تفسير سورة التوبة

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة التوبة من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سورة التوبة سورة التوبة مدنية اتفاقاً، أو إلا آيتين في آخرها، ﴿ لقد جاءكم ﴾ [ ١٢٨، ١٢٩ ]، نزلتا بمكة، وكانت تسمى على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم الفاضحة " ع "، وسورة البحوث لبحثها عن أسرار المنافقين وفضحها لهم، وسميت في عهده وبعده المبعثرة لما كشفت من السرائر. وتُركت البسملة في أولها، لأنها مع الأنفال كسورة واحدة الأنفال في العهود وبراءة في رفع العهود، وكانتا تدعيان القرينتين، أو البسملة أمان، وبراءة نزلت برفع الأمان. ونزلت سنة تسع فأنزلها الرسول صلى الله عليه وسلم مع علي - رضي الله تعالى عنه - وكان أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - صاحب الموسم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :" لا يُبلِّغ عني إلا رجل مني "، أو أنفذه بعشر آيات من أولها، أو بتسع تقرأ في الموسم، فقرأها علي - رضي الله تعالى عنه - يوم النحر على جمرة العقبة.
١ - ﴿بَرَآءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ انقطاع للعصمة منهما، أو انقضاء عهدهما.
٢ - ﴿فَسِيحُواْ﴾ أمان ﴿فِى الأَرْضِ﴾ تصرفوا كيف شئتم، أو سافروا حيث أردتم، والسياحة: السير على مَهل، أو البعد على وَجل. ﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ أمان لمن له عهد مطلق، أو أقل من الأربعة، ومن لا أمان له فهو حرب، أو من كان له عهد أكثر من الأربعة حُط إليها، ومن كان دونها رفع إليها ومن لا عهد له فله أمان خمسين ليلة من يوم النحر إلى سلخ المُحرم لقوله تعالى - ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ " ع "، أو الأربعة لجميع الكفار من كان له عهد، أو لم يكن، أو هي أمان لمن لا عهد له ومن له عهد فأمانه إلى مدة عهده. وأول المدة يوم الحج الأكبر يوم النحر إلى انقضاء العاشر من ربيع الآخر، او شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، أو أولها يوم العشرين من ذي القعدة وآخرها يوم العشرين من ربيع الأول لأن الحج وقع تلك السنة في ذلك اليوم من ذي القعدة لأجل النسئ وكان الرسول [صلى الله عليه وسلم] قد أقره حتى نزل تحريم النسئ، فقال " ألا إن الزمان قد استدار ".
6
﴿وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برىءٌ من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزى الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظهروا عليكم أحداً فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين﴾
7
٣ - ﴿وأذان﴾ قصص، أونداء بالأمن يسمع بالأذن، أو إعلام عند الكافة. ﴿يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ﴾ يوم عرفة خطب فيه الرسول [صلى الله عليه وسلم] وقال: " هذا يوم الحج الأكبر "، أو يوم النحر، وهو مروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو أيام الحج كلها كيوم صفين ويوم الجمل عبَّر باليوم عن الأيام ﴿الأَكْبَرِ﴾ القِرآن والأصغر الإفراد، أو الأكبر الحج والأصغر العمرة، أو سمي به لأنه اجتمع فيه حج
7
المسلمين والمشركين ووافق عيد اليهود والنصارى، قاله الحسن - رضي الله تعالى عنه -. ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصدٍ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفورٌ رحيم﴾
8
٥ - ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ رجب وذو القعده وذو الحجة والمحرم عند الجمهور، أو أشهر السياحة عشرون من ذي الحجة إلى العشر من ربيع الآخر، قاله الحسن - رضي الله عنه ﴿وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ في حل أو حرم، أو في أشهر الحرم وغيرها. ﴿وَخُذُوهُمْ﴾ الواو بمعنى " أو " خذوهم أو تقديره: " فخذوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم " مقدم ومؤخر. ﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ بالاسترقاق، أو بالفداء. ﴿كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ اطلبوهم في كل مكان، فالقتل إذا وجدوا والطلب إذا بعدوا، أو افعلوا بهم كل ما أرصده الله لهم من قتل أو استرقاق أو مَنٍّ، أو فداء. ﴿تَابُواْ﴾ أسلموا ﴿وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ﴾ / أدّوها، أو اعترفوا بها ﴿وآتوا الزَّكَاةَ﴾ اعترفوا بها لا غير إذ لا يُقتل تاركها لا بل تُؤخذ منه قهراً. ﴿وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون﴾
٦ - ﴿اسْتَجَارَكَ﴾ استعانك، أو استأمنك. ﴿كَلامَ اللَّهِ﴾ القرآن كله، أو براءة خاصة ليعرف ما فيها من أحكام العهد والسيرة مع الكفار. ﴿كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين﴾.
٧ - ﴿الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ﴾ خزاعة، أو بنو ضمرة، أو قريش " ع "، أو قوم من بكر بن كنانة. ﴿فَمَا اسْتَقَامُواْ﴾ دُوموا على عهدهم ما داموا عليه. ﴿كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمّة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون اشتروا بئايت الله ثمناً قليلاً فصدّوا عن سبيله إنّهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمةً وأولئك هم المعتدون﴾. ﴿يَظْهَرُواْ﴾ يقووا عليكم بالظفر. ﴿لا يَرْقُبُواْ﴾ لا يخافوا، أو لا يراعوا ﴿إِلاَّ﴾ عهداً أو قرابة، قال: فأقسم إنَّ إلَّكَ من قريش. أو جواراً، أو يميناً، أو هو اسم لله عز وجل. ﴿ذِمَّةً﴾ عهداً، أو جواراً، أو التذمم ممن لا عهد له. ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ بنقض العهد، أو فاسق في دينه وإن كان دينهم فسقاً.
﴿ يظهروا ﴾ يقووا عليكم بالظفر. ﴿ لا يرقبوا ﴾ لا يخافوا، أو لا يراعوا ﴿ إلاّ ﴾ عهدا أو قرابة، قال :
فأقسم إنّ إلك من قريش.
أو جواراً، أو يميناً، أو هو اسم لله عز وجل. ﴿ ذمة ﴾ عهداً، أو جواراً، أو التذمم ممن لا عهد له. ﴿ وأكثرهم فاسقون ﴾ بنقض العهد، أو فاسق في دينه وإن كان دينهم فسقاً.
٩ - ﴿بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ دلائله وحججه، أو التوراة التي فيها صفة الرسول [صلى الله عليه وسلم]
9
﴿قَلِيلاً﴾، لأنه حرام، أو لأنه من عرض الدنيا وبقاؤها قليل نزلت في الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان على طعامه، أو في قوم من اليهود عاهدوا ثم نقضوا. ﴿فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فإخوانكم في الدّين ونفصّل الآيات لقوم يعلمون وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون﴾.
10
١٢ - ﴿نكثوا أيمانهم﴾ نقضوا العهد الذي عقدوه بأيمانهم. ﴿أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ رؤساء المشركين، أو زعماء قريش " ع "، أو الذين هموا بإخراج الرسول [صلى الله عليه وسلم]. ﴿لآ أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ بارة و ﴿لا إيمان﴾ من الأمان، أو التصديق. ﴿ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أوّل مرّة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قومٍ مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجةً والله خبير بما تعملون﴾.
١٦ - ﴿وَلِيجَةً﴾ خيانة، أو بطانة، أو دخولاً في ولاية المشركين، ولج في كذا: دخل فيه. {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك
10
حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر مساجد الله من ءآمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وءاتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}
11
١٧ - ﴿يعمروا مسجد الله﴾ بالزيارة والدخول إليه، أو بالكفر، لأن المسجد إنما يعمر بالإيمان. ﴿شَاهِدِينَ﴾ لما دلت أموالهم وأفعالهم على كفرهم تنزل ذلك منزلة شهادتهم على أنفسهم، أو شهدوا على رسولهم بالكفر لأنهم كذبوه وكفروه وهو من أنفسهم، أو إذا سُئل اليهودي ما أنت يقول: يهودي، وكذلك النصارى [و] المشركون وكلهم كفرة وإن لم يقروا بالكفر.
١٨ - ﴿مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ مواضع السجود من المصلي، أو البيوت المتخذة للصلوات. ﴿فَعَسَى أُوْلَئِكَ﴾ كل عسى من الله واجبة " ع "، أو ذكره ليكونوا على خوف ورجاء. ﴿أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن ءامن بالله واليوم الأخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدى القوم الظالمين الذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربّهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيمٌ مقيم خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجرٌ عظيم﴾
١٩ - ﴿سِقَايَةَ الْحَآجَّ وَعِمَارَةَ الْمسجِدِ﴾ بسدانته والقيام به، لما فضلت قريش ذلك على الإيمان بالله - تعالى - نزلت أو نزلت في العباس صاحب السقاية، وشيبة بن عثمان صاحب السدانة وحاجب الكعبة، لما أُسرا ببدر عيرهما المهاجرون بالكفر والإقامة بمكة فقالا نحن أفضل أجراً منكم بعمارة المسجد وحجب الكعبة وسقي الحاج. ﴿يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا ءاباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ٢٣ قل إن كان ءاباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال أقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ٧﴾
٢٤ - ﴿إن كان آباؤكم﴾ نزلت في قوم أسلموا بمكة ولم يهاجروا ميلاً إلى ما ذكر في هذه الآية. ﴿اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ اكتسبتموها. ﴿وَتِجَارَةٌ﴾ أموال التجارة
12
تكسد سوقها وينقص سعرها، أو البنات الأيامى يكسدن على أبائهن فلا يخطبن. ﴿بِأَمْرِهِ﴾ بعقوبة عاجلة أو آجلة، أو بفتح مكة. ﴿لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم﴾
13
٢٦ - ﴿سكينة﴾ الوقار، أو الطمأنينة، أو الرحمة. ﴿جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا﴾ الملائكة، أو بتكثيرهم في أعين أعدائهم، وهو محتمل ﴿وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ بالخوف، أو بالقتل والسبي. ﴿يا أيها الذين ءامنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم ٢٨﴾
٢٨ - ﴿نَجَسٌ﴾ نجاسة الأبدان كالكلب والخنزير، قاله عمر بن عبد العزيز والحسن رضي الله تعالى عنهما - وأوجب الوضوء على من صافحهم، أو لأنهم لا يغتسلون من الجنابة فصاروا كالأنجاس، أو عبّر عن
13
اجتنابنا لهم ومنعهم من المساجد بالنجس كما يفعل ذلك بالأنجاس، أو نجاستهم خبث ظواهرهم بالكفر وبواطنهم بالعداوة. ﴿الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ﴾ الحرم كله. ﴿عَامِهِمْ هَذَا﴾ سنة تسع، أو سنة عشر، ويمنع منه الحربي والذمي عند الجمهور، أو يمنعون إلا الذمي والعبد المملوك لمسلم. ﴿عَيْلَةً﴾ فقراً وفاقة، أو ضيعة من يقوته من عياله. ﴿يُغْنِيكُمُ اللَّهُ﴾ تعالى بالمطر في النبات، أو بالجزية المأخوذة منهم، أو عام في كل ما يغني. ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾
14
٢٩ - ﴿الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ دخل فيه أهل الكتاب وإن آمنوا باليوم الآخر إذ لا يعتد بإيمانهم فصار كالمعدوم، أو ذمهم ذم من لا يؤمن به، ﴿وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ بنسخه من شرائعهم، أو ما حرمه وأحله لهم. ﴿دِينَ الْحَقِّ﴾ الإسلام عند الجمهور، أو العمل بما في التوراة من اتباع الرسول [صلى الله عليه وسلم] والحق هنا هو الله ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ﴾ من أبناء الذين أوتوا، أو الذين أوتوه بين أظهرهم. ﴿يُعْطُواْ الْجِزْيَةً﴾ يضمنوها، أو يدفعوها، والجزية مجملة، أو عامة تجري على العموم إلا ما خصه الدليل. ﴿عَن يَدٍ﴾ غنى وقدرة، أو لا يقابلها جزاء، أولنا عليهم يد نأخذها لما فيه من حقن دمائهم، أو يؤدونها بأيديهم دون رسلهم كما يفعل المتكبرون ﴿صَاغِرُونَ﴾ قياماً وآخذها جالس، أو يمشوا بها كارهين " ع " أو أذلاء مقهورين، أو دفعها هو الصغار، أو إجراء أحكام الإسلام عليهم. {وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنّى يؤفكون أتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله
14
والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عمّا يشركون}
15
٣٠ - ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ لمّا حرق بختنصر التوراة ولم يبق بأيديهم شيء منها ولم يكونوا يحفظونها ساءهم ذلك وسألوا الله ردها فقذفها في قلب عُزير فقرأها عليهم فعرفوا، فلذلك قالوا: إنه ابن الله. وكان ذلك قول جميعهم " ع "، أو قول طائفة من سلفهم، أومن معاصري الرسول [صلى الله عليه وسلم]، فنحاص وحده، أو جماعة سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف " ع "، وأضيف إلى جميعهم لمَّا لم ينكروه. ﴿وَقَالَتِ النَّصَارَى﴾ بأجمعهم ﴿الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾ لأنه ولد من غير أب، أو لأنه أحيا الموتى، وأبرأ من الأسقام. ﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ لما لم يكن عليه دليل قيده
15
بأفواههم لا يتجاوزها ﴿يضاهون﴾ يشابهون، والتي لم تحض " ضهياء " لشبهها بالرجل. يضاهون بقولهم عبدة الأوثان في اللات والعزى ومناة وأن [٧٠ / ب] الملائكة / بنات الله، أو ضاهت النصارى بقولهم المسيح ابن الله قول اليهود عُزير ابن الله، أو ضاهوا في تقليد أسلافهم من تقدمهم. ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ لعنهم " ع "، أو قتلهم، أو هو كالمقاتل لهم بما أعده من عذابهم وأبانه من عداوتهم. ﴿يُؤْفَكُونَ﴾ يصرفون عن الحق إلى الإفك وهو الكذب.
16
٣١ - ﴿أحبارهم﴾ جمع حبر، لتحبيره المعاني، وهو التحسين بالبيان عنها، والرهبان: جمع راهب، من رهبة الله وخشيته، وكثر استعماله في نُسَّاك النصارى. ﴿أَرْبَاباً﴾ آلهة يطيعونهم فيما حرموه وأحلوه دون العبادة وهو مروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم]. {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدّين
16
كلّه ولو كره المشركون}
17
٣٢ - ﴿نُورَ اللَّهِ﴾ القرآن والإسلام، أو دلائله التي يُهتدى بها كما يُهتدى بالنور.
٣٣ - ﴿بِالْهُدَى﴾ الهدى: البيان، ﴿وَدِينِ الْحَقِّ﴾ الإسلام، أو كلاهما واحد، أو الهدى: الدليل، ودين الحق المدلول، أو بالهدى إلى دين الحق. ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ عند نزول عيسى ٠ عليه السلام - فلا يعبد الله - تعالى - إلا بالإسلام، أو يطلعه على شرائع الدين كله، أو يظهر دلائله وحججه، أو يرعب المشركين من أهله، أو لما أسلمت قريش انقطعت رحلتاهم إلى الشام واليمن لتباينهم في الدين فذكروا ذلك للرسول [صلى الله عليه وسلم] فنزلت ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ﴾ في الشام واليمن وقد أظهره الله - تعالى - أو الظهور: الاستعلاء، والإسلام أعلى الأديان كلها. ﴿يا أيها الذين ءامنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدّون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون﴾
٣٤ - ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ جميع الوجوه المحرمة، أو الرِّشا في الحكم. ﴿يَكْنِزُونَ﴾ الكنز الذي توعد عليه كل ما لم تؤدَّ زكاته مدفوناً أو غير مدفون، أو ما زاد على أربعة آلاف درهم أُديت زكاته أو لم تؤدَّ، والأربعة آلاف فما دونها
17
ليست بكنز، قاله علي رضي الله تعالى عنه، أو ما فضل من المال عن الحاجة، ولما نزلت قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] :" تباً للذهب والفضة، فقال له عمر - رضي الله تعالى عنه -: إن أصحابك قد شق عليهم وقالوا فأي المال نتخذ، فقال: لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على دينه، مات رجل من أهل الصُّفة فوجد في مئزره دينار، فقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] : كَيَّة ومات آخر فوجد في مئزره ديناران، فقال كيَّتان. والكنز في اللغة كل مجموع بعضه إلى بعض ظاهراً كان أو مدفوناً، ومنه كنز التمر. ﴿وَلا يُنفِقُونَهَا﴾ الكنوز، أو الفضة اكتفى بذكر أحدهما، قال:
18
ولم يقل: يعاصيا. ﴿إنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرمٌ ذلك الدّين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافةً واعلموا أن الله مع المتقين ٣﴾
19
٣٦ - ﴿حُرُمٌ﴾ لعظم انتهاك الحرمات فيها، ﴿الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ الحساب المستقيم، أو القضاء الحق. ﴿فَلا تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾ بالمعاصي في الإثني عشر، أو في الأربعة، أو فلا تظلموها في الأربعة بعد تحريم الله - تعالى -[٧١ / أ] لها، أو لا تظلموها / بترك قتل عدوكم فيها. ﴿إنّما النسىء زيادةٌ في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمّونه عاماً ليواطئوا عدّة ما حرّم الله فيحلوا ما حرّم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدى القوم الكافرين ٣٧﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
أسماء القرآن
الفرقان: الفارق بين الحق والباطل.
الذكر: لأن الله - تعالى - ذكر به عباده وعرفهم فرائضه، أو لأنه شرف لمن آمن به.
القرآن: نصدر قرأت أي بينت ﴿فإذا قرأناه﴾ [القيامة: ١٨] بيناه، أو مصدر قرأت أي جمعت، إذ هو آيات مجموعة.
الكتاب: مصدر كتبت، والكتابة مأخوذة من الجمع، كتبت السقاء جمعته بالخرز.
التوراة: من روى الزند، إذا خرجت ناره، أي هي ضياء.
الزبور: من زبر الكتاب يزبره إذا كتبه.
81
الإنجيل: من نجلت الشيء إذا أخرته، ونجل الرجل نسله كأنه أخرجهم.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " أعطاني ربي مكان التوراة السبع الطول، ومكان الإنجيل المثاني، ومكان الزبور المئين، وفضلني ربي بالمفصل ".
السبع الطول: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس، على الأصح، لأنها أطول من باقي السور.
المئون: كل سورة هي مائة، أو تزيد شيئا أو تنقص شيئا.
المثاني: السور التي ثنيت فيها القصص والأمثال والفرائض والحدود، أو هي الفاتحة، أو هي ما ثنيت المائة فيها من السور فبلغت المائتين وما قاربها، كأن المئين لها أوائل، والمثاني ثواني.
المفصل: [سمي مفصلا] لكثرة فصوله بالبسملة، وآخره سورة الناس،
82
وأوله سورة محمد ﷺ قاله الأكثر وقاف، أو الضحى وكان ابن عباس يفصل من الضحى بين كل سورتين بالتكبير.
السورة: المنزلة الرفيعة، سميت بها سور القرآن لعلو قدرها فإن همزت فهي القطعة تفضل من القرآن، وتبقى منه، وبقية كل شيء سؤره.
والآية: العلامة على تمام ما قبلها، أو هي القصة والرسالة، كعب بن زهير:
(إن شرخ الشباب والشعر الأسود ما لم يُعَاصَ كان جنونا)
(ألا أبلغا هذا المعرض آية أيقظان قال القول أم قال ذا حلم)
الأحرف السبعة: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " أنزل القرآن على سبعة أحرف، عليم حكيم غفور رحيم " قيل سبعة معاني، الأمر والنهي والوعد والوعيد والجدل والقصص والأمثال، أو سبع لغات مما لا يغير حكم تحريم ولا تحليل، كهلم، وتعالى، وأقبل. خيروا في ذلك في صدر الإسلام، ثم وقع
83
الإجماع على المنع منه، أو سبع لغات في صيغ الألفاظ، ووجوه إعرابها من غير أن تعدل من لفظ إلى غيره وإن وافقه في معناه كاختلاف القراءات.
الإعجاز: هو الإيجاز والبلاغة ﴿ولكم في القصاص حياة﴾ [البقرة: ، أو البيان والفصاحة ﴿فاصدع بما تؤمر﴾ [الحجر: ٩٤] {فلما استيئسوا منه
84
خلصوا نجيا} [يوسف: ٨٠]، أو هو رصفه الذي أخرجه عن عادتهم في النظم وفي النثر والخطب والشعر والرجز والسجع والمزدوج مع أن ألفاظه مستعملة في كلامهم، وهو ن قارئه لا يمله وازدياد حلاوته مع كثرة تلاوته بخلاف غيره فإنه يمل إذا أكثر منه، أو إخباره بما مضى كقصة أهل الكهف، وذي القرنين، وموسى والخضر، وجميع قصص الأنبياء. عليهم الصلاة والسلام -، أو هو إخباره عما يكون كقوله تعالى: ﴿فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا﴾ [البقرة: ٢٤] ﴿ولن يتمنوه أبدا﴾ [البقرة: ٩٥]، أو اشتماله على العلوم التي لم يكن فيه آلتها [ولا] تعرفها العرب ولا يحيط بها أحد من الأمم، أو صرفهم عن القدرة على معارضته، أو صرفهم عن معارضته مع قدرتهم عليها وحرصهم على إبطاله، أو إعجازه بجميع ذلك لاشتماله على جميعه.
85
(سورة الفاتحة)
﴿بسم الله الرحمن الرحيم (١) الحمد لله رب العالمين (٢) الرحمن الرحيم (٣) مالك يوم الدين (٤) إياك نعبد وإياك نستعين (٥) اهدنا الصراط المستقيم (٦) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلّين (٧) ﴾
قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
" هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني " سميت الفاتحة، لأنها يفتح بها القرآن تلاوة وخطاً [و] أم القرآن:
87
لتقدمها عليه، وتبعه لها، كراية الحرب أم لتقدمها على الجيش، وما مضى من عمر الإنسان أم لتقدمه مكة أم القرى لتقدمها على سائر القرى، أو لأن الأرض دحيت عنها، وحدثت عنها كالولد يحدث عن أمه. وهي سبع آيات اتفاقاً.
[وسميت] المثاني [لأنها] تثنى في كل صلاة فرض أو تطوع.
88
٣٧ - ﴿النَّسِىءُ﴾ كانوا يؤخرون السنة أحد عشر يوماً حتى يجعلوا المحرم صفراً أو كانوا يؤخرون الحج في كل سنتين شهراً، قال مجاهد: حج
19
المشركون في ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين ثم حجوا في صفر عامين ثم في ذي القعدة عامين الثاني منهما حجة أبي بكر، ثم حج الرسول [صلى الله عليه وسلم] من قابل في ذي الحجة، وقال: " إن الزمان قد استدار كهيئته ". وكان ينادي بالنسيء في الموسم بنو كنانة قال شاعرهم:
(ألسنا الناسئين على معد شهور الحل نجعلها حراما)
وأول من نسأ الشهور [سرير] بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة
20
أو القلمس الأكبر، وهو عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث، وآخر من نسأها إلى أن نزل تحريمها سنة عشر أبو ثُمامة جُنادة بن عوف، وكان ينادي إذا نسأها في كل عام إلا إن أبا ثمامة لا يحاب ولا يعاب. ﴿لِّيُوَاطِئُواْ﴾ ليوافقوا عدة الأربعة فيحرموا أربعة كما حرم الله - تعالى - أربعة. ﴿سُوءُ أَعْمَالِهِمْ﴾ من تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم، أو الربا. ﴿ياأيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدّنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذّبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضرّوه شيئاً والله على كلّ شىءٍ قدير﴾
21
٣٨ - ﴿انفروا﴾ لما دعوا إلى غزوة تبوك تثاقلوا، فنزلت. ﴿الأَرْضِ﴾
21
الإقامة بأوطانكم وأرضكم، دعوا إلى ذلك في شدة الحر وإدراك الثمار، أو اطمأنوا إلى الدنيا فسماها [أرضاً] ﴿أَرَضِيتُم﴾ بمنافع الدنيا بدلاً من ثواب الآخرة.
22
٣٩ - ﴿عَذَاباً أَلِيماً﴾ احتباس القطر " ع "، ولا تضروا الله بترك النفير، أو لا تضروا الرسول، لأن الله - تعالى - تكفل بنصره. ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم﴾
٤٠ - ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ﴾ إن لا تنصروا الرسول بالنفير معه فقد نصره الله بالملائكة، أو بإرشاده إلى الهجرة حتى أغناه من إعانتكم. ﴿أخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ من مكة أعلمهم أنه غني عن نصرهم، دخل الرسول [صلى الله عليه وسلم]، وأبو بكر - رضي الله تعالى عنه - الغار فأقاما فيه ثلاثاً وجعل الله - تعالى - على بابه ثمامة وهي شجيرة صغيرة، وألهمت العنكبوت فنسجت على بابه، ولما ألم الحزن قلب أبي بكر - رضي الله تعالى - عنه بما تخيله من وهن الدين بعد الرسول [صلى الله عليه وسلم] قال له الرسول [صلى الله عليه وسلم] : لا تحزن إن الله معنا بالنصر عليهم. ﴿سكينته عليه﴾ النبي [صلى الله عليه وسلم] أو أبو بكر - رضي الله تعالى عنه -، لأن النبي [صلى الله عليه وسلم] قد علم أنه منصور، والسكينة الرحمة، أو الطمأنينة، أو الوقار، أو شيء سَكَّنَ الله - تعالى -
22
به قلوبهم. ﴿بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾ الملائكة، أو الثقة بوعده واليقين بنصره وتأييده بإخفاء أثره في الغار لما طلب، أو بمنعهم من التعرض له لما هاجر. ﴿انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون﴾
23
٤١ - ﴿خِفَافاً وثِقَالاً﴾ شباباً وشيوخاً، أو فقراء وأغنياء، أو مشاغيل وغير [٧١ / ب] مشاغيل، أو نشاطاً وغير نشاط / " ع " أو ركباناً ومشاة، أو ذا ضيعة وغير ذي ضيعة، أو ذوي عيال وغير ذوي عيال، أو أصحاء ومرضى، أو خفة النفير وثقله، أو خفافاً إلى الطاعة ثقالاً عن المخالفة. ﴿وَجَاهِدُواْ﴾ الجهاد بالنفس فرض كفاية متعين عند هجوم العدو. وبالمال بالزاد والراحلة إذا قدر بنفسه، وإن عجز لزمه بذل المال بدلاً عن نفسه، أو لا يلزمه ذلك عند الجمهور، لأن المال تابع للنفس. ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ الجهاد خير من القعود المباح، أو الخير في الجهاد لا في تركه ﴿تَعْلَمُونَ﴾ صدق وعد الله - تعالى - بثواب الجهاد، أو أن الخير في الجهاد. ﴿لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتّبعوك ولكن بعدت عليهم الشقّة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنّهم لكاذبون عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردّدون﴾
٤٢ - ﴿لَوْ كَانَ﴾ الذي دُعوا إليه ﴿عَرَضاً﴾ غنيمة، أو أمراً سهلاً. ﴿قَاصِدًا﴾ سهلاً مقتصداً. ﴿لاَّتَّبَعُوكَ﴾ في الخروج. ﴿الشُّقَّةُ﴾ القطعة من الأرض
23
يشق ركوبها لبعده. ﴿ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدّة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ٢ لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأ وضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سمّاعون لهم والله عليم بالظالمين﴾
24
٤٦ - ﴿عده﴾ صحة عزم ونشاط نفس، أوالزاد والراحلة ونفقة الحاضرين من الأهل. ﴿كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ﴾ لوقوع الفشل بتخاذلهم كابن أُبي والجد بن قيس. ﴿وَقِيلَ اقْعُدُواْ﴾ قاله بعضهم لبعض، أو قاله الرسول [صلى الله عليه وسلم] غضباً عليهم لعلمه بذلك منهم. ﴿الْقَاعِدِينَ﴾ بغير عذر، أو بعذر كالنساء والصبيان.
٤٧ - ﴿خيالا﴾ فساداً " ع "، أو اضطراباً استثناء منقطع، لأن المسلمين لم يكونوا في خبال فيزدادوا منه. ﴿وَلأَوْضَعُواْ﴾ الإيضاع: سرعة السير، والخِلال: الفُرج، المعنى لأسرعوا في اختلالكم، أو لأوقعوا الخلف بينكم. ﴿الْفِتْنَةَ﴾ الكفر، أو اختلاف الكلمة وتفريق الجماعة. ﴿سَمَّاعُونَ﴾ مطيعون، أو عيون منكم ينقلون أخباركم إليهم، أو " عيون منهم ينقلون أخباركم إلى المشركين ". {لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلّبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهو كارهون ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّى ألا في الفتنة
24
سقطوا وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين}
25
٤٨ - ﴿ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ﴾ الاختلاف وتفريق الكلمة. ﴿وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ﴾ بمعاونتهم ظاهراً وممالأة المشركين باطناً، أو قالوا بأفواههم ما ليس في قلوبهم، أو توقعوا الدوائر وانتظروا الفرص، أو حلفهم لو استطعنا لخرجنا. ﴿جَآءَ الْحَقُّ) {النصر﴾ (وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ) ﴿دينه﴾ (وَهُمْ كَارِهُونَ} لهما.
٤٩ - ﴿وَلا تَفتِنِّى﴾ لا تكسبني الإثم بمخالفتي في القعود، أو لا تصرفني عن شغلي، أو نزلت في الجد بن قيس قال: ﴿ائذي لِّى وَلا تَفْتِنِّى﴾ ببنات الأصفر فإني مستهتر بالنساء. ﴿فِي الْفِتْنَةِ﴾ جهنم، أو محبة النفاق والشقاق. ﴿إن تصبك حسنةٌ تسؤهم وإن تصبك مصيبةٌ يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وّهم فرحون قل لّن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾
٥٠ - ﴿حَسَنَةٌ﴾ نصر، أو النصر ببدر، والمصيبة: النكبة يوم أُحد ﴿أَمْرَنَا﴾ حِذرنا وسَلمنا ﴿فَرِحُونَ﴾ بمصيبتك وسلامتهم.
٥١ - ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ في اللوح المحفوظ من خير، أو شر وليس ذلك بأفعالنا فنذم أونحمد، أو ما كتب لنا في نصرنا في العاقبة وإعزاز الدين بنا. ﴿مَوْلانَا﴾ مالكنا وحافظنا وناصرنا. ﴿وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ في معونته وتدبيره. ﴿قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون﴾ [٧٢ / أ]
٥٢ - ﴿الْحُسْنَيَيْنِ﴾ النصر والشهادة / في النصر ظهور الدين وفي الشهادة الجنة. ﴿فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون﴾
٥٥ - ﴿أَمْوَالُهُمْ وَلآ أَوْلادُهُمْ﴾ في الحياة الدنيا ﴿إِنَّمَا يريدالله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا﴾ في الآخرة، فيه تقديم وتأخير " ع "، أو يعذبهم بالزكاة فيها، أو بمصائبهم فيهما، أو بسبي الأبناء وغنيمة الأموال، يعني المشركين، أو يعذبهم بجمعها وحفظها والبخل بها والحزن عليها. ﴿وَتَزْهَقَ﴾ تهلك، ﴿وَزَهَقَ الباطل﴾ [الأسراء: ٨١]. {ويحلفون بالله إنّهم لمنكم وما هم منّكم ولكنهم قومٌ يفرقون لو
26
يجدون ملجئاً أو مغارات أو مدّخلاً لّولّوا إليه وهم يجمحون}
27
٥٧ - ﴿ملجأ﴾ حرزاً " ع "، أو حصناً، أو موضعاً حزناً من الجبل، أو مهرباً. ﴿مَغَارَاتٍ﴾ غارات في الجبال " ع "، أو مدخل يستر من دخله. ﴿مُدَّخَلاً﴾ سرباً في الأرض، أو المدخل الضيق الذي يدخل فيه بشدة. ﴿لولَّوا إِلَيْهِ﴾ هرباً من القتال، وخذلاناً للمؤمنين. ﴿يَجْمَحُونَ﴾ يهربون، أو يسرعون. ﴿ومنهم مّن يلمزوك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ولو أنّهم رضوا ما ءاتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنّا إلى الله راغبون﴾
٥٨ - ﴿يَلْمِزُكَ﴾ يغتابك، أو يعيبك، نزلت في ثعلبة بن حاطب كان يتكلم بالنفاق ويقول: إنما يعطي محمد من شاء فإن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، أو في ذي الخويصرة لما أتى الرسول [صلى الله عليه وسلم] وهو يقسم قسماً فقال:
27
اعدل - يا محمد - فقال: ويلك فمن يعدل إن لم أعدل، فاستأذن عمر - رضي الله تعالى عنه - في ضرب عنقه، فقال دعه فنزلت. ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم﴾
28
٦٠ - ﴿لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ الفقير المحتاج العفيف عن السؤال، والمسكين المحتاج السائل " ع "، أو الفقير المحتاج الزَّمِن، والمسكين المحتاج الصحيح، أو الفقراء هم المهاجرون، والمساكين غير المهاجرين، أو الفقراء من المسلمين والمساكين من أهل الكتاب، أو الفقير الذي لا شيء له لانكسار فقاره بالحاجة والمسكين له ما لا يكفيه لكن يسكن إليه، أو الفقير له ما لا يكفيه والمسكين لا شيء له يسكن إليه. ﴿العاملين﴾ السعاة لهم ثُمْنها، أو أجر مثلهم. ﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ﴾ كفار ومسلمون، فالمسلمون منهم ضعيف النية في الإسلام فيتألف تقوية لنيته كعيينة بن بدر
28
والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس، ومنهم من حسن إسلامه لكنه يعطى تألفاً لعشيرته من المشركين كعدي بن حاتم، والمشركون منهم من يقصد أذى المسلمين فيتألف بالعطاء دفعاً لأذاه كعامر بن الطفيل، ومنهم من يميل إلى الإسلام فيتألف بالعطاء ليؤمن كصفوان بن أمية، فهذه أربعة أصناف، وكان الرسول [صلى الله عليه وسلم] يعطي هؤلاء وبعد هل يعطون؟ فيه قولان: لأن الله - تعالى - قد أعز الدين ﴿فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩]. ﴿الرِّقَابِ﴾ المكاتبون، أو عبيد يشترون ويعتقون. ﴿الغارمين﴾ من لزمه غرم ديْن. ﴿سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الغزاة الفقراء والأغنياء. ﴿ابن السَّبِيلِ﴾ المسافر لا يجد نفقة سفره
29
وإن كان غنياً في بلده، قاله الجمهور، أو الضيف. ﴿ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين ءامنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم﴾
30
٦١ - ﴿أُذُنٌ﴾ يصغي إلى كل أحد فيسمع قوله، كان المنافقون يقولون فيه ما لا يجوز ثم عابوه بأنه أُذن يسمع جميع ما يقال له، أو عابوه، فقال أحدهم: [٧٢ / ب] كفوا / فإني أخاف أن يبلغه فيعاقبنا، فقالوا: هو أُذن إذا جئناه وحلفنا له صدقنا فنسبوه إلى قبول العذر في الحق والباطل. ﴿يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم﴾
٦٣ - ﴿يُحَادِدِ﴾ يخالف، أو يجاوز حدودهما، أو يعاديهما مأخوذ من حد السلاح لاستعماله في المعاداة. ﴿جَهَنَّمَ﴾ لبعد قعرها، بئر جهنام بعيدة القعر. ﴿يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورةٌ تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إنّ الله مخرج ما تحذرون ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أبالله وءأياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين﴾
٦٤ - ﴿يحذر المنافقون﴾ خبر، أوامر بصيغة الخبر. ﴿بِمَا فِى قُلُوبِهِمْ﴾
30
من النفاق، أو قولهم في غزوة تبوك: أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات، فأطلع الله - تعالى - رسوله [صلى الله عليه وسلم] على ما قالوه. ﴿استهزءوا﴾ تهديد. ﴿المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم﴾
31
٦٧ - ﴿بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ﴾ في الدين ﴿بِالْمُنكَرِ﴾ كل ما أنكره العقل من الشر. والمعروف: كل ما عرفه العقل من الخير، أو المعروف في
31
كتاب الله كله الإيمان، والمنكر في كتاب الله كله الشرك قاله أبو العالية. ﴿ويقبضون أيديهم﴾ عن النفقة في سبيل الله، أو عن كل خير، أو عن الجهاد مع النبي [صلى الله عليه وسلم]، أو عن رفعها إلى الله - تعالى - في الدعاء ﴿فَنَسِيَهُمْ﴾ تركوا أمره فترك رحمتهم، قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: كان المنافقون ثلاثمائة رجل ومائة وسبعين امرأة. ﴿كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾
32
٦٩ - ﴿بِخَلاقِهِمْ﴾ بنصيبهم من خيرات الدنيا. ﴿وَخُضْتُمْ﴾ في شهوات الدنيا، أو في قول الكفر. ﴿كَالَّذِى خاضوا﴾ فارس والروم، أو بنو إسرائيل. {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها
32
الأنهار خالدين فيها ومساكن طيّبة في جنات عدنٍ ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم}
33
٧٢ - ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبةً﴾ قصور مبنية باللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، أو يطيب العيش بسكناها وهو محتمل. ﴿عَدْنٍ﴾ خلود وإقامة، والمعدن لإقامة الجوهر فيه، أو كروم وأعناب بالسريانية، أو عدن اسم لبطنان الجنة ووسطها، أو اسم قصر في الجنة، أو جنة في السماء العليا لا يدخلها إلا نبي، أو صدِّيق أو شهيد، أو إمام عدل، أو محكَّم في نفسه، وجنة المأوى في السماء الدنيا تأوي إليها أرواح المؤمنين. ﴿يا أيها النبي جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيراً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولّىٍ ولا نصير﴾
٧٣ - ﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ﴾ بالسيف ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾ بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فإن لم يستطع فليكفهر في وجوههم، أو يجاهدهم
33
باللسان، أو بإقامة الحدود وكانوا أكثر من يصيب الحدود.
34
٧٤ - ﴿يَحْلِفُونَ﴾ نزلت في ابن أُبَي لما قال: ﴿لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة﴾ [المنافقون: ٨]، أو قال الجلاس بن سويد إن كان ما جاء به محمد حقاً فنحن شر من الحمير ثم حلف بالله ما قال، أو قال ذلك جماعة من اليهود. ﴿كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾ هو ما حلفوا أنهم ما قالوه فأكذبهم الله، أو قولهم محمد ليس بنبي. ﴿وَهَمُّواْ﴾ بقتل الرسول في غزاة تبوك، أو بأخراج الرسول بقولهم ﴿لئن رجعنا إلى المدينة﴾ الآية [المنافقون: ٨] أو هَمُّوا بقتل الذي أنكر عليهم.
34
﴿ومنهم من عاهد الله لئن ءاتانا من فضله لنصّدقن ولنكونن من الصالحين فلمّا ءاتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ٣ ألم يعلموا أنّ الله يعلم سرّهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب﴾
35
٧٥ - ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ﴾ نزلت والتي بعدها في حاطب بن أبي بلتعة كان له مال بالشام فنذر أن يتصدق منه فلما قدم عليه بخل، قاله الكلبي، أو قتل مولى لعمر حميما لثعلبة فوعد إن أوصل الله إليه الدية أن يخرج حق الله - تعالى - منها فلما وصلت بخل بحق الله - تعالى - فنزلت، / فلما بلغته أتى الرسول [صلى الله عليه وسلم] بصدقته فلم يقبلها منه، وقال إن الله - تعالى - منعني أن أقبل
35
صدقتك فجعل يحثو التراب على رأسه، فمات الرسول [صلى الله عليه وسلم] فأتى أبا بكر - رضي الله تعالى عنه - ثم عمر - رضي الله تعالى عنه - بعده، ثم عثمان رضي الله تعالى عنه - لم يقبلوها.
36
﴿الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم﴾
37
٧٩ - ﴿الذين يلمزون﴾ لما حث الرسول [صلى الله عليه وسلم] على النفقة في غزوة تبوك، جاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم، وقال هذه شطر مالي، وجاء عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر، وجاء أبو عقيل بصاع من تمر وقال أجرت نفسي بصاعين فذهبت بأحدهما إلى عيالي وجئت بالآخر، فقال الحاضرون من المنافقين أما عبد الرحمن وعاصم فما أعطيا إلا رياء، وأما صاع
37
أبي عقيل فإن الله - تعالى - غني عنه. فنزلت. الجُهد والجَهد واحد، أو بالضم الطاقة وبالفتح المشقة. ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين﴾
38
٨٠ - ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ آيسه من الغفران لهم. ﴿سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ ليس بحد لوجود المغفرة بما بعدها، والعرب تبالغ بالسبع والسبعين، لأن التعديل في نصف العقد وهو خمسة فإذا زيد عليه واحد كان لأدنى المبالغة وإن زيد اثنان كان لأقصى المبالغة، وقيل للأسد سبع لأن قوته تضاعفت سبع مرات، قاله علي بن عيسى. وقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] سوف أستغفر لهم أكثر من سبعين فنزلت ﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لهم﴾ الآية [المنافقون: ٦] فكف.
38
فارغة
39
﴿فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون﴾
40
٨١ - ﴿الْمُخَلَّفُونَ﴾ المتركون كانوا أربعة وثمانين نفساً. ﴿خِلافَ﴾ بعد، أو مخالفة عند الأكثر. ﴿لا تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ﴾ قاله بعضهم لبعض، أو قالوه للمؤمنين ليقعدوا معهم.
٨٢ - ﴿فَلْيَضْحَكُواْ﴾ تهديد ﴿قَلِيلاً﴾، لأن ضحك الدنيا فَانٍ، أو لأنه قليل بالنسبة إلى ما فيها من الأحزان والغموم. ﴿كَثِيراً﴾ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، أو في النار أبداً يبكون من ألم العذاب. ﴿فإن رّجعك الله إلى طائفة منهم فاستئذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أوّل مرةٍ فاقعدوا مع الخالفين﴾
٨٣ - ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ دعيتم، أو قبل استئذانكم. ﴿الْخَالِفِينَ﴾ النساء
40
والصبيان، أول الرجال المعذورين بأمراض أو غيرها " ع ". ﴿وَلا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون﴾
41
٨٤ - ﴿وَلا تُصَلِّ﴾ نزلت في ابن أُبي لما صلى عليه الرسول [صلى الله عليه وسلم]، أو أراد الصلاة عليه فأخذ جبريل - عليه السلام - بثوبه، وقال: ولا تُصلِّ على أحد ولا تقم على قبره قيام زائر، أو مستغفر. ﴿وإذا أنزلت سورة أن ءامنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استئذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين ٦ رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهو لا يفقهون﴾
٨٦ - ﴿إن آمنوا﴾ دوموا على الإيمان، أو افعلوا فعل المؤمن، أو أمر المنافقين أن يؤمنوا باطناً كما آمنوا ظاهراً. ﴿الطَّوْلِ﴾ الغنى، أو القدرة، قيل نزلت في ابن أُبي والجد بن قيس.
٨٧ - ﴿الْخَوَالِفِ﴾ النساء، أو المنافقين، أو الأدنياء الأخسَّاء، فلان خالفة أهله إذا كان دونهم. ﴿لكن الرسول والذين ءامنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم﴾
٨٨ - ﴿الْخَيْرَاتُ﴾ جمع خيرة، غنائم الدنيا ومنافع الجهاد، أو ثواب الآخرة، أو فواضل العطايا، أو الحور ﴿فيهن خيرات حسان﴾ [الرحمن: ٧٠]. ﴿وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم﴾
٩٠ - ﴿الْمُعَذِّرُونَ﴾ مخفف الذين اعتذروا بحق، وبالتشديد الذين كذبوا [٧٣ / ب] في اعتذارهم فالعذر حق، والتعذير كذب، قيل هم بنو أسد وغطفان. {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ماينفقون حرجٌ إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيلٍ والله غفور رحيم ولا على
42
الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون إنما السبيل على الذين يستئذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ٩٣ يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبّأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجسٌ ومأواهم جهنّم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين}
43
٩١ - ﴿الضُّعَفَآءِ﴾ الصغار لضعف أبدانهم، أو المجانين لضعف عقولهم أو العميان لضعف تصرفهم ﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً﴾ [هود: ٩١] ضريراً. ﴿نَصَحُواْ﴾ برئوا من النفاق، أو إذا قاموا بحفظ المخلفين والمنازل، فيرجع إلى من لا يجد النفقة خاصة، قيل نزلت في عائذ بن عمرو وعبد الله بن مغفل.
٩٢ - ﴿لا أجد ماأحملكم عَلَيْهِ﴾ زاداً لأنهم طلبوه، أو نعالاً لأنهم طلبوها، وقال الرسول [صلى الله عليه وسلم] في هذه الغزوة: أكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكباً ما كان منتعلاً، نزلت في العِرْباض بن سارية، أو عبد الله بن الأزرق، أو في بني مقرن من مزينة، أو في سبعة من قبائل شتى، أو في أبي موسى وأصحابه.
٩٣ - ﴿السِّبِيلُ﴾ الإنكار، أو المأثم. ﴿الْخَوَالِفِ﴾ المتخلفون بالنفاق، أو الذراري من النساء والأطفال.
44
﴿الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم﴾
45
٩٧ - ﴿أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً﴾ كفرهم أكثر وأشد لجفاء طباعهم وغلظ قلوبهم، أو الكفر فيهم أكثر لعدم وقوفهم على الكتاب والسنة. ﴿وَأَجْدَرُ﴾ أقرب مأخوذ من الجدار بين المتجاورين. ﴿حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ﴾ من فروض العبادات، أو من الوعيد على مخالفة الرسول [صلى الله عليه وسلم] والتخلف عن الجهاد.
٩٨ - ﴿مَا يُنفِقُ﴾ في الجهاد، أو الصدقات. ﴿مَغْرَمًا﴾ المغرم: التزام ما لا يلزم ﴿عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً﴾ [الفرقان: ٦٥] لازماً. ﴿الدَّوَآئِرَ﴾ انقلاب النعمة إلى غيرها من الدور.
٩٩ - ﴿وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ﴾ استغفاره لهم " ع "، أو دعاؤه. ﴿والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم﴾
١٠٠ - ﴿وَالسَّابِقُونَ﴾ أهل بيعة الرضوان، أو أهل بدر، أو الذين صلوا إلى القبلتين، أو الذين سبقوا بالموت والشهادة من المهاجرين والأنصار سبقوا إلى الثواب وحسن الجزاء ﴿رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ بالإيمان ﴿وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ بالثواب، أو رضي عنهم بالعبادة ورضوا عنه بالجزاء، أو رضي عنهم بطاعة الرسول [صلى الله عليه وسلم] ورضوا عنه بالقبول.
45
﴿وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم﴾
46
١٠١ - ﴿حَوْلَكُمُ﴾ حول المدينة، مزينة وجهينة وأسلم وغفار وأشجع كان فيهم بعد إسلامهم منافقون كما في الأنصار، وإنما نافقوا لدخول جميعهم تحت القدرة فميزوا بالنفاق وإن عمتهم الطاعة. ﴿مَرَدُواْ﴾ أقاموا وأصروا، أو مرنوا عليه وعتوا فيه ﴿شَيْطَانًا مَّرِيدًا﴾ [النساء: ١١٧] عاتياً، أو تجردوا فيه وتظاهروا به ﴿لا تَعْلَمُهُمْ﴾ حتى نعلمك بهم، أو لا تعلم عاقبتهم فلا تحكم على أحد بجنة ولا نار. ﴿مَّرَّتَيْنِ﴾ إحداهما بالفضيحة في الدنيا والجزع من المسلمين، والثانية بعذاب القبر " ع "، أو إحداهما بالأسر والأخرى بالقتل، أو إحداهما بالزكاة والآخرى أمرهم بالجهاد، لأنهم يرونه عذاباً لنفاقهم، قاله الحسن - رضي الله تعالى عنه - أو إحداهما عذاب الدنيا والأخرى عذاب الآخرة. ﴿عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ بأخذ الزكاة، أو بإقامة الحدود في الدنيا، أو بالنار في الآخرة. ﴿وءاخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وءاخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ١٠﴾
١٠٢ - ﴿وآخرون اعْتَرَفُواْ﴾ نزلت في أبي لبابة في قضيته مع بنى قريظة. / [٧٤ / أ] أو في سبعة أنصار من العشرة المتخلفين في غزوة تبوك أبو لبابة بن
46
عبد المنذر وأوس بن ثعلبة ووديعة بن حرام فلما ندموا على تخلفهم وربطوا أنفسهم إلى سواري المسجد ليطلقهم الرسول [صلى الله عليه وسلم] إن عفا عنهم، فلما مر بهم وكانوا على طريقه فسأل عنهم فأُخبر بحالهم فقال: لا أعذرهم ولا أطلقهم حتى يكون الله - تعالى - هو الذي يعذرهم ويطلقهم فنزلت " ع ". ﴿عملا صالحا وآخر سيئا﴾ الصالح: الجهاد، والسيء التخلف عنه، أو السيء الذنب والصالح التوبة، أو ذنباً وسوطاً لا ذاهباً فروطاً ولا ساقطاً سقوط. قاله الحسن - رضي الله تعالى عنه -. ﴿خُذْ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إنّ صلواتك سكنٌ لهم والله سميع عليم ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم﴾ ١٠٣ - ﴿خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾ لما تاب الله - تعالى - على أبي لبابة وأصحابه قالوا: يا رسول الله خذ منا صدقة تطهرنا وتزكينا، فقال: لا أفعل حتى أُؤمر
47
فنزلت، صدقة بذلوها تطوعاً، أو الزكاة الواجبة ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ من ذنوبهم، وتزكي أعمالهم ﴿وَصَلِّ﴾ استغفر، أو ادعُ قاله " ع ". ﴿سَكَنٌ﴾ قربة " ع "، أو وقار، أو أمن، أو تثبيت، والدعاء واجب على الآخذ أو مستحب، أو يجب في التطوع ومستحب في الفرض، أو يستحب للوالي ويجب على الفقير، أو بالعكس، أو إن سأل الدافع الدعاء وجب وإن لم يسأل استحب، قال عبد الله بن أبي أوفى لما أتيت الرسول [صلى الله عليه وسلم] بصدقات قومي قلت يا رسول الله صَلِّ عليَّ، فقال: اللهم صلِ على آل أبي أوفى.
48
﴿وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى علام الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ١٠٥ وءاخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإمّا يتوب عليهم والله عليم حكيم﴾
49
﴿ خذ من أموالهم ﴾ لما تاب الله -تعالى- على أبي لبابة وأصحابه قالوا : يا رسول الله خذ منا صدقة تطهرنا وتزكينا، فقال :" لا أفعل حتى أُؤمر " فنزلت، صدقة بذلوها تطوعا، أو الزكاة الواجبة ﴿ تُطهرهم ﴾ من ذنوبهم، وتزكي أعمالهم ﴿ وصَلّ ﴾ استغفر، أو ادعُ قاله " ع ". ﴿ سكن ﴾ قربة " ع "، أو وقار، أو أمن، أو تثبيت، والدعاء واجب على الآخذ أو مستحب، أو يجب في التطوع ومستحب في الفرض، أو يستحب للوالي ويجب على الفقير، أو بالعكس، أو إن سأل الدافع الدعاء وجب وإن لم يسأل استحب، قال عبد الله بن أبي أوفى لما أتيت الرسول صلى الله عليه وسلم بصدقات قومي قلت يا رسول الله صلِّ علىَّ، فقال :" اللهم صلّ على آل أبي أوفى ".
١٠٦ - ﴿وآخرون﴾ هم الثلاثه الباقون من العشرة المتخلفين في غزوة تبوك لم يربطوا أنفسهم وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع. ﴿مُرْجَوْنَ﴾ لما يرد من أمر الله فيهم. ﴿ليعذبهم﴾ يميتهم على حالهم، أو يأمر بعذابهم إن لم يعلم صحة توبتهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بما يؤول إليه حالهم، ﴿حَكِيمٌ﴾ في إرجائهم.
49
﴿والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين﴾
50
١٠٧ - ﴿وَالِّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً﴾ هم بنو عمرو بن عوف اثنا عشر رجلاً من الأنصار بنوا مسجد الضرار. ﴿وَتَفْرِيقَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لئلا يجتمعوا في مسجد قباء. ﴿وَإِرْصَادًا﴾ انتظاراً لسوء يتوقع، أو لحفظ مكروه يفعل. ﴿لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ بمخالفتهما، أو عداوتهما، وهو أبو عامر الراهب والد حنظلة بن الراهب، وكان قد حزب على الرسول [صلى الله عليه وسلم] فبنوه له ليصلي فيه إذا رجع من عند هرقل اعتقاداً منهم أنه إذا صلى فيه نصروا، ابتدءوا بنيانه والرسول [صلى الله عليه وسلم] خارج إلى تبوك فسألوه أن يصلي فيه فقال: أنا على سفر ولو قدمنا - إن شاء الله تعالى - أتيناكم وصلينا لكم فيه، فلما رجع أتوه وقد فرغوا منه وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد وقالوا: قد فرغنا منه، فأتاه خبره وأنزل الله - تعالى - فيه ما أنزل. ﴿لا تَقُمْ فِيهِ﴾ لا تُصَلِّ فيه فعند ذلك أمر / [٧٤ / ب] الرسول [صلى الله عليه وسلم] بهدمه فحُرق، أو انهار في يوم الأثنين ولم يحرق.
١٠٨ - ﴿أسس على التقوى﴾ مسجد الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالمدينة مروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو مسجد قباء، وهو أول مسجد بني في الإسلام " ع "، أو كل مسجد بني في المدينة أسس على التقوى. ﴿يَتَطَهَّرُواْ﴾ بالتوبة من الذنوب. ﴿واللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ بالتوبة، أو أراد الاستنجاء بالماء، أو المتطهرين من أدبار النساء. {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم والله لا يهدي القوم الظالمين ١٠٩ لا يزال
51
بنيانهم الذي بنوا ريبةً في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم}
52
١٠٩ - ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ مسجد قباء، أو قوله: ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى﴾ مسجد المدينة، وقوله ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ مسجد قباء. ﴿جُرُفٍ﴾ حرف الوادي الذي لا يثبت عليه البناء لرخاوته. ﴿هَارٍ﴾ هائر، وهو الساقط. ﴿فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ سقطوا ببنيانهم في جهنم، أو سقط المسجد بنفسه مع بقعته في جهنم، قال جابر بن عبد الله: رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حتى انهار، وقيل حفرت فيه بقعة فرئي فيها الدخان.
١١٠ - ﴿رِيبَةً﴾ حين بنوه شك، او غطاء، أو بعد هدمه حزازة، أو ندامة. ﴿تَقَطَّعَ﴾ يموتوا " ع "، أو يتوبوا، أو تقطع في القبور. ﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرءان ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعتكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الأمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين﴾
١١١ - ﴿اشْتَرَى﴾ لما جُوزوا بالجنة على ذلك عُبِّر عنه بلفظ الشراء تَجوزاً.
١١٢ - ﴿التَّآئِبُونَ﴾ من الذنوب. ﴿الْعَابِدونَ﴾ بالطاعة، أو بالتوحيد، أو بطول الصلاة. ﴿الْحَامِدُونَ﴾ على السراء والضراء، أو على الإسلام. ﴿السَّائِحُونَ﴾ المجاهدون واستؤذن الرسول [صلى الله عليه وسلم] في السياحة فقال: " سياحة أُمتي
52
الجهاد، أو الصائمون، قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] :" سياحة أُمتي الصوم " " ع "، أو المهاجرون، أو طلبة العلم. ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ التوحيد، أو الإسلام. ﴿الْمُنكَرِ﴾ الشرك، أو الذين لم يَنْهوا عنه حتى انتهوا عنه. ﴿وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ﴾ القائمون بأمره، أو بفرائض حلاله وحرامه، أو لشرطه في الجهاد. ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ المصدقين بما وعدوا في هذه الآيات، أو بما ندبوا إليه فيها. لما نزل ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى﴾ جاء رجل من المهاجرين فقال: يا رسول الله، وإن زنا وإن سرق وإن شرب الخمر فنزلت ﴿التَّآئِبُونَ﴾ {ما كان للنبي والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنّه عدوّ لله تبرأ منه إن إبراهيم لأوّاه
53
حليمٌ} ١١٣ - ﴿ما كان للنبي﴾ لما زار الرسول [صلى الله عليه وسلم] قبر أمه، وقال: استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي واستأذنته في الدعاء لها فلم يأذن لي فنزلت، أو نزلت في أبي طالب لما قال الرسول [صلى الله عليه وسلم] لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك أو،
54
سمع علي - رضي الله تعالى عنه - رجلاً يستغفر لأبويه فقال: أتستغفر لهما وهما مشركان فقال أو لم يستغفر إبراهيم لأبويه فذكره على - رضي الله تعالى عنه - للرسول [صلى الله عليه وسلم] فنزلت.
55
﴿ ما كان للنبي ﴾ لما زار الرسول صلى الله عليه وسلم قبر أمه، وقال :" استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي واستأذنته في الدعاء لها فلم يأذن لي " فنزلت، أو نزلت في أبي طالب لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم " لأستغفرن لك ما لم أُنهَ عنك " أو سمع علي - رضي الله تعالى عنه - رجلاً يستغفر لأبويه فقال : أتستغفر لهما وهما مشركان فقال أو لم يستغفر إبراهيم لأبويه فذكره علي - رضي الله تعالى عنه - للرسول صلى الله عليه وسلم فنزلت.
١١٤ - ﴿موعدة﴾ وعد إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أبوه أنه إن استغفر له آمن، أو وعدإبراهيم عليه الصلاة / والسلام - أياه أن يستغفر له لرجائه إيمانه فلما مات على شركه تبرأ من أفعاله ومن الاستغفار له. ﴿أواه﴾ دَعَّاء، أو رحيم، أو موقن، أو مؤمن بلغة الحبشة " ع "، أو مُسبِّح، أو مكثر من تلاوة القرآن، أو متأوه، أو فقيه أو متضرع خاشع مروي عن الرسول [صلى الله عليه وسلم]، أو إذا ذكره ذنوبه استغفر منها. وأصل التأوه التوجع ﴿حَلِيمٌ﴾ صبور على الأذى، أو صفوح عن الذنب. {وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله
55
بكل شيءٍ عليم إن الله له ملك السموات والأرض يحي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ١١٦}
56
١١٥ - ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ﴾ أسلم قوم من الأعراب ورجعوا إلى بلادهم يعملون بما شاهدوه من الرسول [صلى الله عليه وسلم] من صوم أيام البيض والصلاة إلى بيت المقدس ثم قدموا إليه فوجدوه يصوم رمضان ويصلي إلى الكعبة، فقالوا: يا رسول الله دِنَّا بعدك بالضلالة إنك على أمر وإنا على غيره فنزلت. ﴿لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبّعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريقٍ منهم ثمّ تاب عليهم إنه بهم رءوفٌ رحيمٌ ١١٧ وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنّوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾
١١٧ - ﴿تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَاجرِينَ﴾ توبة لعونه بإنقاذهم من شدة العسرة، أو تخليصهم من نكاية العدو وغيره، أي رجعهم إلى ما كانوا فيه من الحالة الأولى. ﴿الْعُسْرَةِ﴾ في غزوة تبوك كانوا في قلة من الظَّهر فيتناوب الرجلان والثلاثة على بعير واحد، وتعسر الزاد فيشق الرجلان التمرة بينهما، أو يمص النفر التمرة الواحدة ثم يشربون عليها الماء وذلك في شدة الحر، واشتد عطشهم حتى نحروا الإبل وعصروا أكراشها فشربوا ماءها. ﴿يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ﴾ يتلف بالجهد والشدة، أو يعدل عن المتابعة [والنصرة] ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾
56
التوبة الأولى في الذهاب والثانية في الرجوع، أو الأولى في السفر، والثانية بعد الرجوع إلى المدينة.
57
١١٨ - ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ﴾ وتاب على الثلاثة. ﴿خُلِّفُواْ﴾ عن التوبة فأخرت توبتهم حتى تاب الله - على الذين ربطوا أنفسهم مع أبي لبابة، أو خلفوا عن بعث الرسول [صلى الله عليه وسلم]. ﴿ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ﴾ لامتناع المسلمين من كلامهم. ﴿وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ﴾ بما لقوه من جفوة الناس ﴿وَظَنُّواْ﴾ أيقنوا أنهم لا يلجؤون في قبول توبتهم والصفح عنهم إلا إلى ربهم، ثم تاب عليهم بعد خمسين ليلة من مقدم الرسول [صلى الله عليه وسلم] ﴿لِيَتُوبُواْ﴾ ليستقيموا، لأن توبتهم قد تقدمت " ع " وامتحنوا بذلك إصلاحاً لهم ولغيرهم.
١١٩ - ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ بموسى، أو عيسى - عليهما الصلاة والسلام - ﴿اتَّقُواْ الله﴾ - تعالى - في الإيمان بمحمد [صلى الله عليه وسلم]. ﴿وكونوا مع الصادقين﴾ الرسول [صلى الله عليه وسلم] وأصحابه - تعالى - رضي الله عنهم - أجمعين في الجهاد، أو يا أيها المسلمين اتقوا الله - تعالى - في الكذب، أو اتقوا الله في طاعة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إذا أمركم بالجهاد ﴿الصَّادِقِينَ﴾ أبو بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - أو الثلاثة الذين خُلِّفوا وصدقوا / الرسول في تخلفهم، أو المهاجرين، لأنهم لم يتخلفوا عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] في الجهاد، أو من صدقت نيته وقوله وعمله وسره وعلانيته. {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن الرسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصبٌ ولا مخمصةٌ فىِ سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوّ نّيلاً إلا كُتب لهم به عملٌ صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون
57
نفقةً صغيرةً ولا كبيرةً ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون وما كان المؤمنون لينفروا كآفةً فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفةٌ ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون ٣}
58
١٢٢ - ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ما كان عليهم أن ينفروا جميعاً لأن الجهاد صار فرض كفاية. نسخت قوله - تعالى: ﴿انفروا خفافاً وثقالا﴾ [٤١] " ع "، أو ما كان لهم إذا بعث الرسول [صلى الله عليه وسلم] سرية أن يخرجوا جميعاً ويتركوا الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالمدينة وحده بل يقيم بعضهم. لما عُيِّروا بالتخلف عن غزوة تبوك خرجوا في سرايا الرسول [صلى الله عليه وسلم] وتركوه وحده بالمدينة فنزلت. ﴿فَلَوْلا نَفَرَ﴾ مع الرسول [صلى الله عليه وسلم] طائفة لتتفقه في الجهاد معه، أو هاجرت إليه في إقامته لتتفقه، أو لتتفقه الطائفة المقيمه مع الرسول [صلى الله عليه وسلم] معناه فهلا إذا نفروا أن تقيم مع الرسول [صلى الله عليه وسلم] طائفة لأجل التفقه في الدين في أحكامه، ومعالمه ويتحملوا ذلك لينذروا به قومهم إذا رجعوا إليهم، أو ليتفقهوا فيما يشاهدونه من المعجزات والنصر المصدق للوعد السابق ليقوي إيمانهم ويخبروا به قومهم. ﴿يا أيها الذين ءامنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفّار وليجدوا فيكم غلطة واعلموا أن الله مع المّتقين﴾
١٢٣ - ﴿الَّذِينَ يَلُونَكُم﴾ العرب، أو الروم، أو الديلم، أو عام في قتال الأقرب فالأقرب.
58
﴿وإذا ما أنزلت سورةٌ فمنهم مّن يقول أيّكم زادته هذه إيمانًا فإمّا الذين ءامنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون ٢ وأما الذين في قلوبهم مّرضٌ فزادتهم رجسًا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون﴾
59
١٢٤ - ﴿أَيُّكُمْ زَادَتْهُ﴾ قاله المنافقون بعضهم لبعض على وجه الإنكار، أو قالوه لضعفاء المسلمين استهزاء. ﴿فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾ بها لأنهم لم يؤمنوا بها قبل نزولها أو زادتهم خشية.
١٢٥ - ﴿رجسا﴾ إثماً، أو شكاً، أو كفراً. ﴿أولا يرون أنهم يفتنون في كلّ عام مّرّة أو مرّتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكّرون وإذا ما أنزلت سورةٌ نّظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحدٍ ثمّ انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قومٌ لا يفقهون﴾
١٢٦ - ﴿يُفْتَنُونَ﴾ يُبتلون، أو يضلون، أو يُختبرون بالجوع والقحط، أو بالجهاد والغزو في سبيل الله، أو ما يلقونه من الكذب على الرسول [صلى الله عليه وسلم] أو ما هتكه الله - تعالى - من أسرارهم. ﴿لقد جاءكم رسولٌ مّن أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رءوفُ رّحيمٌ فإن تولّوا فقل حسبى الله لآ إله إلا هو عليه توكّلت وهو ربّ العرش العظيم﴾
١٢٨ - ﴿مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ لم يبقَ من العرب بطن إلا ولده، أو من المؤمنين لم يصبه شرك، أو من نكاح لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية، أو ممن تعرفونه بينكم. ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ شديد عليه ما شق عليكم " ع " أو شديد عليه ما ضللتم، أو عزيز عليه عنت مؤمنكم. ﴿حَرِيصٌ عليكم﴾ أن تؤمنوا. {رؤوف
59
رَّحِيمٌ} بما يأمرهم به من الهدى ويؤثره من صلاحهم، نزلت هذه الآية والتي بعدها بمكه، أو هما آخر ما نزلت " ع ".
60
١٢٩ - ﴿فإن تولوا﴾ عنك، أو عن طاعة الله - تعالى -.
60
سورة يونس
مكية كلها، أو إلا ثلاث آيات ﴿فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك﴾ إلى آخرهن (٩٤ - ٩٦).

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ألر تلك ءايآت الكتاب الحكيم أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منّهم أن أنذر الناس وبشر الذين ءامنوا أن لهم قدم صدقٍ عند ربهم قال الكافرون إنّ هذا لساحرٌ مبين﴾
61
Icon