وأبو لهب وزوجته أم جميل كانا من أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. روى البخاري عن ابن عباس أن الرسول الكريم خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى : " يا صباحاه ". فاجتمعت إليه قريش. فقال : " أرأيتم إن حدّثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ؟ أكنتم مصدقيّ " ؟ قالوا : نعم.
قال :﴿ إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ﴾. فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟ تبا لك.
فأنزل الله تعالى ﴿ تبّت يدا أبي لهب وتبّ... إلخ ﴾ فهذه السورة من المعجزات ؛ لأنها أخبرت بهلاك أبي لهب وزوجته من أول البعثة.
وقد صدقت، فماتا على الكفر جميعا.
ﰡ
أبو لهب : عبد العزّى بنُ عبد المطلب، عم النبيّ الكريم.
تَبَّ : الأولى دعاءٌ عليه بالهلاك، وتبّت الثانية إخبارٌ بأنه قد هلك. لقد خسر أبو لهب وهلك، وضلّ عملُه لعدائه للرسول الكريم، وكثرةِ ما سبّب من الأذى له وللمسلمين. فقد كان من أشدّ الناس عداوةً للنبي صلى الله عليه وسلم.
والتعبيرُ باليد ؛ لأنها أداةُ العمل ومظهرُ القوة. ﴿ ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾ [ الحج : ١٠ ]. وهذا تعبيرٌ مألوفُ عندَ العرب، تقول : أصابتْهُ يدُ الدهر، ويدُ الرزايا والمنايا.
قراءات :
قرأ ابن كثير : أبي لهب بإسكان الهاء. والباقون بفتح الهاء.
وكان لأبي لهبٍ ثلاثةُ أولاد : عُتبة، ومعتِب، وعُتيبة. وقد أسلم عُتيبة ومعتبُ يوم الفتح، وشهِدوا حُنَيْناً والطائف.
وأما عتبة فلم يُسلم. وكانت أم كلثوم بنتُ رسول الله زوجةً له، وأختُها رقيةُ عند عتيبة. فلما نزلت هذه السورة قال أبو لهب : رأسي ورأساكما حَرامٌ إن لم تطلِّقا ابنتَي محمّد، فطلقاهما.
وأراد عُتبة أن يذهبَ إلى الشام مع أبيه فقال : لآتِيَنَّ محمّداً وأُوذينَّه. فقال : يا محمد، إني كافر بالنّجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلّى. ثم تفل أمام الرسول الكريم، وطلّق ابنته أُم كلثوم. فقال الرسول الكريم :« اللهُمّ سَلِّطْ عليه كلباً من كلابك »، فافترسَه الأسدُ بالزرقاءِ في الأردن. ومات أبو لهب بعد وقعةِ بدرٍ بسبعة أيام.
سيُعذَّب بنارِ جهنّم الحاميةِ ذاتِ الشرر واللّهب، الّتي أعدّها الله لمِثْله من الأشرارِ المعاندين.
حمالة الحطَب : التي تسعى بالنميمة والفتنة بين الناس.
وستعذَّب امرأتُه، أم جميل العَوراء، بهذه النار أيضا، لشدة عدائها للرسول الكريم، ولِما كانت تسعى بالنَّميمة والفتنة لإطفاء دعوةِ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
قال ابنُ عباس ومجاهد وقتادة والسُدّي : كانت تمشي بالنميمة بين الناس. والعربُ تقول : فلان يَحْطِب على فلانٍ، إذا حَرَّضَ عليه.
وفي الحديث الصحيح :« لا يدخُل الجنّةَ نمّام »، وقال :« ذو الوجهينِ لا يكونُ عند الله وَجِيها »، والنميمةُ من الكبائر.
وقيل أيضا : إن أُمَّ جميل هذه كانت تحمِل حُزَمَ الشوكِ والحَطَب، وتنثُرها باللّيل في طريق رسولِ الله لإيذائه. لذلك فإنّ في عنقِها يوم القيامة حَبلاً تُشَدّ به إلى النار، وبئس القرار.
قراءات :
قرأ عاصم :﴿ حمّالة ﴾ بنصب التاء، على الذم. وقرأ الباقون :﴿ حمالة ﴾ بالرفع، صفة لامرأته.
المَسَد : كل حَبْل مفتول.