هي خمس وأربعون آية وهي مكية. قال القرطبي : في قول الجميع. وأخرج البخاري وابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : أنزلت سورة فاطر بمكة.
ﰡ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَابْنُ الضُّرَيْسِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ سُورَةُ فَاطِرٍ بِمَكَّةَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ١ الى ٨]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤)يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨)
الْفَطْرُ: الشَّقُّ عَنِ الشَّيْءِ، يُقَالُ فَطَرْتُهُ فَانْفَطَرَ، وَمِنْهُ فَطَرَ نَابُ الْبَعِيرِ: إِذَا طَلَعَ، فَهُوَ بَعِيرٌ فَاطِرٌ، وَتَفَطَّرَ الشَّيْءُ تَشَقَّقَ، وَالْفَطْرُ: الِابْتِدَاءُ وَالِاخْتِرَاعُ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَالْمَعْنَى الْحَمْدُ لِلَّهِ مُبْدِعِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمُخْتَرِعِهِمَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى ابْتِدَاءِ هَذَا الْخَلْقِ الْعَظِيمِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِعَادَةِ.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ «فَاطِرِ» عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَالضَّحَّاكُ «فَطَرَ» عَلَى صِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي، فَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى هُوَ نَعْتٌ لِلَّهِ لِأَنَّ إِضَافَتَهُ مَحْضَةٌ لِكَوْنِهِ بِمَعْنَى الْمَاضِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَحْضَةٍ كَانَ بَدَلًا، وَمِثْلُهُ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا يَجُوزُ فِيهِ الْوَجْهَانِ، وَانْتِصَابُ رُسُلًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْمَاضِي لَا يَعْمَلُ، وَجَوَّزَ الْكِسَائِيُّ عَمَلَهُ. وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَهُوَ منصوب بجاعل، وَالرُّسُلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: هُمْ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَعِزْرَائِيلُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ «جَاعِلُ» بِالرَّفْعِ، وَقَرَأَ خَلِيلُ ابن نَشِيطٍ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ «جَعَلَ» عَلَى صِيغَةِ الْمَاضِي. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَحُمَيْدٌ «رُسْلًا» بِسُكُونِ السِّينِ، وهي لغة تميم أُولِي أَجْنِحَةٍ صفة لرسلا، وَالْأَجْنِحَةُ: جَمْعُ جَنَاحٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ صِفَةٌ لأجنحة، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فِي النِّسَاءِ. قَالَ قَتَادَةُ: بَعْضُهُمْ لَهُ جَنَاحَانِ، وَبَعْضُهُمْ ثَلَاثَةٌ، وَبَعْضُهُمْ أَرْبَعَةٌ، يَنْزِلُونَ بِهَا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَيَعْرُجُونَ بِهَا مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ: يُرْسِلُهُمُ اللَّهُ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِلَى الْعِبَادِ بِنِعَمِهِ أَوْ نِقَمِهِ، وَجُمْلَةُ: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشاءُ مُسْتَأْنَفَةٌ
صِفَةٌ لَهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَرُفِعَ غَيْرُ عَلَى مَعْنَى هَلْ خَالِقٌ غَيْرُ اللَّهِ، لِأَنَّ «مِنْ» زِيَادَةٌ مُؤَكِّدَةٌ، وَمَنْ خَفَضَ غَيْرُ جَعَلَهَا صِفَةً عَلَى اللَّفْظِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِرَفْعِ «غَيْرُ» وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِخَفْضِهَا، وَقَرَأَ الْفَضْلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِنَصْبِهَا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَجُمْلَةُ: يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، أَوْ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، أو صفة أخرى لخالق، وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَالرِّزْقُ مِنَ السَّمَاءِ: بِالْمَطَرِ، وَمِنَ الْأَرْضِ: بِالنَّبَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَجُمْلَةُ:
لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ مستأنفة لتقرير النَّفْيَ الْمُسْتَفَادَ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ مِنَ الْأَفْكِ بِالْفَتْحِ: وَهُوَ الصَّرْفُ، يُقَالُ: مَا أَفَكَكَ عَنْ كَذَا؟ أَيْ: مَا صَرَفَكَ، أَيْ: فَكَيْفَ تُصْرَفُونَ، وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِفْكِ بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الْكَذِبُ لِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ عَنِ الصِّدْقِ. قَالَ الزَّجَّاجَ: أَيْ مِنْ أَيْنَ يَقَعُ لَكُمُ الْإِفْكُ وَالتَّكْذِيبُ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْبَعْثِ، وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ. ثُمَّ عَزَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ لِيَتَأَسَّى بِمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَيَتَسَلَّى عَنْ تَكْذِيبِ كُفَّارِ الْعَرَبِ لَهُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ لَا إِلَى غَيْرِهِ فَيُجَازِي كُلًّا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ. قَرَأَ الْحَسَنُ، وَالْأَعْرَجُ، وَيَعْقُوبُ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَحُمَيْدٌ، وَالْأَعْمَشُ، وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ «تَرْجِعُ» بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَقَرَأَ الباقون بضمها على البناء للمفعول يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أَيْ: وَعْدَهُ بِالْبَعْثِ، وَالنُّشُورِ، وَالْحِسَابِ، وَالْعِقَابِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، كَمَا أُشِيرُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا بِزُخْرُفِهَا وَنَعِيمِهَا. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: غُرُورُ الْحَيَاةِ الدنيا تُرْجَعُ الْأُمُورُ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا بِزُخْرُفِهَا وَنَعِيمِهَا. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: غُرُورُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنْ يَشْتَغِلَ الْإِنْسَانُ بِنَعِيمِهَا وَلَذَّاتِهَا عَنْ عمل الآخرة حتى يقول: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي «١» وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ
الْغَرُورُ الشَّيْطَانُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، وَاسْتَبْعَدَهُ الزَّجَّاجُ، لِأَنَّ غَرَّرَ بِهِ مُتَعَدٍّ، وَمَصْدَرُ المتعدي إنما هو على فعل نحو ضربته ضَرْبًا، إِلَّا فِي أَشْيَاءَ يَسِيرَةٍ مَعْرُوفَةٍ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا يَغُرَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ بِاللَّهِ فَيَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنْكُمْ، وَيَغْفِرُ لَكُمْ لِفَضْلِكُمْ، أَوْ لِسَعَةِ رَحْمَتِهِ لَكُمْ. وقرأ أبو حيوة، وأبو سماك، ومحمّد بن السميقع بِضَمِّ الْغَيْنِ، وَهُوَ الْبَاطِلُ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَالْغُرُورُ بِالضَّمِّ: مَا يَغُرُّ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْغُرُورُ جَمْعَ غَارٍّ، مِثْلَ قَاعِدٍ وَقُعُودٍ، قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ غَرَّهُ كَاللُّزُومِ وَالنُّهُوكِ، وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ عَنِ الزَّجَّاجِ مِنَ الِاسْتِبْعَادِ. ثُمَّ حَذَّرَ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَقَالَ:
إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا أَيْ: فَعَادُوهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَلَا تُطِيعُوهُ فِي مَعَاصِي اللَّهِ. ثُمَّ بَيَّنَ لِعِبَادِهِ كَيْفِيَّةَ عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ لَهُمْ فَقَالَ: إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ أَيْ: إِنَّمَا يَدْعُو أَشْيَاعَهُ، وَأَتْبَاعَهُ، وَالْمُطِيعِينَ لَهُ إِلَى مَعَاصِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِأَجْلِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَمَحَلُّ الْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ الرفع على الابتداء، ولهم عَذَابٌ شَدِيدٌ: خَبَرُهُ، أَوِ الرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ فَاعِلِ يَكُونُوا، أَوِ النَّصْبُ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ حِزْبَهُ، أَوِ النَّعْتِ لَهُ، أَوْ إِضْمَارِ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الذَّمِّ، وَالْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِ من أصحاب، أو النعت له. وَالرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَقْوَى هَذِهِ الْوُجُوهِ، لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذِكْرِ عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ وَدُعَائِهِ لِحِزْبِهِ ذَكَرَ حَالَ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْمُطِيعِينَ لَهُ، وَالْعَاصِينَ عَلَيْهِ فَالْفَرِيقُ الْأَوَّلُ قَالَ: «لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ» وَالْفَرِيقُ الْآخَرُ قَالَ فِيهِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ أَيْ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمْ بِسَبَبِ الْإِيمَانِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَيُعْطِيهِمْ أَجْرًا كَبِيرًا وَهُوَ الْجَنَّةُ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَقْرِيرِ مَا سَبَقَ مِنْ ذِكْرِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَ «مَنْ» : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ: مَحْذُوفٌ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَالتَّقْدِيرُ ذَهَبَتْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ. قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ قَالَ: وَهَذَا كَلَامٌ عَرَبِيٌّ ظَرِيفٌ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا الْقَلِيلُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ:
تَقْدِيرُهُ كَمَنْ هَدَاهُ، وَقَدَّرَهُ غَيْرُهُمَا كَمَنْ لَمْ يُزَيَّنْ لَهُ، وَهَذَا أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَقَدْ وَهَمَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ، فَحَكَى عَنِ الزَّجَّاجِ مَا قَالَهُ الْكِسَائِيُّ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالَّذِي قَالَهُ الْكِسَائِيُّ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ، لِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَحْذُوفِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَهَى نَبِيَّهُ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ عَنْ شِدَّةِ الِاغْتِمَامِ بِهِمْ، وَالْحُزْنِ عَلَيْهِمْ كما قال: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ «١» وَجُمْلَةُ: فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا، أَيْ: يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ أَنْ يُضِلَّهُ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ أَنْ يَهْدِيَهُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْهَاءِ مُسْنَدًا إِلَى النَّفْسِ، فَتَكُونُ مِنْ بَابِ: لَا أَرَيَنَّكَ هَاهُنَا. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَشَيْبَةُ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَالْأَشْهَبُ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَنَصْبِ «نَفْسَكَ» وَانْتِصَابِ «حَسَرَاتٍ» عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ:
أَيْ لِلْحَسَرَاتِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الْحَالِ كَأَنَّهَا صَارَتْ كُلُّهَا حَسَرَاتٍ لِفَرْطِ التَّحَسُّرِ كَمَا رُوِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ.
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: إِنَّهَا تَمْيِيزٌ. وَالْحَسْرَةُ شِدَّةُ الْحُزْنِ عَلَى مَا فَاتَ مِنَ الْأَمْرِ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ لا يخفى
قال ابن السكيت : والغرور بالضم ما يغرّ من متاع الدنيا. وقال الزجاج : يجوز أن يكون الغرور جمع غار، مثل قاعد وقعود. قيل : ويجوز أن يكون مصدر غرّه كاللزوم والنهوك، وفيه ما تقدّم عن الزجاج من الاستبعاد.
والحسرة شدّة الحزن على ما فات من الأمر ﴿ إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ لا يخفى عليه من أفعالهم وأقوالهم خافية، والجملة تعليل لما قبلها مع ما تضمنته من الوعيد الشديد.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ لا أدري ما فاطر السموات وَالْأَرْضَ حَتَّى أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا، يَقُولُ: ابِتْدَأْتُهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: فاطِرِ السَّماواتِ بديع السموات. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشاءُ قَالَ: الصَّوْتُ الْحَسَنُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ الْآيَةَ قَالَ: مَا يَفْتَحُ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ بَابِ تَوْبَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها هم يتوبون إن شاؤوا وإن أَبَوْا، وَمَا أَمْسَكَ مِنْ بَابِ تَوْبَةٍ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُمْ لَا يَتُوبُونَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: يَقُولُ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ، وَرِزْقٌ كَرِيمٌ: فَهُوَ الْجَنَّةُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ قَالَ: الشَّيْطَانُ زَيَّنَ لَهُمْ هِيَ وَاللَّهِ الضَّلَالَاتُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ أي: لا تحزن عليهم.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٩ الى ١٤]
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١١) وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣)
إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤)
ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ بَدِيعِ صُنْعِهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ، لِيَتَفَكَّرُوا فِي ذَلِكَ وَلِيَعْتَبِرُوا بِهِ، فَقَالَ:
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: الرِّيَاحَ، وَقَرَأَ ابْنُ كثير، وابن محيصن، والأعمش، ويحيى ابن وَثَّابٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ «الرِّيحَ» بِالْإِفْرَادِ فَتُثِيرُ سَحاباً جَاءَ بِالْمُضَارِعِ بَعْدَ الْمَاضِي اسْتِحْضَارًا لِلصُّورَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَدْخَلُ فِي اعْتِبَارِ الْمُعْتَبِرِينَ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا: تُثِيرُ السَّحَابَ أَنَّهَا تُزْعِجُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سبيله فنسوقه، لِأَنَّهُ قَالَ: فَتُثِيرُ سَحَابًا. قِيلَ النُّكْتَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِالْمَاضِيَيْنِ بَعْدَ الْمُضَارِعِ: الدَّلَالَةُ عَلَى التَّحَقُّقِ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: مَيْتٌ وَمَيِّتٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ هَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ، وَأَنْشَدَ:
لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ | إِنَّمَا الْمَيْتُ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ «١» |
عِلْمُ اللَّهِ بِهِ، وَمَعْنَى: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ، وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالضَّحَّاكُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ إِلَّا مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَقِيلَ إِنَّ فَاعِلَ يَرْفَعُهُ: هُوَ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، وَمَفْعُولَهُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا مَعَ التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ. وَقِيلَ: إِنَّ فَاعِلَ يَرْفَعُهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَالْمَعْنَى:
أَنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ عَلَى الْكَلِمِ الطَّيِّبِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ يُحَقِّقُ الْكَلَامَ. وَقِيلَ: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الْعِزَّةَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لِصَاحِبِهِ، أَيْ: يَقْبَلُهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ:
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ عَلَى هَذَا: مُبْتَدَأً، خَبَرُهُ: يَرْفَعُهُ، وَكَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: يَرْفَعُ صَاحِبَهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «يَصْعَدُ» مِنْ صَعِدَ الثلاثي. «والكلم الطَّيِّبُ» بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ. وَقَرَأَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ «يُصْعَدُ» بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مِنْ أَصْعَدَ، «وَالْكَلِمَ الطَّيِّبَ» بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ على البناء للمفعول،
(٢). مريم: ٨١.
(٣). النساء: ٣٩.
هُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَمَعْنَى: لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ لَهُمْ عَذَابٌ بَالِغُ الْغَايَةِ فِي الشِّدَّةِ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ أَيْ: يَبْطُلُ وَيَهْلِكُ، ومنه وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً وَالْمَكْرُ فِي الْأَصْلِ: الْخَدِيعَةُ وَالِاحْتِيَالُ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِلَى الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ مَكْرِهِمْ، وَجُمْلَةُ: هُوَ يَبُورُ خَبَرُ مَكْرُ أُولَئِكَ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ دَلِيلًا آخَرَ عَلَى الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ فَقَالَ: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ أَيْ: خَلَقَكُمُ ابْتِدَاءً فِي ضِمْنِ خَلْقِ أَبِيكُمْ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
يَعْنِي آدَمَ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا: خَلَقَ أَبَاكُمُ الْأَوَّلَ، وَأَصْلَكُمُ الَّذِي تَرْجِعُونَ إِلَيْهِ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ أَخْرَجَهَا مِنْ ظَهْرِ آبَائِكُمْ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً أَيْ: زَوَّجَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ، فَالذَّكَرُ زَوْجُ الْأُنْثَى، أَوْ جَعَلَكُمْ أَصْنَافًا ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ أَيْ: لَا يَكُونُ حَمْلٌ وَلَا وَضْعٌ إِلَّا وَاللَّهُ عَالِمٌ بِهِ، فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ عِلْمِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ أَيْ: مَا يُطَوَّلُ عُمُرُ أَحَدٍ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ، أَيْ: فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَالَ الْفَرَّاءُ: يُرِيدُ آخَرَ غَيْرَ الْأَوَّلِ، فَكَنَّى عَنْهُ بِالضَّمِيرِ كَأَنَّهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ لَفْظَ الثَّانِي لَوْ ظَهَرَ كَانَ كَالْأَوَّلِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِ مُعَمَّرٍ، فَالْكِنَايَةُ فِي عُمُرِهِ تَرْجِعُ إِلَى آخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُكَ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ: أَيْ نِصْفٌ آخَرُ.
قِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَ مُعَمَّرًا بِاعْتِبَارِ مَصِيرِهِ إِلَيْهِ. وَالْمَعْنَى: وَمَا يُمَدُّ فِي عُمُرِ أَحَدٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِ أَحَدٍ، لَكِنْ لَا عَلَى مَعْنَى لَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ زَائِدًا، بَلْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ مِنَ الِابْتِدَاءِ نَاقِصًا إِلَّا وَهُوَ فِي كِتَابٍ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ إِلَّا كُتِبَ عُمُرُهُ: كَمْ هُوَ سَنَةً، كَمْ هُوَ شَهْرًا، كَمْ هُوَ يَوْمًا، كَمْ هُوَ سَاعَةً، ثُمَّ يُكْتَبُ فِي كِتَابٍ آخَرَ نُقِصَ مِنْ عُمُرِهِ سَاعَةٌ، نُقِصَ مِنْ عُمُرِهِ يَوْمٌ، نُقِصَ مِنْ عُمُرِهِ شَهْرٌ، نُقِصَ مِنْ عُمُرِهِ سَنَةٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ أَجَلَهُ، فَمَا مَضَى مِنْ أَجَلِهِ فَهُوَ النُّقْصَانُ، وَمَا يُسْتَقْبَلُ، هو الَّذِي يُعَمَّرُهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمُعَمَّرُ مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً، وَالْمَنْقُوصُ مِنْ عُمُرِهِ مَنْ يَمُوتُ قَبْلَ سِتِّينَ سَنَةً. وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ عُمُرَ الْإِنْسَانِ كَذَا إِنْ أَطَاعَ، وَدَوَّنَهُ إِنْ عَصَى فَأَيُّهَمَا بَلَغَ فَهُوَ فِي كِتَابٍ، وَالضَّمِيرُ عَلَى هَذَا يَرْجِعُ إِلَى مُعَمَّرٍ.
وَقِيلَ الْمَعْنَى: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ إِلَى الْهَرَمِ، وَلَا يُنْقَصُ آخَرُ مِنْ عُمُرِ الْهَرَمِ إِلَّا فِي كِتَابٍ، أَيْ: بِقَضَاءِ اللَّهِ قَالَهُ الضَّحَّاكُ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ. قَالَ: وَهُوَ أَشْبَهُهَا بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ ظَاهِرُ النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ أَنَّ تَطْوِيلَ الْعُمُرِ وَتَقْصِيرَهُ: هُمَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ لِأَسْبَابٍ تَقْتَضِي التَّطْوِيلَ، وَأَسْبَابٍ تَقْتَضِي التَّقْصِيرَ.
فَمِنْ أَسْبَابِ التَّطْوِيلِ: مَا وَرَدَ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ عن النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمِنْ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ الِاسْتِكْثَارُ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا كَانَ الْعُمُرُ الْمَضْرُوبُ لِلرَّجُلِ مَثَلًا سَبْعِينَ سَنَةً، فَقَدْ يَزِيدُ اللَّهُ لَهُ عَلَيْهَا إِذَا فَعَلَ
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَفْسِيرِهَا مَا يَزِيدُ مَا ذَكَرْنَا هُنَا وُضُوحًا وَبَيَانًا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «يُنْقَصُ» مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ وَسَلَّامٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو «يَنْقُصُ» مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «مِنْ عُمُرِهِ» بِضَمِّ الْمِيمِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالْأَعْرَجُ وَالزُّهْرِيُّ بِسُكُونِهَا، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ ذلِكَ إِلَى مَا سَبَقَ مِنَ الْخَلْقِ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لا يصعب عليه منه شَيْءٍ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ كَثِيرٌ وَلَا قَلِيلٌ، وَلَا كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ نَوْعًا آخَرَ مِنْ بَدِيعِ صُنْعِهِ، وَعَجِيبِ قُدْرَتِهِ فَقَالَ: وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ فالمراد بالبحران الْعَذْبُ وَالْمَالِحُ، فَالْعَذْبُ الْفُرَاتُ الْحُلْوُ، وَالْأُجَاجُ الْمُرُّ، وَالْمُرَادُ بِ سائِغٌ شَرابُهُ الَّذِي يَسْهُلُ انْحِدَارُهُ فِي الْحَلْقِ لِعُذُوبَتِهِ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ «سَيِّغٌ» بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَرُوِيَ تَسْكِينُهَا عَنْهُ، وَقَرَأَ طَلْحَةُ وَأَبُو نَهْيِكٍ «مَلْحٌ» بِفَتْحِ الْمِيمِ «وَمِنْ كُلٍّ» مِنْهُمَا تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَهُوَ مَا يُصَادُ مِنْهُمَا مِنْ حَيَوَانَاتِهِمَا الَّتِي تُؤْكَلُ وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها الظاهر أن المعنى: وتستخرجون منهما حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: إِنَّمَا تُسْتَخْرَجُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمَالِحِ، وَرُوِيَ عَنِ الزَّجَّاجِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا تُسْتَخْرَجُ الْحِلْيَةُ مِنْهُمَا إِذَا اخْتَلَطَا، لَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، وَرَجَّحَ النَّحَّاسُ قَوْلَ الْمُبَرِّدِ. وَمَعْنَى تَلْبَسُونَها تَلْبَسُونَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا بِحَسَبِهِ، كَالْخَاتَمِ فِي الْأُصْبُعِ، وَالسُّوَارِ فِي الذِّرَاعِ، وَالْقِلَادَةِ فِي الْعُنُقِ، وَالْخَلْخَالِ فِي الرِّجْلِ، وَمِمَّا يُلْبَسُ حِلْيَةُ السِّلَاحِ الَّذِي يُحْمَلُ كَالسَّيْفِ وَالدِّرْعِ وَنَحْوِهِمَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ أَيْ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: الضَّمِيرُ يَعُودُ إِلَى الْمَاءِ الْمَالِحِ خَاصَّةً، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ: فِيهِمَا مَواخِرَ يُقَالُ مَخَرَتِ السَّفِينَةُ تَمْخُرُ: إِذَا شَقَّتِ الْمَاءَ. فَالْمَعْنَى: وَتَرَى السُّفُنَ فِي الْبَحْرَيْنِ شَوَاقَّ لِلْمَاءِ بَعْضُهَا مُقْبِلَةٌ، وَبَعْضُهَا مُدْبِرَةٌ بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي سُورَةِ النَّحْلِ، وَاللَّامُ فِي لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ، أَيْ: فَعَلَ ذَلِكَ لِتَبْتَغُوا أَوْ بِمَوَاخِرَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: ابْتِغَاءُ الْفَضْلِ هُوَ التِّجَارَةُ فِي الْبَحْرِ إِلَى الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ ضَرْبُ الْمَثَلِ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، فَكَمَا لَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ كَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَلَا الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ أَيْ: يُضِيفُ بَعْضَ أَجْزَائِهِمَا إِلَى بَعْضٍ، فَيَزِيدُ فِي أَحَدِهِمَا بِالنَّقْصِ فِي الْآخَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي آلِ عِمْرَانَ، وَفِي مَوَاضِعَ مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى قَدَّرَهُ اللَّهُ لِجَرَيَانِهِمَا، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: هُوَ الْمُدَّةُ الَّتِي يَقْطَعَانِ فِي مِثْلِهَا الْفَلَكَ، وَهُوَ سَنَةٌ:
لِلشَّمْسِ، وَشَهْرٌ: لِلْقَمَرِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ جَرْيُ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ، وَالْقَمَرِ فِي اللَّيْلَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ لُقْمَانَ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكُمُ إِلَى الْفَاعِلِ لِهَذِهِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، واسم
(٢). الرعد: ٣٩.
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ أَيْ: لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى خَلْقِهِ، وَالْقِطْمِيرُ:
الْقِشْرَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ التَّمْرَةِ وَالنَّوَاةِ، وَتَصِيرُ عَلَى النَّوَاةِ كَاللِّفَافَةِ لَهَا. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ شِقُّ النَّوَاةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الْقِمْعُ الَّذِي عَلَى رَأْسِ النَّوَاةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ هِيَ النُّكْتَةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ تَنْبُتُ مِنْهَا النَّخْلَةُ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ بِأَنَّهُمْ لَا يَنْفَعُونَ وَلَا يَضُرُّونَ فَقَالَ: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ أَيْ إِنْ تَسْتَغِيثُوا بِهِمْ فِي النَّوَائِبِ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ، لِكَوْنِهَا جَمَادَاتٍ لَا تُدْرِكُ شَيْئًا مِنَ الْمُدْرَكَاتِ وَلَوْ سَمِعُوا عَلَى طَرِيقَةِ الْفَرْضِ، وَالتَّقْدِيرِ مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ لِعَجْزِهِمْ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ قَتَادَةُ: الْمَعْنَى وَلَوْ سَمِعُوا لَمْ يَنْفَعُوكُمْ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: لَوْ جَعَلْنَا لَهُمْ سَمَاعًا وَحَيَاةً فَسَمِعُوا دُعَاءَكُمْ لَكَانُوا أَطْوَعَ لِلَّهِ مِنْكُمْ وَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِلَى مَا دَعَوْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ أي:
يتبرؤون من عبادتكم لهم، ويقولون: ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى مَنْ يَعْقِلُ مِمَّنْ عَبَدَهُمُ الْكُفَّارُ، وَهُمُ: الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَجْحَدُونَ أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلْتُمُوهُ حَقًّا، وَيُنْكِرُونَ أَنَّهُمْ أَمَرُوكُمْ بِعِبَادَتِهِمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ أَيْ: لَا يُخْبِرُكَ مِثْلُ مَنْ هُوَ خَبِيرٌ بِالْأَشْيَاءِ عَالِمٌ بِهَا، وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّهُ لَا أَحَدَ أَخْبَرُ بِخَلْقِهِ وَأَقْوَالِهِمْ، وَأَفْعَالِهِمْ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الْخَبِيرُ بِكُنْهِ الْأُمُورِ وَحَقَائِقِهَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَقُومُ مَلَكٌ بِالصُّورِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَيَنْفُخُ فِيهِ، فَلَا يبقى خلق لله في السموات وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مَنِيًّا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ، فَتَنْبُتُ أَجْسَامُهُمْ وَلُحُومُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَمَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ مِنَ الثَّرَى، ثُمَّ قرأ عبد الله اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالطَّيَالِسِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؟ قَالَ: «أَمَا مَرَرْتَ بِأَرْضٍ مُجْدِبَةٍ، ثُمَّ مررت بها مخضبة تَهْتَزُّ خَضْرَاءَ؟
قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى، وَكَذَلِكَ النُّشُورُ». وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا حَدَّثْنَاكُمْ بِحَدِيثٍ أَتَيْنَاكُمْ بِتَصْدِيقِ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إِذَا قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَتَبَارَكَ اللَّهُ، قَبَضَ عَلَيْهِنَّ مَلَكٌ يَضُمُّهُنَّ تَحْتَ جَنَاحِهِ، ثُمَّ يَصْعَدُ بِهِنَّ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَا يَمُرُّ بِهِنَّ عَلَى جَمْعٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا اسْتَغْفَرَ لِقَائِلِهِنَّ حَتَّى يَجِيءَ بِهِنَّ وَجْهُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قَرَأَ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ قَالَ: أَدَاءُ الْفَرَائِضِ، فَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ فِي أَدَاءِ فَرَائِضِهِ حَمَلَ عَمَلُهُ ذِكْرَ اللَّهِ فَصَعِدَ بِهِ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يُؤَدِّ فَرَائِضَهُ رُدَّ كَلَامُهُ عَلَى عَمَلِهِ، وَكَانَ عَمَلُهُ أَوْلَى بِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ الْآيَةَ قَالَ: يَقُولُ لَيْسَ أَحَدٌ قَضَيْتُ لَهُ طُولَ الْعُمُرِ والحياة
﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ ﴾ أي إلى الله يصعد لا إلى غيره، ومعنى صعوده إليه : قبوله له، أو صعود الكتبة من الملائكة بما يكتبونه من الصحف، وخصّ الكلم الطيب بالذكر لبيان الثواب عليه، وهو يتناول كل كلام يتصف بكونه طيباً من ذكر لله، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وتلاوة وغير ذلك، فلا وجه لتخصيصه بكلمة التوحيد، أو بالتحميد والتمجيد.
وقيل : المراد بصعوده صعوده إلى سماء الدنيا. وقيل : المراد بصعوده علم الله به، ومعنى ﴿ والعمل الصالح يَرْفَعُهُ ﴾ أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، كما قال الحسن، وشهر بن حوشب، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، وأبو العالية، والضحاك، ووجهه : أنه لا يقبل الكلم الطيب إلاّ مع العمل الصالح. وقيل : إن فاعل ﴿ يرفعه ﴾ هو ﴿ الكلم الطيب ﴾، ومفعوله ﴿ العمل الصالح ﴾، ووجهه : أن العمل الصالح لا يقبل إلاّ مع التوحيد والإيمان. وقيل : إن فاعل ﴿ يرفعه ﴾ ضمير يعود إلى الله عزّ وجلّ. والمعنى : أن الله يرفع العمل الصالح على الكلم الطيب، لأن العمل يحقق الكلام. وقيل : والعمل الصالح يرفع صاحبه، وهو الذي أراد العزّة. وقال قتادة : المعنى أن الله يرفع العمل الصالح لصاحبه، أي يقبله، فيكون قوله :﴿ والعمل الصالح ﴾ على هذا مبتدأ خبره يرفعه، وكذا على قول من قال يرفع صاحبه. قرأ الجمهور ﴿ يصعد ﴾ من صعد الثلاثي. و﴿ الكلم الطيب ﴾ بالرفع على الفاعلية. وقرأ علي، وابن مسعود :( يصعد ) بضم حرف المضارعة من أصعد، و ( الكلم الطيب ) بالنصب على المفعولية، وقرأ الضحاك على البناء للمفعول، وقرأ الجمهور ﴿ الكلم ﴾، وقرأ أبو عبد الرحمن ( الكلام )، وقرأ الجمهور ﴿ والعمل الصالح ﴾ بالرفع على العطف أوعلى الابتداء. وقرأ ابن أبي عبلة، وعيسى بن عمر بالنصب على الاشتغال. ﴿ والذين يَمْكُرُونَ السيئات لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ انتصاب ﴿ السيئات ﴾ على أنها صفة لمصدر محذوف : أي يمكرون المكرات السيئات، وذلك لأن «مكر » لازم، ويجوز أن يضمن يمكرون معنى : يكسبون، فتكون السيئات مفعولاً به. قال مجاهد وقتادة : هم أهل الرياء. وقال أبو العالية : هم الذين مكروا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم لما اجتمعوا في دار الندوة. وقال الكلبي : هم الذين يعملون السيئات في الدنيا. وقال مقاتل : هم المشركون، ومعنى ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ لهم عذاب بالغ الغاية في الشدّة ﴿ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴾ أي يبطل ويهلك ومنه ﴿ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً ﴾ [ الفتح : ١٢ ]. والمكر في الأصل : الخديعة والاحتيال، والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾ إلى الذين مكروا السيئات على اختلاف الأقوال في تفسير مكرهم، وجملة :﴿ هو يَبُورُ ﴾ خبر مكر أولئك.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ ﴾ الآية قال : يقول ليس أحد قضيت له طول العمر، والحياة إلاّ وهو بالغ ما قدّرت له من العمر وقد قضيت له ذلك، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي كتب له، فذلك قوله :﴿ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ في كتاب ﴾ يقول : كل ذلك في كتاب عنده. وأخرج أحمد، ومسلم، وأبو عوانة، وابن حبان، والطبراني، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقرّ في الرحم بأربعين، أو بخمسة وأربعين ليلة، فيقول : أيّ ربّ أشقي أم سعيد ؟ أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله ويكتبان، ثم يكتب عمله، ورزقه، وأجله، وأثره، ومصيبته، ثم تطوى الصحيفة، فلا يزاد فيها، ولا ينقص». وأخرج ابن أبي شيبة، ومسلم، والنسائي، وأبو الشيخ عن عبد الله بن مسعود قال : قالت أمّ حبيبة : اللهمّ أمتعني بزوجي النبيّ، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :«إنك سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، ولن يعجل الله شيئاً قبل حله، أو يؤخر شيئاً، ولو كنت سألت الله : أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر كان خيراً وأفضل» وهذه الأحاديث مخصصة بما ورد من قبول الدعاء، وأنه يعتلج هو والقضاء، وبما ورد في صلة الرحم أنها تزيد في العمر، فلا معارضة بين الأدلة كما قدّمنا. وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴾ قال : القطمير القشر، وفي لفظ : الجلد الذي يكون على ظهر النواة.
قال الفرّاء : يريد آخر غير الأوّل، فكنى عنه بالضمير كأنه الأوّل : لأن لفظ الثاني لو ظهر كان كالأوّل كأنه قال : ولا ينقص من عمر معمر، فالكناية في عمره ترجع إلى آخر غير الأوّل، ومثله قولك : عندي درهم ونصفه، أي نصف آخر. قيل : إنما سمي معمراً باعتبار مصيره إليه. والمعنى : وما يمدّ في عمر أحد، ولا ينقص من عمر أحد، لكن لا على معنى : لا ينقص من عمره بعد كونه زائداً، بل على معنى : أنه لا يجعل من الابتداء ناقصاً إلاّ وهو في كتاب. قال سعيد بن جبير : وما يعمر من معمر إلاّ كتب عمره : كم هو سنة، كم هو شهراً، كم هو يوماً، كم هو ساعة، ثم يكتب في كتاب آخر نقص من عمره ساعة، نقص من عمره يوم، نقص من عمره شهر، نقص من عمره سنة حتى يستوفي أجله، فما مضى من أجله، فهو النقصان، وما يستقبل، فهو الذي يعمره. وقال قتادة : المعمر من بلغ ستين سنة، والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة. وقيل المعنى : إن الله كتب عمر الإنسان كذا إن أطاع، ودونه إن عصى، فأيهما بلغ، فهو في كتاب، والضمير على هذا يرجع إلى معمر. وقيل المعنى : وما يعمر من معمر إلى الهرم، ولا ينقص آخر من عمر الهرم إلاّ في كتاب، أي بقضاء الله قاله الضحاك، واختاره النحاس. قال : وهو أشبهها بظاهر التنزيل، والأولى أن يقال : ظاهر النظم القرآني أن تطويل العمر وتقصيره : هما بقضاء الله وقدره لأسباب تقتضي التطويل، وأسباب تقتضي التقصير.
فمن أسباب التطويل : ما ورد في صلة الرّحم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك. ومن أسباب التقصير الاستكثار من معاصي الله عزّ وجلّ، فإذا كان العمر المضروب للرجل مثلاً سبعين سنة، فقد يزيد الله له عليها إذا فعل أسباب الزيادة، وقد ينقصه منها إذا فعل أسباب النقصان، والكلّ في كتاب مبين، فلا تخالف بين هذه الآية، وبين قوله سبحانه :﴿ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [ الأعراف : ٣٤ ]، ويؤيد هذا قوله سبحانه :﴿ يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب ﴾ [ الرعد : ٣٩ ]، وقد قدّمنا في تفسيرها ما يزيد ما ذكرنا هنا وضوحاً وبياناً. قرأ الجمهور ﴿ ينقص ﴾ مبنياً للمفعول. وقرأ يعقوب، وسلام، وروي عن أبي عمرو ( ينقص ) مبنياً للفاعل. وقرأ الجمهور ﴿ من عمره ﴾ بضمّ الميم. وقرأ الحسن والأعرج والزهري بسكونها، والإشارة بقوله :﴿ إِنَّ ذلك ﴾ إلى ما سبق من الخلق وما بعده ﴿ عَلَى الله يَسِيرٌ ﴾ لا يصعب عليه منه شيء، ولا يعزب عنه كثير ولا قليل، ولا كبير ولا صغير.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ ﴾ الآية قال : يقول ليس أحد قضيت له طول العمر، والحياة إلاّ وهو بالغ ما قدّرت له من العمر وقد قضيت له ذلك، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي كتب له، فذلك قوله :﴿ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ في كتاب ﴾ يقول : كل ذلك في كتاب عنده. وأخرج أحمد، ومسلم، وأبو عوانة، وابن حبان، والطبراني، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقرّ في الرحم بأربعين، أو بخمسة وأربعين ليلة، فيقول : أيّ ربّ أشقي أم سعيد ؟ أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله ويكتبان، ثم يكتب عمله، ورزقه، وأجله، وأثره، ومصيبته، ثم تطوى الصحيفة، فلا يزاد فيها، ولا ينقص». وأخرج ابن أبي شيبة، ومسلم، والنسائي، وأبو الشيخ عن عبد الله بن مسعود قال : قالت أمّ حبيبة : اللهمّ أمتعني بزوجي النبيّ، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :«إنك سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، ولن يعجل الله شيئاً قبل حله، أو يؤخر شيئاً، ولو كنت سألت الله : أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر كان خيراً وأفضل» وهذه الأحاديث مخصصة بما ورد من قبول الدعاء، وأنه يعتلج هو والقضاء، وبما ورد في صلة الرحم أنها تزيد في العمر، فلا معارضة بين الأدلة كما قدّمنا. وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴾ قال : القطمير القشر، وفي لفظ : الجلد الذي يكون على ظهر النواة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ ﴾ الآية قال : يقول ليس أحد قضيت له طول العمر، والحياة إلاّ وهو بالغ ما قدّرت له من العمر وقد قضيت له ذلك، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي كتب له، فذلك قوله :﴿ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ في كتاب ﴾ يقول : كل ذلك في كتاب عنده. وأخرج أحمد، ومسلم، وأبو عوانة، وابن حبان، والطبراني، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقرّ في الرحم بأربعين، أو بخمسة وأربعين ليلة، فيقول : أيّ ربّ أشقي أم سعيد ؟ أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله ويكتبان، ثم يكتب عمله، ورزقه، وأجله، وأثره، ومصيبته، ثم تطوى الصحيفة، فلا يزاد فيها، ولا ينقص». وأخرج ابن أبي شيبة، ومسلم، والنسائي، وأبو الشيخ عن عبد الله بن مسعود قال : قالت أمّ حبيبة : اللهمّ أمتعني بزوجي النبيّ، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :«إنك سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، ولن يعجل الله شيئاً قبل حله، أو يؤخر شيئاً، ولو كنت سألت الله : أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر كان خيراً وأفضل» وهذه الأحاديث مخصصة بما ورد من قبول الدعاء، وأنه يعتلج هو والقضاء، وبما ورد في صلة الرحم أنها تزيد في العمر، فلا معارضة بين الأدلة كما قدّمنا. وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴾ قال : القطمير القشر، وفي لفظ : الجلد الذي يكون على ظهر النواة.
وقال المبرّد : هو شقّ النواة. وقال قتادة : هو القمع الذي على رأس النواة. قال الجوهري : ويقال هي النكتة البيضاء التي في ظهر النواة تنبت منها النخلة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ ﴾ الآية قال : يقول ليس أحد قضيت له طول العمر، والحياة إلاّ وهو بالغ ما قدّرت له من العمر وقد قضيت له ذلك، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي كتب له، فذلك قوله :﴿ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ في كتاب ﴾ يقول : كل ذلك في كتاب عنده. وأخرج أحمد، ومسلم، وأبو عوانة، وابن حبان، والطبراني، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقرّ في الرحم بأربعين، أو بخمسة وأربعين ليلة، فيقول : أيّ ربّ أشقي أم سعيد ؟ أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله ويكتبان، ثم يكتب عمله، ورزقه، وأجله، وأثره، ومصيبته، ثم تطوى الصحيفة، فلا يزاد فيها، ولا ينقص». وأخرج ابن أبي شيبة، ومسلم، والنسائي، وأبو الشيخ عن عبد الله بن مسعود قال : قالت أمّ حبيبة : اللهمّ أمتعني بزوجي النبيّ، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :«إنك سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، ولن يعجل الله شيئاً قبل حله، أو يؤخر شيئاً، ولو كنت سألت الله : أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر كان خيراً وأفضل» وهذه الأحاديث مخصصة بما ورد من قبول الدعاء، وأنه يعتلج هو والقضاء، وبما ورد في صلة الرحم أنها تزيد في العمر، فلا معارضة بين الأدلة كما قدّمنا. وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴾ قال : القطمير القشر، وفي لفظ : الجلد الذي يكون على ظهر النواة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ ﴾ الآية قال : يقول ليس أحد قضيت له طول العمر، والحياة إلاّ وهو بالغ ما قدّرت له من العمر وقد قضيت له ذلك، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي كتب له، فذلك قوله :﴿ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ في كتاب ﴾ يقول : كل ذلك في كتاب عنده. وأخرج أحمد، ومسلم، وأبو عوانة، وابن حبان، والطبراني، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقرّ في الرحم بأربعين، أو بخمسة وأربعين ليلة، فيقول : أيّ ربّ أشقي أم سعيد ؟ أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله ويكتبان، ثم يكتب عمله، ورزقه، وأجله، وأثره، ومصيبته، ثم تطوى الصحيفة، فلا يزاد فيها، ولا ينقص». وأخرج ابن أبي شيبة، ومسلم، والنسائي، وأبو الشيخ عن عبد الله بن مسعود قال : قالت أمّ حبيبة : اللهمّ أمتعني بزوجي النبيّ، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :«إنك سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، ولن يعجل الله شيئاً قبل حله، أو يؤخر شيئاً، ولو كنت سألت الله : أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر كان خيراً وأفضل» وهذه الأحاديث مخصصة بما ورد من قبول الدعاء، وأنه يعتلج هو والقضاء، وبما ورد في صلة الرحم أنها تزيد في العمر، فلا معارضة بين الأدلة كما قدّمنا. وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴾ قال : القطمير القشر، وفي لفظ : الجلد الذي يكون على ظهر النواة.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «يدخل الملك على النطفة بعد ما تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ أَوْ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقُولُ اللَّهُ وَيُكْتَبَانِ، ثُمَّ يَكْتُبُ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَأَثَرَهُ وَمُصِيبَتَهُ، ثُمَّ تُطْوَى الصَّحِيفَةُ فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي النَّبِيِّ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: «إِنَّكِ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، وَلَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ» وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُخَصَّصَةٌ بِمَا وَرَدَ مِنْ قَبُولِ الدُّعَاءِ، وَأَنَّهُ يَعْتَلِجُ هُوَ وَالْقَضَاءُ، وَبِمَا وَرَدَ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ أَنَّهَا تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ، فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ كَمَا قَدَّمْنَا. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ قَالَ: الْقِطْمِيرُ الْقِشْرُ، وَفِي لَفْظٍ: الجلد الذي يكون على ظهر النواة.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ١٥ الى ٢٦]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (١٨) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩)
وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦)
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ افْتِقَارَ خَلْقِهِ إِلَيْهِ، ومزيد حاجتهم إلى فضله، فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ أَيِ: الْمُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِ الدِّينِ والدنيا، فهم الفقراء إليه على الإطلاق وهُوَ الْغَنِيُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ الْحَمِيدُ أَيِ: الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَمْدِ مِنْ عِبَادِهِ بِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ نَوْعًا مِنَ الْأَنْوَاعِ الَّتِي يَتَحَقَّقُ عِنْدَهَا افْتِقَارُهُمْ إِلَيْهِ، وَاسْتِغْنَاؤُهُ عَنْهُمْ فَقَالَ: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ أَيْ:
إِنْ يَشَأْ يُفْنِكُمْ وَيَأْتِ بَدَلَكُمْ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ يُطِيعُونَهُ وَلَا يَعْصُونَهُ، أَوْ يَأْتِ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَلْقِ، وَعَالَمٍ مِنَ الْعَالَمِ غَيْرِ مَا تَعْرِفُونَ وَما ذلِكَ الإذهاب لَكُمْ وَالْإِتْيَانُ بِآخَرِينَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ أَيْ: بِمُمْتَنِعٍ وَلَا مُتَعَسِّرٍ، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذَا فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أَيْ: نَفْسٌ وَازِرَةٌ فَحَذَفَ
وَهَذَا يَقَعُ لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ. قال الأخفش: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِنْسَانًا إِلَى حِمْلِهَا، وَهُوَ ذُنُوبُهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ أَيْ: مِنْ حِمْلِهَا شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى أَيْ: وَلَوْ كَانَ الَّذِي تَدْعُوهُ ذَا قَرَابَةً لَهَا، لَمْ يَحْمِلْ مِنْ حِمْلِهَا شَيْئًا: وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَإِنْ تَدْعُ نَفْسٌ مُثْقَلَةٌ بِالذُّنُوبِ نَفْسًا أُخْرَى إِلَى حِمْلِ شَيْءٍ مِنْ ذُنُوبِهَا مَعَهَا لَمْ تَحْمِلْ تِلْكَ الْمَدْعُوَّةُ مِنْ تِلْكَ الذُّنُوبِ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً لَهَا فِي النَّسَبِ، فَكَيْفَ بِغَيْرِهَا مِمَّا لَا قَرَابَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّاعِيَةِ لَهَا؟ وَقُرِئَ «ذُو قُرْبَى» عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ، كقوله: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ «٢» وَجُمْلَةُ إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيَانِ مَنْ يَتَّعِظُ بِالْإِنْذَارِ، وَمَعْنَى يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ أنه يَخْشَوْنَهُ حَالَ كَوْنِهِمْ غَائِبِينَ عَنْ عَذَابِهِ أَوْ يَخْشَوْنَ عَذَابَهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُمْ، أَوْ يَخْشَوْنَهُ فِي الْخَلَوَاتِ عَنِ النَّاسِ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: تَأْوِيلُهُ أَنَّ إِنْذَارَكَ إِنَّمَا يَنْفَعُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، فَكَأَنَّكَ تُنْذِرُهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يَنْفَعُهُمُ الْإِنْذَارُ، كَقَوْلِهِ: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها «٣» وَقَوْلِهِ: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ «٤» وَمَعْنَى: وَأَقامُوا الصَّلاةَ أَنَّهُمُ احْتَفَلُوا بِأَمْرِهَا، وَلَمْ يَشْتَغِلُوا عَنْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا يُلْهِيهِمْ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ التَّزَكِّي: التَّطَهُّرُ مِنْ أَدْنَاسِ الشِّرْكِ وَالْفَوَاحِشِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ تَطَهَّرَ بِتَرْكِ الْمَعَاصِي وَاسْتَكْثَرَ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَإِنَّمَا يَتَطَهَّرُ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِهِ، كَمَا أَنَّ وِزْرَ مَنْ تَدَنَّسَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَيْهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «وَمَنْ تزكّى فإنّما يتزكّى» وقرأ أبو عمرو «فإنّما يَزَّكَّى» بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الزَّايِ وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَطَلْحَةُ «وَمَنِ ازَّكَّى فَإِنَّمَا يَزَّكَّى» وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ لَا إِلَى غَيْرِهِ، ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ ذَنْبَ أَحَدٍ، ثُمَّ ذَكَرَ ثَانِيًا أَنَّ الْمُذْنِبَ إِنْ دَعَا غَيْرَهُ وَلَوْ كَانَ مِنْ قَرَابَتِهِ إِلَى حَمْلِ شَيْءٍ مِنْ ذُنُوبِهِ لَا يَحْمِلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ ثَالِثًا أَنَّ ثَوَابَ الطَّاعَةِ مُخْتَصٌّ بِفَاعِلِهَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنْهُ شَيْءٌ. ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَقَالَ: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى أَيِ: الْمَسْلُوبُ حَاسَّةَ الْبَصَرِ وَالْبَصِيرُ الَّذِي لَهُ مَلَكَةُ الْبَصَرِ، فَشَبَّهَ الْكَافِرَ بِالْأَعْمَى، وَشَبَّهَ الْمُؤْمِنَ بِالْبَصِيرِ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ أَيْ: وَلَا تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ، فَشَبَّهَ الْبَاطِلَ بِالظُّلُمَاتِ، وَشَبَّهَ الْحَقَّ بِالنُّورِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَلَا فِي قَوْلِهِ: «وَلَا النُّورُ، وَلَا الْحَرُورُ» زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا يَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ، وَلَا الظِّلُّ وَالْحَرُورُ، وَالْحَرُورُ: شِدَّةُ حَرِّ الشَّمْسِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَالْحَرُورُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ شَمْسِ النَّهَارِ، وَالسَّمُومِ يَكُونُ بِاللَّيْلِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ. وَقَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ: الْحَرُورُ يَكُونُ بِاللَّيْلِ خَاصَّةً، وَالسَّمُومُ يَكُونُ بِالنَّهَارِ خَاصَّةً. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: السَّمُومُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالنَّهَارِ، وَالْحَرُورُ يَكُونُ فِيهِمَا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا أَصَحُّ. وقال قطرب: الحرور الحرّ، والظلّ البرد،
(٢). البقرة: ٢٨٠.
(٣). النازعات: ٤٥.
(٤). يس: ١١.
الْجَنَّةَ، وَبِالْحَرُورِ: النَّارَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَعْنِي ظِلَّ اللَّيْلِ، وَشَمْسَ النَّهَارِ. قِيلَ: وَإِنَّمَا جَمَعَ الظُّلُمَاتِ، وَأَفْرَدَ النُّورَ، لِتَعَدُّدِ فُنُونِ الْبَاطِلِ، وَاتِّحَادِ الْحَقِّ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ تَمْثِيلًا آخَرَ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَقَالَ: وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ فَشَبَّهَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَحْيَاءِ، وَشَبَّهَ الْكَافِرِينَ بِالْأَمْوَاتِ، وَقِيلَ: أَرَادَ تَمْثِيلَ الْعُلَمَاءِ وَالْجَهَلَةِ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْأَحْيَاءُ: الْعُقَلَاءُ، وَالْأَمْوَاتُ: الْجُهَّالُ. قَالَ قَتَادَةُ: هَذِهِ كُلُّهَا أَمْثَالٌ: أَيْ كَمَا لَا تَسْتَوِي هَذِهِ الْأَشْيَاءُ كَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْكَافِرُ وَالْمُؤْمِنُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ أَنْ يُسْمِعَهُ مِنْ أوليائه الذين خَلَقَهُمْ لِجَنَّتِهِ وَوَفَّقَهُمْ لِطَاعَتِهِ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ يَعْنِي: الْكُفَّارَ الَّذِينَ أَمَاتَ الْكُفْرُ قُلُوبَهُمْ، أَيْ: كَمَا لَا تُسْمِعُ مَنْ مَاتَ كَذَلِكَ لَا تُسْمِعُ مَنْ مَاتَ قَلْبُهُ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِتَنْوِينِ «مُسْمِعٍ» وَقَطْعِهِ عَنِ الْإِضَافَةِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَعِيسَى الثَّقَفِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ بإضافة إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ أَيْ: مَا أَنْتَ إلا رسول منذر ليس عليه إِلَّا الْإِنْذَارُ وَالتَّبْلِيغُ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالَةُ بِيَدِ اللَّهِ عزّ وجلّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ يجوز أَنْ يَكُونَ بِالْحَقِّ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْفَاعِلِ، أَيْ: مُحِقِّينَ، أَوْ مِنَ المفعول، أي: محقا، أو:
نعت لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: إِرْسَالًا مُلْتَبِسًا بِالْحَقِّ، أَوْ هو متعلق ببشيرا، أَيْ: بَشِيرًا بِالْوَعْدِ الْحَقِّ، وَنَذِيرًا بِالْوَعْدِ الْحَقِّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلْمَصْدَرِ الْمَحْذُوفِ، وَيَكُونَ مَعْنَى بَشِيرًا: بَشِيرًا لِأَهْلِ الطَّاعَةِ، وَنَذِيرًا لِأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ أَيْ: مَا مِنْ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ إِلَّا مَضَى فِيهَا نَذِيرٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُنْذِرُهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ النَّذِيرِ دُونَ الْبَشِيرِ، لِأَنَّهُ أَلْصَقُ بِالْمَقَامِ، ثُمَّ سَلَّى نَبِيَّهُ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ وَعَزَّاهُ، فَقَالَ:
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَيْ: كَذَّبَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ أَنْبِيَاءَهُمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أَيْ: بِالْمُعْجِزَاتِ الْوَاضِحَةِ، وَالدَّلَالَاتِ الظَّاهِرَةِ وَبِالزُّبُرِ أَيِ: الْكُتُبِ الْمَكْتُوبَةِ كَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، قِيلَ: الْكِتَابُ الْمُنِيرُ دَاخِلٌ تَحْتَ الزُّبُرِ وتحت البينات، والعطف لتغاير المفهومات، وإن كنت مُتَّحِدَةً فِي الصِّدْقِ، وَالْأَوْلَى تَخْصِيصُ الْبَيِّنَاتِ بِالْمُعْجِزَاتِ، وَالزُّبُرِ بِالْكُتُبِ الَّتِي فِيهَا مَوَاعِظُ، وَالْكِتَابُ بِمَا فِيهِ شَرَائِعُ وَأَحْكَامٌ، ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَضْعُ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ يُفِيدُ التَّصْرِيحَ بِذَمِّهِمْ بِمَا فِي حَيِّزِ الصِّلَةِ، وَيُشْعِرُ بِعِلَّةِ الْأَخْذِ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أَيْ: فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِي عَلَيْهِمْ وَعُقُوبَتِي لَهُمْ، وَقَرَأَ وَرْشٌ عَنْ نَافِعٍ، وشيبة بإثبات الياء في «نكير» وصلا لا وَقْفًا، وَقَدْ مَضَى بَيَانُ مَعْنَى هَذَا قَرِيبًا.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ «أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، لَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ» وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي رَمْثَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَالَ لِأَبِي: ابْنُكَ هَذَا؟ قَالَ: أَيْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: أَمَا أَنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى
وجملة ﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب ﴾ مستأنفة مسوقة لبيان من يتعظ بالإنذار، ومعنى ﴿ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب ﴾ أنه يخشونه حال كونهم غائبين عن عذابه، أو يخشون عذابه، وهو غائب عنهم، أو يخشونه في الخلوات عن الناس. قال الزجاج : تأويله أن إنذارك إنما ينفع الذين يخشون ربهم، فكأنك تنذرهم دون غيرهم ممن لا ينفعهم الإنذار، كقوله :﴿ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها ﴾ [ النازعات : ٤٥ ] وقوله :﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر وَخشِىَ الرحمن بالغيب ﴾ [ يس : ١١ ]. ومعنى ﴿ وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ : أنهم احتفلوا بأمرها، ولم يشتغلوا عنها بشيء مما يلهيهم.
﴿ وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ ﴾ التزكي : التطهر من أدناس الشرك والفواحش، والمعنى : أن من تطهر بترك المعاصي، واستكثر من العمل الصالح، فإنما يتطهر لنفسه، لأن نفع ذلك مختصّ به كما أن وزر من تدنس لا يكون إلاّ عليه لا على غيره. قرأ الجمهور ﴿ ومن تزكى فإنما يتزكى ﴾ وقرأ أبو عمرو :" فإنما يزكى " بإدغام التاء في الزاي، وقرأ ابن مسعود، وطلحة :" ومن أزكى فإنما يزكى ". ﴿ وإلى الله المصير ﴾ لا إلى غيره، ذكر سبحانه أوّلاً : أنه لا يحمل أحد ذنب أحد، ثم ذكر ثانياً : أن المذنب إن دعا غيره، ولو كان من قرابته إلى حمل شيء من ذنوبه لا يحمله، ثم ذكر ثالثاً : أن ثواب الطاعة مختصّ بفاعلها ليس لغيره منه شيء.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٢٧ الى ٣٥]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١)
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥)
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ قُدْرَتِهِ الْبَاهِرَةِ، وَخَلْقًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ الْبَدِيعَةِ فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ وَالْخِطَابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً وَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ هِيَ الْقَلْبِيَّةُ: أَيْ أَلَمْ تَعْلَمْ، وَأَنَّ وَاسْمُهَا وَخَبَرُهَا سَدَّتْ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ فَأَخْرَجْنا بِهِ أَيْ: بِالْمَاءِ، وَالنُّكْتَةُ فِي هَذَا الِالْتِفَاتِ إِظْهَارُ كَمَالِ الْعِنَايَةِ بِالْفِعْلِ لِمَا فِيهِ مِنَ الصُّنْعِ الْبَدِيعِ، وَانْتِصَابُ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها عَلَى الْوَصْفِ لِثَمَرَاتٍ، وَالْمُرَادُ بِالْأَلْوَانِ: الْأَجْنَاسُ وَالْأَصْنَافُ، أَيْ: بَعْضُهَا أَبْيَضُ، وَبَعْضُهَا أَحْمَرُ، وَبَعْضُهَا أَصْفَرُ، وَبَعْضُهَا أَخْضَرُ، وَبَعْضُهَا أَسْوَدُ وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ الْجُدَدُ جُمَعُ جُدَّةٍ، وَهِيَ الطَّرِيقُ. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَلَوْ كَانَ جَمْعَ جَدِيدٍ لَقَالَ جُدُدٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالدَّالِ، نَحْوَ سَرِيرٍ وَسُرُرٍ. قَالَ زُهَيْرٌ:
كَأَنَّهُ أَسْفَعُ الْخَدَّيْنِ ذُو جدد | طاو ويرتع بعد الصّيف عريانا |
الْخِطَّةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ الْحِمَارِ تُخَالِفُ لَوْنَهُ، وَالْجُدَّةُ: الطَّرِيقَةُ، وَالْجَمْعُ: جُدَدٌ وَجَدَائِدُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
جَوْنُ السَّرَاةِ لَهُ جَدَائِدُ أَرْبَعُ «١»
قَالَ الْمُبَرِّدُ: جُدُدٌ: طَرَائِقُ وَخُطُوطٌ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَنَحْوَ هَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ الْجُدُدِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ الطُّرُقُ تَكُونُ فِي الْجِبَالِ كَالْعُرُوقِ بِيضٌ وَسُودٌ وَحُمْرٌ وَاحِدُهَا جدة. والمعنى: أن الله سبحانه أخبر
فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وتقديره: وَسُودٌ غَرَابِيبُ، لِأَنَّهُ يُقَالُ أَسْوَدُ غِرْبِيبٌ، وَقَلَّ مَا يُقَالُ غِرْبِيبُ أَسْوَدُ، وَقَوْلُهُ:
مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها صفة لجدد، وَقَوْلُهُ: وَغَرابِيبُ مَعْطُوفٌ عَلَى جُدَدٌ عَلَى مَعْنَى: وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ، وَمِنَ الْجِبَالِ غَرَابِيبُ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ السَّوَادُ، أَوْ عَلَى حُمْرٌ، عَلَى مَعْنَى: وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ وَسُودٌ. وَقِيلَ: مَعْطُوفٌ عَلَى بِيضٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ قَبْلَ جُدَدٌ، أَيْ: وَمِنَ الْجِبَالِ ذُو جُدَدٍ، لِأَنَّ الجدد إنما هي أَلْوَانِ بَعْضِهَا وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ قَوْلُهُ مُخْتَلِفٌ: صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: وَمِنْهُمْ صِنْفٌ، أَوْ نَوْعٌ أَوْ بَعْضٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ بِالْحُمْرَةِ وَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالْخُضْرَةِ وَالصُّفْرَةِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ خَلْقٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَاخْتِلَافِ الثَّمَرَاتِ وَالْجِبَالِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ اخْتِلَافَ الْأَلْوَانِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، لِأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ وَبَدِيعِ صُنْعِهِ، وَمَعْنَى كَذلِكَ أَيْ: مُخْتَلِفًا مِثْلَ ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ اخْتِلَافًا كَائِنًا كَذَلِكَ، أَيْ: كَاخْتِلَافِ الْجِبَالِ وَالثِّمَارِ. وَقَرَأَ الزهري «والدواب» بتخفيف الباء. وقرأ ابن السميقع «أَلْوَانُهَا». وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: كَذلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ، أَيْ: مِثْلُ ذَلِكَ الْمَطَرُ وَالِاعْتِبَارُ فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ، وَاخْتِلَافُ أَلْوَانِهَا، يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ، وَهَذَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ مَا بَعْدَ إِنَّمَا لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا. وَالرَّاجِحُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَالْوَقْفُ عَلَى كَذَلِكَ تَامٌّ. ثُمَّ اسْتُؤْنِفَ الْكَلَامُ وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ:
إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ أَوْ هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِهِ: إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ عَلَى مَعْنَى إِنَّمَا يَخْشَاهُ سُبْحَانَهُ بِالْغَيْبِ الْعَالِمُونَ بِهِ، وَبِمَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ الْجَلِيلَةِ وَأَفْعَالِهِ الْجَمِيلَةِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ عَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَهْلَ خَشْيَتِهِ، وَهُمُ الْعُلَمَاءُ بِهِ وَتَعْظِيمِ قُدْرَتِهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ مَسْرُوقٌ: كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا وَكَفَى بِالِاغْتِرَارِ جَهْلًا، فَمَنْ كَانَ أَعْلَمَ بِاللَّهِ كَانَ أَخْشَاهُمْ لَهُ. قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: مَنْ لَمْ يَخْشَ اللَّهَ فَلَيْسَ بِعَالِمٍ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: الْعَالِمُ مَنْ خَافَ اللَّهَ. وَوَجْهُ تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ أَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ حَصْرِ الْفَاعِلِيَّةِ وَلَوْ أُخِّرَ انْعَكَسَ الْأَمْرُ. وَقَرَأَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِرَفْعِ الِاسْمِ الشَّرِيفِ وَنَصْبِ الْعُلَمَاءِ، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْكَشَّافِ: الْخَشْيَةُ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ اسْتِعَارَةٌ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُجِلُّهُمْ وَيُعَظِّمُهُمْ كَمَا يُجَلُّ الْمَهِيبُ الْمَخْشِيُّ مِنَ الرِّجَالِ بَيْنَ النَّاسِ، وَجُمْلَةُ: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ تعليل لوجوب الخشية لدلالته عَلَى أَنَّهُ مُعَاقِبٌ عَلَى مَعْصِيَتِهِ غَافِرٌ لِمَنْ تَابَ مِنْ عِبَادِهِ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ أَيْ: يَسْتَمِرُّونَ عَلَى تِلَاوَتِهِ وَيُدَاوِمُونَهَا. وَالْكِتَابُ: هُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، وَلَا وَجْهَ لِمَا قِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِنْسُ كُتُبِ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ أَيْ: فَعَلُوهَا فِي أَوْقَاتِهَا مَعَ كَمَالِ أَرْكَانِهَا وَأَذْكَارِهَا وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً
إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ تَعْلِيلٌ لِمَا ذَكَرَ مِنَ التَّوْفِيَةِ وَالزِّيَادَةِ، أَيْ: غَفُورٌ لِذُنُوبِهِمْ شَكُورٌ لِطَاعَتِهِمْ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ هِيَ خَبَرُ إِنَّ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ يَرْجُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَقِيلَ: اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ عَلَى أَنَّ مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ أَوِ ابْتِدَائِيَّةٌ، وَجُمْلَةُ: هُوَ الْحَقُّ خَبَرُ الْمَوْصُولِ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مُنْتَصِبٌ عَلَى الْحَالِ: أَيْ مُوَافِقًا لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الْكُتُبِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ أَيْ: مُحِيطٌ بِجَمِيعِ أُمُورِهِمْ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا المفعول الأوّل لأورثنا: الْمَوْصُولُ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي: الْكِتَابَ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِقَصْدِ التَّشْرِيفِ وَالتَّعْظِيمِ لِلْكِتَابِ، وَالْمَعْنَى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الَّذِينَ اصْطَفَيْنَاهُمْ مِنْ عِبَادِنَا الْكِتَابَ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، أَيْ قَضَيْنَا وَقَدَّرْنَا بِأَنْ نُوَرِّثَ الْعُلَمَاءَ مِنْ أُمَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكَ، وَمَعْنَى اصْطِفَائِهِمِ اخْتِيَارُهُمْ وَاسْتِخْلَاصُهُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عُلَمَاءَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَدْ شَرَّفَهُمُ اللَّهُ عَلَى سَائِرِ الْعِبَادِ، وَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِيَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، وَأَكْرَمَهُمْ بِكَوْنِهِمْ أُمَّةَ خَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي قُرْآنَ مُحَمَّدٍ جعلناه ينتهي إلى الذين اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا. وَقِيلَ إِنَّ الْمَعْنَى: أَوْرَثْنَاهُ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، أَيْ: أَخَّرْنَاهُ عَنْهُمْ وَأَعْطَيْنَاهُ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. ثُمَّ قَسَّمَ سُبْحَانَهُ هَؤُلَاءِ الَّذِي أَوْرَثَهُمْ كِتَابَهُ وَاصْطَفَاهُمْ مِنْ عِبَادِهِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ فَقَالَ: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قد استشكل كثيرا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ هَذَا الْقِسْمَ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمُقَسَّمِ، وَهُوَ مَنِ اصْطَفَاهُمْ مِنَ الْعِبَادِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَنِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ؟ فَقِيلَ: إِنَّ التَّقْسِيمَ هُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْعِبَادِ، أَيْ: فَمِنْ عِبَادِنَا ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ الْكَافِرُ، وَيَكُونُ ضَمِيرُ يَدْخُلُونَهَا عَائِدًا إِلَى الْمُقْتَصِدِ وَالسَّابِقِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالظَّالِمِ لِنَفْسِهِ هُوَ الْمُقَصِّرُ فِي العمل به، وهو المرجئ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ وَرَثَةِ الْكِتَابِ مُرَاعَاتُهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ، لِقَوْلِهِ: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ «٢» وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ ظُلْمَ النَّفْسِ لَا يُنَاسِبُ الِاصْطِفَاءَ. وَقِيلَ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ: هُوَ الَّذِي عَمِلَ الصَّغَائِرَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، لِأَنَّ عَمَلَ الصَّغَائِرِ لَا يُنَافِي الِاصْطِفَاءَ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ صَاحِبِهِ مَعَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أساور
(٢). الأعراف: ١٦٩.
وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَفْسِيرِ السَّابِقِ وَالْمُقْتَصِدِ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: إِنَّ الْمُقْتَصِدَ الْمُؤْمِنُ الْعَاصِي، وَالسَّابِقَ التَّقِيُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَبِهِ قَالَ الْفَرَّاءُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ السَّابِقُونَ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: إِنَّ الْمُقْتَصِدَ هُوَ الَّذِي يُعْطِي الدُّنْيَا حَقَّهَا وَالْآخِرَةَ حَقَّهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: الظَّالِمُ الَّذِي تَرْجَحُ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ، وَالْمُقْتَصِدُ: الَّذِي اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ، وَالسَّابِقُ: مَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ: أَصْحَابُ الْكَبَائِرِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ، وَالْمُقْتَصِدُ: الَّذِي لَمْ يُصِبْ كَبِيرَةً، وَالسَّابِقُ: الَّذِي سَبَقَ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. وَحَكَى النَّحَّاسُ أَنَّ الظَّالِمَ: صَاحِبُ الْكَبَائِرِ، وَالْمُقْتَصِدَ: الَّذِي لَمْ يَسْتَحِقَّ الْجَنَّةَ بِزِيَادَةِ حَسَنَاتِهِ عَلَى سَيِّئَاتِهِ، فَتَكُونُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها لِلَّذِينَ سَبَقُوا بِالْخَيْرَاتِ لَا غَيْرُ، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي حَقِيقَةِ النَّظَرِ لِمَا يَلِيهِ أَوْلَى. وَقَالَ الضَّحَّاكُ. فِيهِمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ: أَيْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ. وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: السَّابِقُ: الْعَالِمُ، وَالْمُقْتَصِدُ: الْمُتَعَلِّمُ، وَالظَّالِمُ لِنَفَسِهِ:
الْجَاهِلُ. وَقَالَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ: الظَّالِمُ لِنَفَسِهِ: الذَّاكِرُ لِلَّهِ بِلِسَانِهِ فقط، المقتصد: الذَّاكِرُ بِقَلْبِهِ، وَالسَّابِقُ:
الَّذِي لَا يَنْسَاهُ. وَقَالَ الْأَنْطَاكِيُّ: الظَّالِمُ: صَاحِبُ الْأَقْوَالِ، وَالْمُقْتَصِدُ: صَاحِبُ الْأَفْعَالِ، وَالسَّابِقُ:
صَاحِبُ الْأَحْوَالِ. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: الظَّالِمُ: الَّذِي يُحِبُّ اللَّهَ مِنْ أَجْلِ الدُّنْيَا، وَالْمُقْتَصِدُ: الَّذِي يُحِبُّ اللَّهَ مِنْ أَجْلِ الْعُقْبَى، وَالسَّابِقُ: الَّذِي أَسْقَطَ مُرَادَهُ بِمُرَادِ الْحَقِّ. وَقِيلَ: الظَّالِمُ الَّذِي يَعْبُدُ اللَّهَ خَوْفًا مِنَ النَّارِ، وَالْمُقْتَصِدُ: الَّذِي يَعْبُدُهُ طَمَعًا فِي الْجَنَّةِ، وَالسَّابِقُ: الَّذِي يَعْبُدُهُ لَا لِسَبَبٍ. وَقِيلَ: الظَّالِمُ الَّذِي يُحِبُّ نَفْسَهُ، وَالْمُقْتَصِدُ: الَّذِي يُحِبُّ دِينَهُ، وَالسَّابِقُ: الَّذِي يُحِبُّ رَبَّهُ. وَقِيلَ: الظَّالِمُ الَّذِي يَنْتَصِفُ وَلَا يُنْصِفُ، وَالْمُقْتَصِدُ: الَّذِي يَنْتَصِفُ وَيُنْصِفُ، وَالسَّابِقُ: الَّذِي يُنْصِفُ وَلَا يَنْتَصِفُ. وَقَدْ ذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُ أَقْوَالًا كَثِيرَةً، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعَانِيَ اللُّغَوِيَّةَ لِلظَّالِمِ وَالْمُقْتَصِدِ وَالسَّابِقِ مَعْرُوفَةٌ، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الظُّلْمِ لِلنَّفْسِ بِمُجَرَّدِ إِحْرَامِهَا لِلْحَظِّ، وَتَفْوِيتِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهَا، فَتَارِكُ الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ قَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بِاعْتِبَارِ مَا فَوَّتَهَا مِنَ الثَّوَابِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ تَارِكًا لِمَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ، فَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ مِمَّنِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ، وَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَا إِشْكَالَ فِي الْآيَةِ، وَمِنْ هذا قول آدم: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا «١» وقول يونس إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ «٢» وَمَعْنَى الْمُقْتَصِدِ هُوَ مَنْ يَتَوَسَّطُ فِي أَمْرِ الدِّينِ، وَلَا يَمِيلُ إِلَى جَانِبِ الْإِفْرَاطِ، وَلَا إِلَى جَانِبِ التَّفْرِيطِ وَهَذَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَمَّا السَّابِقُ: فَهُوَ الَّذِي سَبَقَ غَيْرَهُ فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَهُوَ خَيْرُ الثَّلَاثَةِ.
وَقَدِ اسْتُشْكِلَ تقديم الظالم على المقتصد، وتقديمها عَلَى السَّابِقِ، مَعَ كَوْنِ الْمُقْتَصِدِ أَفْضَلَ مِنَ الظَّالِمِ لِنَفْسِهِ، وَالسَّابِقِ أَفْضَلَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ: إِنَّ التَّقْدِيمَ لَا يَقْتَضِي التَّشْرِيفَ كَمَا فِي قَوْلِهِ: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ
(٢). الأنبياء: ٨٧.
يَدْخُلُونَها مُسْتَأْنَفَةً وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَدْخُلُونَهَا يَعُودُ إِلَى الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا وَجْهَ لِقَصْرِهِ عَلَى الصِّنْفِ الْأَخِيرِ، وَقَرَأَ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَالتِّرْمِذِيُّ «جَنَّةُ» بِالْإِفْرَادِ، وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ «جَنَّاتٍ» بِالنَّصْبِ عَلَى الِاشْتِغَالِ، وَجَوَّزَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ تَكُونَ جَنَّاتُ خَبَرًا ثَانِيًا لِاسْمِ الْإِشَارَةِ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو «يُدْخَلُونَهَا» عَلَى الْبِنَاءِ للمفعول، وقوله: يُحَلَّوْنَ خبر ثان لجنات عَدْنٍ، أَوْ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، وَهُوَ مِنْ حَلِيَتِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ حَالٍ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى سُرْعَةِ الدُّخُولِ، فَإِنَّ فِي تَحْلِيَتِهِمْ خَارِجَ الْجَنَّةِ تَأْخِيرًا لِلدُّخُولِ، فَلَمَّا قَالَ: يُحَلَّوْنَ فِيها أَشَارَ أَنَّ دُخُولَهُمْ عَلَى وَجْهِ السُّرْعَةِ مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ الْأُولَى تَبْعِيضِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ بَيَانِيَّةٌ، أَيْ: يُحَلَّوْنَ بَعْضَ أَسَاوِرَ كَائِنَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَالْأَسَاوِرُ جَمْعُ أَسْوِرَةٍ جَمْعِ سِوَارٍ، وَانْتِصَابُ لُؤْلُؤاً بِالْعَطْفِ عَلَى مَحَلِّ مِنْ أَساوِرَ وَقُرِئَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى ذَهَبٍ وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْآيَةِ مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ الْحَجِّ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ قَرَأَ الجمهور «الحزن» بفتحتين. وقرأ جناح ابن حُبَيْشٍ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ. قَالَ قَتَادَةُ: حَزَنُ الْمَوْتِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: حَزَنُ السَّيِّئَاتِ وَالذُّنُوبِ وَخَوْفُ رَدِّ الطَّاعَاتِ. وَقَالَ الْقَاسِمُ: حَزَنُ زَوَالِ النِّعَمِ وَخَوْفُ الْعَاقِبَةِ. وَقِيلَ حَزَنُ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَا كَانَ يُحْزِنُهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَمْرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هَمُّ الْخُبْزِ فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ هَمُّ الْمَعِيشَةِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كُلَّ الْأَحْزَانِ مَا كَانَ مِنْهَا لِمَعَاشٍ أَوْ مَعَادٍ. وَهَذَا أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّ الدُّنْيَا وَإِنْ بَلَغَ نَعِيمُهَا أَيَّ مَبْلَغٍ لَا تَخْلُو مِنْ شَوَائِبَ وَنَوَائِبَ تَكْثُرُ لِأَجْلِهَا الْأَحْزَانُ، وَخُصُوصًا أَهْلَ الْإِيمَانِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ وَجِلِينَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ خَائِفِينَ مِنْ عِقَابِهِ، مُضْطَرِبِي الْقُلُوبِ فِي كُلِّ حِينٍ، هَلْ تُقْبَلُ أَعْمَالُهُمْ أَوْ تُرَدُّ؟ حَذِرِينَ مِنْ عَاقِبَةِ السُّوءِ وَخَاتِمَةِ الشَّرِّ، ثُمَّ لَا تَزَالُ هُمُومُهُمْ وَأَحْزَانُهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ. وَأَمَّا أَهْلُ الْعِصْيَانِ: فَهُمْ وَإِنْ نُفِّسَ عَنْ خِنَاقِهِمْ قَلِيلًا فِي حَيَاةِ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ دَارُ الْغُرُورِ، وَتَنَاسَوْا دَارَ الْقَرَارِ يَوْمًا مِنْ دَهْرِهِمْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْتَدَّ وَجَلُهُمْ وَتَعْظُمَ مُصِيبَتُهُمْ، وَتَغْلِيَ مَرَاجِلُ أَحْزَانِهِمْ إِذَا شَارَفُوا الْمَوْتَ، وَقَرُبُوا مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، ثُمَّ إِذَا قُبِضَتْ أَرْوَاحُهُمْ، وَلَاحَ لَهُمْ مَا يسوءهم مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمُ ازْدَادُوا غَمًّا وَحُزْنًا، فَإِنْ تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْمَغْفِرَةِ، وَأَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ، فَقَدْ أَذْهَبَ عَنْهُمْ أَحْزَانَهُمْ وَأَزَالَ غُمُومَهُمْ وَهُمُومَهُمْ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ أَيْ: غَفُورٌ لِمَنْ عَصَاهُ، شكور لمن أطاعه
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها قَالَ الْأَبْيَضُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ، وَفِي قَوْلِهِ: وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ قَالَ: طَرَائِقُ بِيضٌ يَعْنِي الْأَلْوَانَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: الْغِرْبِيبُ الْأَسْوَدُ: الشَّدِيدُ السَّوَادِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ قَالَ: طَرَائِقُ تَكُونُ فِي الْجَبَلِ بِيضٌ وَحُمْرٌ فَتِلْكَ الْجُدَدُ وَغَرابِيبُ سُودٌ قَالَ: جِبَالٌ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ قَالَ:
كَذلِكَ اخْتِلَافُ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ كَاخْتِلَافِ الْجِبَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ قَالَ: فَصْلٌ لِمَا قَبْلَهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ قَالَ: الْعُلَمَاءُ بِاللَّهِ الَّذِينَ يَخَافُونَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
لَيْسَ الْعِلْمُ مِنْ كَثْرَةِ الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّ الْعِلْمَ مِنَ الْخَشْيَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ قَالَ: كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا، وَكَفَى بِاغْتِرَارٍ بِاللَّهِ جَهْلًا. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَلَكِنَّ الْعِلْمَ الْخَشْيَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: بِحَسْبِ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَخْشَى اللَّهَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أن حصين بن الحارث ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ نَزَلَتْ فِيهِ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا قَالَ: هُمْ أمة محمّد صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَرَّثَهُمُ اللَّهُ كُلَّ كِتَابٍ أُنْزِلَ، فَظَالِمُهُمْ مَغْفُورٌ لَهُ، وَمُقْتَصِدُهُمْ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَسَابِقُهُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ قَالَ: هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكُلُّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ». وَفِي إِسْنَادِهِ رَجُلَانِ مَجْهُولَانِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ كِنَانَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا، فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ فَأَمَّا الَّذِينَ سَبَقُوا فَأُولَئِكَ الذين يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. وَأَمَّا الَّذِينَ اقْتَصَدُوا فَأُولَئِكَ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا. وَأَمَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ». قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِذَا كَثُرَتْ رِوَايَاتٌ فِي حَدِيثٍ ظَهَرَ أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا اه. وَفِي إِسْنَادِ أَحْمَدَ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَفِي إِسْنَادِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، لِأَنَّهُ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: ذَكَرَ أَبُو ثَابِتٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَوْفِ بْنُ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمَّتِي ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ: فَثُلُثٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَثُلُثٌ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَثُلُثٌ يُمَحَّصُونَ وَيُكْشَفُونَ، ثُمَّ تَأْتِي الْمَلَائِكَةُ فَيَقُولُونَ وَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَدْخِلُوهُمُ الْجَنَّةَ بِقَوْلِهِمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، وَاحْمِلُوا خَطَايَاهُمْ عَلَى أَهْلِ التَّكْذِيبِ وَهِيَ الَّتِي قَالَ الله: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَتَصْدِيقُهَا فِي الَّتِي ذَكَرَ فِي الْمَلَائِكَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَجَعَلَهُمْ ثَلَاثَةَ أَفْوَاجٍ. فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، فَهَذَا الَّذِي يُكْشَفُ وَيُمَحَّصُ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَهُوَ الَّذِي يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا. وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ، فَهُوَ الَّذِي يَلِجُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ بِإِذْنِ اللَّهِ، يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا». قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: غَرِيبٌ جِدًّا اه. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا، وَيُدْفَعُ بِهَا قَوْلُ مَنْ حَمَلَ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ عَلَى الْكَافِرِ، وَيُؤَيِّدُهَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ الْآيَةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ» وَمَا أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَانَ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الْآيَةَ، قَالَتْ: أَمَّا السَّابِقُ، فَمَنْ مَضَى فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ. وَأَمَّا الْمُقْتَصِدُ فَمَنْ تَبِعَ آثَارَهُمْ، فَعَمِلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِمْ حَتَّى لَحِقَ بِهِمْ. وَأَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ، فَمِثْلِي وَمِثْلُكَ وَمَنِ اتَّبَعَنَا، وَكُلٌّ فِي الْجَنَّةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: هَذِهِ الْأُمَّةُ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ثُلُثٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَثُلُثٌ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا، وَثُلُثٌ يَجِيئُونَ بذنوب عظام إلا أنهم لم يشركوا، فَيَقُولُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا هَؤُلَاءِ فِي سَعَةِ رَحْمَتِي، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الْآيَةُ.
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا نَزَعَ بِهَذِهِ الْآيَةِ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ قَالَ: أَلَا إِنَّ سَابِقَنَا سَابِقٌ، وَمُقْتَصِدَنَا نَاجٍ وَظَالِمَنَا مَغْفُورٌ لَهُ.
وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ النَّجَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَالْمُقْتَصِدُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ، وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ وَأَصْحَابُ الْأَعْرَافِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ محمّد صلّى الله عليه وسلم، وأخرج سعيد ابن مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ نَزَعَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا إِنَّ سَابِقَنَا أَهْلُ جِهَادِنَا، أَلَا وَإِنَّ مُقْتَصِدَنَا أَهْلُ حَضَرِنَا، أَلَا وَإِنَّ ظَالِمَنَا أَهْلُ بَدْوِنَا. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قَوْلِهِ: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ الْآيَةَ قَالَ:
وقرأ الزهري :﴿ والدواب ﴾ بتخفيف الباء. وقرأ ابن السميفع :﴿ ألوانها ﴾. وقيل : إن قوله ﴿ كذلك ﴾ متعلق بما بعده، أي مثل ذلك المطر، والاعتبار في مخلوقات الله، واختلاف ألوانها يخشي الله من عباده العلماء، وهذا اختاره ابن عطية، وهو مردود بأن ما بعد إنما لا يعمل فيما قبلها. والراجح الوجه الأوّل، والوقف على ﴿ كذلك ﴾ تامّ. ثم استأنف الكلام، وأخبر سبحانه بقوله :﴿ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء ﴾ أو هو من تتمة قوله :﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب ﴾ [ فاطر : ١٨ ] على معنى إنما يخشاه سبحانه بالغيب العالمون به، وبما يليق به من صفاته الجليلة، وأفعاله الجميلة، وعلى كل تقدير، فهو سبحانه قد عين في هذه الآية أهل خشيته، وهم العلماء به، وتعظيم قدرته. قال مجاهد : إنما العالم من خشي الله عزّ وجلّ. وقال مسروق : كفى بخشية الله علماً، وكفى بالاغترار جهلاً، فمن كان أعلم بالله كان أخشاهم له. قال الربيع بن أنس : من لم يخش الله، فليس بعالم. وقال الشعبي : العالم من خاف الله، ووجه تقديم المفعول أن المقام مقام حصر الفاعلية، ولو أخر انعكس الأمر. وقرأ عمر بن عبد العزيز برفع الاسم الشريف، ونصب العلماء، ورويت هذه القراءة عن أبي حنيفة قال في الكشاف : الخشية في هذه القراءة استعارة، والمعنى : أنه يجلهم، ويعظمهم كما يجل المهيب المخشي من الرجال بين الناس، وجملة :﴿ إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب على معصيته غافر لمن تاب من عباده.
وأخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس : أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف نزلت فيه ﴿ إِنَّ الذين يَتْلُونَ كتاب الله وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله كل كتاب أنزل، فظالمهم مغفور له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
وأخرج الطيالسي، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ أنه قال في هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات ﴾ قال :«هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم يدخلون الجنة» وفي إسناده رجلان مجهولان. قال الإمام أحمد في مسنده قال : حدّثنا شعبة عن الوليد بن العيزار : أنه سمع رجلاً من ثقيف يحدّث عن رجل من كنانة عن أبي سعيد. وأخرج الفريابي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«قال الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله ﴾ فأما الذين سبقوا، فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب. وأما الذين اقتصدوا، فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً. وأما الذين ظلموا أنفسهم، فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلاقاهم الله برحمته، فهم الذين يقولون :﴿ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾» إلى آخر الآية. قال البيهقي : إذا كثرت روايات في حديث ظهر أن للحديث أصلاً. ا. ه، وفي إسناد أحمد محمد بن إسحاق، وفي إسناد ابن أبي حاتم رجل مجهول، لأنه رواه من طريق الأعمش، عن رجل، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء، ورواه ابن جرير، عن الأعمش قال : ذكر أبو ثابت.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني عن عوف بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«أمتي ثلاثة أثلاث : فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون ويكشفون، ثم تأتي الملائكة، فيقولون وجدناهم يقولون : لا إله إلاّ الله وحده، فيقول الله : أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلاّ الله وحده، واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب، وهي التي قال الله :﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ١٣ ]، وتصديقها في التي ذكر في الملائكة. قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ فجعلهم ثلاثة أفواج. فمنهم ظالم لنفسه، فهذا الذي يكشف ويمحص، ومنهم مقتصد، وهو الذي يحاسب حساباً يسيراً. ومنهم سابق بالخيرات، فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب، بإذن الله يدخلونها جميعاً».
قال ابن كثير بعد ذكر هذا الحديث : غريب جدًّا ا هـ. وهذه الأحاديث يقوّي بعضها بعضاً، ويجب المصير إليها، ويدفع بها قول من حمل الظالم لنفسه على الكافر، ويؤيدها ما أخرجه الطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«كلهم من هذه الأمة، وكلهم في الجنة». وما أخرجه الطيالسي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم، وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قال : قلت لعائشة : أرأيت قول الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية، قالت : أما السابق، فمن مضى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد له بالجنة. وأما المقتصد، فمن تبع آثارهم، فعمل بمثل عملهم حتى لحق بهم. وأما الظالم لنفسه، فمثلي ومثلك، ومن اتبعنا، وكلّ في الجنة. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة : ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، وثلث يجيئون بذنوب عظام إلاّ أنهم لم يشركوا، فيقول الربّ : أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي، ثم قرأ :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب : أنه كان إذا نزع بهذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ قال : ألا إن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له. وأخرجه العقيلي، وابن مردويه، والبيهقي في البعث من وجه آخر عنه مرفوعاً. وأخرجه ابن النجار من حديث أنس مرفوعاً. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عثمان بن عفان : أنه نزع بهذه الآية، ثم قال : ألا إن سابقنا أهل جهادنا، ألا وإن مقتصدنا أهل حضرنا، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا. وأخرج سعيد بن منصور، والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : أشهد على الله أنه يدخلهم جميعاً الجنة. وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن مردويه عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : كلهم ناج، وهي هذه الأمة. وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، عن ابن عباس في الآية قال : هي مثل التي في الواقعة ﴿ أصحاب الميمنة ﴾، و﴿ أصحاب المشأمة ﴾. و﴿ السابقون ﴾ : صنفان ناجيان، وصنف هالك. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عنه في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ قال : هو الكافر، والمقتصد أصحاب اليمين.
وهذا المرويّ عنه رضي الله عنه لا يطابق ما هو الظاهر من النظم القرآني، ولا يوافق ما قدّمنا من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث : أن ابن عباس سأل كعباً عن هذه الآية، فقال : نجوا كلهم، ثم قال : تحاكت مناكبهم، وربّ الكعبة، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم، وقد قدّمنا عن ابن عباس ما يفيد أن الظالم لنفسه من الناجين، فتعارضت الأقوال عنه.
وأخرج الترمذي، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله :﴿ جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ﴾، فقال : إن عليهم التيجان، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَالُواْ الحمد للَّهِ ﴾ الآية قال : هم قوم في الدنيا يخافون الله، ويجتهدون له في العبادة سرًّا وعلانية، وفي قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم، فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الاجتهاد من الذنوب التي سلفت، فعندها ﴿ قَالُواْ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ غفر لنا العظيم، وشكر لنا القليل من أعمالنا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عنه في الآية قال : حزن النار.
وأخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس : أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف نزلت فيه ﴿ إِنَّ الذين يَتْلُونَ كتاب الله وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله كل كتاب أنزل، فظالمهم مغفور له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
وأخرج الطيالسي، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ أنه قال في هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات ﴾ قال :«هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم يدخلون الجنة» وفي إسناده رجلان مجهولان. قال الإمام أحمد في مسنده قال : حدّثنا شعبة عن الوليد بن العيزار : أنه سمع رجلاً من ثقيف يحدّث عن رجل من كنانة عن أبي سعيد. وأخرج الفريابي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«قال الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله ﴾ فأما الذين سبقوا، فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب. وأما الذين اقتصدوا، فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً. وأما الذين ظلموا أنفسهم، فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلاقاهم الله برحمته، فهم الذين يقولون :﴿ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾» إلى آخر الآية. قال البيهقي : إذا كثرت روايات في حديث ظهر أن للحديث أصلاً. ا. ه، وفي إسناد أحمد محمد بن إسحاق، وفي إسناد ابن أبي حاتم رجل مجهول، لأنه رواه من طريق الأعمش، عن رجل، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء، ورواه ابن جرير، عن الأعمش قال : ذكر أبو ثابت.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني عن عوف بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«أمتي ثلاثة أثلاث : فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون ويكشفون، ثم تأتي الملائكة، فيقولون وجدناهم يقولون : لا إله إلاّ الله وحده، فيقول الله : أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلاّ الله وحده، واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب، وهي التي قال الله :﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ١٣ ]، وتصديقها في التي ذكر في الملائكة. قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ فجعلهم ثلاثة أفواج. فمنهم ظالم لنفسه، فهذا الذي يكشف ويمحص، ومنهم مقتصد، وهو الذي يحاسب حساباً يسيراً. ومنهم سابق بالخيرات، فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب، بإذن الله يدخلونها جميعاً».
قال ابن كثير بعد ذكر هذا الحديث : غريب جدًّا ا هـ. وهذه الأحاديث يقوّي بعضها بعضاً، ويجب المصير إليها، ويدفع بها قول من حمل الظالم لنفسه على الكافر، ويؤيدها ما أخرجه الطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«كلهم من هذه الأمة، وكلهم في الجنة». وما أخرجه الطيالسي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم، وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قال : قلت لعائشة : أرأيت قول الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية، قالت : أما السابق، فمن مضى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد له بالجنة. وأما المقتصد، فمن تبع آثارهم، فعمل بمثل عملهم حتى لحق بهم. وأما الظالم لنفسه، فمثلي ومثلك، ومن اتبعنا، وكلّ في الجنة. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة : ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، وثلث يجيئون بذنوب عظام إلاّ أنهم لم يشركوا، فيقول الربّ : أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي، ثم قرأ :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب : أنه كان إذا نزع بهذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ قال : ألا إن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له. وأخرجه العقيلي، وابن مردويه، والبيهقي في البعث من وجه آخر عنه مرفوعاً. وأخرجه ابن النجار من حديث أنس مرفوعاً. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عثمان بن عفان : أنه نزع بهذه الآية، ثم قال : ألا إن سابقنا أهل جهادنا، ألا وإن مقتصدنا أهل حضرنا، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا. وأخرج سعيد بن منصور، والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : أشهد على الله أنه يدخلهم جميعاً الجنة. وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن مردويه عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : كلهم ناج، وهي هذه الأمة. وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، عن ابن عباس في الآية قال : هي مثل التي في الواقعة ﴿ أصحاب الميمنة ﴾، و﴿ أصحاب المشأمة ﴾. و﴿ السابقون ﴾ : صنفان ناجيان، وصنف هالك. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عنه في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ قال : هو الكافر، والمقتصد أصحاب اليمين.
وهذا المرويّ عنه رضي الله عنه لا يطابق ما هو الظاهر من النظم القرآني، ولا يوافق ما قدّمنا من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث : أن ابن عباس سأل كعباً عن هذه الآية، فقال : نجوا كلهم، ثم قال : تحاكت مناكبهم، وربّ الكعبة، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم، وقد قدّمنا عن ابن عباس ما يفيد أن الظالم لنفسه من الناجين، فتعارضت الأقوال عنه.
وأخرج الترمذي، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله :﴿ جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ﴾، فقال : إن عليهم التيجان، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَالُواْ الحمد للَّهِ ﴾ الآية قال : هم قوم في الدنيا يخافون الله، ويجتهدون له في العبادة سرًّا وعلانية، وفي قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم، فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الاجتهاد من الذنوب التي سلفت، فعندها ﴿ قَالُواْ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ غفر لنا العظيم، وشكر لنا القليل من أعمالنا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عنه في الآية قال : حزن النار.
وأخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس : أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف نزلت فيه ﴿ إِنَّ الذين يَتْلُونَ كتاب الله وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله كل كتاب أنزل، فظالمهم مغفور له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
وأخرج الطيالسي، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ أنه قال في هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات ﴾ قال :«هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم يدخلون الجنة» وفي إسناده رجلان مجهولان. قال الإمام أحمد في مسنده قال : حدّثنا شعبة عن الوليد بن العيزار : أنه سمع رجلاً من ثقيف يحدّث عن رجل من كنانة عن أبي سعيد. وأخرج الفريابي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«قال الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله ﴾ فأما الذين سبقوا، فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب. وأما الذين اقتصدوا، فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً. وأما الذين ظلموا أنفسهم، فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلاقاهم الله برحمته، فهم الذين يقولون :﴿ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾» إلى آخر الآية. قال البيهقي : إذا كثرت روايات في حديث ظهر أن للحديث أصلاً. ا. ه، وفي إسناد أحمد محمد بن إسحاق، وفي إسناد ابن أبي حاتم رجل مجهول، لأنه رواه من طريق الأعمش، عن رجل، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء، ورواه ابن جرير، عن الأعمش قال : ذكر أبو ثابت.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني عن عوف بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«أمتي ثلاثة أثلاث : فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون ويكشفون، ثم تأتي الملائكة، فيقولون وجدناهم يقولون : لا إله إلاّ الله وحده، فيقول الله : أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلاّ الله وحده، واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب، وهي التي قال الله :﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ١٣ ]، وتصديقها في التي ذكر في الملائكة. قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ فجعلهم ثلاثة أفواج. فمنهم ظالم لنفسه، فهذا الذي يكشف ويمحص، ومنهم مقتصد، وهو الذي يحاسب حساباً يسيراً. ومنهم سابق بالخيرات، فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب، بإذن الله يدخلونها جميعاً».
قال ابن كثير بعد ذكر هذا الحديث : غريب جدًّا ا هـ. وهذه الأحاديث يقوّي بعضها بعضاً، ويجب المصير إليها، ويدفع بها قول من حمل الظالم لنفسه على الكافر، ويؤيدها ما أخرجه الطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«كلهم من هذه الأمة، وكلهم في الجنة». وما أخرجه الطيالسي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم، وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قال : قلت لعائشة : أرأيت قول الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية، قالت : أما السابق، فمن مضى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد له بالجنة. وأما المقتصد، فمن تبع آثارهم، فعمل بمثل عملهم حتى لحق بهم. وأما الظالم لنفسه، فمثلي ومثلك، ومن اتبعنا، وكلّ في الجنة. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة : ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، وثلث يجيئون بذنوب عظام إلاّ أنهم لم يشركوا، فيقول الربّ : أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي، ثم قرأ :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب : أنه كان إذا نزع بهذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ قال : ألا إن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له. وأخرجه العقيلي، وابن مردويه، والبيهقي في البعث من وجه آخر عنه مرفوعاً. وأخرجه ابن النجار من حديث أنس مرفوعاً. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عثمان بن عفان : أنه نزع بهذه الآية، ثم قال : ألا إن سابقنا أهل جهادنا، ألا وإن مقتصدنا أهل حضرنا، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا. وأخرج سعيد بن منصور، والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : أشهد على الله أنه يدخلهم جميعاً الجنة. وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن مردويه عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : كلهم ناج، وهي هذه الأمة. وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، عن ابن عباس في الآية قال : هي مثل التي في الواقعة ﴿ أصحاب الميمنة ﴾، و﴿ أصحاب المشأمة ﴾. و﴿ السابقون ﴾ : صنفان ناجيان، وصنف هالك. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عنه في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ قال : هو الكافر، والمقتصد أصحاب اليمين.
وهذا المرويّ عنه رضي الله عنه لا يطابق ما هو الظاهر من النظم القرآني، ولا يوافق ما قدّمنا من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث : أن ابن عباس سأل كعباً عن هذه الآية، فقال : نجوا كلهم، ثم قال : تحاكت مناكبهم، وربّ الكعبة، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم، وقد قدّمنا عن ابن عباس ما يفيد أن الظالم لنفسه من الناجين، فتعارضت الأقوال عنه.
وأخرج الترمذي، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله :﴿ جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ﴾، فقال : إن عليهم التيجان، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَالُواْ الحمد للَّهِ ﴾ الآية قال : هم قوم في الدنيا يخافون الله، ويجتهدون له في العبادة سرًّا وعلانية، وفي قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم، فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الاجتهاد من الذنوب التي سلفت، فعندها ﴿ قَالُواْ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ غفر لنا العظيم، وشكر لنا القليل من أعمالنا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عنه في الآية قال : حزن النار.
وأخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس : أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف نزلت فيه ﴿ إِنَّ الذين يَتْلُونَ كتاب الله وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله كل كتاب أنزل، فظالمهم مغفور له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
وأخرج الطيالسي، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ أنه قال في هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات ﴾ قال :«هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم يدخلون الجنة» وفي إسناده رجلان مجهولان. قال الإمام أحمد في مسنده قال : حدّثنا شعبة عن الوليد بن العيزار : أنه سمع رجلاً من ثقيف يحدّث عن رجل من كنانة عن أبي سعيد. وأخرج الفريابي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«قال الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله ﴾ فأما الذين سبقوا، فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب. وأما الذين اقتصدوا، فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً. وأما الذين ظلموا أنفسهم، فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلاقاهم الله برحمته، فهم الذين يقولون :﴿ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾» إلى آخر الآية. قال البيهقي : إذا كثرت روايات في حديث ظهر أن للحديث أصلاً. ا. ه، وفي إسناد أحمد محمد بن إسحاق، وفي إسناد ابن أبي حاتم رجل مجهول، لأنه رواه من طريق الأعمش، عن رجل، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء، ورواه ابن جرير، عن الأعمش قال : ذكر أبو ثابت.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني عن عوف بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«أمتي ثلاثة أثلاث : فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون ويكشفون، ثم تأتي الملائكة، فيقولون وجدناهم يقولون : لا إله إلاّ الله وحده، فيقول الله : أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلاّ الله وحده، واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب، وهي التي قال الله :﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ١٣ ]، وتصديقها في التي ذكر في الملائكة. قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ فجعلهم ثلاثة أفواج. فمنهم ظالم لنفسه، فهذا الذي يكشف ويمحص، ومنهم مقتصد، وهو الذي يحاسب حساباً يسيراً. ومنهم سابق بالخيرات، فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب، بإذن الله يدخلونها جميعاً».
قال ابن كثير بعد ذكر هذا الحديث : غريب جدًّا ا هـ. وهذه الأحاديث يقوّي بعضها بعضاً، ويجب المصير إليها، ويدفع بها قول من حمل الظالم لنفسه على الكافر، ويؤيدها ما أخرجه الطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«كلهم من هذه الأمة، وكلهم في الجنة». وما أخرجه الطيالسي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم، وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قال : قلت لعائشة : أرأيت قول الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية، قالت : أما السابق، فمن مضى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد له بالجنة. وأما المقتصد، فمن تبع آثارهم، فعمل بمثل عملهم حتى لحق بهم. وأما الظالم لنفسه، فمثلي ومثلك، ومن اتبعنا، وكلّ في الجنة. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة : ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، وثلث يجيئون بذنوب عظام إلاّ أنهم لم يشركوا، فيقول الربّ : أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي، ثم قرأ :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب : أنه كان إذا نزع بهذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ قال : ألا إن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له. وأخرجه العقيلي، وابن مردويه، والبيهقي في البعث من وجه آخر عنه مرفوعاً. وأخرجه ابن النجار من حديث أنس مرفوعاً. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عثمان بن عفان : أنه نزع بهذه الآية، ثم قال : ألا إن سابقنا أهل جهادنا، ألا وإن مقتصدنا أهل حضرنا، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا. وأخرج سعيد بن منصور، والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : أشهد على الله أنه يدخلهم جميعاً الجنة. وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن مردويه عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : كلهم ناج، وهي هذه الأمة. وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، عن ابن عباس في الآية قال : هي مثل التي في الواقعة ﴿ أصحاب الميمنة ﴾، و﴿ أصحاب المشأمة ﴾. و﴿ السابقون ﴾ : صنفان ناجيان، وصنف هالك. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عنه في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ قال : هو الكافر، والمقتصد أصحاب اليمين.
وهذا المرويّ عنه رضي الله عنه لا يطابق ما هو الظاهر من النظم القرآني، ولا يوافق ما قدّمنا من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث : أن ابن عباس سأل كعباً عن هذه الآية، فقال : نجوا كلهم، ثم قال : تحاكت مناكبهم، وربّ الكعبة، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم، وقد قدّمنا عن ابن عباس ما يفيد أن الظالم لنفسه من الناجين، فتعارضت الأقوال عنه.
وأخرج الترمذي، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله :﴿ جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ﴾، فقال : إن عليهم التيجان، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَالُواْ الحمد للَّهِ ﴾ الآية قال : هم قوم في الدنيا يخافون الله، ويجتهدون له في العبادة سرًّا وعلانية، وفي قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم، فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الاجتهاد من الذنوب التي سلفت، فعندها ﴿ قَالُواْ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ غفر لنا العظيم، وشكر لنا القليل من أعمالنا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عنه في الآية قال : حزن النار.
وقيل : الظالم لنفسه هو صاحب الكبائر.
وقد اختلف السلف في تفسير السابق والمقتصد، فقال عكرمة، وقتادة، والضحاك : إن المقتصد المؤمن العاصي، والسابق التقيّ على الإطلاق، وبه قال الفراء، وقال مجاهد في تفسير الآية :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ أصحاب المشأمة ﴿ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ ﴾ أصحاب الميمنة ﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات ﴾ السابقون من الناس كلهم. وقال المبرد : إن المقتصد هو الذي يعطي الدنيا حقها، والآخرة حقها. وقال الحسن : الظالم الذي ترجح سيآته على حسناته، والمقتصد الذي استوت حسناته وسيئاته، والسابق من رجحت حسناته على سيآته. وقال مقاتل : الظالم لنفسه أصحاب الكبائر من أهل التوحيد، والمقتصد الذي لم يصب كبيرة، والسابق الذي سبق إلى الأعمال الصالحة. وحكى النحاس : أن الظالم صاحب الكبائر، والمقتصد الذي لم يستحق الجنة بزيادة حسناته على سيئاته، فتكون جنات عدن يدخلونها للذين سبقوا بالخيرات لا غير، قال : وهذا قول جماعة من أهل النظر، لأن الضمير في حقيقة النظر لما يليه أولى. وقال الضحاك. فيهم ظالم لنفسه، أي من ذرّيتهم ظالم لنفسه. وقال سهل بن عبد الله : السابق العالم، والمقتصد المتعلم، والظالم لنفسه الجاهل. وقال ذو النون المصري : الظالم لنفسه الذاكر لله بلسانه فقط، والمقتصد الذاكر بقلبه، والسابق الذي لا ينساه. وقال الأنطاكي : الظالم صاحب الأقوال، والمقتصد صاحب الأفعال، والسابق صاحب الأحوال. وقال ابن عطاء : الظالم الذي يحب الله من أجل الدنيا، والمقتصد الذي يحب الله من أجل العقبى، والسابق الذي أسقط مراده بمراد الحقّ. وقيل : الظالم الذي يعبد الله خوفاً من النار، والمقتصد الذي يعبده طمعاً في الجنة، والسابق الذي يعبده لا لسبب. وقيل : الظالم الذي يحبّ نفسه، والمقتصد الذي يحبّ دينه، والسابق الذي يحبّ ربه. وقيل : الظالم الذي ينتصف ولا ينصف، والمقتصد الذي ينتصف، وينصف، والسابق الذي ينصف ولا ينتصف وقد ذكر الثعلبي، وغيره أقوالاً كثيرة، ولا شك أن المعاني اللغوية للظالم، والمقتصد، والسابق معروفة، وهو يصدق على الظلم للنفس بمجرّد إحرامها للحظ، وتفويت ما هو خير لها، فتارك الاستكثار من الطاعات قد ظلم نفسه باعتبار ما فوّتها من الثواب، وإن كان قائماً بما أوجب الله عليه تاركاً لما نهاه الله عنه، فهو من هذه الحيثية من اصطفاه الله، ومن أهل الجنة، فلا إشكال في الآية، ومن هذا قول آدم :﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ﴾ [ الأعراف : ٢٣ ]، وقول يونس :﴿ إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين ﴾ [ الأنبياء : ٨٧ ]، ومعنى المقتصد : هو من يتوسط في أمر الدين، ولا يميل إلى جانب الإفراط، ولا إلى جانب التفريط، وهذا من أهل الجنة، وأما السابق فهو الذي سبق غيره في أمور الدين، وهو خير الثلاثة.
وقد استشكل تقديم الظالم على المقتصد، وتقديمهما على السابق مع كون المقتصد أفضل من الظالم لنفسه، والسابق أفضل منهما، فقيل : إن التقديم لا يقتضي التشريف كما في قوله :﴿ لاَ يَسْتَوِى أصحاب النار وأصحاب الجنة ﴾ [ الحشر : ٢٠ ]، ونحوها من الآيات القرآنية التي فيها تقديم أهل الشرّ على أهل الخير، وتقديم المفضولين على الفاضلين. وقيل : وجه التقديم هنا : أن المقتصدين بالنسبة إلى أهل المعاصي قليل، والسابقين بالنسبة إلى الفريقين أقلّ قليل، فقدّم الأكثر على الأقلّ، والأوّل أولى، فإن الكثرة بمجرّدها لا تقتضي تقديم الذكر. وقد قيل : في وجه التقديم غير ما ذكرنا مما لا حاجة إلى التطويل به.
والإشارة بقوله ﴿ ذلك ﴾ إلى توريث الكتاب والاصطفاء. وقيل : إلى السبق بالخيرات، والأوّل أولى، وهو مبتدأ وخبره ﴿ هُوَ الفضل الكبير ﴾ أي الفضل الذي لا يقادر قدره.
وأخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس : أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف نزلت فيه ﴿ إِنَّ الذين يَتْلُونَ كتاب الله وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله كل كتاب أنزل، فظالمهم مغفور له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
وأخرج الطيالسي، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ أنه قال في هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات ﴾ قال :«هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم يدخلون الجنة» وفي إسناده رجلان مجهولان. قال الإمام أحمد في مسنده قال : حدّثنا شعبة عن الوليد بن العيزار : أنه سمع رجلاً من ثقيف يحدّث عن رجل من كنانة عن أبي سعيد. وأخرج الفريابي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«قال الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله ﴾ فأما الذين سبقوا، فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب. وأما الذين اقتصدوا، فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً. وأما الذين ظلموا أنفسهم، فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلاقاهم الله برحمته، فهم الذين يقولون :﴿ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾» إلى آخر الآية. قال البيهقي : إذا كثرت روايات في حديث ظهر أن للحديث أصلاً. ا. ه، وفي إسناد أحمد محمد بن إسحاق، وفي إسناد ابن أبي حاتم رجل مجهول، لأنه رواه من طريق الأعمش، عن رجل، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء، ورواه ابن جرير، عن الأعمش قال : ذكر أبو ثابت.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني عن عوف بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«أمتي ثلاثة أثلاث : فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون ويكشفون، ثم تأتي الملائكة، فيقولون وجدناهم يقولون : لا إله إلاّ الله وحده، فيقول الله : أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلاّ الله وحده، واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب، وهي التي قال الله :﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ١٣ ]، وتصديقها في التي ذكر في الملائكة. قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ فجعلهم ثلاثة أفواج. فمنهم ظالم لنفسه، فهذا الذي يكشف ويمحص، ومنهم مقتصد، وهو الذي يحاسب حساباً يسيراً. ومنهم سابق بالخيرات، فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب، بإذن الله يدخلونها جميعاً».
قال ابن كثير بعد ذكر هذا الحديث : غريب جدًّا ا هـ. وهذه الأحاديث يقوّي بعضها بعضاً، ويجب المصير إليها، ويدفع بها قول من حمل الظالم لنفسه على الكافر، ويؤيدها ما أخرجه الطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«كلهم من هذه الأمة، وكلهم في الجنة». وما أخرجه الطيالسي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم، وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قال : قلت لعائشة : أرأيت قول الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية، قالت : أما السابق، فمن مضى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد له بالجنة. وأما المقتصد، فمن تبع آثارهم، فعمل بمثل عملهم حتى لحق بهم. وأما الظالم لنفسه، فمثلي ومثلك، ومن اتبعنا، وكلّ في الجنة. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة : ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، وثلث يجيئون بذنوب عظام إلاّ أنهم لم يشركوا، فيقول الربّ : أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي، ثم قرأ :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب : أنه كان إذا نزع بهذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ قال : ألا إن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له. وأخرجه العقيلي، وابن مردويه، والبيهقي في البعث من وجه آخر عنه مرفوعاً. وأخرجه ابن النجار من حديث أنس مرفوعاً. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عثمان بن عفان : أنه نزع بهذه الآية، ثم قال : ألا إن سابقنا أهل جهادنا، ألا وإن مقتصدنا أهل حضرنا، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا. وأخرج سعيد بن منصور، والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : أشهد على الله أنه يدخلهم جميعاً الجنة. وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن مردويه عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : كلهم ناج، وهي هذه الأمة. وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، عن ابن عباس في الآية قال : هي مثل التي في الواقعة ﴿ أصحاب الميمنة ﴾، و﴿ أصحاب المشأمة ﴾. و﴿ السابقون ﴾ : صنفان ناجيان، وصنف هالك. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عنه في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ قال : هو الكافر، والمقتصد أصحاب اليمين.
وهذا المرويّ عنه رضي الله عنه لا يطابق ما هو الظاهر من النظم القرآني، ولا يوافق ما قدّمنا من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث : أن ابن عباس سأل كعباً عن هذه الآية، فقال : نجوا كلهم، ثم قال : تحاكت مناكبهم، وربّ الكعبة، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم، وقد قدّمنا عن ابن عباس ما يفيد أن الظالم لنفسه من الناجين، فتعارضت الأقوال عنه.
وأخرج الترمذي، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله :﴿ جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ﴾، فقال : إن عليهم التيجان، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَالُواْ الحمد للَّهِ ﴾ الآية قال : هم قوم في الدنيا يخافون الله، ويجتهدون له في العبادة سرًّا وعلانية، وفي قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم، فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الاجتهاد من الذنوب التي سلفت، فعندها ﴿ قَالُواْ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ غفر لنا العظيم، وشكر لنا القليل من أعمالنا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عنه في الآية قال : حزن النار.
وأخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس : أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف نزلت فيه ﴿ إِنَّ الذين يَتْلُونَ كتاب الله وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله كل كتاب أنزل، فظالمهم مغفور له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
وأخرج الطيالسي، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ أنه قال في هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات ﴾ قال :«هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم يدخلون الجنة» وفي إسناده رجلان مجهولان. قال الإمام أحمد في مسنده قال : حدّثنا شعبة عن الوليد بن العيزار : أنه سمع رجلاً من ثقيف يحدّث عن رجل من كنانة عن أبي سعيد. وأخرج الفريابي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«قال الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله ﴾ فأما الذين سبقوا، فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب. وأما الذين اقتصدوا، فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً. وأما الذين ظلموا أنفسهم، فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلاقاهم الله برحمته، فهم الذين يقولون :﴿ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾» إلى آخر الآية. قال البيهقي : إذا كثرت روايات في حديث ظهر أن للحديث أصلاً. ا. ه، وفي إسناد أحمد محمد بن إسحاق، وفي إسناد ابن أبي حاتم رجل مجهول، لأنه رواه من طريق الأعمش، عن رجل، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء، ورواه ابن جرير، عن الأعمش قال : ذكر أبو ثابت.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني عن عوف بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«أمتي ثلاثة أثلاث : فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون ويكشفون، ثم تأتي الملائكة، فيقولون وجدناهم يقولون : لا إله إلاّ الله وحده، فيقول الله : أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلاّ الله وحده، واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب، وهي التي قال الله :﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ١٣ ]، وتصديقها في التي ذكر في الملائكة. قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ فجعلهم ثلاثة أفواج. فمنهم ظالم لنفسه، فهذا الذي يكشف ويمحص، ومنهم مقتصد، وهو الذي يحاسب حساباً يسيراً. ومنهم سابق بالخيرات، فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب، بإذن الله يدخلونها جميعاً».
قال ابن كثير بعد ذكر هذا الحديث : غريب جدًّا ا هـ. وهذه الأحاديث يقوّي بعضها بعضاً، ويجب المصير إليها، ويدفع بها قول من حمل الظالم لنفسه على الكافر، ويؤيدها ما أخرجه الطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«كلهم من هذه الأمة، وكلهم في الجنة». وما أخرجه الطيالسي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم، وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قال : قلت لعائشة : أرأيت قول الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية، قالت : أما السابق، فمن مضى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد له بالجنة. وأما المقتصد، فمن تبع آثارهم، فعمل بمثل عملهم حتى لحق بهم. وأما الظالم لنفسه، فمثلي ومثلك، ومن اتبعنا، وكلّ في الجنة. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة : ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، وثلث يجيئون بذنوب عظام إلاّ أنهم لم يشركوا، فيقول الربّ : أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي، ثم قرأ :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب : أنه كان إذا نزع بهذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ قال : ألا إن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له. وأخرجه العقيلي، وابن مردويه، والبيهقي في البعث من وجه آخر عنه مرفوعاً. وأخرجه ابن النجار من حديث أنس مرفوعاً. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عثمان بن عفان : أنه نزع بهذه الآية، ثم قال : ألا إن سابقنا أهل جهادنا، ألا وإن مقتصدنا أهل حضرنا، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا. وأخرج سعيد بن منصور، والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : أشهد على الله أنه يدخلهم جميعاً الجنة. وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن مردويه عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : كلهم ناج، وهي هذه الأمة. وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، عن ابن عباس في الآية قال : هي مثل التي في الواقعة ﴿ أصحاب الميمنة ﴾، و﴿ أصحاب المشأمة ﴾. و﴿ السابقون ﴾ : صنفان ناجيان، وصنف هالك. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عنه في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ قال : هو الكافر، والمقتصد أصحاب اليمين.
وهذا المرويّ عنه رضي الله عنه لا يطابق ما هو الظاهر من النظم القرآني، ولا يوافق ما قدّمنا من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث : أن ابن عباس سأل كعباً عن هذه الآية، فقال : نجوا كلهم، ثم قال : تحاكت مناكبهم، وربّ الكعبة، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم، وقد قدّمنا عن ابن عباس ما يفيد أن الظالم لنفسه من الناجين، فتعارضت الأقوال عنه.
وأخرج الترمذي، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله :﴿ جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ﴾، فقال : إن عليهم التيجان، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَالُواْ الحمد للَّهِ ﴾ الآية قال : هم قوم في الدنيا يخافون الله، ويجتهدون له في العبادة سرًّا وعلانية، وفي قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم، فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الاجتهاد من الذنوب التي سلفت، فعندها ﴿ قَالُواْ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ غفر لنا العظيم، وشكر لنا القليل من أعمالنا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عنه في الآية قال : حزن النار.
وأما أهل العصيان : فهم، وإن نفس عن خناقهم قليلاً في حياة الدنيا التي هي دار الغرور، وتناسوا دار القرار يوماً من دهرهم، فلا بدّ أن يشتدّ وجلهم، وتعظم مصيبتهم، وتغلي مراجل أحزانهم إذا شارفوا الموت، وقربوا من منازل الآخرة، ثم إذا قبضت أرواحهم، ولاح لهم ما يسؤوهم من جزاء أعمالهم ازدادوا غماً وحزناً، فإن تفضل الله عليهم بالمغفرة، وأدخلهم الجنة، فقد أذهب عنهم أحزانهم، وأزال غمومهم وهمومهم ﴿ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ أي غفور لمن عصاه، شكور لمن أطاعه.
وأخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس : أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف نزلت فيه ﴿ إِنَّ الذين يَتْلُونَ كتاب الله وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله كل كتاب أنزل، فظالمهم مغفور له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
وأخرج الطيالسي، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ أنه قال في هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات ﴾ قال :«هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم يدخلون الجنة» وفي إسناده رجلان مجهولان. قال الإمام أحمد في مسنده قال : حدّثنا شعبة عن الوليد بن العيزار : أنه سمع رجلاً من ثقيف يحدّث عن رجل من كنانة عن أبي سعيد. وأخرج الفريابي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«قال الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله ﴾ فأما الذين سبقوا، فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب. وأما الذين اقتصدوا، فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً. وأما الذين ظلموا أنفسهم، فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلاقاهم الله برحمته، فهم الذين يقولون :﴿ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾» إلى آخر الآية. قال البيهقي : إذا كثرت روايات في حديث ظهر أن للحديث أصلاً. ا. ه، وفي إسناد أحمد محمد بن إسحاق، وفي إسناد ابن أبي حاتم رجل مجهول، لأنه رواه من طريق الأعمش، عن رجل، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء، ورواه ابن جرير، عن الأعمش قال : ذكر أبو ثابت.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني عن عوف بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«أمتي ثلاثة أثلاث : فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون ويكشفون، ثم تأتي الملائكة، فيقولون وجدناهم يقولون : لا إله إلاّ الله وحده، فيقول الله : أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلاّ الله وحده، واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب، وهي التي قال الله :﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ١٣ ]، وتصديقها في التي ذكر في الملائكة. قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ فجعلهم ثلاثة أفواج. فمنهم ظالم لنفسه، فهذا الذي يكشف ويمحص، ومنهم مقتصد، وهو الذي يحاسب حساباً يسيراً. ومنهم سابق بالخيرات، فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب، بإذن الله يدخلونها جميعاً».
قال ابن كثير بعد ذكر هذا الحديث : غريب جدًّا ا هـ. وهذه الأحاديث يقوّي بعضها بعضاً، ويجب المصير إليها، ويدفع بها قول من حمل الظالم لنفسه على الكافر، ويؤيدها ما أخرجه الطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«كلهم من هذه الأمة، وكلهم في الجنة». وما أخرجه الطيالسي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم، وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قال : قلت لعائشة : أرأيت قول الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية، قالت : أما السابق، فمن مضى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد له بالجنة. وأما المقتصد، فمن تبع آثارهم، فعمل بمثل عملهم حتى لحق بهم. وأما الظالم لنفسه، فمثلي ومثلك، ومن اتبعنا، وكلّ في الجنة. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة : ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، وثلث يجيئون بذنوب عظام إلاّ أنهم لم يشركوا، فيقول الربّ : أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي، ثم قرأ :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب : أنه كان إذا نزع بهذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ قال : ألا إن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له. وأخرجه العقيلي، وابن مردويه، والبيهقي في البعث من وجه آخر عنه مرفوعاً. وأخرجه ابن النجار من حديث أنس مرفوعاً. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عثمان بن عفان : أنه نزع بهذه الآية، ثم قال : ألا إن سابقنا أهل جهادنا، ألا وإن مقتصدنا أهل حضرنا، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا. وأخرج سعيد بن منصور، والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : أشهد على الله أنه يدخلهم جميعاً الجنة. وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن مردويه عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : كلهم ناج، وهي هذه الأمة. وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، عن ابن عباس في الآية قال : هي مثل التي في الواقعة ﴿ أصحاب الميمنة ﴾، و﴿ أصحاب المشأمة ﴾. و﴿ السابقون ﴾ : صنفان ناجيان، وصنف هالك. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عنه في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ قال : هو الكافر، والمقتصد أصحاب اليمين.
وهذا المرويّ عنه رضي الله عنه لا يطابق ما هو الظاهر من النظم القرآني، ولا يوافق ما قدّمنا من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث : أن ابن عباس سأل كعباً عن هذه الآية، فقال : نجوا كلهم، ثم قال : تحاكت مناكبهم، وربّ الكعبة، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم، وقد قدّمنا عن ابن عباس ما يفيد أن الظالم لنفسه من الناجين، فتعارضت الأقوال عنه.
وأخرج الترمذي، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله :﴿ جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ﴾، فقال : إن عليهم التيجان، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَالُواْ الحمد للَّهِ ﴾ الآية قال : هم قوم في الدنيا يخافون الله، ويجتهدون له في العبادة سرًّا وعلانية، وفي قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم، فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الاجتهاد من الذنوب التي سلفت، فعندها ﴿ قَالُواْ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ غفر لنا العظيم، وشكر لنا القليل من أعمالنا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عنه في الآية قال : حزن النار.
وأخرج عبد الغني بن سعيد الثقفي في تفسيره عن ابن عباس : أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف نزلت فيه ﴿ إِنَّ الذين يَتْلُونَ كتاب الله وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ الآية. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن عباس في قوله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ورثهم الله كل كتاب أنزل، فظالمهم مغفور له، ومقتصدهم يحاسب حساباً يسيراً، وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب.
وأخرج الطيالسي، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ أنه قال في هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات ﴾ قال :«هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم يدخلون الجنة» وفي إسناده رجلان مجهولان. قال الإمام أحمد في مسنده قال : حدّثنا شعبة عن الوليد بن العيزار : أنه سمع رجلاً من ثقيف يحدّث عن رجل من كنانة عن أبي سعيد. وأخرج الفريابي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«قال الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بالخيرات بِإِذُنِ الله ﴾ فأما الذين سبقوا، فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب. وأما الذين اقتصدوا، فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً. وأما الذين ظلموا أنفسهم، فأولئك الذين يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين تلاقاهم الله برحمته، فهم الذين يقولون :﴿ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾» إلى آخر الآية. قال البيهقي : إذا كثرت روايات في حديث ظهر أن للحديث أصلاً. ا. ه، وفي إسناد أحمد محمد بن إسحاق، وفي إسناد ابن أبي حاتم رجل مجهول، لأنه رواه من طريق الأعمش، عن رجل، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء، ورواه ابن جرير، عن الأعمش قال : ذكر أبو ثابت.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني عن عوف بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«أمتي ثلاثة أثلاث : فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون ويكشفون، ثم تأتي الملائكة، فيقولون وجدناهم يقولون : لا إله إلاّ الله وحده، فيقول الله : أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلاّ الله وحده، واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب، وهي التي قال الله :﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ١٣ ]، وتصديقها في التي ذكر في الملائكة. قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ فجعلهم ثلاثة أفواج. فمنهم ظالم لنفسه، فهذا الذي يكشف ويمحص، ومنهم مقتصد، وهو الذي يحاسب حساباً يسيراً. ومنهم سابق بالخيرات، فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب، بإذن الله يدخلونها جميعاً».
قال ابن كثير بعد ذكر هذا الحديث : غريب جدًّا ا هـ. وهذه الأحاديث يقوّي بعضها بعضاً، ويجب المصير إليها، ويدفع بها قول من حمل الظالم لنفسه على الكافر، ويؤيدها ما أخرجه الطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«كلهم من هذه الأمة، وكلهم في الجنة». وما أخرجه الطيالسي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، والحاكم، وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قال : قلت لعائشة : أرأيت قول الله :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية، قالت : أما السابق، فمن مضى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد له بالجنة. وأما المقتصد، فمن تبع آثارهم، فعمل بمثل عملهم حتى لحق بهم. وأما الظالم لنفسه، فمثلي ومثلك، ومن اتبعنا، وكلّ في الجنة. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القيامة : ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، وثلث يجيئون بذنوب عظام إلاّ أنهم لم يشركوا، فيقول الربّ : أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي، ثم قرأ :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ الآية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب : أنه كان إذا نزع بهذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب ﴾ قال : ألا إن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له. وأخرجه العقيلي، وابن مردويه، والبيهقي في البعث من وجه آخر عنه مرفوعاً. وأخرجه ابن النجار من حديث أنس مرفوعاً. وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عثمان بن عفان : أنه نزع بهذه الآية، ثم قال : ألا إن سابقنا أهل جهادنا، ألا وإن مقتصدنا أهل حضرنا، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا. وأخرج سعيد بن منصور، والبيهقي في البعث عن البراء بن عازب في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ الآية قال : أشهد على الله أنه يدخلهم جميعاً الجنة. وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن مردويه عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكتاب الذين اصطفينا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ قال : كلهم ناج، وهي هذه الأمة. وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، عن ابن عباس في الآية قال : هي مثل التي في الواقعة ﴿ أصحاب الميمنة ﴾، و﴿ أصحاب المشأمة ﴾. و﴿ السابقون ﴾ : صنفان ناجيان، وصنف هالك. وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي عنه في قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظالم لّنَفْسِهِ ﴾ قال : هو الكافر، والمقتصد أصحاب اليمين.
وهذا المرويّ عنه رضي الله عنه لا يطابق ما هو الظاهر من النظم القرآني، ولا يوافق ما قدّمنا من الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن جماعة من الصحابة. وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث : أن ابن عباس سأل كعباً عن هذه الآية، فقال : نجوا كلهم، ثم قال : تحاكت مناكبهم، وربّ الكعبة، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم، وقد قدّمنا عن ابن عباس ما يفيد أن الظالم لنفسه من الناجين، فتعارضت الأقوال عنه.
وأخرج الترمذي، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله :﴿ جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ﴾، فقال : إن عليهم التيجان، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب. وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ وَقَالُواْ الحمد للَّهِ ﴾ الآية قال : هم قوم في الدنيا يخافون الله، ويجتهدون له في العبادة سرًّا وعلانية، وفي قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم، فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الاجتهاد من الذنوب التي سلفت، فعندها ﴿ قَالُواْ الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عَنَّا الحزن إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ غفر لنا العظيم، وشكر لنا القليل من أعمالنا. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عنه في الآية قال : حزن النار.
وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: هِيَ مِثْلُ الَّتِي فِي الْوَاقِعَةِ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ: صِنْفَانِ نَاجِيَانِ، وَصِنْفٌ هَالِكٌ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ: هُوَ الْكَافِرُ، وَالْمُقْتَصِدُ: أَصْحَابُ الْيَمِينِ.
وَهَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُطَابِقُ مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ، وَلَا يُوَافِقُ مَا قَدَّمْنَا مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَأَلَ كَعْبًا عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ نَجَوْا كُلُّهُمْ، ثُمَّ قَالَ: تَحَاكَّتْ مَنَاكِبُهُمْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ أُعْطُوا الْفَضْلَ بِأَعْمَالِهِمْ، وقد قدّمنا عن ابن عباس ما يفيده أَنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ مِنَ النَّاجِينَ، فَتَعَارَضَتِ الْأَقْوَالُ عَنْهُ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً فَقَالَ: «إِنَّ عَلَيْهِمُ التِّيجَانَ، إِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ مِنْهَا لَتُضِيءُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ». وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الْآيَةَ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ فِي الدُّنْيَا يَخَافُونَ اللَّهَ، وَيَجْتَهِدُونَ لَهُ فِي الْعِبَادَةِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، وَفِي قُلُوبِهِمْ حُزْنٌ مِنْ ذُنُوبٍ قَدْ سَلَفَتْ مِنْهُمْ، فَهُمْ خَائِفُونَ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ مِنْهُمْ هَذَا الِاجْتِهَادُ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي سَلَفَتْ، فَعِنْدَهَا قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ غَفَرَ لَنَا الْعَظِيمَ، وَشَكَرَ لَنَا الْقَلِيلَ مِنْ أَعْمَالِنَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قال: حزن النار.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٣٦ الى ٤٥]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠)
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (٤٣) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥)
كُنَّا إِذَا مَا أَتَانَا صارخ فزغ | كان الصّراخ له قرع الظّنابيبا «٣» |
(٢). المرسلات: ٣٦.
(٣). البيت لسلامة بن جندل، والظّنابيب: جمع الظنبوب، وهو مسمار يكون في جبّة السّنان، وقرع ظنابيب الأمر: ذلّله. [.....]
قَرَأَ الْجُمْهُورُ بإضافة عالم إلى غيب، وقرأ جناح ابن حبيش بالتنوين ونصب غيب. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَمِنْ ذَلِكَ أعمالا لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا خَافِيَةٌ، فَلَوْ رَدَّكُمْ إِلَى الدُّنْيَا لَمْ تَعْمَلُوا صَالِحًا كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ «١» إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ
تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ مُضْمَرَاتِ الصُّدُورِ وَهِيَ أَخْفَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَلِمَ مَا فَوْقَهَا بِالْأَوْلَى، وَقِيلَ: هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ أَيْ: جَعَلَكُمْ أُمَّةً خَالِفَةً لِمَنْ قَبْلَهَا. قَالَ قَتَادَةُ: خَلْفًا بَعْدَ خَلْفٍ وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وَالْخَلْفُ: هُوَ التَّالِي لِلْمُتَقَدِّمِ، وَقِيلَ: جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَهُ فِي أَرْضِهِ فَمَنْ كَفَرَ مِنْكُمْ هَذِهِ النِّعْمَةَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ أَيْ: عَلَيْهِ ضَرَرُ كُفْرِهِ، لَا يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً أَيْ: غَضَبًا وَبُغْضًا وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً أَيْ: نَقْصًا وَهَلَاكًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْكُفْرَ لَا يَنْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ حَيْثُ لَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا الْمَقْتَ، وَلَا يَنْفَعُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَيْثُ لَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا الْخَسَارَ. ثُمَّ أَمَرَهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُوَبِّخَهُمْ وَيُبَكِّتَهُمْ فَقَالَ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيْ: أَخْبِرُونِي عَنِ الشُّرَكَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمُوهُمْ آلِهَةً وَعَبَدْتُمُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَجُمْلَةُ: أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ أَرَأَيْتُمْ، وَالْمَعْنَى: أَخْبِرُونِي عَنْ شُرَكَائِكُمْ، أَرُونِي أَيَّ شَيْءٍ خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ؟ وَقِيلَ: إِنَّ الْفِعْلَانِ، وهما أرأيتم وأروني مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ. وَقَدْ أُعْمِلَ الثَّانِي عَلَى مَا هُوَ اخْتِيَارُ الْبَصْرِيِّينَ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَيْ: أَمْ لَهُمْ شَرِكَةٌ مَعَ اللَّهِ فِي خَلْقِهَا، أَوْ مِلْكِهَا، أَوِ التَّصَرُّفِ فِيهَا حَتَّى يَسْتَحِقُّوا بِذَلِكَ الشَّرِكَةَ فِي الْإِلَهِيَّةِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً أَيْ: أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ كِتَابًا بِالشَّرِكَةِ فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ أَيْ: عَلَى حُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَاضِحَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ «بَيِّنَةٍ» بِالتَّوْحِيدِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْجَمْعِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَقُولُ هَلْ أَعْطَيْنَا كُفَّارَ مَكَّةَ كِتَابًا، فَهُمْ عَلَى بَيَانِ مِنْهُ بِأَنَّ مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا. ثُمَّ أَضْرَبَ سُبْحَانَهُ عَنْ هَذَا إِلَى غَيْرِهِ فَقَالَ: بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً أَيْ: مَا يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَا يَفْعَلُهُ الرُّؤَسَاءُ وَالْقَادَةُ مِنَ الْمَوَاعِيدِ لِأَتْبَاعِهِمْ إِلَّا غُرُورًا يُغْرُونَهُمْ بِهِ وَيُزَيِّنُونَهُ لَهُمْ، وَهُوَ الْأَبَاطِيلُ الَّتِي تَغُرُّ وَلَا حَقِيقَةَ لَهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إِنَّ هَذِهِ الْآلِهَةَ تَنْفَعُهُمْ وَتُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَتَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ الشَّيَاطِينَ تَعِدُ الْمُشْرِكِينَ بِذَلِكَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْوَعْدِ الَّذِي يَعِدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا هُوَ أَنَّهُمْ يُنْصَرُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيَغْلِبُونَهُمْ، وَجُمْلَةُ: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ قُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَبَدِيعِ صُنْعِهِ بَعْدَ بَيَانِ ضَعْفِ الْأَصْنَامِ وَعَدَمِ قُدْرَتِهَا عَلَى شَيْءٍ، وقيل المعنى: إن شركهم يقتضي زوال السموات وَالْأَرْضِ كَقَوْلِهِ: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً «٢» وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ أَيْ:
مَا أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِ إِمْسَاكِهِ، أَوْ مِنْ بَعْدِ زَوَالِهِمَا، وَالْجُمْلَةُ سادّة مسدّ جواب القسم والشرط، ومعنى:
(٢). مريم: ٩٠ و ٩١.
وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ زَوَالُهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَجُمْلَةُ:
إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنْ إمساكه تعالى للسموات وَالْأَرْضِ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ الْمُرَادُ قُرَيْشٌ، أَقْسَمُوا قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، بِهَذَا الْقَسَمِ حِينَ بَلَغَهُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، وَمَعْنَى: مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ يَعْنِي: الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ، وَالنَّذِيرُ: النَّبِيُّ، وَالْهُدَى: الِاسْتِقَامَةُ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ رَسُولٌ كَمَا كَانَ الرُّسُلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا تَمَنَّوْهُ، وَهُوَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ نَذِيرٌ وَأَكْرَمُ مُرْسَلٍ وَكَانَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَا زادَهُمْ مَجِيئُهُ إِلَّا نُفُوراً مِنْهُمْ عَنْهُ، وَتَبَاعُدًا عَنْ إِجَابَتِهِ اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ أي: لأجل الاستكبار والعتوّ وَلأجل مَكْرَ السَّيِّئِ أَيْ: مَكْرَ الْعَمَلِ السَّيِّئِ، أَوْ: مَكَرُوا الْمَكْرَ السَّيِّئَ، وَالْمَكْرُ: هُوَ الْحِيلَةُ وَالْخِدَاعُ، وَالْعَمَلُ الْقَبِيحُ، وَأُضِيفَ إِلَى صِفَتِهِ كَقَوْلِهِ: مَسْجِدُ الجامع، وصلاة الأولى، وأنث إحدى لكونه أُمَّةٍ مُؤَنَّثَةً كَمَا قَالَ الْأَخْفَشُ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ عَلَى الْعُمُومِ، وَقِيلَ:
مِنَ الْأُمَّةِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا إِحْدَى الْأُمَمِ تَفْضِيلًا لَهَا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «وَمَكْرَ السَّيِّئِ» بِخَفْضِ هَمْزَةِ السيء، وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ بِسُكُونِهَا وَصْلًا. وَقَدْ غَلَّطَ كَثِيرٌ مِنَ النُّحَاةِ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ، وَنَزَّهُوا الْأَعْمَشَ عَلَى جَلَالَتِهِ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا، قَالُوا: وَإِنَّمَا كَانَ يَقِفُ بِالسُّكُونِ، فَغَلِطَ مَنْ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِالسُّكُونِ وَصْلًا، وَتَوْجِيهُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مُمْكِنٌ، بِأَنَّ مَنْ قَرَأَ بِهَا أَجْرَى الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
فَالْيَوْمَ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ | إِثْمًا مِنَ اللَّهِ وَلَا وَاغِلِ |
وقد دفعوا الْمَنِيَّةَ فَاسْتَقَلَّتْ | ذِرَاعًا بَعْدَ مَا كَانَتْ تَحِيقُ |
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالْفِرْيَابِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً. وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قِيلَ: أَيْنَ أَبْنَاءُ السِّتِّينَ؟ وَهُوَ الْعُمُرُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ» وَفِي إِسْنَادِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ الْمَخْزُومِيُّ، وَفِيهِ مَقَالٌ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَالْبَزَّارُ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ عُمُرَهُ حَتَّى بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً» وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عن عليّ ابن أبي طالب قال: العمر الذي عمرهم اللَّهُ بِهِ سِتُّونَ سَنَةً. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ». قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ: حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِ الزُّهْدِ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: هُوَ سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: الْعُمُرُ الَّذِي أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى ابْنِ آدَمَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ أَرْبَعُونَ سَنَةً.
وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَالْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: قَالَ: وَقَعَ
يَا جِبْرِيلُ هَلْ يَنَامُ رَبُّكَ؟ فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُوسَى فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
إِنَّهُ كَادَ الْجُعَلُ لَيُعَذَّبُ فِي جُحْرِهِ بِذَنْبِ ابْنِ آدَمَ ثُمَّ قَرَأَ: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ الآية.
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: بِالْإِجْمَاعِ إِلَّا أَنَّ فِرْقَةً قَالَتْ: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ نَزَلَتْ فِي بَنِي سَلَمَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ حِينَ أَرَادُوا أَنْ يَتْرُكُوا دِيَارَهُمْ، وَيَنْتَقِلُوا إِلَى جِوَارِ مسجد رسول الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ، وَالنَّحَّاسُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سُورَةُ يس نَزَلَتْ بِمَكَّةَ وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهَ. وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا، وَقَلْبُ الْقُرْآنِ يس، مَنْ قَرَأَ يس، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وفي إسناده هارون وأبو مُحَمَّدٍ، وَهُوَ شَيْخٌ مَجْهُولٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا يَصِحُّ لِضَعْفِ إِسْنَادِهِ. وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا، وَقَلْبُ الْقُرْآنِ يس»، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ إِلَّا زَيْدٌ عَنْ حُمَيْدٍ، يَعْنِي زَيْدَ بْنَ الْحُبَابِ عَنْ حُمَيْدٍ الْمَكِّيِّ مَوْلَى آلِ عَلْقَمَةَ. وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ يس فِي لَيْلَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ غَفَرَ لَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ» قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ، وَالضِّيَاءُ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ قَرَأَ يس فِي لَيْلَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ غَفَرَ لَهُ» وَإِسْنَادُهُ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ هَكَذَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ابن إِبْرَاهِيمَ مَوْلَى ثَقِيفٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ الْكُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يس قَلْبُ الْقُرْآنِ، لَا يَقْرَؤُهَا عَبْدٌ يُرِيدُ اللَّهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ إِلَّا غَفَرَ له ما تقدّم من ذنبه، فاقرؤوها عَلَى مَوْتَاكُمْ» وَقَدْ ذَكَرَ لَهُ أَحْمَدُ إِسْنَادَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِيهِ مَجْهُولٌ، وَالْآخَرُ ذَكَرَ فِيهِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَقَالَ: وَلَيْسَ بِالنَّهْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْقِلٍ. وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنَ عَطِيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ يس فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَشْرَ مَرَّاتٍ». وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْخَطِيبُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُورَةُ يس تُدْعَى فِي التَّوْرَاةِ الْمُعَمِّمَةَ، تَعُمُّ صَاحِبَهَا بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، تُكَابِدُ عَنْهُ بَلْوَى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَتَدْفَعُ عَنْهُ أَهَاوِيلَ الْآخِرَةِ، وَتُدْعَى الدَّافِعَةَ وَالْقَاضِيَةَ، تَدْفَعُ عَنْ صَاحِبِهَا كُلَّ سُوءٍ، وَتَقْضِي لَهُ كُلَّ حَاجَةٍ، مَنْ قَرَأَهَا عَدَلَتْ عِشْرِينَ حَجَّةً، وَمَنْ سَمِعَهَا عَدَلَتْ لَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ كَتَبَهَا ثُمَّ شَرِبَهَا أَدْخَلَتْ جَوْفَهُ أَلْفَ دَوَاءٍ، وَأَلْفَ نُورٍ، وَأَلْفَ يَقِينٍ، وَأَلْفَ بَرَكَةٍ، وَأَلْفَ رَحْمَةٍ، وَنَزَعَتْ عَنْهُ كُلَّ غِلٍّ وَدَاءٍ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
تَقَرَّبَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْجُدْعَانِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ رَافِعٍ الْجَنَدِيِّ، وَهُوَ مُنْكَرٌ. قُلْتُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع | كان الصارخ له قرع الطنابيب |
وقيل : هو كمال العقل. وقيل : البلوغ ﴿ فَذُوقُواْ فَمَا للظالمين مِن نَّصِيرٍ ﴾ أي فذوقوا عذاب جهنم، لأنكم لم تعتبروا، ولم تتعظوا، فما لكم ناصر يمنعكم من عذاب الله، ويحول بينكم وبينه. قال مقاتل، فذوقوا العذاب، فما للمشركين من مانع يمنعهم.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله : أو لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكر» وفي إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي، وفيه مقال. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعذر الله إلى امرىء أخر عمره حتى بلغ ستين سنة» وأخرج عبد بن حميد، والطبراني، والحاكم، وابن مروديه عن سهل بن سعد مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن جرير، عن عليّ بن أبي طالب قال : العمر الذي عيرهم الله به ستون سنة. وأخرج الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وابن المنذر، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك». قال الترمذي بعد إخراجه : حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، ثم أخرجه في موضع آخر من كتاب الزهد، وقال : هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وقد روي من غير وجه عنه. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو : ستّ وأربعون سنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم فيه بقوله :﴿ أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ﴾ أربعون سنة. وأخرج أبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والدارقطني في الأفراد، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر :«قال : وقع في نفس موسى هل ينام الله عزّ وجلّ ؟ فأرسل الله إليه ملكاً، فأرّقه ثلاثاً، وأعطاه قارورتين في كلّ يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما، فجعل ينام، وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ، فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة، فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان. قال : ضرب الله له مثلاً إن الله تبارك وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض». وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن سلام : أن موسى قال : يا جبريل هل ينام ربك ؟ فذكر نحوه. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة، والبيهقي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه : أن موسى، فذكر نحوه. وأخرج الفريابي، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : إنه كاد الجعل ليعذب في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ ﴾ الآية.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله : أو لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكر» وفي إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي، وفيه مقال. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعذر الله إلى امرىء أخر عمره حتى بلغ ستين سنة» وأخرج عبد بن حميد، والطبراني، والحاكم، وابن مروديه عن سهل بن سعد مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن جرير، عن عليّ بن أبي طالب قال : العمر الذي عيرهم الله به ستون سنة. وأخرج الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وابن المنذر، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك». قال الترمذي بعد إخراجه : حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، ثم أخرجه في موضع آخر من كتاب الزهد، وقال : هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وقد روي من غير وجه عنه. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو : ستّ وأربعون سنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم فيه بقوله :﴿ أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ﴾ أربعون سنة. وأخرج أبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والدارقطني في الأفراد، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر :«قال : وقع في نفس موسى هل ينام الله عزّ وجلّ ؟ فأرسل الله إليه ملكاً، فأرّقه ثلاثاً، وأعطاه قارورتين في كلّ يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما، فجعل ينام، وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ، فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة، فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان. قال : ضرب الله له مثلاً إن الله تبارك وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض». وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن سلام : أن موسى قال : يا جبريل هل ينام ربك ؟ فذكر نحوه. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة، والبيهقي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه : أن موسى، فذكر نحوه. وأخرج الفريابي، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : إنه كاد الجعل ليعذب في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ ﴾ الآية.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله : أو لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكر» وفي إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي، وفيه مقال. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعذر الله إلى امرىء أخر عمره حتى بلغ ستين سنة» وأخرج عبد بن حميد، والطبراني، والحاكم، وابن مروديه عن سهل بن سعد مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن جرير، عن عليّ بن أبي طالب قال : العمر الذي عيرهم الله به ستون سنة. وأخرج الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وابن المنذر، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك». قال الترمذي بعد إخراجه : حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، ثم أخرجه في موضع آخر من كتاب الزهد، وقال : هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وقد روي من غير وجه عنه. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو : ستّ وأربعون سنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم فيه بقوله :﴿ أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ﴾ أربعون سنة. وأخرج أبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والدارقطني في الأفراد، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر :«قال : وقع في نفس موسى هل ينام الله عزّ وجلّ ؟ فأرسل الله إليه ملكاً، فأرّقه ثلاثاً، وأعطاه قارورتين في كلّ يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما، فجعل ينام، وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ، فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة، فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان. قال : ضرب الله له مثلاً إن الله تبارك وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض». وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن سلام : أن موسى قال : يا جبريل هل ينام ربك ؟ فذكر نحوه. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة، والبيهقي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه : أن موسى، فذكر نحوه. وأخرج الفريابي، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : إنه كاد الجعل ليعذب في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ ﴾ الآية.
وقيل : إن الشياطين تعد المشركين بذلك. وقيل : المراد بالوعد الذي يعد بعضهم بعضاً هو : أنهم ينصرون على المسلمين، ويغلبونهم.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله : أو لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكر» وفي إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي، وفيه مقال. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعذر الله إلى امرىء أخر عمره حتى بلغ ستين سنة» وأخرج عبد بن حميد، والطبراني، والحاكم، وابن مروديه عن سهل بن سعد مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن جرير، عن عليّ بن أبي طالب قال : العمر الذي عيرهم الله به ستون سنة. وأخرج الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وابن المنذر، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك». قال الترمذي بعد إخراجه : حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، ثم أخرجه في موضع آخر من كتاب الزهد، وقال : هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وقد روي من غير وجه عنه. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو : ستّ وأربعون سنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم فيه بقوله :﴿ أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ﴾ أربعون سنة. وأخرج أبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والدارقطني في الأفراد، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر :«قال : وقع في نفس موسى هل ينام الله عزّ وجلّ ؟ فأرسل الله إليه ملكاً، فأرّقه ثلاثاً، وأعطاه قارورتين في كلّ يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما، فجعل ينام، وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ، فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة، فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان. قال : ضرب الله له مثلاً إن الله تبارك وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض». وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن سلام : أن موسى قال : يا جبريل هل ينام ربك ؟ فذكر نحوه. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة، والبيهقي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه : أن موسى، فذكر نحوه. وأخرج الفريابي، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : إنه كاد الجعل ليعذب في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ ﴾ الآية.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله : أو لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكر» وفي إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي، وفيه مقال. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعذر الله إلى امرىء أخر عمره حتى بلغ ستين سنة» وأخرج عبد بن حميد، والطبراني، والحاكم، وابن مروديه عن سهل بن سعد مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن جرير، عن عليّ بن أبي طالب قال : العمر الذي عيرهم الله به ستون سنة. وأخرج الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وابن المنذر، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك». قال الترمذي بعد إخراجه : حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، ثم أخرجه في موضع آخر من كتاب الزهد، وقال : هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وقد روي من غير وجه عنه. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو : ستّ وأربعون سنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم فيه بقوله :﴿ أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ﴾ أربعون سنة. وأخرج أبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والدارقطني في الأفراد، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر :«قال : وقع في نفس موسى هل ينام الله عزّ وجلّ ؟ فأرسل الله إليه ملكاً، فأرّقه ثلاثاً، وأعطاه قارورتين في كلّ يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما، فجعل ينام، وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ، فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة، فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان. قال : ضرب الله له مثلاً إن الله تبارك وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض». وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن سلام : أن موسى قال : يا جبريل هل ينام ربك ؟ فذكر نحوه. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة، والبيهقي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه : أن موسى، فذكر نحوه. وأخرج الفريابي، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : إنه كاد الجعل ليعذب في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ ﴾ الآية.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله : أو لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكر» وفي إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي، وفيه مقال. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعذر الله إلى امرىء أخر عمره حتى بلغ ستين سنة» وأخرج عبد بن حميد، والطبراني، والحاكم، وابن مروديه عن سهل بن سعد مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن جرير، عن عليّ بن أبي طالب قال : العمر الذي عيرهم الله به ستون سنة. وأخرج الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وابن المنذر، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك». قال الترمذي بعد إخراجه : حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، ثم أخرجه في موضع آخر من كتاب الزهد، وقال : هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وقد روي من غير وجه عنه. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو : ستّ وأربعون سنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم فيه بقوله :﴿ أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ﴾ أربعون سنة. وأخرج أبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والدارقطني في الأفراد، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر :«قال : وقع في نفس موسى هل ينام الله عزّ وجلّ ؟ فأرسل الله إليه ملكاً، فأرّقه ثلاثاً، وأعطاه قارورتين في كلّ يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما، فجعل ينام، وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ، فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة، فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان. قال : ضرب الله له مثلاً إن الله تبارك وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض». وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن سلام : أن موسى قال : يا جبريل هل ينام ربك ؟ فذكر نحوه. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة، والبيهقي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه : أن موسى، فذكر نحوه. وأخرج الفريابي، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : إنه كاد الجعل ليعذب في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ ﴾ الآية.
فاليوم أشرب غير مستحقب | إثماً من الله ولا واغل |
وقد رفعوا المنية فاستقلت | ذراعاً بعد ما كانت تحيق |
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله : أو لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكر» وفي إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي، وفيه مقال. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعذر الله إلى امرىء أخر عمره حتى بلغ ستين سنة» وأخرج عبد بن حميد، والطبراني، والحاكم، وابن مروديه عن سهل بن سعد مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن جرير، عن عليّ بن أبي طالب قال : العمر الذي عيرهم الله به ستون سنة. وأخرج الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وابن المنذر، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك». قال الترمذي بعد إخراجه : حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، ثم أخرجه في موضع آخر من كتاب الزهد، وقال : هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وقد روي من غير وجه عنه. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو : ستّ وأربعون سنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم فيه بقوله :﴿ أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ﴾ أربعون سنة. وأخرج أبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والدارقطني في الأفراد، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر :«قال : وقع في نفس موسى هل ينام الله عزّ وجلّ ؟ فأرسل الله إليه ملكاً، فأرّقه ثلاثاً، وأعطاه قارورتين في كلّ يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما، فجعل ينام، وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ، فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة، فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان. قال : ضرب الله له مثلاً إن الله تبارك وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض». وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن سلام : أن موسى قال : يا جبريل هل ينام ربك ؟ فذكر نحوه. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة، والبيهقي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه : أن موسى، فذكر نحوه. وأخرج الفريابي، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : إنه كاد الجعل ليعذب في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ ﴾ الآية.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله : أو لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكر» وفي إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي، وفيه مقال. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعذر الله إلى امرىء أخر عمره حتى بلغ ستين سنة» وأخرج عبد بن حميد، والطبراني، والحاكم، وابن مروديه عن سهل بن سعد مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن جرير، عن عليّ بن أبي طالب قال : العمر الذي عيرهم الله به ستون سنة. وأخرج الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وابن المنذر، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك». قال الترمذي بعد إخراجه : حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، ثم أخرجه في موضع آخر من كتاب الزهد، وقال : هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وقد روي من غير وجه عنه. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو : ستّ وأربعون سنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم فيه بقوله :﴿ أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ﴾ أربعون سنة. وأخرج أبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والدارقطني في الأفراد، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر :«قال : وقع في نفس موسى هل ينام الله عزّ وجلّ ؟ فأرسل الله إليه ملكاً، فأرّقه ثلاثاً، وأعطاه قارورتين في كلّ يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما، فجعل ينام، وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ، فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة، فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان. قال : ضرب الله له مثلاً إن الله تبارك وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض». وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن سلام : أن موسى قال : يا جبريل هل ينام ربك ؟ فذكر نحوه. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة، والبيهقي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه : أن موسى، فذكر نحوه. وأخرج الفريابي، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : إنه كاد الجعل ليعذب في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ ﴾ الآية.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إذا كان يوم القيامة قيل : أين أبناء الستين ؟ وهو العمر الذي قال الله : أو لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكر» وفي إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي، وفيه مقال. وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعذر الله إلى امرىء أخر عمره حتى بلغ ستين سنة» وأخرج عبد بن حميد، والطبراني، والحاكم، وابن مروديه عن سهل بن سعد مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن جرير، عن عليّ بن أبي طالب قال : العمر الذي عيرهم الله به ستون سنة. وأخرج الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وابن المنذر، والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك». قال الترمذي بعد إخراجه : حسن غريب لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه، ثم أخرجه في موضع آخر من كتاب الزهد، وقال : هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، وقد روي من غير وجه عنه. وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو : ستّ وأربعون سنة. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال : العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم فيه بقوله :﴿ أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ﴾ أربعون سنة. وأخرج أبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والدارقطني في الأفراد، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر :«قال : وقع في نفس موسى هل ينام الله عزّ وجلّ ؟ فأرسل الله إليه ملكاً، فأرّقه ثلاثاً، وأعطاه قارورتين في كلّ يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما، فجعل ينام، وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ، فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة، فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان. قال : ضرب الله له مثلاً إن الله تبارك وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض». وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن سلام : أن موسى قال : يا جبريل هل ينام ربك ؟ فذكر نحوه. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة، والبيهقي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه : أن موسى، فذكر نحوه. وأخرج الفريابي، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال : إنه كاد الجعل ليعذب في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ ﴾ الآية.