تفسير سورة العنكبوت

جهود الإمام الغزالي في التفسير
تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب جهود الإمام الغزالي في التفسير .
لمؤلفه أبو حامد الغزالي . المتوفي سنة 505 هـ

﴿ فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ﴾.
٨٢٩- دل على تسعمائة وخمسين سنة، لا على سبيل المحال، بل الوضع كذلك، وضع وكأن العرب وضعت عن تسعمائة وخمسين عبارتين : إحداهما : ألف سنة إلا خمسين والأخرى تسعمائة وخمسون، ويمكن أن يقال ما صار عبارة بالوضع على هذا القدر، بل بقي الألف للألف والخمسون للخمسين، وإلا للرفع بعد الإثبات.
ونحن بعلم الحساب عرفنا أن هذا تسعمائة وخمسون، فإما إذا وضعنا ألفا ورفعنا خمسين علمنا مقدار الباقي بعلم الحساب، فلا نقول المجموع صار عبارة موضوعة عن هذا العدد، وهذا أدق وأحق، لا كزيادة الألف واللام والياء والنون على المسلم، فإن تلك الزيادة لا معنى لها بغير اللفظ الأول. ( المستصفى : ٢/٥٥-٥٦ )
﴿ وتخلقون إفكا ﴾.
٨٣٠- لا يعارض قوله :﴿ خالق كل شيء ﴾١ لأن المعنى به الكذب دون الإيجاد. ( نفسه : ٢/١٣٨-١٣٩ ).
١ الأنعام: ١٠٣..
﴿ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ﴾.
٨٣١- قد نبه على مصالح الدين في قوله في الصلاة :﴿ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴾ وما يكف عن الفحشاء، فهو جامع لمصالح الدين، وقد تقترن به مصلحة الدنيا أيضا. ( شفاء الغليل : ١٦١ ).
٨٣٢- رفع ذكره فوق الصلاة حيث قال :﴿ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ﴾ فكما أن مشاهدة المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة فرضوان رب الجنة أعلى من الجنة١ بل هو غاية مطلب سكان الجنان. ( الإحياء : ٤/٣٦٣ )
٨٣٣- ﴿ ولذكر الله أكبر ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : له وجهان أحدهما : أن ذكر الله أعظم من ذكركم إياه، والآخر : أن ذكر الله أعظم من كل عبارة سواه. ( الإحياء : ٤/٣٥٠ )
١ إشارة إلى قوله تعالى: ﴿ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر﴾ (التوبة: ٧٣)..
٨٣٤- أي صبروا إلى تمام العمل. ( نفسه : ٤/٧٤ )
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٨:٨٣٤- أي صبروا إلى تمام العمل. ( نفسه : ٤/٧٤ )
﴿ وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ﴾.
٨٣٥- قال ابن عمر رضي الله عنهما : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار، فجعل يلتقط من الثمر ويأكل، فقال :( يا ابن عمر، ما لك لا تأكل ؟... ) فقلت : يا رسول الله لا أشتهيه، فقال :( لكني أشتهيه وهذا صبح رابعة لم أذق طعاما ولم أجده ولو سألت ربي لأعطاني ملك قيصر وكسرى، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم ويضعف اليقين في قلوبهم ؟ ) قال فوالله ما برحنا ولا قمنا حتى نزلت :﴿ وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ﴾ قال : فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الله لم يأمركم بكنز المال ولا باتباع الشهوات، من كنز دنانير يريد بها حياة فانية، فإن الحياة بيد الله، ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ولا أخبأ رزقا لغد )١. ( نفسه : ٤/١٩١ ).
١ قال الحافظ العراقي: أخرجه ابن مردويه في التفسير والبيهقي في الزهد من رواية رجل لم يسم عن ابن عمر قال البيهقي: هذا إسناد مجهول، والجراح بن منهال ضيف. ن المغني بهامش الإحياء: ٤/١٩١..
﴿ فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ﴾.
٨٣٦- قيل معناه أنهم يقولون لولا استواء الريح لما نجونا.
ومن انكشف له أمر العلم كما هو عليه، علم أن الريح هو الهواء، والهواء لا يتحرك بنفسه ما لم يكن يحركه محرك، وكذلك محركه، وهكذا إلى أن ينتهي إلى المحرك الأول الذي لا محرك له ولا هو متحرك في نفسه عز وجل.
فالتفات العبد في النجاة إلى الريح يضاهي من أخذ لتحزَّ رقبته فكتب الملك توقيعا بالعفو عنه وتخليته، فأخذ يشتغل بذكر الحبر والكاغد والقلم الذي به كتب التوقيع يقول لولا القلم لما تخلصت، فيرى نجاته من القلم لا من محرك القلم وهو غاية الجهل. ( نفسه : ٤/٢٦٤ ).
﴿ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه ﴾.
٨٣٧- قد سوى الله تعالى بين من افترى على الله كذبا وبين من كذب بالحق فقال تعالى :﴿ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه ﴾. ( الإحياء : ١/٦٠ ).
﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ﴾.
٨٣٨- المجاهدة : جعلها الله سبحانه مقدمة للهداية حيث قال تعالى :﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ﴾. ( نفسه : ١/٣٤ )
٨٣٩- [ من ] أراد أن يكون من سالكي طريق الآخرة، وساعده التوفيق حتى اشتغل بالعمل ولازم التقوى ونهى النفس عن الهوى، واشتغل بالرياضة والمجاهدة، انفتحت له أبواب من الهداية تكشف عن حقائق هذه العقيدة بنور إلهي يقذف في قلبه بسبب المجاهدة، تحقيقا لوعده عز وجل إذ قال :﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ﴾ وهو الجوهر النفيس الذي هو غاية إيمان الصديقين والمقربين، وإليه الإشارة بالسر الذي وقر في صدر أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث فضل به الخلق، وانكشاف ذلك السر، بل تلك الأسرار، له درجات بحسب درجات المجاهدة ودرجات الباطن في النظافة والطهارة عما سوى الله تعالى وفي الاستضاءة بنور اليقين، وذلك كتفاوت الخلق في أسرار الطب والفقه وسائر العلوم، إذ يختلف ذلك باختلاف الاجتهاد واختلاف الفطرة في الذكاء والفطنة، وكما لا تنحصر تلك الدرجات فكذلك هذه. ( نفسه : ١/١١٣ )
٨٤٠- ﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ﴾ يعني الذين جاهدوا في طاعتنا وفي ديننا لنوفقنهم لذلك. ( كتاب الأربعين في أصول الدين : ١٢ )
٨٤١- الإقبال على طاعة الله تعالى والإعراض عن مقتضى الشهوات هو الذي يجلو القلب ويصفيه، ولهذا قال تعالى :﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ﴾. ( معارج القدس في مدارج معرفة النفس : ٩٤ )
٨٤٢- ﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ﴾ فالمجاهدة : أعمال الجوارح، والهداية أعمال القلوب، وقد جعل إحداهما مرقاة إلى [ الأخرى ]١ فعلم أنها مرآة لها، وأن تلك هي المراد لعينها. ( مدخل السلوك إلى منازل الملوك : ٣٤ )
١ في الأصل المطبوع: الآخرة ولعل الصواب ما أثبته..
Icon