تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
ﰡ
قال: بل اجمعهما لي في الآخرة فنزلت: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ...﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه الواحدي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما عير المشركون رسول الله - ﷺ - بالفاقة، وقالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، حزن رسول الله - ﷺ -، فنزل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ...﴾ الآية. وأخرج ابن جرير نحوه من طريق سعيد وعكرمة عن ابن عباس.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿تَبَارَكَ﴾؛ أي: تزايد وتكاثر خير الإله وإحسانه، الذي من أجله وأعظمه إرسال الرسول، وإنزال القرآن. ﴿الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ أي: أنزل القرآن إنزالًا متكررًا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة. ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ محمد - ﷺ -. ﴿لِيَكُونَ﴾ ذلك العبد أو إنزال القرآن. ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾؛ أي: للمكلفين من الثقلين. ﴿نَذِيرًا﴾؛ أي: مخوفًا من عذاب الله تعالى. أو المعنى (١): تعالى الله الذي نزل القرآن على عبده الأخلص، ونبيه الأخص، وحبيبه الأعلى، وصفيه الأولى محمد المصطفى - ﷺ - في ذاته وصفاته وأفعاله. فتعالت ذاته من جواز التغير والفناء، وعن مشابهة شيء من الممكنات. وتعالت صفاته عن الحدوث، وأفعاله عن العبث. ومن جملة أفعاله تنزيل القرآن، المنطوي علي جميع الخيرات الدينية والدنيوية. وفي الإتيان بعنوان العبد إعلام بكون سيدنا محمد - ﷺ -، في أقصى مراتب العبودية، وتشريف له بالعبدية المطلقة، وتفضيل له بها على جميع الأنبياء، فإنه تعالى لم يسم أحدًا منهم بالعبد مطلقًا، كقوله تعالى: ﴿عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾ وتنبيه على أن الرسول لا يكون إلا عبدًا للمرسل، ردًا على النصارى. ولذا قدم في التشهد عبده على رسوله.
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه الواحدي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: لما عير المشركون رسول الله - ﷺ - بالفاقة، وقالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، حزن رسول الله - ﷺ -، فنزل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ...﴾ الآية. وأخرج ابن جرير نحوه من طريق سعيد وعكرمة عن ابن عباس.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿تَبَارَكَ﴾؛ أي: تزايد وتكاثر خير الإله وإحسانه، الذي من أجله وأعظمه إرسال الرسول، وإنزال القرآن. ﴿الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ أي: أنزل القرآن إنزالًا متكررًا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة. ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ محمد - ﷺ -. ﴿لِيَكُونَ﴾ ذلك العبد أو إنزال القرآن. ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾؛ أي: للمكلفين من الثقلين. ﴿نَذِيرًا﴾؛ أي: مخوفًا من عذاب الله تعالى. أو المعنى (١): تعالى الله الذي نزل القرآن على عبده الأخلص، ونبيه الأخص، وحبيبه الأعلى، وصفيه الأولى محمد المصطفى - ﷺ - في ذاته وصفاته وأفعاله. فتعالت ذاته من جواز التغير والفناء، وعن مشابهة شيء من الممكنات. وتعالت صفاته عن الحدوث، وأفعاله عن العبث. ومن جملة أفعاله تنزيل القرآن، المنطوي علي جميع الخيرات الدينية والدنيوية. وفي الإتيان بعنوان العبد إعلام بكون سيدنا محمد - ﷺ -، في أقصى مراتب العبودية، وتشريف له بالعبدية المطلقة، وتفضيل له بها على جميع الأنبياء، فإنه تعالى لم يسم أحدًا منهم بالعبد مطلقًا، كقوله تعالى: ﴿عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾ وتنبيه على أن الرسول لا يكون إلا عبدًا للمرسل، ردًا على النصارى. ولذا قدم في التشهد عبده على رسوله.
(١) المراح وروح البيان.
471
وقال الشوكاني: تكلم (١) سبحانه في هذه السورة على التوحيد؛ لأنه أقدم وأهم. ثم في النبوة؛ لأنها الواسطة، ثم في المعاد؛ لأنه الخاتمة. وأصل تبارك: مأخوذ من البركة، وهي النماء، حسيةً كانت أو معنوية.
قال الزجاج: تبارك تفاعل من البركة. قال: ومعنى البركة: الكثرة من كل ذي خير. وقال الفراء: إنَّ تبارك وتقدس في العربية واحد. ومعناهما العظمة. وقيل: المعنى: تبارك عطاؤه؛ أي: زاد وكثر. وقيل: المعنى؛ أي: دام وثبت. قال النحاس: وهذا أولاها في اللغة.
قال العلماء: هذه اللفظة لا تستعمل إلا لله سبحانه، ولا تستعمل إلا بلفظ الماضي، وخص في هذا الموضع بالذكر، لأن ما بعده أمر عظيم، وهو القرآن المشتمل على معاني جميع كتب الله تعالى.
والفرقان القرآن، سمي فرقانًا، لأنه يفرق بين الحق والباطل بأحكامه، أو بين المحق والمبطل؛ أي: بين المؤمن والكافر، أو لأنه نزل مفرقًا في أوقات كثيرة. ولهذا قال نزل بالتشديد لتكثير التفريق. ثم علل التنزيل بقوله: ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾؛ أي: ليكون (٢) العبد منذرًا بالقرآن للإنس والجن ممن عاصره، أو جاء بعده مخوفًا لهم من عذاب الله، وموجبات سخطه. والمراد بعبده محمد - ﷺ - كما مر. وبالعالمين هنا الإنس والجن. لأن النبي - ﷺ - مرسل إليهما فقط. فإن الملائكة، وإن كانوا من جملة أجناس العالم، إلا أن النبي - ﷺ - لم يكن رسولًا إليهم، فلم يبق من العالمين المكلفين إلا الجن والإنس، فهو رسول إليهما جميعًا، فتكون الآية وقوله عليه السلام: "أرسلت للخلق كافة" من العام المخصوص. ولم يبعث نبي غيره - ﷺ - إلا إلى قوم معينين. وأما نوح عليه السلام، فإنه وإن كان له عموم بعثة، لكن رسالته ليست بعامة لمن بعده. وأما سليمان عليه السلام، فإن كونه مبعوثًا إلى الجن وما كان له من التسخير العام.. لا يستلزم عموم الدعوة.
قال الزجاج: تبارك تفاعل من البركة. قال: ومعنى البركة: الكثرة من كل ذي خير. وقال الفراء: إنَّ تبارك وتقدس في العربية واحد. ومعناهما العظمة. وقيل: المعنى: تبارك عطاؤه؛ أي: زاد وكثر. وقيل: المعنى؛ أي: دام وثبت. قال النحاس: وهذا أولاها في اللغة.
قال العلماء: هذه اللفظة لا تستعمل إلا لله سبحانه، ولا تستعمل إلا بلفظ الماضي، وخص في هذا الموضع بالذكر، لأن ما بعده أمر عظيم، وهو القرآن المشتمل على معاني جميع كتب الله تعالى.
والفرقان القرآن، سمي فرقانًا، لأنه يفرق بين الحق والباطل بأحكامه، أو بين المحق والمبطل؛ أي: بين المؤمن والكافر، أو لأنه نزل مفرقًا في أوقات كثيرة. ولهذا قال نزل بالتشديد لتكثير التفريق. ثم علل التنزيل بقوله: ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾؛ أي: ليكون (٢) العبد منذرًا بالقرآن للإنس والجن ممن عاصره، أو جاء بعده مخوفًا لهم من عذاب الله، وموجبات سخطه. والمراد بعبده محمد - ﷺ - كما مر. وبالعالمين هنا الإنس والجن. لأن النبي - ﷺ - مرسل إليهما فقط. فإن الملائكة، وإن كانوا من جملة أجناس العالم، إلا أن النبي - ﷺ - لم يكن رسولًا إليهم، فلم يبق من العالمين المكلفين إلا الجن والإنس، فهو رسول إليهما جميعًا، فتكون الآية وقوله عليه السلام: "أرسلت للخلق كافة" من العام المخصوص. ولم يبعث نبي غيره - ﷺ - إلا إلى قوم معينين. وأما نوح عليه السلام، فإنه وإن كان له عموم بعثة، لكن رسالته ليست بعامة لمن بعده. وأما سليمان عليه السلام، فإن كونه مبعوثًا إلى الجن وما كان له من التسخير العام.. لا يستلزم عموم الدعوة.
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
472
والآية حجة لأبي حنيفة - رحمه الله - في قوله: ليس للجن ثواب إذا أطاعوه سوى النجاة من العذاب، ولهم عقاب إذا عصوا حيث اكتفى بقوله: ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ ولم يذكر البشارة. قال في "الإرشاد" عدم التعرض للتبشير لانسياق الكلام على أحوال الكفرة.
وفي "المراغي": وإنما ذكر الإنذار ولم يذكر التبشير، مع أن الرسول مرسل بهما، من قبل أن السورة بصدد بيان حال المعاندين، المتخذين لله ولدًا، والطاعنين في كتبه ورسله واليوم الآخر. والنذير المنذر؛ أي: ليكون محمدًا منذرًا، أو ليكون إنزال القرآن منذرًا. ويجوز أن يكون النذير هنا بمعنى المصدر للمبالغة؛ أي: ليكون إنزاله إنذارًا، أو ليكون محمد إنذارًا. وجعل الضمير للنبي - ﷺ - أولى؛ لأن صدور الإنذار منه حقيقة ومن القرآن مجاز. والحمل على الحقيقة أولى. ولكونه أقرب مذكور. وقيل: إن رجوع الضمير إلى الفرقان أولى، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾.
وقرأ الجمهور (١): ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ بالإفراد، وهو محمد - ﷺ -. وقرأ ابن الزبير ﴿عَلَى عِبَادِهِ﴾؛ أي: الرسول وأمته، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ﴾ وقال: ﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ وقرأ ابن الزبير: ﴿للعالمين الجن والإنس﴾ وهو تفسير للعالمين.
وخلاصة ذلك (٢): تعالى الله عما سواه، في ذاته وصفاته وأفعاله التي من جملتها تنزيل القرآن المعجز الناطق بعلو شأنه، وسمو صفاته وابتناء أفعاله على أساس الحكم، والمصالح على عبده محمد - ﷺ - لينذر به الناس، ويخوفهم بأسه ووقائعه بمن خلا قبلهم من الأمم. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ﴾.
فائدة: لفظة تبارك (٣) كلمة لا تستعمل إلا لله تعالى بلفظ الماضي، وذكرت
وفي "المراغي": وإنما ذكر الإنذار ولم يذكر التبشير، مع أن الرسول مرسل بهما، من قبل أن السورة بصدد بيان حال المعاندين، المتخذين لله ولدًا، والطاعنين في كتبه ورسله واليوم الآخر. والنذير المنذر؛ أي: ليكون محمدًا منذرًا، أو ليكون إنزال القرآن منذرًا. ويجوز أن يكون النذير هنا بمعنى المصدر للمبالغة؛ أي: ليكون إنزاله إنذارًا، أو ليكون محمد إنذارًا. وجعل الضمير للنبي - ﷺ - أولى؛ لأن صدور الإنذار منه حقيقة ومن القرآن مجاز. والحمل على الحقيقة أولى. ولكونه أقرب مذكور. وقيل: إن رجوع الضمير إلى الفرقان أولى، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾.
وقرأ الجمهور (١): ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ بالإفراد، وهو محمد - ﷺ -. وقرأ ابن الزبير ﴿عَلَى عِبَادِهِ﴾؛ أي: الرسول وأمته، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ﴾ وقال: ﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ وقرأ ابن الزبير: ﴿للعالمين الجن والإنس﴾ وهو تفسير للعالمين.
وخلاصة ذلك (٢): تعالى الله عما سواه، في ذاته وصفاته وأفعاله التي من جملتها تنزيل القرآن المعجز الناطق بعلو شأنه، وسمو صفاته وابتناء أفعاله على أساس الحكم، والمصالح على عبده محمد - ﷺ - لينذر به الناس، ويخوفهم بأسه ووقائعه بمن خلا قبلهم من الأمم. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ﴾.
فائدة: لفظة تبارك (٣) كلمة لا تستعمل إلا لله تعالى بلفظ الماضي، وذكرت
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) فتح الرحمن.
(٢) المراغي.
(٣) فتح الرحمن.
473
في هذه السورة في ثلاثة مواضع تعظيمًا لله تعالى:
الأول: عند ذكر الفرقان: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾.
والثاني: عند ذكر النبي - ﷺ -: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ﴾.
والثالث: عند ذكر البروج: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾.
ومثل هذه الآيات قوله تعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾. ﴿تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾. ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ وخصت مواضعها بذكرها لعظم ما بعدها:
الأول: ذكر الفرقان، وهو القرآن المشتمل على معاني كتب الله تعالى.
والثاني: ذكر النبي - ﷺ -، ومخاطبة الله تعالى له فيه.
وفي الأثر: "لولاك يا محمد ما خلقت الكائنات" وفي "كشف الخفاء": "لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك". قال الصغاني: هذا حديث موضوع. وكذلك قال "الشوكاني". قال العجلوني بعد ذكره الأثر. وأقول: لكن معناه صحيح، وإن لم يكن حديثًا.
والثالث: ذكر البروج والشمس والقمر والليل والنهار، ولولاها لما وجد في الأرض حيوان ولا نبات.
٢ - ثم وصف سبحانه نفسه بأربع صفات، من صفات الكبرياء:
الأولى: ذكرها بقوله: ﴿الَّذِي﴾ بدل من الموصول الأول، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو الذي ﴿لَهُ﴾ خاصة دون غيره استقلالًا أو اشتراكًا ﴿مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الملك التصرف بالأمر والنهي في الجمهور؛ أي: له السلطان القاهر عليهما، فله القدرة التامة فيهما وفيما حوياه إيجادًا وإعدامًا، وأمرًا ونهيًا بحسب ما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح.
والصفة الثانية: ذكرها بقوله: ﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾؛ أي: لم ينزل أحدًا منزلة ولد، فهو عطف على الصلة. وهذا رد على اليهود والنصارى وبعض مشركي العرب؛ أي: ولم يكن له ولد ليرث ملكه؛ لأنه حي لا يموت، كما زعم الذين
الأول: عند ذكر الفرقان: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾.
والثاني: عند ذكر النبي - ﷺ -: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ﴾.
والثالث: عند ذكر البروج: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾.
ومثل هذه الآيات قوله تعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾. ﴿تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾. ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ وخصت مواضعها بذكرها لعظم ما بعدها:
الأول: ذكر الفرقان، وهو القرآن المشتمل على معاني كتب الله تعالى.
والثاني: ذكر النبي - ﷺ -، ومخاطبة الله تعالى له فيه.
وفي الأثر: "لولاك يا محمد ما خلقت الكائنات" وفي "كشف الخفاء": "لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك". قال الصغاني: هذا حديث موضوع. وكذلك قال "الشوكاني". قال العجلوني بعد ذكره الأثر. وأقول: لكن معناه صحيح، وإن لم يكن حديثًا.
والثالث: ذكر البروج والشمس والقمر والليل والنهار، ولولاها لما وجد في الأرض حيوان ولا نبات.
٢ - ثم وصف سبحانه نفسه بأربع صفات، من صفات الكبرياء:
الأولى: ذكرها بقوله: ﴿الَّذِي﴾ بدل من الموصول الأول، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو الذي ﴿لَهُ﴾ خاصة دون غيره استقلالًا أو اشتراكًا ﴿مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الملك التصرف بالأمر والنهي في الجمهور؛ أي: له السلطان القاهر عليهما، فله القدرة التامة فيهما وفيما حوياه إيجادًا وإعدامًا، وأمرًا ونهيًا بحسب ما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح.
والصفة الثانية: ذكرها بقوله: ﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾؛ أي: لم ينزل أحدًا منزلة ولد، فهو عطف على الصلة. وهذا رد على اليهود والنصارى وبعض مشركي العرب؛ أي: ولم يكن له ولد ليرث ملكه؛ لأنه حي لا يموت، كما زعم الذين
474
قالوا: ذلك للمسيح وعزير، والملائكة. كما حكى الله سبحانه عنهم، في قوله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ وقوله: ﴿أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (١٥٠) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣)﴾.
والصفة الثالثة: ذكرها بقوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ﴾ سبحانه ﴿شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾؛ أي: في ملك السماوات والأرض، لينازعه أو ليعاونه في الإيجاد. فهو تأكيد لقوله: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
وفيه رد على طوائف المشركين من الوثنية والثنوية، وأهل الشرك الخفي؛ أي: وما كان لله سبحانه شريك في ملكه وسلطانه، يصلح أن يعبد من دونه، فأفردوا له العبادة، وأخلصوها له دون كل ما تعبدون من دونه من الآلهة والملائكة والجن والإنس. وفيه أيضًا رد على المشركين العرب، القائلين في تلبيتهم للحج: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو ملك.
والصفة الرابعة: ذكرها بقوله: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ من الموجودات؛ أي: أحدث (١) وأوجد كل موجودات، من مواد مخصوصة على صور معينة، ورتب فيه قوى وخواص مختلفة الأحكام والآثار ﴿فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾؛ أي: فهيأه لما أراده منه، من الخصائص والأفعال اللائقة به، كتهيئة الإنسان للإدراك والفهم والنظر والتدبر في أمور المعاش والمعاد، واستنباط الصنائع المتنوعة، ومزاولة الأعمال المختلفة. وهكذا أحوال سائر الأنواع.
والمعنى: أي (٢) وأوجد كل شيء بحسب ما اقتضته إرادته المبنية على الحكم البالغة، وهيأه لما أراد به من الخصائص، والأفعال التي تليق به، فأعد الإنسان للإدراك والفهم والتدبر، في أمور المعاش والمعاد، واستنباط الصناعات المختلفة، والانتفاع بما في ظاهر الأرض وباطنها. وأعد صنوف الحيوان للقيام بأعمال مختلفة تليق بها ولإدراكها.
والصفة الثالثة: ذكرها بقوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ﴾ سبحانه ﴿شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾؛ أي: في ملك السماوات والأرض، لينازعه أو ليعاونه في الإيجاد. فهو تأكيد لقوله: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
وفيه رد على طوائف المشركين من الوثنية والثنوية، وأهل الشرك الخفي؛ أي: وما كان لله سبحانه شريك في ملكه وسلطانه، يصلح أن يعبد من دونه، فأفردوا له العبادة، وأخلصوها له دون كل ما تعبدون من دونه من الآلهة والملائكة والجن والإنس. وفيه أيضًا رد على المشركين العرب، القائلين في تلبيتهم للحج: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو ملك.
والصفة الرابعة: ذكرها بقوله: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ من الموجودات؛ أي: أحدث (١) وأوجد كل موجودات، من مواد مخصوصة على صور معينة، ورتب فيه قوى وخواص مختلفة الأحكام والآثار ﴿فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾؛ أي: فهيأه لما أراده منه، من الخصائص والأفعال اللائقة به، كتهيئة الإنسان للإدراك والفهم والنظر والتدبر في أمور المعاش والمعاد، واستنباط الصنائع المتنوعة، ومزاولة الأعمال المختلفة. وهكذا أحوال سائر الأنواع.
والمعنى: أي (٢) وأوجد كل شيء بحسب ما اقتضته إرادته المبنية على الحكم البالغة، وهيأه لما أراد به من الخصائص، والأفعال التي تليق به، فأعد الإنسان للإدراك والفهم والتدبر، في أمور المعاش والمعاد، واستنباط الصناعات المختلفة، والانتفاع بما في ظاهر الأرض وباطنها. وأعد صنوف الحيوان للقيام بأعمال مختلفة تليق بها ولإدراكها.
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
475
والخلاصة: أن كل شيء مما سواه مخلوق مربوب، وهو خالق كل شيء وربه، ومليكه وإلهه. وكل شيء تحت قهره وتسخيره وتقديره. ومن كان كذلك، فكيف يخطر بالبال، أو يدور في الخلد كونه سبحانه والدًا له، أو شريكًا له في ملكه، كما قال: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ...﴾ الآية.
وفي "فتح الرحمن" إن قلت: الخلق (١) هو التقدير. ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ﴾ فكيف جمع بينهما؟
قلت: الخلق من الله هو إيجاد، فصح الجمع بينه وبين التقدير.. ولو سلم أنه التقدير، لساغ الجمع بينهما لاختلافهما لفظًا. كما في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ انتهى.
٣ - ثم صرح سبحانه بتزييف مذاهب عبدة الأوثان. فقال: ﴿وَاتَّخَذُوا﴾؛ أي: واتخذ المنذرون من كفار مكة كأبي جهل وأصحابه؛ أي: واتخذوا لأنفسهم وجعلوا لها ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى ﴿آلِهَةً﴾؛ أي: معبودات يعبدونها من دونه تعالى؛ أي: جعلوا لأنفسهم متجاوزين الله آلهة. ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا﴾؛ أي: لا يقدرون على خلق شيء من الأشياء أصلًا. والجملة في محل نصب صفة لآلهة، وغلب العقلاء على غيرهم؛ لأن في معبودات الكفار الملائكة وعزير والمسيح.
﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾؛ أي: والحال أنهم مخلوقون لله سبحانه وتعالى، فكيف تُتخذ آلهة؟ وقيل: عبر عن الآلهة بضمير العقلاء، جريًا على اعتقاد الكفار، أنها تضر وتنفع. وقيل معنى: ﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ أن عبدتهم يصورونهم. وقال (٢) هنا: ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ بالضمير، وفي مريم ويس ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ بلفظ الجلالة. حيث قال في مريم: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١)﴾ وفي يس: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤)﴾ موافقة لما قبله في المواضع الثلاثة.
ثم لما وصف الله سبحانه نفسه بالقدرة الباهرة.. وصف آلهة المشركين بالعجز البالغ. فقال: ﴿وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ﴾؛ أي: لا يستطيعون ﴿ضَرًّا﴾؛
وفي "فتح الرحمن" إن قلت: الخلق (١) هو التقدير. ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ﴾ فكيف جمع بينهما؟
قلت: الخلق من الله هو إيجاد، فصح الجمع بينه وبين التقدير.. ولو سلم أنه التقدير، لساغ الجمع بينهما لاختلافهما لفظًا. كما في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ انتهى.
٣ - ثم صرح سبحانه بتزييف مذاهب عبدة الأوثان. فقال: ﴿وَاتَّخَذُوا﴾؛ أي: واتخذ المنذرون من كفار مكة كأبي جهل وأصحابه؛ أي: واتخذوا لأنفسهم وجعلوا لها ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى ﴿آلِهَةً﴾؛ أي: معبودات يعبدونها من دونه تعالى؛ أي: جعلوا لأنفسهم متجاوزين الله آلهة. ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا﴾؛ أي: لا يقدرون على خلق شيء من الأشياء أصلًا. والجملة في محل نصب صفة لآلهة، وغلب العقلاء على غيرهم؛ لأن في معبودات الكفار الملائكة وعزير والمسيح.
﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾؛ أي: والحال أنهم مخلوقون لله سبحانه وتعالى، فكيف تُتخذ آلهة؟ وقيل: عبر عن الآلهة بضمير العقلاء، جريًا على اعتقاد الكفار، أنها تضر وتنفع. وقيل معنى: ﴿وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ أن عبدتهم يصورونهم. وقال (٢) هنا: ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ بالضمير، وفي مريم ويس ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ بلفظ الجلالة. حيث قال في مريم: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١)﴾ وفي يس: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤)﴾ موافقة لما قبله في المواضع الثلاثة.
ثم لما وصف الله سبحانه نفسه بالقدرة الباهرة.. وصف آلهة المشركين بالعجز البالغ. فقال: ﴿وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ﴾؛ أي: لا يستطيعون ﴿ضَرًّا﴾؛
(١) فتح الرحمن.
(٢) فتح الرحمن.
(٢) فتح الرحمن.
476
أي: دفع ضر عنها، قُدِّم لكونه أهم من النفع. ﴿وَلَا نَفْعًا﴾؛ أي: ولا جلب نفع لها، فكيف يملكون شيئًا منهما لغيرهم؟ فهم أعجز من الحيوان، فإنه ربما يملك دفع الضر، وجلب النفع لنفسه في الجملة.
وفي "فتح الرحمن": قدم (١) الضر على النفع لمناسبة ما بعده، من تقديم الموت على الحياة. انتهى. ثم زاد في بيان عجزهم، فنصَّصَ على هذه الأمور. فقال: ﴿وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾؛ أي: لا يقدرون على إماتة الأحياء. وإحيائهم أولًا وبعثهم ثانيًا. ومن كان كذلك، فبمعزل عن الألوهية، لعرائه عن لوازمها واتصافه بما ينافيها.
وفيه (٢) تنبيه على أن الإله، يجب أن يكون قادرًا على البعث والجزاء، يعني أن الضار والنافع والمميت والمحيي والباعث هو الله سبحانه، فهو المعبود الحقيقي، وما سواه فليس بمعبود بل عابد لله تعالى، كما قال تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)﴾.
وفي الآية إشارة إلى الأصنام المعنوية، وهم المشايخ المدعون، والدجاجلة المضلون، فإنهم ليسوا بقادرين على إحياء القلوب، وإماتة النفوس، فالتابعون لهم في حكم عابدي الأصنام. فليحذر العاقل من اتخاذ أهل الهوى متبوعًا، فإن الموت الأكبر الذي هو الجهل، إنما يزول بالحياة الأشرف الذي هو العلم. فإن كان للعبد مدخل في إفادة الخلق، العلم النافع، ودعاؤهم إلى الله على بصيرة.. فهو الذي رقى غيره من الجهل إلى المعرفة، وأنشأه نشأة أخرى، وأحياه حياة طيبة بإذن الله تعالى. وهي رتبة الأنبياء ومن يرثهم من العلماء العاملين. وأما من سقط عن هذه الرتبة، من الجهلة الذين اتخذهم الناس سادةً، لنسبهم إلى العلماء، فليس الاستماع إلى كلامه إلا كاستماع بني إسرائيل إلى صوت العجل.
وقد قال الله تعالى: ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾؛ أي: كونوا في جملة الصادقين ومصاحبين لهم وبعضهم ولذا قالوا يلزم المرء أن يختار من البقاء أحسنها دينًا،
وفي "فتح الرحمن": قدم (١) الضر على النفع لمناسبة ما بعده، من تقديم الموت على الحياة. انتهى. ثم زاد في بيان عجزهم، فنصَّصَ على هذه الأمور. فقال: ﴿وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾؛ أي: لا يقدرون على إماتة الأحياء. وإحيائهم أولًا وبعثهم ثانيًا. ومن كان كذلك، فبمعزل عن الألوهية، لعرائه عن لوازمها واتصافه بما ينافيها.
وفيه (٢) تنبيه على أن الإله، يجب أن يكون قادرًا على البعث والجزاء، يعني أن الضار والنافع والمميت والمحيي والباعث هو الله سبحانه، فهو المعبود الحقيقي، وما سواه فليس بمعبود بل عابد لله تعالى، كما قال تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣)﴾.
وفي الآية إشارة إلى الأصنام المعنوية، وهم المشايخ المدعون، والدجاجلة المضلون، فإنهم ليسوا بقادرين على إحياء القلوب، وإماتة النفوس، فالتابعون لهم في حكم عابدي الأصنام. فليحذر العاقل من اتخاذ أهل الهوى متبوعًا، فإن الموت الأكبر الذي هو الجهل، إنما يزول بالحياة الأشرف الذي هو العلم. فإن كان للعبد مدخل في إفادة الخلق، العلم النافع، ودعاؤهم إلى الله على بصيرة.. فهو الذي رقى غيره من الجهل إلى المعرفة، وأنشأه نشأة أخرى، وأحياه حياة طيبة بإذن الله تعالى. وهي رتبة الأنبياء ومن يرثهم من العلماء العاملين. وأما من سقط عن هذه الرتبة، من الجهلة الذين اتخذهم الناس سادةً، لنسبهم إلى العلماء، فليس الاستماع إلى كلامه إلا كاستماع بني إسرائيل إلى صوت العجل.
وقد قال الله تعالى: ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾؛ أي: كونوا في جملة الصادقين ومصاحبين لهم وبعضهم ولذا قالوا يلزم المرء أن يختار من البقاء أحسنها دينًا،
(١) فتح الرحمن.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
477
حتى يتعاون بالأخوان الصادقين. قيل لعيسى عليه السلام: يا روح الله من نجالس؟ فقال: من يزيدكم في علمه منطقه، ويذكركم الله رؤيته، ويرغبكم في الآخرة عمله.
اللهم بحق الفرقان اجعلنا مع الصادقين من الإخوان.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى (١) بين ما بآلهتهم من النقائص من وجوه متعددة:
الأولى: أنها لا تخلق شيئًا. والإله يكون قادرًا على الخلق والإيجاد.
والثاني: أنها مخلوقة. والمخلوق محتاج. والإله يجب أن يكون غنيًا عن كل ما سواه.
والثالث: أنها لا تملك لنفسها ضرًا ولا نفعًا، فضلًا عن أن تملك ذلك لغيرها، ومن كان كذلك، فلا فائدة في عبادته وإجلاله وتعظيمه.
والرابع: أنها لا تقدر على التصرف في شيء ما، فلا تستطيع إماتة الأحياء ولا إحياء الموتى، وبعثهم من قبورهم. ومن كان كذلك، فكيف يسمى إلهًا، وتعطى له خصائص الآلهة، من الخضوع لعظمته والإخبات لجلاله.
وعلى الجملة (٢) فعبدة الأصنام قد تركوا عبادة الخالق، المالك لكل شيء، المتصرف فيه بقدرته وسلطانه. وعبدوا ما لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وليس بعد هذا من حماقة، ولا يرضى بمثله، من له مسكنه من عقل، ولا أثارة من علم.
٤ - ولما فرغ الله سبحانه من بيان التوحيد، وتزييف مذاهب المشركين.. شرع في ذكر شبه منكري النبوة. فالشبهة الأولى: ما حكاه عنهم بقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من أهل مكة، كنضر بن الحارث وعبد الله بن أمية ونوفل بن خويلد ومن تابعهم ﴿إِنْ هَذَا﴾؛ أي: ما هذا القرآن ﴿إِلَّا إِفْكٌ﴾؛ أي (٣): كذب مصروف
اللهم بحق الفرقان اجعلنا مع الصادقين من الإخوان.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى (١) بين ما بآلهتهم من النقائص من وجوه متعددة:
الأولى: أنها لا تخلق شيئًا. والإله يكون قادرًا على الخلق والإيجاد.
والثاني: أنها مخلوقة. والمخلوق محتاج. والإله يجب أن يكون غنيًا عن كل ما سواه.
والثالث: أنها لا تملك لنفسها ضرًا ولا نفعًا، فضلًا عن أن تملك ذلك لغيرها، ومن كان كذلك، فلا فائدة في عبادته وإجلاله وتعظيمه.
والرابع: أنها لا تقدر على التصرف في شيء ما، فلا تستطيع إماتة الأحياء ولا إحياء الموتى، وبعثهم من قبورهم. ومن كان كذلك، فكيف يسمى إلهًا، وتعطى له خصائص الآلهة، من الخضوع لعظمته والإخبات لجلاله.
وعلى الجملة (٢) فعبدة الأصنام قد تركوا عبادة الخالق، المالك لكل شيء، المتصرف فيه بقدرته وسلطانه. وعبدوا ما لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وليس بعد هذا من حماقة، ولا يرضى بمثله، من له مسكنه من عقل، ولا أثارة من علم.
٤ - ولما فرغ الله سبحانه من بيان التوحيد، وتزييف مذاهب المشركين.. شرع في ذكر شبه منكري النبوة. فالشبهة الأولى: ما حكاه عنهم بقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من أهل مكة، كنضر بن الحارث وعبد الله بن أمية ونوفل بن خويلد ومن تابعهم ﴿إِنْ هَذَا﴾؛ أي: ما هذا القرآن ﴿إِلَّا إِفْكٌ﴾؛ أي (٣): كذب مصروف
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
478
عن وجهه؛ لأن الإفك كل مصروف عن وجهه، الذي يحق أن يكون عليه. ومنه قيل للرياح العادلة عن المهاب: المؤتفكات. ورجل مأفوك؛ أي: مصروف عن الحق إلى الباطل. ﴿افْتَرَاهُ﴾؛ أي: اختلقه محمد من عند نفسه. والفرق بين الافتراء والكذب أنَّ الافتراء هو افتعال الكذاب. من قبل نفسه. والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه، كما في الأسئلة المقحمة.
﴿وَأَعَانَهُ﴾؛ أي: وأعان محمدًا ﴿عَلَيْهِ﴾؛ أي: على اختلاقه ﴿قَوْمٌ آخَرُونَ﴾؛ أي: قوم غير قومه؛ أي: اليهود فإنهم يلقون إليه أخبار الأمم الماضية، وهو يعبر عنها بعبارته. قال الكلبي (١) ومقاتل: نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث، فهو الذي قال هذا القول. وقال: أعانه عليه عداس مولى حويطب بن عبد العزى، ويسار مولى العلاء عامر بن الحضري، وجبر مولى عامر، وهؤلاء الثلاثة كانوا من أهل الكتاب، وكانوا يقرأون التوراة، ويحدثون أحاديث منها في مكة، فلما أسلموا، كان النبي - ﷺ - يتعهدهم، ويختلف إليهم، فزعم النضر وأصحابه، أنهم يلقون إليه - ﷺ - أخبار الأمم الماضية، وهو - ﷺ - يعبر عنها بعبارات من عنده، فهذا معنى إعانتهم له، فمن أجل ذلك قال النضر ما قال. فرد الله تعالى ذلك بقوله: ﴿فَقَدْ جَاءُوا﴾؛ أي: قائلوا هذه المقالة؛ أي: فعلوا بما قالوا ظلمًا وزورًا.
والمعنى: أي وقال الكافرون: إن هذا القرآن ليس من عند الله تعالى، بل اختلقه محمد - ﷺ -، وأعانه على ذلك جماعة من أهل الكتاب، ممن أسلموا وكان يتعهدهم، ويختلف إليهم (تقدم ذكر أسمائهم) فيلقون إليه أخبار الأمم الغابرة، وهو يصوغها بلغته، وأسلوبه الخاص، فرد الله عليهم مقالهم فقال: ﴿فَقَدْ جَاءُوا﴾؛ أي: فعلوا بما قالوا، فإن جاؤوا أتى يستعملان بمعنى فعل فيتعديان تعديته ﴿ظُلْمًا﴾ عظيمًا بجعل الكلام المعجز إفكًا مختلفًا مفتعلًا من اليهود، يعني: وضعوا الإفك في غيره. ﴿وَزُورًا﴾؛ أي: كذبًا كبيرًا، حيث نسبوا إليه - ﷺ - ما هو
﴿وَأَعَانَهُ﴾؛ أي: وأعان محمدًا ﴿عَلَيْهِ﴾؛ أي: على اختلاقه ﴿قَوْمٌ آخَرُونَ﴾؛ أي: قوم غير قومه؛ أي: اليهود فإنهم يلقون إليه أخبار الأمم الماضية، وهو يعبر عنها بعبارته. قال الكلبي (١) ومقاتل: نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث، فهو الذي قال هذا القول. وقال: أعانه عليه عداس مولى حويطب بن عبد العزى، ويسار مولى العلاء عامر بن الحضري، وجبر مولى عامر، وهؤلاء الثلاثة كانوا من أهل الكتاب، وكانوا يقرأون التوراة، ويحدثون أحاديث منها في مكة، فلما أسلموا، كان النبي - ﷺ - يتعهدهم، ويختلف إليهم، فزعم النضر وأصحابه، أنهم يلقون إليه - ﷺ - أخبار الأمم الماضية، وهو - ﷺ - يعبر عنها بعبارات من عنده، فهذا معنى إعانتهم له، فمن أجل ذلك قال النضر ما قال. فرد الله تعالى ذلك بقوله: ﴿فَقَدْ جَاءُوا﴾؛ أي: قائلوا هذه المقالة؛ أي: فعلوا بما قالوا ظلمًا وزورًا.
والمعنى: أي وقال الكافرون: إن هذا القرآن ليس من عند الله تعالى، بل اختلقه محمد - ﷺ -، وأعانه على ذلك جماعة من أهل الكتاب، ممن أسلموا وكان يتعهدهم، ويختلف إليهم (تقدم ذكر أسمائهم) فيلقون إليه أخبار الأمم الغابرة، وهو يصوغها بلغته، وأسلوبه الخاص، فرد الله عليهم مقالهم فقال: ﴿فَقَدْ جَاءُوا﴾؛ أي: فعلوا بما قالوا، فإن جاؤوا أتى يستعملان بمعنى فعل فيتعديان تعديته ﴿ظُلْمًا﴾ عظيمًا بجعل الكلام المعجز إفكًا مختلفًا مفتعلًا من اليهود، يعني: وضعوا الإفك في غيره. ﴿وَزُورًا﴾؛ أي: كذبًا كبيرًا، حيث نسبوا إليه - ﷺ - ما هو
(١) المراح.
479
بريء منه؛ أي: فقد (١) وضعوا الأشياء في غير مواضعها، وكذبوا على ربهم، إذ جعلوا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه إفكًا مفترى من قبل البشر، وكيف يتقولون ذلك على الرسول، وقد تحداهم أن يأتوا بمثله، وهم ذووا اللسن والفصاحة، والغاية في البلاغة فعجزوا أن يأتوا بمثله، ولو كان ذلك في مكنتهم ما ادخروا وسعًا في معارضته، وقد ركبوا الصعب، والذلول، ليدحضوا حجته، ويبطلوا دعوته فما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا. ولو كان محمد - ﷺ -، قد استعان في ذلك بغيره.. لأمكنهم أيضًا أن يستعينوا هم بغيرهم، فما مثله في اللغة إلا مثلهم، فلما لم يفعلوا.. علم أنه قد بلغ الغاية التي لا تجارى. وانتهى إلى حد الإعجاز، إلى أنه اشتمل على الحكم والأحكام التي فيها سعادة البشر في معاشهم ومعادهم، كما اشتمل على أخبار من أمور الغيب، التي لا تصل إليها مدارك البشر ولا عقولهم.
٥ - وبعد أن حكى عنهم قولهم في الافتراء، بإعانة قوم آخرين عليه.. حكى عنهم طريق تلك الإعانة بقوله: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ وهذه هي الشبهة الثانية؛ أي: وقال الذين كفروا في حق القرآن، وهذا القرآن الذي جاء به محمد - ﷺ -، أساطير الأولين؛ أي: ما سطره (٢) وكتبه المتقدمون من الخرافات والأباطيل والأحاديث التي لا نظام لها مثل حديث رستم واسفنديار. ﴿اكْتَتَبَهَا﴾؛ أي: انتسخها محمد - ﷺ -، من جبر ويسار وعداس؛ أي: أمر أن تكتب له؛ لأنه - ﷺ - كان لا يكتب، وهو كاحتجم وافتصد إذا أمر بذلك؛ أي: أمرهم بكتابتها له، وقراءتها عليه ليحفظها، لأنه أمي. ﴿فهي﴾؛ أي: فتلك الأساطير. ﴿تُمْلَى عَلَيْهِ﴾؛ أي: تلقى على محمد - ﷺ -، وتقرأ عليه، بعد اكتتابها وانتساخها، ليحفظها من أفواه من يمليها عليه، لكونه أميًا، لا يقدر على أن يتلقاها منه بالقراءة والإملاء في الأصل حكاية القول لمن يكتبه. وهنا القراءة عليه من المكتوب.
﴿بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾؛ أي: أول النهار وآخره؛ أي: دائمًا أو خفيةً قبل انتشار الناس وحين يأوون إلى مساكنهم.
٥ - وبعد أن حكى عنهم قولهم في الافتراء، بإعانة قوم آخرين عليه.. حكى عنهم طريق تلك الإعانة بقوله: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ وهذه هي الشبهة الثانية؛ أي: وقال الذين كفروا في حق القرآن، وهذا القرآن الذي جاء به محمد - ﷺ -، أساطير الأولين؛ أي: ما سطره (٢) وكتبه المتقدمون من الخرافات والأباطيل والأحاديث التي لا نظام لها مثل حديث رستم واسفنديار. ﴿اكْتَتَبَهَا﴾؛ أي: انتسخها محمد - ﷺ -، من جبر ويسار وعداس؛ أي: أمر أن تكتب له؛ لأنه - ﷺ - كان لا يكتب، وهو كاحتجم وافتصد إذا أمر بذلك؛ أي: أمرهم بكتابتها له، وقراءتها عليه ليحفظها، لأنه أمي. ﴿فهي﴾؛ أي: فتلك الأساطير. ﴿تُمْلَى عَلَيْهِ﴾؛ أي: تلقى على محمد - ﷺ -، وتقرأ عليه، بعد اكتتابها وانتساخها، ليحفظها من أفواه من يمليها عليه، لكونه أميًا، لا يقدر على أن يتلقاها منه بالقراءة والإملاء في الأصل حكاية القول لمن يكتبه. وهنا القراءة عليه من المكتوب.
﴿بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾؛ أي: أول النهار وآخره؛ أي: دائمًا أو خفيةً قبل انتشار الناس وحين يأوون إلى مساكنهم.
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
وقرأ الجمهور: ﴿اكْتَتَبَهَا﴾ مبنيًا للفاعل. وقرأ ابن مسعود (١) وإبراهيم النخعي وطلحة بن مصرف ﴿اكْتَتَبَهَا﴾ بضم التاء الأولى وكسر الثانية، مبنيًا للمفعول، والابتداء على قراءتهم بضم الهمزة.
والمعنى (٢): اكتتبها له كاتب؛ لأنه كان أميًا لا يكتب. ثم حذفت اللام، فأفضي الفعل إلى الضمير، فصار اكتتبها إياه، ثم بني الفعل للضمير الذي هو إياه، فانقلب مرفوعًا مستترًا، بعد أن كان منصوبًا بارزًا، كذا قال في "الكشاف". واعترضه أبو حيان. وقرأ (٣) طلحة وعيسى ﴿فهي تتلى﴾ بالتاء بدل الميم.
والمعنى: أي (٤) وقال المشركون: الذين قالوا إن هذا إلا إفك مفترى؛ أي: ما هذا الذي يقرأه محمد - ﷺ - إلا أحاديث الأولين، الذين كانوا يسطرونها في كتبهم، اكتتبها من اليهود، فهي تستنسخ منهم، وتقرأ عليه ليحفظها غدوةً وعشيًا؛ أي: قبل انتشار الناس، وحين يأتون إلى مساكنهم. وقد عنوا بذلك، أنها تملى عليه خفية لئلا يقف الناس على حقيقة الحال، وهذه جرأة عظيمة منهم ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾. وقد يكون مرادهم أنها تملى عليه دائمًا.
٦ - ثم أمره الله سبحانه وتعالى، بإجابتهم عمّا قالوا بقوله: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد - ردًا وتحقيقًا للحق -، ليس ذلك مما يفترى ويفتعل بإعانة قوم وكتابة آخرين من الأحاديث الملفقة وأخبار الأولين، بل هو أمر سماوي. ﴿أَنْزَلَهُ﴾ الإله ﴿الَّذِي يَعْلَمُ السِّرّ﴾ والغيب ﴿فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ لا يعزب عن علمه شيء وأودع فيه فنون الحكم والأسرار على وجه بديع، لا تحوم حوله الأفكار، ومن ثم أعجزكم بفصاحته وبلاغته. كما أخبركم فيه بمغيبات مستقبلة وأمور مكنونة، لا يعلمها إلا عالم الأسرار ولا يوقف عليها إلا بتوفيق العليم الخبير، فكيف تجعلونه أساطير الأولين؟
وخص السر (٥) إشارة إلى انطواء ما أنزله سبحانه على أسرار بديعة، لا تبلغ
والمعنى (٢): اكتتبها له كاتب؛ لأنه كان أميًا لا يكتب. ثم حذفت اللام، فأفضي الفعل إلى الضمير، فصار اكتتبها إياه، ثم بني الفعل للضمير الذي هو إياه، فانقلب مرفوعًا مستترًا، بعد أن كان منصوبًا بارزًا، كذا قال في "الكشاف". واعترضه أبو حيان. وقرأ (٣) طلحة وعيسى ﴿فهي تتلى﴾ بالتاء بدل الميم.
والمعنى: أي (٤) وقال المشركون: الذين قالوا إن هذا إلا إفك مفترى؛ أي: ما هذا الذي يقرأه محمد - ﷺ - إلا أحاديث الأولين، الذين كانوا يسطرونها في كتبهم، اكتتبها من اليهود، فهي تستنسخ منهم، وتقرأ عليه ليحفظها غدوةً وعشيًا؛ أي: قبل انتشار الناس، وحين يأتون إلى مساكنهم. وقد عنوا بذلك، أنها تملى عليه خفية لئلا يقف الناس على حقيقة الحال، وهذه جرأة عظيمة منهم ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾. وقد يكون مرادهم أنها تملى عليه دائمًا.
٦ - ثم أمره الله سبحانه وتعالى، بإجابتهم عمّا قالوا بقوله: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد - ردًا وتحقيقًا للحق -، ليس ذلك مما يفترى ويفتعل بإعانة قوم وكتابة آخرين من الأحاديث الملفقة وأخبار الأولين، بل هو أمر سماوي. ﴿أَنْزَلَهُ﴾ الإله ﴿الَّذِي يَعْلَمُ السِّرّ﴾ والغيب ﴿فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ لا يعزب عن علمه شيء وأودع فيه فنون الحكم والأسرار على وجه بديع، لا تحوم حوله الأفكار، ومن ثم أعجزكم بفصاحته وبلاغته. كما أخبركم فيه بمغيبات مستقبلة وأمور مكنونة، لا يعلمها إلا عالم الأسرار ولا يوقف عليها إلا بتوفيق العليم الخبير، فكيف تجعلونه أساطير الأولين؟
وخص السر (٥) إشارة إلى انطواء ما أنزله سبحانه على أسرار بديعة، لا تبلغ
(١) البحر المحيط وزاد المسير.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.
(٥) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.
(٥) الشوكاني.
إليها عقول البشر. والسر الغيب؛ أي: يعلم الغيب الكائن فيهما. وجملة قوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾. تعليل لتأخير العقوبة؛ أي: إنكم وإن كنتم مستحقين لتعجيل العقوبة بما تفعلونه من الكذب على رسوله، والظلم له، فإنه لا يعجلها عليكم بذلك؛ لأنه كثير المغفرة والرحمة؛ أي (١): إنه تعالى أزلًا وأبدًا مستمر على المغفرة والرحمة، فلذلك لا يعجل على عقوبتكم على ما تقولون مع كمال قدرته عليها، واستحقاقكم أن يصب عليكم العذاب صبًا. وفيه إشارة إلى أهل الضلالة من الذين نسبوا القرآن إلى الإفك، لو رجعوا عن قولهم وتابوا إلى الله، يكون غفورًا لهم رحيمًا بهم، كما قال تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ﴾.
واعلم: أن الله تعالى أنزل القرآن على وفق الحكمة الأزلية في رعاية مصالح الخلق؛ ليهتدي به أهل السعادة، وليضِلَّ به أهل الشقاوة، وينسبوه إلى الإفك، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ والقرآن لا يدرك إلا بنور الإيمان. والكفر ظلمة. وبالظلمة لا يرى إلا الظلمة، فبظلمة الكفر؛ أي: الكفار القرآن النوراني القديم كلامًا مخلوقًا ظلمانيًا من جنس كلام البشر، فكذلك أهل البدعة.. لما رأوا القرآن بظلمة البدعة، رأوا كلامًا مخلوقًا ظلمانيًا بظلمة الحدوث، وظلموا أنفسهم بوضع القرآن في غير موضعه من كلام البشر. وفي الحديث: "القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، فمن قال بكونه مخلوقًا فقد كفر بالذي أنزله". نسأل الله العصمة والحفظ من الإلحاد وسوء الاعتقاد.
٧ - ولما فرغ سبحانه من ذكر ما طعنوا به على القرآن.. ذكر ما طعنوا به على رسول الله - ﷺ -، وذكر هنا أن المشركين ذكروا خمس صفات للنبي - ﷺ -، تمنع النبوة في زعمهم. ﴿وَقَالُوا﴾؛ أي: وقال المشركون من أشراف قريش، كأبي جهل وعتبة وأمية وعاص وأمثالهم. وذلك حين اجتماعهم عند ظهر الكعبة. ﴿ما﴾ استفهامية، بمعنى إنكار الوقوع ونفيه، في محل الرفع على الابتداء خبرها قوله: ﴿لهَذَا الرَّسُولِ﴾ وجدت اللام مفصولة عن الهاء في المصحف، واتباعه سنة.
واعلم: أن الله تعالى أنزل القرآن على وفق الحكمة الأزلية في رعاية مصالح الخلق؛ ليهتدي به أهل السعادة، وليضِلَّ به أهل الشقاوة، وينسبوه إلى الإفك، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ والقرآن لا يدرك إلا بنور الإيمان. والكفر ظلمة. وبالظلمة لا يرى إلا الظلمة، فبظلمة الكفر؛ أي: الكفار القرآن النوراني القديم كلامًا مخلوقًا ظلمانيًا من جنس كلام البشر، فكذلك أهل البدعة.. لما رأوا القرآن بظلمة البدعة، رأوا كلامًا مخلوقًا ظلمانيًا بظلمة الحدوث، وظلموا أنفسهم بوضع القرآن في غير موضعه من كلام البشر. وفي الحديث: "القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، فمن قال بكونه مخلوقًا فقد كفر بالذي أنزله". نسأل الله العصمة والحفظ من الإلحاد وسوء الاعتقاد.
٧ - ولما فرغ سبحانه من ذكر ما طعنوا به على القرآن.. ذكر ما طعنوا به على رسول الله - ﷺ -، وذكر هنا أن المشركين ذكروا خمس صفات للنبي - ﷺ -، تمنع النبوة في زعمهم. ﴿وَقَالُوا﴾؛ أي: وقال المشركون من أشراف قريش، كأبي جهل وعتبة وأمية وعاص وأمثالهم. وذلك حين اجتماعهم عند ظهر الكعبة. ﴿ما﴾ استفهامية، بمعنى إنكار الوقوع ونفيه، في محل الرفع على الابتداء خبرها قوله: ﴿لهَذَا الرَّسُولِ﴾ وجدت اللام مفصولة عن الهاء في المصحف، واتباعه سنة.
(١) روح البيان.
482
وفي الإشارة هنا تصغير لشأن المشار إليه وهو رسول الله - ﷺ -، وسموه رسولًا استهزاء وسخرية؛ أي: أيُّ سبب حصل لهذا الذي يدعي الرسالة؟ حال كونه ﴿يَأْكُلُ الطَّعَامَ﴾ كما نأكل - والطعام كل ما يتناول من الغذاء - ﴿و﴾ حالة كونه ﴿يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾ لطلب المعاش كما نمشي - وهو الموضع الذي يجلب إليه المتاع للبيع ويساق - أنكروا أن يكون الرسول بصفة البشر، يعني إن صح دعواه فما باله لم يخالف حاله حالنا، ولم يؤت ميزةً دوننا.
وما هذا (١) منهم إلا لضعف عقولهم، وقصور إدراكهم، فإن الرسل لم يمتازوا بأمور حسية، بل بصفات روحية، وفضائل نفسية، فطرهم الله تعالى عليها. توجب صفاء عقولهم وطهارة نفوسهم يرشد إلى ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾.
قال بعضهم (٢): ليس بَمَلكٍ، ولا مَلِكٍ، وذلك؛ لأن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون، والملوك لا يتسوقون ولا يبتذلون، فعجبوا أن يكون مثلهم في الحال، ولا يمتاز من بينهم بعلو المحل والجلال لعدم بصيرتهم وقصور نظرهم على المحسوسات، فإن تمييز الرسل عمن عداهم ليس بأمور جسمانية، وإنما هو بأحوال نفسانية، فالبشرية مركب الصورة. والصورة مركب القلب. والقلب مركب العقل. والعقل مركب الروح. والروح مركب المعرفة، والمعرفة قوة قدسية صدرت عن كشف عين الحق.
وفي "التأويلات النجمية" يشير إلى أن الكفار صم بكم عمي، فهم لا يعقلون؛ لأنهم نظروا إلى الرسول بنظر الحواس الحيوانية، وهم بمعزل من الحواس الروحانية والربانية. فما رأوا منه إلا ما يرى من الحيوان، وما رأوه بنظر يرى به النبوة والرسالة، ليعرفوه أنه ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله وخاتم النبيين.
وقالوا أيضًا: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾، ﴿لَوْلَا﴾: حرف تحضيض بمعنى هلا؛
وما هذا (١) منهم إلا لضعف عقولهم، وقصور إدراكهم، فإن الرسل لم يمتازوا بأمور حسية، بل بصفات روحية، وفضائل نفسية، فطرهم الله تعالى عليها. توجب صفاء عقولهم وطهارة نفوسهم يرشد إلى ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾.
قال بعضهم (٢): ليس بَمَلكٍ، ولا مَلِكٍ، وذلك؛ لأن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون، والملوك لا يتسوقون ولا يبتذلون، فعجبوا أن يكون مثلهم في الحال، ولا يمتاز من بينهم بعلو المحل والجلال لعدم بصيرتهم وقصور نظرهم على المحسوسات، فإن تمييز الرسل عمن عداهم ليس بأمور جسمانية، وإنما هو بأحوال نفسانية، فالبشرية مركب الصورة. والصورة مركب القلب. والقلب مركب العقل. والعقل مركب الروح. والروح مركب المعرفة، والمعرفة قوة قدسية صدرت عن كشف عين الحق.
وفي "التأويلات النجمية" يشير إلى أن الكفار صم بكم عمي، فهم لا يعقلون؛ لأنهم نظروا إلى الرسول بنظر الحواس الحيوانية، وهم بمعزل من الحواس الروحانية والربانية. فما رأوا منه إلا ما يرى من الحيوان، وما رأوه بنظر يرى به النبوة والرسالة، ليعرفوه أنه ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله وخاتم النبيين.
وقالوا أيضًا: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾، ﴿لَوْلَا﴾: حرف تحضيض بمعنى هلا؛
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
483
أي: هلا أنزل إلى محمد - ﷺ - ملك من الملائكة على هيأته وصورته المباينة لصورة البشر والجن. ﴿فَيَكُونَ﴾ بالنصب بعد الفاء السببية الواقعة في جواب التحضيض.
قرأ الجمهور: بالنصب، وقرىء ﴿فتكون﴾ بالرفع، حكاه أبو معاذ عطفًا على ﴿أنزل﴾؛ لأن ﴿أنزل﴾ في موضع رفع، وهو ماض وقع موقع المضارع؛ أي: هلا ينزل إليه ملك، أو هو جواب التحضيض على إضمار هو؛ أي: فيكون ذلك الملك ﴿مَعَهُ﴾؛ أي: مع محمد - ﷺ - ﴿نَذِيرًا﴾؛ أي: منذرًا للناس مخوفًا لهم من عذاب الله تعالى، معينًا له في الإنذار، معلومًا صدقه بتصديقه.
٨ - ﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ﴾ معطوف على ﴿أنزل﴾، ولا يجوز عطفه على ﴿فيكون﴾؛ أي: أو هلا يلقى إلى محمد - ﷺ - كنز ومال كثير من السماء، يستظهر به ويستغنى به عن المشي في الأسواق لتحصيل المعاش، والكنز: المال المكنوز؛ أي: المجموع المحفوظ.
﴿أَوْ﴾ هلا ﴿تَكُونُ لَهُ﴾؛ أي: لمحمد - ﷺ - ﴿جَنَّةٌ﴾ وبستان ﴿يَأْكُلُ مِنْهَا﴾ من ثمارها، ويعيش من غلته كما يعيش المياسير من الناس؛ أي: إن لم يلق إليه كنز، فلا أقل من أن يكون له بستان يتعيش بغلته كما لأهل الغنى والقرى.
قال صاحب "الكشاف": إنهم طلبوا أن يكون الرسول ملكًا، ثم نزلوا عن ملكيته إلى صحبة ملك يعينه، ثم نزلوا عن ذلك إلى كونه مرفودًا بكنز. ثم نزلوا فاقتنعوا بأن يكون له بستان يأكل ويرزق منه. اهـ.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وتكون له جنة﴾ بالتاء الفوقية. وقرأ الأعمش وقتادة ﴿يكون﴾ بالتحتية؛ لأن تأنيث الجنة غير حقيقي. وقرأ حمزة والكسائي وزيد بن علي وابن وثاب وطلحة والأعمش: ﴿نَّأْكُلُ مِنْهَا﴾ بنون الجمع؛ أي: يأكلون هم من ذلك البستان فينفقون به في دنياهم ومعاشهم، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: ﴿يَأْكُلُ مِنْهَا﴾ بياء الغيبة، يعنون الرسول - ﷺ -؛ أي:
قرأ الجمهور: بالنصب، وقرىء ﴿فتكون﴾ بالرفع، حكاه أبو معاذ عطفًا على ﴿أنزل﴾؛ لأن ﴿أنزل﴾ في موضع رفع، وهو ماض وقع موقع المضارع؛ أي: هلا ينزل إليه ملك، أو هو جواب التحضيض على إضمار هو؛ أي: فيكون ذلك الملك ﴿مَعَهُ﴾؛ أي: مع محمد - ﷺ - ﴿نَذِيرًا﴾؛ أي: منذرًا للناس مخوفًا لهم من عذاب الله تعالى، معينًا له في الإنذار، معلومًا صدقه بتصديقه.
٨ - ﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ﴾ معطوف على ﴿أنزل﴾، ولا يجوز عطفه على ﴿فيكون﴾؛ أي: أو هلا يلقى إلى محمد - ﷺ - كنز ومال كثير من السماء، يستظهر به ويستغنى به عن المشي في الأسواق لتحصيل المعاش، والكنز: المال المكنوز؛ أي: المجموع المحفوظ.
﴿أَوْ﴾ هلا ﴿تَكُونُ لَهُ﴾؛ أي: لمحمد - ﷺ - ﴿جَنَّةٌ﴾ وبستان ﴿يَأْكُلُ مِنْهَا﴾ من ثمارها، ويعيش من غلته كما يعيش المياسير من الناس؛ أي: إن لم يلق إليه كنز، فلا أقل من أن يكون له بستان يتعيش بغلته كما لأهل الغنى والقرى.
قال صاحب "الكشاف": إنهم طلبوا أن يكون الرسول ملكًا، ثم نزلوا عن ملكيته إلى صحبة ملك يعينه، ثم نزلوا عن ذلك إلى كونه مرفودًا بكنز. ثم نزلوا فاقتنعوا بأن يكون له بستان يأكل ويرزق منه. اهـ.
وقرأ الجمهور (١): ﴿وتكون له جنة﴾ بالتاء الفوقية. وقرأ الأعمش وقتادة ﴿يكون﴾ بالتحتية؛ لأن تأنيث الجنة غير حقيقي. وقرأ حمزة والكسائي وزيد بن علي وابن وثاب وطلحة والأعمش: ﴿نَّأْكُلُ مِنْهَا﴾ بنون الجمع؛ أي: يأكلون هم من ذلك البستان فينفقون به في دنياهم ومعاشهم، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: ﴿يَأْكُلُ مِنْهَا﴾ بياء الغيبة، يعنون الرسول - ﷺ -؛ أي:
(١) البحر المحيط.
484
يأكل هو وحده منه، ليكون له بذلك مزية علينا، حيث يكون أكله من جنته. قال النحاس: والقراءتان حسنتان، وإن كانت القراءة بالياء أبين؛ لأنه قد تقدم ذكر الرسول - ﷺ - وحده، فعود الضمير إليه بَيِّنٌ.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: إن عتبة بن ربيعة وأبا سفيان بن حرب والنضر بن الحارث وأبا البحتري والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ومنبه بن الحجاج، اجتمعوا فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعتذروا منه، فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلموك، قال: فجاءهم رسول الله - ﷺ - فقالوا: يا محمد إنا بعثنا إليك لنعتذر منك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث، تطلب مالًا، جمعنا لك من أموالنا، وإن كنت تطلب به الشرف، فنحن نسودك، وإن كنت تريد ملكًا، ملكناك. فقال رسول الله - ﷺ -: "ما بي مما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن بعثني إليكم رسولًا، وأنزل علي كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به.. فهو حظكم في الدنيا والآخرة. وإن تردوه علي.. أصبر حتى يحكم الله بيني وبينكم". قالوا: يا محمد، فإن كنت غير قابل منا شيئًا، مما عرضناه عليك.. فسل لربك وسل لنفسك أن يبعث معك ملكًا يصدقك فيما تقول، ويراجعنا عنك. وسله أن يجعل لك جنانًا وقصورًا من ذهب وفضة، ويغنيك عما نراك تبتغي فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش، كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك، إن كنت رسولًا كما تزعم. فقال لهم رسول الله - ﷺ -: "ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرًا ونذيرًا"، فأنزل الله في ذلك هذه الآية. أخرجه ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر.
وبعد أن (١) حكى عنهم أولًا أنهم يثبتون له كمال العقل، ولكنهم ينتقصونه
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: إن عتبة بن ربيعة وأبا سفيان بن حرب والنضر بن الحارث وأبا البحتري والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ومنبه بن الحجاج، اجتمعوا فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعتذروا منه، فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلموك، قال: فجاءهم رسول الله - ﷺ - فقالوا: يا محمد إنا بعثنا إليك لنعتذر منك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث، تطلب مالًا، جمعنا لك من أموالنا، وإن كنت تطلب به الشرف، فنحن نسودك، وإن كنت تريد ملكًا، ملكناك. فقال رسول الله - ﷺ -: "ما بي مما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن بعثني إليكم رسولًا، وأنزل علي كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به.. فهو حظكم في الدنيا والآخرة. وإن تردوه علي.. أصبر حتى يحكم الله بيني وبينكم". قالوا: يا محمد، فإن كنت غير قابل منا شيئًا، مما عرضناه عليك.. فسل لربك وسل لنفسك أن يبعث معك ملكًا يصدقك فيما تقول، ويراجعنا عنك. وسله أن يجعل لك جنانًا وقصورًا من ذهب وفضة، ويغنيك عما نراك تبتغي فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش، كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك، إن كنت رسولًا كما تزعم. فقال لهم رسول الله - ﷺ -: "ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرًا ونذيرًا"، فأنزل الله في ذلك هذه الآية. أخرجه ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر.
وبعد أن (١) حكى عنهم أولًا أنهم يثبتون له كمال العقل، ولكنهم ينتقصونه
(١) المراغي.
485
بصفات في شؤون الدنيا.. حكى عنهم ثانيًا: أنهم نفوا عنه العقل بتاتًا، وادعوا أنه مختل الشعور والإدراك، وإلى هذا أشار بقوله: ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ﴾؛ أي: وقال الذين ظلموا أنفسهم، بنسبتهم إلى الرسول - ﷺ - ما هو منه برىء، وهم القائلون بالمقالات السابقة. وإنما وضع (١) الظاهر موضع المضمر تسجيلًا عليهم بوصف الظلم، وتجاوز الحد فيما قالوا، لكونه إضلالًا خارجًا عن حد الضلال؛ أي: قالوا للمؤمنين ﴿إِنْ تَتَّبِعُونَ﴾؛ أي: ما تتبعون أيها المؤمنون به ﴿إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾؛ أي: مختل النظر والعقل؛ أي: إلا رجلًا مغلوبًا على عقله بالسحر؛ أي: قد سحر فغلب على عقله، حتى يزول عنه.
قال بعض أهل الحقائق: كانوا يرون قبح حالهم في مرآة النبوة، وهم بحسبون أنه حال النبي عليه السلام. وقيل: ذا سُحْرُ، وهي الرئة؛ أي: بشرًا له رئة لا ملكًا، والمعنى: أي: ما تتبعون إلا رجلًا سُحِرَ فاختل عقله، فهو لا يعني ما يقول، ومثله لا يطاع له رأي. وهذا منهم ترق في انتقاصه، وأنه لا يصلح للنبوة بحال.
٩ - ولما ذكر ضلالاتهم.. التفت إلى رسوله - ﷺ - مسليًا له بقوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ﴾؛ أي: أنظر واعجب لهم يا محمد، كيف ضربوا لك، وقالوا فيك تلك الأمثال الفاسدة، والأقاويل العجيبة، الخارجة عن العقول الجارية لغرابتها مجرى الأمثال، واخترعوا لك تلك الأحوال الشاذة البعيدة عن الوقوع، ليتوصلوا بها إلى تكذيبك. وذلك من جهلهم بحالك، وغفلتهم عن جمالك.
والأمثال: هي الأقوال النادرة والاقتراحات الغريبة، وهي ما ذكروه هنا ﴿فَضَلُّوا﴾ بسببها عن الحق، ضلالًا بعيدًا، فلا يجدون طريقًا إليه، ولا وصلوا إلى شيء منه، بل جاؤوا بهذه المقالات الزائغة التي لا تصدر عن أدنى العقلاء، وأقلهم تمييزًا. ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ إلى الهدى ومخرجًا عن ضلالتهم. قال بعضهم: وقد أبطلوا الاستعداد بالاعتراض والإنكار على النبوة،
قال بعض أهل الحقائق: كانوا يرون قبح حالهم في مرآة النبوة، وهم بحسبون أنه حال النبي عليه السلام. وقيل: ذا سُحْرُ، وهي الرئة؛ أي: بشرًا له رئة لا ملكًا، والمعنى: أي: ما تتبعون إلا رجلًا سُحِرَ فاختل عقله، فهو لا يعني ما يقول، ومثله لا يطاع له رأي. وهذا منهم ترق في انتقاصه، وأنه لا يصلح للنبوة بحال.
٩ - ولما ذكر ضلالاتهم.. التفت إلى رسوله - ﷺ - مسليًا له بقوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ﴾؛ أي: أنظر واعجب لهم يا محمد، كيف ضربوا لك، وقالوا فيك تلك الأمثال الفاسدة، والأقاويل العجيبة، الخارجة عن العقول الجارية لغرابتها مجرى الأمثال، واخترعوا لك تلك الأحوال الشاذة البعيدة عن الوقوع، ليتوصلوا بها إلى تكذيبك. وذلك من جهلهم بحالك، وغفلتهم عن جمالك.
والأمثال: هي الأقوال النادرة والاقتراحات الغريبة، وهي ما ذكروه هنا ﴿فَضَلُّوا﴾ بسببها عن الحق، ضلالًا بعيدًا، فلا يجدون طريقًا إليه، ولا وصلوا إلى شيء منه، بل جاؤوا بهذه المقالات الزائغة التي لا تصدر عن أدنى العقلاء، وأقلهم تمييزًا. ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ إلى الهدى ومخرجًا عن ضلالتهم. قال بعضهم: وقد أبطلوا الاستعداد بالاعتراض والإنكار على النبوة،
(١) روح البيان.
فحرموا من الوصول إلى الله تعالى. أو لا يجدون إلى القدح في نبوة هذا النبي طريقًا من الطرق.
والمعنى: أي (١) انظر واعجب لهم كيف جرؤوا على التفوه بتلك الأقاويل العجيبة، فاخترعوا لك صفات وأحوالًا بعيدة كل البعد عن صفاتك التي أنت عليها، فضلوا بذلك عن طريق الهدى، وصاروا حائرين لا يدرون ماذا يقولون، ولا يقدحون به في نبوتك إلا مثل السخف والهذر.
والخلاصة: أن ما أتوا به لا يصلح أن يكون قادحًا في نبوتك، ولا مطعنًا فيك، فإن كان لهم مطعن في المعجزات التي أتيت بها فليفعلوا، ولكن أنى لهم ذلك.
١٠ - ثم رد على ما اقترحوه من الجنة والكنز بقوله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي﴾ أي تزايد وكثر خير ربك الذي ﴿إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ﴾ أي وهب لك في الدنيا، لأنه قد شاء أن يعطيه ذلك في الآخرة ﴿خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ﴾؛ أي: إعطاءً خيرًا مما قالوا أو اقترحوا من إلقاء الكنز وجعل الجنة، ولكن أخره إلى الآخرة؛ لأنه خير وأبقى.
وخص (٢) هذا الموضع بذكر تبارك؛ لأن ما بعده من العظائم حيث ذكر النبي - ﷺ - والله خاطبه بقوله: "لولاك يا محمد ما خلقت الكائنات" كذا في "برهان القرآن". قلت: هذا الأثر من الموضوعات لا أصل له كما مر.
﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ بدل من خيرًا، ومحقق لخيريته مما قالوا؛ لأن ذلك كان مطلقًا، عن قيد التعدد وجريان الأنهار. ﴿وَيَجْعَلْ لَكَ﴾ في الدنيا ﴿قُصُورًا﴾؛ أي: بيوتًا مشيدة؛ أي: رفيعة كقصور الجنة. وجملة ﴿يجعل﴾ معطوفة على محل الجزاء الذي هو جعل، وهو الجزم وبجزم يجعل.
قرأ الجمهور (٣): نافع وحمزة والكسائي وأبو عمرو قالوا عطفًا على موضع جعل؛ لأن التقدير: إن يشأ يجعل. وقرأ ابن كثير وابن عامر، وأبو بكر ومجاهد وحميد ومحبوب عن أبي عمرو بالرفع على أنه مستأنف، وقد تقرر في علم
والمعنى: أي (١) انظر واعجب لهم كيف جرؤوا على التفوه بتلك الأقاويل العجيبة، فاخترعوا لك صفات وأحوالًا بعيدة كل البعد عن صفاتك التي أنت عليها، فضلوا بذلك عن طريق الهدى، وصاروا حائرين لا يدرون ماذا يقولون، ولا يقدحون به في نبوتك إلا مثل السخف والهذر.
والخلاصة: أن ما أتوا به لا يصلح أن يكون قادحًا في نبوتك، ولا مطعنًا فيك، فإن كان لهم مطعن في المعجزات التي أتيت بها فليفعلوا، ولكن أنى لهم ذلك.
١٠ - ثم رد على ما اقترحوه من الجنة والكنز بقوله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي﴾ أي تزايد وكثر خير ربك الذي ﴿إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ﴾ أي وهب لك في الدنيا، لأنه قد شاء أن يعطيه ذلك في الآخرة ﴿خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ﴾؛ أي: إعطاءً خيرًا مما قالوا أو اقترحوا من إلقاء الكنز وجعل الجنة، ولكن أخره إلى الآخرة؛ لأنه خير وأبقى.
وخص (٢) هذا الموضع بذكر تبارك؛ لأن ما بعده من العظائم حيث ذكر النبي - ﷺ - والله خاطبه بقوله: "لولاك يا محمد ما خلقت الكائنات" كذا في "برهان القرآن". قلت: هذا الأثر من الموضوعات لا أصل له كما مر.
﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ بدل من خيرًا، ومحقق لخيريته مما قالوا؛ لأن ذلك كان مطلقًا، عن قيد التعدد وجريان الأنهار. ﴿وَيَجْعَلْ لَكَ﴾ في الدنيا ﴿قُصُورًا﴾؛ أي: بيوتًا مشيدة؛ أي: رفيعة كقصور الجنة. وجملة ﴿يجعل﴾ معطوفة على محل الجزاء الذي هو جعل، وهو الجزم وبجزم يجعل.
قرأ الجمهور (٣): نافع وحمزة والكسائي وأبو عمرو قالوا عطفًا على موضع جعل؛ لأن التقدير: إن يشأ يجعل. وقرأ ابن كثير وابن عامر، وأبو بكر ومجاهد وحميد ومحبوب عن أبي عمرو بالرفع على أنه مستأنف، وقد تقرر في علم
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط والشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط والشوكاني.
487
الإعراب، أن الشرط إذا كان ماضيًا جاز في جوابه الجزم والرفع، فجاز أن يكون ﴿جعل﴾ هنا في محل جزم ورفع. فيجوز فيما عطف عليه أن يجزم ويرفع. وقرأ عبيد الله بن موسى وطلحة بن سليمان ويجعل بالنصب على إضمار أن. وقال أبو الفتح: هي على جواب الشرط بالواو. وهي قراءة ضعيفة. انتهى.
وقرىء بإدغام لام ﴿يجعل﴾ في لام لك، لاجتماع المثلين. وقرىء بترك الإدغام، لأن الكلمتين منفصلتان.
والحاصل: أنه قرىء ﴿يجعل﴾ بالجزم والرفع والنصب. ونظير هذه القراءات الثلاث قول النابغة:
يروى بجزم نأخذ ورفعه ونصبه.
والمعنى: أي كثر (١) خير ربك، فإن شاء وهب لك في الدنيا خيرًا مما اقترحوا، فان أراد جعل لك في الدنيا مثل ما وعدك به في الآخرة، فأعطاك جنات تجري من تحتها الأنهار، وآتاك القصور الشامخة، والصياصي التي لا يصل إلى مثلها أكثرهم مالًا وأعزهم نفرًا، ولكن الله لم يشأ ذلك؛ لأنه أراد أن عطاءه لك في الدار الباقية الدائمة، لا في الدار الزائلة الفانية. وإنما كانت خيرًا مما ذكروا لكثرتها، وجريان الأنهار من تحت أشجارها، وبناء المساكن الرفيعة فيها، والعرب تسمي كل بيت مشيد قصرًا.
تنبيه: وفي قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ...﴾ الآية. إشارة إلى أنه تعالى يعطي العباد على حسب المصالح، فيفتح على بعضهم أبواب المعارف والعلوم، ويسد عليه أبواب الدنيا. ويفتح على آخرين أبواب الرزق، ويحرمه لذة الفهم والعلم، ولا اعتراض عليه؛ لأنه فعال لما يريد.
وقرىء بإدغام لام ﴿يجعل﴾ في لام لك، لاجتماع المثلين. وقرىء بترك الإدغام، لأن الكلمتين منفصلتان.
والحاصل: أنه قرىء ﴿يجعل﴾ بالجزم والرفع والنصب. ونظير هذه القراءات الثلاث قول النابغة:
فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُوْ قَابُوْسَ يَهْلِكْ | رَبِيْعُ النَّاسِ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ |
وَنَأْخُذُ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ | أَجَبِّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سِنَامُ |
والمعنى: أي كثر (١) خير ربك، فإن شاء وهب لك في الدنيا خيرًا مما اقترحوا، فان أراد جعل لك في الدنيا مثل ما وعدك به في الآخرة، فأعطاك جنات تجري من تحتها الأنهار، وآتاك القصور الشامخة، والصياصي التي لا يصل إلى مثلها أكثرهم مالًا وأعزهم نفرًا، ولكن الله لم يشأ ذلك؛ لأنه أراد أن عطاءه لك في الدار الباقية الدائمة، لا في الدار الزائلة الفانية. وإنما كانت خيرًا مما ذكروا لكثرتها، وجريان الأنهار من تحت أشجارها، وبناء المساكن الرفيعة فيها، والعرب تسمي كل بيت مشيد قصرًا.
تنبيه: وفي قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ...﴾ الآية. إشارة إلى أنه تعالى يعطي العباد على حسب المصالح، فيفتح على بعضهم أبواب المعارف والعلوم، ويسد عليه أبواب الدنيا. ويفتح على آخرين أبواب الرزق، ويحرمه لذة الفهم والعلم، ولا اعتراض عليه؛ لأنه فعال لما يريد.
(١) المراغي.
488
١١ - ثم أضرب سبحانه عن توبيخهم بما حكاه عنهم، من الكلام الذي لا يصدر عن العقلاء، فقال: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ﴾؛ أي (١): بالقيامة والحشر والنشر. والساعة جزء من أجزاء الزمان، ويعبر بها عن القيامة تشبيهًا بذلك، لسرعة حسابه. كما قال: ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ أو لما نبه عليه قوله تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾ كما في "المفردات" وهو إضراب عن توبيخهم، بحكاية جنايتهم السابقة، وانتقال منه.
والمعنى: أي (٢) ما أنكر هؤلاء المشركون ما جئتهم به من الحق، وتقولوا عليك ما تقولوا، إلا من قبل أنهم لا يوقنون بالبعث، ولا يصدقون بالثواب والعقاب.
والخلاصة: أنهم أتوا بأعجب من هذا كله، وهو تكذيبهم بالساعة، ومن ثم فهم لا ينتفعون بالدلائل، ولا يتأملون فيها. ثم توعدهم وبين عاقبة أمرهم وما كتب لمثلهم من الخيبة والخذلان. فقال: ﴿وَأَعْتَدْنَا﴾؛ أي: هيأنا وأحضرنا. وأصله أعددنا ﴿لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ﴾؛ أي: بالبعث والحشر والنشر والحساب والجزاء. وضع (٣) الظاهر موضع ضميرها للمبالغة في التشنيع.
﴿سَعِيرًا﴾؛ أي: نارًا عظيمة شديدة الاشتعال تسعر وتتقد عليهم. قال بعضهم: سعير الآخرة، إنما سعرت من سعير الدنيا وهي حرص العبد على الدنيا، وملاذها
١٢ - ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾ صفة للسعير؛ أي: إذا (٤) كانت تلك السعير بمرأىً منهم، وقابلتهم بحيث صاروا بإزائها، كقولهم داري تنظر دارك؛ أي: تقابلها، فأطلق الملزوم، وهو الرؤية وأريد اللازم، وهو كون الشيء بحيث يرى، والانتقال من الملزوم إلى اللازم مجاز.
والمعنى: إذا قابلتهم تلك السعير، أو المعنى: إذا رأتهم رؤية حقيقية بعينها، كما جاء في حديث: "أن لها عينين" ولا مانع منه. اهـ. "شيخنا".
والمعنى: أي (٢) ما أنكر هؤلاء المشركون ما جئتهم به من الحق، وتقولوا عليك ما تقولوا، إلا من قبل أنهم لا يوقنون بالبعث، ولا يصدقون بالثواب والعقاب.
والخلاصة: أنهم أتوا بأعجب من هذا كله، وهو تكذيبهم بالساعة، ومن ثم فهم لا ينتفعون بالدلائل، ولا يتأملون فيها. ثم توعدهم وبين عاقبة أمرهم وما كتب لمثلهم من الخيبة والخذلان. فقال: ﴿وَأَعْتَدْنَا﴾؛ أي: هيأنا وأحضرنا. وأصله أعددنا ﴿لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ﴾؛ أي: بالبعث والحشر والنشر والحساب والجزاء. وضع (٣) الظاهر موضع ضميرها للمبالغة في التشنيع.
﴿سَعِيرًا﴾؛ أي: نارًا عظيمة شديدة الاشتعال تسعر وتتقد عليهم. قال بعضهم: سعير الآخرة، إنما سعرت من سعير الدنيا وهي حرص العبد على الدنيا، وملاذها
١٢ - ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾ صفة للسعير؛ أي: إذا (٤) كانت تلك السعير بمرأىً منهم، وقابلتهم بحيث صاروا بإزائها، كقولهم داري تنظر دارك؛ أي: تقابلها، فأطلق الملزوم، وهو الرؤية وأريد اللازم، وهو كون الشيء بحيث يرى، والانتقال من الملزوم إلى اللازم مجاز.
والمعنى: إذا قابلتهم تلك السعير، أو المعنى: إذا رأتهم رؤية حقيقية بعينها، كما جاء في حديث: "أن لها عينين" ولا مانع منه. اهـ. "شيخنا".
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.
(٤) روح البيان.
﴿مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ وهو أقصى ما يمكن أن يرى منه. قيل: من المشرق إلى المغرب وهي خمس مئة عام. وفيه إشارة إلى أن بعدما بينها وبينهم من المسافة حين رأتهم خارج عن حدود البعد المعتاد في المسافات المعهودة.
فإن قلت (١): كيف تتصور الرؤية من النار، وهو قوله تعالى: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾؟
قلت: يجوز أن يخلق الله لها حياةً وعقلًا ورؤيةً ونطقًا فالبنية ليست شرطًا. قال بعضهم: وهذا هو الحق، كما يدل عليه، قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ فلا حاجة إلى تأويل أمثال هذا المقام.
﴿سَمِعُوا لَهَا﴾؛ أي: للنار ﴿تَغَيُّظًا﴾؛ أي: غليانًا ﴿وَزَفِيرًا﴾؛ أي: صوتًا كصوت الحمار. وقيل: تغيظًا؛ أي: صوت تغيظ وغضب على تشبيه صوت غليانها بصوت المغتاظ؛ أي: الغضبان إذا غلى صدره من الغيظ، فعند ذلك يهمهم. والهمهمة ترديد الصوت في الصدر.
فإن قلت: كيف يسمع التغيظ الذي هو بمعنى الغضب؟
قلت: في الكلام تقديم وتأخير وتقدير. والمعنى: إذا رأتهم سمعوا لها زفيرًا، وعلموا لها تغيظًا. نظير قول الشاعر:
أي: وحاملًا رمحًا. والمعنى: وإذا كانت منهم بمرأى الناظر.. سمعوا لها صوتًا يشبه صوت المتغيظ لشدة توقدها، وصوت الزفير الذي يخرج من فم الحزين المتهالك حسرة وألمًا.
أخرج ابن المنذر وابن جرير عن عبيد بن عمير أنه قال: إن جهنم لتزفر زفرةً، لا يبقى نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا خرّ لوجهه ترتعد فرائصه، حتى إن إبراهيم عليه السلام، ليحثوا على ركبتيه. ويقول رب، لا أسألك اليوم إلا نفسي.
١٣ - ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا﴾؛ أي: من السعير ﴿مَكَانًا﴾؛ أي: في مكان. ومنها بيان
فإن قلت (١): كيف تتصور الرؤية من النار، وهو قوله تعالى: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾؟
قلت: يجوز أن يخلق الله لها حياةً وعقلًا ورؤيةً ونطقًا فالبنية ليست شرطًا. قال بعضهم: وهذا هو الحق، كما يدل عليه، قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ فلا حاجة إلى تأويل أمثال هذا المقام.
﴿سَمِعُوا لَهَا﴾؛ أي: للنار ﴿تَغَيُّظًا﴾؛ أي: غليانًا ﴿وَزَفِيرًا﴾؛ أي: صوتًا كصوت الحمار. وقيل: تغيظًا؛ أي: صوت تغيظ وغضب على تشبيه صوت غليانها بصوت المغتاظ؛ أي: الغضبان إذا غلى صدره من الغيظ، فعند ذلك يهمهم. والهمهمة ترديد الصوت في الصدر.
فإن قلت: كيف يسمع التغيظ الذي هو بمعنى الغضب؟
قلت: في الكلام تقديم وتأخير وتقدير. والمعنى: إذا رأتهم سمعوا لها زفيرًا، وعلموا لها تغيظًا. نظير قول الشاعر:
وَرَأيْتُ زَوْجَكِ فِيْ الْوَغَى | مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا |
أخرج ابن المنذر وابن جرير عن عبيد بن عمير أنه قال: إن جهنم لتزفر زفرةً، لا يبقى نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا خرّ لوجهه ترتعد فرائصه، حتى إن إبراهيم عليه السلام، ليحثوا على ركبتيه. ويقول رب، لا أسألك اليوم إلا نفسي.
١٣ - ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا﴾؛ أي: من السعير ﴿مَكَانًا﴾؛ أي: في مكان. ومنها بيان
(١) الخازن بزيادة.
مقدم فصار حالًا منه. ﴿ضَيِّقًا﴾ صفة لمكانًا (١) مفيدة لزيادة شدة حال الكرب مع الضيق، كما أن الروح مع السعة.
واعلم: أنه تضيق عليهم جهنم، كما تضيق حديدة الرمح على الرمح، أو تكون لهم كحال الوتد في الحائط، فيضم العذاب، وهو الضيق الشديد إلى العذاب، وذلك لتضيق قلوبهم في الدنيا حتى لم تسع فيها للإيمان.
أي: وإذا ألقوا وطرحوا في مكان ذا ضيق منها حالة كونهم ﴿مُقَرَّنِينَ﴾؛ أي: حالة كونهم قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم مشدودة إليها بسلسلة، أو مقرنين مع شياطينهم سلسلة في سلسلة. والتقرين تقييد الأرجل وجمع الأيدي والأعناق في السلاسل. اهـ. "صاوي".
﴿دَعَوْا هُنَالِكَ﴾؛ أي: نادوا في ذلك المكان الضيق الهائل والحالة الفظيعة ﴿ثُبُورًا﴾ هلاكًا؛ أي: يتمنون هلاكًا وينادونه، فيقولون: يا ثبوراه، يا ويلاه، يا هلاكاه، تعال فهذا أوانك.
١٤ - فيقول الله تعالى لهم، أو فيقال لهم على ألسنة الملائكة، تنبيهًا على خلود عذابهم: ﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا﴾؛ أي: لا تقتصروا على دعاء ثبور واحد، أي على مرة واحدة. ﴿وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾؛ أي: بحسب كثرة الدعاء المتعلق به، لا بحسب كثرته في نفسه، فإنه شيء واحد.
والمعنى (٢): لا تدعوا على أنفسكم بالثبور دعاء واحدًا، وادعوه أدعية كثيرة، فإنَّ ما أنتم فيه من العذاب، أشد من ذلك لطول مدته، وعدم تناهيه، ومستوجب لتكرير الدعاء في كل آن.
وقيل: هذا تمثيل وتصوير لحالهم بحال من يقال له ذلك، من غير أن يكون هناك قول.
وقيل: إن المعنى أنكم وقعتم فيما أليس ثبوركم فيه واحدًا، بل هو ثبور كثير؛ لأن العذاب أنواع. والأولى أن يقال: إن المراد بهذا الجواب عليهم
واعلم: أنه تضيق عليهم جهنم، كما تضيق حديدة الرمح على الرمح، أو تكون لهم كحال الوتد في الحائط، فيضم العذاب، وهو الضيق الشديد إلى العذاب، وذلك لتضيق قلوبهم في الدنيا حتى لم تسع فيها للإيمان.
أي: وإذا ألقوا وطرحوا في مكان ذا ضيق منها حالة كونهم ﴿مُقَرَّنِينَ﴾؛ أي: حالة كونهم قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم مشدودة إليها بسلسلة، أو مقرنين مع شياطينهم سلسلة في سلسلة. والتقرين تقييد الأرجل وجمع الأيدي والأعناق في السلاسل. اهـ. "صاوي".
﴿دَعَوْا هُنَالِكَ﴾؛ أي: نادوا في ذلك المكان الضيق الهائل والحالة الفظيعة ﴿ثُبُورًا﴾ هلاكًا؛ أي: يتمنون هلاكًا وينادونه، فيقولون: يا ثبوراه، يا ويلاه، يا هلاكاه، تعال فهذا أوانك.
١٤ - فيقول الله تعالى لهم، أو فيقال لهم على ألسنة الملائكة، تنبيهًا على خلود عذابهم: ﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا﴾؛ أي: لا تقتصروا على دعاء ثبور واحد، أي على مرة واحدة. ﴿وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾؛ أي: بحسب كثرة الدعاء المتعلق به، لا بحسب كثرته في نفسه، فإنه شيء واحد.
والمعنى (٢): لا تدعوا على أنفسكم بالثبور دعاء واحدًا، وادعوه أدعية كثيرة، فإنَّ ما أنتم فيه من العذاب، أشد من ذلك لطول مدته، وعدم تناهيه، ومستوجب لتكرير الدعاء في كل آن.
وقيل: هذا تمثيل وتصوير لحالهم بحال من يقال له ذلك، من غير أن يكون هناك قول.
وقيل: إن المعنى أنكم وقعتم فيما أليس ثبوركم فيه واحدًا، بل هو ثبور كثير؛ لأن العذاب أنواع. والأولى أن يقال: إن المراد بهذا الجواب عليهم
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
491
الدلالة على خلود عذابهم، وإقناطهم عن حصول ما يتمنونه من الهلاك، المنجي لهم مما هم فيه.
وقرأ ابن كثير وعبيد عن أبي عمرو (١): ﴿ضيقًا﴾. عن ابن عطية، وقرأ أبو شيبة صحاب معاذ بن جبل (مقرنون) بالواو، وهي قراءة شاذة. والوجه قراءة الجمهور ونسبها ابن خالويه إلى معاذ بن جبل، ووجهها أن يرتفع على البدل من ضمير ألقوا بدل نكرة من معرفة. وقرأ عاصم الجحدري وابن السميقع وعمرو بن محمد ﴿ثبورًا﴾، بفتح الثاء المثلثة في ثلاثتها. وفعول بفتح الفاء في المصادر قليل نحو البتول.
والمعنى: أي (٢) وإذا ألقوا منها، في مكان ضيق، قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال والسلاسل.. استغاثوا، وقالوا: يا ثبوراه؛ أي: يا هلاكنا احضر فهذا وقتك. فيقال لهم: لا تنادوا هلاكًا واحدًا وادعوا هلاكًا كثيرًا؛ أي إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم واحدًا، إنما ثبوركم منه كثير، لأن العذاب ألوان وأنواع، ولكل منها ثبور لشدته وفظاعته.
وخلاصة ذلك: أن الله سبحانه، قد أعد لمن كذب بالساعة نارًا مستعرة، وإذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد.. سمعوا صوت غليانها، وإذا طرحوا في مكان ضيق، وهم مقرنون في السلاسل والأغلال.. تمنوا الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه. كما قيل: أشد من الموت ما يتمنى منه الموت، فيقال لهم حينئذٍ: لا تدعوا هلاكًا واحدًا، فإنه لا يخلصكم، بل اطلبوا هلاكًا كثيرًا لتخلصوا به. والمقصد من ذلك تيئيسهم مما علقوا به أطماعهم من الهلاك. وتنبيه إلى أن عذابهم أبدي لا خلاص لهم منه.
وروى (٣) أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: "أول من يكسى من أهل النار، يوم القيامة، إبليس، يكسى حلة من النار فيضعها على حاجبيه، ويسحبها
وقرأ ابن كثير وعبيد عن أبي عمرو (١): ﴿ضيقًا﴾. عن ابن عطية، وقرأ أبو شيبة صحاب معاذ بن جبل (مقرنون) بالواو، وهي قراءة شاذة. والوجه قراءة الجمهور ونسبها ابن خالويه إلى معاذ بن جبل، ووجهها أن يرتفع على البدل من ضمير ألقوا بدل نكرة من معرفة. وقرأ عاصم الجحدري وابن السميقع وعمرو بن محمد ﴿ثبورًا﴾، بفتح الثاء المثلثة في ثلاثتها. وفعول بفتح الفاء في المصادر قليل نحو البتول.
والمعنى: أي (٢) وإذا ألقوا منها، في مكان ضيق، قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال والسلاسل.. استغاثوا، وقالوا: يا ثبوراه؛ أي: يا هلاكنا احضر فهذا وقتك. فيقال لهم: لا تنادوا هلاكًا واحدًا وادعوا هلاكًا كثيرًا؛ أي إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم واحدًا، إنما ثبوركم منه كثير، لأن العذاب ألوان وأنواع، ولكل منها ثبور لشدته وفظاعته.
وخلاصة ذلك: أن الله سبحانه، قد أعد لمن كذب بالساعة نارًا مستعرة، وإذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد.. سمعوا صوت غليانها، وإذا طرحوا في مكان ضيق، وهم مقرنون في السلاسل والأغلال.. تمنوا الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه. كما قيل: أشد من الموت ما يتمنى منه الموت، فيقال لهم حينئذٍ: لا تدعوا هلاكًا واحدًا، فإنه لا يخلصكم، بل اطلبوا هلاكًا كثيرًا لتخلصوا به. والمقصد من ذلك تيئيسهم مما علقوا به أطماعهم من الهلاك. وتنبيه إلى أن عذابهم أبدي لا خلاص لهم منه.
وروى (٣) أنس بن مالك قال: قال رسول الله - ﷺ -: "أول من يكسى من أهل النار، يوم القيامة، إبليس، يكسى حلة من النار فيضعها على حاجبيه، ويسحبها
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) زاد المسير.
(٢) المراغي.
(٣) زاد المسير.
492
من خلفه، وهو يقول: واثبوراه، وهم ينادون يا ثبورهم، حتى يقفوا على النار، فينادي يا ثبوراه، وينادون يا ثبورهم، فيقول، الله، عز وجلّ: ﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (١٤)﴾ ". رواه أحمد في "المسند" والطبري والسيوطي في "الدر" والبيهقي في "البعث" عن أنس.
١٥ - وبعد أن وصف سبحانه عقاب المكذبين بالساعة.. أردفه ما يؤكد حسرتهم وندامتهم فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المكذبين توبيخًا لهم وتقريعًا ﴿أَذَلِكَ﴾ العذاب المذكور من النار المسعرة الموصوفة بالصفات السابقة. والإشارة بقوله: ذلك إلى السعير المتصفة بتلك الصفات الفظيعة؛ أي: أتلك السعير ﴿خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾ والدوام ﴿الَّتِي وُعِدَ﴾ ها ﴿الْمُتَّقُونَ﴾ خير؛ أي: المتصفون بمطلق التقوى، التي هي اجتناب الشرك، فالمؤمن، وإن كان عاصيًا فهو متق لاتقائه الشرك. وجنة الخلد هي الدار التي لا ينقطع نعيمها، ولا ينقل عنها أهلها، وإضافة (١) الجنة إلى الخلد للمدح، وإلا فالجنة اسم للدار المخلدة. ويجوز أن تكون الجنة اسمًا يدل على البستان الجامع لوجوه البهجة، ولا يدخل الخلود في مفهومها، فأضيفت إليه للدلالة على الخلود، فإن قيل: كيف يتصور الشك في أنه أيهما خير، حتى يحسن الاستفهام والترديد، وهل يجوز للعاقل أن يقول السكر أحلى أم الصبر، وهو دواء مر؟ قلت: يقال: ذلك في معرض التقريع والتهكم والتحسير على ما فات. وفي "الوسيط" هذا للتنبيه على تفاوت ما بين المنزلتين، لا على أن في السعير خيرًا. اهـ.
وقال بعضهم: هذا على المجاز، وإن لم يكن في النار خير. والعرب تقول العافية خير من البلاء، وإنما خاطبهم بما يتعارفون في كلامهم. وقيل: ليس (٢) هذا من باب التفضيل، وإنما هو كقولك عنده خير. قال النحاس: وهذا قول حسن كما قال الشاعر:
١٥ - وبعد أن وصف سبحانه عقاب المكذبين بالساعة.. أردفه ما يؤكد حسرتهم وندامتهم فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المكذبين توبيخًا لهم وتقريعًا ﴿أَذَلِكَ﴾ العذاب المذكور من النار المسعرة الموصوفة بالصفات السابقة. والإشارة بقوله: ذلك إلى السعير المتصفة بتلك الصفات الفظيعة؛ أي: أتلك السعير ﴿خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾ والدوام ﴿الَّتِي وُعِدَ﴾ ها ﴿الْمُتَّقُونَ﴾ خير؛ أي: المتصفون بمطلق التقوى، التي هي اجتناب الشرك، فالمؤمن، وإن كان عاصيًا فهو متق لاتقائه الشرك. وجنة الخلد هي الدار التي لا ينقطع نعيمها، ولا ينقل عنها أهلها، وإضافة (١) الجنة إلى الخلد للمدح، وإلا فالجنة اسم للدار المخلدة. ويجوز أن تكون الجنة اسمًا يدل على البستان الجامع لوجوه البهجة، ولا يدخل الخلود في مفهومها، فأضيفت إليه للدلالة على الخلود، فإن قيل: كيف يتصور الشك في أنه أيهما خير، حتى يحسن الاستفهام والترديد، وهل يجوز للعاقل أن يقول السكر أحلى أم الصبر، وهو دواء مر؟ قلت: يقال: ذلك في معرض التقريع والتهكم والتحسير على ما فات. وفي "الوسيط" هذا للتنبيه على تفاوت ما بين المنزلتين، لا على أن في السعير خيرًا. اهـ.
وقال بعضهم: هذا على المجاز، وإن لم يكن في النار خير. والعرب تقول العافية خير من البلاء، وإنما خاطبهم بما يتعارفون في كلامهم. وقيل: ليس (٢) هذا من باب التفضيل، وإنما هو كقولك عنده خير. قال النحاس: وهذا قول حسن كما قال الشاعر:
أَتَهْجُوْهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ | فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ |
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
﴿كَانَتْ﴾ تلك الجنة الموصوفة ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: للمتقين في علم الله تعالى، أو في اللوح المحفوظ. ﴿جَزَاءً﴾ وثوابًا على أعمالهم، بمقتضى الكرم لا بالاستحقاق ﴿وَمَصِيرًا﴾ يصيرون إليه، ومرجعًا يرجعون إليه. ومنقلبًا ينقلبون إليه.
فإن قلت (١): كيف قال: في وصف الجنة، كانت لهم جزاءً، بصيغة الماضي، مع أنها لم تكن حينئذٍ جزاءً ومصيرًا؟
قلت: إنما قال ذلك؛ لأن ما وعد الله به، فهو في تحققه كأنه قد كان، فلا بد من وقوعه، أو لأنه كان في اللوح المحفوظ أن الجنة جزاؤهم ومصيرهم.
والمعنى: قل يا محمد (٢) لهؤلاء المكذبين تهكمًا بهم، وتحسيرًا لهم على ما فاتهم، أهذه النار التي وصفت لكم خيرًا أو جنة الخلد التي يدوم نعيمها ولا يبيد وقد وعدها من اتقاه في الدنيا بطاعته فيما به أمره أو نهاه. ثم حقق أمرها تأكيدًا للبشارة بقوله: ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا﴾؛ أي: كانت تلك الجنة لهم جزاء أعمالهم في الدنيا بطاعته، وثوابًا لهم على تقواه، ومرجعًا لهم ينتقلون إليه في الآخرة.
١٦ - ثم وصف مقدار تنعمهم فيها بقوله: ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: لأولئك المتقين ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في جنة الخلد ﴿مَا يَشَاءُونَ﴾؛ أي: ما يشتهون من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومراكب ونحو ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فإن قلت (٣): قد يشتهي الإنسان شيئًا، وهو لا يحصل في الجنة، كأن يشتهي الولد ونحوه، وليس هو في الجنة؟
قلت: إن الله سبحانه يزيل ذلك الخاطر عن أهل الجنة بل كل واحد من أهل الجنة مشتغل بما هو فيها من اللذات الشاغلة عن الالتفات إلى غيرها. أو المعنى: لهم (٤) فيها ما يشاؤونه من أنواع النعيم واللذات مما يليق بمرتبتهم، فإنهم بحسب نشأتهم لا يريدون درجات من فوقهم، فلا يلزم تساوي مراتب أهل
فإن قلت (١): كيف قال: في وصف الجنة، كانت لهم جزاءً، بصيغة الماضي، مع أنها لم تكن حينئذٍ جزاءً ومصيرًا؟
قلت: إنما قال ذلك؛ لأن ما وعد الله به، فهو في تحققه كأنه قد كان، فلا بد من وقوعه، أو لأنه كان في اللوح المحفوظ أن الجنة جزاؤهم ومصيرهم.
والمعنى: قل يا محمد (٢) لهؤلاء المكذبين تهكمًا بهم، وتحسيرًا لهم على ما فاتهم، أهذه النار التي وصفت لكم خيرًا أو جنة الخلد التي يدوم نعيمها ولا يبيد وقد وعدها من اتقاه في الدنيا بطاعته فيما به أمره أو نهاه. ثم حقق أمرها تأكيدًا للبشارة بقوله: ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا﴾؛ أي: كانت تلك الجنة لهم جزاء أعمالهم في الدنيا بطاعته، وثوابًا لهم على تقواه، ومرجعًا لهم ينتقلون إليه في الآخرة.
١٦ - ثم وصف مقدار تنعمهم فيها بقوله: ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: لأولئك المتقين ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في جنة الخلد ﴿مَا يَشَاءُونَ﴾؛ أي: ما يشتهون من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومراكب ونحو ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فإن قلت (٣): قد يشتهي الإنسان شيئًا، وهو لا يحصل في الجنة، كأن يشتهي الولد ونحوه، وليس هو في الجنة؟
قلت: إن الله سبحانه يزيل ذلك الخاطر عن أهل الجنة بل كل واحد من أهل الجنة مشتغل بما هو فيها من اللذات الشاغلة عن الالتفات إلى غيرها. أو المعنى: لهم (٤) فيها ما يشاؤونه من أنواع النعيم واللذات مما يليق بمرتبتهم، فإنهم بحسب نشأتهم لا يريدون درجات من فوقهم، فلا يلزم تساوي مراتب أهل
(١) فتح الرحمن.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.
(٤) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.
(٤) روح البيان.
الجنات في كل شيء. ومن هذا يعلم فساد ما قيل في "شرح الأشباه": بجواز اللواطة في الجنة لجواز أن يريدها أهل الجنة ويشتهيها. وذلك لأن اللواطة من الخبائث، التي ما تعلقت الحكمة بتحليلها في عصر من الأعصار كالزنى، فكيف يكون ما يخالف الحكمة، مرادًا ومشتهًى في الجنة. فالقول بجوازها ليس إلا من الخباثة.
والحاصل: أن عموم الآية، إنما هو بالنسبة إلى المتعارف، ولذا قال بعضهم: في الآية دليل، على أن كل المرادات لا تحصل إلا في الجنة، ولما لم تكن اللواطة مرادًا في الدنيا للطيبين، فكذا في الآخرة حالة كونهم ﴿خَالِدِينَ﴾ فيها أبدًا بلا انقطاع ولا زوال. حال من الهاء في لهم، أو من الواو في يشاؤون. قيد بالخلود، لأن من تمام النعيم أن يكون دائمًا، إذ لو انقطع لكان مشوبًا بضرب من الغم. وأنشد في المعنى:
﴿كَانَ﴾ المذكور من الدخول، أو الخلود، ما يشاؤون. ﴿عَلَى رَبِّكَ﴾ يا محمد ﴿وَعْدًا مَسْئُولًا﴾؛ أي: موعودًا حقيقًا بأن يسأل ويطلب؛ لأنه (١) جزاء وأجر، أو مسؤولًا سألته الملائكة في قولهم: ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم. قاله محمد بن كعب أو الناس في قولهم: ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة. قال معناه ابن عباس وابن زيد: وما في على من معنى الوجوب لاستحالة الخلف في وعده تعالى، فإن تعلق إرادته تعالى بالموعود، متقدم على الوعد الموجب للإنجاز.
١٧ - وقوله: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾ كلام متصل في المعنى بقوله: في أول السورة: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ الخ وتعلق التذكير باليوم مع أن المقصود ذكر ما فيه للمبالغة والتأكيد؛ أي: واذكر يا محمد لقومك أهوال يوم، يحشر الله سبحانه وتعالى فيه، والذين اتخذوا من دونه آلهة، ويجمعهم ﴿وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ من
والحاصل: أن عموم الآية، إنما هو بالنسبة إلى المتعارف، ولذا قال بعضهم: في الآية دليل، على أن كل المرادات لا تحصل إلا في الجنة، ولما لم تكن اللواطة مرادًا في الدنيا للطيبين، فكذا في الآخرة حالة كونهم ﴿خَالِدِينَ﴾ فيها أبدًا بلا انقطاع ولا زوال. حال من الهاء في لهم، أو من الواو في يشاؤون. قيد بالخلود، لأن من تمام النعيم أن يكون دائمًا، إذ لو انقطع لكان مشوبًا بضرب من الغم. وأنشد في المعنى:
أَشَدُّ الْغَمَّ عِنْدِيْ فِيْ سُرُوْرٍ | تَيَقَّنَ عَنْهُ صَاحِبُهُ انْتِقَالاَ |
١٧ - وقوله: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾ كلام متصل في المعنى بقوله: في أول السورة: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ الخ وتعلق التذكير باليوم مع أن المقصود ذكر ما فيه للمبالغة والتأكيد؛ أي: واذكر يا محمد لقومك أهوال يوم، يحشر الله سبحانه وتعالى فيه، والذين اتخذوا من دونه آلهة، ويجمعهم ﴿وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ من
(١) البحر المحيط.
495
الأصنام وغيرها؛ لأن ما عام يعم العقلاء وغيرهم، لكن المراد هنا، بقرينة الجواب الآتي: العقلاء من الملائكة وعيسى وعزير. قلت: ولا مانع من العموم، كأن يخلق في الأصنام الحياة فينطقها، أو كأن جوابها بلسان الحال، كما ذكره بعضهم في تسبيح الموات، وفي شهادة الأيدي والأرجل. وغلب غير العقلاء من الأصنام، ونحوها، على العقلاء من الملائكة، والجن والمسيح تنبيهًا على أنها جميعًا مشتركةً في كونها غير صالحة لكونها آلهة، أو لأن من يعبد من لا يعقل أكثر، ممن يعبد من يعقل منها، فغلبت اعتبارًا بكثرة من يعبدها.
أي: واذكر يوم يحشر الله العابدين لغير الله، ومعبوديهم، ويجمعهم في صعيد واحد، وهو يوم القيامة ﴿فَيَقُولُ﴾ الله سبحانه وتعالى للمعبودين ﴿أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ﴾ العابدين لكم عن عبادتي، بأن دعوتموهم إلى عبادتكم وأمرتموهم بها ﴿أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ﴾ الحق؛ أي: تركوها وعبدوكم بهوى أنفسهم؛ أي: أخطؤوا عن الطريق المستقيم بأنفسهم، لإخلالهم بالنظر الصحيح، وإعراضهم عن المرشد النصيح، فحذف الجار، وأوصل الفعل إلى المفعول كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ والأصل إلى السبيل، أو للسبيل، والاستفهام (١) في قوله: ﴿أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ﴾ للتوبيخ والتقريع.
والمعنى: أكان ضلالهم بسببكم، وبدعوتكم لهم إلى عبادتكم، أم هم ضلوا عن سبيل الحق بأنفسهم، لعدم التفكر فيما يستدل به على الحق، والتدبر فيما يتوصل به إلى الصواب.
وقرأ أبو جعفر والأعرج وابن كثير وحفص عن عاصم (٢) ﴿يَحْشُرُهُمْ﴾ و ﴿فَيَقُولُ﴾ بالياء فيهما. واختارها أبو عبيد وأبو حاتم لقوله في أول الكلام على ربك. وقرأ الحسن وطلحة وابن عامر؛ بالنون فيهما على التعظيم. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ﴿نحشرهم﴾ بالنون ﴿فَيَقُولُ﴾ بالياء. وقرأ الأعرج (٣) ﴿نحشرهم﴾ بكسر الشين في جميع القرآن. قال ابن عطية: هي
أي: واذكر يوم يحشر الله العابدين لغير الله، ومعبوديهم، ويجمعهم في صعيد واحد، وهو يوم القيامة ﴿فَيَقُولُ﴾ الله سبحانه وتعالى للمعبودين ﴿أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ﴾ العابدين لكم عن عبادتي، بأن دعوتموهم إلى عبادتكم وأمرتموهم بها ﴿أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ﴾ الحق؛ أي: تركوها وعبدوكم بهوى أنفسهم؛ أي: أخطؤوا عن الطريق المستقيم بأنفسهم، لإخلالهم بالنظر الصحيح، وإعراضهم عن المرشد النصيح، فحذف الجار، وأوصل الفعل إلى المفعول كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ والأصل إلى السبيل، أو للسبيل، والاستفهام (١) في قوله: ﴿أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ﴾ للتوبيخ والتقريع.
والمعنى: أكان ضلالهم بسببكم، وبدعوتكم لهم إلى عبادتكم، أم هم ضلوا عن سبيل الحق بأنفسهم، لعدم التفكر فيما يستدل به على الحق، والتدبر فيما يتوصل به إلى الصواب.
وقرأ أبو جعفر والأعرج وابن كثير وحفص عن عاصم (٢) ﴿يَحْشُرُهُمْ﴾ و ﴿فَيَقُولُ﴾ بالياء فيهما. واختارها أبو عبيد وأبو حاتم لقوله في أول الكلام على ربك. وقرأ الحسن وطلحة وابن عامر؛ بالنون فيهما على التعظيم. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ﴿نحشرهم﴾ بالنون ﴿فَيَقُولُ﴾ بالياء. وقرأ الأعرج (٣) ﴿نحشرهم﴾ بكسر الشين في جميع القرآن. قال ابن عطية: هي
(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.
496
قليلة في الاستعمال، قوية في القياس؛ لأن يفعل بكسر العين في المتعدي، أقيس من يفعل بضمها. انتهى.
وهذا ليس كما ذكروا، بل فعل المفتوح المتعدي الصحيح، جميع حروفه إذا لم يكن للمبالغة، ولا حلقي عين، ولا لام، فإنه جاء على يفعل ويفعل كثيرًا، فإن شهر أحد الاستعمالين اتبع، وإلا فالخيار حتى إن بعض أصحابنا، خير فيهما، سُمع للكلمة أو لم يُسمع.
١٨ - وقوله: ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال المعبودون، كلام مستأنف، واقع في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قالوا في الجواب؟ فقيل: قالوا: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ هو تعجب مما قيل لهم لكونهم ملائكة، أو أنبياء معصومين، أو جمادات لا تعقل؛ أي: تعجبًا مما قيل فينا ونسب إلينا، أوتنزيه لله تعالى عن الأنداد؛ أي: تنزيهًا لك يا إلهنا عن الشركاء. ﴿مَا كَانَ﴾ الشأن. ﴿يَنْبَغِي﴾ ويستقيم ﴿لَنَا﴾ ويليق بنا، ويصح منا ﴿أَنْ نَتَّخِذَ﴾ ونجعل لأنفسنا ﴿مِنْ دُونِكَ﴾؛ أي: متجاوزين إياك ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾؛ أي: آلهة نعبدهم.
أي (١): ما كان ينبغي لنا أن نتخذ لأنفسنا آلهة من دونك، فكيف ندعوا عبادك إلى عبادتنا نحن، مع كوننا لا نعبد غيرك، فدل هذا الجواب، على أنهم لم يأمروا بعبادتهم. وهذا معنى الآية على قراءة الجمهور ﴿نَتَّخِذَ﴾ مبنيًا للفاعل. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وابن جبير والحسن وقتادة وأبو جعفر وابن يعمر وعاصم الجحدري وأبو الدرداء وزيد بن ثاب وأبو رجاء ونصر بن علقمة وزيد بن علي وأخوه الباقر ومكحول وحفص وعبيد والنخعي والزعفراني وغيرهم ﴿أن نتخذ﴾ بضم النون وفتح الخاء مبنيًا للمفعول. والمعنى عليه؛ أي: ما كان ينبغي لنا، أن يتخذنا المشركون أولياء من دونك.
قال أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر: لا تجوز هذه القراءة. ولو كانت صحيحة لحذفت من الثانية. وقال أبو عبيدة: لا تجوز هذه القراءة، لأن الله
وهذا ليس كما ذكروا، بل فعل المفتوح المتعدي الصحيح، جميع حروفه إذا لم يكن للمبالغة، ولا حلقي عين، ولا لام، فإنه جاء على يفعل ويفعل كثيرًا، فإن شهر أحد الاستعمالين اتبع، وإلا فالخيار حتى إن بعض أصحابنا، خير فيهما، سُمع للكلمة أو لم يُسمع.
١٨ - وقوله: ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال المعبودون، كلام مستأنف، واقع في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قالوا في الجواب؟ فقيل: قالوا: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ هو تعجب مما قيل لهم لكونهم ملائكة، أو أنبياء معصومين، أو جمادات لا تعقل؛ أي: تعجبًا مما قيل فينا ونسب إلينا، أوتنزيه لله تعالى عن الأنداد؛ أي: تنزيهًا لك يا إلهنا عن الشركاء. ﴿مَا كَانَ﴾ الشأن. ﴿يَنْبَغِي﴾ ويستقيم ﴿لَنَا﴾ ويليق بنا، ويصح منا ﴿أَنْ نَتَّخِذَ﴾ ونجعل لأنفسنا ﴿مِنْ دُونِكَ﴾؛ أي: متجاوزين إياك ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾؛ أي: آلهة نعبدهم.
أي (١): ما كان ينبغي لنا أن نتخذ لأنفسنا آلهة من دونك، فكيف ندعوا عبادك إلى عبادتنا نحن، مع كوننا لا نعبد غيرك، فدل هذا الجواب، على أنهم لم يأمروا بعبادتهم. وهذا معنى الآية على قراءة الجمهور ﴿نَتَّخِذَ﴾ مبنيًا للفاعل. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وابن جبير والحسن وقتادة وأبو جعفر وابن يعمر وعاصم الجحدري وأبو الدرداء وزيد بن ثاب وأبو رجاء ونصر بن علقمة وزيد بن علي وأخوه الباقر ومكحول وحفص وعبيد والنخعي والزعفراني وغيرهم ﴿أن نتخذ﴾ بضم النون وفتح الخاء مبنيًا للمفعول. والمعنى عليه؛ أي: ما كان ينبغي لنا، أن يتخذنا المشركون أولياء من دونك.
قال أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر: لا تجوز هذه القراءة. ولو كانت صحيحة لحذفت من الثانية. وقال أبو عبيدة: لا تجوز هذه القراءة، لأن الله
(١) الشوكاني.
497
سبحانه ذكر ﴿مِن﴾ مرتين. ولو كان كما قرؤوا لقال: ﴿أن نتخذ من دونك أولياء﴾ بحذف ﴿من﴾ الثانية. وقيل: أن ﴿من﴾ الثانية زائدة. وقرأ عيسى الأسود القارىء ﴿ينبغى﴾ مبنيًا للمفعول. قال ابن خالويه: زعم سيبويه أنها لغة. وقرأ علقمة ﴿ما ينبغي﴾ بسقوط كان. وقراءة الجمهور بثبوتها أمكن في المعنى، لأنهم أخبروا عن حال، كانت في الدنيا ووقت الإخبار، لا عمل فيه ذكره أبو حيان.
وفي "الروح": إنَّ ﴿مِنْ﴾ الثانية زائدة، لتأكيد النفي، وأولياء مفعول به لـ ﴿نَتَّخِذَ﴾. وهو من اتخذ الذي يتعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾.
والمعنى (١): ما كان ينبغي لنا، أن نتخذ من دونك معبودين، نعبدهم لما بنا من الحالة المنافية له، وهي العصمة، أو عدم القدرة، فأنى يتصور أن نحمل غيرنا، أن يتخذ وليًا غيرك، فضلًا عن أن يتخذنا وليًا. قال ابن الشيخ: جعل قولهم: ما كان ينبغي لنا... إلخ كناية عن استبعاد، أن يدعوا واحدًا إلى اتخاذ ولي دونه؛ لأن نفس قولهم: بصريحه لا يفيد المقصود، وهو نفي ما نسب إليهم، من إضلال العباد، وحملهم على اتخاذ الأولياء، من دون الله تعالى.
وفي "التأويلات النجمية": نزهوا الله عن أن يكون له شريك، ونزهوا أنفسهم عن أن يتخذوا وليًا غير الله، ويرضوا لغيرهم، أن يعبدوا غير الله.
ثم حكى عنهم سبحانه، بأنهم بعد هذا الجواب، ذكروا سبب ترك المشركين للإيمان، فقال: ﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ﴾؛ أي: ما أضللناهم، ولكن جعلتهم وآباءهم متمتعين منتفعين بالغمر الطويل، وأنواع النعم ليعرفوا حقها، ويشكروها، فاستغرقوا في الشهوات، وانهمكوا فيها. ﴿حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ﴾؛ أي: غفلوا عن ذكرك، وتركوا ما وعظوا به، أو غفلوا عن التذكر لآلائك، والتدبر في آياتك، فجعلوا أسباب الهداية بسوء اختيارهم ذريعة إلى الغواية، وفي هذا نسبة الضلال إليهم من حيث إنه بكسبهم وإسناد له إلى ما فعل الله بهم، فحملهم عليه
وفي "الروح": إنَّ ﴿مِنْ﴾ الثانية زائدة، لتأكيد النفي، وأولياء مفعول به لـ ﴿نَتَّخِذَ﴾. وهو من اتخذ الذي يتعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: ﴿أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾.
والمعنى (١): ما كان ينبغي لنا، أن نتخذ من دونك معبودين، نعبدهم لما بنا من الحالة المنافية له، وهي العصمة، أو عدم القدرة، فأنى يتصور أن نحمل غيرنا، أن يتخذ وليًا غيرك، فضلًا عن أن يتخذنا وليًا. قال ابن الشيخ: جعل قولهم: ما كان ينبغي لنا... إلخ كناية عن استبعاد، أن يدعوا واحدًا إلى اتخاذ ولي دونه؛ لأن نفس قولهم: بصريحه لا يفيد المقصود، وهو نفي ما نسب إليهم، من إضلال العباد، وحملهم على اتخاذ الأولياء، من دون الله تعالى.
وفي "التأويلات النجمية": نزهوا الله عن أن يكون له شريك، ونزهوا أنفسهم عن أن يتخذوا وليًا غير الله، ويرضوا لغيرهم، أن يعبدوا غير الله.
ثم حكى عنهم سبحانه، بأنهم بعد هذا الجواب، ذكروا سبب ترك المشركين للإيمان، فقال: ﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ﴾؛ أي: ما أضللناهم، ولكن جعلتهم وآباءهم متمتعين منتفعين بالغمر الطويل، وأنواع النعم ليعرفوا حقها، ويشكروها، فاستغرقوا في الشهوات، وانهمكوا فيها. ﴿حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ﴾؛ أي: غفلوا عن ذكرك، وتركوا ما وعظوا به، أو غفلوا عن التذكر لآلائك، والتدبر في آياتك، فجعلوا أسباب الهداية بسوء اختيارهم ذريعة إلى الغواية، وفي هذا نسبة الضلال إليهم من حيث إنه بكسبهم وإسناد له إلى ما فعل الله بهم، فحملهم عليه
(١) روح البيان.
498
كأنه قيل: إنا لم نضلهم ولم نحملهم على الضلال، ولكن أضللت أنت، بأن فعلت لهم ما يؤثرون به الضلال، فخلقت فيهم ذلك.
والمعنى (١): ما أضللناهم، ولكنك يا رب متعتهم، ومتعت آبائهم بالنعم، ووسعت لهم العمر، حتى غفلوا عن ذكرك، ونسوا موعظتك، والتدبر لكتابك، والنظر في عجائب صنعك، وغرائب مخلوقاتك. ﴿وَكَانُوا﴾؛ أي: وكان هؤلاء الذين أشركوا بك، وعبدوا غيرك في قضائك الأزلي ﴿قَوْمًا بُورًا﴾؛ أي: هالكين، فاسدي القلوب، خاسرين في الدنيا والآخرة. جمع بائر. مأخوذ من البوار، وهو الهلاك.
١٩ - فيقول الله سبحانه وتعالى للعابدين: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ﴾؛ أي: فقد كذبكم المعبودون، أيها العابدون ﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾؛ أي: في قولكم إنهم آلهة، والباء بمعنى في ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ﴾؛ أي: فما تملكون أيها العابدون ﴿صَرْفًا﴾؛ أي: دفعًا للعذاب عنكم، بوجه من الوجوه، لا بالذات ولا بالواسطة. ﴿وَلَا نَصْرًا﴾؛ أي: ولا فردًا من أفراد النصر، لا من جهة أنفسكم، ولا من جهة غيركم مما عبدتم، وقد كنتم زعمتم أنهم يدفعون عنكم العذاب وينصرونكم.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾ بالتاء من فوق. وقرأ أبو حيوة وابن الصلت عن قنبل وسعيد بن جبير ومجاهد ومعاذ القارىء ﴿بما يقولون﴾ والمعنى: فقد كذبكم أيها العابدون المعبودون بقولهم: ﴿سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا﴾ إلخ.. وهذا (٣) قول الأكثرين. وقال ابن زيد الخطاب للمؤمنين. فالمعنى: فقد كذبكم المشركون أيها المؤمنون بما تقولون؛ أي: في قولكم: إن محمدًا رسول الله - ﷺ -.
وقرأ حفص وأبو حيوة والأعمش وطلحة: ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ﴾ بتاء الخطاب للعابدين، ويؤيد هذه القراءة، أن الخطاب في كذبوكم للعابدين. وقرأ الجمهور: ﴿فما يستطيعون﴾ بالياء من تحت. وفيه وجهان:
والمعنى (١): ما أضللناهم، ولكنك يا رب متعتهم، ومتعت آبائهم بالنعم، ووسعت لهم العمر، حتى غفلوا عن ذكرك، ونسوا موعظتك، والتدبر لكتابك، والنظر في عجائب صنعك، وغرائب مخلوقاتك. ﴿وَكَانُوا﴾؛ أي: وكان هؤلاء الذين أشركوا بك، وعبدوا غيرك في قضائك الأزلي ﴿قَوْمًا بُورًا﴾؛ أي: هالكين، فاسدي القلوب، خاسرين في الدنيا والآخرة. جمع بائر. مأخوذ من البوار، وهو الهلاك.
١٩ - فيقول الله سبحانه وتعالى للعابدين: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ﴾؛ أي: فقد كذبكم المعبودون، أيها العابدون ﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾؛ أي: في قولكم إنهم آلهة، والباء بمعنى في ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ﴾؛ أي: فما تملكون أيها العابدون ﴿صَرْفًا﴾؛ أي: دفعًا للعذاب عنكم، بوجه من الوجوه، لا بالذات ولا بالواسطة. ﴿وَلَا نَصْرًا﴾؛ أي: ولا فردًا من أفراد النصر، لا من جهة أنفسكم، ولا من جهة غيركم مما عبدتم، وقد كنتم زعمتم أنهم يدفعون عنكم العذاب وينصرونكم.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾ بالتاء من فوق. وقرأ أبو حيوة وابن الصلت عن قنبل وسعيد بن جبير ومجاهد ومعاذ القارىء ﴿بما يقولون﴾ والمعنى: فقد كذبكم أيها العابدون المعبودون بقولهم: ﴿سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا﴾ إلخ.. وهذا (٣) قول الأكثرين. وقال ابن زيد الخطاب للمؤمنين. فالمعنى: فقد كذبكم المشركون أيها المؤمنون بما تقولون؛ أي: في قولكم: إن محمدًا رسول الله - ﷺ -.
وقرأ حفص وأبو حيوة والأعمش وطلحة: ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ﴾ بتاء الخطاب للعابدين، ويؤيد هذه القراءة، أن الخطاب في كذبوكم للعابدين. وقرأ الجمهور: ﴿فما يستطيعون﴾ بالياء من تحت. وفيه وجهان:
(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) زاد المسير.
(٢) البحر المحيط.
(٣) زاد المسير.
499
أحدهما: فما يستطيع المعبودون صرفًا للعذاب عنكم، ولا نصرًا لكم.
والثاني: فما يستطيع العابدون صرفًا، لعذاب الله عنهم، ولا نصرًا لأنفسهم. وفي هذه القراءة التفات. وذكر (١) عن ابن كثير وأبي بكر أنهما قرأوا، ﴿بما يقولون﴾ ﴿فما يستطيعون﴾ بالياء فيهما. والمعنى عليه: فقد كذبكم المعبودون، أيها العابدون بما يقولون؛ أي: بقولهم: ﴿سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا﴾ فما يستطيع المعبودون صرفًا عنكم، ولا نصرًا لكم.
والحاصل: أنه إن كان الخطاب في ﴿كَذَّبُوكُمْ﴾ للعابدين.. فالتاء جارية على ذلك، والياء التفات، وإن كان الخطاب للمعبودين، فالتاء التفات، والياء جارية على ضمير ﴿كَذَّبُوكُمْ﴾ المرفوع. وإن كان الخطاب للمؤمنين، أمة الرسول عليه السلام، في قوله: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ﴾.. فالمعنى أنهم شديدوا الشكيمة في التكذيب، فما تستطيعون أنتم صرفهم عما هم عليه من ذلك. وبالياء فما يستطيعون صرفًا لأنفسهم عما هم عليه، أو ما يستطيعون صرفكم عن الحق، الذي أنتم عليه، ولا نصرًا لأنفسهم، من البلاء الذي استوجبوه بتكديبهم. وحكى الفراء: أنه يجوز أن يقرأ: ﴿فقد كذبوكم﴾ مخففًا ﴿بما يقولون﴾؛ أي: كذبوكم في قولهم.
﴿وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ﴾ والظاهر أن الخطاب فيه عام لكل ظالم، ويدخل تحته الذين فيهم، السياق، دخولًا أوليًا. وقيل: خطاب للمؤمنين. وقيل: خطاب للكافرين. والظلم هنا الشرك. قاله: ابن عباس؛ أي: ومن يشرك منكم أيها المكلفون. كما دل عليه قوله: ﴿نُذِقْهُ﴾؛ أي: نذق ذلك الظالم ﴿عَذَابًا كَبِيرًا﴾؛ أي: عذابًا شديدًا، هو النار والخلود فيها، فإن ما يترتب عليه العذاب الكبير، ليس إلا الظلم العظيم الذي هو الشرك. وفيه وعيد أيضًا لفساق المؤمنين، وهذه الآية وأمثالها، مقيدة بعدم التوبة.
والمعنى: أي (٢) ومن يكفر منكم أيها المكلفون، فيعبد مع الله إلهًا آخر،
والثاني: فما يستطيع العابدون صرفًا، لعذاب الله عنهم، ولا نصرًا لأنفسهم. وفي هذه القراءة التفات. وذكر (١) عن ابن كثير وأبي بكر أنهما قرأوا، ﴿بما يقولون﴾ ﴿فما يستطيعون﴾ بالياء فيهما. والمعنى عليه: فقد كذبكم المعبودون، أيها العابدون بما يقولون؛ أي: بقولهم: ﴿سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا﴾ فما يستطيع المعبودون صرفًا عنكم، ولا نصرًا لكم.
والحاصل: أنه إن كان الخطاب في ﴿كَذَّبُوكُمْ﴾ للعابدين.. فالتاء جارية على ذلك، والياء التفات، وإن كان الخطاب للمعبودين، فالتاء التفات، والياء جارية على ضمير ﴿كَذَّبُوكُمْ﴾ المرفوع. وإن كان الخطاب للمؤمنين، أمة الرسول عليه السلام، في قوله: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ﴾.. فالمعنى أنهم شديدوا الشكيمة في التكذيب، فما تستطيعون أنتم صرفهم عما هم عليه من ذلك. وبالياء فما يستطيعون صرفًا لأنفسهم عما هم عليه، أو ما يستطيعون صرفكم عن الحق، الذي أنتم عليه، ولا نصرًا لأنفسهم، من البلاء الذي استوجبوه بتكديبهم. وحكى الفراء: أنه يجوز أن يقرأ: ﴿فقد كذبوكم﴾ مخففًا ﴿بما يقولون﴾؛ أي: كذبوكم في قولهم.
﴿وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ﴾ والظاهر أن الخطاب فيه عام لكل ظالم، ويدخل تحته الذين فيهم، السياق، دخولًا أوليًا. وقيل: خطاب للمؤمنين. وقيل: خطاب للكافرين. والظلم هنا الشرك. قاله: ابن عباس؛ أي: ومن يشرك منكم أيها المكلفون. كما دل عليه قوله: ﴿نُذِقْهُ﴾؛ أي: نذق ذلك الظالم ﴿عَذَابًا كَبِيرًا﴾؛ أي: عذابًا شديدًا، هو النار والخلود فيها، فإن ما يترتب عليه العذاب الكبير، ليس إلا الظلم العظيم الذي هو الشرك. وفيه وعيد أيضًا لفساق المؤمنين، وهذه الآية وأمثالها، مقيدة بعدم التوبة.
والمعنى: أي (٢) ومن يكفر منكم أيها المكلفون، فيعبد مع الله إلهًا آخر،
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
500
كهؤلاء الذين كذبوا بيوم القيامة.. نذقه في الآخرة، وندخله عذابًا كبيرًا؛ لا يقدر قدره، ولا تصل العقول إلى معرفة كنهه.
وقرأ عاصم الجحدري والضحاك وأبو الجوزاء وقتادة (١): ﴿يذقه﴾ بياء الغيبة؛ أي: الله، كما هو الظاهر، أو الظلم المفهوم من الفعل، على سبيل المجاز بإسناد إذاقة العذاب إلى السبب.
٢٠ - ثم رجع سبحانه إلى خطاب رسوله، موضحًا لبطلان قولهم: ما لهذا الرسول يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق. فقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ﴾ يا محمد أحدًا ﴿مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا﴾ رسلًا قيل فيهم: ﴿إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ فلم يكن ذلك منافيًا لرسالتهم، فأنت لا تكون بدعًا منهم. وكسرت همزة ﴿إن﴾ لوقوعها بعد قول محذوف وقع صفة لموصوف محذوف، كما قدرناه، وإن تكسر بعد القول قاعدةً مطردةً. هذا ما ظهر لي في هذا المقام.
والمعنى: أي إن (٢) جميع من سبقك من الرسل، كانوا يأكلون الطعام للتغذي به، ويمشون في الأسواق للتكسب والتجارة. ولم يقل: أحد إن ذلك نقص لهم، يغض من كرامتهم، ويزري بهم، ولم يكن لهم امتياز عن سواهم في هذا، وإنما امتازوا بصفاتهم الفاضلة، وخصائصهم السامية، وآدابهم العالية، وبما ظهر على أيديهم من خوارق العادات وباهر المعجزات، مما يستدل به كل ذي لب سليم، وبصيرة نافذة، على صدق ما جاؤوا به من عند ربهم، فمحمد - ﷺ - ليس بدعًا من الرسل، إذ يأكلُ ويمشي في الأسواق، وليس هذا بذم له، ولا مطعن في صدق رسالته، كما تزعمون. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ وقوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾
وإن (٣) مكسورة باتفاق العشرة، و (اللام): لام الابتداء زيدت في الخبر.
وقرأ عاصم الجحدري والضحاك وأبو الجوزاء وقتادة (١): ﴿يذقه﴾ بياء الغيبة؛ أي: الله، كما هو الظاهر، أو الظلم المفهوم من الفعل، على سبيل المجاز بإسناد إذاقة العذاب إلى السبب.
٢٠ - ثم رجع سبحانه إلى خطاب رسوله، موضحًا لبطلان قولهم: ما لهذا الرسول يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق. فقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ﴾ يا محمد أحدًا ﴿مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا﴾ رسلًا قيل فيهم: ﴿إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ فلم يكن ذلك منافيًا لرسالتهم، فأنت لا تكون بدعًا منهم. وكسرت همزة ﴿إن﴾ لوقوعها بعد قول محذوف وقع صفة لموصوف محذوف، كما قدرناه، وإن تكسر بعد القول قاعدةً مطردةً. هذا ما ظهر لي في هذا المقام.
والمعنى: أي إن (٢) جميع من سبقك من الرسل، كانوا يأكلون الطعام للتغذي به، ويمشون في الأسواق للتكسب والتجارة. ولم يقل: أحد إن ذلك نقص لهم، يغض من كرامتهم، ويزري بهم، ولم يكن لهم امتياز عن سواهم في هذا، وإنما امتازوا بصفاتهم الفاضلة، وخصائصهم السامية، وآدابهم العالية، وبما ظهر على أيديهم من خوارق العادات وباهر المعجزات، مما يستدل به كل ذي لب سليم، وبصيرة نافذة، على صدق ما جاؤوا به من عند ربهم، فمحمد - ﷺ - ليس بدعًا من الرسل، إذ يأكلُ ويمشي في الأسواق، وليس هذا بذم له، ولا مطعن في صدق رسالته، كما تزعمون. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ وقوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾
وإن (٣) مكسورة باتفاق العشرة، و (اللام): لام الابتداء زيدت في الخبر.
(١) زاد المسير.
(٢) المراغي.
(٣) المراح.
(٢) المراغي.
(٣) المراح.
501
والجملة الواقعة بعد ﴿إِلَّا﴾ حالية. والمعنى؛ أي: وما أرسلنا قبلك يا محمد أحدًا من المرسلين، إلا وحالهم آكلون، وماشون، فأنت مثلهم في ذلك. قاله ابن الأنباري. وقال الزجاج: الجملة الواقعة بعد ﴿إِلَّا﴾ صفة لموصوف محذوف.
والمعنى: وما أرسلنا قبلك أحدًا من المرسلين، إلا آكلين وماشين، وإنما حذف الموصوف، لأن في قوله: من المرسلين دليلًا عليه نظيره ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤)﴾؛ أي: وما منا أحد. وقال الفراء: لا محل لها من الإعراب، وإنما هي صلة لموصول، محذوف هو المفعول، والتقدير: إلا من أنهم ليأكلون الطعام. والضمير في ﴿إِنَّهُمْ﴾ وما بعده، راجع إلى ﴿مِنَ﴾ المقدرة، وقال الزجاج: هذا خطأ، لأن ﴿مِنَ﴾ الموصلة لا يجوز حذفها.
وقرىء (١): أنهم بالفتح على زيادة اللام وأن مصدرية، والتقدير: إلا أنهم يأكلون الطعام؛ أي: ما جعلناهم رسلًا إلى الناس إلا لكونهم مثلهم في الأكل والمشي. وقرأ الجمهور: ﴿يمشون﴾ مضارع مشى خفيفًا. وقرأ علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عبد الله: يمشون مشددًا مبنيًا للمفعول؛ أي: يمشيهم حوائجهم والناس. وقال الزمخشري: ولو قرىء: يمشون، لكان أوجه لولا الرواية. انتهى. وقد قرأ كذلك أبو عبد الرحمن السلمي مشددًا مبنيًا للفاعل، وهي بمعنى يمشون. قراءة الجمهور.
والخطاب في قوله: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً﴾ عام لجميع الناس، المؤمن والكافر؛ أي (٢): وجعلنا بعضكم أيها الناس فتنة؛ أي: ابتلاء ومحنة لبعض آخر. الفقراء بالأغنياء، والمرسلين بالمرسل إليهم، ومناصبتهم لهم العداوة وأذاهم لهم، والسقماء بالأصحاء، والأسافل بالأعالي، والرعايا بالسلاطين، والموالي بذوي الأنساب، والعميان بالبصراء، والضعفاء بالأقوياء. قال الواسطي
والمعنى: وما أرسلنا قبلك أحدًا من المرسلين، إلا آكلين وماشين، وإنما حذف الموصوف، لأن في قوله: من المرسلين دليلًا عليه نظيره ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤)﴾؛ أي: وما منا أحد. وقال الفراء: لا محل لها من الإعراب، وإنما هي صلة لموصول، محذوف هو المفعول، والتقدير: إلا من أنهم ليأكلون الطعام. والضمير في ﴿إِنَّهُمْ﴾ وما بعده، راجع إلى ﴿مِنَ﴾ المقدرة، وقال الزجاج: هذا خطأ، لأن ﴿مِنَ﴾ الموصلة لا يجوز حذفها.
وقرىء (١): أنهم بالفتح على زيادة اللام وأن مصدرية، والتقدير: إلا أنهم يأكلون الطعام؛ أي: ما جعلناهم رسلًا إلى الناس إلا لكونهم مثلهم في الأكل والمشي. وقرأ الجمهور: ﴿يمشون﴾ مضارع مشى خفيفًا. وقرأ علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عبد الله: يمشون مشددًا مبنيًا للمفعول؛ أي: يمشيهم حوائجهم والناس. وقال الزمخشري: ولو قرىء: يمشون، لكان أوجه لولا الرواية. انتهى. وقد قرأ كذلك أبو عبد الرحمن السلمي مشددًا مبنيًا للفاعل، وهي بمعنى يمشون. قراءة الجمهور.
والخطاب في قوله: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً﴾ عام لجميع الناس، المؤمن والكافر؛ أي (٢): وجعلنا بعضكم أيها الناس فتنة؛ أي: ابتلاء ومحنة لبعض آخر. الفقراء بالأغنياء، والمرسلين بالمرسل إليهم، ومناصبتهم لهم العداوة وأذاهم لهم، والسقماء بالأصحاء، والأسافل بالأعالي، والرعايا بالسلاطين، والموالي بذوي الأنساب، والعميان بالبصراء، والضعفاء بالأقوياء. قال الواسطي
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.
502
- رحمه الله -: ما وجد موجود إلا لفتنة، وما فقد مفقود إلا لفتنة.
فالمريض يقول (١): لم لم أجعل كالصحيح، وكذا كل صاحب آفة. والصحيح مبتلى بالمريض فلا يضجر منه ولا يحقره والغني مبتلى بالفقير يواسيه والفقير مبتلى بالغني يحسده، ونحو هذا مثله.
وقيل المراد بالآية، أنه كان إذا أراد الشريف أن يسلم، ورأى الوضيع قد أسلم قبله أنف، وقال: لا أسلم بعده، فيكون له علي السابقة والفضل، فيقيم على كفره، فذلك افتتان بعضهم ببعض. واختار هذا القول الفراء والزجاج، ولا وجه لقصر الآية على هذا، فإن هؤلاء وإن كانوا سبب النزول فالاعتبار بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
ثم قال سبحانه، بعد الإخبار بجعل البعض للبعض فتنة: ﴿أَتَصْبِرُونَ﴾ على هذه الفتنة فتؤجروا، أم لا تصبرون فيزداد غمكم. والاستفهام فيه للتقرير، وهو (٢) علة للجعل المذكور.
والمعنى: وجعلنا بعضكم لبعض فتنة، لنعلم أتصبرون على الابتلاء، أم تجزعون عنه.
أو حث على الصبر، على ما افتتنوا به؛ أي: اصبروا على ابتلائكم ولا تجزعوا. وقال أبو الليث: اللفظ لفظ الاستفهام. والمراد الأمر، يعني اصبروا على الابتلاء. كقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ﴾؛ أي: توبوا. وقوله: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾؛ أي: انتهوا.
ثم وعد الله الصابرين بقوله: ﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾؛ أي: بكل من يصبر، ومن لا يصبر، فيجازي كلا منهما بما يستحقه.
والمعنى: أي (٣) وامتحنا أيها الناس بعضكم ببعض، فجعلنا هذا نبيًا
فالمريض يقول (١): لم لم أجعل كالصحيح، وكذا كل صاحب آفة. والصحيح مبتلى بالمريض فلا يضجر منه ولا يحقره والغني مبتلى بالفقير يواسيه والفقير مبتلى بالغني يحسده، ونحو هذا مثله.
وقيل المراد بالآية، أنه كان إذا أراد الشريف أن يسلم، ورأى الوضيع قد أسلم قبله أنف، وقال: لا أسلم بعده، فيكون له علي السابقة والفضل، فيقيم على كفره، فذلك افتتان بعضهم ببعض. واختار هذا القول الفراء والزجاج، ولا وجه لقصر الآية على هذا، فإن هؤلاء وإن كانوا سبب النزول فالاعتبار بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
ثم قال سبحانه، بعد الإخبار بجعل البعض للبعض فتنة: ﴿أَتَصْبِرُونَ﴾ على هذه الفتنة فتؤجروا، أم لا تصبرون فيزداد غمكم. والاستفهام فيه للتقرير، وهو (٢) علة للجعل المذكور.
والمعنى: وجعلنا بعضكم لبعض فتنة، لنعلم أتصبرون على الابتلاء، أم تجزعون عنه.
أو حث على الصبر، على ما افتتنوا به؛ أي: اصبروا على ابتلائكم ولا تجزعوا. وقال أبو الليث: اللفظ لفظ الاستفهام. والمراد الأمر، يعني اصبروا على الابتلاء. كقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ﴾؛ أي: توبوا. وقوله: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾؛ أي: انتهوا.
ثم وعد الله الصابرين بقوله: ﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾؛ أي: بكل من يصبر، ومن لا يصبر، فيجازي كلا منهما بما يستحقه.
والمعنى: أي (٣) وامتحنا أيها الناس بعضكم ببعض، فجعلنا هذا نبيًا
(١) الشوكاني.
(٢) البيضاوي.
(٣) المراغي.
(٢) البيضاوي.
(٣) المراغي.
503
وخصصناه بالرسالة، وهذا ملكًا وخصصناه بالدنيا. وهذا فقيرًا وحرمناه من لذات الدنيا ونعيمها، لنختبر الفقير بصبره على ما حرم، مما أعطيه الغني، والملك بصبره على ما أوتيه الرسول من الكرامة. وكيف يكون رضى كل منهم بما أعطي، وقسم له، وطاعته ربه على حرمانه، مما أعطي سواه، ومن جراء هذا لم أعط محمدًا الدنيا، وجعلته يمشي في الأسواق، يطلب المعاش لأبتليكم، وأختبر طاعتكم وإجابتكم إياه، إلى ما دعاكم إليه، وهو لم يرج منكم عرضًا من أعراض الدنيا، ولو أعطيتها إياه، لسارع كثيرة منكم إلى متابعته، طمعًا في أن ينال شيئًا من دنياه.
والخلاصة: لو شئت أن أجعل الدنيا، مع رسلي، حتى لا يخالفوا.. لفعلت، لكني أردت أن ابتلي العباد بهم، وابتليهم بالعباد، فينالهم منهم الأذى، ويناصبوهم العداء، فاصبروا على البلاء، فقد علمتم ما وعد الله به الصابرين ﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾؛ أي: وربك أيها الرسول، بصير بمن يجزع، وبمن يصبر، على ما امتحن به من المحن، ويجازي كلا بما يستحق من عقاب أو ثواب.
وفي الحديث المتفق عليه، عن أبي هريرة، يبلغ به النبي - ﷺ - قال: "إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه بالمال والجسم، فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم". هذا لفظ البخاري، ولمسلم "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".
واعلم: أن العبد، لا بد له من السكون إلى قضاء الله تعالى، في حال فقره وغناه، ومن الصبر على كل أمر يرد عليه من مولاه، فإنه تعالى بصير بحاله، مطلع عليه في كل فعاله، وربما يشدد المحنة عليه بحكمته، ويمنع مراده عنه، مع كمال قدرته.
الإعراب
﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١)﴾.
﴿تَبَارَكَ﴾: فعل ماض جامد. ﴿الَّذِي﴾: فاعل. والجملة مستأنفة استئنافًا
والخلاصة: لو شئت أن أجعل الدنيا، مع رسلي، حتى لا يخالفوا.. لفعلت، لكني أردت أن ابتلي العباد بهم، وابتليهم بالعباد، فينالهم منهم الأذى، ويناصبوهم العداء، فاصبروا على البلاء، فقد علمتم ما وعد الله به الصابرين ﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾؛ أي: وربك أيها الرسول، بصير بمن يجزع، وبمن يصبر، على ما امتحن به من المحن، ويجازي كلا بما يستحق من عقاب أو ثواب.
وفي الحديث المتفق عليه، عن أبي هريرة، يبلغ به النبي - ﷺ - قال: "إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه بالمال والجسم، فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم". هذا لفظ البخاري، ولمسلم "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".
واعلم: أن العبد، لا بد له من السكون إلى قضاء الله تعالى، في حال فقره وغناه، ومن الصبر على كل أمر يرد عليه من مولاه، فإنه تعالى بصير بحاله، مطلع عليه في كل فعاله، وربما يشدد المحنة عليه بحكمته، ويمنع مراده عنه، مع كمال قدرته.
الإعراب
﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١)﴾.
﴿تَبَارَكَ﴾: فعل ماض جامد. ﴿الَّذِي﴾: فاعل. والجملة مستأنفة استئنافًا
504
نحويًا. ﴿نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به. والجملة صلة الموصول ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ ﴿نَزَّلَ﴾. ﴿لِيَكُونَ﴾: اللام حرف جر وتعليل. ﴿يكون﴾: فعل مضارع ناقص، منصوب بأن المضمرة بعد لام كي، واسمها ضمير مستتر يعود على عبده، أو على الفرقان، أو على الله سبحانه. ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾: متعلق بـ ﴿نَذِيرًا﴾، قدم عليه للفاصلة. ﴿نَذِيرًا﴾: خبرها. وجملة ﴿يكون﴾ مع أن المضمرة، في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لكونه نذيرًا، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿نَزَّلَ﴾.
﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾.
﴿الَّذِي﴾: بدل من الموصول الأول، أو عطف بيان منه، أو خبر لمبتدأ محذوف، أو منصوب على المدح. ﴿لَهُ﴾: خبر مقدم. ﴿مُلْكُ السَّمَاوَاتِ﴾: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه. ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف على السماوات. والجملة صلة الموصول. ﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾. جازم وفعل مجزوم، وفاعل مستتر يعود على الموصول، ومفعول به معطوف على جملة الصلة. ﴿وَلَمْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لم﴾: حرف جزم. ﴿يَكُنْ﴾: فعل مضارع ناقص مجزوم بـ ﴿لم﴾. ﴿له﴾: خبر مقدم لـ ﴿يَكُنْ﴾. ﴿شَرِيكٌ﴾: اسمها مؤخر. ﴿فِي الْمُلْكِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿شَرِيكٌ﴾. والجملة معطوفة على جملة الصلة أيضًا. ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾: فعل وفاعل مستتر يعود على الموصول، ومفعول به. والجملة معطوفة على جملة الصلة. وهذه الجملة بمنزلة العلة لما قبلها. ﴿فَقَدَّرَهُ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿قدره﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به. ﴿تَقْدِيرًا﴾: مفعول مطلق. والجملة معطوفة على جملة خلق.
﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (٣)﴾.
﴿وَاتَّخَذُوا﴾: فعل وفاعل. والجملة مستأنفة، مسوقة لبيان ما عليه الكفار من
﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾.
﴿الَّذِي﴾: بدل من الموصول الأول، أو عطف بيان منه، أو خبر لمبتدأ محذوف، أو منصوب على المدح. ﴿لَهُ﴾: خبر مقدم. ﴿مُلْكُ السَّمَاوَاتِ﴾: مبتدأ مؤخر ومضاف إليه. ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف على السماوات. والجملة صلة الموصول. ﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾. جازم وفعل مجزوم، وفاعل مستتر يعود على الموصول، ومفعول به معطوف على جملة الصلة. ﴿وَلَمْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لم﴾: حرف جزم. ﴿يَكُنْ﴾: فعل مضارع ناقص مجزوم بـ ﴿لم﴾. ﴿له﴾: خبر مقدم لـ ﴿يَكُنْ﴾. ﴿شَرِيكٌ﴾: اسمها مؤخر. ﴿فِي الْمُلْكِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿شَرِيكٌ﴾. والجملة معطوفة على جملة الصلة أيضًا. ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾: فعل وفاعل مستتر يعود على الموصول، ومفعول به. والجملة معطوفة على جملة الصلة. وهذه الجملة بمنزلة العلة لما قبلها. ﴿فَقَدَّرَهُ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة. ﴿قدره﴾: فعل وفاعل مستتر ومفعول به. ﴿تَقْدِيرًا﴾: مفعول مطلق. والجملة معطوفة على جملة خلق.
﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (٣)﴾.
﴿وَاتَّخَذُوا﴾: فعل وفاعل. والجملة مستأنفة، مسوقة لبيان ما عليه الكفار من
505
عبادة الأصنام. ﴿مِنْ دُونِهِ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني لاتخذوا. ﴿آلِهَةً﴾: مفعول أول له. ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا﴾: فعل وفاعل ومفعول به. والجملة في محل النصب صفة أولى لـ ﴿آلِهَةً﴾. ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ. ﴿يُخْلَقُونَ﴾: فعل مغير ونائب فاعل. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ. والجملة الاسمية في محل النصب، معطوفة على جملة ﴿لَا يَخْلُقُونَ﴾ على كونها صفة ثانية لـ ﴿آلِهَةً﴾. ومعنى كونهم مخلوقين أن العابدين ينحتونهم ويصورونهم. ﴿وَلَا يَمْلِكُونَ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿يُخْلَقُونَ﴾ على كونها صفة ثالثة لـ ﴿آلِهَةً﴾. ﴿لِأَنْفُسِهِمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَمْلِكُونَ﴾. ﴿ضَرًّا﴾ مفعول به له. ﴿وَلَا نَفْعًا﴾: معطوف على ضرًا. ﴿وَلَا يَمْلِكُونَ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿يُخْلَقُونَ﴾ على كونها صفة رابعة لـ ﴿آلِهَةً﴾. ﴿مَوْتًا﴾: مفعول به. ﴿وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾: معطوفان على موتًا.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (٤)﴾.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل. والجملة مستأنفة، مسوقة لحكاية أباطيلهم، المتعلقة بالمنزل. والمنزل عليه معًا، وإبطالها. ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول. ﴿إِنْ﴾ نافية. ﴿هَذَا﴾: مبتدأ. ﴿إِلَّا﴾: أداة حصر. ﴿إِفْكٌ﴾: خبر ﴿هَذَا﴾. والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾. ﴿افْتَرَاهُ﴾: فعل ومفعول به وفاعل مستتر يعود على محمد. والجملة الفعلية في محل الرفع صفة لـ ﴿إِفْكٌ﴾. ﴿وَأَعَانَهُ﴾: فعل ومفعول به. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق به. ﴿قَوْمٌ﴾: فاعل. ﴿آخَرُونَ﴾: صفة لـ ﴿قَوْمٌ﴾. والجملة الفعلية في محل الرفع، معطوفة على جملة ﴿افْتَرَاهُ﴾. ﴿فَقَدْ جَاءُوا﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع، لكون ما قبلها علة لما بعدها. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿جَاءُوا﴾: فعل وفاعل. وجاء هنا، بمعنى فعل، يتعدى إلى مفعول. ﴿ظُلْمًا﴾: مفعول به. ﴿وَزُورًا﴾: معطوف عليه. وجملة ﴿جاء﴾ معطوفة على جملة ﴿قال﴾ على كونها مفرعة عليها. وفي "الفتوحات" ﴿الفاء﴾: لترتيب ما بعدها على ما قبلها، لكن لا على أنهما أمران متغايران حقيقة، بل على أن
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (٤)﴾.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل. والجملة مستأنفة، مسوقة لحكاية أباطيلهم، المتعلقة بالمنزل. والمنزل عليه معًا، وإبطالها. ﴿كَفَرُوا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول. ﴿إِنْ﴾ نافية. ﴿هَذَا﴾: مبتدأ. ﴿إِلَّا﴾: أداة حصر. ﴿إِفْكٌ﴾: خبر ﴿هَذَا﴾. والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾. ﴿افْتَرَاهُ﴾: فعل ومفعول به وفاعل مستتر يعود على محمد. والجملة الفعلية في محل الرفع صفة لـ ﴿إِفْكٌ﴾. ﴿وَأَعَانَهُ﴾: فعل ومفعول به. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق به. ﴿قَوْمٌ﴾: فاعل. ﴿آخَرُونَ﴾: صفة لـ ﴿قَوْمٌ﴾. والجملة الفعلية في محل الرفع، معطوفة على جملة ﴿افْتَرَاهُ﴾. ﴿فَقَدْ جَاءُوا﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع، لكون ما قبلها علة لما بعدها. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿جَاءُوا﴾: فعل وفاعل. وجاء هنا، بمعنى فعل، يتعدى إلى مفعول. ﴿ظُلْمًا﴾: مفعول به. ﴿وَزُورًا﴾: معطوف عليه. وجملة ﴿جاء﴾ معطوفة على جملة ﴿قال﴾ على كونها مفرعة عليها. وفي "الفتوحات" ﴿الفاء﴾: لترتيب ما بعدها على ما قبلها، لكن لا على أنهما أمران متغايران حقيقة، بل على أن
506
الثاني، هو عين الأول حقيقة، وإنما الترتيب بحسب التغاير الاعتباري. وقد لتحقيق ما جاؤوا به من الظلم والزور. اهـ. "أبو السعود". اهـ.
﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥)﴾.
﴿وَقَالُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على قال الذين. ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾: خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو؛ أي: هذا القرآن أساطير الأولين، أو مبتدأ. وجملة ﴿اكْتَتَبَهَا﴾: خبره. والجملة الاسمية في محل النصب، مقول قالوا ﴿اكْتَتَبَهَا﴾: فعل ومفعول به وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة الفعلية في محل النصب حال، من أساطير الأولين على الوجه الأول، وعلى الوجه الثاني خبر له. ﴿فَهِيَ﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع. ﴿هي﴾: مبتدأ. ﴿تُمْلَى﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على الأساطير. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق بـ ﴿تُمْلَى﴾. ﴿بُكْرَةً﴾: ظرف متعلق بـ ﴿تُمْلَى﴾. ﴿وَأَصِيلًا﴾: معطوف على ﴿بُكْرَةً﴾. وجملة ﴿تُمْلَى﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ. والجملة الاسمية معطوفة على جملة ﴿اكتتبها﴾.
﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٦)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد. والجملة مستأنفة. ﴿أَنْزَلَهُ﴾: فعل ومفعول به. ﴿الَّذِي﴾: فاعل ﴿أنزل﴾. والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿يَعْلَمُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الموصول. ﴿السِّرَّ﴾: مفعول به. والجملة صلة الموصول. ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور حال من السر. ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾. ﴿إِنَّهُ﴾: ناصب واسمه ﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على الله. ﴿غَفُورًا﴾: خبر أول لـ ﴿كَانَ﴾. ﴿رَحِيمًا﴾: خبر ثان لها، وجملة ﴿كَانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾. وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧)﴾.
﴿وَقَالُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، أو مستأنفة
﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥)﴾.
﴿وَقَالُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على قال الذين. ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾: خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو؛ أي: هذا القرآن أساطير الأولين، أو مبتدأ. وجملة ﴿اكْتَتَبَهَا﴾: خبره. والجملة الاسمية في محل النصب، مقول قالوا ﴿اكْتَتَبَهَا﴾: فعل ومفعول به وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة الفعلية في محل النصب حال، من أساطير الأولين على الوجه الأول، وعلى الوجه الثاني خبر له. ﴿فَهِيَ﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع. ﴿هي﴾: مبتدأ. ﴿تُمْلَى﴾: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على الأساطير. ﴿عَلَيْهِ﴾: متعلق بـ ﴿تُمْلَى﴾. ﴿بُكْرَةً﴾: ظرف متعلق بـ ﴿تُمْلَى﴾. ﴿وَأَصِيلًا﴾: معطوف على ﴿بُكْرَةً﴾. وجملة ﴿تُمْلَى﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ. والجملة الاسمية معطوفة على جملة ﴿اكتتبها﴾.
﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٦)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد. والجملة مستأنفة. ﴿أَنْزَلَهُ﴾: فعل ومفعول به. ﴿الَّذِي﴾: فاعل ﴿أنزل﴾. والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿يَعْلَمُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الموصول. ﴿السِّرَّ﴾: مفعول به. والجملة صلة الموصول. ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾: جار ومجرور حال من السر. ﴿وَالْأَرْضِ﴾: معطوف على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾. ﴿إِنَّهُ﴾: ناصب واسمه ﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على الله. ﴿غَفُورًا﴾: خبر أول لـ ﴿كَانَ﴾. ﴿رَحِيمًا﴾: خبر ثان لها، وجملة ﴿كَانَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾. وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧)﴾.
﴿وَقَالُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، أو مستأنفة
507
مسوقة في بيان قبائحهم، التي قالوها في شأن الرسول، وهي ستة كما ستأتي، والأخيرة منها هي قوله: ﴿رَجُلًا مَسْحُورًا﴾. ﴿مَالِ﴾: اسم استفهام للاستفهام التعجبي المضمن للإنكار في محل الرفع مبتدأ. ﴿هَذَا﴾: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. ﴿الرَّسُولِ﴾: بدل من اسم الإشارة، والتقدير: أي شيء ثابت لهذا الرسول. والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قالوا﴾. وفي "الكشاف": ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ﴾ وقعت اللام مفصولة عن هذا في المصحف، خارجة عن أوضاع الخط العربي، وخط المصحف سنة لا تغير. اهـ. ﴿يَأْكُلُ الطَّعَامَ﴾: فعل وفاعل مستتر يعود على ﴿الرَّسُولِ﴾ ومفعول به. والجملة الفعلية في محل النصب، حال من اسم الإشارة. والعامل في الحال هو الاستقرار العامل في الجار، أو نفس الجار، ذكره أبو البقاء. ﴿وَيَمْشِي﴾: فعل وفاعل مستتر معطوف على ﴿يَأْكُلُ﴾. ﴿فِي الْأَسْوَاقِ﴾: متعلق بـ ﴿وَيَمْشِي﴾. ﴿لَوْلَا﴾: حرف تحضيض بمعنى هلا. ﴿أُنْزِلَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة. ﴿إِلَيْهِ﴾: متعلق به. ﴿مَلَكٌ﴾: نائب فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قالوا﴾. ﴿فَيَكُونَ﴾: الفاء: عاطفة سببية. ﴿يكون﴾: فعل مضارع ناقص، منصوب بأن مضمرة وجوبًا، بعد الفاء السببية، الواقعة في جواب التحضيض. واسمها ضمير يعود على ملك. ﴿مَعَهُ﴾: ظرف مكان، حال من ﴿نَذِيرًا﴾. ﴿نَذِيرًا﴾: خبر ﴿يكون﴾. وجملة ﴿يكون﴾ صلة أن المضمرة. ﴿أن﴾ مع صلتها، في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد، من الجملة التي قبلها، من غير سابك لإصلاح المعنى، تقديره: هلا يكن إنزال ملك إليه فكونه نذيرًا معه.
﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨)﴾.
﴿أَوْ﴾: حرف عطف وتقسيم. ﴿يُلْقَى﴾: فعل مضارع مغير الصيغة. ﴿إِلَيْهِ﴾: متعلق به. ﴿كَنْزٌ﴾: نائب فاعل ليلقى. والجملة معطوفة على جملة ﴿أُنْزِلَ﴾، وجاز عطف المضارع على الماضي؛ لأنه بمعنى المضارع، إذ التقدير: لولا ينزل إليه ملك، أو يلقى إليه كنز. ﴿أَوْ تَكُونُ﴾: فعل مضارع ناقص.
﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨)﴾.
﴿أَوْ﴾: حرف عطف وتقسيم. ﴿يُلْقَى﴾: فعل مضارع مغير الصيغة. ﴿إِلَيْهِ﴾: متعلق به. ﴿كَنْزٌ﴾: نائب فاعل ليلقى. والجملة معطوفة على جملة ﴿أُنْزِلَ﴾، وجاز عطف المضارع على الماضي؛ لأنه بمعنى المضارع، إذ التقدير: لولا ينزل إليه ملك، أو يلقى إليه كنز. ﴿أَوْ تَكُونُ﴾: فعل مضارع ناقص.
508
﴿لَهُ﴾: خبر مقدم لها. ﴿جَنَّةٌ﴾: اسمها مؤخر. والجملة معطوفة أيضًا على جملة ﴿أُنْزِلَ﴾. ﴿يَأْكُلُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الرسول. ﴿مِنْهَا﴾: متعلق بـ ﴿يَأْكُلُ﴾. والجملة في محل الرفع صفة لجنة. ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿وَقَالُوا﴾. ﴿إن﴾: نافية. ﴿تَتَّبِعُونَ﴾: فعل وفاعل. ﴿إِلَّا﴾: أداة حصر. ﴿رَجُلًا﴾: مفعول به. ﴿مَسْحُورًا﴾: صفة ﴿رَجُلًا﴾.
﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٩) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (١٠)﴾.
﴿انْظُرْ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد. والجملة مستأنفة. ﴿كَيْفَ﴾: اسم استفهام، للاستفهام التعجبي في محل النصب على الحال من فاعل ﴿ضَرَبُوا﴾ معلقة ما قبلها عن العمل فيما بعدها. ﴿ضَرَبُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿لَكَ﴾: متعلق به. ﴿الْأَمْثَالَ﴾: مفعول به. والجملة الفعلية في محل النصب، مفعول ﴿انْظُرْ﴾ معلقة عنها باسم الاستفهام. ﴿فَضَلُّوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿ضَرَبُوا﴾. ﴿فَلَا﴾ الفاء: عاطفة. ﴿لا﴾: نافية. ﴿يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿ضلوا﴾. ﴿تَبَارَكَ الَّذِي﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿شَاءَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر، يعود على الموصول في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها فعل شرط لها. ﴿جَعَلَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الموصول، في محل الجزم بـ ﴿إِن﴾ الشرطية على كونه جوابًا لها. وجملة ﴿إِن﴾ الشرطية صلة الموصول. ﴿لَكَ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ ﴿جَعَلَ﴾. ﴿خَيْرًا﴾ مفعول أول له. ﴿مِنْ ذَلِكَ﴾: متعلق بـ ﴿خَيْرًا﴾. ﴿جَنَّاتٍ﴾: بدل من خيرًا منصوب بالكسرة. ﴿تَجْرِي﴾: فعل مضارع. ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾: متعلق بـ ﴿تَجْرِي﴾. ﴿الْأَنْهَارُ﴾: فاعل ﴿تَجْرِي﴾ وجملة ﴿تَجْرِي﴾ في محل النصب صفة لـ ﴿جَنَّاتٍ﴾. ﴿وَيَجْعَلْ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الموصول، معطوف على محل ﴿جَعَلَ﴾ الواقع جوابًا للشرط. ﴿لَكَ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ ﴿يجعل﴾. ﴿قُصُورًا﴾: مفعول أول له.
﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٩) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (١٠)﴾.
﴿انْظُرْ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد. والجملة مستأنفة. ﴿كَيْفَ﴾: اسم استفهام، للاستفهام التعجبي في محل النصب على الحال من فاعل ﴿ضَرَبُوا﴾ معلقة ما قبلها عن العمل فيما بعدها. ﴿ضَرَبُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿لَكَ﴾: متعلق به. ﴿الْأَمْثَالَ﴾: مفعول به. والجملة الفعلية في محل النصب، مفعول ﴿انْظُرْ﴾ معلقة عنها باسم الاستفهام. ﴿فَضَلُّوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿ضَرَبُوا﴾. ﴿فَلَا﴾ الفاء: عاطفة. ﴿لا﴾: نافية. ﴿يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿ضلوا﴾. ﴿تَبَارَكَ الَّذِي﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿إن﴾: حرف شرط. ﴿شَاءَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر، يعود على الموصول في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها فعل شرط لها. ﴿جَعَلَ﴾: فعل ماض وفاعل مستتر يعود على الموصول، في محل الجزم بـ ﴿إِن﴾ الشرطية على كونه جوابًا لها. وجملة ﴿إِن﴾ الشرطية صلة الموصول. ﴿لَكَ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ ﴿جَعَلَ﴾. ﴿خَيْرًا﴾ مفعول أول له. ﴿مِنْ ذَلِكَ﴾: متعلق بـ ﴿خَيْرًا﴾. ﴿جَنَّاتٍ﴾: بدل من خيرًا منصوب بالكسرة. ﴿تَجْرِي﴾: فعل مضارع. ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾: متعلق بـ ﴿تَجْرِي﴾. ﴿الْأَنْهَارُ﴾: فاعل ﴿تَجْرِي﴾ وجملة ﴿تَجْرِي﴾ في محل النصب صفة لـ ﴿جَنَّاتٍ﴾. ﴿وَيَجْعَلْ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الموصول، معطوف على محل ﴿جَعَلَ﴾ الواقع جوابًا للشرط. ﴿لَكَ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ ﴿يجعل﴾. ﴿قُصُورًا﴾: مفعول أول له.
509
﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (١١) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (١٢)﴾.
﴿بَلْ﴾: حرف عطف وإضراب، أضرب بها عن توبيخهم بحكاية جناياتهم السابقة، وانتقل منه إلى توبيخهم بحكاية جناياتهم الأخرى، للتخلص إلى بيان ما لهم في الآخرة من فنون العذاب. اهـ. "أبو السعود". ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿بِالسَّاعَةِ﴾: متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. والجملة معطوفة على جملة ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أو مستأنفة. ﴿وَأَعْتَدْنَا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿لِمَنْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أعتدنا﴾. ﴿كَذَّبَ﴾: فعل وفاعل مستتر على ﴿من﴾. والجملة صلة ﴿من﴾ الموصولة. ﴿بِالسَّاعَةِ﴾: متعلق بـ ﴿كَذَّبَ﴾. ﴿سَعِيرًا﴾: مفعول ﴿أعتدنا﴾. ﴿إذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿رَأَتْهُمْ﴾: فعل وفاعل مستتر يعود على ﴿السعير﴾، ومفعول به. ﴿مِنْ مَكَانٍ﴾: جار ومجرور حال من المفعول، أو من الفاعل. ﴿بَعِيدٍ﴾: صفة لـ ﴿مَكَانٍ﴾. والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إذَا﴾ إليها، على كونها فعل شرط لها. ﴿سَمِعُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿لَهَا﴾: حال من ﴿تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ﴿تَغَيُّظًا﴾: مفعول به. ﴿وَزَفِيرًا﴾: معطوف عليه. والجملة جواب ﴿إذَا﴾. وجملة ﴿إذَا﴾ الشرطية في محل النصب صفة لـ ﴿سَعِيرًا﴾.
﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (١٣) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (١٤)﴾.
﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿إذا﴾: ظرف مضمن معنى الشرط. ﴿أُلْقُوا﴾: فعل ونائب فاعل. والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إذا﴾ إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿مِنْهَا﴾: حال من مكانًا؛ لأنه في الأصل، صفة نكرة قدمت عليها. ﴿مَكَانًا﴾: ظرف متعلق بـ ﴿أُلْقُوا﴾. ﴿ضَيِّقًا﴾: صفة لـ ﴿مَكَانًا﴾. ﴿مُقَرَّنِينَ﴾: حال من الواو في ﴿أُلْقُوا﴾. ﴿دَعَوْا﴾: فعل وفاعل جواب ﴿إذا﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿هُنَالِكَ﴾: اسم إشارة في محل النصب على الظرفية المكانية، متعلق بـ ﴿دَعَوْا﴾. ﴿ثُبُورًا﴾: مفعول به
﴿بَلْ﴾: حرف عطف وإضراب، أضرب بها عن توبيخهم بحكاية جناياتهم السابقة، وانتقل منه إلى توبيخهم بحكاية جناياتهم الأخرى، للتخلص إلى بيان ما لهم في الآخرة من فنون العذاب. اهـ. "أبو السعود". ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿بِالسَّاعَةِ﴾: متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. والجملة معطوفة على جملة ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أو مستأنفة. ﴿وَأَعْتَدْنَا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿لِمَنْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أعتدنا﴾. ﴿كَذَّبَ﴾: فعل وفاعل مستتر على ﴿من﴾. والجملة صلة ﴿من﴾ الموصولة. ﴿بِالسَّاعَةِ﴾: متعلق بـ ﴿كَذَّبَ﴾. ﴿سَعِيرًا﴾: مفعول ﴿أعتدنا﴾. ﴿إذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿رَأَتْهُمْ﴾: فعل وفاعل مستتر يعود على ﴿السعير﴾، ومفعول به. ﴿مِنْ مَكَانٍ﴾: جار ومجرور حال من المفعول، أو من الفاعل. ﴿بَعِيدٍ﴾: صفة لـ ﴿مَكَانٍ﴾. والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إذَا﴾ إليها، على كونها فعل شرط لها. ﴿سَمِعُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿لَهَا﴾: حال من ﴿تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ﴿تَغَيُّظًا﴾: مفعول به. ﴿وَزَفِيرًا﴾: معطوف عليه. والجملة جواب ﴿إذَا﴾. وجملة ﴿إذَا﴾ الشرطية في محل النصب صفة لـ ﴿سَعِيرًا﴾.
﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (١٣) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (١٤)﴾.
﴿وَإِذَا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿إذا﴾: ظرف مضمن معنى الشرط. ﴿أُلْقُوا﴾: فعل ونائب فاعل. والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إذا﴾ إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿مِنْهَا﴾: حال من مكانًا؛ لأنه في الأصل، صفة نكرة قدمت عليها. ﴿مَكَانًا﴾: ظرف متعلق بـ ﴿أُلْقُوا﴾. ﴿ضَيِّقًا﴾: صفة لـ ﴿مَكَانًا﴾. ﴿مُقَرَّنِينَ﴾: حال من الواو في ﴿أُلْقُوا﴾. ﴿دَعَوْا﴾: فعل وفاعل جواب ﴿إذا﴾ لا محل لها من الإعراب. ﴿هُنَالِكَ﴾: اسم إشارة في محل النصب على الظرفية المكانية، متعلق بـ ﴿دَعَوْا﴾. ﴿ثُبُورًا﴾: مفعول به
510
لـ ﴿دَعَوْا﴾. وجملة ﴿إذا﴾ معطوفة على جملة قوله ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾ على كونها صفة لـ ﴿سَعِيرًا﴾. ﴿لَا تَدْعُوا﴾: ناهية جازمة. ﴿تَدْعُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لَا﴾ الناهية. ﴿الْيَوْمَ﴾ منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿تَدْعُوا﴾. ﴿ثُبُورًا﴾: مفعول به. ﴿وَاحِدًا﴾: صفة له. والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لقول محذوف، تقديره: فيقال لهم: لا تدعوا اليوم ثبورًا واحدًا. ﴿وَادْعُوا﴾: فهل أمر وفاعل. ﴿ثُبُورًا﴾: مفعول به. ﴿كَثِيرًا﴾: صفة له. والجملة معطوفة على جملة ﴿لَا تَدْعُوا﴾.
﴿قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (١٥) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (١٦)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿أَذَلِكَ﴾: الهمزة فيه للاستفهام التقريعي التهكمي. ﴿ذلك خيرٌ﴾: مبتدأ وخبر. والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿أَمْ﴾: عاطفة. ﴿جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾: معطوف على ﴿ذلك﴾. ﴿الْخُلْدِ﴾: مضاف إليه. ﴿الَّتِي﴾: في محل الرفع صفة لـ ﴿جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾. ﴿وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾: فعل ونائب فاعل صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: وعدها المتقون. ﴿كَانَتْ﴾: فعل ماض ناقص واسمها ضمير مستتر يعود على الجنة. ﴿لَهُمْ﴾: حال من ﴿جَزَاءً﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ﴿جَزَاءً﴾: خبر ﴿كَانَ﴾. ﴿وَمَصِيرًا﴾: معطوف على ﴿جَزَاءً﴾. وجملة ﴿كَانَتْ﴾ في محل النصب حالة من ﴿جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾. ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿فِيهَا﴾: حال من ضمير ﴿لَهُمْ﴾، أو من الضمير المستكن في الظرف. ﴿ما﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر. وجملة ﴿يَشَاءُونَ﴾ صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: ما يشاؤونه. وجملة ﴿كَانَ﴾ حال ثانية من ﴿جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾. ﴿خَالِدِينَ﴾: حال من الهاء في لهم، أو من الواو في ﴿يَشَاءُونَ﴾. ﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص واسمها ضمير يعود على ﴿مَا يَشَاءُونَ﴾، أو على الوعد المفهوم من ﴿وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾. ﴿عَلَى رَبِّكَ﴾: حال من ﴿وَعْدًا﴾. ﴿وَعْدًا﴾: خبر ﴿كَانَ﴾. ﴿مَسْئُولًا﴾: صفة لـ ﴿وَعْدًا﴾. وجملة
﴿قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (١٥) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (١٦)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر وفاعل مستتر يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿أَذَلِكَ﴾: الهمزة فيه للاستفهام التقريعي التهكمي. ﴿ذلك خيرٌ﴾: مبتدأ وخبر. والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿أَمْ﴾: عاطفة. ﴿جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾: معطوف على ﴿ذلك﴾. ﴿الْخُلْدِ﴾: مضاف إليه. ﴿الَّتِي﴾: في محل الرفع صفة لـ ﴿جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾. ﴿وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾: فعل ونائب فاعل صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: وعدها المتقون. ﴿كَانَتْ﴾: فعل ماض ناقص واسمها ضمير مستتر يعود على الجنة. ﴿لَهُمْ﴾: حال من ﴿جَزَاءً﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ﴿جَزَاءً﴾: خبر ﴿كَانَ﴾. ﴿وَمَصِيرًا﴾: معطوف على ﴿جَزَاءً﴾. وجملة ﴿كَانَتْ﴾ في محل النصب حالة من ﴿جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾. ﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿فِيهَا﴾: حال من ضمير ﴿لَهُمْ﴾، أو من الضمير المستكن في الظرف. ﴿ما﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ مؤخر. وجملة ﴿يَشَاءُونَ﴾ صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: ما يشاؤونه. وجملة ﴿كَانَ﴾ حال ثانية من ﴿جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾. ﴿خَالِدِينَ﴾: حال من الهاء في لهم، أو من الواو في ﴿يَشَاءُونَ﴾. ﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص واسمها ضمير يعود على ﴿مَا يَشَاءُونَ﴾، أو على الوعد المفهوم من ﴿وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾. ﴿عَلَى رَبِّكَ﴾: حال من ﴿وَعْدًا﴾. ﴿وَعْدًا﴾: خبر ﴿كَانَ﴾. ﴿مَسْئُولًا﴾: صفة لـ ﴿وَعْدًا﴾. وجملة
511
﴿كَانَ﴾ مستأنفة.
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧)﴾.
﴿وَيَوْمَ﴾: ظرف متعلق بمحذوف، تقديره: واذكروا يوم يحشرهم. والجملة المحذوفة مستأنفة. ﴿يَحْشُرُهُمْ﴾: فعل ومفعول وفاعل مستتر يعود على الله. والجملة في محل الخفض مضاف إليه لـ ﴿يوم﴾. ﴿وَمَا﴾: اسم موصول في محل النصب، معطوف على ضمير المفعول، أو منصوب على المعية. ﴿يَعْبُدُونَ﴾: فعل وفاعل صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: وما يعبدونه ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: حال من فاعل ﴿يَعْبُدُونَ﴾. ﴿فَيَقُولُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، معطوف على ﴿يَحْشُرُهُمْ﴾. ﴿أَأَنْتُمْ﴾: الهمزة: للاستفهام التوبيخي. ﴿أنتم﴾: مبتدأ. ﴿أَضْلَلْتُمْ﴾: فعل وفاعل. ﴿عِبَادِي﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿هَؤُلَاءِ﴾: بدل من ﴿عِبَادِي﴾، أو صفة له؛ أي: المشار إليهم وجملة ﴿أَضْلَلْتُمْ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ. والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿يقول﴾. ﴿أَمْ﴾: حرف عطف. ﴿هم﴾: مبتدأ. وجملة ﴿ضَلُّوا﴾: خبره. والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها. ﴿السَّبِيلَ﴾: منصوب بنزع الخافض، لأن أصله ضلوا عن السبيل.
﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (١٩)﴾.
﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا. ﴿سُبْحَانَكَ﴾: منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف، تقديره: نسبحك سبحانًا. والجملة المحذوفة في محل النصب مقول قالوا. ﴿ما﴾: نافية. ﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص واسمها ضمير الشأن مستتر فيها. ﴿يَنْبَغِي﴾: فعل مضارع. ﴿لَنَا﴾: متعلق به. ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿نَتَّخِذَ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر منصوب. بـ ﴿أَن﴾. ﴿مِنْ دُونِكَ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧)﴾.
﴿وَيَوْمَ﴾: ظرف متعلق بمحذوف، تقديره: واذكروا يوم يحشرهم. والجملة المحذوفة مستأنفة. ﴿يَحْشُرُهُمْ﴾: فعل ومفعول وفاعل مستتر يعود على الله. والجملة في محل الخفض مضاف إليه لـ ﴿يوم﴾. ﴿وَمَا﴾: اسم موصول في محل النصب، معطوف على ضمير المفعول، أو منصوب على المعية. ﴿يَعْبُدُونَ﴾: فعل وفاعل صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: وما يعبدونه ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: حال من فاعل ﴿يَعْبُدُونَ﴾. ﴿فَيَقُولُ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على الله، معطوف على ﴿يَحْشُرُهُمْ﴾. ﴿أَأَنْتُمْ﴾: الهمزة: للاستفهام التوبيخي. ﴿أنتم﴾: مبتدأ. ﴿أَضْلَلْتُمْ﴾: فعل وفاعل. ﴿عِبَادِي﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿هَؤُلَاءِ﴾: بدل من ﴿عِبَادِي﴾، أو صفة له؛ أي: المشار إليهم وجملة ﴿أَضْلَلْتُمْ﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ. والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿يقول﴾. ﴿أَمْ﴾: حرف عطف. ﴿هم﴾: مبتدأ. وجملة ﴿ضَلُّوا﴾: خبره. والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها. ﴿السَّبِيلَ﴾: منصوب بنزع الخافض، لأن أصله ضلوا عن السبيل.
﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (١٩)﴾.
﴿قَالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا. ﴿سُبْحَانَكَ﴾: منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف، تقديره: نسبحك سبحانًا. والجملة المحذوفة في محل النصب مقول قالوا. ﴿ما﴾: نافية. ﴿كَانَ﴾: فعل ماض ناقص واسمها ضمير الشأن مستتر فيها. ﴿يَنْبَغِي﴾: فعل مضارع. ﴿لَنَا﴾: متعلق به. ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿نَتَّخِذَ﴾: فعل مضارع وفاعل مستتر منصوب. بـ ﴿أَن﴾. ﴿مِنْ دُونِكَ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني
512
لـ ﴿اتخذ﴾. ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾: ﴿من﴾: زائدة لتأكيد النفي. ﴿أَوْلِيَاءَ﴾: مفعول أول لـ ﴿اتخذ﴾. وجملة ﴿نَتَّخِذَ﴾ مع ﴿أَن﴾ المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الفاعلية لـ ﴿يَنْبَغِي﴾؛ أي: ما كان ينبغي لنا اتخاذ أولياء من دونك. وجملة ﴿يَنْبَغِي﴾ في محل النصب خبر ﴿كَانَ﴾. وجملة ﴿كَانَ﴾ في محل النصب مقول ﴿قَالُوا﴾. ﴿وَلَكِنْ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لكن﴾: حرف استدراك. ﴿مَتَّعْتَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول به. ﴿وَآبَاءَهُمْ﴾ معطوف على ضمير المفعول، وجملة الاستدراك معطوفة على جملة ﴿كَانَ﴾. ﴿حَتَّى﴾: حرف جر وغاية بمعنى إلى. ﴿نَسُوا الذِّكْرَ﴾: فعل وفاعل ومفعول به في محل النصب بأن المضمرة بعد حتى. والجملة في تأويل مصدر، مجرور بـ ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى. والجار والمجرور متعلق بـ ﴿مَتَّعْتَهُمْ﴾؛ أي: ولكن متعتهم إلى نسيانهم الذكر. ﴿وَكَانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿قَوْمًا﴾: خبره. ﴿بُورًا﴾: صفة ﴿قَوْمًا﴾. وجملة ﴿كَانَ﴾ معطوفة على جملة ﴿نَسُوا﴾. ﴿فَقَدْ﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم مقالة المعبودين في الجواب، وأردتم بيان مرادهم بتلك المقالة.. فأقول لكم قد كذبوكم. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿كَذَّبُوكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول. والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة. وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿بِمَا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿كَذَّبُوكُمْ﴾. والباء: بمعنى في. وجملة ﴿تَقُولُونَ﴾: صلة ما الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: في ما تقولونه. ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع. ﴿ما﴾: نافية. ﴿تَسْتَطِيعُونَ﴾: فعل وفاعل معطوف على كذبوكم. ﴿صَرْفًا﴾: مفعول به. ﴿وَلَا نَصْرًا﴾: معطوف على ﴿صَرْفًا﴾. ﴿وَمَن﴾. ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿من﴾: اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو الجواب، أو هما. ﴿يَظْلِم﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿مَن﴾ على كونه فعل شرط لها. وفاعله ضمير يعود على ﴿مَن﴾. ﴿مِنْكُمْ﴾: حال من فاعل ﴿يَظْلِمْ﴾؛ أي: كائنًا منكم أيها المكلفون ﴿نُذِقْهُ﴾: فعل ومفعول وفاعل مستتر، يعود على الله مجزوم بـ ﴿من﴾ الشرطية على كونه جوابًا لها. ﴿عَذَابًا﴾: مفعول به. ﴿كَبِيرًا﴾: صفة له. وجملة ﴿من﴾ الشرطية مستأنفة.
513
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿أَرْسَلْنَا﴾ فعل وفاعل. والجملة مستأنفة مسوقة لتسليته - ﷺ -. ﴿قَبْلَكَ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿أَرْسَلْنَا﴾. ﴿مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾: متعلق بـ ﴿أَرْسَلْنَا﴾ أيضًا، أو بمحذوف صفة لمفعول محذوف، تقديره: أحدًا من المرسلين. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء، والمستثنى محذوف، تقديره: إلا رسلًا قيل فيهم: إنهم ليأكلون الطعام إلخ، ﴿رسلًا﴾: مستثنى منصوب على الاستثناء. قيل: فعل ماض مغير الصيغة. فيهم: جار ومجرور نائب فاعل لقيل. وجملة قيل: في محل النصب صفة لرسلًا، المحذوف الواقع مستثنى. ﴿إِنَّهُمْ﴾: ناصب واسمه. ﴿لَيَأْكُلُونَ﴾: (اللام): حرف ابتداء زحلقت إلى الخبر. ﴿يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾: فعل وفاعل ومفعول به. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول للقول المحذوف الذي قدرناه. ﴿وَيَمْشُونَ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿لَيَأْكُلُونَ﴾. ﴿فِي الْأَسْوَاقِ﴾: متعلق بـ ﴿يمشون﴾. وقد تلاطمت أقوال العلماء في إعراب هذا المقام، فراجعها. ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول. ﴿لِبَعْضٍ﴾: حال من ﴿فِتْنَةً﴾؛ لأنه كان في الأصل صفة لـ ﴿فِتْنَةً﴾ قدمت عليها. كقول الشاعر: لمية موحشًا طلل. أصله لمية طلل موحش. ﴿فِتْنَةً﴾: مفعول ثان لـ ﴿جَعَلْنَا﴾. والجملة الفعلية معطوفة على جملة قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾، أو مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله - ﷺ -. ﴿أَتَصْبِرُونَ﴾: (الهمزة): للاستفهام التقريري. ﴿تصبرون﴾: فعل وفاعل. والجملة لفظها لفظ الاستفهام. ومعناها الأمر، إنشائية لا محل لها من الإعراب؛ لأنها بمعنى ﴿اصبروا﴾ كقوله تعالى: ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾ معناه: أسلموا. ﴿وَكَانَ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة أو استئنافية. ﴿كان ربك بصيرًا﴾: فعل ناقص واسمه وخبره. والجملة معطوفة على جملة ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ﴾ أو مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَمَا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿أَرْسَلْنَا﴾ فعل وفاعل. والجملة مستأنفة مسوقة لتسليته - ﷺ -. ﴿قَبْلَكَ﴾: ظرف متعلق بـ ﴿أَرْسَلْنَا﴾. ﴿مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾: متعلق بـ ﴿أَرْسَلْنَا﴾ أيضًا، أو بمحذوف صفة لمفعول محذوف، تقديره: أحدًا من المرسلين. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء، والمستثنى محذوف، تقديره: إلا رسلًا قيل فيهم: إنهم ليأكلون الطعام إلخ، ﴿رسلًا﴾: مستثنى منصوب على الاستثناء. قيل: فعل ماض مغير الصيغة. فيهم: جار ومجرور نائب فاعل لقيل. وجملة قيل: في محل النصب صفة لرسلًا، المحذوف الواقع مستثنى. ﴿إِنَّهُمْ﴾: ناصب واسمه. ﴿لَيَأْكُلُونَ﴾: (اللام): حرف ابتداء زحلقت إلى الخبر. ﴿يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾: فعل وفاعل ومفعول به. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول للقول المحذوف الذي قدرناه. ﴿وَيَمْشُونَ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿لَيَأْكُلُونَ﴾. ﴿فِي الْأَسْوَاقِ﴾: متعلق بـ ﴿يمشون﴾. وقد تلاطمت أقوال العلماء في إعراب هذا المقام، فراجعها. ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول. ﴿لِبَعْضٍ﴾: حال من ﴿فِتْنَةً﴾؛ لأنه كان في الأصل صفة لـ ﴿فِتْنَةً﴾ قدمت عليها. كقول الشاعر: لمية موحشًا طلل. أصله لمية طلل موحش. ﴿فِتْنَةً﴾: مفعول ثان لـ ﴿جَعَلْنَا﴾. والجملة الفعلية معطوفة على جملة قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾، أو مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله - ﷺ -. ﴿أَتَصْبِرُونَ﴾: (الهمزة): للاستفهام التقريري. ﴿تصبرون﴾: فعل وفاعل. والجملة لفظها لفظ الاستفهام. ومعناها الأمر، إنشائية لا محل لها من الإعراب؛ لأنها بمعنى ﴿اصبروا﴾ كقوله تعالى: ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾ معناه: أسلموا. ﴿وَكَانَ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة أو استئنافية. ﴿كان ربك بصيرًا﴾: فعل ناقص واسمه وخبره. والجملة معطوفة على جملة ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ﴾ أو مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
514
التصريف ومفردات اللغة
﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾ من البركة، وهي كثرة الخير لعباده، بإنعامه عليهم وإحسانه إليهم. ثم إن تبارك: فعل ماض جامد لا ينصرف، فلا يأتي منه مضارع ولا اسم فاعل، ولا مصدر. ولا يستعمل في غير الله تعالى.
فائدة في بحث فعل الجامد: والفعل الجامد: هو ما أشبه الحرف من حيث أداؤه معنى مجردًا عن الزمان، والحدث المعتبرين في سائر الأفعال، فلزم مثله طريقة واحدة في التعبير بلفظ واحد، فهو لا يقبل التحول من صيغة إلى صيغة أخرى، بل يلزم صيغة واحدة، ماضيًا كان أو مضارعًا أو أمرًا، مثل عسى وليس ويهيط وهب، بمعنى: أحسب من أخوات ظن، ولم يرد من مادته بهذا المعنى إلا الأمر. وأما هب المشتق من الهبة فإنه فعل أمر متصرف، فماضيه وهب، ومضارعه يهب. والفعل الجامد ثلاثة أقسام ما يلازم صيغة الماضي. مثل عسى وليس ونعم وبئس وتبارك الله سبحانه. وما يلازم صيغة المضارع، مثل: يهيط ومعناه: يصيح ويفح، يقال: ما زال منذ اليوم يهيط هيطًا، وهو مضارع لا ماضي له، كما في "لسان العرب" و"تاج العروس". ويقال: ما زال في هيط وميط بفتح أولهما، وفي هياط ومياط بكسر أولهما؛ أي: ضجاج وشر جلبة. وقيل: في هياط ومياط، في دنو وتباعد. والهياط: الإقبال والميط الإدبار، والهائط: الجائي، والمائط: الذاهب.
والمهايطة والهياط: الصياح والجلبة، وما يلازم صيغة الأمر. نحو هب بمعنى: أحسب وهات وتعال وهلم، على لغة تميم؛ لأنه عندهم: فعل يقبل علامته، فتلحقه الضمائر. أما في لغة الحجاز، فهي اسم فعل أمر؛ لأنها عندهم تكون بلفظ واحد للجميع، ومن الأفعال الجامدة قل بصيغة الماضي للنفي المحض، وإذا لحقته ما الزائدة كفته عن العمل، فلا يليه حينئذٍ إلا الفعل، ولا فاعل له لجريانه مجرى حرف النفي، نحو قلما فعلت كذا، وقلما أفعله؛ أي: ما فعلته ولا أفعله. ومثل قلما في عدم التصرف طالما وكثر ما وقصر ما، وشدما، فإن ما فيهن زائدة للتوكيد، كافة لهن عن العمل فلا فاعل لهن ولا يليهن إلا
﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾ من البركة، وهي كثرة الخير لعباده، بإنعامه عليهم وإحسانه إليهم. ثم إن تبارك: فعل ماض جامد لا ينصرف، فلا يأتي منه مضارع ولا اسم فاعل، ولا مصدر. ولا يستعمل في غير الله تعالى.
فائدة في بحث فعل الجامد: والفعل الجامد: هو ما أشبه الحرف من حيث أداؤه معنى مجردًا عن الزمان، والحدث المعتبرين في سائر الأفعال، فلزم مثله طريقة واحدة في التعبير بلفظ واحد، فهو لا يقبل التحول من صيغة إلى صيغة أخرى، بل يلزم صيغة واحدة، ماضيًا كان أو مضارعًا أو أمرًا، مثل عسى وليس ويهيط وهب، بمعنى: أحسب من أخوات ظن، ولم يرد من مادته بهذا المعنى إلا الأمر. وأما هب المشتق من الهبة فإنه فعل أمر متصرف، فماضيه وهب، ومضارعه يهب. والفعل الجامد ثلاثة أقسام ما يلازم صيغة الماضي. مثل عسى وليس ونعم وبئس وتبارك الله سبحانه. وما يلازم صيغة المضارع، مثل: يهيط ومعناه: يصيح ويفح، يقال: ما زال منذ اليوم يهيط هيطًا، وهو مضارع لا ماضي له، كما في "لسان العرب" و"تاج العروس". ويقال: ما زال في هيط وميط بفتح أولهما، وفي هياط ومياط بكسر أولهما؛ أي: ضجاج وشر جلبة. وقيل: في هياط ومياط، في دنو وتباعد. والهياط: الإقبال والميط الإدبار، والهائط: الجائي، والمائط: الذاهب.
والمهايطة والهياط: الصياح والجلبة، وما يلازم صيغة الأمر. نحو هب بمعنى: أحسب وهات وتعال وهلم، على لغة تميم؛ لأنه عندهم: فعل يقبل علامته، فتلحقه الضمائر. أما في لغة الحجاز، فهي اسم فعل أمر؛ لأنها عندهم تكون بلفظ واحد للجميع، ومن الأفعال الجامدة قل بصيغة الماضي للنفي المحض، وإذا لحقته ما الزائدة كفته عن العمل، فلا يليه حينئذٍ إلا الفعل، ولا فاعل له لجريانه مجرى حرف النفي، نحو قلما فعلت كذا، وقلما أفعله؛ أي: ما فعلته ولا أفعله. ومثل قلما في عدم التصرف طالما وكثر ما وقصر ما، وشدما، فإن ما فيهن زائدة للتوكيد، كافة لهن عن العمل فلا فاعل لهن ولا يليهن إلا
515
فعل، فهن كقلما. ومن الأفعال الجامدة قولهم سقط في يده، بمعنى ندم وتحير وزل وأخطأ، وهو ملازم صورة الماضي المجهول. قال تعالى: ﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ﴾ وقد تقدم بحثه.
﴿الْفُرْقَانَ﴾: القرآن؛ لأنه فرق بين الحق والباطل. وقيل: لأنه نزل مفرقًا في أوقات كثيرة، بحسب الوقائع. وفي "المصباح" فرقت بين الشيئين فرقًا. من باب قتل، فصلت أبعاضه، وفرقت بين الحق والباطل فصلت أيضًا، هذه هي اللغة العالية، وبها قرأ السبعة، في قوله تعالى: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ وفي لغة، من باب ضرب، وقرأ بها بعض التابعين. قال ابن الأعرابي: فرقت بين الكلامين، فافترقا، مخفف، وفرقت بين العبدين فتفرقا، مثقل، فجعل المخفف في المعاني، والمثقل في الأعيان، والذي حكاه غيره أنهما بمعنى، والتثقيل مبالغة.
﴿لِلْعَالَمِينَ﴾ قال الإِمام الراغب: العالم اسم للفلك، وما يحويه من الجواهر والأعراض، وهو في الأصل اسم لما يعلم به، كالطابع والخاتم لما يطبع ويختم به. وجعل بناؤه على هذه الصيغة لسكونه كالآلة، فالعالم آلة في الدلالة على صانعه. وأما جمعه، فلأن كل نوع قد يسمى عالمًا، فيقال: عالم الإنسان وعالم الماء، وعالم النار. وأما جمعه جمع السلامة فلكون الناس في جملتهم، والإنسان إذا شارك غيره في اللفظ غلب حكمه، انتهى. قال ابن الشيخ: جمع بالواو والنون؛ لأن المقصود استغراق أفراد العقلاء، من جنس الجن والأنس، فإن جنس الملائكة، وإن كان من جملة أجناس العالم، إلا أن النبي - ﷺ - لم يكن رسولًا إلى الملائكة فلم يكن من العالمين، المكلفين إلا الجن والإنس، فهو رسول إليهما جميعًا، انتهى.
﴿نَذِيرًا﴾ النذير، بمعنى: المنذر، والإنذار: إخبار فيه تخويف، كما أن التبشير إخبار فيه سرور. ﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾ قال في "المفردات": تخذ بمعنى أخذ، واتخذ افتعل منه. والولد المولود. ويقال: الواحد والجمع والصغير والكبير والذكر والأنثى.
﴿الْفُرْقَانَ﴾: القرآن؛ لأنه فرق بين الحق والباطل. وقيل: لأنه نزل مفرقًا في أوقات كثيرة، بحسب الوقائع. وفي "المصباح" فرقت بين الشيئين فرقًا. من باب قتل، فصلت أبعاضه، وفرقت بين الحق والباطل فصلت أيضًا، هذه هي اللغة العالية، وبها قرأ السبعة، في قوله تعالى: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ وفي لغة، من باب ضرب، وقرأ بها بعض التابعين. قال ابن الأعرابي: فرقت بين الكلامين، فافترقا، مخفف، وفرقت بين العبدين فتفرقا، مثقل، فجعل المخفف في المعاني، والمثقل في الأعيان، والذي حكاه غيره أنهما بمعنى، والتثقيل مبالغة.
﴿لِلْعَالَمِينَ﴾ قال الإِمام الراغب: العالم اسم للفلك، وما يحويه من الجواهر والأعراض، وهو في الأصل اسم لما يعلم به، كالطابع والخاتم لما يطبع ويختم به. وجعل بناؤه على هذه الصيغة لسكونه كالآلة، فالعالم آلة في الدلالة على صانعه. وأما جمعه، فلأن كل نوع قد يسمى عالمًا، فيقال: عالم الإنسان وعالم الماء، وعالم النار. وأما جمعه جمع السلامة فلكون الناس في جملتهم، والإنسان إذا شارك غيره في اللفظ غلب حكمه، انتهى. قال ابن الشيخ: جمع بالواو والنون؛ لأن المقصود استغراق أفراد العقلاء، من جنس الجن والأنس، فإن جنس الملائكة، وإن كان من جملة أجناس العالم، إلا أن النبي - ﷺ - لم يكن رسولًا إلى الملائكة فلم يكن من العالمين، المكلفين إلا الجن والإنس، فهو رسول إليهما جميعًا، انتهى.
﴿نَذِيرًا﴾ النذير، بمعنى: المنذر، والإنذار: إخبار فيه تخويف، كما أن التبشير إخبار فيه سرور. ﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾ قال في "المفردات": تخذ بمعنى أخذ، واتخذ افتعل منه. والولد المولود. ويقال: الواحد والجمع والصغير والكبير والذكر والأنثى.
516
﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ﴾ الافتراء: الاختلاق، والكذب. من قولهم: افتريت الأديم (الجلد) إذا قطعته للإفساد، والفرق بين الافتراء والكذب، أن الافتراء: هو افتعال الكذب من قول نفسه، والكذب: قد يكون على وجه التقليد للغير فيه، كما في الأسئلة المقحمة.
﴿فَقَدْ جَاءُوا﴾؛ أي: أتوا وفعلوا. ﴿ظُلْمًا﴾: الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، إذ هم قد نسبوا القبيح إلى ما هو مبرأ منه. والزور الكذب. قال الراغب: قيل: للكذب زور لكونه مائلًا عن جهته؛ لأن الزور ميل في الزور؛ أي: وسط الصدر، والأزور المائل الزور.
﴿اكْتَتَبَهَا﴾؛ أي: أمر غيره بكتابتها ونسخها؛ لأنه - ﷺ - كان أميًا لا يقرأ الخط ولا يكتب باعترافهم. وقال في "المفردات": الاكتتاب متعارف في الاختلاف.
﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ جمع أسطار جمع سطر، أو جمع أسطورة كأحدوثة وأحاديث وأعجوبة وأعاجيب. قال في "القاموس": السطر الصف من الشيء، الكتاب والشجر وغيره. والخط والكتابة والقطع بالسيف، ومنه الساطر للقصاب، وأسطره كتبه والأساطير الأحاديث التي لا نظام لها.
﴿تُمْلَى عَلَيْهِ﴾؛ أي: تقرأ عليه، فليس المراد بالإملاء هنا معناه الأصلي، لأن الإملاء في الأصل، عبارة عن إلقاء الكلام على الغير ليكتبه. ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾؛ أي: صباحًا ومساءً والمراد دائمًا. وفي ضرام السقط أول اليوم الفجر، ثم الصباح، ثم الغداة، ثم البكرة، ثم الضحى، ثم الضحوة، ثم الهجيرة، ثم الظهر، ثم الرواح، ثم المساء، ثم العصر، ثم الأصيل، ثم العشاء الأولى، ثم العشاء الأخيرة عند مغيب الشفق اهـ.
﴿السِّرَّ﴾؛ أي: الغيب؛ أي: ما غاب عنا. ﴿الطَّعَامَ﴾: وهو كل ما يتناول من الغذاء كما مر. و ﴿الْأَسْوَاقِ﴾ جمع سوق، وهو الموضع الذي يجلب إليه المتاع، ويساق. سمي سوقًا لقيامهم فيها على سوقهم.
﴿فَقَدْ جَاءُوا﴾؛ أي: أتوا وفعلوا. ﴿ظُلْمًا﴾: الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، إذ هم قد نسبوا القبيح إلى ما هو مبرأ منه. والزور الكذب. قال الراغب: قيل: للكذب زور لكونه مائلًا عن جهته؛ لأن الزور ميل في الزور؛ أي: وسط الصدر، والأزور المائل الزور.
﴿اكْتَتَبَهَا﴾؛ أي: أمر غيره بكتابتها ونسخها؛ لأنه - ﷺ - كان أميًا لا يقرأ الخط ولا يكتب باعترافهم. وقال في "المفردات": الاكتتاب متعارف في الاختلاف.
﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ جمع أسطار جمع سطر، أو جمع أسطورة كأحدوثة وأحاديث وأعجوبة وأعاجيب. قال في "القاموس": السطر الصف من الشيء، الكتاب والشجر وغيره. والخط والكتابة والقطع بالسيف، ومنه الساطر للقصاب، وأسطره كتبه والأساطير الأحاديث التي لا نظام لها.
﴿تُمْلَى عَلَيْهِ﴾؛ أي: تقرأ عليه، فليس المراد بالإملاء هنا معناه الأصلي، لأن الإملاء في الأصل، عبارة عن إلقاء الكلام على الغير ليكتبه. ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾؛ أي: صباحًا ومساءً والمراد دائمًا. وفي ضرام السقط أول اليوم الفجر، ثم الصباح، ثم الغداة، ثم البكرة، ثم الضحى، ثم الضحوة، ثم الهجيرة، ثم الظهر، ثم الرواح، ثم المساء، ثم العصر، ثم الأصيل، ثم العشاء الأولى، ثم العشاء الأخيرة عند مغيب الشفق اهـ.
﴿السِّرَّ﴾؛ أي: الغيب؛ أي: ما غاب عنا. ﴿الطَّعَامَ﴾: وهو كل ما يتناول من الغذاء كما مر. و ﴿الْأَسْوَاقِ﴾ جمع سوق، وهو الموضع الذي يجلب إليه المتاع، ويساق. سمي سوقًا لقيامهم فيها على سوقهم.
517
﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ﴾ والكنز المال المكنوز؛ أي: المجموع المحفوظ. ﴿إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾؛ أي: سحر فاختل عقله، والسحر، مشتق من السحر، الذي هو اختلاط الضوء والظلمة من غير تخلص لأحد الجانبين، والسحر له وجه إلى الحق، ووجه إلى الباطل، فإنه يخيل إلى المسحور أنه فعل ولم يفعل.
﴿الْأَمْثَالَ﴾: الأقاويل العجيبة، الخارجة عن العقول الجارية لغرابتها مجرى الأمثال. قال بعضهم: مثلوك بالمسحور، والفقير الذي لا يصلح أن يكون رسولًا، والناقص عن القيام بالأمور، إذ طلبوا أن يكون معك مثلك.
﴿قُصُورًا﴾؛ أي: بيوتًا رفيعة في الدنيا، كقصور الجنة. قال الراغب: يقال: قصرت كذا، ضممت بعضه إلى بعض. ومنه سمي القصر. انتهى.
﴿سَعِيرًا﴾ والسعير: النار الشديدة الاشتعال. وفي "المصباح" وسعرت النار سعرًا من باب نفع، وأسعرتها إسعارًا أو قدتها فاستعرت اهـ. وفي "المختار": سعر النار والحرب: هيجها وألهبها. وبابه قطع. قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢)﴾ قرىء مخففًا ومشددًا. والتشديد للمبالغة، واستعرت النار وتسعرت توقدت، والسعير: النار. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٤٧)﴾ قال الفراء: في عناء وعذاب السعر: الجنون. اهـ.
﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾؛ أي: إذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد، من قولهم: (دور تتراءى)؛ أي: تتناظر. ومنه قوله - ﷺ -: "إن المؤمن والكافر لا تتراءى ناراهما"؛ أي: لا تتقاربان، بحيث تكون إحداهما بمرأى من الأخرى، إذ يجب على المؤمن مجانبة الكافر والمشرك في أمور الدين.
﴿تَغَيُّظًا﴾ التغيظ: إظهار الغيظ الذي هو الغضب الكامن في القلب، كما قاله الشهاب. وفي "المفردات" التغيظ: إظهار الغيظ، وهو أشد الغضب، وقد يكون ذلك مع صوت مسموع، والغضب: هو الحرارة التي يجدها الإنسان من ثوران دم قلبه.
﴿وَزَفِيرًا﴾ والزفير: إخراج النفس بعد مدة. وفي "السمين" قوله: {سَمِعُوا لَهَا
﴿الْأَمْثَالَ﴾: الأقاويل العجيبة، الخارجة عن العقول الجارية لغرابتها مجرى الأمثال. قال بعضهم: مثلوك بالمسحور، والفقير الذي لا يصلح أن يكون رسولًا، والناقص عن القيام بالأمور، إذ طلبوا أن يكون معك مثلك.
﴿قُصُورًا﴾؛ أي: بيوتًا رفيعة في الدنيا، كقصور الجنة. قال الراغب: يقال: قصرت كذا، ضممت بعضه إلى بعض. ومنه سمي القصر. انتهى.
﴿سَعِيرًا﴾ والسعير: النار الشديدة الاشتعال. وفي "المصباح" وسعرت النار سعرًا من باب نفع، وأسعرتها إسعارًا أو قدتها فاستعرت اهـ. وفي "المختار": سعر النار والحرب: هيجها وألهبها. وبابه قطع. قوله تعالى: ﴿وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢)﴾ قرىء مخففًا ومشددًا. والتشديد للمبالغة، واستعرت النار وتسعرت توقدت، والسعير: النار. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (٤٧)﴾ قال الفراء: في عناء وعذاب السعر: الجنون. اهـ.
﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾؛ أي: إذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد، من قولهم: (دور تتراءى)؛ أي: تتناظر. ومنه قوله - ﷺ -: "إن المؤمن والكافر لا تتراءى ناراهما"؛ أي: لا تتقاربان، بحيث تكون إحداهما بمرأى من الأخرى، إذ يجب على المؤمن مجانبة الكافر والمشرك في أمور الدين.
﴿تَغَيُّظًا﴾ التغيظ: إظهار الغيظ الذي هو الغضب الكامن في القلب، كما قاله الشهاب. وفي "المفردات" التغيظ: إظهار الغيظ، وهو أشد الغضب، وقد يكون ذلك مع صوت مسموع، والغضب: هو الحرارة التي يجدها الإنسان من ثوران دم قلبه.
﴿وَزَفِيرًا﴾ والزفير: إخراج النفس بعد مدة. وفي "السمين" قوله: {سَمِعُوا لَهَا
518
تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} إن قيل التغيظ: لا يسمع فما معنى هذا الكلام، فالجواب من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه على حذف مضاف؛ أي: صوت تغيظها.
والثاني: أنه على حذف تقديره: سمعوا ورأوا تغيظًا وزفيرًا، فيرجع كل واحد إلى ما يليق به؛ أي: رأوا تغيظًا وسمعوا زفيرًا.
والثالث: أن يضمن سمعوا معنى يشمل الشيئين؛ أي: أدركوا لها تغيظًا وزفيرًا اهـ.
﴿مُقَرَّنِينَ﴾؛ أي: مصفدين قد قرنت؛ أي: جمعت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال. يقال: قرنت البعير بالبعير، جمعت بينهما، وقرنته بالتشديد على التكثير. ويقال: قرنت الأسارى في الحبال. وفعله الثلاثي قرن يقرن من باب ضرب يضرب. قرنا الشيء بالشيء سنده به ووصل إليه. وقرن الثورين، جعلهما في نير واحد. وقرن البعيرين جمعهما في حبل. وهي في قوله تطالى: ﴿مُقَرَّنِينَ﴾ تفيد شيئين: التصفيد؛ أي: تقييد الأرجل وجمع الأيدي، والأعناق بالسلاسل.
﴿ثُبُورًا﴾ هلاكًا، يقال: ثبره الله، أهلكه هلاكًا دائمًا لا ينتعش بعده. ومن ثم يدعو أهل النار: واثبوراه. وما ثبرك عن حاجتك ما ثبطك، وهذا مثبر فلانة لمكان ولادتها، حيث يثبرها النفاس.
﴿جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾ هي التي لا ينقطع نعيمها ولا ينقل عنها أهلها، فإن الخلود، هو تبري الشيء من اعتراض الفساد، وبقاؤه على الحالة التي هو عليها.
﴿جَزَاءً﴾؛ أي: ثوابًا، والجزاء: الغنى والكفاية. فالجزاء: ما فيه الكفاية من المقابلة، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًا فشرٌ. والجزية ما يؤخذ من أهل الذمة، وتسميتها بذلك للاجتزاء بها في حقن دمهم.
﴿وَمَصِيرًا﴾؛ أي: مرجعًا، والفرق بين المصير والمرجع أن المصير يجب أن يخالف الحالة الأولى، ولا كذلك المرجع.
أحدها: أنه على حذف مضاف؛ أي: صوت تغيظها.
والثاني: أنه على حذف تقديره: سمعوا ورأوا تغيظًا وزفيرًا، فيرجع كل واحد إلى ما يليق به؛ أي: رأوا تغيظًا وسمعوا زفيرًا.
والثالث: أن يضمن سمعوا معنى يشمل الشيئين؛ أي: أدركوا لها تغيظًا وزفيرًا اهـ.
﴿مُقَرَّنِينَ﴾؛ أي: مصفدين قد قرنت؛ أي: جمعت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال. يقال: قرنت البعير بالبعير، جمعت بينهما، وقرنته بالتشديد على التكثير. ويقال: قرنت الأسارى في الحبال. وفعله الثلاثي قرن يقرن من باب ضرب يضرب. قرنا الشيء بالشيء سنده به ووصل إليه. وقرن الثورين، جعلهما في نير واحد. وقرن البعيرين جمعهما في حبل. وهي في قوله تطالى: ﴿مُقَرَّنِينَ﴾ تفيد شيئين: التصفيد؛ أي: تقييد الأرجل وجمع الأيدي، والأعناق بالسلاسل.
﴿ثُبُورًا﴾ هلاكًا، يقال: ثبره الله، أهلكه هلاكًا دائمًا لا ينتعش بعده. ومن ثم يدعو أهل النار: واثبوراه. وما ثبرك عن حاجتك ما ثبطك، وهذا مثبر فلانة لمكان ولادتها، حيث يثبرها النفاس.
﴿جَنَّةُ الْخُلْدِ﴾ هي التي لا ينقطع نعيمها ولا ينقل عنها أهلها، فإن الخلود، هو تبري الشيء من اعتراض الفساد، وبقاؤه على الحالة التي هو عليها.
﴿جَزَاءً﴾؛ أي: ثوابًا، والجزاء: الغنى والكفاية. فالجزاء: ما فيه الكفاية من المقابلة، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًا فشرٌ. والجزية ما يؤخذ من أهل الذمة، وتسميتها بذلك للاجتزاء بها في حقن دمهم.
﴿وَمَصِيرًا﴾؛ أي: مرجعًا، والفرق بين المصير والمرجع أن المصير يجب أن يخالف الحالة الأولى، ولا كذلك المرجع.
519
﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ جمع ولي بمعنى تابع؛ أي: عابد. فاولياء بمعنى الأتباع، وفي "الكرخي" من أولياء؛ أي: أتباعًا، فإن الولي كما يطلق على المتبوع، يطلق على التابع، كالمولى يطلق على الأعلى والأسفل، ومنه أولياء الشيطان؛ أي: أتباعه.
﴿حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ﴾ والذكر، ما ذكر به الناس على ألسنة أنبيائهم. ﴿بُورًا﴾؛ أي: هالكين، جمع بائر. كما في "المفردات". أو مصدر وصف به الفاعل مبالغة، ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع. يقال: رجل بائر، وقوم بور، وهو الفاسد الذي لا خير فيه. قال الراغب: البوار فرط الكساد، ولما كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد كما قيل: كسد حتى فسد، عبر البوار عن الهلاك.
﴿صَرْفًا﴾؛ أي: دفعًا للعذاب. ﴿وَمَنْ يَظْلِمْ﴾؛ أي: يكفر. ﴿فِتْنَةً﴾؛ أي: بلية ومحنة.
﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ قال الإِمام الغزالي: البصير: هو الذي يشاهد ويرى، حتى لا يعزب عنه ما تحت الثرى، وإبصاره أيضًا، منزه عن أن يكون بحدقة وأجفان، فمن ارتكب معصية، فهو يعلم أن الله سبحانه يراه، فما أجسره فأخسره، ومن ظن أنه لا يراه فما أكفره اهـ.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإضافة للتشريف في قوله: ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ ذكره بهذا الوصف، ولم يذكره باسمه؛ لأن العبودية أشرف أوصاف الإنسان، وليس للمؤمن صفة أتم، ولا أشرف من العبودية، لأنها غاية التذلل، ولقد أحسن القاضي عياض في نظمه، حيث قال:
﴿حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ﴾ والذكر، ما ذكر به الناس على ألسنة أنبيائهم. ﴿بُورًا﴾؛ أي: هالكين، جمع بائر. كما في "المفردات". أو مصدر وصف به الفاعل مبالغة، ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع. يقال: رجل بائر، وقوم بور، وهو الفاسد الذي لا خير فيه. قال الراغب: البوار فرط الكساد، ولما كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد كما قيل: كسد حتى فسد، عبر البوار عن الهلاك.
﴿صَرْفًا﴾؛ أي: دفعًا للعذاب. ﴿وَمَنْ يَظْلِمْ﴾؛ أي: يكفر. ﴿فِتْنَةً﴾؛ أي: بلية ومحنة.
﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ قال الإِمام الغزالي: البصير: هو الذي يشاهد ويرى، حتى لا يعزب عنه ما تحت الثرى، وإبصاره أيضًا، منزه عن أن يكون بحدقة وأجفان، فمن ارتكب معصية، فهو يعلم أن الله سبحانه يراه، فما أجسره فأخسره، ومن ظن أنه لا يراه فما أكفره اهـ.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإضافة للتشريف في قوله: ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ ذكره بهذا الوصف، ولم يذكره باسمه؛ لأن العبودية أشرف أوصاف الإنسان، وليس للمؤمن صفة أتم، ولا أشرف من العبودية، لأنها غاية التذلل، ولقد أحسن القاضي عياض في نظمه، حيث قال: