تفسير سورة فاطر

روح البيان
تفسير سورة سورة فاطر من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

فى الدنيا فِي شَكٍّ مما وجب به الايمان واليقين كالتوحيد والبعث ونزول العذاب على تقدير الإصرار مُرِيبٍ [بتهمت افكنده ودلرا مضطرب سازنده وشوراننده] قال اهل التفسير مريب موقع لهم فى الريبة والتهمة من ارابه إذا أوقعه فى الريبة او ذى ريبة من اراب الرجل إذا صار ذا ريبة ودخل فيها وكلاهما مجاز فى الاسناد الا ان بينهما فرقا وهو ان المريب من الاول منقول ممن يصلح ان يكون مريبا من الاشخاص والأعيان الى المعنى وهو الشك اى يكون صفة من أوقع فى الريب حقيقة وقد جعل فى الآية صفة نفس الشك الذي هو معنى من المعاني والمريب من الثاني منقول من صاحب الشك الى الشك اى انهم كانوا فى شك ذى شك كما تقول شعر شاعر وانما الشاعر فى الحقيقة صاحب الشعر وانما أسند الشاعرية الى الشعر للمبالغة وإذا كان حال الكفرة الشك فى الدنيا فلا ينفعهم اليقين فى الآخرة لانه حاصل بعد معاينة العذاب والخروج من موطن التكليف وقد ذموا فى هذه الآيات بالشك والكفر
والرجم بالغيب فليس للمرء ان يبادر الى انكار شىء الا بعد العلم اما بالدليل او بالشهود قال فى الفتوحات المكية لا يجوز لاحد المبادرة الى الإنكار إذا رأى رجلا ينظر الى امرأة فى الطريق مثلا فربما يكون قاصدا خطبتها او طبيبا فلا ينبغى المبادرة للانكار الا فيما لا يتطرق اليه احتمال وهذا يغلط فيه كثير من المذنبين لا من اصحاب الدين لان صاحب الدين أول ما يحتفظ على نفسه ولا سيما فى الإنكار خاصة وقد ندبنا الحق الى حسن الظن بالناس لا الى سوء الظن فصاحب الدين لا ينكر قط مع الظن لانه يعلم ان بعض الظن اثم ويقول لعل هذا من ذلك البعض وإثمه ان ينطق به وان وافق العلم فى نفس الأمر وذلك انه ظن وما علم فنطق فيه بامر محتمل وما كان له ذلك فمعلوم ان سوء الظن بنفس الإنسان اولى من سوء ظنه بالغير وذلك لانه من نفسه على بصيرة وليس هو من غيره على بصيرة فلا يقال فى حقه ان فلانا أساء الظن بنفسه بل انه عالم بنفسه وانما عبرنا بسوء الظن بنفسه اتباعا لتعبيرنا بسوء الظن بغيره فهو من تناسب الكلام والى الآن ما رأيت أحدا من العلماء استبرأ لدينه هذا الاستبراء فالحمد لله الذي وفقنا لاستعماله انتهى كلام الشيخ فى الفتوحات
هميشه در صدد عيب جوئى خويشيم نبوده ايم پى عيب ديكران هركز
والله الموفق لصالحات الأعمال وحسنات الأخلاق تمت سورة سبأ فى اصيل يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الاول من سنة ست عشرة ومائة والف
تفسير سورة الملائكة
مكية وآيها خمس وأربعون بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ اى كل المحامد مختصة بالله تعالى لا تتجاوز منه الى من سواه وهو وان كان فى الحقيقة حمد الله لذاته بذاته لكنه تعليم للعباد كيف يحمدونه واعلم ان الحمد يتعلق بالنعمة والمحنة إذ تحت كل محنة منحة فمن النعمة العطاس وذلك لانه سبب لانفتاح المسام اى ثقب الجسد واندفاع الابخرة المحتبسة عن الدماغ الذي فيه قوة التذكر والتفكر فهو بحران الرأس كما ان العرق
311
بحران بدن المريض ولذا أوجب الشارع الحمد للعاطس قال ابن عباس رضى الله عنهما من سبق العاطس بالحمد لله وقى وجع الرأس والأضراس ومن المحنة التجشي وفى الحديث (من عطس او تجشا فقال الحمد لله على كل حال دفع الله بها عنه سبعين داء أهونها الجذام) والتجشى تنفس المعدة: وبالفارسية [بدروغ شدن] وذلك لان التجشى انما يتولد من امتلاء المعدة من الطعام فهو من المصائب فى الدين خصوصا إذا وقع حال الصلاة ويدل عليه انه عليه السلام كان يقول عند كل مصيبة (الحمد لله على كل حال) ثم رتب الحمد على نعمة الإيجاد اولا إذ لا غاية وراءها إذ كل كمال مبنى عليها فقال فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إضافته محضة لانه بمعنى الماضي فهو نعت للاسم الجليل ومن جعلها غير محضة جعله بدلا منه وهو قليل فى المشتق والمعنى مبدعهما وخالقهما ابتداء من غير مثال سبق من الفطر بالفتح بمعنى الشق او الشق طولا كما ذهب اليه الراغب كأنه شق العدم باخراجهما منه والفطر بالكسر ترك الصوم وعن ابن عباس رضى الله عنهما ما كنت أدرى ما فاطر السموات حتى اختصم الىّ أعرابيان فى بئر فقال أحدهما انا فطرتها اى ابتدأت حفرها قال المبرد فاطر خالق مبتدىء ففيه اشارة الى ان أول كل شىء تعلقت به القدرة سموات الأرواح وارض النفوس واما الملائكة فقد خلقت بعد خلق أرواح الإنسان ويدل عليه تأخير ذكرهم كما قال جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا إضافته محضة ايضا على انه نعت آخر للاسم الجليل ورسلا منصوب بجاعل واسم الفاعل بمعنى الماضي وان كان لا يعمل عند البصريين الا معرفا باللام الا انه بالاضافة أشبه المعرف باللام فعمل عمله فالجاعل بمعنى المصير والمراد بالملائكة جبرائيل واسرافيل وميكائيل وعزرائيل والحفظة ونحوهم ويقال لم ينزل اسرافيل على نبى الا على محمد ﷺ نزل فاخبره بما هو كائن الى يوم القيامة ثم عرج وفى انسان العيون نزل عليه ستة أشهر قبل نبوته فكان عليه السلام يسمع صوته ولا يرى شخصه. والرسل جمع رسول بمعنى المرسل والمعنى مصير الملائكة وسائط بينه تعالى وبين أنبيائه والصالحين من عباده يبلغون إليهم رسالاته بالوحى والإلهام والرؤيا الصادقة قال بعض الكبار الإلقاء اما صحيح او فاسد فالصحيح الهىّ ربانى متعلق بالعلوم والمعارف او ملكى روحانى وهو الباعث على الطاعة وعلى كل ما فيه صلاح ويسمى إلهاما والفاسد نفسانى وهو ما فيه حظ النفس ويسمى هاجسا او شيطانى وهو ما يدعو الى معصية ويسمى وسواسا أُولِي أَجْنِحَةٍ صفة لرسلا وأولوا بمعنى اصحاب اسم جمع لذو كما ان أولاء اسم جمع لذا وانما كتبت الواو بعد الالف حالتى الجر والنصب لئلا يلتبس بالى حرف الجر وانما كتبوه فى الرفع حملا عليهما. والاجنحة جمع جناح بالفارسية [پر وبال] مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ صفات لا جنحة فهى فى موضع خفض ومعناها اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة واربعة اربعة اى ذوى اجنحة متعددة متفاوتة فى العدد حسب تفاوت مالهم من المراتب ينزلون بها من السماء الى الأرض ويعرجون او يسرعون بها فان ما بين السماء والأرض وكذا ما بين السموات مسيرة خمسمائة سنة وهم يقطعونها فى بعض الأحيان فى وقت واحد ففى تعدد الاجنحة اشارة الى كمالية استعداد بعض الملائكة على بعض والمعنى ان من الملائكة خلقا لكل منهم جناحان
312
وخلقا لكل منهم ثلاثة وخلقا آخر لكل منهم اربعة قال الكاشفى [مثنى دو دو براى طيران وثلاث سه سه ورباع چهار چهار براى آرايش] انتهى- وروى- ان صنفا من الملائكة له ستة اجنحة بجناحين منها يلفون أجسادهم وبآخرين منها يطيرون فيما أمروا به من جهته تعالى وجناحان منها مرخيان على وجوههم حياء من الله تعالى ويفهم من كلام بعضهم ان الطيران بكل الاجنحة كما قال عرف تعالى الى
العباد بأفعاله وندبهم الى الاعتبار بها فمنها ما يعلمونه معاينة من السماء والأرض وغيرهما ومنها ما سبيل إثباته الخبر والنقل لا يعلم بالضرورة ولا بدليل العقل فالملائكة منه ولا يتحقق كيفية صورتهم وأجنحتهم وانهم كيف يطيرون بأجنحتهم الثلاثة والاربعة لكن على الجملة يعلم كمال قدرته وصدق حكمته انتهى- وروى- عن رسول الله ﷺ انه رأى جبريل ليلة المعراج وله ستمائة جناح منها اثنان يبلغان من المشرق الى المغرب ودل هذا وكذا كل ما فيه زيادة على الأربع انه تعالى لم يرد خصوصية الاعداد ونفى ما زاد عليها وذكر السهيلي ان المراد بالاجنحة فى حق الملائكة صفة ملكية وقوة روحانية وليست كاجنحة الطير ولا ينافى ذلك وصف كل جناح منها بانه يسد ما بين المشرق والمغرب هذا كلامه كما فى انسان العيون يقول الفقير لا يجوز العدول عن الظاهر مع إمكان الحمل على الحقيقة وقد تظاهرت الروايات الدالة على اثبات الاجنحة للملائكة وان لم تكن كاجنحة الطير من حيث ان الله تعالى باين بين صور المخلوقات والملائكة وان كانوا روحانيين لكن لهم أجسام لطيفة فلا يمنع ان يكون للاجسام اجنحة جسمانية كما لا يمنع ان يكون للارواح اجنحة روحانية نورانية كما ثبت لجعفر الطيار رضى الله عنه والحاصل ان المناسب لحال العلويين ان يكونوا طائرين كما ان المناسب لحال السفليين ان يكونوا سائرين ومن أمعن النظر فى خلق الأرض والجو عرف ذلك ويؤيد ما قلنا ان البراق وان كان فى صورة البغل فى الجملة لكنه لما كان علويا اثبت له الجناح نعم ان الاجنحة من قبيل الاشارة الى القوة الملكية والاشارة لا تنافى العبارة هذا وفى كشف الاسرار وردت فى عجائب صور الملائكة اخبار يقال ان حملة العرش لهم قرون وهم فى صورة الأوعال: يعنى [بزان كوهى] وفى الخبر (ان فى السماء ملائكة نصفهم ثلج ونصفهم نار تسبيحهم يا من يؤلف بين الثلج والنار الف بين قلوب المؤمنين) وقيل لم يجمع الله فى الأرض لشىء من خلقه بين الاجنحة والقرون والخراطيم والقوائم الا لاضعف خلقه وهو البعوض وفيه ايضا [هر چند كه فرشتكان مقربان دركاه عزت اند وطاوسان حضرت با اين مرتبت خاكيان مؤمنان بر ايشان شرف دارند] كما قال عليه السلام (المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده) فالملائكة وان طاروا من الأرض الى السماء فى اسرع وقت فاهل الشهود طاروا الى ما فوق السماء فى لمحة بصر فلهم اجنحة من العقول السليمة والألباب الصافية والتوجهات المسرعة والجذبات المعجلة اجتهدوا وسلكوا ثم صاروا ثم طاروا طيرانا عجز عنده الملائكة وحاروا واليه الاشارة بقوله عليه السلام (لى مع الله وقت لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل)
313
بر بساط بوريا سير دو عالم ميكنيم با وجود نى سوارى برق جولانيم ما
چون باوج حق پريم عاجز شود از ما ملك كرد باد لامكانى طرفه سيرانيم ما
يَزِيدُ الله تعالى: يعنى [زياده ميكند ومى افزايد] فان زاد مشترك بين اللازم والمتعدى وليس فى اللغة ازاد فِي الْخَلْقِ فى أي خلق كان من الملائكة وغيرهم فاللام للجنس والخلق بمعنى المخلوق ما يَشاءُ كل ما يشاء ان يزيده بموجب مشيئته ومقتضى حكمته من الأمور التي لا يحيط بها الوصف فليس تفاوت احوال الملائكة فى عدد الاجنحة وكذا تفاوت احوال غيرهم فى بعض الأمور تستدعيه ذواتهم بل ذلك من احكام المشيئة ومقتضيات الحكم وذلك لان اختلاف الأصناف بالخواص والفصول بالأنواع ان كان لذواتهم المشتركة لزم تنافى لوازم الأمور المتفقة وهو محال والآية متناولة لزيادات الصور والمعاني فمن الاولى حسن الصورة خصوصا الوجه قيل ما بعث الله نبيا الأحسن الشكل وكان نبينا عليه السلام أملح: يعنى [بر يوسف عليه السلام مليحتر وشيرين تر بود] فمن قال كان اسود يقتل كما فى هدية المهديين الا ان لا يريد التقبيح بل الوصف بالسمرة والأسود العرب كما ان الأحمر العجم كما قال عليه السلام (بعثت الى الأسود والأحمر) آن سيه چرده كه شيرينىء عالم با اوست ومنها ملاحة العينين واعتدال الصورة وسهولة اللسان وطلاقته وقوة البطش والشعر الحسن والصوت الحسن وكان نبينا عليه السلام طيب النغمة وفى الحديث (لله أشد اذنا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب قينة الى
قينته) اى من استماع مالك جارية مغنية أريد هنا المغنية وفى الحديث (زينوا القرآن بأصواتكم) اى أظهروا زينته بحسن أصواتكم والا فجل كلام الخالق ان يزينه صوت مخلوق ورخص تحسين الصوت والتطريب ما لم يتغير المعنى بزيادة او نقصان فى الحروف
چنانكه ميرود از جاى دل بوقت سماع هم از سماع بمأواى خود كند پرواز
خدايرا حدىء عاشقانه سر كن كه بى حدى نشود قطع راه دور ودراز
ومنها حسن الخط وفى الخبر عن رسول الله ﷺ (الخط الحسن يزيد الحق وضحا) وهو بالفتح الضوء والبياض وفى الحديث (عليكم بحسن الخط فانه من مفاتيح الرزق) يقول الفقير حسن الخط مما يرغب فيه الناس فى جميع البلاد فاستكمال صنعة الكتابة من الكمالات البشرية وان كانت من الزيادات لا من المقاصد وقد يتعيش بعض الفقراء بمنافع قلمه ولا يحتاج الى الغير فتكون المنة لله على كل حال
برو بحسن خطت دل فراخ كن يارا ز تنكدستى مبر شكوه اهل دنيا را
ومن الثانية كمال العقل وجزالة الرأى وجراءة القلب وسماحة النفس وغير ذلك من الزيادات المحمودة [در حقايق سلمى آورده كه تواضع در اشراف وسخا در اغنيا وتعفف در فقرا وصدق در مؤمنان وشوق در محبان امام قشيرى فرموده كه علو همت است همت عالى كسى را دهد كه خود خواهد] فالمراد بعلو الهمة التعلق بالمولى لا بالدنيا والعقبى
314
(الدنيا غنيمة الأكياس وغفلة الجهال) وذلك لان الأكياس يزرعون فى مزرعة الدنيا انواع الطاعات فيغتنمون بها يوم الحصاد بخلاف من جهل ان الدنيا مزرعة الآخرة
همايى چون تو عالى قدر حرص استخوان حيفست دريغا سايه همت كه بر نااهل افكندى
نكه دار فرصت كه عالم دميست دمى پيش دانا به از عالميست
دل اندر دلارام دنيا مبند كه ننشست با كس كه دل برنكند
وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ وكرمه وعفوه وسعة رحمته الْغَرُورُ فعول صيغة مبالغة كالشكور والصبور وسمى به الشيطان لانه لا نهاية لغروره: بالفارسية [فريفتن] وفى المفردات الغرور كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين وبالدنيا لما قيل الدنيا تغر وتضر وتمر. والمعنى ولا يغرنكم بالله الشيطان المبالغ فى الغرور بان يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعاصي قائلا اعملوا ما شئتم ان الله غفور يغفر الذنوب جميعا وانه غنى عن عبادتكم وتعذيبكم فان ذلك وان أمكن لكن تناول الذنوب بهذا التوقع من قبيل تناول السم اعتمادا على دفع الطبيعة فالله تعالى وان كان أكرم الأكرمين مع اهل الكرم لكنه شديد العقاب مع اهل العذاب [بزركان فرموده اند كه يكى مصائد إبليس تسويفست در توبه يعنى توبه بنده را در تأخير افكند كه فرصت باقيست عشرت نقد از دست مده
امشب همه شب يار ومى وشاهد باش چون روز شود توبه كن وزاهد باش
[عاقل بايد كه بدين فريب از راه نرود واز نكته «الفرصة تمر مر السحاب» غافل نكردد] عذر با فردا فكندى عمر فردا را كه ديد إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ عداوة قديمة بما فعل بأبيكم ما فعل لا تكاد تزول وتقديم لكم للاهتمام به فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا بمخالفتكم له فى عقائدكم وأفعالكم وكونكم على حذر منه فى جميع أحوالكم [از بزركى پرسيدند كه چكونه شيطانرا دشمان كيريم كفت از پى آرزو مرويد ومتابع هواى نفس مشويد وهر چهـ كنيد بايد كه موافق شرع ومخالف طبع بود] فلا تكفى العداوة باللسان فقط بل يجب ان تكون بالقلب والجوارح جميعا ولا يقوى المرء على عداوته الا بملازمة الذكر ودوام الاستعانة بالرب فان من هجم عليه كلاب الراعي يشكل عليه دفعها الا ان ينادى الراعي فانه يطردها بكلمة منه إِنَّما يَدْعُوا الشيطان حِزْبَهُ جماعته واتباعه قال فى التأويلات حزبه المعرضون عن الله المشتغلون بغير الله لِيَكُونُوا اى حزبه مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ: يعنى [جز اين نيست كه مى خواند شيطان باتباع هوى وميل بدنيا كروه خود را يعنى پيروان وفرمان برداران را تا باشند در آخرت با آواز ياران آتش يعنى ملازمان دوزخ] قال فى الإرشاد تقرير لعداوته وتحذير من طاعته بالتنبيه على ان غرضه فى دعوة شيعته الى اتباع الهوى والركون الى ملاذ الدنيا ليس تحصيل مطالبهم ومنافعهم الدنيوية كما هو مقصد المتحابين فى الدنيا عند سعى بعضهم فى حاجة بعض بل هو توريطهم والقاؤهم فى العذاب المخلد من حيث لا يحتسبون الَّذِينَ كَفَرُوا اى ثبتوا على الكفر بما وجب به الايمان وأصروا عليه لَهُمْ بسبب كفرهم واجابتهم لدعوة الشيطان
الإثبات والقتل والإخراج كما حكى الله عنهم فى سورة الأنفال بقوله (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) لَهُمْ بسبب مكراتهم عَذابٌ شَدِيدٌ فى الدنيا والآخرة لا يدرك غايته ولا يبالى عنده بما يمكرون به وَمَكْرُ أُولئِكَ المفسدين الذين أرادوا ان يمكروا به عليه السلام. وضع اسم الاشارة موضع ضميرهم للايذان بكمال تميزهم بما هم فيه من الشر والفساد عن سائر المفسدين واشتهارهم بذلك هُوَ خاصة دون مكر الله بهم وفى الإرشاد لا من مكروا به يَبُورُ يهلك ويفسد فان البوار فرط الكساد ولما كان فرط الكساد يؤدى الى الفساد كما قيل كسد حتى فسد عبر بالبوار عن الهلاك والفساد ولقد ابارهم الله تعالى ابارة بعد ابارة مكراتهم حيث أخرجهم من مكة وقتلهم واثبتهم فى قليب بدر فجمع عليهم مكراتهم الثلاث التي اكتفوا فى حقه عليه السلام بواحدة منهن قل كل يعمل على شاكلته فللمكر السيّء قوم أشقياء غاية أمرهم الهلاك وللكلم الطيب والعمل الصالح قوم سعداء نهاية شأنهم النجاة قال مجاهد وشهر بن حوشب المراد بالآية اصحاب الرياء وفى التأويلات النجمية بقوله (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ) يشير الى الذين يظهرون الحسنات بالمكر ويخفون السيئات من العقائد الفاسدة ليحسبهم الخلق من الصالحين الصادقين (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) وشدة عذابهم فى تضعيف عذابهم فانهم يعذبون بالسيئات التي يخفونها ويضاعف لهم العذاب بمكرهم فى اظهار الحسنات دون حقيقتها كما قال تعالى (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) اى مكرهم يبوّرهم ويهلكهم انتهى وانما تظهر الكرامات بصدق المعاملات قال ابو يزيد البسطامي قدس سره [كفت شبى خانه روشن كشت كفتم اگر شيطانست من از ان عزيزترم وبلند همت كه او را در من طمع افتد واگر از نزديك تست بگذار تا از سراى خدمت بسراى كرامت رسم] فالخدمة فى طريق الحق بالخلوص وسيلة الى ظهور الأنوار وانكشاف الاسرار وقد قيل ليس الايمان بالتمني يعنى لا بد للتصديق من مقارنة العمل ولا بد لتحقيق التصديق من صدق المعاملة فمن وقع فى التمني المجرد فقد اشتهى جريان السفينة فى البر
كر همه علم عالمت باشد... بى عمل مدعى وكذابى
حفظنا الله وإياكم من ترك المحافظة على الشرائع والاحكام وشرفنا بمراعاة الحدود والآداب فى كل فعل وكلام انه ميسر كل مراد ومرام وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ دليل آخر على صحة البعث والنشور اى خلقكم ابتداء من التراب فى ضمن خلق آدم خلقا اجماليا لتكونوا متواضعين كالتراب. وفى الحديث (ان الله جعل الأرض ذلولا تمشون فى مناكبها وخلق بنى آدم من التراب ليذلهم بذلك فابوا الا نخوة واستكبارا ولن يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من كبر) وقال بعضهم من تراب تقبرون وتدفنون فيه وفى التأويلات النجمية يشير الى انكم ابعد شىء من المخلوقات الى الحضرة لان التراب أسفل المخلوقات وكثيفها فان فوقه ماء وهو ألطف منه وفوق الماء هواء وهو ألطف منه وفوق الهواء اثير وهو ألطف من الهواء وفوق الأثير السماء وهى ألطف من الأثير ولكن لا تشبه
326
لطافة السماء بلطافة ما تحتها من العناصر لان لطافة العناصر من لطافة الأجسام ولطافة السموات من لطافة الاجرام. فالفرق بينهما ان لطافة الأجسام تقبل الخرق والالتئام ولطافة السموات لا تقبل الخرق والالتئام وفوق كل سماء سماء هى ألطف منها الى الكرسي وهو ألطف من السموات وفوقه العرش وهو ألطف من الكرسي وفوقه عالم الأرواح وهو الطف من العرش ولكن لا تشبه لطافة الأرواح بلطافة العرش والسموات لانها لطافة الاجرام فالفرق بينهما ان لطافة الاجرام قابلة للجهات الست ولطافة الأرواح غير قابلة للجهات وفوق الأرواح هو الله القاهر فوق عباده وهو ألطف من الأرواح ولكن لطافته لا تشبه لطافة الأرواح لان لطافة الأرواح نورانية علوية محيطة بما دونها احاطة العلم بالمعلوم والله تعالى فوق كل شىء وهو منزه عن هذه الأوصاف ليس كمثله شىء وهو السميع البصير العليم ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ النطفة هى الماء الصافي الخارج من بين الصلب والترائب قل او كثر اى ثم خلقكم من نطفة خلقا تفصيليا لتكونوا قابلين لكل كمال كالماء الذي هو سر الحياة ومبدأ العناصر الاربعة وقال بعضهم خلقكم من تراب يعنى آدم وهو اصل الخلق ثم من نطفة ذرية منه
بالتناسل والتوالد وفى التأويلات يشير الى انه خلقكم من أسفل المخلوقات وهى النطفة لان التراب نزل دركة المركبية ثم دركة النباتية ثم دركة الحيوانية ثم دركة الانسانية ثم دركة النطفة فهى أسفل سافلى المخلوقات وهى آخر خلق خلقه الله تعالى من اصناف المخلوقات كما ان أعلى الشجرة آخر شىء يخلقه الله وهو البذر الذي يصلح ان توجد منه الشجرة فالبذر آخر صنف خلق من اصناف اجزاء الشجرة ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً أصنافا احمر وابيض واسود او ذكرانا وإناثا وعن قتادة جعل بعضكم زوجا لبعض وفى التأويلات يشير الى ازدواج الروح والقالب فالروح من أعلى مراتب القرب والقالب من أسفل دركات البعد فبكمال القدرة والحكمة جمع بين اقرب الأقربين وابعد الأبعدين ورتب للقالب فى ظاهره الحواس الخمس وفى باطنه القوى البشرية ورتب للروح المدركات الروحانية ليكون بالروح والقالب مدركا لعوالم الغيب والشهادة كلها وعالما بما فيها خلافة عن حضرة الربوبية عالم الغيب والشهادة
آدمي شاه وكائنات سپاه... مظهر كل خليفه الله
وَما نافية تَحْمِلُ [بر نكيرد يعنى از فرزند] مِنْ أُنْثى [هيچ زنى] من مزيدة لاستغراق النفي وتأكيده والأنثى خلاف الذكر ويقالان فى الأصل اعتبارا بالفرجين كما فى المفردات وَلا تَضَعُ [وننهد آنچهـ در شكم اوست يعنى نزايد] إِلَّا حال كونها ملتبسة بِعِلْمِهِ تابعة لمشيئته قال فى بحر العلوم بعلمه فى موضع الحال والمعنى ما يحدث شىء من حمل حامل ولا وضع واضع الا وهو عالم به يعلم مكان الحمل ووضعه وأيامه وساعاته وأحواله من الخداج والتمام والذكورة والأنوثة وغير ذلك وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ ما نافية [والتعمير: عمر دادن] والمعمر من أطيل عمره ويقال للمعمر ابن الليالى. وقوله من معمر اى من أحد ومن زائدة لتأكيد النفي كما فى من أنثى وانما سمى معمرا باعتبار مصيره يعنى هو من باب
327
تسمية الشيء بما يأول اليه والمعنى وما يمد فى عمر أحد وما يطول: وبالفارسية [وزندكانى داده نشود هيچ درازى عمرى] وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ العمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة وعن ابن عمر رضى الله عنهما انه قرأه من عمره بجزم الميم وهما لغتان مثل نكر ونكر والضمير راجع الى المعمر والنقصان من عمر المعمر محال فهو من التسامح فى العبارة ثقة بفهم السامع فيراد من ضمير المعمر ما من شأنه ان يعمر على الاستخدام والمعنى ولا ينقص من عمر أحد لكن لا على معنى لا ينقص من عمره بعد كونه زائدا بل على معنى لا يجعل من الابتداء ناقصا: وبالفارسية [وكم كرده نشود از عمر معمرى ديكر يعنى كه بعمر معمر أول نرسد] إِلَّا فِي كِتابٍ اى اللوح او علم الله او صحيفة كل انسان إِنَّ ذلِكَ المذكور من الخلق وما بعده مع كونه محارا للعقول والافهام عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لاستغنائه عن الأسباب فكذلك البعث وفى بحر العلوم ان ذلك اشارة الى ان الزيادة والنقص على الله يسير لا يمنعه منه مانع ولا يحتاج فيه الى أحد واعلم ان الزيادة والنقصان فى الآية بالنسبة الى عمرين كما عرفت والا فمذهب اكثر المتكلمين وعليه الجمهور ان العمر يعنى عمر شخص واحد لا يزيد ولا ينقص وقيل الزيادة والنقص فى عمر واحد باعتبار اسباب مختلفة أثبتت فى اللوح مثل ان يكتب فيه ان حج فلان فعمره ستون والا فاربعون فاذا حج فقد بلغ الستين وقد عمر وإذا لم يحج فلا يجاوز الأربعين فقد نقص من عمره الذي هو الغاية وهو الستون وكذا ان تصدق او وصل الرحم فعمره ثمانون والا فخمسون واليه أشار عليه السلام بقوله (الصدقة والصلة تعمر ان الديار وتزيدان فى الأعمار) وفى الحديث (ان المرء ليصل رحمه وما بقي من عمره الا ثلاثة ايام فينسئه الله الى ثلاثين سنة وانه ليقطع الرحم وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيرده الله الى ثلاثة ايام) وفى الحديث (بر الوالدين يزيد فى العمر والكذب ينقص الرزق والدعاء يرد القضاء) قال بعض الكبار لم يختلف أحد من علماء الإسلام فى ان حكم القضاء والقدر شامل لكل شىء ومنسحب على جميع الموجودات ولوازمها من الصفات والافعال والأحوال وغير ذلك
. فما الفرق بين ما نهى النبي عليه السلام عن الدعاء فيه كالارزاق المقسومة والآجال المضروبة وبين ما حرّض عليه كطلب الاجارة من عذاب النار وعذاب القبر ونحو ذلك فاعلم ان المقدورات على ضربين ضرب يختص بالكليات وضرب يختص بالجزئيات التفصيلية فالكليات المختصة بالإنسان قد اخبر عليه السلام انها محصورة فى اربعة أشياء وهى العمر والرزق والاجل والسعادة او الشقاوة وهى لا تقبل التغير فالدعاء فيها لا يفيد كصلة الرحم الا بطريق الفرض يعنى لو أمكن ان يبسط فى الرزق ويؤخر فى الاجل لكان ذلك بالصلة والصدقة فان لهما تأثيرا عظيما ومزيّة على غيرهما ويجوز فرض المحال إذا تعلق بذلك الحكمة قال تعالى (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) واما الجزئيات ولوازمها التفصيلية فقد يكون ظهور بعضها وحصوله للانسان متوقفا على اسباب وشروط ربما كان الدعاء والكسب والسعى والعمل من جملتها بمعنى انه لم يقدّر حصوله بدون الشرط او الشروط وقال ابن الكمال اما الذي يقتضيه النظر الدقيق فهو ان المعمر الذي قدر له العمر الطويل يجوز ان يبلغ حد ذلك العمر وان لا يبلغه
328
لا يقدر ان يصلح امره الا بالأعوان لان الأمير ما لم يكن له خدم وأعوان لا يقدر على الامارة وكذا التاجر يحتاج الى المكارين والله الغنىّ عن الأعوان وغيرها وفى الاسئلة المقحمة معناه الغنىّ عن خلقه فلو لم يخلقهم لجاز ولو ادام حياتهم لابتلاهم كلفهم او لم يكلفهم فالكل عنده بمثابة واحدة لانه غنى عنهم خلافا للمعتزلة حيث قالوا لو لم يكلفهم معرفته وشكره لم يكن حكيما وهذا غاية الخزي ويفضى الى القول بان خلقهم لنفع او دفع وهو قول المجوس بعينه حيث زعموا وقالوا خلق الله الملائكة ليدفع بهم عن نفسه أذى الشيطان انتهى الْحَمِيدُ المنعم على جميع الموجودات حتى استحق عليهم الحمد على نعمته العامة وفضله الشامل فالله الغنىّ المغني قال الكاشفى [ببايد دانست كه ماهيات ممكنه در وجود محتاجند بفاعل (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) اشارة با آنست وحق سبحانه وتعالى بحسب كمال ذاتى خود از وجود عالم وعالميان مستغنيست (وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ) عبارت از آنست و چون ظهور كمال أسمائي موقوفست بر وجود اعيان ممكنات پس در إيجاد آن كه نعمتيست كبرى مستحق حمد است وثنا كلمه (الْحَمِيدُ) بدان ايمايى مينمايد وازين رباعى پى بدين معنى توان برد]
تا خود كردد بجمله أوصاف عيان واجب باشد كه ممكن آيد بميان
ور نه بكمال ذاتى از آدميان فردست وغنى چنانكه خود كرد بيان
إِنْ يَشَأْ اى الله تعالى يُذْهِبْكُمْ عن وجه الأرض ويعدمكم كما قدر على ايجادكم وبقائكم وَيَأْتِ [وبيارد] بِخَلْقٍ مخلوق جَدِيدٍ مكانكم وبدلكم ليسوا على صفتكم بل مستمرون على الطاعة فيكون الخلق الجديد من جنسهم وهو الآدمي او يأت بعالم آخر غير ما تعرفونه: يعنى [يا كروهى بيارد كس نديده ونشنيده بود] فيكون من غير جنسهم وعلى كلا التقديرين فيه اظهار الغضب للناس الناسين وتخويف لهم على سرفهم ومعاصيهم وفيه ايضا من طريق الاشارة تهديد لمدعى محبته وطلبه اى ان لم تطلبوه حق الطلب يفنكم ويأت بخلق جديد فى المحبة والطلب وَما ذلِكَ اى ما ذكر من الاذهاب بهم والإتيان بآخرين عَلَى اللَّهِ متعلق بقوله بِعَزِيزٍ بمتعذر ولا صعب ومتعسر بل هو هين عليه يسير لشمول قدرته على كل مقدور ولذلك يقدر على الشيء وضده فاذا قال لشىء كن كان من غير توقف ولا امتناع وقد أهلك القرون الماضية واستخلف الآخرين الى ان حاء نوبة قريش فناداهم بقوله يا ايها الناس وبين انهم محتاجون اليه احتياجا كليا وهو غنى عنهم وعن عبادتهم ومع ذلك دعاهم الى ما فيه سعادتهم وفوزهم وهو الايمان والطاعة وهم مع احتياجهم لا يجيبونه فاستحقوا الهلاك ولم يبق الا المشيئة ثم انه تعالى شاء هلاكهم لاصرارهم فهلك بعضهم فى بدر وبعضهم فى غيره من المعارك وخلق مكانهم من يطيعونه تعالى فيما أمرهم به ونهاهم عنه ويستحقون بذلك فضله ورحمته واستمر الافناء والإيجاد الى يومنا هذا لكن لا على الاستعجال بل على الامهال فانه تعالى صبور لا يؤاخذ العصاة على العجلة ويؤخر العقوبة ليرجع التائب ويقلع المصر ففى الآية وعظ وزجر لجميع الأصناف من الملوك ومن دونهم فمن أهمل امر الجهاد لم يجد المهرب من بطش رب العباد ومن ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فقد
والميت ما زال عنه ذلك وجه التمثيل ان المؤمن منتفع بحياته إذ ظاهره ذكر وباطنه فكر دون الكافر إذ ظاهره عاطل وباطنه باطل وقال بعض العلماء هو تمثيل للعلماء والجهال وتشبيه الجهلة بالأموات شائع ومنه قوله
لا تعجبن الجهول خلته فاته الميت ثوبه كفن
لان الحياة المعتبرة هى حياة الأرواح والقلوب وذلك بالحكم والمعارف ولا عبرة بحياة الأجساد بدونها لاشتراك البهائم فيها قال بعض الكبار الاحياء عند التحقيق هم الواصلون بالفناء التام الى الحياة الحقيقية وهم الذين ماتوا بالاختيار قبل ان يموتوا بالاضطرار ومعنى موتهم إفناء أفعالهم وصفاتهم وذواتهم فى افعال الحق وصفاته وذاته وازالة وجودياتهم بالكلية طبيعة ونفسا واليه الاشارة بقوله عليه السلام (من أراد ان ينظر الى ميت متحرك فلينظر الى ابى بكر) فالحياة المعنوية لا يطرأ عليها الفناء بخلاف الحياة الصورية فانها تزول بالموت فطوبى لاهل الحياة الباقية وللمقارنين بهم والآخذين عنهم قال ابراهيم الهروي كنت بمجلس ابى يزيد البسطامي قدس سره فقال بعضهم ان فلانا أخذ العلم من فلان قال ابو يزيد المساكين أخذوا العلوم من الموتى ونحن أخذنا العلم من حى لا يموت وهو العلم اللدني الذي يحصل من طريق الإلهام بدون تطلب وتكلف: قال الشيخ سعدى قدس سره
نه مردم همين استخوانند و پوست نه هر صورتى جان ومعنى دروست
نه سلطان خريدار هر بنده ايست نه در زير هر ژنده زنده ايست
إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ كلامه اسماع فهم واتعاظ وذلك بإحياء القلب مَنْ يَشاءُ ان يسمعه فينتفع بانذارك وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ جمع قبر وهو مقر الميت وقبرته جعلته فى القبر. وهذا الكلام ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات وإشباع فى إقناطه عليه السلام من ايمانهم وترشيح الاستعارة اقترانها بما يلائم المستعار منه شبه الله تعالى من طبع على قلبه بالموتى فى عدم القدرة على الاجابة فكما لا يسمع اصحاب القبور ولا يجيبون كذلك الكفار لا يسمعون ولا يقبلون الحق إِنْ ما أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ منذر بالنار والعقاب واما الاسماع البتة فليس من وظائفك ولا حيلة لك اليه فى المطبوع على قلوبهم الذين هم بمنزلة الموتى وقوله (إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ) إلخ وقوله (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) وقوله (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) وغير ذلك لتمييز مقام الالوهية عن مقام النبوة كيلا يشتبها على الامة فيضلوا عن سبيل الله كما ضل بعض الأمم السالفة فقال بعضهم عزير ابن الله وقال بعضهم المسيح ابن الله وذلك من كمال رحمته لهذه الامة وحسن توفيقه يقول الفقير أيقظه الله القدير ان قلت قد ثبت انه عليه السلام امر يوم بدر بطرح أجساد الكفار فى القليب ثم ناداهم بأسمائهم وقال (هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا فانى وجدت ما وعدني الله حقا) فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله كيف تكلم أجساد الأرواح فيها فقال عليه السلام (ما أنتم باسمع لما أقول منهم غير انهم لا يستطيعون ان يردوا شيأ) فهذا الخبر يقتضى ان النبي عليه السلام اسمع من فى القليب وهم موتى وايضا تلقين الميت بعد الدفن للاسماع والا فلا
وحمرة الا انه عبر عن اللونين بالألوان لتكثر كل واحد منهما باعتبار محاله كذا فى حواشى ابن الشيخ يقول الفقير من شاهد جبال ديار العرب فى طريق الحج وغيرها وجد هذه الاقسام كلها فانها وجددها مختلفة متلونة وَغَرابِيبُ سُودٌ عطف على بيض فيكون من تفاصيل الجدد والصفات القائمة بها كالبيض والحمر كأنه قيل ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود غرابيب. وانما وسط الاختلاف لانه علم من الوصف بالغرابيب انه ليس فى الأسود اختلاف اللون بالشدة والضعف. ويجوز ان يكون غرابيب عطفا على جدد فلا يكون داخلا فى تفاصيل الجدد بل يكون قسيمها كأنه قيل ومن الجبال مخطط ذو جدد ومنها ما هو على لون واحد وهو السواد فالغرض من الآية اما بيان اختلاف ألوان طرائق الجبال كاختلاف ألوان الثمرات فترى الطرائق الجبلية من البعيد منها بيض ومنها حمر ومنها سود واما بيان اختلاف ألوان الجبال نفسها وكل منها اثر دال على القدرة الكاملة كذا فى حواشى ابن الشيخ. والغرابيب جمع غربيب كعفريت يقال اسود غربيب اى شديد السواد الذي يشبه لون الغراب وكذا يقال اسود حالك كما يقال اصفر فاقع وابيض يقق محركة واحمر قان لخالص الصفرة وشديد البياض والحمرة وفى الحديث (ان الله يبغض الشيخ الغربيب) يعنى الذي يخضب بالسواد كما فى تفسير القرطبي والذي لا يشيب كما فى المقاصد الحسنة والسود جمع اسود فان قلت إذا كان الغربيب تأكيدا للاسود كالفاقع مثلا للاصفر ينبغى ان يقال وسود غرابيب بتقديم السود إذ من حق التأكيد ان يتبع المؤكد ولا يتقدم عليه قلت الغرابيب تأكيد لمضمر يفسره ما بعده والتقدير سود غرابيب سود فالتأكيد إذا متأخر عن المؤكد وفى الإضمار ثم الإظهار مزيد تأكيد لما فيه من التكرار وهذا أصوب من كون السود بدلا من الغرابيب كما ذهب اليه الأكثر حتى صاحب القاموس كما قال واما غرابيب سود بدل لان تأكيد الألوان لا يتقدم وَمِنَ النَّاسِ [واز آدميان] وَالدَّوَابِّ [واز چهار پايان] جمع دابة وهى ما يدب على الأرض من الحيوان وغلب على ما يركب من الخيل والبغال والحمير ويقع على المذكر وَالْأَنْعامِ [واز چرندكان] جمع نعم محركة وقد يسكن عينه الإبل والبقر والضأن والمعز دون غيرها فالخيل والبغال والحمير خارجة عن الانعام والمعنى ومنهم بعض مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ او وبعضهم مختلف ألوانه بان يكون ابيض واحمر واسود ولم يقل هنا ألوانها لان الضمير يعود الى البعض الدال عليه من كَذلِكَ تم الكلام هنا وهو مصدر تشبيهى لقوله مختلف اى صفة لمصدر مؤكد تقديره مختلف اختلافا كائنا كذلك اى كاختلاف الثمار والجبال إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ يعنى [هر كه نداند قدرت خدايرا بر آفريدن اشيا وعالم نبود بتحويل هر چيزى از حالى بحالي چكونه از خداى تعالى ترسد (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ) إلخ وفى الإرشاد وهو تكملة لقوله تعالى (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) بتعيين من يخشاه من الناس بعد بيان اختلاف طبقاتهم وتباين مراتبهم اما فى الأوصاف المعنوية فبطريق التمثيل واما فى الأوصاف الصورية فبطريق التصريح توفية لكل واحدة منها حقها اللائق بها من البيان
أفضل الكتب الالهية وهذه الامة المرحومة أفضل جميع الأمم السابقة وفى التأويلات النجمية اى الذي ذكر من الظالم مع السابق فى الايراث والاصطفاء ودخول الجنة ومن دقائق حكمته انه تعالى ما قال فى هذا المعرض الفضل العظيم لان الفضل العظيم فى حق الظالم ان يجمعه مع السابق فى الفضل والمقام كما جمعه معه فى الذكر جَنَّاتُ عَدْنٍ يقال عدن بمكان كذا إذا استقر ومنه المعدن لمستقر الجواهر كما فى المفردات اى بساتين استقرار وثبات واقامة بلا رحيل لانه لا سبب للرحيل عنها وهو اما بدل من الفضل الكبير بتنزيل السبب منزلة المسبب او مبتدأ خبره قوله تعالى يَدْخُلُونَها جمع الضمير لان المراد بالسابق الجنس وتخصيص حال السابقين وما لهم بالذكر والسكوت عن الفريقين الآخرين وان لم يدل على حرمانهما من دخول الجنة مطلقا لكن فيه تحذير لهما من التقصير وتحريض على السعى فى ادراك شئون السابقين وقال بعضهم المراد بالاصناف الثلاثة الكافر والمنافق والمؤمن او اصحاب المشأمة واصحاب الميمنة ومن أريد بقوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) او المنافقون والمتابعون بالإحسان واصحاب النبي عليه السلام او من يعطى كتابه وراء ظهره ومن يعطى كتابه بشماله ومن يعطى كتابه بيمينه فعلى هذه الأقوال لا يدخل الظالم فى الجنات لكونه غير مؤمن وحمل هذا القائل الاصطفاء على الاصطفاء فى الخلقة وإرسال الرسول إليهم وإنزال الكتاب والاول هو الأصح وعليه عامة اهل العلم كما فى كشف الاسرار قال ابو الليث فى تفسير أول الآية وآخرها دليل على ان الأصناف الثلاثة كلهم مؤمنون فاما أول الآية فقوله (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ) فاخبر انه اعطى الكتاب لهؤلاء الثلاثة واما آخر الآية فقوله (يَدْخُلُونَها) إذ لم يقل يدخلانها- وروى- عن كعب الأحبار انه قيل له ما منعك ان تسلم على يدى رسول الله عليه السلام قال كان ابى مكننى من جميع التوراة إلا ورقات منعنى ان انظر فيها فخرج ابى يوما لحاجة فنظرت فيها فوجدت فيها نعت امة محمد وان يجعلهم الله يوم القيامة ثلاثة أثلاث يدخلون الجنة بغير حساب وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ويدخلون الجنة وثلث تشفع لهم الملائكة والنبيون فاسلمت وقلت لعلى أكون من الصنف الاول وان لم أكن من الصنف الثاني او من الصنف الثالث فلما قرأت القرآن وجدتها فى القرآن وهو قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ) الى قوله (يَدْخُلُونَها) وفى التأويلات النجمية لما ذكرهم أصنافا ثلاثة رتبها ولما ذكر حديث الجنة والتنعم والتزين فيها ذكرهم على الجمع (جَنَّاتُ عَدْنٍ) الآية نبه على ان دخولهم الجنة لا باستحقاق بل بفضله وليس فى الفضل تميز فيما يتعلق بالنعمة دون ما يتعلق بالمنعم لان فى الخبر (ان من اهل الجنة من يرى الله سبحانه فى كل جمعة بمقدار ايام الدنيا مرة ومنهم من يراه فى كل يوم مرة ومنهم من هو غير محجوب عنه لحظة) كما سبق يُحَلَّوْنَ [التحلية: با زيور كردن] اى يلبسون على سبيل التزين والتحلي نساء ورجالا خبر ثان او حال مقدرة فِيها اى فى تلك الجنات مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ من الاولى تبعيضية والثانية بيانية. وأساور جمع اسورة وهو جمع سوار مثل كتاب وغراب معرب «دستواره» والمعنى يحلون بعض أساور من ذهب لانه أفضل من سائر افرادها اى بعضا سابقا لسائر الأبعاض
النجمية اى عالم بإخلاص المخلصين وصدق الصادقين وهما من غيب سموات القلوب وعالم بنفاق المنافقين وجحد الجاحدين وهما من غيب ارض النفوس انتهى ففيه وعد ووعيد وحكم الاول الجنة والقربة وحكم الثاني النار والفرقة قيل لا يا رب الا ما لا خير فيه قال كذلك لا ادخل النار من عبادى الا من لا خير فيه وهو الايمان
در خلائق روحهاى پاك هست روحهاى شيره كلناك هست
واجبست اظهار اين نيك وتباه همچنان اظهار كندمها ز كاه
هُوَ اى الله تعالى وهو مبتدأ خبره قوله الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ جمع خليفة واما خلفاء فجمع خليف وكلاهما بمعنى المستخلف اى جعلكم خلفاء فى ارضه والقى إليكم مقاليد التصرف فيها وسلطكم على ما فيها وأباح لكم منافعها او جعلكم خلفاء ممن كان قبلكم من الأمم وأورثكم ما بايديهم من متاع الدنيا لتشكروه بالتوحيد والطاعة وفيه اشارة الى ان كل واحد من الأفاضل والأراذل خليفة من خلفائه فى ارض الدنيا. فالافاضل يظهرون جمال صنائعه فى مرآة اخلاقهم الربانية وعلومهم اللدنية. والأراذل يظهرون كمال بدائعه فى مرآة حرفهم وصنعة أيديهم. ومن خلافتهم ان الله تعالى استخلفهم فى خلق كثير من الأشياء كالخبز فانه تعالى يخلق الحنطة بالاستقلال والإنسان بخلافته يطحنها ويخبزها وكالثوب فانه تعالى يخلق القطن والإنسان يغزله وينسج منه الثوب بالخلافة وهلم جرا فَمَنْ [پس هر كه] كَفَرَ منكم نعمة الخلافة بان يخالف امر مستخلفه ولا ينقاد لاحكامه ويتبع هواه فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ اى وبال كفره وجزاؤه وهو الطرد واللعن والنار لا يتعداه الى غيره وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً قال الراغب المقت البغض الشديد لمن يراه متعاطيا لقبيح: يعنى [نتيجه كفر ايشان بنسبت مكر بغض ربانى كه سبب غضب جاودانى همان تواند بود] وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً [مكر زيانى در آخرت كه حرمانست از جنت] والتكرير لزيادة التقرير والتنبيه على ان اقتضاء الكفر لكل واحد من الامرين الهائلين القبيحين بطريق الاستقلال والاصالة. والتنكير للتعظيم اى مقتا عظيما ليس وراءه خزى وصغار وخسارا عظيما ليس بعده شر وتبار قُلْ تبكيتا لهم أَرَأَيْتُمْ [آيا ديديد] شُرَكاءَكُمُ اى آلهتكم وأصنامكم والاضافة إليهم حيث لم يقل شركائى لانهم جعلوهم شركاء الله وزعموا ذلك من غير ان يكون له اصل ما أصلا الَّذِينَ تَدْعُونَ [ميخوانيد ايشانرا ومى پرستيد] مِنْ دُونِ اللَّهِ اى حال كونكم متجاوزين دعاء الله وعبادته أَرُونِي أخبروني: وبالفارسية [بنماييد وخبر كنيد مرا] وذلك لان الرؤية والعلم سبب الاخبار فاستعمل الاراءة فى الاخبار وهو بدل من أرأيتم بدل اشتمال كأنه قيل أخبروني عن شركائكم أروني ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أي جزء من اجزاء الأرض استبدوا بخلقه دون الله والمراد من الاستفهام نفى ذلك: وبالفارسية [اين شركا چهـ چيز آفريده اند از زمين وآنچهـ درو برويست] أَمْ لَهُمْ [آيا هست ايشانرا] شِرْكٌ فِي السَّماواتِ شركة مع الله فى خلق السموات ليستحقوا بذلك شركة فى الالوهية
Icon