ﰡ
والوَضُوءُ يسمَّى طَهوراً لأنه يطهر من الحدث المانع من الصلاة ؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا يَقْبَلُ الله صَلاةً بغَيْرِ طَهُورٍ " أي بما يطهّر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" جُعِلَتْ ليَ الأَرْضُ مَسْجِداً وطَهوراً " فسمّاه طهوراً من حيث استباح به الصلاة وقام مَقَامَ الماء فيه.
وقد اختلف في حكم الماء على ثلاثة أنحاء، أحدها : إذا خالط الماء غيره من الأشياء الطاهرة، والثاني : إذا خالطته نجاسة، والثالث : الماء المستعمل ؛ فقال أصحابنا :" إذا لم تخالطه نجاسةٌ ولم يغلب عليه غيره حتى يزيل عنه اسم الماء لأجل الغلبة ولم يستعمل لطهارة البدن فالوضوء به جائز، فإن غلب عليه غيره حتى يزيل عنه اسم الماء مثل المَرَقِ وماء الباقلاّء والخلّ ونحوه فإن الوُضوء به غير جائز، وما طبخ بالماء ليكون أنقى له نحو الأُشنان والصابون فالوضوء به جائز إلا أن يكون مثل السَّويق المخلوط فلا يُجْزي، وكذلك إن وقع فيه زعفران أو شيءٌ مما يصبغ بصبغه وغيَّر لونه فالوضوء به جائز لأجل غلبة الماء ".
وقال مالك :" لا يتوضأ بالماء الذي يبلّ فيه الخبز ". وقال الحسن بن صالح :" إذا توضأ بزردج أو نشاسبتج أو بخلّ أجزأه، وكذلك كل شيء غيَّر لونه ".
وقال الشافعي :" إذا بَلَّ فيه خبزاً وغير ذلك مما لا يقع عليه اسم ماء مطلق حتى يُضاف إلى ما خالطه وخرج منه فلا يجوز التطهير به، وكذلك الماء الذي غلب عليه الزعفران أو الأُشْنان " ؛ وكثير من أصحابه يشرط فيه أن يكون بعض الغسل بغير الماء.
قال أبو بكر : الأصل فيه قوله تعالى :﴿ فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ﴾ [ المائدة : ٦ ] إلى قوله :﴿ فلم تجدوا ماءً ﴾ [ المائدة : ٦ ] فيه الدلالة من وجهين على قولنا، أحدهما : أن قوله :﴿ فاغسلوا ﴾ عمومٌ في سائر المائعات بجواز إطلاق اسم الغسل فيها، والثاني : قوله تعالى :﴿ فلم تجدوا ماءً ﴾ ؛ ولا يمتنع أحدٌ من إطلاق القول بأن هذا فيه ماء وإن خالطه غيره، وإنما أباح الله تعالى التيمُّمَ عند عدم كل جزء من ماءٍ ؛ لأن قوله :" ماءً " اسمٌ منكور يتناول كل جزء منه ؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم في البحر :" هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ "، وظاهره يقتضي جواز الطهارة به وإن خالطه غيره لإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فيه، وأباح الوضوء بسُؤْرِ الهرة وسُؤْرِ الحائض وإن خالطهما شيء من لعابهما.
وأيضاً لا خلاف في جواز الوضوء بماء المَدّ والسيل مع تغير لونه بمخالطة الطين له وما يكون في الصحارَى من الحشيش والنبات، ومن أجل مخالطة ذلك له يُرَى متغيراً إلى السواد تارةً وإلى الحمرة والصفرة أخرى، فصار ذلك أصلاً في جميع ما خالطه الماء إذا لم يغلب عليه فيسيله اسم الماء.
فإن قيل : إذا كان الماء المنفرد عن غيره لو استعمله للطهارة ولم يَكْفِهِ ثم اختلط به غيره فكَفَاهُ بالذي خالطه نحو ماء الورد والزعفران فقد حصل بعضُ وُضوئه بما لا تجوز الطهارة به مما لو أفرده لم يطهر، فلا فرق بين اختلاطه بالماء وبين إفراده بالغسْلِ. قيل له : هذا غلط من وجوه، أحدها : أن ما خالطه من هذه الأشياء الطاهرة التي يجوز استعمالها لغير الطهارة إذا كان قليلاً سَقَطَ حُكْمُهُ وكان الحكم لما غَلَبَ، ألا ترى أن اللبن الذي خالطه ماءُ يسيرٌ لا يزول عنه اسم اللبن وأنّ من شرب من حُبٍّ قد وقعت فيه قطرة من خمر لا يقال له شارب خمر ولم يجب عليه الحدُّ لأن ذلك الجزء قد صار مستهلكاً فيه فسقط حكمه ؟ كذلك الماء إذا كان هو الغالب والجزء الذي خالطه إذا كان يسيراً سقط حكمه.
ومن جهة أخرى أنه إن كانت العلةُ ما ذكرتَ فينبغي أن يجوز إذا كان الماء الذي استعمله لو انفرد عما خالطه كان كافياً لطهارته، إذ لا فرق بين انفراد الماء في الاستعمال وبين اختلاطه بما لا يوجب تنجيسه، فإذا كان لو استعمل الماء منفرداً عما خالطه من اللبن وماء الورد ونحوه وكان طَهُوراً، وجَبَ أن يكون ذلك حكمه إذا خالطه غيره ؛ لأن مخالطة غيره له لا تُخرجه من أن يكون مستعملاً للماء المفروض به الطهارة ؛ فهذا الذي ذكرته يدلّ على بطلان قولك وهدم أصْلِكَ.
وأيضاً فينبغي أن تجيزه إذْ أكثر غسل أعضائه بذلك الماء ؛ لأنه قد استعمل من الماء في أعضاء الوضوء ما لو انفرد بنفسه كان كافياً.
فإن قيل : قال الله تعالى :﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ﴾ فجعل الماء المُنْزَلَ من السماء طَهُوراً، فإذا خالطه غيره فليس هو المنزل من السماء بعينه فلا يكون طهوراً.
قيل له : مخالطة غيره له لا تخرجه من أن يكون الماء هو المنزل من السماء ألا ترى أن اختلاط الطين بماء السَّيْلِ لم يخرجه من أن يكون الماء الذي فيه هو المنزل بعينه وإن لم يكن وقت نزوله من السماء مخالطاً للطين ؟ وكذلك ماء البحر لم ينزل من السماء على هذه الهيئة والوضوء به جائز ؛ لأن الغالب عليه هو الماء المنزل من السماء، فهو إذاً مع اختلاط غيره به متطهر بالماء الذي أنزله الله من السماء وسماه طهوراً.
فإن قيل : فيجب على هذا جواز الوضوء بالماء الذي خالَطَتْهُ نجاسةٌ يسيرةٌ ؛ لأنه لم يخرج بمخالطة النجاسة إياه من أن يكون هذا الماء هو المنزل من السماء. قيل له : الماء المخالِطُ للنجاسة هو باقٍ بحاله لم يَصِرْ نَجِسَ العَيْنِ، فلو لم يكن هناك إلا مخالطة غيره له لما منعنا الوضوء به ؛ ولكنّا منعنا الطهارة به مع كونه ماء منزلاً من السماء من قِبَلِ أنه لا نصل إلى استعماله إلا باستعمال جزء من النجاسة، واستعمالُ النجاسة محظور، فإنما منعنا استعمال النجاسة وليس بمحظور علينا استعمال الأشياء الطاهرة وإن خالطت الماء، فإذا حصل معه استعمال الماء للطهارة جاز، كمن توضأ بماء القراح ثم مسح وجهه بماء الورد أو بماء الزعفران فلا يبطل ذلك طهارته.
وقد أجاز الشافعي الوضوء بما أُلقي فيه كافور أو عنبر وهو يوجد منه ريحه وبما خالطه ورد يسيرٌ، وإن وقع مثله من النجاسة في أقلّ من قُلَّتَيْنِ لم يجز استعماله ؛ فليس قياس النجاسة قياس الأشياء الطاهرة إذا خالطت الماء.
فإن قيل : يلزمك أن تُجيز الوضوء بالماء الذي يخالطه ما يغلب عليه شيءٌ من الأشياء الطاهرة إذا كان الماء لو انفرد كفاءً لوضوئه ؛ لأنه لو انفرد جاز، ولأنه هو المنزل من السماء في حال المخالطة وإن غلب عليه غيره حتى سلبه إطلاق اسم الماء.
قيل له : لا يجب ذلك، مِنْ قِبَلِ أن غَلَبَةَ غيره عليه ينقله إلى حكمه ويسقط حكم القليل معه، بدلالة أن قطرة من خمر لو وقعت في حُبِّ ماء فشرب منه إنسان لم يُقَلْ إنه شارب خمر ولا يجب عليه الحدُّ، ولو أن خمراً صُبَّ فيها ماء فمُزِجَتْ به فكان الخمر هو الغالب لإطلاق الناس عليه أنه شارب خمر وكان حكمه في وجوب الحَدّ عليه حكم شاربها صرفاً غير ممزوجة ؛ وأما ماء الورد وماء الزعفران وعُصَارة الريحان والشجر فلم يمنع الوضوء به من أجل مخالطة غيره ولكن لأنه ليس بالماء المفروض به الطهارة ولا يتناوله الاسم إلا بتقييد، كما سمَّى الله تعالى المنيَّ ماءً بقوله :﴿ ألم نخلقكم من ماء مهين ﴾ [ المرسلات : ٢٠ ]، وقال :﴿ والله خلق كل دابة من ماء ﴾ [ النور : ٤٥ ]، وليس هو من الماء المفروض به الطهارة في شيء.
وأما مذهب الحسن بن صالح في إجازته الوضوء بالخلِّ ونحوه، فإنه يلزمه إجازته بالمَرَقِ وبعصير العنب لو خالطه شيءٌ يسير من ماء، ولو جاز ذلك لجاز الوضوء بسائر المائعات من الأدهان وغيرها، وهذا خلاف الإجماع، ولو جاز ذلك لجاز التيمم بالدقيق والأُشْنَانِ قياساً على التراب.
فصل
وأما الماء الذي خالطته نجاسة فإن مذهب أصحابنا فيه أن كل ما تيقَّنَّا فيه جزءاً من النجاسة أو غلب في الظنّ ذلك لم يجز استعماله، ولا يختلف على هذا الحدِّ ماءُ البحر وماء البئر والغدير والماء الراكد والجاري ؛ لأن ماء البحر لو وقعت فيه نجاسة لم يَجُز استعمال الماء الذي فيه النجاسة، وكذلك الماء الجاري. وأما اعتبارُ أصحابنا للغدير الذي إذا حُرِّكَ أحدُ طرفيه لم يتحرك الطرفُ الآخر، فإنما هو كلام في جهة تغليب الظنّ في بلوغ النجاسة الواقعة في أحد طرفيه إلى الطرف الآخر، وليس هذا كلاماً في أن بعض المياه الذي فيه النجاسة قد يجوز استعماله وبعضها لا يجوز استعماله ؛ ولذلك قالوا : لا يجوز استعمال الماء الذي في الناحية التي فيها النجاسة.
وقد اختلف السلفُ وفقهاءُ الأمصار في الماء الذي حلَّته نجاسةٌ، فرُوي عن حُذَيفة أنه سئل عن غدير يُطرح فيه المَيْتَةُ والحيض فقال :" توضأوا فإن الماء لا يخبث ". وقال ابن عباس في الجُنُبِ يدخل الحمام :" إن الماء لا يُجْنِبْ ".
وقال أبو هريرة روايةً في الماء تَرِدُهُ السباعُ والكلابُ فقال :" المَاء لا يتنجّس ". وقال ابن المسيب :" أنزل الله الماء طَهُوراً لا ينجسه شيء ".
وقال الحسن والزُّهْرِيُّ في البول في الماء :" لا ينجس ما لم يغيره بريح أو لون أو طعم ".
وقال عطاء وسعيد بن جبير وابن أبي ليلى :" الماء لا ينجّسه شيء "، وكذلك رُوي عن القاسم وسالم وأبي العالية، وهو قول ربيعة.
وقال أبو هريرة روايةً :" لا يخبث أربعين دلواً شيءٌ "، وهو قول سعيد بن جبير في رواية.
وقال عبدالله بن عمر :" إذا كان الماء أربعين قُلَّةً لم ينجسْهُ شيء ".
ورُوي عن ابن عباس أنه قال :" الحَوْضُ لا يَغْتَسِلُ فيه جُنُبٌ إلا أن يكون فيه أربعون غَرْباً "، وهو قول محمد بن كعب القرظي.
وقال مسروق والنخعي وابن سيرين :" إذا كان الماء كرّاً لم ينجسه شيء ".
وقال سعيد بن جبير رواية :" الماء الراكد لا ينجسه شيء إذا كان قدر ثلاث قِلالٍ ". وقال مجاهد :" إذا كان الماء قُلَّتين لم ينجسه شيء ".
وقال عبيد بن عمير :" لو أن قطرة من مُسْكر قطرت في قربة من الماء لحَرُمَ ذلك الماء على أهله ".
وقال مالك والأوزاعي :" لا يفسد الماء بالنجاسة إلا أن يتغير طعمه أو ريحه ".
وقد ذُكر عن مالك مسائل في موت الدجاجة في البئر :" أنها تُنْزَفُ إلاّ أن تغلبهم، ويعيد الصلاة من توضأ به ما دام في الوقت " وهذا عنده استحباب، وكذلك يقول أصحابه إن كل موضع يقول فيه مالك إنه يعيد في الوقت هو استحباب ليس بإيجاب ؛ وقال في الحوض إذا اغتسل فيه جُنُبٌ :" أفسده "، وهذا أيضاً عنده استحباب لتَرْكِ استعماله، وإن توضأ به أجزأه. وكره الليث للجُنُبِ أن يغتسل في البئر.
وقال الحسن بن صالح :" لا بأس أن يغتسل الجُنُبُ في الماء الراكد الكثير القائم في النهر والسبخة " وكره الوضوء بالماء بالفلاة إذا كان أقلَّ من قدر الكرّ ؛ ورُوي نحوه عن علقمة وابن سيرين ؛ والكرٌّ عندهم ثلاثة آلاف رطل ومائتا رطل.
وقال الشافعي :" إذا كان الماء قلَّتين بقلال هَجَرَ لم ينجسه إلا ما غيَّر طعمه أو لونه، وإن كان أقلَّ يتنجس بوقوع النجاسة اليسيرة ".
والذي يُحتجُّ به لقول أصحابنا قوله تعالى :{ ويحرم عليه
وقال الضحاك رواية :" النسب الرضاع والصهر الخُتُونة ".
وقال الفراء :" النسب الذي لا يحلّ نكاحه والصهر النسب الذي يحلّ نكاحه كبنات العم ".
وقيل :" إن النسب ما رجع إلى ولادة قريبة والصهر خلطة تشبه القرابة ". وقال الضحاك :" النسب سبعة أصناف ذُكروا في قوله :﴿ حرمت عليكم أمهاتكم ﴾ [ النساء : ٢٣ ] إلى قوله :﴿ وبنات الأخت ﴾ [ النساء : ٢٣ ]، والصهر خمسة أصناف ذُكروا في قوله :﴿ وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ﴾ [ النساء : ٢٣ ] إلى قوله :﴿ وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ﴾ [ النساء : ٢٣ ] ".
قال أبو بكر : والتعارف في الأصهار أنهم كل ذي رَحِمٍ محرم من نساء من أضيف إليه ذلك ؛ ولذلك قال أصحابنا فيمن أوصى لأصهار فلان أنه لكل ذي رحم محرم لنساء فلان، وهو المتعارف من مفهوم كلام الناس، قال : والأَخْتَانُ أزواج البنات وكل ذات محرم من المضاف إليه الخَتَن، وكل ذي رحم محرم من الأزواج أيضاً ؛ وقد يستعمل الصهر في موضع الخَتَنِ فيُسَمُّون الخَتَنَ صهراً، قال الشاعر :
* سَمَّيْتُها إِذْ وُلِدَتْ تَمُوتُ * والقَبْرُ صِهْرٌ ضَامِنٌ زَمِيتُ *
فأقام الصهر مقام الختن، وهو محمول على المتعارف من ذلك
وروى يونس عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد وعبدالله بن عتبة أنهما أخبرا عن عبدالرّحمن بن عبدٍ القاري قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مَنْ نَامَ عَنْ جُزْئِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ فيما بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ إلى صَلاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ له كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ ".
وقال الحسن :﴿ جَعَلَ اللَّيْلَ والنَّهَارَ خِلْفَةً ﴾ " جعل أحدهما خلفة للآخر إن فات من النهار شيء أدركه بالليل وكذلك لو فات من الليل ".
قال أبو بكر : هذا في نحو قوله :﴿ وأقم الصلاة لذكري ﴾ [ طه : ١٤ ]، وقوله صلى الله عليه وسلم :" مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَها فَلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَهَا فإنَّ ذَلِكَ وَقْتَها ".
وقد روي عن مجاهد في قوله :﴿ خِلْفَةً ﴾ أحدهما أسود والآخر أبيض. وقيل : يذهب أحدهما ويجيء الآخر
وعن الحسن أيضاً :﴿ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً ﴾ " حلماء لا يجهلون على أحد وإن جهل عليهم، حلموا قد براهم الخوف كأنهم القداح، هذا نهارهم ينتشرون به في الناس " ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ﴾ قال :" هذا ليلهم إذا دخل يراوحون بين أطرافهم فهم بينهم وبين ربهم ".
وعن ابن عباس :﴿ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً ﴾ قال :" بالتواضع لا يتكبرون ".
وقال ابن سيرين :" السرف إنفاقه في غير حقّ ".
وعن عبدالله بن مسعود مثله. وعن مجاهد قال :﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ [ لقمان : ٦ ] قال :" الغناء وكل لعب ولهو ". ورَوَى ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" نُهِيتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْن فَاجِرَيْنِ : صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ وشَقِّ جُيُوبٍ ورَنَّةِ شَيْطَانٍ، وصَوْتٍ عِنْدَ نَغْمَةٍ لَهْوٍ ولعِبٍ ومَزَامِيرِ شَيْطَانٍ ".
ورَوى عبيدالله بن زحر عن بكر بن سوادة عن قيس بن سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إِنّ الله حَرَّمَ عليَّ الخَمْرَ والكُوبَةَ والغِنَاءَ ". قال محمد ابن الحنفية أيضاً في قوله :﴿ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ " أن لا تَقْفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ".
قال أبو بكر : يحتمل أن يريد به الغناء على ما تأولوه عليه، ويحتمل أيضاً القول بما لا علم للقائل به ؛ وهو على الأمرين لعموم اللفظ.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا مَرُّوا باللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ﴾ ؛ قال سعيد بن جبير ومجاهد :" إذا أُوذوا مرُّوا كراماً صفحوا ".
وروى أبو مخزوم عن سنان :﴿ إِذَا مَرُّوا باللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ﴾ قال :" إذا مروا بالرَّفَثِ كَنَوْا ".
وقال الحسن :" اللغو كله المعاصي ". قال السدي : هي مكية. قال أبو بكر : يعني أنه قبل الأمر بقتال المشركين.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَراماً ﴾ قيل :" لازماً مُلِحّاً دائماً "، ومنه الغريم لملازمته وإلحاحه، وإنه لمغرم بالنساء أي ملازم لهن لا يصبر عنهن ؛ وقال الأعشى :
* إِنْ يُعَاقِبْ يَكُنْ غَراماً وإِنْ يُعْ * طِ جَزِيلاً فإنّه لا يُبَالِي *
وقال بشر بن أبي حازم :
* يَوْمَ النَّسَارِ ويَوْمَ الجِفَا * رِكَانَا عَذَاباً وكَانَا غَراما *
قال لنا أبو عمر غلام ثعلب : أصل الغرم اللزوم في اللغة ؛ وذكر نحواً مما قدمنا. ويسمَّى الدَّيْنُ غُرْماً ومَغْرَماً لأنه يقتضي اللزوم والمطالبة، فيقال للطالب الغَرِيم لأن له اللزوم وللمطلوب غَرِيمٌ لأنه يثبت عليه اللزوم ؛ وعلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم :" لا يُغْلِقُ الرَّهْنُ لصَاحِبِهِ غُنْمَهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ " يعني دينه الذي هو مرهون به. وزعم الشافعي أن الغرم الهلاك ؛ قال أبو عمر : وهذا خطأ في اللغة. ورُوي عن الحسن أنه قال :" ليس غريم إلا مفارقاً غريمه غير جهنّم فإنها لا تفارق غريمها ".
ورَوَى أبو أسامة عن الأحوص بن حكيم عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" مَنْ رُزِقَ إِيماناً وحُسْنَ خُلُقٍ فَذَاكَ إِمَامُ المُتَّقِينَ ". وقال مجاهد والحسن :﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ " نأتمّ بمن قبلنا حتى يأتمّ بنا من بعدنا ".