ﰡ
﴿ الر ﴾ هذه الأحرف التي تبدأ بها بعض السور، قيل هي رموز لا يدريها إلا الله ورسوله. وقيل أسماء لله تعالى. وقيل إقسام لله تعالى. وقيل إشارة لابتداء كلام وانتهاء كلام. وقيل هي أسماء للسور التي تبدأ بها.
تفسير المعاني :
الر، هذه آيات الكتاب المشتمل على الحكم.
﴿ أنذر ﴾ الإنذار إخبار معه تخويف من العاقبة. ﴿ وبشر ﴾ التبشير إخبار بشيء سار. ﴿ قدم صدق ﴾ أي سابقة ومنزلة. سميت قدما لأن السبق يكون بها، كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد، وإضافتها إلى الصدق للتنبيه على أنهم إنما ينالونها بصدق القول والنية.
تفسير المعاني :
هل يعد من الأعاجيب أن نوحي إلى رجل من الناس أن يخوفهم من عواقب الضلال ويبشر المؤمنين بأن لهم منزلة رفيعة عند ربهم ؟ قال الكافرون : إن أمر محمد هذا سحر مبين.
﴿ ثم استوى على العرش ﴾ أي ثم جلس على العرش، وهذا محال على الله لأنه ليس بجسم، وعليه فهو كناية عن التمكن في السلطان والاستيلاء على ناصية كل شيء.
تفسير المعاني :
إن ربكم الله الذي خلق الكون في ستة أيام، أي ستة أدوار، ثم استولى على ناصية كل شيء يدبر أمر العالم ويربه، لا يشفع لديه إلا من بعد أن يأذن له، ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تتذكرون ؟
﴿ إليه مرجعكم ﴾ أي إليه رجوعكم. ﴿ وعد الله حقا ﴾ وعد مصدر مؤكد لأن قوله إليه مرجعكم وعد من الله. وحقا مصدر آخر مؤكد لغيره وهو ما دل عليه وعد الله.
﴿ بالقسط ﴾ أي بالعدل. يقال قسط يقسط أي عدل. ﴿ من حميم ﴾ الحميم هو الماء المغلى.
تفسير المعاني :
إلى الله مرجعكم جميعا وعدكم بذلك وعدا حقا لا شك فيه، فإن عادته قد جرت بأن يبدأ الخلق ثم يعيده بعدة إبادته وإهلاكه ليكافئ الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالعدل، وأما الذين كفروا فلهم شراب من ماء حار عذاب أليم بما كانوا يكفرون.
﴿ ضياء ﴾ أي ذات ضياء. ﴿ والقمر نورا ﴾ أي ذا منازل.
تفسير المعاني :
هو الذي جعل الشمس ذات ضياء وجعل القمر ذا نور، وقدره ذا منازل لتعرفوا حساب الأوقات من السنين والأيام في معاملاتكم وتصرفاتكم، ما خلق الله هذه الكائنات العلوية إلا ملتبسة بالحق، مراعيا فيها مقتضى الحكمة البالغة، نفصل هذه الآيات لقوم يعلمون.
إن في اختلاف الليل والنهار وفيما خلق الله في السموات والأرض من الكائنات المنوعة لأدلة ناطقة بوجوده لقوم يتقون.
إن الذين لا يتقون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا وسكنت نفوسهم إليها، وغفلوا عن آيات الله في الوجود.
﴿ مأواهم ﴾ أي منزلهم. يقال أوى يأوي أويا سكن ونزل.
تفسير المعاني :
أولئك منزلهم النار بما كانوا يكسبون.
﴿ يهديهم ربهم بإيمانهم ﴾ أي يهديهم بسبب إيمانهم إلى سلوك أقوم الطرق المؤدية لسعادة الدارين.
تفسير المعاني :
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بسبب إيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم.
﴿ دعواهم ﴾ أي دعاؤهم.
﴿ سبحانك اللهم ﴾ أي اللهم نسبحك تسبيحا، والتسبيح هو تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين. ﴿ العالمين ﴾ جمع عالم وهو اسم للفلك وما يحويه من الجواهر والأعراض، ويجمع لأن كل نوع من الكائنات يسمى عالما، فيقال عالم الإنسان وعالم الماء إلخ إلخ.
تفسير المعاني :
دعاؤهم فيها : اللهم نسبحك تسبيحا، وتحية بعضهم لبعض فيها قولهم : سلام، وآخر دعائهم قولهم : الحمد لله رب العالمين.
﴿ فنذر ﴾ أي فنترك، وهذا الفعل لا يستعمل إلا في المضارع والأمر. ﴿ في طغيانهم ﴾ الطغيان هو تجاوز الحد. يقال طغا يطغو طغوا وطغيانا أي تجاوز الحد. ﴿ يعمهون ﴾ أي يترددون ويتحيرون، والعمه للبصيرة كالعمى للبصر. يقال عمه يعمه عمها، فهو عامه وعمه، جمعه عمه.
تفسير المعاني :
ولو يعجل الله للناس الشر الذي يطلبونه في معاندتهم النبي، كقولهم : فأمطر علينا حجارة من السماء. مثل تعجيله الخير لهم عندما يطلبونه إليه، لأميتوا وأهلكوا، ولكنا لا نعجل الشر لهم بل نترك الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يتحيرون.
وإذا أصاب الإنسان ضر دعانا لكشفه مضطجعا أو قاعدا أو قائما، فلما استجبنا له مر كأن لم يدعنا لضر أصابه، كذلك زين الشيطان للمسرفين ما يعملونه من الانهماك في الشهوات وترك العبادات.
﴿ القرون ﴾ الأجيال من الناس جمع قرن، هو الجيل أو مدة ثمانين سنة، وفي اصطلاحنا اليوم، القرن مدته مائة سنة.
﴿ خلائف ﴾ جمع خليفة.
تفسير المعاني :
ثم ذكر الأمم السابقة التي أبادها بظلمها ثم قال : ثم جعلناكم خلفاء في الأرض من بعدهم لننظر أتعلمون خيرا أم شرا لنعاملكم على مقتضى أعمالكم.
﴿ من تلقاء نفسي ﴾ أي من قبل نفسي ﴿ إن أتبع ﴾ أي ما أتبع.
تفسير المعاني :
وإذا قرأت عليهم آياتنا واضحات قال الذين لا يتوقعون لقاءنا من المشركين : هات قرآنا غير هذا أو بدله. فقل لهم : ليس لي أن أبدله من قبل نفسي، ما أتبع إلا ما يوحيه الله إلى، إني أخشى إن عصيت ربي بتبديله عذاب يوم عظيم.
﴿ ما تلوته عليكم ﴾ أي ما قرأته عليكم. يقال تلاه يتلوه تلاوة قرأه. وتلاه يتلوه تلوا أتبعه.
تفسير المعاني :
قل لهم : لو أراد الله غير ذلك ما قرأته عليكم ولا عرفكم به على لساني، فقد مكثت فيكم عمرا مقداره أربعون سنة من قبل هذا القرآن أفلا تعقلون ؟
﴿ افترى ﴾ اختلق.
تفسير المعاني :
فمن أظلم ممن اختلق على الله كذبا أو ممن كذب بآياته فكفر بها إنه لا يفلح المجرمون.
﴿ أتنبئون ﴾ أي أتخبرون. ﴿ سبحانه ﴾ أي أسبحه سبحانا، وسبحه بمعنى نزهه عن مشابهة المخلوقين.
تفسير المعاني :
ويعبدون من دون الله آلهة لا تضرهم ولا تنفعهم ويزعمون أنها شفعاؤهم عند الله، قالوا : تشفع لنا فيما يهمنا من أمور الدنيا وتشفع لنا في الآخرة، فقل لهم : أتخبرون الله بما لا يعلم له وجودا في السموات ولا في الأرض، سبحانه وتعالى عن إشراكهم وعن الشركاء الذين يشركونهم به.
ما كان الناس في زمانهم الأقدم إلا أمة واحدة على الفطرة لا تفرقهم المذاهب، فاختلفوا باتباع الأهواء والأخذ بالأباطيل، ولولا كلمة سبقت من ربك بتأخير الحكم عليهم إلى يوم القيامة لقضى بينهم عاجلا فيما فيه يختلفون بإهلاك المبطل وإبقاء المحق.
ويقولون هلا أنزلت عليه آية من ربه، أي من الآيات التي اقترحوها عليه ؟ فقل : إنما الغيب لله يأبى إنزال الآيات المقترحة لأنه يستتبعها مفاسد، فانتظروا إنا معكم من المنتظرين.
﴿ ضراء ﴾ الضراء الضر والمرض. ﴿ وإذا لهم مكر نفي آياتها ﴾ أي إذا لهم احتيال في دفعها والطعن عليها.
تفسير المعاني :
وإذا نفحنا الناس برحمة منا بعد شدة حاقت بهم كقحط أو مرض إذا لهم احتيال في آياتها بالطعن فيها ومحاولة دحضها، قل : الله أسرع منكم تدبيرا لرد كيدكم، إن رسلنا مراقبون لكم يكتبون ما تمكرون. قيل أصاب أهل المدينة قحط دام سبع سنين، ثم تداركهم الله بالمطر فطفقوا يقدحون في آيات الله ويكيدون رسوله. والآية تشير لذلك.
﴿ الفلك ﴾ السفينة يستعمل للواحد والجمع. ﴿ ريح عاصف ﴾ أي ريح ذات عصف. يقال عصفت الريح تعصف عصفا اشتدت في هبوبها.
تفسير المعاني :
هو الذي يحملكم على السير في البر والبحر، حتى إذا كنتم في السفن وجرين بمن فيها مدفوعين بريح طيبة، جاءتها ريح شديدة وأطبق عليهم الموج من كل مكان فظنوا أنهم قد أحبط بهم، دعوا الله بغير شرك، لئن أنجيتنا من هذه الكارثة لنكونن من الشاكرين.
﴿ يبغون ﴾ أي يفسدون ويظلمون. يقال بغى يبغى بغيا أي ظلم وأفسد. ﴿ بغير الحق ﴾ أي بالباطل. ﴿ متاع ﴾ أي تمتع. ﴿ مرجعكم ﴾ أي رجوعكم.
تفسير المعاني :
فلما نجاهم عادوا إلى الفساد في الأرض بالباطل. فيا أيها الناس إن بغيكم حائق بكم فمنفعة الدنيا لا تبقى ويبقى عقابها، ثم إلينا ترجعون فننبئكم بما كنتم تعملون.
﴿ فاختلط به نبات الأرض ﴾ أي فاشتبك بسببه نبات الأرض حتى خلط بعضه بعضا. ﴿ والأنعام ﴾ أي الإبل والبقر والغنم جمع نعم، ولكن لا يقال لها أنعام إلا إذا كانت الإبل في جملتها. والأنعام في هذه الآية شاملة لجميع البهائم. ﴿ زخرفها ﴾ أي زينتها. ﴿ حصيدا ﴾ أي شبيها بما حصد من أصله. ﴿ كأن لم تغن بالأمس ﴾ أي كأن لم يغن زرعها، أي كأن لم يلبث. يقال غنى بالمكان يغني غنى أي لبث به.
تفسير المعاني :
إنما مثل الحياة الدنيا في سرعة تقلبها كمثل ماء أنزلناه من السماء فنما بسببه نبات الأرض واختلط بعضه ببعض مما يأكله الناس والبهائم من الزروع، حتى إذا بلغت الأرض غاية بمختلف النباتات وخيل لأهلها أنهم متمكنون من حصدها والتمتع بثمارها، ضرب زرعها ما يجتاحه من الآفات ليلا أو نهارا فجعلنا زرعها شبيها بما حصد من أصله كأن لم يكن موجودا بالأمس، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون.
﴿ دار السلام ﴾ أي دار السلامة وهي الجنة. ﴿ صراط ﴾ أي طريق جمعه صرط وأصله سراط.
تفسير المعاني :
والله يدعو إلى الجنة ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
﴿ الحسنى ﴾ أي المثوبة الحسنى، والحسنى مؤنث الأحسن. ﴿ ولا يرهق ﴾ أي ولا يغشى بمعنى ولا يغطي. يقال رهق يرهق رهقا، غشي وقارب. يقال راهق الغلام أي قارب الحلم، وأرهقه عسرا كلفه إياه. ﴿ قتر ﴾ أي غبرة فيها سواد.
تفسير المعاني :
للذين أحسنوا أعمالهم المثوبة الحسنى وزيادة من فضل الله، ولا تغطى وجوههم غبرة الندم ولا ذلة، أولئك أصحاب الجنة خالدون فيها.
﴿ السيئات ﴾ أي الأفعال السيئات، وهي من الصفات التي تجري مجرى الأسماء. ﴿ أغشيت ﴾ أي غطيت.
تفسير المعاني :
وأما الذين اقترفوا الأعمال السيئة فيجزيهم عن السيئة مثلها وتغشاهم ذلة، ما لهم من الله من عاصم، ترى وجوههم كأنما غطيت بقطع من الليل مظلمة، أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
﴿ فزيلنا بينهم ﴾ أي ففرقنا بينهم. يقال زيل فرق، وتزيلوا تفرقوا. ﴿ شركاؤهم ﴾ أي آلهتهم.
تفسير المعاني :
ويوم نجمعهم جمعا ثم نقول للمشركين : ألزموا مكانكم أنتم وآلهتكم وفرقنا بينهم، فقال لهم آلهتهم : إنكم ما كنتم تعبدوننا وإنما كنتم تعبدون أهواءكم.
كفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إنا كنا عن عبادتكم إيانا غافلين.
﴿ تبلوا كل نفس ما أسلفت ﴾ أي تختبر ما قدمت من عمل. يقال بلاه يبلوه بلوا، أي اختبره.
تفسير المعاني :
هنالك، أي في هذا المقام، تختبر كل نفس ما قدمت من أعمالها وردوا إلى الله.
قل لهم يا محمد : من يرزقكم من السماء والأرض بما يحدث من تفاعل قواهما ؟ أم من له السلطان على الأسماع والأبصار ؟ ومن الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ؟ ومن يدبر الأمر ؟ فسيقولون : الله. فقل لهم : إذا كنتم تعلمون ذلك أفلا تخافون بطشه بكم ؟
﴿ فأنى تصرفون ﴾ أي فأين تصرفون عن الحق إلى الضلال ؟
تفسير المعاني :
فذلكم الله ربكم الحق هو المتولي لهذه الأمور والمستحق للعبادة، فأي شيء بعد الحق غير الضلال ؟ فأين تصرفون ؟
﴿ كذلك حقت كلمة ربك ﴾ أي ثبتت. ﴿ الذين فسقوا ﴾ أي الذين خرجوا عن الشريعة. يقال فسق يفسق فسقا أي خرج عن الشريعة.
تفسير المعاني :
﴿ كذلك حقت كلمة ربك ﴾ أي كما حقت له الربوبية، كذلك حقت كلمة الله وحكمه ﴿ على الذين فسقوا ﴾ أنهم لا يؤمنون.
﴿ تؤفكون ﴾ أي تصرفون. يقال أفكه يأفكه أفكا صرفه، وأصله من الإفك، وهو صرف الشيء عن حقيقته.
تفسير المعاني :
قل : هل من شركائكم : أيها الكافرون، من يبدأ الخلق ثم يعيده ؟ قل : الله يبدأ الخلق ثم يعيده في الآخرة فأين تصرفون ؟
قل : هل من آلهتكم من يرشد الناس إلى الحق بنصب الحجة، ووضع المعالم للسالكين إلى الحق ؟ قل : الله يرشد إلى الحق، أفمن يرشد أحق أن يتبع أم من لا يرشد وهو نفسه في حاجة إلى أن يرشده مرشد ؟ فما لكم تحكمون بما تقتضي بداهة العقل بطلانه ؟
وما يتبع أكثرهم إلا الظنون والأوهام، والظن لا يغني من الحق شيئا، والله عليم بما يفعلون.
﴿ وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ﴾ أي افتراء من الخلق. ﴿ ولكن تصديق الذي بين يديه ﴾ أي جاء مصدقا لما تقدمه من الكتب السماوية، ونصب تصديق بأنه علة لفعل محذوف تقديره أنزله تصديق الذي بين يديه. ﴿ لا ريب فيه ﴾ يقال رابني هذا الأمر يريبني ريبا، أي حدث لي شك من جهته. ﴿ العالمين ﴾ جمع عالم. والعالم اسم للفلك وما يحتويه من الجواهر والأعراض، وأما جمعه فلأن كل نوع من الكائنات يسمى عالما، فيقال عالم الماء وعالم الحيوان إلخ.
تفسير المعاني :
ليس هذا القرآن مما يمكن أن يفترى افتراء من الخلق، ولكن الله أنزله تصديقا لما تقدم من الكتب وتفصيل ما تقرر من العقائد والأحكام، لا شك فيه من رب العالمين.
﴿ وادعوا من استطعتم ﴾ أي واستعينوا بمن شئتم.
تفسير المعاني :
أم يقولون، أي بل يقولون : افتراه، فإن صح زعمكم أن هذا الكتاب مما يمكن افتراؤه فأتوا بسورة مثله، واستعينوا بكل ما تشاءون من أهل الفصاحة والحكمة.
﴿ ولما يأتهم تأويله ﴾ أي ولم يأتهم بعد تأويله.
تفسير المعاني :
بل كذبوا بشيء لم يعرفوه ولم يجئهم تأويله بعد، كذلك فعل الذين من قبلهم فتأمل ماذا كانت عاقبة الظالمين.
﴿ ومنهم من يؤمن به ﴾ أي ومن المكذبين من يؤمن به سرا ولكن يجاهر بالكفر به عنادا. ﴿ ومنهم من لا يؤمن به ﴾ أي ومن المكذبين من هو صادق في عدم الإيمان به لغباوته.
تفسير المعاني :
ومن المكذبين من يؤمن به ولكنه يظهر الكفر عنادا، ومنهم من لا يؤمن به حقا.
فإن تمادوا في تكذيبك فقل لهم : لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم، أنتم بريئون من تبعة ما أعمل وأنا بريء من تبعة ما تعملون.
﴿ الصم ﴾ الطرش. يقال صم يصم صما أي طرش.
تفسير المعاني :
ومن المكذبين من يستمعون إليك إذا قرأت القرآن فهل أنت تستطيع أن تسمع الطرش وإن انضاف إلى صممهم عدم التعقل ؟
ومنهم من ينظر إليك أفأنت تقدر على إرشاد العمى وإن انضم عدم البصيرة إلى عدم البصر ؟
إن الله لا يظلم الناس شيئا، ولكن أكثر الناس يظلمون أنفسهم.
﴿ يحشرهم ﴾ أي يجمعهم، والحشر جمع الناس للحرب.
تفسير المعاني :
ويوم يحشرهم إلى يوم القيامة يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا حتى يخيل لهم أنها لم تزد على ساعة من نهار يعرف فيها بعضهم بعضا. لقد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين.
﴿ مرجعهم ﴾ أي رجوعهم.
تفسير المعاني :
وإما نرينك بعض العذاب الذي نعدهم به أو نتوفينك قبل ذلك، فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون.
﴿ قضى بينهم بالقسط ﴾ أي قضى بين الرسول ومكذبيه بالعدل. يقال قسط يقسط، ويقسط قسطا أي عدل.
تفسير المعاني :
ولكل أمة رسول يبعثه الله فيها ليهديها، فإذا جاء الأمة رسولها قضى بين الرسول ومكذبيه بالعدل وهم لا يظلمون " في هذا الكلام تهديد للعرب بأنهم على وشك أن يقضي بينهم وبين رسولهم، وهم أدرى بما سيئول إليه أمرهم ".
ويقول الكافرون : متى يتحقق هذا الوعد بالعذاب إن كنتم صادقين ؟
فقل لهم : إني لا أستطيع أن أدفع عن نفسي ضررا ولا أن أجلب لها نفعا، فكيف أستطيع أن أستعجل وقوع العذاب عليكم ؟ لكل أمة موعد تزول فيه، فإذا جاء أجلها فلا تتقدم عنه ساعة ولا تتأخر. فلا تستعجلوا ما سيحل بكم فسيئون أوانكم ويحين حينكم.
﴿ بياتا ﴾ أي وقت بيات واشتغال بالنوم. يقال بيت العدو أوقع به ليلا.
تفسير المعاني :
قل أرأيتم إن وقع بكم العذاب الذي تستعجلونه وقت اشتغالكم بالنوم أو نهارا، فأي شيء تستعجلون منه وكل عذاب مكروه ؟
﴿ آلآن ﴾ أي أتؤمنون به الآن بعد وقوع العذاب ؟
تفسير المعاني :
أثم إذا وقع آمنتم به ؟ فيقال لكم إذ ذاك : آلآن تؤمنون به حيث لا يفيدكم الإيمان بعد وقوعه وقد كنتم به تستعجلون ؟
﴿ عذاب الخلد ﴾ أي العذاب الخالد. وكلمة الخلد مصدر خلد يخلد خلودا وخلدا.
تفسير المعاني :
ثم قيل للذين ظلموا أنفسهم : هل تجزون إلا ما كنتم تقترفون ؟
﴿ ويستنبئونك ﴾ أي ويستخبرونك. ﴿ أحق هو ﴾ أي أحق ما تذكروه من الوعد والوعيد، أو أحق ما تدعيه من النبوة ﴿ قل إي وربي إنه لحق ﴾ أي قل : نعم والله إنه لحق. وإي بمعنى نعم وهو من لوازم القسم.
تفسير المعاني :
ويستخبرونك أحق ما تعدنا به وما تدعيه من النبوة. فقل لهم : نعم والله إنه لحق وما أنتم بمعجزين.
﴿ وأسروا الندامة ﴾ أي أخفوها. ﴿ بالقسط ﴾ بالعدل.
تفسير المعاني :
ولو أن لكل نفس ظلمت نفسها وغيرها ما في الأرض من خزائن لجعلته فدية لها من عذاب الآخرة، ولكن الكافرين يبهتون حين يرون العذاب مما لم يكونوا يحتسبون، ويخفون الندامة، وقضي بينهم بالعدل وهم لا يظلمون.
ألا إن لله ما في الكون جميعا، ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون.
هو الذي يحيي ويميت وإليه ترجعون فيحاسبكم على ما عملتم.
﴿ جاءتكم موعظة من ربكم ﴾ أي كتاب جامع لأشتات الحكم البالغة. ﴿ وشفاء لما في الصدور ﴾ من الشكوك.
تفسير المعاني :
يا أيها الناس قد جاءكم كتاب من ربكم فيه موعظة لكم وشفاء لما في صدوركم من الوساوس والشكوك وهدى ورحمة للمؤمنين.
قل لهم يا محمد : إنما يحسن الفرح بمجيء فضل الله ورحمته فهي خير مما يجمعونه من المال.
قل لهم : أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حلالا وحراما بأوهامكم فاسألهم أأذن الله لكم في هذا أم على الله تكذبون ؟
وأي شيء ظن الذين يكذبون على الله يوم القيامة، أيحسبون أنهم لا يجازون عليه ؟ إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون.
﴿ وما تكون في شأن ﴾ أي وما تكون مشتغلا بأمر. ﴿ إذ تفيضون فيه ﴾ أي إذ تخوضون فيه. ﴿ وما يعزب ﴾ أي وما يغيب. يقال عزب عنه الصواب يعزب عزوبا. ﴿ مثقال ذرة ﴾ أي وزن قطعة الهباء. المثقال ما يوزن به وهو مشتق من الثقل، ومثقال الشيء زنته، والذرة النملة الصغيرة، والقطعة من الهباء الذي يرى متطايرا في الحجر في ضوء الشمس.
تفسير المعاني :
وما تكون مهتما بأمره، وما تتلو شيئا من القرآن، وما تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تخوضون فيه، وما يغيب عن ربك من وزن ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين. والمراد بالكتاب هنا اللوح المحفوظ. ونقول : قي هذه الآية تصريح بأن الله تعالى أحاط بكل شيء علما، وأنه لا تحدث حادث مهما كانت الأحوال إلا كان هو الآذن فيه، وهذه من أخص صفات الربوبية.
﴿ أولياء الله ﴾ أي الذين يتولون الله بالطاعة ويتولاهم بالكرامة.
تفسير المعاني :
ألا إن أولياء الله الذين يتولونه بالطاعة لا خوف عليهم من وقوع مكروه ولا هم يحزنون من فوات مأمول، هم الذين آمنوا به إيمانا صادقا وخافوه فوقفوا عند حدوده.
ألا إن أولياء الله الذين يتولونه بالطاعة لا خوف عليهم من وقوع مكروه ولا هم يحزنون من فوات مأمول، هم الذين آمنوا به إيمانا صادقا وخافوه فوقفوا عند حدوده.
﴿ لهم البشرى في الحياة الدنيا ﴾ أي لهم ما بشر به المتقين في كتابه وعلى لسان رسوله. ﴿ وفي الآخرة ﴾ يتلقى الملائكة إياهم مبشرين بالجنة. ﴿ لا تبديل لكلمات الله ﴾ أي لا إخلاف لوعوده.
تفسير المعاني :
لهم البشرى في الحياة الدنيا بما يتلونه في كتاب الله مما أعده لهم، ولهم البشرى في الآخرة يوم يتلقاهم الملائكة مهنئيهم بالنجاة، لا إخلاف لوعود الله ذلك هو الفوز العظيم.
﴿ ولا يحزنك قولهم ﴾ أي ولا يكدرك إشراكهم وتكذيبهم وتهديدهم.
تفسير المعاني :
ولا يكدرك كفرهم فلا تبال بهم فإن الغلبة لله جميعا، هو السميع لأقوالهم، العليم بنياتهم.
﴿ وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ﴾ أي وما يتبعون آلهتهم على أنهم شركاء على الحقيقة. ﴿ إن يتبعون إلا الظن ﴾ أي ما يتبعونه يقينا وإنما يتبعون ظنهم أنهم شركاء. ﴿ وإن هم إلا يخرصون ﴾ أي وما هم إلا يكذبون. يقال خرص يخرص خرصا أي كذب.
تفسير المعاني :
إلا إن لله ما في الكون كله فمن الذي يصلح أن يكون نديدا له يستحق أن يعبد معه ؟ وما يتبع الكافرون آلهتهم على أنها شركاء لله على الحقيقة، فإنهم ما يتبعون إلا خيالهم وما هم إلا يكذبون.
هو الذي جعل لكم الليل لتهتدوا فيه، وجعل النهار لتبصروا فيه وتعملوا لمنافعكم، إن في هذا لآيات لقوم يسمعون سماع تدبر وتفكير.
﴿ إن عندكم من سلطان بهذا ﴾ أي ما عندكم من دليل.
تفسير المعاني :
قالوا : اتخذ الله ولدا، سبحانه هو الغني عن كل شيء، له ملكوت الوجود كله، فما عندكم من دليل على اتخاذه ولدا ؟ أتقولون على الله ما لا تعملون ؟
قل يا محمد : إن الذين يختلقون الكذب على الله بأنه اتخذ ولدا أو شريكا لا يفلحون.
﴿ متاع ﴾ أي تمتع. ﴿ مرجعهم ﴾ أي رجوعهم.
تفسير المعاني :
لهم تمتع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم بعد الموت فنذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون.
﴿ واتل ﴾ واقرأ. يقال تلاه يتلوه تلاوة قرأه. وتلاه يتلوه تلوا تبعه. ﴿ نبأ ﴾ أي خبر. ﴿ مقامي ﴾ أي إقامتي بينكم، أو قيامي على دعوتكم. ﴿ فأجمعوا أمركم ﴾ أي فاعزموا عليه. ﴿ وشركاءكم ﴾ أي مع شركائكم. وقيل هو منصوب بفعل محذوف تقديره : وادعوا شركاءكم. ﴿ ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ﴾ أي ثم لا يكن أمركم في قصدي عليكم مستورا بل اجعلوه ظاهرا مكشوفا. يقال غمه يغمه غما ستره. ﴿ ثم اقضوا إلي ولا تنظرون ﴾ أي ثم أدوا إلى ذلك الأمر الذي تريدون بي ولا تمهلوني. يقال أنظره أي أمهله.
تفسير المعاني :
واقرأ عليهم خبر نوح إذ قال لقومه : إن كان شق عليكم قيامي فيكم بالدعوة إلى الحق، وتذكيري إياكم بآيات الله، فقد توكلت عليه فاعزموا أمركم وادعوا شركاءكم، ثم لا تجعلون مستورا، وأدوه إلي ولا تمهلوني.
﴿ فإن توليتم ﴾ أي أعرضتم.
تفسير المعاني :
فإن أعرضتم عما أدعوكم إليه فما سألتكم من أجر عليه يوجب إعراضكم، ما أجري إلا على الله، وأمرت أن أكون من المنقادين لأوامر الله.
﴿ الفلك ﴾ السفينة يستعمل مفردا وجمعا على هذه الصيغة.
﴿ خلائف ﴾ أي خلفاء لمن هلكوا. ﴿ المنذرين ﴾ أي الذين أنذروا ولم يتعظوا.
تفسير المعاني :
فكذبوه فنجيناه ومن آمن به في السفينة وجعلناهم خلفاء للذين أهلكناهم وأغرقنا المكذبين. فانظر كيف كانت عاقبة الذين أنذروا بالهلاك المبين.
﴿ نطبع ﴾ أي نختم، والختم لا يكون إلا مع الإغلاق، فيكون معنى الختم أو الطبع على القول إغلاقها عن الفهم.
تفسير المعاني :
ثم بعثنا بعد نوح رسلا إلى أقوامهم فجاءوهم بالمعجزات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل، كذلك نغلق قلوب المعتدين.
﴿ وملئه ﴾ الملأ الأشراف الذين يملئون العيون مهابة. ﴿ بآياتنا ﴾ أي بالآيات التسع وهي الدم والضفادع والقمل إلخ.
تفسير المعاني :
ثم أرسلنا من بعد هؤلاء الرسل موسى وهرون إلى فرعون وقومه بآياتنا، فتكبروا عن اتباعها وكانوا قوما مجرمين.
﴿ فلما جاءهم الحق من عندنا ﴾ أي فلما ظهر لهم أن ما يدعو إليه موسى هو الحق وما بعمله من المعجزات مزيح لكل شك.. ﴿ لسحر مبين ﴾ أي لسحر ظاهر، أو لسحر فائق في فنه.
تفسير المعاني :
فلما أتاهم الحق من عندنا على يد موسى، وقد أيدناه بالمعجزات الباهرة، قالوا : إن هذا لسحر مبين.
﴿ أتقولون للحق لما جاءكم : أسحر هذا ﴾ المحكي عنه محذوف في هذه الآية وتقديره أتقولون للحق لما جاءكم : سحر مبين ؟ أسحر هذا ؟
تفسير المعاني :
فقال لهم موسى : أتقولون للحق لما جاءكم إنه سحر ؟ أسحر هذا ؟ ولا يفلح الساحرون.
﴿ لتلفتنا ﴾ أي لتصرفنا. واللفت والفتل أخوان. ﴿ الكبرياء ﴾ هنا معناها الملك. سمي بها الملك لاتصاف الملوك بالكبرياء.
تفسير المعاني :
قالوا : أجئتنا لتصرفنا عن الدين الذي وجدنا عليه آباءنا ليكون لكما الملك والجبروت في الأرض ؟ فما نحن لكما بمصدقين.
وقال فرعون : ائتوني بكل ساحر عليم.
فلما جاء السحرة والتقوا بموسى قال لهم : ألقوا ما أنتم ملقون.
﴿ قال موسى ما جئتم به السحر ﴾ أي قال إن ما جئتم به هو السحر.
تفسير المعاني :
فلما ألقوا حبالهم وعصيهم خيل للناس أنها تعابين. قال موسى : إن ما جئتم به هو السحر لا ما سماه فرعون سحرا، إن الله سيبطله، إنه لا يقوي عمل المفسدين.
﴿ ويحق الله الحق بكلماته ﴾ أي ويثبت الله الحق بأوامره.
تفسير المعاني :
ويثبت الله الحق بأوامره ولو كره المجرمون.
﴿ على خوف من فرعون وملئهم ﴾ أي مع خوف من آل فرعون وملئهم. كما يقال ربيعة ومضر، والمراد آل ربيعة وآل مضر. وبهذا يمكن تعليل مجيء الضمير في ملئهم على صيغة الجمع. ﴿ أن يفتنهم ﴾ أي أن يعذبهم، فإن من معاني فتنه يفتنه فتنة عذبه. ﴿ لعال في الأرض ﴾ أي لغالب فيها.
تفسير المعاني :
فما آمن بموسى إلا طائفة من شبان بني إسرائيل على خوف من آل فرعون وأشراف قومهم أن يعذبهم فرعون، وإنه لمتغلب في الأرض ومن المسرفين في الكبر والجبروت.
وقال موسى : يا قوم إن كنتم آمنتم حق الإيمان فثقوا بالله، واعتمدوا عليه إن كنتم له مستسلمين.
﴿ لا تجعلنا فتنة ﴾ أي موضع فتنة أي موضع عذاب.
تفسير المعاني :
فقالوا : عليه توكلنا، ربنا لا تجعلنا موضع عذاب للقوم الظالمين.
ونجنا برحمتك من الكافرين.
﴿ تبوءا ﴾ أي اتخذا مباءة أي مسكنا ومنزلا. يقال تبوأ المكان اتخذه مسكنا له. ﴿ قبلة ﴾ أي مصلى، وقيل مساجد متوجهة نحو القبلة. قيل يعنى الكعبة.
تفسير المعاني :
وأوحينا إلى موسى وأخيه أن اتخذوا لقومكم بمصر بيوتا واجعلوها مصلى، وأقيموا الصلاة فيها، وبشر المؤمنين بالفوز في الدنيا والآخرة.
﴿ ربنا اطمس على أموالهم ﴾ أي أهلكها، والطمس المحق. ﴿ واشدد على قلوبهم ﴾ أي أقسمها واختم عليها حتى لا تنشرح للإيمان.
تفسير المعاني :
قال موسى : ربنا إنك منحت فرعون وأشراف قومه زينة وأموالا ليضلوا بلألائها الناس عن صراطك ابتلاء لهم، ربنا امحق أموالهم هذه وأقس قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يذوقوا العذاب الأليم جزاء لهم على تجبرهم في الأرض وتمردهم على رسلك.
﴿ فاستقيما ﴾ أي فأثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة وإلزام الحجة.
تفسير المعاني :
قال الله : قد استجيبت دعوتكما فاثبتا على ما أنتما عليه ولا تتبعا طريق الجهلة استعجال العذاب للمكذبين.
﴿ وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر ﴾ أي جوزناهم البحر حتى بلغوا الشط حافظين لهم. ﴿ فأتبعهم ﴾ أي فأدركهم. يقال تبعته حتى أتبعته، أي حتى أدركته. ﴿ بغيا وعدوا ﴾ أي باغين عادين. يقال بغى عليه يبغي بغيا ظلمه، وعدا عليه يعدو عدوا وعدوانا أي تعدى عليه.
تفسير المعاني :
وجوزنا بنى إسرائيل البر حتى بلغوا الشط ونحن لهم حافظون، فأدركهم فرعون وجنوده ظلما وتعديا حتى إذا أشرف على الغرق قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المستسلمين له.
﴿ آلآن ﴾ أي أتؤمن الآن ؟
تفسير المعاني :
فقيل له : أتؤمن الآن وقد يئست من النجاة وكنت عاصيا من قبل ومن المفسدين ؟
فاليوم نهلكك غرقا وننجي جسمك لتكون لمن وراءك من بنى إسرائيل علامة إذ كان في نفوسهم من عظمتك ما خيل إليهم أنك لا تهلك قط.
﴿ ولقد بوأنا بنى إسرائيل مبوأ صدق ﴾ أي ولقد أنزلنا بنى إسرائيل منزلا صالحا وهو الشام ومصر. يقال بوأه بيتا أي أسكنه إياه، ومبوأ أي منزل. ﴿ فما اختلفوا حتى جاءهم العلم ﴾ أي فما اختلفوا في أمر دينهم إلا من بعد ما قرءوا التوراة وعملوا أحكامها.
تفسير المعاني :
ولقد أنزلنا بني إسرائيل منزلا صالحا في الشام ومصر ورزقناهم من طيبات الأغذية فعاشوا متآخين متلائمين حتى جاءتهم التوراة وأحكامها فاختلفوا فيها وذهب كل فريق برأي، إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.
﴿ الممترين ﴾ الشاكين. والمرية الشك، وامترى شك.
تفسير المعاني :
فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك من تواريخ الأنبياء فاسأل الذين يقرءون الكتب السماوية التي أنزلت من قبلك لتعلم أن قد جاءك الحق من ربك فلا تكونن بعد ذلك من الشاكين.
﴿ الخاسرين ﴾ أي المضيعين. يقال خسر يخسر خسرا وخسرا وخسرا وخسارة ضد ربح.
تفسير المعاني :
ولا تكونن يا محمد من الذين كذبوا بآيات الله فتحسب من المضيعين.
﴿ حقت ﴾ أي ثبتت. يقال حق الأمر يحقه أثبته وأوجبه. ﴿ كلمة ربك ﴾ بأنهم يموتون على الكفر ويخلدون في النار.
تفسير المعاني :
إن الذين ثبتت عليهم كلمة ربك من أنهم يموتون على الكفر ويخلدون في النار، لا يؤمنون ولو جاءتهم كل معجزة حتى يروا بأعينهم العذاب الأليم، وإذ ذاك لا ينفعهم إيمانهم.
إن الذين ثبتت عليهم كلمة ربك من أنهم يموتون على الكفر ويخلدون في النار، لا يؤمنون ولو جاءتهم كل معجزة حتى يروا بأعينهم العذاب الأليم، وإذ ذاك لا ينفعهم إيمانهم.
﴿ فلولا ﴾ أي فهلا.
تفسير المعاني :
فهلا كانت قرية من القرى آمنت قبل رؤيتها العذاب فنفعها إيمانها واتقت بذلك هلاكها، ولكن قوم يونس كانوا مثلا حسنا فإنهم آمنوا قبل نزول العذاب فحولنا عنهم ومتعناهم إلى حين.
ولو أراد ربك لآمن جميع أهل الأرض، ولكنه رأى من الحكمة أن يكون منهم كافرون ومنهم مؤمنون، أفأنت تجبر الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟
﴿ الرجس ﴾ العذاب والخذلان والقذر والإثم.
تفسر المعاني :
وما كانت لتستطيع نفس أن تؤمن إلا بإذن ربها ويجعل العذاب على الذين لا يعقلون.
﴿ والنذر ﴾ جمع نذير، والنذير هو الذي يخبر مع تخويف من العاقبة.
تفسير المعاني :
قل : انظروا ماذا في السموات والأرض من الآيات الدالة على عظمة الله. ولكن ماذا تنفع الآيات وماذا يغنى المنذرون عن قوم لم يكتب الله لهم أن يكونوا مؤمنين ؟
﴿ خلوا ﴾ مضوا.
تفسير المعاني :
فهل ينتظرون أن يحل بهم إلا مثل ما حل بالذين مضوا من قبلهم، فانتظروا إنا معكم من المنتظرين.
ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا بهم، كذلك الإنجاء ننجي محمدا والذين آمنوا معه.
﴿ ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ﴾ أي أعبد الله الذي يميتكم، والله هو المحيي والمميت والمتصرف المطلق في كل شيء، وإنما خص التوفي بالذكر للتهديد.
تفسير المعاني :
قل : يا أيها الناس " والمقصود بالنداء أهل مكة " إن كنتم في شك من ديني فهذه خلاصته اعتقادا وعملا، وهي ألا أعبد الذين تعبدونهم من دون الله، ولكني أعبد الله الذي يتوفاكم، وأمرت أن أكون من المؤمنين.
﴿ وإن أقم وجهك للدين ﴾ عطف على قوله تعالى أن أكون من المؤمنين، غير أن صلة أن محكية بصيغة الأمر. والمعنى وأمرت بإقامة وجهي للدين حنيفا أي مائلا عن العقائد الزائغة، والحنف الميل إلى الاستقامة.
تفسير المعاني :
وأن أقيم وجهي للدين مائلا عن العقائد الزائغة، وأن لا أكون من المشركين.
وأن لا أدعو من دون الله ما لا ينفعني ولا يضرني، فإن فعلت كنت من الظالمين.
﴿ وإن يمسسك ﴾ أي وإن يصبك.
تفسير المعاني :
وإن يصبك الله يا محمد بضر فلا مزيح له إلا هو، وإن يردك بخير فلا راد لفضله، يصيب به من يريده من عباده وهو الغفور الرحيم.
قل : يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم " يريد بالحق القرآن " فمن اهتدى به فإنما يهتدي لنفسه لأن نفعه عائد عليها دون سائر الناس، ومن ضل فإنما يضل لأن التبعة واقعة عليها دون سائر الخلق، وما أنا عليكم بوكيل.
قوله تعالى :﴿ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ﴾، نعده نحن أصلا عظيما من أصول تربية النفس تربية حرة مطلقة لإشعاره إياها بأن كل أعمالها عائدة عليها وكل شر تفعله مرتد إليها، لا تأثير لاعتبار آخر في ذلك.
واتبع يا محمد ما نوحيه إليك من القرآن حتى يحكم الله بينك وبين قومك وهو خير الحاكمين.