعلهم يحدثون
هود (٧٦ _ ٧٩)
التوبة كما حمله على الاستغفار لأبيه
فقالت الملائكة ﴿يا إبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هذا﴾ الجدال وإن كانت الرحمة ديدنك ﴿إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبّكَ﴾ قضاؤه وحكمه ﴿وَإِنَّهُمْ اتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ لا يرد بجدال وغير ذلك عذاب مرتفع باسم الفاعل وهو آتيهم تقديره وإنهم يأتيهم ثم خرجوا من عند إبراهيم متوجهين نحو قوم لوط وكان بين قرية إبراهيم وقوم لوط أربعة فراسخ
﴿ولما جاءت رسلنا لوطا﴾ اتوه ورأى هيآتهم وجمالهم ﴿سِىء بِهِمْ﴾ أحزن لأنه حسب أنهم إِنس فخاف عليهم خبث قومه وأن يعجز عن مقاومتهم ومدافعتهم ﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ تمييز أي وضاق بمكانهم صدره ﴿وَقَالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ شديد
﴿وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ يسرعون كأنما يدفعون دفعاً ﴿وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السيئات﴾ ومن قبل ذلك الوقت كانوا يعملون الفواحش حتى مرنوا عليها وقل عندهم استقباحها فلذلك جاءوا يهرعون مجاهرين لا يكفهم حياء ﴿قَالَ يَا قوم هؤلاء بناتي﴾ فتزوجوهن أراد أن يقى أضيفاه ببناته وذلك غاية الكرم وكان تزويج المسلمات من الكفار جائزاً في ذلك الوقت كما جاز في الابتداء في هذه الأمة فقد زوج رسول الله ﷺ ابنتيه من عتبه بن أبي لهب وأبي العاص وهما كافران وقيل كان لهم سيدان مطاعان فأراد لوط أن يزوجهما ابنتيه ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ أحل هؤلاء مبتدأ وبناتي عطف بيان وهن فصل وأطهر خبر المتبدا أو بناتى خبر هن اطهر مبتدأ وخبر ﴿فاتقوا الله﴾ بإيثارهم عليهم ﴿وَلاَ تُخْزُونِ﴾ ولا تهينوني ولا تفضحوني من الخزة أو ولا تخجلوني من الخزاية وهي الحياء وبالياء أبو عمرو في الوصل ﴿فِى ضَيْفِى﴾ في حق ضيوفي فإنه إذا خزي ضيف الرجل أو جاره فقد خزى الرجل وذلك من عراقة الكرم وأصالة المروءة ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ﴾ أي رجل واحد يهتدي إلى طريق الحق وفعل الجميل والكف عن السوء
﴿قالوا لقد علمت ما لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقّ﴾
حاجة لأن نكاح الإناث أمر خارج عن مذهبنا فمذهبنا إتيان الذكران ﴿وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ عنوا إتيان الذكور ومالهم فيه من الشهوة
﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ اوِى إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ جواب لو محذوف أي لفعلت بكم ولصنعت والمعنى لو قويت عليكم بنفسي أو أويت إلى قوي أستند إليه وأتمنع به فيحميني منكم فشبه القوي العزيز بالركم من الجبل في شدته ومنعته روي أنه أغلق بابه حين جاءوا وجعل يرادهم ما حكى الله عنه ويجادلهم فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة مالقى لوط من الكرب
﴿قَالُواْ يا لُوطٍ﴾ إن ركنك لشديد ﴿إِنَّا رُسُلُ رَبّكَ﴾ فافتح الباب ودعنا وإياهم ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريل عليه السلام ربه في عقوبتهم فأذن له فضرب بجناحه وجوههم فطمس أعينهم فأعماهم كما قال الله تعالى فطمسنا أعينهم فصاروا لا يعرفون الطريق فخرجوا وهم يقولون النجاء فإن في بيت لوط قوماً سحرة ﴿لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ﴾ جملة موضحة للتي قبلها لأنهم إذا كانوا رسل الله لم يصلوا اليه ولم يقدروا على ضرره ﴿فاسر﴾ بالوصل حجازي من سرى ﴿بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مّنَ الليْلِ﴾ طائفة منه أو نصفه ﴿وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ﴾ بقلبه إلى ما خلف أو لا ينظر إلى ما ورءاه أو لا يتخلف منكم أحد ﴿إِلاَّ امرأتك﴾ مستثنى من فأسر بأهلك وبالرفع مكي وأبو عمرو وعلى البدل من أحد وفي إخراجها مع أهله روايتان روي أنه أخرجها معهم وأمر أن لا يلتفت منهم أحد إلا هي فلما سمعت هدّة العذاب التفتت وقالت يا قوماه فأدركها حجر فقتلها وروي أنه أمر بأن يخلفها مع قومها فإنّ هواها إليهم فلم يسر بها واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين ﴿إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ﴾ أي إن الأمر وروي أنه قال لهم متى موعد هلاكهم قالوا ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح﴾ فقال
﴿فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عاليها سَافِلَهَا﴾ جعل جبريل عليه السلام جناحه في أسفلها أي أسفل قراها ثم رفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها عليهم وأتبعوا الحجارة من فوقهم وذلك قوله ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ﴾ هي كلمة معربة من سنك كل بدليل قوله حجارة من طين ﴿مَّنْضُودٍ﴾ نعت لسجيل أي متتابع أو مجموع معد للعذاب
﴿مسومة﴾ نعت لحجارة أي معلمة للعذاب قيل مكتوب على كل واحد
هود (٨٣ _ ٨٧)
اسم من يرمي به ﴿عِندَ رَبّكَ﴾ في خزائنه أو في حكمه ﴿وَمَا هِى مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ﴾ بشيء بعيد وفيه وعيد لأهل مكة فإن جبريل عليه السلام قال لرسول الله ﷺ يعني ظالمي أمتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض جحر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة أو الضمير للقرى أي هي قريبة من ظالمي مكة يمرون بها في مسايرهم
﴿وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْباً﴾ هو اسم مدينتهم أو اسم جدهم مدين بن إبراهيم أي وأرسلنا شعيباً إلى ساكني مدين أو إلى بني مدين ﴿قَالَ يَا قَوْمٌ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مّنْ إله غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال﴾ أى المكيال بالمكيال ﴿والميزان﴾ والموزون بالميزان ﴿إِنّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف أو أراكم بنعمة من الله حقها أن تقابل بغير ما تفعلون ﴿وَإِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ محيط﴾ مهلك من قوله وأحيط بثمره وأصله من إحاطة العدو والمراد عذاب الاستئصال فى الدنيا أو عذاب الآخرة
﴿ويا قوم أَوْفُواْ المكيال والميزان﴾ أتموهما ﴿بالقسط﴾ بالعدل نهوا أولاً عن عين القبيح الذي كانوا عليه من نقص المكيال والميزان ثم ورد الأمر بالإيفاء الذي هو حسن في العقول لزيادة الترغيب فيه وجيء به مقيداً بالقسط أي ليكن الإيفاء على وجه العدل والتسوية من غير زيادة ولا نقصان ﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءهُمْ﴾ البخس النقص كانوا ينقصون من أثمان ما يشترون من الأشياء فنهوا عن ذلك ﴿ولا تعثوا في الأرض مفسدين﴾ العثى والعبث أشد الفساد نحو السرقة والغارة وقطع السبيل ويجوز أن يجعل البخس والتطفيف عيثا منهم فى الأرض
﴿بقية الله﴾ ما يبقى لكم من الحلال بعد التنزه عما هو حرام عليكم ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ بشرط أن تؤمنوا نعم بقية الله خير للكفرة أيضاً لأنهم يسلمون معها من تبعة البخس والتطفيف إلا أن فائدتها تظهر مع الإيمان من حصول الثواب مع النجاة من العقاب ولاتظهر مع عدمه لانغماس صاحبها في غمرات الكفر وفي ذلك تعظيم للإيمان وتنبيه على جلالة شأنه أو المراد إن كنتم مصدقين لي فيما أقول لكم وأنصح به إياكم ﴿وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ لنعمه عليكم فاحفظوها بترك البخس
﴿قالوا يا شعيب أصلاتك﴾ وبالتوحيد كوفى غير أبى بكر
هود (٨٧ _ ٨٩)
﴿تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء﴾ كان شعيب عليه السلام كثير الصلوات وكان قومه يقولون له ما تستفيد بهذا فكان يقول إنها تأمر بالمحاسن وتنهى عن القبائح فقالوا على وجه الاستهزاء أصلواتك تأمرك أن تأمرنا بترك عبادة ما كان يعبد آباؤنا أو أن نترك التبسط في أموالنا ما نشاء من إيفاء ونقص وجاز أن تكون الصلوات آمرة مجازاً كما سماها الله تعالى ناهية مجازاً ﴿إِنَّكَ لأَنتَ الحليم الرشيد﴾ أي السفية الضال وهذه
﴿قال يا قوم أرأيتم إِن كُنتُ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى وَرَزَقَنِى مِنْهُ﴾ من لدنه ﴿رِزْقًا حَسَنًا﴾ يعني النبوة والرسالة أو مالاً حلالاً من غير بخس وتطفيف وجواب أرأيتم محذوف أي أخبروني إن كنت على حجة واضحة من ربي وكنت نبياً على الحقيقة أيصح لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك يقال خالفني فلان إلى كذا إذا قصده وأنت مول عنه وخالفني عنه إذا ولى عنه وأنت قاصده ويلقاك الرجل صادراً عن الماء فتسأله عن صاحبه فيقول خالفني إلى الماء يريد أنه قد ذهب إليه وأراد وأنا ذاهب عنه صادراً ومنه قوله ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَا أنهاكم عَنْهُ﴾ يعني أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإصلاح﴾ ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتي ونصيحتي وأمري بالمعروف ونهي عن المنكر ﴿مَا استطعت﴾ ظرف أى مدة استطاعتى للاصلاح ومادمت متمكنا منه آلو فيه جهداً ﴿وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بالله﴾ وما كونى موفقا لإصابة الحق فيما آنى وآذر إلا بمعونته وتأييده ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ اعتمدت ﴿وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ أرجع في السراء والضرآء
جرم مثل كسب في تعديه إلى مفعول واحد وإلى مفعولين ومنه قوله ﴿ويا قوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِى أَن يُصِيبَكُم﴾ أي لا يكسبنكم خلافي إصابة العذاب ﴿مّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالح﴾ وهو الغرق والريح والرجفة ﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ﴾ في الزمان فهم أقرب الهالكين منكم أو في المكان فمنازلهم قريبة منكم أو فيما يستحق به الهلاك وهو الكفر والمساوى وسوى فى قريب وبعيد وقليل وكبير بين المذكر
هود (٩٠ _ ٩٣)
التي هي الصهيل والنهيق ونحوهما
﴿واستغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبّى رَحِيمٌ﴾ يغفر لأهل الجفاء من المؤمنين ﴿وَدُودٌ﴾ يحب أهل الوفاء من الصالحين
﴿قَالُواْ يا شُعَيْبٌ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ﴾ أي لا نفهم صحة ما تقول وإلا فكيف لا يفهم كلامه وهو خطيب الأنبياء ﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا﴾ لا قوة لك ولا عز فيما بيننا فلا تقدر على الامتناع منا إن أردنا بك مكروهاً ﴿ولولا رهطك لرجمناك﴾ ولولا عشرتيك لقتلناك بالرجم وهو شر قتلة وكان رهطه من أهل ملتهم فلذلك أظهروا الميل إليهم والإكرام لهم ﴿وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ أي لا تعز علينا ولا تكرم حتى نكرمك من القتل ونرفعك عن الرجم وإنما يعز علينا رهطك لأنهم من أهل ديننا وقد دل إيلاء ضميره حرف النفي على أن الكلام واقع في الفاعل لا في الفعل كأنه قيل وما أنت علينا بعزيز بل رهطك هم الأعزة علينا ولذلك
﴿قال﴾ فى جوابهم ﴿يا قوم أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُم مّنَ الله﴾ ولو قيل وما عززت علينا لم يصح هذا الجواب وإنما قال أرهطي أعز عليكم من الله الكلام واقع فيه وفي رهطه وأنهم الأعزة عليهم دونه لأن تهاونهم به وهو نبي الله تهاون بالله وحين عز عليهم رهطه دونه كان رهطه أعز عليهم من الله ألا ترى إلى قوله تعالى ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريا﴾ ونسيتموه وجعلتموه كالشيء المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به والظهري منسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب كقولهم في النسبة إلى الأمس أمسى ﴿إِنَّ رَبّى بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ قد أحاط بأعمالكم علماً فلا يخفى عليه شيء منها
﴿وَيَا قَوْمِ اعملوا على مَكَانَتِكُمْ﴾ هي بمعنى المكان يقال مكان
هود (٩٣ _ ٩٨)
تعلمون الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه والذي هو كاذب فى زعمكم ودعوا كم وإدخال الفاء في سوف وصل ظاهر بحرف وضع للوصل ونزعها وصل تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر كأنهم قالوا فماذا يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا وعملت أنت فقال سوف تعلمون والإتيان بالوجهين للتفنن في البلاغة وأبلغهما الاستئناف ﴿وارتقبوا﴾ وانتظروا العاقبة وما أقول لكم ﴿إِنّى مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ منتظر والرقيب بمعنى الراقب من رقبه كالضريب بمعنى الضارب أو بمعنى المراقب كالعشير بمعنى المعاشر أو بمعنى المرتقب كالرفيع بمعنى المرتفع
﴿ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ﴾ صاح بهم جبريل فهلكوا وإنما ذكر في آخر قصة عاد ومدين ولما جاء وفي آخر قصة ثمود ولوط فلما جاء لأنهما وقعا بعد ذكر الموعد وذلك قوله إن موعدهم الصبح ذلك وعد غير مكذوب فجئ بالفاء الذي هو للتسبيب كقولك وعدته فلما جاء الميعاد كان كبت وأما الأخريان فقد وقعتا مبتدأتين فكان
﴿كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا﴾ كأن لم يقيموا في ديارهم أحياء متصرفين مترددين ﴿أَلاَ بُعْدًا لّمَدْيَنَ﴾ البعد بمعنى البعد وهو الهلاك كالرشد بمعنى الرشد ألا ترى إلى قوله ﴿كَمَا بعدت ثمود﴾ وقرئ كما بعُدت والمعنى في البناءين واحد وهو نقيض القرب إلا أنهم فرقوا بين البعد من جهة الهلاك وبين غيره فغيروا البناء كما فرقوا بين ضماني الخير والشر فقالوا وعد وأوعد
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا وسلطان مُّبِينٍ﴾ المراد به العصا لأنها أبهرها
﴿إلى فرعون وملئه فاتبعوا﴾ أي الملأ ﴿أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ هو تجهيل لمتبعيه حيث تابعوه إلى أمره وهو ضلال مبين وذلك أنه ادعى الألوهية وهو بشر مثلهم وجاهز بالظلم والشر الذي لا يأتي إلا من شيطان ومثله بمعزل عن الألوهية وفيه أنهم عاينوا الآيات والسلطان المبين وعلموا أن مع موسى الرشد والحق ثم عدلوا عن اتباعه إلى اتباع من ليس في أمره رشد قط أو المراد وما أمره بصالح حميد العاقبة ويكون قوله
﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة﴾
أي يتقدمهم وهم على عقبه تفسيراً له وإيضاحاً أي كيف يرشد أمر من هذه عاقبته والرشد يستعمل في كل ما يحمد ويرتضى كما استعمل الغي في كل ما يذم ويقال قدَمه بمعنى تقدمه ﴿فَأَوْرَدَهُمُ النار﴾ ادخلهم وجئ بلفظ الماضي لأن الماضي يدل على أمر موجود مقطوع به فكأنه قيل يقدمهم فيوردهم النار لا محالة يعني كما
﴿وَأُتْبِعُواْ فِى هذه﴾ أي الدنيا ﴿لَعْنَةً وَيَوْمَ القيامة﴾ أي يلعنون في الدنيا ويلعنون في الآخرة ﴿بِئْسَ الرفد المرفود﴾ رفدهم أي بئس العون المعان أو بئس العطاء المعطى
﴿ذلك﴾ مبتدأ ﴿مِنْ أَنْبَاء القرى﴾ خبر ﴿نَقُصُّهُ عليك﴾ خبر عبد خبر أى ذلك النبأ بعض أنباء القرى المهلكة مقصوص عليك ﴿مِنْهَا﴾ من القرى ﴿قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾ أي بعضها باق وبعضها عافي الأثر كالزرع القائم على ساقه والذي حصد والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب
﴿وَمَا ظلمناهم﴾ بإهلاكنا إياهم ﴿ولكن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ﴾ بارتكاب ما به أهلكوا ﴿فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلهتهم﴾ فما قدرت أن ترد عنهم بأس الله ﴿التى يَدْعُونَ﴾ يعبدون وهي حكاية حال ماضية ﴿مِن دُونِ الله مِن شَىْء لَّمَّا جَاء أمر ربك﴾ عذابه ولما منصوب بما أغنت ﴿وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ تخسير يقال تب إذا خسر وتبيه غيره أوقعه في الخسران يعني وما أفادتهم عبادة غير الله شيئاً بل أهلكتهم
﴿وكذلك﴾ محل الكاف الرفع أي ومثل ذلك الأخذ ﴿أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ القرى﴾ أي أهلها ﴿وَهِىَ ظالمة﴾ حال من القرى ﴿إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ مؤلم شديد صعب على المأخوذ وهذا تحذير لكل قرية ظالمة من كفار مكة وغيرها فعلى كل ظالم أن يبادر التوبة ولا يغتر بالإمهال
﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ﴾ فيما قص الله من قصص الأمم الهالكة ﴿لآيَةً﴾ لعبرة ﴿لّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخرة﴾ أي اعتقد صحته ووجوده ﴿ذلك﴾ إشارة إلى يوم القيامة لأن عذاب الآخرة دل عليه ﴿يوم مجموع له الناس﴾
هود (١٠٣ _ ١٠٧)
هو مرفوع بمجموع كما يرفع فعله إذا قلت يجمع له الناس وإنما آثر اسم المفعول على فعله لما في اسم المفعول من دلالته على ثبات معنى الجمع لليوم وإنه أثبت أيضاً لإسناد الجمع إلى الناس وأنهم لا ينفكون منه يجمعون للحساب والثواب والعقاب ﴿وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾ أي مشهود فيه فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به أي يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد
﴿وَمَا نُؤَخّرُهُ﴾ أي اليوم المذكور الأجل يطلق على مدة التأجيل كلها وعلى منتهاها والعد وإنما هو للمدة لا لغايتها ومنتهاها فمعنى قوله وما نؤخره ﴿إِلاَّ لاِجَلٍ مَّعْدُودٍ﴾ إلا لانتهاء مدة معدودة بحذف المضاف أو ما نؤخر هذا اليوم إلا لتنتهي المدة التي ضربناها لبقاء الدنيا
﴿يوم يأت﴾ والياء مكي وافقه أبو عمرو ونافع وعلي في الوصل وإثبات الياء هو الأصل إذ لا علة توجب حذفها وحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير في لغة هذيل ونظيره مَا كنا نبغ وفاعل يأت ضمير يرجع إلى قوله يوم مجموع له الناس لا اليوم المضاف إلى يأت ويوم منصوب باذكر أو بقوله ﴿لاَ تَكَلَّمُ﴾ أي لا تتكلم ﴿نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ أي لا يشفع أحد إلا بإذن الله مَن ذَا الذى يشفع عنده إلا بإذنه ﴿فَمِنْهُمْ﴾ الضمير لأهل الموقف لدلالة لا تكلم نفس عليه وقد مر ذكر الناس في قوله مجموع له الناس ﴿شَقِيٌّ﴾ معذب ﴿وَسَعِيدٌ﴾ أي ومنهم سعيد أي منعم
﴿فَأَمَّا الذين شَقُواْ فَفِى النار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ﴾ هو أول نهيق الحمار ﴿وَشَهِيقٌ﴾ هو آخره أو هما إخراج النفس ورده والجملة في موضع
﴿خالدين فِيهَا﴾ حال مقدرة ﴿مَا دَامَتِ السماوات والأرض﴾ في موضع النصب أي مدة دوام السموات والأرض والمراد سموات الآخرة وأرضها وهي دائمة مخلوقة للأبد والدليل على أن لها سموات وأرضاً قوله يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسموات وقيل مادام فوق وتحت ولأنه لا بد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم إما سماء أو عرش وكل ما أظلك فهو سماء أو هو عبارة عن التأبيد ونفي الانقطاع كقول العرب مالاح كوكب وغير ذلك من كلمات التأبيد ﴿إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ﴾ هو استثناء من الخلود في عذاب النار وذلك لأن أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده بل يعذبون بالزمهرير وأنواع من العذاب سوى عذاب النار أو ماشاء بمعنى من شاء وهم قوم يخرجون من النار ويدخلون الجنة فيقال لهم الجهنميون وهو المستثنون من أهل الجنة أيضاً لمفارقتهم إياها بكونهم في النار أياماً فهؤلاء لم يشقوا شقاوة من يدخل النار على التأبيد ولا سعدوا سعادة من لا تمسه النار وهو مروى عن ابن عباس والضحاك وقتادة رضى الله عنهم ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ﴾ بالشقي والسعيد
هود (١٠٨ _ ١١١)
﴿وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ﴾ سُعدوا حمزة وعلي وحفص سَعد لازم وسعَده يسعَده متعد ﴿فَفِى الجنة خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ﴾ هو استثناء من الخلود في نعيم الجنة وذلك أن لهم سوى الجنة ما هو أكبر منها وهو رؤية الله تعالى ورضوانه أو معناهاإلا من شاء أن يعذبه بقدر ذنبه قبل أن يدخله الجنة وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى ﷺ أنه قال الاستثناء في الآيتين لأهل الجنة ومعناه ما ذكرنا أنه لا يكون
لما قص الله قصص عبدة الأوثان وذكر ما أحل بهم من نقمه وما أعد لهم من عذابه قال ﴿فَلاَ تَكُ فِى مِرْيَةٍ مّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء﴾ أي فلا تشك بعد ما أنزل عليك من هذه القصص في سوء عاقبة عبادتهم لما أصاب أمثالهم قبلهم تسلية لرسول الله ﷺ وعدة بالانتقام منهم ووعيداً لهم ثم قال ﴿ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قَبلُ﴾ يريد أن حالهم في الشرك مثل حال آبائهم وقد بلغك ما نزل بآبائهم قسينزلن بهم مثله وهو استئناف معناه تعليل النهي عن المرية وما فى مما وكما مصدرية أو موصولة أي من عبادتهم وكعبادتهم أو مما يعبدون من الأوثان ومثل ما يعبدون منها ﴿وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ حظهم من العذاب كما وفينا آباءهم أنصباءهم ﴿غَيْرَ مَنقُوصٍ﴾ حال من نصيبهم أى كاملا
﴿ولقد آتينا موسى الكتاب﴾ التوراة ﴿فاختلف فِيهِ﴾ آمن به قوم وكفر به قوم كما اختلف في القرآن وهو تسلية لرسول الله ﷺ ﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ﴾ إنه لا يعاجلهم بالعذاب ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ بين قوم موسى أو قومك بالعذاب المستأصل ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِى شَكّ مّنْهُ﴾ من القرآن أو من العذاب
﴿وَإِنَّ كُلاًّ﴾ التنوين عوض عن المضاف إليه يعني وإن كلهم أي وإن جميع المختلفين فيه وإن مشددة ﴿لَّمّاً﴾ مخفف بصري وعلي ما مزيدة جيء بها ليفصل بها بين لام إن ولام
هود (١١١ _ ١١٣)
﴿لَيُوَفّيَنَّهُمْ﴾ وهو جواب قسم محذوف واللام في لما موطئة للقسم والمعنى وإن جميعهم والله ليوفينهم ﴿رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي جزاء أعمالهم من إيمان وجحود وحسن وقبيح بعكس الأولى أبو بكر مخففان مكي ونافع على إعمال المخففة عمل الثقيلة اعتباراً لأصلها الذي هو التثقيل ولأن إن تشبه الفعل والفعل يعمل قبل الحذف وبعده نحو لم يكن ولم يك فكذا المشبه به مشددتان غيرهم وهو مشكل وأحسن ما قيل فيه أنه من لممت الشيء جمعته لمَّا ثم وقف فصار لما ثم أجرى الوصل مجرى الوقف وجاز أن يكون مثل الدعوى والثروى وما فيه ألف التأنيث من المصادر وقرأ الزهري وإن كلا لما بالتنوين كقوله اكلا لما وهو يؤيد ما ذكرنا والمعنى وإن كلاً ملمومين أي مجموعين كأنه قيل وإن كلاً جميعا كقوله فسجد الملائكة كلهم اجمعون وقال صاحب الإيجاز لما فيه معنى الظرف وقد دخل في الكلام اختصار كأنه قيل وإن كلاً لما بعثوا ليوفينهم ربك أعمالهم وقال الكسائي ليس لي بتشديد لما علم ﴿إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾
﴿فاستقم كَمَا أُمِرْتَ﴾ فاستقم استقامة مثل الاستقامة التي أمرت بها غير عادل عنها ﴿وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾ معطوف على المستتر في استقم وجاز للفاصل يعنى فاستقم أنت وليسقتم من تاب عن الكفر ورجع إلى الله مخلصاً ﴿وَلاَ تَطْغَوْاْ﴾ ولا تخرجوا عن حدود الله ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فهو
﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الذين ظَلَمُواْ﴾ ولا تميلوا قال الشيخ رحمه الله هذا خطاب لأتباع الكفرة أي لا تركنوا إلى القادة والكبراء في ظلمهم وفيما يدعونكم إليه ﴿فَتَمَسَّكُمُ النار﴾ وقيل الركون إليهم الرضا بكفرهم وقال قتادة ولا تلحقوا بالمشركين وعن الموفق أنه صلى خلص الإمام فلما قرأ هذه الآية غشي عليه فلما أفاق قيل له فقال هذا فيمن ركن إلى من ظلم فكيف بالظالم وعن الحسن جعل الله الذين بين لاءين ولا تطغوا ولا تركنوا وقال سفيان في جهنم وادٍ لا يسكنه إلا القراء الزائرون للملوك وعن الأوزاعي ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا وقال رسول الله ﷺ من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه ولقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برّية هل يسقى شربة ماء فقال لا فقيل له يموت فقال دعه يموت ﴿وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاء﴾ حال من قوله فتمسكم النار وأنتم على هذه الحالة ومعناه ومالكم من دون الله من أولياء يقدرون على منعكم من عذابه ولا يقدر على منعكم منه غيره ﴿ثم لا تنصرون﴾ ثم لا ينصركم هو لأنه
هود (١١٤ _ ١١٦)
حكم بتعذيبكم ومعنى ثم الاستبعاد أي النصرة من الله مستبعدة
﴿وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَىِ النهار﴾ غدوة وعشية ﴿وَزُلَفاً من الليل﴾ وساعات من الليل جمع زلفة وهي ساعاته القريبة من آخر النهار من أزلفه إذا قربه وصلاة الغدوة الفجر وصلاة العشية الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشي وصلاة الزلف المغرب والعشاء وانتصاب طرفي
﴿واصبر﴾ على امتثال ما أمرت به والانتهاء عما نهيت عنه فلا يتم شيء منه الابه ﴿فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ جاء بما هو مشتمل على جميع الأوامر والنواهي من قوله ﴿فاستقم﴾ إلى قوله ﴿واصبر﴾ وغير ذلك من الحسنات
﴿فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القرون مِن قَبْلِكُمْ﴾ فهلا كان هو موضوع للتحضيض ومخصوص بالفعل ﴿أولوا بقية﴾ أولو فضل وخير وسمى الفضل والجودة بقية لأن الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وأفضله فصار مثلاً في الجودة والفضل ويقال فلان من بقية القوم أي من خيارهم ومنه قولهم في
هود (١١٦ _ ١٢٣)
من حب الرياسة والثروة وطلب أسباب العيش الهنيء ورفضوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونبذوه وراء ظهورهم ﴿وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ اعتراض وحكم عليهم بأنهم قوم مجرمون
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى﴾ اللام لتأكيد النفي ﴿بِظُلْمٍ﴾ حال من الفاعل أي لا يصح أن يهلك الله القرى ظالماً لها ﴿وَأَهْلُهَا﴾ قوم ﴿مُصْلِحُونَ﴾ تنزيهًا لذاته عن الظلم وقيل الظلم الشرك أي لا يهلك القرى بسبب شرك أهلها وهم مصلحون في المعاملات فيما بينهم لا يضمون إلى شركهم فساد آخر
﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ أي متفقين على الإيمان والطاعات عن اختيار ولكن لم يشأ ذلك وقالت المعتزلة هى مشيئة قسر وذلك رافع للابتلاء فلا يجوز ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ في الكفر والإيمان أي ولكن شاء أن يكونوا مختلفين لما علم منهم اختيار ذلك
﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾ إلا ناساً عصمهم الله عن الاختلاف فاتفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه ﴿ولذلك خلقهم﴾ أى واما هم عليه من الاختلاف فعندنا خلقهم للذي علم أنهم سيصيرون إليه من اختلاف أواتفاق ولم يخلقهم لغير الذى علم أنهم سيصيرن إليه كذا فى شرك التأويلات ﴿وتمت كلمة رَبّكَ﴾ وهي قوله للملائكة ﴿لأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ لعلمه بكثرة من يختار الباطل
﴿وكلا﴾ التنوين فهي عوض من المضاف إليه كأنه قيل وكل نبأ وهو منصوب بقوله ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ وقوله ﴿مِنْ أَنْبَاء الرسل﴾ بيان لكل وقوله ﴿مَا نُثَبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ بدل من كلا ﴿وَجَاءكَ فِى هذه الحق﴾ أي في هذه السورة أو في هذه الأنباء المقتصة ما هو حق ﴿وَمَوْعِظَةٌ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ومعنى تثبيت فؤاده زيادة يقينه لأن تكاثر الأدلة أثبت للقلب
﴿وَقُل لّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ من أهل مكة وغيرهم ﴿اعملوا على مَكَانَتِكُمْ﴾ على حالكم وجهتكم التي أنتم عليها ﴿إِنَّا عَامِلُونَ﴾ على مكانتنا
﴿وانتظروا﴾ بنا الدوائر ﴿إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾ أن ينزل بكم نحو ما اقتص الله تعالى من النقم النازلة بأشباهكم
﴿وَللَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض﴾ لا تخفى عليه خافية مما يجرى فيها فلا تخفى عليه أعمالكم ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كله﴾ فلابد
هود (١٢٣)
أن يرجع إليه أمرهم
بسم الله الرحمن الرحيم
يوسف (١ _ ٣)